ثـلاث مقدمــات في تدبر القرآن الكريم



د. عبدالله بلقاسم





لفقه كلام ربنا، وفهم معانيه، لابد من معرفة الله أولا، وهذه هي المقدمة الأولى، وهذا معنى تعلم الصحابة للإيمان قبل القرآن ثم ازدادوا بالقرآن إيمانا، كل خطوة تتقدم بها في طريق معرفة ربك، تزداد قربا من فهم معاني كتابه، وتتفجر لك منه أنهار جديدة، كل اسم من أسماء الله -تعالى- يشرق معناه لك، يضيء آيات الوحي بين عينيك، معرفة الله هي المشكاة التي تملأ طريق التدبر نورًا، أقبل على كل آية بأنوار التعظيم لمن تكلم بها.

والمعرفة الحقة لأسمائه وصفاته، ستشعر بتحول هائل في فهم الآية حين تستحضر معاني الأسماء معها؛ ولهذا فإن الله -تعالى- ربط في كتابه في مواضع كثيرة جدا، بين أسمائه وتنزيل الكتاب، كقوله -تعالى-: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}، وقوله -عز وجل-: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وقوله -تعالى-: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، وقوله -تبارك في علاه-: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، وقال -تعالى-: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، وقال -سبحانه-: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)}.

استحضار الغاية العظمى

- المقدمة الثانية: لفتح أبواب المعاني والهدايات في كتاب الله، ينبغي للقارئ أن يستحضر الغاية العظمى من إنزال القرآن، وهي الغاية التي خلق الله لأجلها الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وهي تحقيق العبودية لله تعالى، حين تقبل على كتاب الله متدبرًا وأنت تعيش مركزية هذه القضية في هدايات الوحي، فتفيض على قلبك المعاني، وتنساب في تناغم وانسجام وتدفق، فالعبودية هي كمال الحب لله وكمال التعظيم له، وكل آية في القرآن دعوة لتحقيق هذه الغاية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وجماع القرآن هو الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهي عن هذه المحبات ولوازمها، وضرب الأمثال والمقاييس للنوعين، وذكر قصص أهل النوعين، وأصل دعوة المرسلين جميعهم قولهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، كل متدبر يقبل على كتاب الله، وقد تجلى في قلبه المقصود الأعظم من القرآن العظيم، يسهل عليه رؤية أنوار الوحي، وتتفجر له ينابيعه، وتقبل عليه هداياته.

معرفة منزلة القرآن عند الله

- المقدمة الثالثة: أن تعرف منزلة القرآن عند الله -تعالى- وما وصفه الله به كتابه في كتابه، {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا منَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}، وقوله -تعالى-: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، وقوله -سبحانه-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}، وقوله -عز وجل-: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}، وقال -تعالى-: {يس(1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} وقال -سبحانه-: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}، وقال -تعالى-: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وقال -عز من قائل-: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد}، في كل مرة تتفكر في الآية وتمعن النظر؛ فناد هذه المعاني معك، الذي يتأمل في الجوهرة النفيسة، يحدق بعيون غير تلك العيون التي يطالع به خشبة بالية، في كل موضع تثور معانيه تحتاج لحضور هذه التعظيم والصفات على التفصيل: البيان، والحكمة، والقوة، والعزة، والذكر، والمجد، والرحمة، والتفصيل، والحجة، والبرهان من كل معنى من معاني عظمة القرآن يشرق معنى تفصيلي.