شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم




الشيخ محمد الكوس





هناك أيضا شرف عظيم، هذا الشرف هو شرف أخوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى إخوانه فداه أبي وأمي ونفسي أن يرى وأن يلقى إخوانه؛ فجاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وددتُ أنِّي لقيتُ إخواني قالَ: فقالَ أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : أوليسَ نحنُ إخوانَكَ قالَ: بل أنتُم أصحابي، ولكنْ إخواني الَّذينَ آمَنوا بي ولم يرَوني» .

فانظر إلى شوق النبي صلى الله عليه وسلم إلى رؤيتنا، كم يحمل قلبه العظيم الشوق إلى رؤيتنا ولقيانا، وقال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم : «يا رسول الله، أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك، قال: طوبى له، ثم طوبي له، ثم طوبي له ثم طوبي له». أتدري ما معنى ما طوبى؟

قال أهل العلم: طوبى هي الحياة الطيبة والسعادة، وطوبى هي طيب الحياة، وطوبى يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام وما يقطعها».

إدراك أجر الصحابة

ولكن هنا سؤال مهم، هل من الممكن أن ننال وندرك أجر صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ؟

- الجواب: نعم وإن كان أمرًا عظيما وشديدا يحتاج إلى مجاهدة وجهد وصبر ومصابرة، إلا أنه من الممكن أن ننال أجر الصحابة، ولكن كيف؟ من خلال الأمور الآتية.

الإيمان بكتاب الله

ننال ذلك عندما نؤمن بكتاب الله -جل وعلا- القرآن، ونعمل به، استمع إلى هذا الحديث يقول الصحابة: يا رسول الله، هل مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمُ مِنَّا أَجْرًا؟ آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ ، قَالَ: «مَا مَنَعَكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ , يَأْتِيكُمُ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، بَلَى قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ, يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ بَيْنَ لَوْحَيْنِ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ, وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ, أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا، وَأُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا».

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهر الصحابة، يكتحلون برؤيته، ويشد من عزائمهم، ويثبتهم -عليه الصلاة والسلام-، ويعلمهم ويزكيهم ويفقههم؛ فالصحابة كانوا يرون نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ، كيف إذا نزل عليه الوحي، يتغير وجهه، ويتصبب عرقًا في اليوم الشديد البرد، كما تقول أم المؤمنين عائشة الطيبة الطاهرة -رضي الله عنها وأرضاها- حتى كانوا يرون جبريل، لكن ليس على صورته الحقيقة؛ فالذي يراه في صورته الحقيقة هو النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقط مرتين.

حظ الإنسان من السعادة

فحظ الإنسان وقدره من السعادة بقدر اتباعه للقرآن يقول الله -جل وعلا-: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرا قَالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}.

الاستمساك بالشريعة

كذلك مما ننال به أجر الصحابة الاستمساك بشريعة الله -جل وعلا- ولاسيما عند حلول الفتن؛ ففي آخر الزمان تكثر الفتن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا»؛ فتكون العافية في أول الأمة وهذا البلاء، وهذه الفتن ينكرها أصحاب القلوب الحية أصحاب العلم والفهم والعقل، أما من لم يكن كذلك لا يفرق بين المنكر والمعروف، يرى الأمور كلها سواسية، بل إن من الناس في آخر الزمان مَن يرى المنكر معروفا والمعروف منكرًا -عياذا بالله سبحانه وتعالى-، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن كقبض على الجمر للعامل فيها أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله أجر خمسين منهم أو خمسين منا؟ قال: خمسين منكم». الصحابة -رضوان الله عليهم- المجاهدون في سبيل رب العالمين، الذين اصطفاهم الله -جل وعلا- واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، حملوا راية الإسلام والتوحيد، ونشروها في ربوع المعمورة .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ومما ننال به أجر الصحابة -رضوان الله عليهم-، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الخصيصة التي شرف الله هذه الأمة بها، كما قال -جل وعلا-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ»، وقال أيضا: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صمام الأمان من عذاب الله وغضبه -سبحانه وتعالي-؛ فإذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حل الفساد، ونزل العذاب من السماء وخرج من الأرض، يقول النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ حُذيفةَ رضي لاله عنه ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ».