تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ما صحة قصة أبي حنيفة أنه كان يصلي الفجر بوضوء العشاء لمدة أربعين سنة ؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي ما صحة قصة أبي حنيفة أنه كان يصلي الفجر بوضوء العشاء لمدة أربعين سنة ؟





    السؤال : ما صحة قصة أبي حنيفة أنه كان يصلي الفجر بوضوء العشاء لمدة أربعين سنة ؟

    رقم الفتوى : 2046
    جواب السؤال
    الجواب : أكمل الأحوال في العبادة والعلم والجهاد والدعوة والمعاملات والمعاشرات هي أحوال نبينا صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله لنا أسوة وقدوة وإماما ، وكانت سنته هي الاعتدال والتوسط بغير إفراط ولا تفريط ، فكان يصوم ويفطر ويصلي من الليل وينام ويتزوج النساء ، وقد بعثه الله بالحنيفية السمحة ، وكل حال مهما بلغ عن غيره من أمته فلن يصل إلى حاله صلى الله عليه وسلم من الكمال والتمام في حق الله لأنه أتقانا وأعبدنا وأعلمنا بالله تعالى .
    والقصة المشهورة عن أبي حنيفة رحمه الله أنه كان يصلي الفجر بوضوء العشاء لمدة أربعين سنة قد ذكرها عدد من علماء السير والتراجم في كتبهم كما ذكروا هذا الحال عن العديد من الأئمة والعلماء من السلف الصالح ، وإن كانت هذه الروايات كلها ضعيفة لا تثبت ، وحتى لو ثبتت فهي أدنى حالا ومقاما من حال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم .
    وسأتناول الرد على هذه القصة في الخمس نقاط التالية :

    أولا : ذكر من أورد هذه القصة من العلماء :
    1- قال الإمام الذهبي رحمه الله في "السير" (6/399) : وعن أسد بن عمرو أن أبا حنيفة رحمه الله صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة . وبنفس الإسناد روى الذهبي القصة في كتابه تاريخ الإسلام - وبين راوي القصة والإمام الذهبي رحمه الله قرون طويلة .
    ضعف سند هذه القصة : أسد بن عمرو الراوي ذكره الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (الحديث رقم 2657) كمتابع لإسماعيل بن بمجالد فقال :
    [ وأسد هذا اختلفوا فيه أيضا، وهو من رجال اللسان "، وتجد أقوال الأئمة فيه مفصلا، وفيه أن بعضهم تكلم فيه لأنه كان من أصحاب الرأي، وقد وثقه جمع منهم أحمد وابن معين، وعن هذا رواية أخرى من طريق أحمد بن سعيد بن أبي مريم عنه قال: " كذوب ليس بشيء ". وأشار الذهبي إلى رفض هذه الرواية، ولعل ذلك لجهالة أحمد بن سعيد هذا، فإني لم أجد له ترجمة. وهي في نقدي حرية بالرفض لمخالفتها لكل أقوال الأئمة الموثقين والمضعفين، أما الموثقين فواضح، وأما المضعفين، فلأن أكثرهم أطلق الضعف، والآخرون غمزوه بضعف الحفظ، أو أن عنده مناكير، وابن عدي الذي جاء من بعدهم، ختم ترجمته بقوله فيه: " له أحاديث كثيرة عن الكوفيين، ولم أر في أحاديثه شيئا منكرا، وأرجو أن حديثه مستقيم، وليس في أهل الرأي بعد أبي يوسف أكثر حديثا منه ". قلت: فحري بمن كان كثير الحديث مثله، وليس فيها ما ينكر أن يكون ثقة، ولئن وجد - كما ذكر بعضهم - فهو لقلته مغتفر. والله أعلم. ] اهـ.

    2- وقال الخطيب البغدادي رحمه الله في "تاريخ بغداد" (15 / 484) :
    أَخْبَرَنَا علي بن المحسن المعدل، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر أَحْمَد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب الكاغدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن الحارث الحارثي البخاري ببخارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن الحسين البلخي، قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بن قريش، قال: سمعت أسد بن عمرو، يقول: صلى أَبُو حنيفة فيما حفظ عليه صلاة الفجر بوضوء صلاة العشاء أربعين سنة، فكان عامة الليل يقرأ جميع القرآن في ركعة واحدة، وكان يسمع بكاؤه بالليل حتى يرحمه جيرانه، وحفظ عليه أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة."
    ضعف سند هذه القصة : بسبب أسد بن عمرو كما ورد في القصة السابقة وقال الألباني رحمه الله سببا آخر في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة الحديث رقم 3500 :
    [ وهذا موضوع ؛ آفته عبد الله بن محمد بن يعقوب - وهو الحارثي -؛ قال أبو سعيد الرواس:"يتهم بوضع الحديث". وهو الذي جمع مسنداً لأبي حنيفة رحمه الله تعالى. ] اهـ.

    ثانيا : الحكم على صحة هذه القصة :
    حكم الألباني رحمه الله على هذه الكذب فقال في "أصل صفة الصلاة" ( 2 / 531 / ط . مكتبة المعارف ) – في معرض كلامه أن المداومة على إحياء الليل كلّه خلاف سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم وهديه :
    [ ولا تغتر بما روي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه مكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء ؛فإنه مما لا أصل [ له ] عنه ؛ بل قال العلامة الفيروزأبادي في " الرد على المعترض " ( 44 / 1 )" : هذا من جملة الأكاذيب الواضحة التي لا يليق نسبتها إلى الإمام ، فما في هذا فضيلة تُذكر، وكان الأولى بمثل هذا الإمام أن يأتي بالأفضل، ولا شك أن تجديد الطهارة لكل صلاة أفضل وأتم وأكمل . هذا إن صح أنه سهر طوال الليل أربعين سنة متوالية ! وهذا أمر بالمحال أشبه، وهو من خرافات بعض المتعصبين الجهال قالوه في أبي حنيفة وغيره ، وكل ذلك مكذوب. ] اهـ.

    ثالثا : ذكر من له مثل هذا الحال من العلماء والأئمة :
    ذكر الكثير من أهل التراجم والسير جمعا من العلماء صلوا الفجر بوضوء العشاء لأربعين سنة مما يدل على شيوع هذا الأمر فيهم وليس مقصورا على أبي حنيفة رحمه الله ، وممن قيل فيه: إنه صلى صلاة الصبح (الفجر) بوضوء العشاء :
    1- ابن المغلس الداودي : قال الدارقطني : إنه أفقه المشايخ، وإنه لم يرَ مثله؛ أقام أربعين سنة لا ينام الليل، ويُصلي الصبحَ بوضوء العشاء. "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" (2 / 299) .

    2- أبو الخير القزويني الطالقاني : قال أبو القاسم الصوفي : صلَّى شيخنا القزويني بالناس صلاةَ الفجر بوضوء العشاء. "طبقات الشافعية الكبرى" (6 / 10) .

    3- تاج الدين عبدالوهاب الذاكر المصري؛ قال عند موته لي أربعون سنةً أُصلِّي الصبح بوضوء العشاء. "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" (8 / 110)، و"البداية والنهاية" (1 / 163) .


    4- سعيد بن المسيب؛ قيل : إنه صلى الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة. "وفَيَات الأعيان" (2 / 375) .

    5- سليمان بن ترجان أبو القاسم التيمي؛ قيل : كان يُصلي الغداة بوضوء العشاء سنين عديدة."النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" لابن تغري بردي .


    6- سليمان بن طرخان التيمي؛ ذكر ابن سعد أنه كان يُصلي الليل كله، ثم يصلي الغداة بوضوء العشاء الآخرة، وقال ابن الجوزي : كان من العبَّاد المجتهدين، يُصلي الغداة بوضوء العشاء الآخرة، وقال معتمر بن سليمان : مكث أبي أربعين سنة يصوم يومًا ويُفطِر يومًا، ويُصلي الصبح بوضوء العشاء. [ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3 / 28)، وشعب الإيمان (4 / 530)، وصفة الصفوة (3 / 297)، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب (1 / 206) لابن العماد، والعِبَر في خبر من غبر (1 / 195)، وتذكرة الحفاظ (1 / 151)، وتاريخ الإسلام ووَفَيَات المشاهير والأعلام (3 / 879) ] .

    7- السيد أحمد البخاري العارف بالله تعالى الشريف الحسيني؛ قال الشيخ الإلهي : إن السيد أحمد البخاري صلَّى بنا الفجر بوضوء العشاء ست سنين . "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" (8 / 105)، و"البداية والنهاية" (1 / 94) .

    8- عبدالرحمن بن الأسود النخعي؛ قال محمد بن إسحاق : قدم علينا عبدالرحمن بن الأسود بن يزيد حاجًّا، فاعتلَّت إحدى قدميه، فقام يُصلي - حتى أصبح - على قدم، قال: وصلى الفجر بوضوء العشاء . [ كتاب التهجُّد وقيام الليل (ص: 199) لابن أبي الدنيا، وصفة الصفوة (3 / 95)، وتهذيب الكمال (16 / 532) للمزي، وتهذيب التهذيب (21 / 140) ] .

    9- عبدالله أبو القاسم الخفاف، المعروف بابن النقيب البغدادي؛ قيل : مكث دهرًا طويلًا يُصلي الفجر بوضوء العشاء . "البداية والنهاية" (12 / 18) ، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي .

    10- عبدالواحد بن زيد البصري؛ قيل : إنه صلى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة . "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" (1 / 280)، و"العِبَر في خبر من غبر" (1 / 270) .

    11- مالك؛ في تاريخ المنتجالي : أقام بضعًا وأربعين سنة، قلَّما يُصلي الصبح إلا بوضوء العشاء . [نقلًا عن إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال (11 / 30) لمغلطاي].

    12- محمد بن إبراهيم بن عبدوس فقيه المغرب؛ قال عبدُالله بن إسحاق بن التبان : إن ابن عبدوس أقام أربع عشرة سنة يُصلي الصبح بوضوء العشاء . "سير أعلام النبلاء" (13 / 64) .

    13- منصور بن زاذان؛ قال هشيم : مكث منصور بن زاذان يصلي الفجر بوضوء العشاء الآخرة عشرين سنة . كتاب "التهجد وقيام الليل" (ص: 455)؛ لابن أبي الدنيا .

    14- هاشم بن بشير أبو معاوية السلمي الواسطي؛ قيل : إنه مكَث يُصلي الصبح بوضوء العشاء قبل أن يموت بعشر سنين . "البداية والنهاية" (10 / 184) .

    15- هشيم؛ قال ابن أبي الدنيا : حدثني مَن سمع عمرو بن عون يقول: مكث هشيم يُصلي الفجر بوضوء العشاء الآخرة قبل موته عشرين سنة . [ تهذيب الكمال (30 / 287)، وشذرات الذهب (1 / 396)، وسير أعلام النبلاء (8 / 290)، والعبر في خبر من غبر (1 / 286)، وتاريخ الإسلام ووَفَيَات المشاهير والأعلام (4 / 992)، وميزان الاعتدال؛ للذهبي (4 / 307) ] .


    16- وهب بن منبه؛ قال : إني لأصلي الظهر بوضوء العشاء، وقيل : مكَث عشرين سنة يُصلي الصبح بوضوء العشاء، وقال ابن الجوزي : وقد رُوينا في ترجمة طاوس أن وهب بن منبه صلى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة، وقال عبدُالصمد بن معقل : مكَثَ وهب بن منبه أربعين سنة يصلى الصبح بوضوء العشاء، وعنه - أيضًا - قال: صحبتُ عمي وهبًا أشهرًا يصلي الغداة بوضوء العشاء . [ مصنَّف عبدالرزاق (1 / 56) ، صفة الصفوة (2 / 294) ، الثقات (5 / 488)؛ لابن حبان ، تهذيب الكمال (31 / 145)، وسير أعلام النبلاء (4 / 547)، وتاريخ الإسلام ووَفيات المشاهير والأعلام (3 / 334)؛ للذهبي. ] .

    رابعا : أقوال بعض العلماء في تبرير هذا الحال :
    قال الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه "الاعتصام" (1 / 308)، وبنحوه في الموافقات (2 / 140) :
    [ وكم من رجل صلى الصبح بوضوء العشاء! ] اهت.
    وقال الإمام النووي رحمه الله في "إعانة الطالبين" (1 / 308) :
    [ وقد صلى خلائق منهم الفجر بوضوء العشاء، رضي الله عنهم ] اهـ.
    وقال صاحب تحفة المحتاج في شرح المنهاج :
    [ اشتهر عن خلائق من التابعين وغيرهم صلاة الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة أو أقل أو أكثر. ] اهـ.
    على أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن أكثر هذه الروايات المنقولة ضعيفة ؛ انظر: "الفتاوى الكبرى" (2 / 137)، و"مجموع الفتاوى" (22 / 303) .
    ويقول الشاطبي أيضًا في كتابه "الاعتصام" (1 / 311 - 312) :
    [ وأما ما نُقل عنهم من إدامة صلاة الصبح بوضوء العشاء، وقيام جميع الليل، وصيام الدهر ونحوه، فيحتمل أن يكون على الشرط المذكور، وهو: ألا يلتزم ذلك، وإنما يدخل في العمل حالًا يَغتنم نشاطه، فإذا أتى زمان آخر وجد فيه النشاط - أيضًا - ولم يخلَّ بما هو أولى، عمل به كذلك، فيتفق أن يدوم له هذا النشاط زمانًا طويلًا، وفي كل حالة هو في فسحة الترك، لكنه يَنتهز الفرصة مع الأوقات، فلا بُعْدَ في أن يَصحبه النشاط إلى آخر العمر؛ فيظنه الظان التزامًا، وليس بالتزام ] اهـ.
    وقال رحمه الله في "الموافقات" (2 / 141) :
    [ ما ذكر عن الأولين من الأعمال الشاقة التي لا يُطيقها إلا الأفراد؛ هيَّأهم الله لها وهيأها لهم وحبَّبها إليهم، ولم يكونوا بذلك مخالفين للسنَّة، بل كانوا معدودين في السابقين، جعلنا الله منهم؛ وذلك لأنَّ العلة التي لأجلها نهي عن العمل الشاق مفقودة في حقِّهم، فلم ينتهض النهي في حقهم. ] اهـ.

    خامسا : خلاصة القول في المسألة :
    مما لا شك فيه هو إن الإمام أبو حنيفة رحمه الله كان من أهل العلم والفقه الثقات الذين أجمعت الأمة على علو منزلتهم ورفعة مرتبتهم ، ومما لا شك فيه أيضا أنه كان من أهل الاجتهاد في العبادة ولكن المبالغة في النقل عنه لا تزيده رفعة بل ربما تشكك بعض العوام أو العلماء الثقات في بعض الغلاة الذين يروون عنه ما لم يثبت بطريق صحيح ، وحتى لو ثبت فإنه ليس قدوة في هذا الشأن ، بل الإمام والقدوة هو النبي صلى الله عليه وسلم لأننا متعبدون باتباع طريقه والاهتداء بسنته وأحواله التي هي أكمل الأحوال وأفضلها وأحبها إلى الله .

    والله تعالى أعلم

    http://khaledabdelalim.com/home/play.php?catsmktba=7968

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: ما صحة قصة أبي حنيفة أنه كان يصلي الفجر بوضوء العشاء لمدة أربعين سنة ؟


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: ما صحة قصة أبي حنيفة أنه كان يصلي الفجر بوضوء العشاء لمدة أربعين سنة ؟


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •