تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: من آداب الضحك في الإسلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي من آداب الضحك في الإسلام

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
    فمن عقيدة أهل السنة والجماعة أن ربنا جل جلاله يضحك، وهو ضحك حقيقي، لكنه لا يماثل ضحك المخلوقين، ضحك يليق بجلاله وعظمته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: (يضحك الله إلى رجلين يقتُل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة).
    والعبد المسلم يضحك في دنياه، فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يضحكون مع قوة إيمانهم، فقد سُئل ابن عمر رضي الله عنهما: هل كان أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل.
    وعندما يضحك المسلم فإنه يراعي أمورًا:
    • أن يكون ضحكه تبسمًا؛ قال العلامة العثيمين رحمه الله: الضحك ثلاثة أنواع: ابتدائي، ووسط، ونهائي، الابتدائي: التبسم، والوسط: الضحك، والنهائي: القهقهة، والقهقهة لا تليق بالإنسان العاقل"، وأنبياء الله كان أكثر ضحكهم تبسمًا، قال الزجاج: أكثر ضحك الأنبياء التبسم.
    فالمسلم عندما يضحك يكون ضحكه تبسمًا، اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان جل ضحكه صلى الله عليه وسلم التبسم؛ قال الإمام الترمذي رحمه الله في كتابه " شمائل النبي صلى الله عليه وسلم": كان هديه صلى الله عليه وسلم في الضحك وسطًا كسائر أموره، جُلُّ ضحكه التَّبسُّم، وإذا ضحك بصوتٍ لا يكون قهقهةً، وإنما هو صوت يسمعه القريب دون البعيد، فعن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم أول رجل يدخل الجنة، وآخر رجل يخرج من النار، يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، ويُخبأُ عنه كبارها، فيُقالُ له: عملت يوم كذا وكذا كذا، وهو مُقِرٌّ لا ينكر، وهو مشفق من كبارها، فيُقال: أعطوه مكان كُلَّ سيئةٍ عملها حسنة، فيقُول: إن لي ذُنُوبًا ما أراها ها هنا!)، قال أبو ذرِّ: فلقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه؛ [أخرجه مسلم].
    وتبسُّم الإنسان في وجه أخيه صدقة؛ قال علية الصلاة والسلام: (تبسُّمك في وجه أخيك صدقة)؛ [أخرجه الترمذي]، وهذا التبسُّم مما يجلب المودة والمحبة بين المسلم وأخيه، ويُدخل عليه الفرح والسرور، ويجعلهُ يرغبُ في الأنس به، والجلوس إليه.
    • ألا يضحك من غير سبب، فهو يضحك عندما يرى أو يسمع شيئًا يُعجبه، فيؤدي به ذلك إلى الضحك؛ قال الله سبحانه وتعالى عن نبيه سليمان عليه السلام، عندما سمع كلام النملة: ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ﴾ [النمل: 19]؛ قال الإمام البغوي رحمه الله: قال مقاتل: كان ضحك سليمان من قول النملة تعجبًا؛ لأن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجَّب وضحك.
    • ألا يتكلف الضحك كما يفعل البعض، فالضحك المتكلف ليس مثل الضحك الحقيقي، فليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، فالأولى تبكى من قلب والثانية تبكي بأجر، ومن يضحك تكلفًا ضحكه مثل بكاء النائحة المستأجرة.
    • ألا يكثر من الضحك، فكثرة الضحك تميت القلب، ولا يليق بالإنسان العاقل أن يمضي أثمن ما يملك وهو وقته في الضحك، والذي ينبغي له أن يكثر من البكاء ويُقلَّ من الضحك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا، ولبكيتُم كثيرًا)؛ [أخرجه البخاري]؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والمراد بالعلم هنا: ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع والموت والقبر ويوم القيامة، ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف.
    • أن يحذر من الضحك في المقام الذي ينبغي أن يكون فيه باكيًا؛ قال سبحانه وتعالى عن المشركين: ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴾ [النجم: 59، 60]، فقد كانوا يضحكون استهزاءً وسخرية عند سماعهم للقرآن الكريم، مع أن الواجب أن تلين قلوبهم وتبكي عيونهم عند سماعه، فليحذر العبد من تلاعب الشيطان به بأن يجعله يضحك في مواطن لا ينبغي له فيها الضحك؛ كالضحك عند رؤية المحتضرين، وفي المقبرة، وعند سماع المواعظ، ونحو ذلك.
    • أن يبتعد عن الضحك استهزاءً بعباد الله وأوليائه، فعاقبة ذلك وخيمةٌ، وقد يكون جزاء هذا الضحك في الدنيا حسرة وندامة يوم القيامة؛ قال جل جلاله عن الكافرين طالبين الخروج من النار: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ [المؤمنون: 106، 107]، فيأتيهم الجواب من الله العزيز الحكيم بأنهم ماكثون في النار بسبب أعمالهم في الدنيا التي منها الضحك والسخرية بالمؤمنين، ﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُو هُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ [المؤمنون: 108 - 110]؛ قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: قال مقاتل: كان رؤوس كفار قريش - كأبي جهل، وعقبة، والوليد - قد اتخذوا فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعمار، وبلال، وخباب، وصهيب، سخريًّا يستهزئون بهم ويضحكون منهم.
    • أن يتجنب الضحك والاستهزاء بآيات الله الكونية القدرية أو الشرعية الحكمية، فعاقبة ذلك العذاب والنكال؛ قال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ * وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الزخرف:46-48].
    وليحذر المسلم أن يكون ممن يضحك في هذه الدنيا قليلًا، ويبكي في الآخرة كثيرًا؛ قال الله عز وجل عن المنافقين: ﴿ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [التوبة: 82]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الدنيا قليل، فليضحكوا فيها ما شاؤوا، فإذا انقطعت الدنيا، وصاروا إلى الله عز وجل، استأنفوا بكاءً لا ينقطع أبدًا.
    والمسلم المتمسك بدينه سيجد من يضحك به ويسخر منه من كفار ومنافقين، فلا يزيده ذلك إلا ثباتًا وتمسكًا بدينه، فهؤلاء الكفار والمنافقين وإن سخروا وضحكوا من المؤمنين في الدنيا، فالعاقبة للمؤمنين؛ قال الله عز وجل عنهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين:29-36]؛ قال العلامة السعدي رحمه الله: فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين، ورموهم بالضلال، ضحك المؤمنون منهم في الآخرة، حين رأوهم في العذاب والنكال.
    وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وهذا والله هو الضحك الذي لا بكاء بعده، أما ضحكُ المجرمين بالمؤمنين في الدنيا، فسيعقبه البكاءُ والحزن والويل والثبور.
    وفي هذه الآية تسليةٌ لكل من ضُحِكَ وسُخِرَ منه بسب تمسُّكه بتعاليم دينه، وتحذير ووعيد لمن يسخر ويضحك من المؤمنين.
    اللهم يا كريم اجعلنا ممن يضحكون في الآخرة ضحكًا لا بكاء بعده، واجعلنا يا رحمن ممن قلت فيهم: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [عبس: 38، 39]، فالأفواه والوجوه ضاحكة مسرورة مستبشرة.


    رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/134518/#ixzz5p2D8r624
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    الدولة
    الجزائر العميقة ولاية الجلفة
    المشاركات
    494

    افتراضي رد: من آداب الضحك في الإسلام

    اللهم يا كريم اجعلنا ممن يضحكون في الآخرة ضحكًا لا بكاء بعده، واجعلنا يا رحمن ممن قلت فيهم: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [عبس: 38، 39]، فالأفواه والوجوه ضاحكة مسرورة مستبشرة.
    اللهم أمين يارب بارك الله فيك بحث قيم مختصر ومفيد

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •