تاريخ مصطلح العقيدة



ا.د. أحمد القاضى



الحمد لله رب العالمين, والصلاة, والسلام على رسول الله, وعلى آله, وصحبه أجمعين, وبعد :
فإن من المصطلحات التي أطلقت على أصول الإيمان, وما يلحق بها, مصطلح العقيدة. وقد شاع بين بعض الناس, أن مصطلح العقيدة لم يظهر إلا في العصور المتأخرة, ولم يكن معروفاً عند السلف, ولم يرد في الكتاب ولا في السنة, وتصحيحاً لهذا الفهم الخاطئ, لتاريخ هذا المصطلح, نقول :
إن هذا الكلام غير صحيح, ولا مطابق للحقيقة, ولعل سبب هذا القول, عدم تتبعه لتاريخ هذا المصطلح.
وعند البحث والرجوع لنصوص الكتاب والسنة, وأقوال السلف في ذلك, نجد أن هذا المصطلح قد استعمله السلف, وإن لم يكن بتلك الكثرة, بل إن استعمال هذا المصطلح, قد ثبت مرفوعاً إلى النبي – صل الله عليه وسلم –
قال الإمام الدارمي – رحمه الله :
أخبرنا عصمة بن الفضل, ثنا حرمي بن عمارة, عن شعبة, عن عمرو بن سليمان, عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان, عن أبيه قال : "خرج زيد بن ثابت من عند مروان بن الحكم بنصف النهار, قال :فقلت : ما خرج هذه الساعة من عند مروان إلا وقد سأله عن شيء, فأتيته فسألته, قال نعم, سألني عن حديث, سمعته من رسول الله - صلى الله عليه و سلم – قال: (( نضر الله امرأ سمع منا حديثا, فحفظه, فأداه إلى من هو أحفظ منه, فربَّ حامل فقه ليس بفقيه, ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه, لا يعتقد قلب مسلم على ثلاث خصال, إلا دخل الجنة, قال: قلت: ما هي؟ قال:" إخلاص العمل, والنصيحة لولاة الأمر, ولزوم الجماعة, فإن دعوتهم تحيط من ورائهم, ومن كانت الآخرة نيته جعل الله غناه في قلبه, وجمع له شمله, وأتته الدنيا, وهي راغمة, ومن كانت الدنيا نيته, فرق الله عليه شمله, وجعل فرقه بين عينيه, ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له, ))قال: وسألته عن صلاة الوسطى؟ قال: هي الظهر" .[1]
*وقد ورد استعمال هذا المصطلح في نصوص, عن بعض السلف الصالح؛ ومن ذلك ما يلي :
1- يقول محمد بن نصر المروزي ( ت294هـ) :
"لأنه إذا اعتقد أن الله ليس بكريم, ولا يستحق المدح الحسن, فقد اعتقد الكفر, ولم يعرف الله, وكذلك إن اعتقد أنه قد ظلمه, وجار عليه, فهو كافر لم يعرف الله" [2]
2- ويقول الإمام ابن سريج ( ت306هـ)- وقد سئل عن صفات الله- :
"حرام على العقول أن تمثل الله، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الألباب أن تصف، إلا ما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله؛... " إلى أن قال: "اعتقادنا فيه, وفي الآي المتشابهة في القرآن، أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين،ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نترجم عن صفاته بلغ غير العربية، ونسلم الخبر لظاهره, والآية لظاهر تنزيلها" [3]
3- ويقول ابن جرير الطبري, (ت 310هـ), في سياق رده على المرجئة :
" فإن قال : نعم، أوجب اسم الإيمان لكل من لا يعرف ربه بقلبه، ولكل من اعتقد بقلبه أن الله ثالث ثلاثة بالإطلاق على الحقيقة، وذلك خلاف نص حكم الله في خلقه . وذلك أن الله - تبارك وتعالى -, سمى من قال بلسانه مثل قول المؤمنين بألسنتهم، وهو معتقد بقلبه خلافه منافقا، فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم- : ((إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )) [المنافقون1],فكذبهم الله - جل ثناؤه- في دعواهم لما ادعوا أنهم يشهدون، إذ كانت قلوبهم منطوية على خلاف ما أبدته ألسنتهم، وإن قال : بل هو غير مؤمن حتى يصدق بالقول ما هو معتقد حقيقة بقلبه، قيل : فقد تركت قولك : إن الإيمان هو التصديق بالقول، والإقرار باللسان، وخالفت ما ادعيت في قول الله تعالى ذكره : ((قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)) [يوسف17],من التأويل .." [4]
4 - وقال الحكيم الترمذي, ( ت 320هـ) :
"و المسلم قد اعتقد بقلبه وحدانية الله تعالى لا شريك له, وعرفه رباً, أسلم نفسه إليه, و صار له عبدا بكل ما يأمر و ينهى, و يحكم ويشاء, فأمرهم بالحق, و زجرهم من الباطل, وبين الحق والباطل [5].
5- وقال أبو حاتم ابن حبان,(ت 354 هـ):
في معنى حديث (مات ميتةً جاهليةً):" ظاهر الخبر أن من مات، وليس له إمام، يريد به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مات ميتة الجاهلية، لأن إمام أهل الأرض في الدنيا, رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن لم يعلم إمامته، أو اعتقد إماما غيره, مؤثرا قوله على قوله، ثم مات، مات ميتة جاهلية" [6]
6- ويقول الإمام الخطابي,( ت388هـ) :
" فلا شك أن من اعتقد في ميت من الأموات, أوحي من الأحياء, أنه يضره, أو ينفعه, إما استقلالاً, أو مع الله تعالى, أو ناداه, أو توجه إليه, أو استغاث به, في أمر من الأمور التي لا يقدر عليها المخلوق, فلم يخص التوحيد لله, ولا أفرده بالعبادة " [7]
7- ويقول الإمام ابن أبي زمنين,( ت 399هـ ) :
" ومن قول أهل السنة, أن يعتقد المرء المحبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, وأن ينشر محاسنهم, وفضائلهم ، ويمسك عن الخوض فيما دار بينهم [8].
8- وعقد الإمام ابن منده,(ت470هـ ),باباً في لقاء الله بقوله: " ذكر ما يدل على أن من الإيمان, أن يعتقد العبد لقاء الله عز وجل" [9].
9- وقد ورد استعمال هذا المصطلح في كلام ابن حبان في صحيحه كثيراً .
* ومن صور إطلاق السلف الصالح لهذا المصطلح على علم أصول الدين, تسميتهم لكتبهم بهذا الاسم :
أ*- كتاب اعتقاد أهل السنة.لأبي بكر الإسماعيلي ( ت 371هـ) .
ب*- كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد. للبيهقي: (ت 458هـ ).
ج*- لمعة الاعتقاد. لموفق الدين ابن قدامة: ( ت 620هـ).
هـ - كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.لأبي القاسم اللالكائي :( ت 418) .
*تعريف مصطلح العقيدة :
تعريف العقيدة لغةً : يقول ابن فارس – رحمه الله : " العين, والقاف, والدال أصلٌ واحدٌ, يدلُّ على شَدٍّ, وشِدّةِ وُثوق، وإليه ترجعُ فروعُ البابِ كلها. من ذلك عَقْد البِناء، والجمع أعقاد, وعُقود, وعَقَدت الحبلَ أعقِده عَقْداً، وقد انعقد، وتلك هي العُقْدة. وعَقَد قلبَه على كذا, فلا يَنزِع عنه [10]
وأما العقيدة في الاصطلاح : الإيمان الجازم, بالذي لا يتطرق إليه شك, لدى معتَقِده.
فالعقيدة الإسلامية تعني: الإيمان الجازم بالله تعالى ـ وما يجب له من التوحيد والطاعة ـ وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وسائر ما ثبت من أمور الغيب، والأخبار، والأصول، علمية كانت, أو عملية.



[1] سنن الدارمي - (1 / 86) . قال حسين سليم أسد : إسناده صحيح ، هذا الحديث رجال إسناده كلهم ثقات, إلا حرمي بن عمارة,فهو صدوق, ولم يؤخذ عليه إلا استنكار الإمام أحمد حديثين له عن شعبة, ليس هذا منهما , وعليه, فإن الحديث حسن إن شاء الله .
[2] تعظيم قدر الصلاة 249 - (2 / 733) .
[3] كتاب العرش للذهبي - (4 / 43) .
[4] تهذيب الآثار للطبري - (7 / 96)
[5] نوادر الأصول في أحاديث الرسول - (2 / 9) .
[6] صحيح ابن حبان : (10 / 435) .
[7] الغنية عن الكلام وأهله.للإمام الخطابي : (1 / 33) .
[8] كتاب أصول السنة. لابن أبي زمنين : (1 / 263) .
[9] كتاب الإيمان لابن منده 395 : (1 / 151) .
[10] معجم مقاييس اللغة لابن فارس : (4 / 86) .