إنه لا يعبأ بها!

سحر الناجي



في عينيها انكسار.. يشبه هشيما يتناثر على نظراتها التائهة، وغصة مريرة تقبع على صدرها وتنفلت بآهة كانت تجاهد دائماً لأن تبتلعها..

تقدمت إليه وهو يجلس على الأريكة ساهماً، فجلست في المقعد المجاور.. ثم ناولته كوبا من الشاي الساخن.. لكنه لم يعرها أي اهتمام، ومع ذلك تعمدت أن تتحرك من حوله، فوقفت تارة .. وجلست أخرى .. تنقلت من مقعد إلى آخر أكثر التصاقاً به؛ لعله ينتبه إليها.. أو يبعد أنظاره عن شاشة التلفاز التي استحوذت على كل اهتمامه، لكنه أبداً لم ينتبه إليها .. قررت في نهاية المطاف أن تجذب انتباهه وتشد أنظاره فتنحنحت بارتباك وقالت بصوت متردد:

لم تقل يا عزيزي، ما رأيك بثوبي الجديد؟ لقد ابتعته خصيصاً من أجلك..

التفت إليها ببرود التفاتة خاطفة: ها.. آه .. جميل.. جميل..، ثم عاد إلى متابعة برنامجه!

سألته من جديد: والحجرة.. ألم تلاحظ أني غيرت نظام الحجرة.. كي أضيف لحياتنا شيئا من التجديد؟!

خرج صوته يتمتم: نعم.. جيد..

استرسلت تحفظ انتباهه: انظر إلي يا عزيزي.. إنني أتحدث إليك..!

هنا نظر إليها نظرة حارقة.. وقال ثائراً: وهل هذا وقته؟ ألا ترين أني منشغل بمشاهدة التليفزيون؟!

واتتها الفرصة لتزيح عن أعماقها ذلك الثقل الجاثم، قالت تخنقها عبرة مؤلمة: ومتى وقته إذن؟! إنني لا أراك ولا أتحدث معك إلا نادراً، ففي النهار أنت في عملك.. وفي المساء إما نائم.. أو في صحبة أصدقائك.. أو أنك أمام التليفزيون.. فمتى موعده!؟

استرسلت تعاتبه بهدوء والدموع تملأ عينيها : إنك لا تقدّر أبداً ما أفعله من أجلك.. طيله النهار – وكل يوم - وأنا أفكر كيف أسعدك.. سواء في نوع الطعام الذي تحب كي أطهوه لك.. أو في الحلوى المفضلة لديك كي أعدها.. أو في المظهر الذي تحب أن تراني به...

طالعها بسخرية يقاطعها: - يا للنساء .. وعقولهن الصغيرة..!!

لم تستطع أن تتحمل قسوته، هرعت إلى حجرتها.. تدفن وجهها في الوسادة وقد كانت تكتم نشيجا موجعا من البكاء.. لا تدري ماذا تفعل.. وبأي وسيلة ترضي هذا الرجل، إنه لا يعبأ بها.. وبكل محاولاتها لأن تكون زوجه مثالية.. بل إنه يستخف بها ويسخر منها، فهل تترك له البيت.. وتنسحب من حياته إلى الأبد؟!

أصابتها هذه الفكرة بالفزع، فما ذنب أطفالها حتى يدفعوا الثمن.. وأي جرم جنوه إذا كان والدهم لا يفهمها.. ويختلف عنها اختلافاً كلياً؟!

حاولت أن تتماسك قليلاً.. وتكفكف دموعها، قالت في سريرتها: لا بأس.. يجب أن أتحلى بالصبر.
هي حقاً رومانسية أكثر من اللازم.. وهو جاد وقاس أكثر مما ينبغي، ولكن من يدري.. فقد يأتي يوم ويتنازل لها زوجها عن بعض غروره وسطوته، كما تنازلت له هي عن الكثير من أحلامها.. فليس هناك مستحيل مادام القادر موجودا..

لذلك تسللت من أحزانها إليه.. ترمقه بصمت.. بينما أفكار جديدة تستحوذ عليها لتحقيق أحلامها وإسعاده..