رمضان شهر القرآن



أحمد عبدالرحمن الكوس


رمضان شهر القرآن؛ فينبغي على المسلم أن يحرص على قراءة كتاب الله وختمه أكثر من مرة مع تدبره والاستفادة منه، عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» (رواه أحمد 4/107 وحسنة الألباني في الصحيحة 4/104 رقم 1575).

قال -تعالى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة 185)، وقال -تعالى-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر/1) وقال -تعالى-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} (الدخان/3). قال ابن جرير الطبري: «نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان، ثم أنزل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - على ما أراد الله إنزاله إليه».

شفاء ورحمة

قال -تعالى-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} (الإسراء:82) فالقرآن شفاء ورحمة وطمأنينة وأمان وشفاء من الحيرة والقلق والحزن والنكد والوسوسة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ} (يونس:57) وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}(الإسرا ء:82)، وقال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرع د:28) قال - صلى الله عليه وسلم -: «أوصيك بتقوى الله -تعالى-؛ فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله -تعالى- وتلاوة القرآن؛ فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض» (حسن – رواه أحمد عن أبي سعيد وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 3543).

فضل تعليمه وتعلمه

وقال - صلى الله عليه وسلم-: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (رواه البخاري 6/108 وأبو داود 1/226 وابن ماجه 1/92)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من سره أن يحب الله ورسوله فلينظر في المصحف» (حسن رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 6289). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» (رواه البخاري في التاريخ والترمذي والحاكم عن ابن مسعود وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6469).

السلف والقرآن

قال ابن رجب: «كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها». «كان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة» (الحلية 2/388 لطائف 191)، «وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث» (لطائف 191).

والشافعي قال عنه ربيع بن سليمان: «كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة، ما منها شيء إلا في صلاة» قال ابن الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف. وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان أقبل علي تلاوة القرآن.

رمضان والشفاعة

لكون رمضان شهر الصيام والقرآن فهما يشفعان للعبد يوم القيامة قال - صلى الله عليه وسلم -: «القرآن شافع مشفع وما حل مصدق (أي شاهد) من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار» (رواه ابن حبان وابن ماجه عن جابر والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 4443)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» (رواه أحمد ومسلم 804 عن أبي أمامة).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوة؛ فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل؛ فشفعني فيه قال: فيشفان» (صحيح رواه أحمد والطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1/411 رقم 973). قال ابن رجب (اللطائف 192): «فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أم لا يختص كشهوة فضول الكلام المحرمة والنظر المحرم والسماع المحرم والكسب المحرم؛ فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول يا رب، منعته شهواته؛ فشفعني فيه. فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته أما من ضيع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني».

آداب قراءة القرآن

على الصائم أن يتأدب بآداب التلاوة لكتاب الله -تعالى- ومنها:

إخلاص النية لله -تعالى

- أولا: إخلاص النية لله -تعالى-؛ لأن أي عمل من الأعمال لا يقبله الله ما لم يكن خالصاً له وحده، يقول -تعالى-: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (غافر: 14)، ويقول -تعالى-، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} (البينة: 5).

حضور القلب

- ثانيا: أن يقرأ بقلب حاضر منصرف إلى السماع، ويتدبر كل ما يقرؤه، ويحاول الفهم قدر استطاعته، وأما أولئك الذين يهذون القرآن هذًّا ولا يتدبرون معانيه، ولا يخشعون عند وعده ووعيده؛ فقلوبهم مشغولة بغير القراءة من متاع الدنيا وعرضها الزائل.

الطهارة الكاملة

- ثالثاً: أن يقرأ على طهارة كاملة؛ لأن هذا من تعظيم كلام الله واحترامه ولا حرج عليه لو كان مضطرا للقراءة ولا يجد وسيلة لبلوغ الماء كمن يرقد على السرير أو في سيارة لا يملك إيقافها أو في طائرة أو في سجن وما أشبه ذلك فهؤلاء قد يكونون معذورين وهم علي غير طهارة شريطة أن يتطهروا من الحدث الأكبر والله أعلم.

تخير أفضل الأماكن

- رابعاً: ألا يقرأ في أماكن المنكرات والمعاصي أو في مجتمع لا ينصت له كمجتمع البيع والشراء أو مجتمع الرياضة أو مجتمع لعب الورق غير ذلك من المجتمعات المشغولة؛ لأن القراءة في هذه الأماكن إهانة لكتاب الله.

الاستعاذة

- خامساً: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند بدء القراءة سواء كان من أول السورة أم من وسطها، لقول الله -تعالى-: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} (النحل/98).

تحسين الصوت

- سادسا: أن يحسن صوته بالقرآن ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ لما روي عن أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما أذن الله لشيء «أي ما استمع لشيء» كما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به (رواه البخاري 6/236 ومسلم 2/193)، والجهر بالقراءة أولي إلا إذا كان حوله من يتأذى بجهره في قراءته كالنائم والمصلي؛ فإنه حينئذ يجهر جهرا خفيفا يسمعه هو ولا يسمعه من حوله.

موعظة

يقول ابن رجب: «يا من ضيع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في شهره، بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة؟!».

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ

رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش وقائم حظه من قيامه السهر كل قيام لا ينهى عن الفحشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلا بعدًا، وكل صيام لا يصان عن قول الزور والعمل به لا يورث صاحبه إلا مقتا وردا.

يا قوم أين آثار الصيام؟ أين أنوار القيام؟

إن كنت تنوح يا حمام البان

للبين فأين شاهد الأحزان

أجفانك للدموع أم أجفاني

لا يقبل مدع بلا برهان

هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستمتع، وهذا كتاب الله يُتلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع.