في رمضان.. كيف نربي أبناءنا على خلق الصبر ؟


سحر شعير






مع قدوم شهر رمضان المبارك تتجدد نية المربي، وتعلو همته في الارتقاء بأبنائه في معارج الفضل ودرجات الإحسان؛ لأن مواسم الخيرات من الأزمنة الفاضلة، تمثل فرصة ذهبية للمربين، وجديرٌ بهم أن يهتبلوها، ويستثمروا ما تفيض به من المشاعر الدينية العالية في توجيه الأبناء، وغرس معالي الأخلاق، وجميل الصفات في نفوسهم؛ فهم في هذه الأيام أقرب ما يكونون للقبول؛ بسبب تلبس المجتمع كله من حولهم بهذه الحالة التعبدية، والروحانية العالية جدًا، ومن أهم الأخلاق التي نغرسها في الأبناء وندربهم عليها من خلال شهر رمضان هو خُلق (الصبر)؛ وذلك لشدة الارتباط بين عبادة الصيام وخلق الصبر؛ فقد جاء في السنة النبوية النص الصريح على تسمية شهر رمضان ب (شهر الصبر)، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوْم الدهر». رواه الإمام أحمد.
لماذا علينا أن نعوّد الأبناء على (الصبر)؟
- لأن الصبر هو الأساس الأكبر الذي تقوم عليه كثير من الأخلاق الحسنة، وتنتفي عن المرء به كثير من الآفات والأخلاق الذميمة، ورمضان هو ميدانه الأكبر؛ فهو شهر الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية؛ فهو حقًا خير تدريب على الصبر وتعويد عليه.
- كما يُساعد خُلق (الصبر) الطفل على تطوير قدرته على التفكير، لإيجاد حلول للعقبات والمشكلات التي يمكن أن تُواجهه؛ مما يقوي شخصيته ويجعله مدركًا لمعنى المسؤولية، قادرًا على تحملها.
- ثم إنّ أداء العبادات المختلفة والاستمرار في أدائها والمواظبة عليها، وكذلك المداومة على الأقوال والأفعال النافعة لا يتم للمرء إلا بالصبر عليها، وتمرين النفس عليها وملازمتها؛ فإذا كانت صفة الصبر ضعيفة في النفس، ضعف أداؤها، وربما انقطعت عن هذه الخيرات، وكذلك كفّ النفس عن المعاصي، ولاسيما تلك التي في النفس داع قوي إليها، لا يتم إلا بالصبر، والمصابرة، ومخالفة داعي الهوى.
- كما أنّ نجاح الأبناء في حياتهم العملية لا يتم أبدًا إذا افتقدوا خلق (الصبر)؛ فكم رأينا من أبناء لديهم قدر كبير من الذكاء والنباهة، ومع ذلك نلاحظ تدني مستواهم الدراسي! وليس ثمة سبب سوى أنهم لا يصبرون على جلسة المذاكرة، وأداء الجهد في عملية الاستذكار والحفظ والمراجعة، بينما نجد الطالب المتفوق يتميز بالصبر على أداء عمله وإتقانه، وغالبًا ترافقه تلك الصفة المهمة طوال حياته، وتكون مفتاحًا لنجاحه.
تدريب الأبناء على خلق الصبر
وإليكم أهم النقاط التي يركز عليها المربي حتى يتوصل إلى تدريب الأبناء على خلق الصبر حتى تتشربه نفوسهم على مدار الشهر، ويصير لهم عادة في سائر الأيام.
كن أنت القدوة
اجعل أبناءك يَرَوْنَك قدوة في الصبر: (الطفل ينمو على التقليد)، هذه القاعدة تنطبق على تلقي الطفل للقيم، والأخلاق تماما، كما تنطبق على تلقيه للسلوكيات الصحيحة عن طريق تقليده، ومحاكاته لسلوك الكبار من حوله، ولاسيما الوالدين، ويدرك الابن الصغير معنى الصبر من خلال سمت والديه الهاديء الخاشع أثناء الصيام، الذي لا يصخب ولا يشتد انفعاله ويثور لأتفه الأسباب بحجة الصيام! ولكن يقبل على كتاب الله وأداء الصلوات في المسجد، وأبناؤه يشاركونه في هذه الأعمال كلها، وعبر التكرار والمواظبة، تتشرب نفوسهم معنى الصبر على الطاعة بالتزامها والمداومة عليها، وكذلك يدركون معنى حبس النفس وكفها عن المحرمات.
كما أن المربي لكي يتمكن من القيام بتدريب الطفل على العبادات والأعمال النافعة، لابد أن يكون هو نفسه متحليًا بالصبر والنفس الطويل حتى يُتِمَّ هذا الجانب المهم من التربية الخلقية الإيمانية لأبنائه، وما يلزمه من صبر على كل مفردات هذا العمل؛ ولنتأمل كيف كانت الصحابيات يمارسن هذه التربية ويدبرن الحيل من أجل تدريب أبنائهن على الصيام وتعليمهم الصبر على الصيام بإعداد اللعب من الصوف، والخروج بهم إلى المسجد حتى يتلهّوا عن الجوع إلى أن ينقضي النهار؛ فعن الربيع بنت معوذ قالت: «كنا نَصُومُ ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد؛ فنجعل لهم اللعبة من العهن (أي الصوف)؛ فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار» «أي أعطيناه هذا الصوف يتلهى به حتى يحين موعد الإفطار». (الحديث رواه البخاري/باب:صوم الصبيان،ج/3ص:82).
مفهوم الصبر
تحدّث مع أبنائك عن مفهوم (الصبر)، وكيفية تطبيقه في رمضان؛ فالصبر لغةً هو: نقيض الجَزَع، وفي الاصطلاح، هو حبس النفس عن محارم الله، وحبسها على فرائضه، وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره، وهو أنواع يكمل بعضها بعضا، ولا يستغنِ المرء عنها؛ فصبرٌعلى الطاعة، وصبرٌ عن المعصية، وصبرٌ على الأقدار المؤلمة، وفي شهر رمضان المبارك تجتمع فيه ميادين الصبر.
- فيصبر المسلم على أداء الطاعات مثل الصيام والقيام وتلاوة القرآن، والذكر والدعاء، وأعمال البر والإحسان كصلة الأرحام وإطعام الطعام، وكلها تحتاج إلى صبر للمواظبة عليها وإتقانها.
- ويتأكد الصبر كذلك عن المحرمات؛ فيكف لسانه عن الكذب، والزور، والسب، والشتم، والغيبة، والنميمة، كما يكف باقي الجوارح عن اقتراف ما حرم الله -تعالى-، وزجر النفس عن المعاصي والمخالفات يحتاج أيضاً إلى الصبر.
وإلى هذا المعنى وجّه النبي أمته، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «قال اللَّه -عز وجل-: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنة؛ فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث، ولا يفسق، ولا يصخب؛ فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم». رواه البخاري -
فالاستقامة على شرع الله -تعالى- أمراً ونهياً، يلزمها الكثير من الصبر، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: «فلابد من الصبر على فعل الحسن المأمور به، وترك السيء المحظور، ويدخل في ذلك تحمل الأذى، والصبر على ما يصيبه من المكاره، والصبر عن البطر عند النعم، وغير ذلك من أنواع الصبر». مجموع الفتاوى:28/253-

الترغيب في الأجر
رغّبهم في الأجر العظيم للصائمين الصابرين؛ فالترغيب في الطاعات والفضائل هو منهج الله -تعالى- في القرآن الكريم؛ فالنفس تستقيم بالترغيب في الثواب وذكر العواقب الحسنة، للتحلي بالفضائل والتزام الطاعات؛ وكذلك بالترهيب من العقاب وسوء عاقبة الوقوع في المعاصي والمخالفات، وقد وعد الله عباده الصابرين بالجزاء الأوفى، قال -تعالى-: {إنما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}(الزمر:10).

وكذلك لابد من أن نذكّر الأبناء بعظيم جزاء الصائمين، حتى تقوى نفوسهم عليه، ويعلو رجاؤهم في ثوابه، ويسهل عليهم الصبر حتى يصير عادة راسخة في نفوسهم، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِلَّا الصَّوْمَ؛ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي». رواه مسلم.
وأخيرًا، إننا بتزكية خلق (الصبر) في نفوس الأبناء، واغتنام شهر رمضان لتدريبهم على هذا الخلق، نؤسس لشخصيات قوية ناضجة، قادرة على تحمل المسؤوليات ومواجهة الصعاب، شديدة الارتباط بالله -عزّ وجل- تؤمل ما عنده من الأجر والثواب في الدنيا والآخرة.