تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 7 من 7 الأولىالأولى 1234567
النتائج 121 إلى 139 من 139

الموضوع: التتار من البداية إلى عين جالوت

  1. #121
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    تراجع الجناح الأيسر للجيش الإسلامي ونزول قطز إلى ميدان المعركة (121)


    ظهر تفوق الميمنة التترية كما أخبر بذلك من قبل رسول صارم الدين أيبك، وبدأت هذه الميمنة تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وظهر تأثر القوات الإسلامية بذلك، وأخذت ميسرة المسلمين تتراجع تدريجياً تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وازداد تساقط الشهداء، وظهرت الأزمة الكبرى، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون بذلك حول الجيش الإسلامي، وسوف تتعادل بذلك الكفتان، بل وقد ترجح كفة التتار، وهنا يصبح إغلاق السهل خطراً على المسلمين، كما كان خطراً على التتار.

    فما الذي سيعمله قطز رحمه الله؟ كان قطز رحمه الله يقف في مكان عال خلف الصفوف يراقب الموقف بكامله، ويوجه الفرق إلى سد الثغرات، ويخطط لكل صغيرة وكبيرة.


    حين شاهد قطز رحمه الله المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين، فدفع إليها بقوات احتياطية الواحدة تلو الأخرى، ولكن الضغط التتري استمر، وبدأ بعض المسلمين يشعر بصعوبة الموقف، وبدأت معنويات البعض تنهار وشكوا في النصر، ولا ننسى السمعة المرعبة لجيش التتار الذي قيل عنه: إنه لا يُهزم.


    كان قطز رحمه الله يشاهد كل ذلك، ويدفع بقوات إضافية إلى الميسرة، ولكن الموقف تأزم جداً، وهنا لم يجد قطز رحمه الله إلا حلاً واحداً لا بديل له، فقرر أن ينزل بنفسه رحمه الله إلى ساحة القتال، ويُثبت لجنوده بالطريقة التي اعتادها معهم أن الجهاد في سبيل الله عز وجل أُمنية، وأن الموت في سبيل الله مطلب لكل مسلم صادق، ويعلمهم بالطريقة التي اعتاد أن يعلمهم بها، وهي طريقة التربية بالقدوة، فنزل رحمه الله إلى أرض الموقعة، ولم ينزل بهيئته العسكرية الكاملة، وإنما خلع خوذته وألقاها على الأرض؛ تعبيراً عن اشتياقه للشهادة وعدم خوفه من الموت، وأطلق الصيحة الشهيرة التي قلبت الموازين تماماً في أرض المعركة، فصرخ قطز رحمه الله بأعلى صوته والجميع يسمع: وا إسلاماه! وا إسلاماه!

    وألقى السلطان المظفر القائد العظيم رحمه الله بنفسه وسط الأمواج المتلاطمة من البشر، وفوجئ الجنود الإسلاميون بوجود القائد الملك المظفر قطز رحمه الله في وسطهم، يعاني مما يعانون ويشعر بما يشعرون ويقاتل كما يقاتلون.
    فأي تأييد نزل عليهم، وأي تثبيت، وأي سكينة، وأي اطمئنان.


    وأصبحت القضية واضحة جداً أمام الجميع، القضية قضية الإسلام، القضية قضية وا إسلاماه، القضية ليست أبداً حفاظاً على ملك أو حماية لكرسي أو حرصاً على توريث لابن أو عائلة، فالقتال لله عز وجل، ويمكن أن تكون نهاية قطز رحمه الله، ويمكن أن يموت وهو في زهرة شبابه، فهو يقاتل في سبيل الله حقيقة، هكذا شعر الجنود، وشتان بين القائد الصادق الذي يعيش لدينه ولشعبه، والقائد الكاذب الذي يتكلم كثيراً عن فضائل الأعمال، وهو لا يعيش إلا لنفسه، فالتهب حماس الجنود، وهانت عليهم تماماً جيوش التتار، وحملوا أرواحهم على أكفهم، وانطلقوا في جسارة نادرة يصدون الهجمة التترية البشعة، فهي ليست هجمة على ذواتهم، بل هي هجمة على الإسلام،

    واشتعل القتال في سهل عين جالوت، واستحر القتل، وعلت أصوات تكبير الفلاحين على كل شيء، ولجأ المسلمون بصدق إلى ربهم في هذا اليوم المجيد من أيام شهر رمضان.
    وقاتل قطز رحمه الله قتالاً عجيباً.


    ثم صوب أحد التتر سهمه نحو قطز رحمه الله، فأخطأه السهم، وأصاب الفرس الذي كان يركب عليه قطز فقُتل الفرس من ساعته، فترجل قطز رحمه الله على الأرض، وقاتل ماشياً لا خيل له وما تردد، وما نكص على عقبيه، وما حرص على حياته رحمه الله، ورآه أحد الأمراء وهو يقاتل ماشياً، فجاء إليه مسرعاً، وتنازل له عن فرسه، إلا أن قطز رحمه الله امتنع،

    وقال: ما كنت لأحرم المسلمين نفعك، وظل يقاتل ماشياً إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية.
    وبعد هذه الموقعة لامه أحد الأمراء على هذا الموقف، وقال له: لم لمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك، وهلك الإسلام بسببك.


    فانتفض قطز رحمه الله وقال في يقين رائع: أما أنا لو قتلت فكنت أذهب إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه، وقد قُتل فلان وفلان وفلان، حتى عد خلقاً من الملوك، مثل: عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضع الإسلام، فرحمه الله فقد كان وما زال قدوة للمسلمين، وعلى أكتاف أمثاله تنهض الأمم.


    نتيجة مثل هذا الموقف أدت القوات الإسلامية أداءً راقياً جداً في القتال، وأخرجت كل إمكانيتها، ولم تكن قضيتها قضية موت أو حياة كالتتار، بل كانت إما نصر أو شهادة.



    وبدأت الكفة بفضل الله تميل من جديد لصالح المسلمين، وارتد الضغط على جيش التتار، وأطبق المسلمون الدائرة تدريجيًّا على التتار، {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #122
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    هزيمة التتار وهروبهم ومقتل كتبغانوين قائد التتار (122)




    تقدم أمير من أمراء المماليك المهرة من أمراء الشام الذين انضموا إلى جيش قطز رحمه الله قبل موقعة عين جالوت، من أمراء جيش الناصر الأيوبي الذي فر قبل ذلك، وهو الأمير جمال الدين آقوش الشمسي رحمه الله، فتقدم وأبلى بلاء حسناً في القتال، واخترق صفوف التتار حتى وصل إلى كتبغا القائد النصراني العجوز الخبير وقاتله، ورفع المسلم سيفه، ورفع الكافر سيفه، وأهوى المسلم بكل طاقته على الكافر، فأراد الله عز وجل أن يُقتل الكافر {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].
    فقُطعت رقبة الطاغية المتغطرس كتبغا على أرض القتال وسقط زعيم التتار، وبسقوطه سقطت كل عزيمة عند جيش التتار، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].


    كان مقتل كتبغا نقطة محورية في القتال، وتغير السيناريو تماماً عند التتار، فما أصبح لهم من هَمّ إلا أن يفتحوا لأنفسهم طريقاً في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب، وانطلق المسلمون الصادقون خلف التتار يقتلون فريقاً ويأسرون فريقاً.


    وسقطت جحافل التتار تحت أقدام المسلمين صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فضاعت السمعة، وضاعت الهيبة، ومُزّق الجيش الرهيب تمزيقاً، وركز جهده على فتح ثغرة في مدخل سهل عين جالوت الشمالي، واستطاعوا بعد جهد شديد أن يفتحوا ثغرة، ووصلوا بالفعل إلى الخروج من سهل عين جالوت، وبدءوا في الفرار في اتجاه الشمال، ولكن جيوش المسلمين كانت تجري خلفهم،


    فلم يكن الغرض أبداً في هذه الموقعة هو الانتصار في موقعة عابرة، أو تحقيق كسب سياسي مؤقت يتفاوضون بعده أبداً، وإنما كان الغرض الواضح هو تحرير البلاد بكاملها عن طريق الجهاد في سبيل الله.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #123
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    معركة بيسان وإبادة جيش التتار (123)



    كان التتار يقطعون الأرض شمالاً، والمسلمون لا يتركونهم، ووصل التتار الفارون إلى بيسان، وهي على بعد حوالي (20) كيلو متر شمال شرق عين جالوت، فوجدوا أن المسلمين جادون في طلبهم، فلم يجدوا إلا أن يصطفوا من جديد للقتال، ولتدور موقعة أخرى عند بيسان،
    أجمع المؤرخون على أنها أصعب من عين جالوت وقاتل التتار قتالاً رهيباً، ودافعوا عن حياتهم بكل قوة، وبدءوا يضغطون على المسلمين, وكادوا أن يقلبوا الأمور لمصلحتهم، وابتلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً، وكانت هذه اللحظات من أحرج اللحظات في حياة القوات الإسلامية مطلقاً،
    ورأى قطز رحمه الله كل ذلك، فهو لم يكن أبداً قريباً من الأحداث، وإنما كان في وسطها رحمه الله، فانطلق رحمه الله يحفز الناس، ويدعوهم للثبات، ثم أطلق صيحته الخالدة مرة أخرى وقال: وا إسلاماه، وا إسلاماه، وا إسلاماه، قالها ثلاث مرات، ثم قال في تضرع: يا الله! انصر عبدك قطز على التتار.

    الله أكبر، ما أحسن اعترافك يا قطز بعبوديتك في هذا المقام! فلستُ أنا الملكَ المظفر، ولستُ أنا أميرَ المسلمين، ولستُ أنا سلطانَ مصر، وإنما أنا عبدك.

    ويا أيها المؤمنون الصادقون! كيف يلجأ العبد بصدق إلى الله عز وجل ويتركه الله عز وجل؟ هذا أبداً لا يكون.

    دق قطز رحمه الله على الباب الذي ما طرقه صادق إلا وفُتح له، وتقرب رحمه الله إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض، وعندما يخشع ملوك الأرض فلابد أن يرحم جبار السماوات والأرض، وكان خشوع قطز الصادق هو الجبل الذي وقع على جيش التتار، فأهلكهم بكاملهم، فما إن انتهى من دعائه وطلبه رحمه الله إلا وخارت قوى التتار تماماً، وبدأ الجنود الذين روعوا الأرض قبل ذلك يتساقطون كالذباب على أرض بيسان، وقضى المسلمون تماماً على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وارتفعت راية الإسلام وتهاوت راية التتار.
    وجاءت اللحظة التي انتظرها المسلمون منذ أربعين سنة أو يزيد،{وَيَوْمَئ ذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:4 - 5].


    وتخيلوا أنه في موقعة عين جالوت أُبيد جيش التتار بكامله، هل سمعتم عن هذا؟! أو هل سمعتم عن مثل ذلك؟! لقد أبيد جيش التتار بكامله! ولم يبق على قيد الحياة من هذا الجيش أحد أبداً، وفني الجيش الذي اجتاح نصف الكرة الأرضية، وسفك دماء الملايين وخرّب مئات المدن، وعاث في الأرض فساداً، وانتصر الجيش الإسلامي العظيم.
    فهنيئاً لكم أيها المسلمون! بالنصر العظيم، وهنيئاً لك يا قطز! فقد حان وقت قطف الثمار.


    ولما رأى قطز رحمه الله جموع التتار صرعى على أرض بيسان المباركة، لم يفق ليتلقى التهنئة في ذلك الوقت ويرفع رأسه ويفتخر، بل إن أول شيء فعله رحمه الله أن نزل من على فرسه، ومرّغ وجهه على الأرض يسجد لله شكراً، ولم يدخله غرور المنتصرين، أو يرفع رأسه بزهو المتكبرين، ولم يشعر أنه قد فعل شيئاً، بل إن الفضل والمنة لله عز وجل، فهو الذي أنعم عليه واختاره ليكون مجاهداً، وهو الذي منّ عليه بالثبات، وهو الذي ألهمه الحكمة في القتال، والصواب في الرأي، وهو الذي هداه السبيل.
    وهنا أيها المؤمنون! بيت القصيد، أن تعرف أنك عبد لله عز وجل، لا تُنصر إلا بنصره، ولا تنجو إلا برحمته، ولا تتحرك إلا بإرادته {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4].

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #124
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت


    قطز رحمه الله في ميزان الإسلام (124)


    إذا أردتم أن تعرفوا قيمة قطز رحمه الله في ميزان الإسلام، فانظروا إلى كثير من الزعماء الذين ينتفخون كِبراً وزهواً وفخراً، ويتطاولون على خلق الله، ويُصَعِّرون خدودهم للناس، ويمشون في الأرض مرحاً، وكأنهم يخرقون الأرض أو يبلغون الجبال طولاً! وما فعلوا لأمتهم معشار ما فعله قطز رحمه الله، بل على العكس كانوا وبالاً على شعوبهم، وكانوا مصيبة على أممهم.

    وهنا تبرز قيمة قطز الحقيقية، وبضدها تتميز الأشياء.


    ومن هنا فلا عجب أبداً أن يُنصر قطز رحمه الله، ولا عجب أيضاً أن يُخذل غيره، والله عز وجل لا يظلم أحداً أبداً.
    يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10].


    فالإنسان هو الذي يختار، فلم يأت قطز رحمه الله في زمان تمكين ولا سيادة، ولا في ظروف طيبة ومريحة، ولم يحكم البلاد وهي قوية قاهرة، لم يجلس على الكرسي وأموال دولته لا تحصى، بل كانت كل الظروف تقريباً ضده، لكنه استعان بالله، وعمل بصدق وإخلاص، وحفّز الآخرين على العمل معه، فكان لابد من الوصول.


    ويوم يعمل المسلمون كما عمل قطز رحمه الله سيصلون حتماً إلى ما وصل إليه، وليس بالضرورة -كما تبين لنا في هذه القصة- أن يحتاج التغيير إلى سنوات أو قرون أو عقود، فقد كانت عين جالوت بعد عشرة أشهر فقط من تولي قطز مقاليد الأمور،

    ولكن من الضروري فعلاً أن يوجد المخلصون الصادقون العالمون العاملون، ووعد الله عز وجل لا يُخلف أبداً، وقد قال ربنا في كتابه الكريم: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51].

    إن معركة عين جالوت من أعظم المعارك في تاريخ الأرض، ولا شك أن آثارها لا تحصى ونتائجها لا تُعد، لا شك أن وراء هذا النصر أسباباً معروفة ووسائل معلومة، ولكن هذا الحديث يطول شرحه، وسنتحدث عنه بإذن الله في المحاضرة القادمة.


    أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، {فَسَتَذْكُرُون مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #125
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت


    أسباب تسلط التتار على المسلمين قبل موقعة عين جالوت (125)



    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    في المقالات السابقة تحدثنا عن موقعة عين جالوت، تلك الموقعة التي غيرت فعلاً من خريطة العالم، ومن جغرافية الأرض.
    والتعليقات على هذه الموقعة لا تنتهي، والدروس والعبر والفوائد والعظات لا تحصى،

    فكل خطوة من خطوات الجيش المسلم، وكل خطوة من خطوات الملك المظفر سيف الدين قطز رحمه الله تحتاج إلى وقفات طويلة؛ لأن موقعة عين جالوت سقط فيها الجيش التتري، الذي أفسد في الأرض إفساداً عظيماً، والله عز وجل لا يصلح عمل المفسدين، مع كون هذا الجيش جيشاً مفسداً إلا أنه سلط على المسلمين فترة طويلة من الزمان، مدة أربعين سنة متصلة، عاشها المسلمون في قهر وتعذيب وبطش وإجرام من التتار، وهزم فيها المسلمون في عشرات بل مئات المواقع الحربية، ثم دارت الأيام وتمت المعركة الهائلة عين جالوت، وانتصر المسلمون انتصاراً مبهراً حقاً، يقول ربنا في كتابه الكريم: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].

    وهنا يبرز سؤالان: ولابد لمن يتوسع في هذه الأحداث أن يخطر على ذهنه هذان السؤالان، وهذان السؤالان لهما إجابة واحدة:

    السؤال الأول: كيف سلط جيش التتار الفاسد المفسد على أمة الإسلام وهي خير منه، فمهما خالفت أمة الإسلام منهجها، ومهما بعدت وقصرت في واجباتها فهي ما زالت أمة الإسلام، فلماذا يسلط الله عز وجل أمة التتار المفسدة على أمة الإسلام؟
    السؤال الثاني: لماذا انتصر جيش التتار على المسلمين في كل المواقع السابقة، ثم هزم في موقعة عين جالوت وهو نفس الجيش؟ فلماذا انتصر سابقاً ثم هلك بكامله بهذه الصورة العجيبة في موقعة عين جالوت؟
    إن الإجابة على السؤالين نجدها في خطاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الصحابي العظيم الملهم إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، الذي كان يقود الجيوش الإسلامية المتجهة لحرب فارس في موقعة القادسية الكبرى، فقد قال له: (فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكون أشد احترازاً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لن نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله عز وجل يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدونا شر منا، فلن يسلط علينا).

    أي: كما نقول: إن التتار شر من المسلمين، فلن يسلطوا على المسلمين، أو نقول: إن اليهود شر من المسلمين، فلن يسلطوا على المسلمين، أو نقول: إن الأمريكان شر من المسلمين، فلن يسلطوا على المسلمين، أو نصف أي عدو من أعداء الله عز وجل بأنه شر، ولن يسلط على المسلمين.
    ثم قال: فرب قوم سلط عليهم من هو شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار، وكان وعداً مفعولاً.


    فاليهود لما أفسدوا في الأرض وعملوا ما يسخط الله من المعاصي، وابتعدوا عن شرعه عز وجل، سلط الله عليهم المجوس عباد النار، واليهود أهل كتاب، ومهما عصوا فهم أفضل من المجوس، ومع ذلك سلط الله عز وجل المجوس، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.


    ورسالة الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه هذه من أنفس ما قال رضي الله عنه، ومن أعظم الرسائل مطلقاً، والرسالة طويلة، وقد درسناها بالتفصيل في فتوح فارس، ودراستها في منتهى الأهمية في بناء الأمة الإسلامية.
    ومن هذا الجزء الذي ذكرناه من الرسالة يتضح أنه إذا عمل المسلمون بمعاصي الله، فإنهم يهزمون ويسلط عليهم الكفار من أهل الأرض.


    وإذا التزم المسلمون بتقوى الله عز وجل، وساروا على منهج ربهم، ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، انتصروا على الجيوش التي طالما انتصرت عليهم؛ فهم لا ينتصرون على هذه الجيوش بقوة الجسد، أو بكثرة العدد، أو بكفاءة العدد، وإنما ينتصرون عليهم بارتباطهم بربهم، وبعد أعدائهم عن رب العالمين سبحانه وتعالى.



    ومن هنا نفهم سبب تسلط جيش التتار أربعين سنة على المسلمين في الأرض، ثم سبب انتصار المسلمين في عين جالوت على هذا الجيش الذي دوخ بلاد المسلمين، وبلاد الأرض جميعاً عشرات الأعوام، وأيضاً نفهم أحداثاً كثيرة جداً تتكرر في التاريخ

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #126
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    تحرير دمشق من التتار (126)


    نرجع لـ قطز رحمه الله، وللجيش الإسلامي العظيم بعد الانتصار الرائع في عين جالوت، فإن مهمة قطز رحمه الله وجيشه لم تنته، فما زال هناك تتار في بلاد الشام في دمشق وفي حمص وفي حلب وفي غيرها من المدن الشامية، وكذلك ما زال هناك تتار في العراق وتركيا وفارس وغيرها من بلاد المسلمين، وليست لحياة قطز رحمه الله راحة أبداً مع كثرة الشهداء والجراح والآلام.
    ومع الإرهاق الشديد والمعاناة القاسية التي كان يعاني منها الجيش المناضل البطل، الذي عبر صحارى سيناء بكاملها في شهر يوليو، وحارب في غزة، ثم اجتاز فلسطين بكاملها من جنوبها إلى شمالها حتى وصل إلى عكا، ثم عاد بعد ذلك إلى عين جالوت، والذي خاض المعركة الهائلة مع أقوى جيوش الأرض في زمانه في عين جالوت، ثم في بيسان، إلا أن الخطوة التالية المباشرة لـ قطز رحمه الله بعد انتصار عين جالوت هي الاتجاه مباشرة ودون أدنى راحة إلى دمشق في الشمال، فدمشق هي أول المحطات الإسلامية التي تقع تحت سيطرة التتار، بينها وبين عين جالوت (150) كيلو متر تقريباً،

    ولابد من تطهير هذه المدينة العظيمة من دنس التتار، واستغلال فرصة الانكسار الرهيب لجيش التتار لتحرير دمشق وغيرها، قبل أن تأتي أمداد التتار من فارس أو من أوروبا أو من الصين أو من غيرها، فأراد قطز رحمه الله القائد المحنك أن يهيئ الفرصة العظمى لجيشه؛ لينتصر على قواد التتار في دمشق، وقد كان يعلم أن جيش التتار بكامله قد فني في عين جالوت، ولا يوجد أحد ينقل الأخبار إلى دمشق بأن جيش التتار قد فني، فقام هو رحمه الله بهذا الدور، فأرسل رسالة إلى دمشق يخبر فيها أهلها بأن المسلمين قد انتصروا انتصاراً هائلاً في عين جالوت، وأن الجيش التتاري قد دمر بكامله في هذه الموقعة، فوصلت الرسالة لتخلق جواً جديداً تماماً على دمشق، فارتفعت معنويات المسلمين إلى أقصى درجة، وهبطت معنويات التتار إلى أدنى درجة، وقام المسلمون في دمشق -الذين كانوا تحت سيطرة التتار لا يتحركون ولا يقاومون- يدافعون عن أنفسهم بعد أن وصل إليهم الكتاب،
    وكان الكتاب قد وصل في (27) أو (28) من رمضان في سنة (658هـ)، فقاموا بثورة كبيرة جداً في دمشق، وانقلبوا على الحامية التتارية وقتلوا منها ما قتلوا، وأسروا منها ما أسروا، وفر الباقون إلى الشمال.

    وسبحان الله! فالشعب هو الشعب، والتتار هم التتار! ولكن الوضع تغير بسماع الأخبار المفرحة التي جاءت من عين جالوت، فقد اكتشف الشعب أنه قادر على المقاومة والدفاع والحرب في سبيل الله، لما رأى القدوة التي كانت في عين جالوت، وأما التتار الذين كانوا يسيطرون على الموقف فقد سقطت هيبتهم تماماً، وما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين.


    وانتهى الاحتلال في دمشق في لحظات، لدرجة أن قطز رحمه الله لما وصل إلى المدينة في يوم (30) رمضان، يعني: بعد يومين أو ثلاثة من وصول الرسالة، لم يبق في دمشق تتري واحد، فقد انتهت الحامية التترية التي كانت تسيطر تماماً على الوضع قبل انتصار عين جالوت، وكان انتصاراً مهيباً.

    دخل قطز رحمه الله دمشق في يوم (30) رمضان كما ذكرنا، وعلقت الزينات في الشوارع، وخرج الرجال والنساء والأطفال يستقبلون البطل المظفر، وكانت بالفعل أشد لحظات الفرح للمسلمين منذ أربعين سنة، وهذه هي الفرحة الحقيقية، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] فهي فرحة النصر بدين الله عز وجل، وفرحة الرفعة للإسلام والعزة للمسلمين، وهذه الفرحة لا تقارن أبداً بفرحة الطعام والشراب والمال والجاه والسلطان، وكل أنواع الفرحة في الدنيا، فهي فرحة عزة للإسلام، لا تقارن بغيرها من الأفراح.

    دخل الجيش المملوكي دمشق، واستتب الأمن الحقيقي بسرعة عجيبة، ولم يكن الوضع مثل ما يحدث عند دخول المستعمرين البلاد من عموم الفوضى، وترك الحبل على الغارب، وانتهاك الحرمات أمام الأعين، وانتهاب المحلات والديار، فلم يحدث شيء من هذا، وإنما استقر الوضع حقيقة وبسرعة، بل أمن النصارى واليهود على أرواحهم وأموالهم.

    قام قطز رحمه الله بعزل ابن الزكي قاضي دمشق الذي عينه التتار، وكان موالياً لهم، وعين مكانه نجم الدين أبو بكر بن السني، وبدأ القاضي الجديد يفصل في القضايا ويحكم في المخالفات التي تمت بين المسلمين والنصارى، وذلك حتى لا يظلم نصراني في بلاد المسلمين، هذا مع كل ما فعله النصارى بالمسلمين وقت احتلال التتار للمدينة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #127
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت
    تحرير بلاد الشام من التتار وتوحيدها مع مصر (127)


    في اليوم التالي مباشرة لدخول قطز رحمه الله إلى دمشق كان عيد الفطر، وكان أعظم عيد مر على المسلمين منذ أربعين سنة، فلم يكن عيداً للفطر فقط، بل كان أيضاً عيداً للنصر والتمكين، {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].

    ولم يضيع قطز رحمه الله وقتاً، بل أرسل مقدمة الجيش بقيادة الظاهر بيبرس رحمه الله لتتبع الفارين من التتار، وتطهير المدن الشامية الأخرى من الحاميات التتارية، حتى وصلت القوات الإسلامية إلى حمص، واقتحمت على التتار معسكراتهم ففروا مذعورين، وانقلبت الصورة تماماً، وأطلق المسلمون آلاف الأسرى المسلمين، وانطلقوا خلف التتار، فقتلوا أكثرهم وأسروا الباقين، ولم يفلت من التتار إلا الشريد، وهكذا حررت حمص بسرعة، واتجهت القوات الإسلامية إلى حلب، ففر منها التتار كالفئران المذعورة، وانطلق المسلمون خلفهم يقتلون ويأسرون، وسبحان مغير الأحوال! ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال!

    طهر المسلمون بلاد الشام بكاملها في غضون أسابيع قليلة جداً، وعادت من جديد أرض الشام إلى ملك الإسلام والمسلمين، ونسأل الله عز وجل لها ولسائر بلاد المسلمين دوام التحرر والعزة.
    ثم جاءت بعد ذلك خطوة هامة من أعظم خطوات قطز رحمه الله، فقد أعلن قطز رحمه الله بعد هذا الانتصار المهيب توحيد مصر والشام من جديد في دولة واحدة تحت زعامته، وذلك بعد عشر سنوات كاملة من الفرقة والشتات، منذ وفاة نجم الدين الصالح أيوب رحمه الله في سنة (648هـ)، حيث انفصل في ذلك الوقت الشام عن مصر، حتى عاد الآن قطز رحمه الله ليوحدهما.
    والشام يضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، فضم الشام إلى مصر، وأصبحا دولة واحدة، وخطب لـ قطز رحمه الله على المنابر في كل المدن المصرية والشامية، حتى خطب له في أعالي بلاد الشام، وفي المدن التي حول نهر الفرات، وعاش المسلمون أياماً من أسعد أيامهم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #128
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت


    تعيين قطز للأمراء على بلاد الشام (128)

    بدأ قطز رحمه الله يوزع الولايات الإسلامية على الأمراء المسلمين.
    ومن حكمته رحمه الله أنه أرجع بعضاً من الأمراء الأيوبيين إلى مناصبهم؛ وذلك ليضمن عدم حدوث فتنة في بلاد الشام، ولاشك أن هؤلاء لهم أتباع من المسلمين، وقطز لا يخشى الآن من خيانتهم؛ لأنه تبين لهم جداً أنهم لا طاقة لهم بـ قطز رحمه الله وبجنوده الأبرار،

    فأعطى رحمه الله إمارة حمص للأشرف الأيوبي الذي كان موالياً للتتار، ولكنه أظهر الندم والانكسار والتوبة وعاد إلى صف المسلمين، بل وانكسر بين أيديهم في موقعة عين جالوت كما أشار بذلك صارم الدين أيبك في الرسالة التي تحدثنا عنها في الدرس السابق، وأعطى قطز رحمه الله إمارة حلب لـ علا الدين بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل الذي كان والده بدر الدين لؤلؤ من أشد الموالين للتتار، ومات منذ شهور قليلة ولكن ابنه علاء الدين أظهر الولاء والانقياد لـ قطز رحمه الله،
    وأظهر الحمية للإسلام، فلم يجعل قطز رحمه الله التاريخ الأسود لأبيه حائلاً عن تقليده علاء الدين إمارة حلب، فقد كان يقدر كل رجل بقدره، وأعطى إمارة حماة إلى صاحبها الأسبق الأمير المنصور، الذي قاتل مع القوات الإسلامية المشتركة في عين جالوت، واشترك منذ بداية الإعداد مع قطز رحمه الله، وعين الأمير جمال الدين آقوش الذي قتل كتبغاً كما فصلنا في الدرس السابق على فلسطين وغزة.

    وأما دمشق فقد عين عليها الأمير علم الدين سنجر الحلبي، وهكذا استقرت الأوضاع تماماً في بلاد الشام وفلسطين وقويت شوكة الإسلام، واختفى كل تهديد يمس المسلمين من النصارى أو اليهود.
    واستمر هذا الإعداد والترتيب قدر حوالي (25) يوماً، وفي يوم (26) من شهر شوال سنة (658هـ) يعني: بعد حوالي شهر كامل من يوم عين جالوت، بدأ السلطان قطز رحمه الله رحلة عودته إلى عاصمته القاهرة في مصر، فكثير من الأوضاع السياسية هناك تحتاج إلى استقرار وإدارة، وأصبحت دولة قطز رحمه الله تمتد من الفرات إلى حدود ليبيا، ولابد من إعادة تنسيق كثير من الأوراق.


    ولا ننسى أن قطز رحمه الله لم يمض عليه في الحكم حتى ذلك اليوم إلا أحد عشر شهراً فقط، فقد تولى الحكم في (24) من ذي القعدة سنة (657) من الهجرة، وها هو يعود في أواخر شهر شوال سنة (658) من الهجرة، فما زالت تنتظره آلاف الأعمال في مصر.
    وهكذا تم النصر المبين على التتار، واستيقظ المسلمون من الكابوس المزعج الذي آلمهم في كل السنوات الماضية.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #129
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    النصر قرين الإيمان (129)



    مع أن موقعة عين جالوت هذه كانت موقعة واحدة، وتمت في يوم واحد، إلا أن آثارها كانت من القوة بحيث لا يتخيل أصلاً، فقد كانت من الكثرة بحيث لا تحصى، وكانت آثارها في غاية الأهمية، ولا نستطيع في هذه العجالة أن نمر عليها كلها، ولكن سنمر على طرف بسيط منها.
    وعلى الدارسين والمحللين أن يبحثوا في هذه الآثار بمزيد من التفصيل والدراسة، فالموضوع فعلاً في غاية الأهمية، وسنقص هنا بعض هذه الآثار لموقعة عين جالوت الخالدة:

    الأثر الأول والأهم: عودة المسلمين إلى الله عز وجل أثناء التحضير والإعداد لهذا اللقاء، وأثناء المعركة وبعدها ولمدة طويلة من الزمان؛ فقد وضحت المعادلة جداً في أذهان الناس، فالمسلمون عندما ابتعدوا عن الله عز وجل تمكن التتار من رقابهم، ولما عادوا إلى الله تحقق النصر الذي اعتبره كثير من المحللين معجزة حقيقية، وفي الحقيقة أن هذا النصر ليس بمستغرب، فإن النتيجة الطبيعية لعودة المسلمين إلى الله عز وجل أن يتم نصرهم على أعدائهم.

    وتبين المسلمون أيضاً بعد موقعة عين جالوت أن الحرب دينية في المقام الأول، فقد تحالف كثير من النصارى كما رأينا مع التتار أكثر من مرة، مع أن مصالحهم على المستوى البعيد كان مع المسلمين وليس مع التتار، فالتتار لا عهد لهم، بينما يحترم المسلمون عهودهم جداً؛ لأن هذا الاحترام للعهود أصل من الأصول في دين الإسلام، وواقع المسلمين يشهد بذلك في معظم فترات التاريخ، والمخالفات الإسلامية للعهود قليلة جداً في التاريخ، ومع ذلك آثر النصارى أن يتحالفوا مع التتار ضد المسلمين،

    ولذلك استقر في نفوس المسلمين تماماً بعد انتصار عين جالوت، أن الحروب التي دارت بينهم وبين التتار والنصارى لم تكن حروب مصالح فقط، كما يصورها كثير من الغربيين والعلمانيين على أن المحرك الرئيسي للحروب أبداً هو الاقتصاد،
    أو يجعلون الأغراض العسكرية أو الإستراتيجية هي الهدف الأساسي، فنحن لم نر هذا في قصتنا هذه، بل رأينا في هذه القصة الواقعية أن الدين هو المحرك الأساسي للنصارى في حرب المسلمين، وكان له كذلك أكبر أثر في تحريك المسلمين أنفسهم لحرب التتار والنصارى في هذه الموقعة الخالدة، والله عز وجل نبهنا إلى ذلك في كتابه مراراً أكثر من مرة، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120].
    فجعل الرضا عندهم مقروناً باتباع الملة، وليس مقروناً ببقاء المصالح.
    وكذلك قال ربنا في كتابه الكريم: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم ْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217].


    فوضح أن القتال سيستمر حتماً إلى أن يترك المسلمون دينهم، وأما قبل ذلك فالحرب لن تتوقف، ولن يكتفي اليهود والنصارى والتتار والمشركون والهندوس في أي وقت من أوقات الدنيا بالسيطرة على الديار والأموال والبترول والناس وغير ذلك أبداً، فسيظل الهدف الأسمى لهؤلاء هو السيطرة على الدين الإسلامي، أو إن شئت فقل: محو الدين الإسلامي.


    وما نراه الآن من متابعة لكل الحركات الإسلامية والتوجهات الدينية، ومحاولات تغيير مناهج المسلمين الدراسية، وحرب في وسائل الإعلام المختلفة، كل هذا ما هو إلا صور للتعبير عن شدة الكراهية لبقاء الدين، وليس لبقاء القوة أو الحدود، فالمعركة في أصلها هي معركة وجود أساساً، فهم لا يقبلون بوجود الدين الإسلامي على وجه الأرض، ولذلك فالحرب لن تنتهي أبداً؛ لأن دين الإسلام لن ينتهي أبداً بإذن الله.


    وهكذا لا يصلح كما ذكرنا قبل ذلك مراراً أن يكون السلام خياراً إستراتيجياً أبدياً مهما تغيرت الظروف، وأنت إن تنازلت عن كل شيء في مقابل السلام، فهم لن يقبلوا إلا أن تتنازل عن الدين بوضوح.
    إذاً: فقه المسلمون بعد موقعة عين جالوت أن الصراع ديني في المقام الأول، ومن ثم إذا أردت أن تنتصر في هذا الصراع الديني فلابد أن تكون مستمسكاً تماماً بهذا الدين.


    كان هذا هو الأثر الأول الخالد والهام جداً من موقعة عين جالوت الخالدة، وهو عودة المسلمين إلى الله عز وجل عودة كاملة، ليس في مصر والشام فقط، بل وفي كثير من بقاع العالم الإسلامي آنذاك، ولمدة عشرات السنين بعد ذلك، فالحقيقة وضحت تماماً أمام أعين الناس، فما لم تكن مستمسكاً بالدين فلا تبحث عن النصر.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #130
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    القضاء على التتار في بلاد الشام وعودة الهيبة (130)


    الأثر الثالث: عودة الهيبة للأمة الإسلامية بعد غياب دام أكثر من ستين سنة، فبعد أن كانت الأمة الإسلامية في أواخر القرن السادس الهجري في درجة عظيمة جداً من درجات النصر والفخر والسيادة، وذلك بعد انتصاري حطين في المشرق في فلسطين، والأرك في المغرب في الأندلس، حدث بعد ذلك انكسار شديد في حالة الأمة الإسلامية، وضاعت هيبتها،
    حتى بدأت الكلاب تنهش في جسدها، والأفاعي تجول بأرضها، ولكن بعد عين جالوت ألقي الجلال والمهابة على الأمة الإسلامية، حتى إن هولاكو الذي كان يستقر في تبريز في فارس، ومعه عدد ضخم جدًا من القوات التترية لم يفكر في إعادة احتلال بلاد الشام مرة أخرى، بل أقصى ما فعله هو إرسال حملة انتقامية أغارت على حلب، وسفكت دماء بعض أهلها كنوع من إثبات الوجود، والانتقام لقائده الشهير كتبغانوين، لكن هيبة الأمة الإسلامية وقرت في صدره، فلم يشأ أن يلقي بجيشه في مهلكة جديدة، وما فكر مرة ثانية في احتلال الشام، وهيبة الأمة لا تعود إلا بعين جالوت أو أشباهها، وصدق الخليفة الراشد العظيم عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
    الأثر الرابع من آثار عين جالوت: فناء قوة التتار العسكرية في منطقة الشام وتركيا وفلسطين كما فصلنا، ولم يسمع عن التتار في هذه المنطقة لمدة عشرات السنين بعد ذلك، فقد اختفى القهر والظلم والبطش والتشريد، وأمن الناس على أرواحهم وأموالهم وأرضهم وأعراضهم،
    ولم يروع الناس أحد في هذه المناطق إلا بعد عين جالوت بأكثر من مائة وأربعين عاماً، حين دخل السفاح التتري الجديد تيمورلنك بلاد الشام، فاجتاح حلب ودمشق سنة (804) هجرية، وهذا الكلام إن شاء الله سنتكلم عليه بالتفصيل عند الحديث عن دولة المماليك في مجموعة خاصة بها من المحاضرات، وعند الحديث أيضاً عن الخلافة العثمانية العظيمة، ولكن ما يهمنا في هذا المجال هو أن موقعة عين جالوت الخالدة أمنت المسلمين (146) سنة كاملة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #131
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    إعطاء الشرعية لدولة المماليك (131)


    الأثر الخامس لموقعة عين جالوت: إعطاء شهادة الميلاد الحقيقية لدولة المماليك العظيمة، فقد حملت هذه الدولة العظيمة راية الإسلام لمدة (270) سنة، وقد كانت بداية حكم المماليك منذ سنة (648) هجرية عند ولاية شجرة الدر، أي: قبل موقعة عين جالوت بعشر سنوات، ثم زوجها الملك المعز عز الدين أيبك المملوكي،
    ولكن عين جالوت هي التي أعطت الشرعية أمام جميع المسلمين لدولة المماليك، فقد حقق المماليك في غضون عشر سنوات انتصارين هائلين على أعداء الإسلام: الانتصار الأول: انتصار المنصورة وفارسكور على جيوش الصليبيين بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا.
    الانتصار الثاني: انتصار عين جالوت، ولئن كانت القيادة العامة لجيش المسلمين في موقعة المنصورة ثم في موقعة فارسكور قيادة أيوبية، فإن الجيش كان معتمداً في الأساس على المماليك، أما في عين جالوت فالانتصار كان مملوكياً خالصاً، فكانت القيادة مملوكية والجيش مملوكي، ولذلك شعر الجميع أن هؤلاء المماليك هم أقدر الناس على قيادة الأمة، فسلموا لهم.


    وهكذا نشأت الدولة المملوكية، وحملت على عاتقها صد هجمات أعداء الله عز وجل من تتار أو صليبيين، وكانت دولة جهادية في معظم فتراتها.
    ومع أن دولة المماليك حاولت أن تضفي شرعية على وجودها بصورة أكبر بعد ذلك حين استضافت أبناء بني العباس في القاهرة ابتداءً من سنة (659) هجرية بعد سنة من عين جالوت مباشرة، وفي عهد الظاهر بيبرس رحمه الله، إلا أن دولة المماليك لم تكن تمثل الخلافة الحقيقية للمسلمين؛ لأنها لم تكن في أقصى اتساعها تسيطر إلا على أجزاء محدودة من العالم الإسلامي، فكانت تسيطر على مصر والشام والحجاز واليمن وأجزاء من العراق وأجزاء من ليبيا، وأما بقية العالم الإسلامي فكان موزعاً بين طوائف شتى، ولم يجد المسلمون معنى الخلافة الحقيقية الجامعة لكل المسلمين، إلا بعد قيام الخلافة العثمانية العظيمة التي أعادت جمع المسلمين بعد سنوات من التفرق.


    وعلى العموم فدولة المماليك كانت أقوى دول المسلمين في فترة وجودها، وكانت أكثرها جدية، وأعظمها هيبة، ولذلك كثيراً ما يطلق المؤرخون على العهد الذي عاش فيه المماليك العهد المملوكي، متجاهلين بذلك كثيراً من الممالك والدول الصغيرة التي عاشت إلى جوار دولة المماليك.
    إذاً: فدولة المماليك ولدت ميلاداً حقيقياً بعد عين جالوت، وحملت راية الإسلام حوالي (270) سنة، إلى أن جاءت الخلافة العثمانية الكبرى، لتحمل راية المسلمين بقوة بعد دولة المماليك.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #132
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    توحد مصر والشام و انتهاء حكم الأيوبيين (132)

    الأثر السادس وهو أثر في منتهى الأهمية: عودة الوحدة العظيمة بين مصر والشام، حيث كونت تحالفاً إستراتيجياً صلباً مثّل حاجزَ صدٍ رائع ضد الهجمات الأجنبية، فمصر والشام بما فيها فلسطين يمثلان قلب العالم الإسلامي إستراتيجياً وسياسياً وجغرافياً وثقافياً وتاريخياً،
    واتحادهما يمثل عامل أمان كبير جداً لكل المنطقة، كما أنه يقلل كثيراً من أطماع الطامعين في العالم الإسلامي، ومعظم أعداء الإسلام يركزون تفكيرهم على منطقة مصر والشام، وذلك لأسباب دينية واقتصادية وعسكرية وغيرها، ومن هذا يتضح لنا أنه لا نجاة لهذه المنطقة إلا بوحدة شاملة بين كل الشام، بما فيه سوريا وفلسطين والأردن ولبنان وبين مصر؛ ليكوّنا كياناً واحداً،
    وهذا هو ما فعلته دولة المماليك الناشئة، وفعله من قبل نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي رحمهما الله، وفعلته بعد ذلك الخلافة العثمانية القوية، وصدق الله عز وجل إذ يقول في كتابه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].

    وقد شاهدنا في كل لحظات التقدم والتفوق في تاريخ المسلمين الوحدة بين المسلمين، وبالذات بين منطقة مصر والشام.الأثر السابع وهو أثر ملحوظ جداً: اختفى معظم الأمراء الأيوبيين، الذين كانوا أقزاماً في ذلك الزمن الذي لا يعيش فيه إلا العمالقة، والذين فرطوا تماماً في حمل الأمانة الثقيلة التي خلفها لهم جدهم العظيم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ولم يكن لهم من هم إلا الصراع على السلطة وجمع المال وتوريث الأبناء،

    وعاشوا حياتهم في مؤامرات ومكائد، وداسوا على كل الفضائل والمكارم في صراعاتهم، حتى اشتهر بينهم موالاة النصارى تارة، والتتار تارة أخرى، بل واستعانوا بهم في حرب إخوانهم من المسلمين، وأحياناً في حرب إخوانهم الأشقاء، وظلّ هؤلاء الأقزام يُذيقون شعوبهم الألم والظلم والقهر والخيانة، ويقاومون أي مشروع للوحدة تحت راية واحدة؛ لأن كل واحد منهم يريد الحكم لنفسه، وظلوا يقاومون الحكم المملوكي في مصر سنوات طويلة، ويتعاونون مع الصليبيين لإسقاطه، إلى أن حدثت موقعة عين جالوت الخالدة، فكشفت هذه الزعامات الوهمية الفارغة أمام شعوبها وسقطت، وعرف كل زعيم منهم قدره الحقيقي، ورضي بما يناسب حجمه، فإما أن يرضى بإمارة بسيطة تحت حكم قطز العظيم رحمه الله كما رضي بذلك الأشرف الأيوبي كما فصلنا منذ قليل، وإما أن ينخلع من مكانه ويترك المكان للأقوياء العظماء، فقد حفظت عين جالوت الأمة وحمتها من أعدائها التتار، وحمتها كذلك من شر أبنائها، من أمثال هذه الزعامات الفارغة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #133
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    تحرير بلاد الشام من الإمارات الصليبية (133)



    الأثر الثامن: وهو في منتهى الأهمية، ويحتاج إلى تفصيل طويل، وسنتكلم عليه إن شاء الله عند الحديث عن الحروب الصليبية في مجموعة أخرى من المحاضرات، وهذا الأثر هو نتيجة الوحدة بين مصر والشام، واختفاء الأمراء الأيوبيين الأقزام من على الساحة، وظهور الدولة المملوكية القوية، والطبيعة الجهادية لدولة المماليك، والنشأة الإسلامية والحمية الدينية والفقه العالي الرفيع لهذه الدولة،
    حدث أمر هائل عظيم، فقد أخذ المماليك على عاتقهم بعد عين جالوت: مهمة تحرير بلاد الشام وفلسطين من الإمارات الصليبية التي ظلت تحكم هذه المناطق منذ سنة (491) من الهجرة، أي: مدة (166) سنة، وهذه الإمارات الصليبية كانت قد عاشت وتمركزت في هذه المناطق في الشام وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا، ولكن بعد عين جالوت بدأ المسلمون يتفرغون لهذه الإمارات الصليبية، ومع أن عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي رحمهم الله قد بذلوا جميعاً جهوداً مضنية لتحرير هذه المناطق إلا أنه بقي كثير منها لم يحرر، كما فرط أبناؤهم في بعض الولايات المحررة، فتنازلوا عنها من جديد للصليبيين.

    ولذلك فبعد عين جالوت وبعد استقرار المماليك في الحكم بدءوا يوجهون جيوشهم الواحد تلو الآخر لتحرير هذه البلاد الإسلامية العظيمة في كل هذه المناطق.
    فبدأ الظاهر بيبرس رحمه الله الذي تولى الإمارة بعد قطز رحمه الله منذ سنة (659) من الهجرة يعني: بعد عين جالوت بشهور قليلة في إرسال الحملات الواحدة تلو الأخرى لتحرير هذه الإمارات الصليبية، وبعد جهاد مضن بدأت الإمارات الصليبية في التساقط في أيدي المسلمين في سنة (664) هـ، -يعني: بعد عين جالوت بخمس سنوات، وحرر المسلمون عدة مدن فلسطينية، فقد حرروا قيسارية وحيفا وحصن أرسوف، وفي سنة سنة (665) حررت صفد في الشمال الشرقي لفلسطين، وبينما كان الظاهر بيبرس رحمه الله يحرر هذه البلاد في فلسطين كان سيف الدين قلاوون رحمه الله أحد أعظم قواده يحرر قليقية في تركيا، وهي مدينة من أعظم المدن في تركيا، وهي إمارة صليبية قديمة، وانتصر هناك على قوات الأرمن النصرانية بقيادة الملك هيثوم، الذي تحالف مع هولاكو في إسقاط بغداد ثم إسقاط الشام، وجمع سيف الدين قلاوون غنائم لا تحصى، وأسر من الصليبيين ونصارى الأرمن أربعين ألفاً.


    وفي سنة (665) هجرية، وسنة (666) هجرية حرر الظاهر بيبرس يافا، وفي سنة (667هـ) حررت أنطاكيا وهزم الأمير بوهمند الذي أيضاً كان متحالفاً مع التتار في إسقاط الشام وفي حرب المسلمين هناك، وكانت أنطاكيا أول مملكة صليبية في بلاد المسلمين، فقد احتلت سنة (491) هجرية، وكانت أغنى الإمارات، حتى إن غنائمها من الذهب والفضة كانت توزع على الفاتحين بالمكيال وليس بالعدد من كثرتها، ولم يبق عند وفاة الظاهر بيبرس رحمه الله من المدن الإسلامية المحتلة إلا القليل، مثل عكا، وكانت أقوى المدن المحتلة، وبعض المدن في سوريا ولبنان مثل: صور وصيدا وبيروت وطرطوس واللاذقية في سوريا.


    وفي سنة (684) من الهجرة حررت طرابلس، يعني: بعد عين جالوت بست وعشرين سنة على يد السلطان المملوكي المنصور قلاوون.
    ثم خلفه بعد ذلك ابنه السلطان العظيم جداً الأشرف خليل بن قلاوون رحمه الله، وهو من أعظم سلاطين المسلمين، وقد أخذ على عاتقه تحرير كل الممالك الصليبية المتبقية، فحررت عكا الحصينة سنة (690) هجرية، يعني: بعد حوالي قرنين كاملين من الاحتلال الصليبي، وبعد فشل كل أمراء المسلمين السابقين على مدى هذين القرنين بتحريرها، وبفتح عكا سقطت أعظم معاقل الصليبيين في الشام، وبعدها بقليل حررت صيدا وصور وبيروت وجبيل وطرطوس واللاذقية، وبذلك انتهى الوجود الصليبي تماماً من الشام بعد اثنين وثلاثين سنة من موقعة عين جالوت، مما يجعل كل هذا التحرير أثراً مباشراً من آثار عين جالوت، فما أعظم تلك الموقعة التي أعزت الإسلام بهذه الصورة العجيبة، وفي غضون سنوات قليلة! وهناك تفاصيل في غاية الأهمية والروعة في تحرير كل هذه المدن والإمارات، وسنأتي لها إن شاء الله عند الحديث عن الحروب الصليبية في مجموعة خاصة بها بإذن الله.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #134
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    إسلام الكثير من التتار (134)

    الأثر التاسع: ارتفاع قيمة مدينة القاهرة العاصمة المصرية بعد انتصار عين جالوت وبعد قيام دولة المماليك، فقد كانت دولة المماليك أعظم دولة في المنطقة في ذلك الزمن، وقد رفع هذا جداً من قيمة مدينة القاهرة، وبالذات بعد التدمير الذي لحق ببغداد سنة (656) من الهجرة، وبعد سقوط قرطبة سنة (636) من الهجرة، فلم يبق من عواصم العلم والقوة والبأس في بلاد المسلمين إلا مدينة القاهرة، إنها أصبحت أعظم هذه المدن، فقد أصبحت قبلة العلماء والأدباء، ونشطت الحركة العلمية جداً فيها، وعظم جداً دور الأزهر، وأصبح ولا يزال بفضل الله من أعظم جامعات العالم الإسلامي، وحمل لواء الدفاع عن الدين، ونشر الدعوة، وحمل لواء الجهر بالحق عند السلاطين والمطالبة بالحقوق، وتزعم الحركات الجهادية القوية ليس في زمان دولة المماليك فقط، بل حتى في الأزمان التي تلتهم كذلك وإلى زماننا، وبذلك توارثت الأجيال في هذه المدينة العريقة القاهرة الدعوة إلى الله عز وجل، وتوارثت الصحوة الإسلامية، وحمل هم المسلمين ليس في مصر وحدها، بل في العالم أجمع.
    الأثر العاشر والأخير: وهو من أعجب الآثار وأعظمها: عندما رأى كثير من التتار دين الإسلام عن قرب، وقرءوا عن أصوله وقواعده وتشريعاته، وعلموا آدابه وفضائله، ورأوا أخلاقه ومبادئه، أعجبوا به إعجاباً شديداً، فقد كانوا كعامة البشر يعانون من فراغ ديني هائل، ولم يكن عندهم الياسق، وكان مؤلفاً من مختلف الأديان مع بعض الاختراعات التي عملها جنكيز خان، فكانوا يعانون من فراغ ديني هائل، وليس هناك تشريع يقترب أو يحاول الاقتراب من دين الإسلام، ومن اهتم به وبحث فيه فلابد أن يرتبط به إن كان صادقاً في بحثه، وباحثاً عن الحقيقة فعلاً.

    فبدأ بعض التتار يؤمنون بدين الإسلام، ثم شاء الله عز وجل أن يدخل الإيمان في قلب أحد زعماء القبيلة الذهبية التي هي أحد الفروع الكبيرة جداً في قبائل التتار، وهذا الزعيم هو ابن عم هولاكو مباشرة وأخو باتو قائد التتار المشهور الذي تكلمنا عليه أيام فتح أوروبا، وتلقب هذا الزعيم بعد إسلامه باسم بركة، وتولى زعامة القبيلة الذهبية سنة (652) من الهجرة،

    يعني: قبل عين جالوت بست سنوات، وكانت المنطقة التي يحكمها تعتبر شبه مستقلة عن دولة التتار، وهي المنطقة الواقعة شمال بحر قزوين، في جنوب الاتحاد السوفييتي، وبدخول هذا الرجل في الإسلام دخلت أعداد كبيرة من قبيلته في الإسلام، وهذا أمر في منتهى الغرابة؛ لأن هذا كان قبل عين جالوت بست سنوات، فمن الغريب جداً أن التتار الأقوياء يدخلون في دين الضعفاء، فالتتار في ذلك الوقت كانوا يتحكمون في رقاب المسلمين، والمسلمون يهزمون في كل مواقعهم، وهي من المرات القليلة جداً في التاريخ أن يدخل الغازي في دين من يغزوه، والقوي في دين الضعيف، ولكن هذا دين الإسلام، الذي يخاطب الفطرة البشرية، وهذا يعزز المسئولية على أكتاف الدعاة أن يصلوا بهذا الدين إلى غيرهم من أهل الأرض جميعاً، فإن من وصل إليه الدين صحيحاً نقياً فإنه يرجى إسلامه بإذن الله مهما كان معادياً للإسلام في بدء حياته.

    ثم بعد موقعة عين جالوت تزايد جداً عدد المسلمين في القبيلة الذهبية، حتى أصبح كل أهلها من المسلمين، فقد أثرت فيهم القوة والانتصار، وتحالفوا مع الظاهر بيبرس ضد هولاكو، ولهم مع هولاكو حروب متكررة طويلة جداً.
    والجدير بالذكر في هذا المقام أن نذكر أن هناك بقايا من هذه القبيلة الذهبية ما زالت موجودة إلى الآن، وهي: عبارة عن بعض الإمارات الإسلامية مثل: إمارة قازان، وإمارة القرم، وإمارة استراخان، وإمارة النوغاي، وإمارة خوارزم، وكل هذه الإمارات ما زالت إلى الآن محتلة من روسيا، ولم تحرر حتى بعد أن تفكك الاتحاد السوفييتي وسقط، ولا يعلم بها أحد.


    ونسأل الله عز وجل لها ولسائر بلاد المسلمين التحرر الكامل والسيادة المطلقة على أراضيها.
    ولاشك أن هناك آثاراً أخرى كثيرة لهذه الموقعة الخالدة، والأمر بين يدي الباحثين والدارسين لدراستها، فموقعة عين جالوت من أعظم المواقع في تاريخ الأرض.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #135
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت


    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    أسباب النصر في عين جالوت (135)



    لا يفوتنا في هذا المقام أن نقف ونتدبر في أسباب هذا النصر العظيم في عين جالوت، وهي وقفة في غاية الأهمية.
    تكلمنا بالتفصيل في محاضرة سابقة على خطوات قطز رحمه الله في إعداد الأمة، وفي إعداد الجيش المنتصر، ونعيد في إيجاز شديد بعض الأسباب التي أخذ بها قطز ونجملها في هذا الحديث الآتي:

    السبب الأول وهو أعظم الأسباب: الإيمان بالله عز وجل، والاعتقاد الجازم بأن النصر لا يكون إلا من عند الله عز وجل؛ ولذلك اهتم قطز رحمه الله بالناحية الإيمانية عند الجيش والأمة، وعظم جداً دور العلماء، وحفز على حرب التتار من منطلق إسلامي، وليس من منطلق قومي أو عنصري، ولخص ذلك في عين جالوت بكلمته الموفقة: واإسلاماه! ولم يقل: وامصراه! أو واملكاه! أو واعروبتاه! فقد كانت الغاية واضحة جداً عند قطز رحمه الله، وكانت هويته إسلامية تماماً، فوضوح الرؤية ونقاء الهوية كان سبباً مباشراً من أسباب النصر، بل هو أعظمها على الإطلاق.
    وقد ظهر لنا بوضوح رسوخ هذا الأمر في نفس قطز رحمه الله عندما لجأ إلى الله عز وجل عند الأزمة الخطيرة في عين جالوت، حيث وقف متضرعاً يناجي ربه ويقول: يا الله! انصر عبدك قطز على التتار.
    فالدعاء هو العبادة، وهو اعتراف من العبد بعبوديته لله عز وجل، وإعلان صريح من العبد أنه محتاج لرب العالمين.
    وكان قطز رحمه الله يدرك في كل خطوة من خطوات إعداده أنه لن يفلح إلا إذا أراد الله عز وجل ذلك، ولابد أن يطلب من الله عز وجل باستمرار وبإلحاح وبخشوع وبتضرع أن ينصر الإسلام والمسلمين، فلم ينسب قطز رحمه الله النصر لنفسه ولو مرة واحدة، بل كان دائماً ينسبه إلى الله عز وجل؛ لأنه يعلم أنه قد طلب النصر من الله عز وجل كثيراً، وأن الله عز وجل قد تفضل وتكرم عليه وعلى المؤمنين بالنصر والتوفيق، فلله تعالى المنة والفضل.

    السبب الثاني وهو أيضاً هام جداً: الوحدة بين المسلمين، فالأمة المتفرقة لا تنصر، وقد حرص قطز رحمه الله منذ اليوم الأول لارتقائه عرش مصر أن يوحد المسلمين قدر ما يستطيع، فقد عفا عن المماليك البحرية وجمعهم مع المماليك المعزية، وراسل ملوك الشام الأيوبيين، وتقرب منهم، وضمهم إلى قواته، مع كونهم قد حاربوه قبل ذلك سنين طويلة، وضم الجنود الشامية والخوارزمية والمتطوعين إلى جيشه بغض النظر عن أصولهم وأعراقهم، ونجح في تحقيق ما كان يعتقد الكثيرون أنه من المستحيل، وهو الوحدة بين المسلمين.
    السبب الثالث: إذكاء روح الجهاد في الأمة، فقد تيقن قطز رحمه الله أن أهم السبل لاستعادة حقوق المسلمين هو الجهاد، وأنه وإن كان الإسلام دين السلام إلا أنه دين الجهاد والقوة والكرامة والعزة كذلك، وأدرك رحمه الله أن اختيار الحرب أحياناً يكون هو الاختيار الشريف الوحيد.
    السبب الرابع: الإعداد الجيد للمعركة، فقد أخذ قطز رحمه الله بكل الأسباب المادية لتقوية جيشه، من إعداد للسلاح، وتدريب للجنود، وترتيب للصفوف، ووضع الخطة المناسبة، واختيار المكان المناسب، وعقد الأحلاف الدبلوماسية المناسبة، وتهيئة الجو على أفضل ما يكون، ويكفي أن نذكر هنا بالصورة الجميلة البهية الرائعة التي كانت عليها جيوش المماليك في عين جالوت، وكأنها تتجه إلى عرض عسكري، وليس إلى معركة ضارية، ومن لم يعد العدة فلا شك أنه واهم، وليس هذا مخالفاً لشرع الله عز وجل، ولا مضاداً بأي صورة من الصور للتوكل على الله عز وجل؛ فالتوكل: هو الأخذ بالأسباب كاملة، واللجوء إلى الله عز وجل لجوءاً كاملاً كذلك.
    السبب الخامس: القدوة التي ضربها قطز رحمه الله لجنوده ولأمته في كل الأعمال، وتربية القدوة أفضل بآلاف المرات من تربية الخطب والمقالات. وقد كان قطز رحمه الله قدوة في كل شيء، فقد كان قدوة في أخلاقه وفي نظافة يده وفي جهاده وفي إيمانه وفي عفوه، وفي كل شيء.
    فلم يشعر الجنود أبداً بأنهم غرباء عن قطز، فقد نزل رحمه الله بنفسه إلى خندق الجنود وقاتل معهم، فكان حتماً أن يقاتلوا معه.

    السبب السادس: عدم موالاة أعداء الأمة، فلم يوال قطز رحمه الله التتار أبداً مع فارق القوة والإعداد بينهما، كما لم يوال أمراء النصارى في الشام أبداً مع احتياجه لذلك، وقد سقط الكثير من الزعماء قبله في مستنقع الموالاة للكفار، وكان منطلقهم في ذلك أن يجنبوا أنفسهم أساساً ثم شعوبهم كما يدَّعون ويلات الحروب، فارتكبوا خطأً شرعياً شنيعاً، بل أخطاءً مركبة، فتجنب الجهاد مع الحاجة إليه خطأ، وتربية الشعب على الخنوع لأعدائه هذا خطأ آخر، وموالاة العدو واعتباره صديقاً خطأ ثالث.
    وأما قطز رحمه الله فقد كان واضح الرؤية، وقد تحقق له هذا الوضوح في الرؤية بفضل تمسكه بشرع الله عز وجل، فلم يوال كافراً أبداً على حساب المسلمين.

    السبب السابع: بث روح الأمل في الجيش والأمة.
    فالأمة المحبطة من المستحيل أن تنتصر، فالإحباط والقنوط واليأس ليست أبداً من صفات المؤمنين، {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87]، فعمل قطز رحمه الله على رفع الروح المعنوية للجيش وللأمة، ووضح لهم أن نصر الله عز وجل للأمة التي سارت في طريقه عز وجل ليس أمراً محتملاً، بل هو أمر مؤكد يقيني، وهو أمر عقائدي كتبه الله، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21].

    السبب الثامن من أسباب النصر في عين جالوت: الشورى الحقيقية التي سار على هداها قطز رحمه الله في كل خطواته تقريباً، وأقصد بالشورى الحقيقية الشورى التي تسعى حقيقة للوصول إلى أفضل الآراء، لا التي تسعى إلى تثبيت وتدعيم وتأكيد رأي الزعيم، والشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام، وليست أمراً تجميلياً أو تكميلياً، ولا يصلح لأمة تريد النهوض أن تهمل هذا الأمر الأصولي في الإسلام.
    السبب التاسع: توسيد الأمر إلى أهله، فقد ولى قطز رحمه الله أولئك الذين يتصفون بصفتين رئيسيتين وهما: الكفاءة، والأمانة، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:26]، أي: القوي في مجال عمله، المتفوق على أقرانه، السابق لهم المتقن لعمله المبدع فيه، والأمين الذي لا يضيع حق الله ولا حق العباد، ولا حق الأمة، ولا حق نفسه، فقد ولى قطز رحمه الله فارس الدين أقطاي الصغير رئاسة الجيش مع كونه من المماليك البحرية، وولى ركن الدين بيبرس على مقدمة جيش المسلمين في عين جالوت، مع كونه منافساً له، وصاحب تاريخ وقوة، وزعيماً للمماليك البحرية، وكذلك ولى رحمه الله أمراء الشام على بلادهم، ولم يول أصحابه وأقاربه، ومن كان على هذه الصورة فلابد أن ينصر، فمن حفظ الأمانة فلابد أن يحفظه رب العالمين سبحانه وتعالى.
    السبب العاشر وهو من أهم أسباب النصر: الزهد في الدنيا، وما فشل الزعماء الوهميون سواءً في زمان قطز، أو في زماننا، أو إلى يوم القيامة إلا بغرقهم في الدنيا وانغماسهم فيها، وما ظلموا شعوبهم، ووالوا أعداءهم إلا جرياً وراء المادة وسعياً وراء الدنيا.
    وقد رأينا في هذه السلسلة الذين تعلقوا بالدنيا كيف كانت حياتهم وطموحاتهم وأحلامهم، ثم كيف باعوا أنفسهم وشعوبهم وأخلاقهم، بل وعقيدتهم من أجل أغراض رخيصة جداً من أغراض الدنيا، ورأينا كيف عاشوا في ذلة ثم ماتوا في ذلة كذلك، فقد رأينا محمد بن خوارزم، وجلال الدين بن خوارزم، والمستعصم بالله، وبدر الدين لؤلؤ، والناصر يوسف الأيوبي وغيرهم وغيرهم، كل هؤلاء عاشوا في ذلة وماتوا في ذلة.


    وأما قطز رحمه الله فقد فطن إلى هذا المرض الذي ابتلي به هؤلاء الضعفاء فزهد فيه وتجنبه، وعلم أن متاع الدنيا مهما زاد فهو قليل، وأن نعيمها مهما كان له بريق فهو زائل ومنقطع، فلذلك لم يفتن بالدنيا لحظة، ولم يطمع فيها قيد أنملة، بل حرص على أن يبيع دنياه كلها، ويشتري الجنة، فترك المال الغزير الذي كان تحت يده، ولم يطمع فيه، وباع ما يملك ليجهز جيوش المسلمين المتجهة لحرب التتار، ولم يطمع في كرسي الحكم, فعرض القيادة على الناصر يوسف الأيوبي على ضحالة قدره إذا قبل بالوحدة بين مصر والشام، ولم يطمع رحمه الله في استقرار عائلي أو اجتماعي أو أمن وأمان، بل كرس حياته للجهاد والقتال على صعوبته وخطورته، بل لم يطمع في طول حياة، فقد خرج بنفسه وهو الشاب الصغير على رأس الجيوش ليحارب التتار في حرب مهلكة، ولا شك أنه كان يعلم أنه سيكون أول المطلوبين للقتل، لكنه كان مشتاقاً بصدق إلى الجهاد، ومتمنياً للموت في سبيل الله، فقد كان زاهداً حقاً في الدنيا، ولم يتردد لحظة، وكانت حياته تطبيقاً عملياً جداً لكل كلماته؛ لذلك أعطاه الله عز وجل الدنيا التي فر منها، وأعطاه الكرسي الذي زهد فيه، وأعطاه الغنائم الهائلة والمال الوفير الذي لم يحرص عليه أبداً، فعاش رحمه الله عزيزاً شريفاً، رافعاً رأسه، معزاً لدينه، محبوباً من شعبه، مرهوباً من أعدائه.
    فرحم الله هذا العلم الجليل والقائد الفذ قطز الذي تعلمنا منه وما زلنا نتعلم كيف يعيش المسلم بالقرآن، وكيف تخالط كلمات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كل ذرة في كيانه.
    ونسأل الله عز وجل أن يصلح آخرته كما أصلح دنياه، وأن يعزه أمام الخلائق يوم العرض الأكبر، كما أعزه في عين جالوت، وأن يكتب اسمه في سجل الصادقين المخلصين المجاهدين، كما كتب اسمه قبل ذلك في سجل الخالدين.
    هذه هي أسباب النصر في هذه الموقعة الجليلة.


    نسأل الله عز وجل أن ييسر لنا تحقيقها حتى نرى رجلاً أو رجالاً كـ قطز، وحتى ننعم بنصر أو انتصارات كعين جالوت، وما ذلك على الله بعزيز.
    كما نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    {فَسَتَذْكُرُون مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #136
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    التشابه بين التتار والأمريكان في غزو بغداد (136)


    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
    بسم الله الرحمن الرحيم.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    أما بعد: فمع المقالات الأخيرة من مقالات قصة التتار: من البداية إلى عين جالوت.
    في المقال السابقة تحدثنا عن قصة التتار من بدايتها إلى عين جالوت، وذكرنا فيها تفصيلات وأغفلنا أخرى، وما أغفلناه من هذه التفصيلات لم يكن إلا لضيق الوقت فقط مخافة التطويل، وإلا فالقصة تحتاج أضعاف ذلك الوقت كي تحلل بعناية وتدرس بدقة، ولكن بعد هذه القصة لا بد لنا من وقفة.


    نحن لم نقص هذه القصة لمجرد ذكر ما سبق من تاريخ وأحداث على الأرض، أو لمجرد التنظير والتحليل دون عمل أو وقفة، بل للعبرة والتفكر والاستفادة، ولقراءة المستقبل، وما أشبه اليوم بالبارحة! ما أشبه سقوط بغداد تحت أقدام الأمريكان بسقوطها تحت أقدام التتار! وما أشبه المسلمين أيام التتار بمسلمي اليوم! وما أشبه حكام المسلمين أيام التتار بحكام المسلمين اليوم! وما أشبه التتار بالأمريكان! وما أشبه حلفاء التتار بحلفاء الأمريكان! فهي صورة متكررة في التاريخ بشكل عجيب، والأمثلة على هذه الصورة كثيرة جداً في التاريخ، ونحن سنحاول ربط هذه القصة بواقعنا، وإذا أردنا أن نتحدث عن صور أخرى من جوانب التاريخ الإسلامي بصفة خاصة، أو جوانب التاريخ الإنساني بصفة عامة فسنجد كثيراً من الصور تتشابه مع واقعنا الآن، وانظروا إلى هذه المقارنة بين سقوط بغداد الأول وسقوطها الثاني.


    ظهر التتار فجأة على مسرح الأحداث تماماً كما ظهر الأمريكان، فأمة التتار أمة بلا تاريخ، قامت على السلب والنهب، وقتلوا الملايين من الأبرياء؛ ليقيموا دولتهم على جماجم البشر، ولتسقى حضارتهم إن كانت هذه حضارة بدماء الملايين المظلومين، وكذلك فعل الأمريكان، فقد قتلوا مئات الألوف بل الملايين من الهنود الحمر؛ لكي يقيموا لهم دولة، ونهبوا ثروات غيرهم، وأقاموا ما يسمونه أيضاً بحضارتهم على أشلاء وجماجم سكان البلاد الأصليين، ومرت الأيام وصار الأمريكان قطباً أوحداً في الأرض تماماً كما صار التتار، ولم يقبلوا بالآخر أبداً، ورسخوا الظلم والبطش والقهر في الأرض مع ادعائهم المستمر أنهم ما جاءوا إلا لنشر العدل والحرية والأمان للشعوب، وهكذا فعل التتار.


    وما أشبه طاولة مفاوضات التتار بطاولة مفاوضات الأمريكان، فهم يعطون عهوداً ولا ضمير، ومواثيق ولا أمان، وكلمات جوفاء تطلق في الهواء لتسكين الشعوب وخداعهم إلى حين، وعزمهم مبيت قبل التعهد على نقض العهود، والنية معقودة قبل اللقاء على الطعن في الظهر، وقد دخل الأمريكان بلاد المسلمين بحجج واهية كما دخلها التتار بحجج واهية، ولم يحتاجوا أبداً إلى دليل دامغ أو إلى حجة ساطعة، بل كلها أوهام في أوهام، وادعاءات في ادعاءات، فهم تارة يدعون محاربة الإرهاب، وتارة ترسيخ الديمقراطية، وتارة تحرير الشعوب، وتارة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وتارة البحث عن زعيم هنا أو هناك، وهكذا، فهم يريدون أي سبب ليدخلوا من ورائه؛ لأنهم حتماً سيدخلون.


    وحارب الأمريكان في بلاد المسلمين حروباً كحروب التتار، وكانت حروبهم بلا قلب، لا تفرق بين مدني ومحارب أبداً، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين طفل أو شاب أو شيخ كبير، واستولى الأمريكان على ثروات المسلمين تماماً كما فعل التتار، وإلا فما الفارق بين البترول، وبين الذهب والفضة، وما الفارق بين تغيير المناهج وتبديلها وتزييفها، وبين إغراق مكتبة بغداد وطمس كل ما هو إسلامي، فكلاهما يتميزان بروح همجية لا تقبل الحضارة، وكأن الله عز وجل أراد أن يطابق بين أفعال الأمريكان وأفعال التتار، فجعل خطوات الأمريكان في إسقاط بغداد شديدة الشبه بخطوات التتار، فكما تمركز التتار أولاً في أفغانستان كذلك تمركز الأمريكان في أفغانستان، وكما تحالف بدر الدين لؤلؤ زعيم الأكراد في شمال العراق مع التتار، كذلك تحالف أكراد الشمال العراقي مع الأمريكان.


    وكما فتح كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع المجال الأرضي التركي لقوات التتار، فتح الأتراك الآن المجال الجوي التركي، وليس هناك فرق بين المجال الأرضي والمجال الجوي.
    وكما اخترقت الجيوش التترية أراضي المسلمين دون مقاومة لتصل إلى العراق، كذلك اخترقت جيوش الأمريكان أراضي المسلمين الآن، وليس فقط بدون مقاومة، ولكن بترحيب عال وباستقبال حار، فما أشبه اليوم بالبارحة.


    وكما فكر التتار في التعاون مع الشيعة في العراق فكر الأمريكان في ذلك، وكما استغل التتار بعض المنافقين من المسلمين لبث الحرب الإعلامية التي تحط من نفسيات المسلمين وتلقي الرعب في قلوبهم، قام الأمريكان بنفس الشيء، حتى رأينا الصحف القومية في البلاد الإسلامية تتحدث عن تدريبات وتسليحات وإمكانيات الأمريكان، وتوسع الفجوة، يتشابه أعداء الأمة في خططهم وبرامجهم وأساليبهم في غزوهم للأمة الإسلامية، ويساعدهم على ذلك ضعف الأمة، بالإضافة إلى الأمراض التي تنتشر فيها، فلا بد من معالجة أمراضها معالجة جادة، والتمسك بأسباب النصر وتحقيقها، ليتحقق النصر الموعود.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #137
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت

    الأسباب والأمراض التي تؤدي إلى هزيمة المسلمين (137)


    كل هذا الشبه بين التتار والأمريكان لا يخيفني ولا يرهبني، فملة الكفر واحدة، وحال الكفار يتشابه في كل الأزمان، وإنما ما يخيفني حقاً ويرهبني هو تشابه واقع المسلمين اليوم مع واقعهم أيام التتار، ونحن كما ذكرنا في درس سابق لا نهزم أبداً لقوة الكفار، سواء كانوا من التتار أو من الفرس أو من الروم أو الروس أو الأمريكان أو غيرهم، وإنما نهزم لضعفنا في المقام الأول.
    افتقر المسلمون أيام التتار لكل مقومات النصر قبل عين جالوت وقبل أيام قطز رحمه الله، فكان لا بد من الهزيمة والذل والهوان، وكذلك افتقر المسلمون في زماننا إلى نفس مقومات النصر، فكانت النتيجة هي العربدة الأمريكية والروسية والهندوسية واليهودية والصربية في أراضي المسلمين.
    إن الأمراض الأخلاقية تفشت في الأمة الإسلامية أيام التتار، فكانت سبباً في انهيارهم الرهيب أمام التتار، وهي نفس الأمراض الأخلاقية التي تفشت في أمتنا اليوم.
    لذلك لا بد أن يقف المسلمون وقفة صادقة مع أنفسهم، يفتشون فيها عن أدوائهم الخطيرة، ويسألون أنفسهم: لماذا يفعل بهم أهل الأرض ما يشاءون مع أن المسلمين يزيدون على المليار؟ فهذا سؤال لا بد من الإجابة عليه بصدق، ولماذا لا يأبه بنا أهل الشرق والغرب؟ ولماذا نزع الله عز وجل المهابة منا من قلوب أعدائنا، وألقى في قلوبنا الوهن والضعف والخور؟ وهذا يحتاج منا أن نراجع التاريخ والواقع.
    تكلمنا في المحاضرات السابقة بصفة عامة عن أسباب النصر أيام قطز رحمه الله، وهي نفس أسباب النصر في كل معارك المسلمين، بدءاً من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ومروراً بكل الانتصارات الإسلامية وإلى زماننا الآن، بل وإلى يوم القيامة؛ لأن أسباب النصر من السنن الإلهية التي لا تتغير ولا تتبدل، يقول تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:62].
    والذي يطلع على أسباب النصر سيدرك بوضوح أن الأمة الإسلامية في زمان انكسارها وضعفها قد تخلت كثيراً عن هذه الأسباب، وابتليت بالعديد من الأمراض الخطيرة، والتي هي ببساطة شديدة عكس أسباب النصر التي ذكرناها في الدرس الثامن من هذه الدروس.
    وسنحاول هنا استعراض الأمراض والأسباب التي تعاني منها أمتنا الآن، ثم كيف نتخلص من هذه الأمراض.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #138
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت (138)

    الأمراض التي تعاني منها أمتنا الآن (1)


    عدم وضوح الهوية الإسلامية
    المرض الأول: عدم وضوح الهوية الإسلامية، والقاعدة الإسلامية الأصيلة التي وضحت لنا بعد عين جالوت هي: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7]، ونصر الله عز وجل يكون بتطبيق شرعه والالتفاف حول راية إسلامية واحدة، ولا بد أن تكون الراية إسلامية بوضوح، فلا عنصرية ولا قبلية ولا قومية.
    وأما البعد عن منهج الله عز وجل، وقبول الحلول الشرقية والغربية، والإعراض عن كتاب الله عز وجل وعن سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فهذا أصل البلاء وموطن الداء، ولم يتغير المسلمون إلا عندما ظهر من ينادي بالنداء الجميل العميق: وإسلاماه، كما وضحنا قبل ذلك في أسباب النصر في عين جالوت، ومهما حاول أي قائد أن يحفز شعبه بغير الإسلام فلن يفلح هو أو أمته أبداً، فقد أبى الله عز وجل أن ينصرنا إلا إذا ارتبطنا به في الظاهر والباطن، إذا كان ظاهرنا وباطننا إسلامياً، وسياستنا مسلمة، واقتصادنا وإعلامنا وقضاؤنا وجيشنا إسلامياً، بوضوح دون تستر ولا معارضة ولا خوف ولا وجل، فليس هناك ما نستحي منه، بل الذي يتبرأ من الدين هو الذي يجب أن يستحي.

    الفرقة بين المسلمين
    المرض الثاني: الفرقة بين المسلمين، وهي عكس الوحدة بين المسلمين، وكما كانت تتصارع الأقليات الإسلامية أيام التتار وجلال الدين يعيش فساداً في بلاد المسلمين، بينما جيوش التتار تقبع على بعد خطوات قليلة جداً منه، كذلك نرى الآن الخلاف والشقاق يدب بين كل بلاد المسلمين تقريباً، وقلما تجد قطرين إسلاميين متجاورين إلا ووجدت بينهما صراعاً على حدود، أو اختلافاً على قضية، فقد انشغل المسلمون تماماً بأنفسهم، وتركوا الجيوش المحتلة تعربد في ربوع العالم الإسلامي، وجعلوا همهم التراشق بالألفاظ والخطب، وأحياناً بالحجارة والسلاح مع إخوانهم المسلمين، ولا شك أن التنازع بين المسلمين قرين الفشل، كما ذكر ربنا ذلك في كتابه بوضوح فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، فهذا مرض من الأمراض الخطيرة التي نراها بأعيننا، وهي تفسر لنا تمكن الأمريكان وغيرهم من بلاد المسلمين.

    الترف والركون إلى الدنيا
    المرض الثالث: الترف والركون إلى الدنيا، فقد كبرت الدنيا جداً في عيون المسلمين أيام التتار، وكذلك في أيامنا، فهناك أجيال كاملة من المسلمين اليوم لا تعيش إلا لدنياها، وإن كانت حقيرة وذليلة، فاليوم كل فرد يعيش لنفسه، ويجمع المال ويتجمل ويحسن معيشته، ويتنعم بأنواع الطعام والشراب والمراكب والمساكن، ويستمتع بأنواع الغناء المختلفة وأساليب الموسيقى المتجددة، وهكذا غرق المسلمون في دنياهم، وتجد الكثير من الشباب يحفظ من الأغاني الماجنة أكثر مما يحفظ من القرآن، وكثير منهم يعرف بالتفصيل تاريخ حياة الفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات، ويعرف سيرة كل لاعب في بلادنا أو في غيرها، ولا يعلم شيئاً عن تاريخ وسيرة أبطال وعلماء وقواد المسلمين، بل لا يعلم شيئاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد لا يعلم شيئاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وهذا مرض يحتاج إلى علاج.
    فالترف من أسباب الهلكة الواضحة، يقول الله عز وجل في كتابه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16]، وقد وصل الترف اليوم في بلاد المسلمين إلى عموم المسلمين، حتى وصل إلى فقرائهم، فتجد الرجل قد لا يجد قوت يومه وهو لا يستغني عن السيجارة، ويكاد لا يجد ما يستر به نفسه وأولاده، ثم يجلس الساعات على المقاهي وما إلى ذلك، وقد لا يستطيع أن يعلم أولاده، ولكنه يحرص كل الحرص على اقتناء فيديو أو طبق فضاء، وأما الترف الفكري فهو كثير جداً، فتجد أذهان الكثير ممن يعتبرون أنفسهم من المثقفين مملوءة بأشياء لا تسمن ولا تغني من جوع أبداً، إما أفكار فلسفية، أو مدارس علمانية، أو نظريات مادية، أو أقوال وحكم لأناس لا يزنون شيئاً أبداً في ميزان الحق، وهذا لا يصح لأمة تعاني الأزمات، وأكثر من بقعة من بقاعها محتلة، وهي متأخرة في معظم مجالات الحياة، في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والعلمية، بل والأخلاقية، فهذا لا يستقيم أبداً، ولكنه واقع نراه بأعيننا، وهو واقع أليم، ونحن لا نريد أن نكون كالنعام نضع رءوسنا في الرمال، ونخفي هذه الحقائق عن أعيننا لنعيش في سعادة، فهذا من الغباء والحماقة.
    فعلينا أن نواجه أمراضنا، ونقف وقفة جادة لنعالجها، ولن يصلح حال المسلمين وتحرر بلادهم أبداً إلا بتطبيق شرع ربنا، وموافقتنا لسننه سبحانه وتعالى في النصر، وهذا مشاهد في التاريخ وفي الواقع.

    ترك الجهاد
    المرض الرابع من أمراض الأمة الإسلامية الخطيرة: ترك الجهاد، وهذا نتيجة طبيعية للانغماس في الدنيا والترف الزائد عن الحد، فقد ترك المسلمون الجهاد، ورضوا بالسير في ذيل الأمم، وقبلوا ما سماه عدوهم: السلام، وهو في الواقع استسلام، ولم يفقه المسلمون الآن كما لم يفقهوا أيام التتار أن السبيل الأساسي لاستعادة حقوق المسلمين المنهوبة هو الجهاد، وأن السلام لا يمكن أن يكون خياراً إلا في بعض الظروف، وأما إذا انتهبت حقوق المسلمين، وسفكت دماؤهم وشردوا عن أرضهم، واستهزئ بدينهم وبرأيهم وبمكانتهم فلا يمكن أن يكون السلام هو الخيار المطروح، فالسلام لا يكون إلا باستعادة كامل الحقوق، ولا يكون إلا ونحن أعزاء، نمتلك قوة الردع الكافية للرد على العدو إذا خالف معاهدة السلام، أما بدون ذلك فالسلام لا يكون سلاماً، بل يكون استسلاماً، وهو ما لا يقبل في الشرع.
    ويجب أن يفقه المسلمون جيداً أن كلمة الجهاد ليست عيباً يجب أن نستحي منها أو نداريها، ولا كلمة قبيحة يجب أن تنزع من مناهج التعليم ومن وسائل الإعلام ومن صفحات الجرائد والكتب، ومن خطب الجمعة ومن الدروس ومن غير ذلك، بل هي كلمة عظيمة جداً، فالجهاد ذروة سنام الإسلام وأعلى ما فيه، شاء ذلك أعداء الأمة أم أبوا، سواء من خارجها أو من أبنائها، فكلمة الجهاد بمشتقاتها وردت في كتاب الله عز وجل أكثر من (30) مرة، وكلمة القتال بمعنى قتال الأمة لأعدائها وردت أكثر من (90) مرة في كتاب الله عز وجل، وكلمة النصر وردت أكثر من (140) مرة، فأين نذهب بهذه الكلمات والآيات؟ وأين نذهب بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال:65]؟ وبقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123]؟ ومتى تظهر الغلظة إذا كانت كل بلاد المسلمين محتلة، ونحن لا زلنا نبحث على السلام؟ وأين نذهب بقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً} [التوبة:36]؟ وأنى لأمة تريد أن تحمي نفسها، وتدافع عن عرضها وشرفها أن تترك الجهاد والقتال؟ وفي أي عرف أو قانون أو ملة تصر الأمة التي احتل شرقها وغربها على عدم الحديث عن الجهاد والقتال والحرب والإعداد؟ ومرض ترك الجهاد وترك الحديث عنه وترك الإعداد له من أعظم أمراض الأمة، ولم يوجد في تاريخنا أبداً قيام إلا به، ولنا في التاريخ عبرة.

    إهمال الإعداد وترك الأخذ بالأسباب
    المرض الخامس وهو مرض خطير كذلك: إهمال الإعداد المادي للحروب، وقد رأينا كيف اجتهد التتار في إعداد كل ما يمكنهم من النصر، سواء من الجنود أو السلاح، أو تجهيز الطرق أو وضع الخطط، أو الاهتمام بالأحلاف والحرب النفسية، أو إعداد الخطط البديلة، وكان إعدادهم متميزاً حقاً، وعلى الجانب الآخر كان المسلمون يعيشون في واد آخر، فقد أهملت الجيوش الإسلامية وانحدر مستواها، ولم يعد يهتم حاكم بتحديث سلاحه أو تدريب جنده، ولم توضع الخطة المناسبة، ولم توجد المخابرات الدقيقة، وتهاون المسلمون جداً في إعدادهم، ورتبوا أولوياتهم بصورة مخزية، فأنفقوا الملايين على القصور والرخام والحدائق والحفلات، لم ينفقوا شيئاً على الإعداد العسكري والعلمي والاقتصادي للبلاد، فقلّ ظهور النماذج المتفوقة في المجالات العلمية والقيادية والإدارية، وكثر ظهور المطربين والمطربات والراقصين والراقصات واللاعبين واللاعبات واللاهين واللاهيات، وأمة بهذا الإعداد لن تحرر بلادها من عدو محتل، ولا بد أن تهزم، وأمة الإسلام بغير إعداد لا بد أن تهزم، وليس معنى التوكل على الله عز وجل أن نهمل الأسباب، ولا معنى الإعداد أن نهمل الاعتماد على ربنا سبحانه وتعالى، بل لا بد من الأمرين معاً، أن نبذل قصارى جهدنا في إعداد الأسباب المادية، وأن نلجأ إلى الله عز وجل بصدق لينصرنا على أعدائنا، وأن ييسر لهذه الأسباب أن تؤتي نتائجها.
    إذاً: إهمال الإعداد مرض خطير جداً وما زال مستمراً، وراجعوا الإحصائيات لحال الأمة الإسلامية في المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية والعسكرية؛ من أجل أن تعرفوا مدى المأساة التي تعيشها الأمة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #139
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: التتار من البداية إلى عين جالوت

    - التتار من البداية إلى عين جالوت (139)

    الأمراض التي تعاني منها أمتنا الآن (2)


    افتقاد القدوة
    المرض السادس: افتقار المسلمين إلى القدوة، فتربية القدوة أفضل آلاف المرات من تربية الخطب والمقالات، فالجنود يشعرون بالغربة الشديدة ويفقدون الحماس تماماً إذا افتقدوا القدوة، وإذا ألقي ألف خطاب للتحميس على الجهاد، فلن يفعل شيئاً إذا وجد الجنود قائدهم أول المختبئين عند الكوارث.
    كذلك إذا ألقي ألف خطاب عن تحمل الظروف الصعبة والرضا بالقليل والزهد في الدنيا وتحمل المصائب الاقتصاية، لا يغني شيئاً إن وجد الشعب زعيمه يتنعم في القصور، وينفق الملايين على راحته وسعادته ورفاهيته وحفلاته الصاخبة.
    وكذلك ألف خطاب عن الأخلاق الحميدة، لا يقدم شيئاً في الأمة إن كان الذي يقتدى به ما يصلي أصلاً ولا يصوم، ولا يتسم بنظافة اليد واللسان والضمير والوجدان، إذ كيف يلتزم شعب بدينه وبشرع ربه وهو قلّما استمع إلى لفظ الجلالة من زعيمه أو أستاذه أو مربيه؟

    موالاة الأعداء
    المرض السابع وهو خطير جداً: موالاة أعداء الأمة، وليس في ديننا لبس ولا غموض، وقد تركنا صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فموالاة أعداء الأمة مرض خطير، وقد كانت هذه المصيبة دوماً سبباً مباشراً من أسباب سقوط الأمة الإسلامية، وما جرَّت موالاة أعداء الأمة على الأمة إلا الويلات والكوارث، وإنها والله لخزي الدنيا وعذاب الآخرة.
    يقول تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:57]، وهذا تحذير مباشر وخطير.


    الإحباط
    المرض الثامن:
    الإحباط، فالأمة المحبطة من المستحيل أن تنتصر، والقنوط ليس أبداً من صفات المؤمنين، قال الله عز وجل: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]، فقد عمل التتار كما عمل الأمريكان وأتباعهم على خفض الروح المعنوية للشعوب المسلمة إلى أدنى درجة ممكنة، وعظموا كل ما هو تتاري أو أمريكي، وخفضوا كل ما هو مسلم، ووسعوا الفجوة جداً بين إمكانيات العدو وإمكانيات الأمة، وصوروا لهم أنه لا سبيل لهم للنجاة إلا بالخنوع والخضوع والتسليم.
    والعودة إلى الله عز وجل ليس من الضروري أن تأخذ وقتاً طويلاً، بل يعود المسلم إذا أراد العودة إلى ربه في لحظة، ويجد أن الله عز وجل في خير استقبال له، وأنه يفرح بتوبته وبعودته، فيمكِّنه ويعطيه السيادة في الأرض، ويحوطه برعايته، فهو يتودد إلى ربه وربه يتودد إليه.
    ونحن الذين نحتاج إلى ربنا سبحانه وتعالى سواء في الدنيا أو في الآخرة، وقد رأينا أن مصيبة التتار على عظمها وعلى كونها أعظم آلاف المرات من المصائب التي نمر بها الآن، قد أتبعت بنصر مجيد على يد قطز رحمه الله، وكان من أهم الأسباب للنصر أنه رحمه الله رفع الروح المعنوية لجيشه ولشعبه، وعلمهم أن التتار خلق من خلق الله لا يعجزونه أبداً، وأن المسلمين إذا ارتبطوا بالله عز وجل فلا سبيل لأحد عليهم مهما كان، لا تتار ولا يهود ولا أمريكان، وعلمهم رحمه الله أن الدولة الأخيرة لا بد أن تكون للمسلمين، وليعلم المسلمون في كل زمان أن النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة، وأنه إذا أوصدت كل الأبواب وأظلمت الدنيا، وشعر المسلمون أن الأزمة قد بلغت الذروة التي لا ذروة بعدها، فكل هذه علامات واضحة وبينة على أن النصر قد أصبح قريباً جداً، واستمعوا إلى قول الله عز وجل في سورة البقرة حيث يقول: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:214]، أي: إذا وصل الأمر إلى الذروة وقالوا: متى نصر الله؟ ثم عقب بقوله: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]، أي: عند وصول المأساة إلى الذروة يأتي نصر الله عز وجل، فهذه من سنن رب العالمين سبحانه وتعالى في كونه وفي خلقه.


    توسيد الأمر لغير أهله
    المرض التاسع: توسيد الأمر لغير أهله، فقد رأينا في قصة سقوط بغداد الأولى، كيف أن الأمر كان قد وسد لغير أهله كثيراً، وضيعت الأمانة، وتولى المناصب العليا في البلد أناس افتقروا إلى الكفاءة، كما افتقروا إلى التقوى، فلم يكن فيهم قوة ولا أمانة، وهذه طامة كبرى، فإذا لم يصل إلى مراكز القيادة إلا أصحاب الوساطة أو القرابة أو الرشوة فهذا أمر خطير، بل شديد الخطورة، وإذا رأيتم أن القريب لا يوظف إلا قريبه، وأن المراكز تباع وتشترى وتهدى، وأن أصحاب الكفاءات لا تقدر كفاءتهم ولا يرفع من قدرهم، فاعلموا أن النصر في هذه الظروف مستحيلة.

    غياب الشورى
    المرض العاشر والأخير: غياب الشورى، والشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام، والذي لا يأخذ بها فإنه يضحي بملايين الطاقات في شعبه، ويفترض في نفسه الكمال، ويخالف طريق الأنبياء، ويزرع الضغينة في قلوب أتباعه، ويقع في الخطأ تلو الخطأ، وفوق ذلك كله فإنه يخالف أمر الله عز وجل، الذي جاء بلفظ صريح في كتابه العزيز حيث قال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159]، ونقصد بالشورى هنا الشورى الحقيقية لا الشورى الوهمية، التي ليس لها هم إلا جمع الآراء المؤيدة لرأي الزعيم الأوحد، ثم تغلب آراء الدكتاتور وترمي بقيمه الآراء في سلة المهملات.

    عوامل النصر
    أما كيف يكون النصر فهو أمر في منتهى البساطة والسهولة واليسر، ولا يوجد فيه لا لبس ولا غموض، وهو أن تعالج هذه الأمراض العشرة التي ذكرناها علاجاً حقيقياً صادقاً، ولا بد أن نعترف بوجود هذه الأمراض أولاً، ثم نسعى جاهدين صادقين لعلاجها؛ حتى نرقى بهذه الأمة، ونوظف كل الطاقات لتمكينها في الأرض.
    والنصر بإيجاز شديد جداً يكمن في الأمور العشرة التالية: الأول: العودة الكاملة غير المشروطة إلى الله عز وجل وإلى شرعه الحكيم.
    الثاني: الوحدة بين المسلمين جميعاً على أساس الدين.
    الثالث: الإيمان بالجنة والزهد في الدنيا والبعد عن الترف.
    الرابع: تعظيم الجهاد والحث عليه، وتربية النشء والشباب على حب الموت في سبيل الله.
    الخامس: الاهتمام بالإعداد المادي من سلاح وعلم وخطط واقتصاد وتقنيات وسياسات وغير ذلك.
    السادس: إظهار القدوات الجليلة الإسلامية الأصلية وإبرازها وتعظيمها عند المسلمين.
    السابع: عدم موالاة أعداء الأمة، والفقه الحقيقي للفرق بين العدو والصديق.
    الثامن: بث روح الأمل في الأمة الإسلامية، ورفع الهمة والروح المعنوية للشعب.
    التاسع: توسيد الأمر إلى أهله، وأهله هم أصحاب الكفاءة والأمانة.
    العاشر: تفعيل دور الشورى الحقيقية التي تهدف فعلاً إلى الخروج بأفضل الآراء.
    هذه هي عوامل عشرة للنصر، وكل واحد منها يحتاج إلى محاضرات كثيرة ودروس منفصلة، وكل واحد منها يحتاج لجهد متواصل من كل مخلص في هذه الأمة، يريد لها القيام والسيادة والتمكين في الأرض.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •