القرآن هدى لمن اهتدى به

يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى- في كتابه ( إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) : " فالقرآن هدى بالفعل لمن اهتدى به، وبالقوة لمن يهتد به، فإنما يهتدى به ويرحم ويتعظ المتقون الموقنون.
والهدى فى الأصل: مصدر هدى يهدى هدى.
فمن لم يعمل بعلمه لم يكن مهتديا، كما فى الأثر "من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله تعالى إلا بعدا" ولكن يسمى هدى، لأن من شأنه أن يهدى.
وهذا أحسن من قول من قال: إنه هدى، بمعنى هاد، فهو مصدر بمعنى الفاعل، كعدل بمعنى العادل، وزور بمعنى الزائر، ورجل صوم أى بمعنى صائم، فإن الله سبحانه قد أخبر أنه يهدى به.
فالله الهادى، وكتابه الهدى الذى يهدى به على لسان رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
فهاهنا ثلاثة أشياء: فاعل وقابل وآله. فالفاعل: هو الله تعالى، والقابل: قلبالعبد، والآلة: هو الذى يحصل به الهدى، وهو الكتاب المنزل، والله سبحانه يهدى خلقه هدى، كما يقال: دلهم دلالة، وأرشدهم إرشادا، وبين لهم بيانا.
والمقصود: أن المحل القابل هو قلب العبد المتقى، المنيب إلى ربه، الخائف منه، الذى يبتغى رضاه، ويهرب من سخطه، فإذا هداه الله فكأنه وصل أثر فعله إلى محل قابل، فيتأثر به، فصار هدى له وشفاء ورحمة وموعظة بالوجود والفعل والقبول، وإذا لم يكن المحل قابلا وصل إليه الهدى فلم يؤثر فيه، كما يصل الغذاء إلى محل غير قابل للاغتذاء، فإنه لا يؤثر فيه شيئا، بل لا يزيده إلا ضعفا وفسادا إلى فساده، كما قال تعالى فى السورة التى نزلها: {فَأَمَّا الّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِروُنَ وَأَمَّا الّذِينَ فِى قُلُوبِهمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 124 - 125] ، وقال: {وَنُنَزَّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ، وَلا يزِيدُ الظّالمِينَ إلا خَسَارًا} [الإسراء: 82] .
فتخلف الاهتداء يكون لعدم قبول المحل تارة، ولعدم آلة الهدى تارة، ولعدم فعل الفاعل، وهو الهادى تارة، ولا يحصل الهدى على الحقيقة إلا عند اجتماع هذه الأمور الثلاثة.
وقد قال سبحانه: {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23] . __________ 1 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: (170:171)

منقول