قال الشيخ العلامة محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله :
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد اللطيف، وعبد الله بن عبد العزيز العنقري، إلى كافة إخواننا أهل الأرطاوية، أصلح الله لنا ولهم الطوية، وحمانا وإياهم من كل محنة وبلية، وجعل أعمالنا وأعمالهم مقبولة مرضية؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فالباعث لهذا الكتاب، محض النصيحة لكم، والشفقة عليكم، ومعذرة إلى الله من معرة الكتمان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة.." الحديث. ومما يلزم بيانه لكم: تذكيركم ما من الله به علينا وعليكم، من معرفة دين الإسلام الذي خفي على أكثر الناس، وهو الذي أظهره الله في آخر هذا الزمان، على يد شيخ الإسلام، محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقام بنصره أئمة المسلمين من آل سعود، فحصل بهم من اجتماع الكلمة، وظهور الحق، واضمحلال الباطل، ما تنشرح به صدور أهل الإيمان، وتكمد به صدور أهل النفاق والطغيان.
فالواجب علينا وعليكم: مراعاة هذه النعمة، والقيام بشكرها ; واذكروا ما أنتم عليه سابقا، من الظلم والعدوان،.
وسفك الدماء، ونهب الأموال، والتحاكم إلى الطاغوت، واختلاف الكلمة، ثم من الله عليكم بترك ذلك، والإقبال على تعلم أصول الإسلام.
فلما رأى الشيطان منكم ذلك، وأحزنه: أعمل الحيلة في صدكم عما عرفتم من الخير، ودنتم به في فتح أبواب اختلاف الكلمة، وإساءة الظن من بعضكم لبعض، وحملكم على التهاجر والتقاطع، في أمور ما توجب ذلك في أمر الشرع المطهر ; فالواجب عليكم: رد ما تنازعتم فيه إلى كتاب الله، وسنة رسوله، ولا يعرف ذلك وتفاصيله إلا العلماء، الذين تلقوا العلم عمن لهم قدم راسخ في معرفة أصول الشريعة ; واحذروا أن يقتدي جاهل بجاهل! فإن اقتداء الجاهل بالجاهل، كاقتداء الأعمى بالأعمى.
ومما نبين لكم، وننصحكم به أيضا: بذل الجهد في الوفاء بذمة إمامكم، من جهة نقيصة ابن صباح، التي وقع أخذها باجتهاد منكم، وطلب للخير لكن حملكم على ذلك: ظنكم أنه ليس له ذمة مع الإمام، ولا عماله، والآن بان لكم - وفقكم الله - أن ذمة الأمان لم تزل معقودة له؛ فعلى هذا يكون عندكم معلوما، أن المال المأخوذ على هذا الوجه حرام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " أيما جسد نبت من مال حرام، فالنار أولى به".
ومن أراد الدليل على أن العهد يجب الوفاء به، ولو مع كافر
، فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش، حين عاقدهم بعقد الصلح، فإنه وقع الشرط بينهم على أنه من جاء من الكفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما يرده عليهم، ومن جاءهم من المسلمين مرتدا، لا يرد إلى المسلمين، حتى أشكل ذلك على بعض الصحابة رضي الله عنهم، فقالوا: كيف نرد عليهم من جاءنا منهم مسلما، ولا يردون علينا من جاءهم منا مرتدا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من جاءنا منهم مسلما، فسيجعل الله له فرجا، وأما من ذهب إليهم مرتدا فأبعده الله"، فجاء نفر مسلمون، منهم أبو جندل ابن سهيل بن عمرو، فقيدهم النبي صلى الله عليه وسلم وردهم عليهم، محافظة على الوفاء بالذمة، هذا معنى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [سورة النحل آية : 91] إلى قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً } [سورة النحل آية : 92] وهذا حكم عام مع المسلمين والكفار. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [سورة المائدة آية : 1] يعني بالعهود، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما نقض قوم العهد، إلا سلط الله عليهم عدوهم " أعاذنا الله وإياكم من عقوبات الذنوب.
وأما الأدلة الواردة في الأمر بقتال الكفار، فالمراد بها من لا ذمة له منهم ولا عهد، وهم المحاربون، وأما من له ذمة او عهد مع الكفار
، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة " ومقصودنا ببيان هذا: أنه ربما استدل بالأدلة الواردة، في قتال الكفار، من يضعها في غير موضعها الذي وضعت فيه، وهذا الذي نعتقده وندين الله به، ونبرأ إلى الله ممن خالفه كائنا من كان ; نرجو أن الله يمن علينا وعليكم، بقبول الحق والعمل به، والبصيرة فيه، والثبات عليه، وصلى الله على محمد.