.............................. ..
يقول الشيخ محمد ابو سيف الجهني في مقال له بعنوان - اهمية دراسة التوحيد -
التوحيد هو افراد الله بالعبادة . فهو عمل العبد . يفرد الله بطاعاته لا يشرك معه غيره و لا يتوجه قصده بها او بشيء منها الى غير الله .
هذا هو معنى التوحيد . و هذا المعنى هو المعبر عنه عند اهل العلم ( بتوحيد الالوهية ) فلفظ التوحيد اذا اطلق من غير اضافة انما يراد به هذا المعنى الذي هو توحيد الالوهية . و هذا المعنى اذا تحقق من العبد دل على علمه و اعتقاده ان الله منفرد ذاتا و صفات و افعالا لا سمي له و لا كفؤ و لا شريك شاركه ربوبيته او ظاهره فيها . و انما كان التوحيد دالا على اعتقاد الموحد انفراد الله بربوبيته و كمال صفاته لاستقرار العلم فطرة وعقلا انه لا يستحق العبادة الا الرب - الخالق المالك المدبر - الكامل في صفاته .
فالمعبود انما يعبد لامرين /
1- لكونه خالق العابدين و مالكهم و مدبر امرهم . قال الله تعالى ( و ما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ) فلا يكون اله الا و قد خلق خلقا يعبدوه فيستقل بهم .
2- لذاته . و لا يكون ذلك الا اذا كان كاملا لا نقص في صفاته و لا عيب . قال ابراهيم عليه السلام لابيه ( يا ابت لم تعبد ما لا يسمع و لا يبصر و لا يغني عنك شيئا ) فبين ان العادم لصفات الكمال ناقص لا يمكن ان يكون معبودا و بين ان العلم بذلك فطري .
فاذا توجه العابد بعبادته لواحد افرده بقصده و عمله لم يتوجه الى غيره فقد اعتقده واحدا منفردا في خلقه و ملكه و تدبيره و منفردا في كماله ذاتا و صفات . و لذلك كان الشرك بالله بقصد غيره معه في العبادة تنقصا لحظ ربوبيته سبحانه و هضما لعظمة صفاته عز وجل . و لذلك جعل الله الشرك سوء ظن به سبحانه اذ قال ( و يعذب المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات الظانين بالله ظن السوء ) .
و سوء ظن المشرك هو ما دل عليه شركه مع الله غيره في العبادة من نسبة حظ من الربوبية و كمال الصفات الى هذا الغير . و سوء الظن هذا هو الذي لاجله اخبر الله في ثلاثة مواضع من كتابه عن المشركين انهم ما قدروا الله حق قدره .
فالتوحيد اذا اطلق فلا معنى له الا توحيد الالوهية . و اذا قلنا ( توحيد الالوهية ) فهو معنى التوحيد .
و تقرر هذا المفهوم ثلاثة ادلة ياخذ بعضها بحجز بعض /
الاول - دليل اللغة . فان لفظ "التوحيد" مصدر الفعل "وحد" و الواو و الحاء و الدال اصل في اللغة يدل على الانفراد .
و التوحيد تفعيل معناه الافراد . و انفراد الله في ربوبيته و كمال صفاته ذاتي ليس بتفعيل من احد . فهو فرد في ربوبيته و كمال صفاته لا بافراد مفرد . فالافراد الذي يكون من العبد لله عز وجل هو توجهه له بقصده و عمله وحده دون ما سواه . و هذا هو التعبد . فرجع معنى توحيد الله في اللغة الى المعنى الذي ذكرنا و هو افراد الله بالعبادة .
الثاني - دليل اجماع الخلق . فالخلق مجمعون على افراد الله بالربوبية وكمال صفاته . لم يدع احد في الخلق ابدا شركة في ذلك . بل جميع بني ادم منذ اهبط الى الارض حتى اليوم على افراد الرب بالخلق و كمال الصفات .
يقول ابن تيمية رحمه الله ( و قد ذكر ارباب المقالات ما جمعوا من مقالات الاوليين و الاخريين في الملل و النحل و الاراء و الديانات فلم ينقلوا عن احد اثبات شريك مشارك له في خلق جميع المخلوقات . و لا مماثل له في جميع الصفات . بل من اعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية الذين يقولون بالاصليين النور و الظلمة و ان النور خلق الخير و الظلمة خلقت الشر ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين - احدهما ان تكون محدثة فتكون من جملة المخلوقات - و الثاني انها قديمة لكنها لم تفعل الا الشر فكانت ناقصة في ذاتها و صفاتها و مفعولاتها عن النور ) و ذكر نحو ذلك الرازي ايضا .
و هذا الافراد في الربوبية و كمال الصفات هو الايمان الذي اثبته الله للمشركين في قوله ( و ما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ) اي و ان افردوا الله في ربوبيته و صفاته فانهم مشركون به في العبادة و هذا خلاف التوحيد الواجب . فدل هذا على ان التوحيد اذا اطلق ليس هو التوحيد في الربوبية و الصفات لانه حاصل من الخلق .
الثالث - دليل مراد الشرع و استعماله . فان هذا المعنى المذكور و هو افراد الله بالعبادة هو مفهوم الشرع الذي يطلق عليه اسم التوحيد . فهو ما بعثت به الرسل لم تامر الا به ( و ما امروا الا ليعبدوا الها واحدا لا اله الا هو ) و فهم المخاطبون بالرسالات هذا المفهوم من خطابها ( قالوا اجئتنا لنعبد الله وحده و نذر ما كان يعبد اباؤنا ) و قالوا ( اجعل الالهة الها واحدا ) . ورد في احد الفاظ حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم الى اهل الكتاب في اليمن ( فليكن اول ما تدعوهم الى ان يوحدوا الله ) و قد فسر هذا الذي سمي في هذه الرواية توحيدا بالعبادة في لفظ اخر ( فليكن اول ما تدعوهم اليه عبادة الله ) و في لفظ اخر ( فاذا جئتهم فادعهم الى ان يشهدوا ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله ) فجعل الشهادة هي معنى التوحيد . و في رواية في حديث ابن عمر في مباني الاسلام ( بني الاسلام على خمس - على ان يوحدوا الله ..... ) فجعل الشهادة هي التوحيد . و في حديث عمرو بن عبسة انه اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال - ما انت ؟ قال ( نبي الله ) قال - الله ارسلك ؟ قال ( نعم ) قال باي شيء ؟ قال ( .... و ان يوحد الله لا يشرك به شيئا ) .
و عرف الصحابة هذا المفهوم فاستعملوه في كلامهم . ففي حديث جابر بن عبد الله في سياق صفة حجة النبي صلى الله عليه و سلم قال ( "فاهل بالتوحيد" لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك . ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ) فجعل الاهلال بالحج لله وحده لا شريك له توحيد . و الحج من اعمال التعبد .
و مفهوم الشرع هذا لمسمى التوحيد هو الذي فهمته الامة و اتفقت على اطلاق اسم التوحيد عليه . قال الدارمي ( تفسير التوحيد عند الامة و صوابه قول لا اله الا الله وحده لا شريك له ) فظهر ان معنى لفظ "التوحيد" المعهود شرعا و المعروف من اطلاقات اللغة و الموافق لحال الخلق هو ( افراد الله بالعبادة ) انتهى.
فلا ينفع من ينتسب للاسلام اليوم هذا الايمان الذي اثبته الله للمشركين اذا لم يوحد الله بفعله و عبادته . و لا يرتفع عنه اسم المشرك بعد ما اثبته الله لمن هو مثله ممن كان يؤمن و يقر بالربوبية و الصفات لما تخلف عنه اصل الدين و زبدة دعودة المرسلين من افراد العبادة للخلاق العليم .
و قد يشتبه هذا التقرير على بعض من هو منتسب للعلم و الدين بحجة النطق بالشهادة التي تفرق بين المسلمين و المشركين . و ينقض هذا بان اخبار الله عز وجل عن ايمان المشركين بان حالهم كان كذلك قبل و بعد بعثة سيد المرسلين . فحكم عليهم باسم الشرك قبل لزوم الشهادة عليهم للنبي الامين . و ان الشرع حكم بالاسم باعتبار اعمالهم و افعالهم فسماهم مشركين بعبادتهم لغير رب العالمين . فلا يصح ان يتخلف الاسم باعتبار النطق و اهمال العمل بالاخلاص و التوحيد الذي لا يصح اسلام المرء الا به .
و الله اعلم
http://majles.alukah.net/t119506/
و العلماء الذين قسموا التوحيد الى العلمي الخبري و القصدي العملي . قصدوا بالاول ان تحقيقه يكون بصحة العلم و الاعتقاد و الثاني يكون بافراد القصد و العمل بالعبادة . و قد اجمعوا ان الاول لا يكفي بالدخول في الاسلام . و ان من لم يحقق الثاني بافراد عمله و عبادته لله عز وجل فليس بمسلم . لان معنى التوحيد العملي ان تكون مخلصا في العبادة لا تصرف شيئا منها لغير الله . فمن صرف بعض ذلك لغير الله فليس بموحد في عمله و لم ياتي بالتوحيد العملي الذي هو رديف لتوحيد الالوهية عندهم . و من التناقض العجيب بعد هذا ان يشترط لصحة التوحيد و الاسلام ان يكون المرء موحدا في الالوهية و العبادة ثم يحكم بصحة اسلام من هم مقرون انه يعبد غير الله و انه ليس موحدا في عبادته و عمله!!
و من تامل كلامهم بجد و صحة نظر تبين له انهم ارجعوا التوحيد العملي الى الاعتقاد و انهم حصروا الكفر بالعلم و الاعتقاد . لان الشرك هو اعظم ذنب عصي الله به و ليس هو عندهم بناقض لتوحيد العمل و لا للاعتقاد . و يشترطون لصحة النقض ان يعلم و يعتقد !!
و يكفي الموحد في دحض حجتهم ان يسالهم
اذا كان التوحيد العملي هو رديف لتوحيد الالوهية . فما معنى قولنا توحيد العمل . و هل من لم يحققه عندكم يكون موحدا في الالوهية ؟