الهمم الشبابية والنفحات الإلهية في رمضان

إبراهيم جاد


قال الله -تعالى-: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (الروم:54)، الشباب كتلة الحماس ومنبع القوة، وشعلة الجد والاجتهاد، وسواعد العمل التي تبنى عليها الأمم، وهم مَن جالوا بهذا الدين أقطار الدنيا -بفضل الله- على مرِّ العصور، ومِن عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرورًا بصحابته -رضوان الله عليهم- وسلفنا الصالح إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة، وها نحن أولاء في شهر المغفرة والمنافسة والجد والاجتهاد وطلب الجنان.

أيها الشباب لم يكن أحد أكثر شغلًا ولا همًّا، ولا مسؤولية ولا بلاءً ولا صبرًا مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك كله وأكثر لم يكن لأحدٍ مِن البشر همة مثله في رمضان؛ فكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟! فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» (متفق عليه)، هذا في غير رمضان؛ فما ظنكم في شهر رمضان؟!

فاستغلوا القوة في قوة الطاعة والعزم على فعلها، والجهد في الصبر عليها، والاجتهاد في المداومة عليها؛ فنعم الله تزيد بطاعته؛ فعن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

الفرصة للجميع عظمى ولكم أعظم؛ فأنتم -بفضل الله- أصحاء أقوياء، وغيركم مرضى، ضعفاء، مسنون، عاجزون على أسرة العجز، أو أصحاب أعذار عن الصيام والقيام وغيرهم، وأمرنا وأمرهم إلى الله -تعالى- الملِك المدبر.

أيها الشباب، زاحموا أهل العلم والفضل بكثرة النوايا وعبادات الخفايا، وترصد النفحات الإلهية في الأيام والليالي الرمضانية؛ فاحتسبواصومكم وقيامكم وقراءة قرآنكم، وصدقاتكم وذكركم، وإفطاركم لإخوانكم، والسعي في قضاء حوائجكم وغض أبصاركم وحفظ أوقاتكم، وبعدكم عن المسلسلات والأفلام والأغاني، وترككم للغيبية والنميمة، وبركم بوالديكم وسعيكم في الدعوة إلى ربكم -جل وعلا- وإعمار المساجد بالعبادة والقرآن وتعليم الناس والاعتكاف والتهجد والرفق بهم، وصبركم على الأذى وإسعادهم، وغير ذلك؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء» (أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الصيام).