تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: مسألة تسلسل الحوادث

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2019
    المشاركات
    260

    افتراضي مسألة تسلسل الحوادث

    السؤال
    ما وجه ذكر علماء العقيدة لمسألة تسلسل الحوادث، وما علاقتها بالأسماء والصفات؟ أليس هذا من علم الكلام الذي نُهينا عن الإغراق فيه، لا سيما أن عقيدة أهل السنة مصدرها الكتاب والسنة؟. أفتونا مأجورين..


    الجواب
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
    أنت تريد بعلماء العقيدة علماء السنة الذين يعتمدون في جميع أمور الدين على الكتاب والسنة، ويحذرون من علم الكلام المبني على نظريات أهل الفلسفة، وعلم المنطق، وقد ردّوا عليهم بالأدلة العقلية والنقلية، وذموهم بإعراضهم عن الكتاب والسنة، ولم يجاروهم في شيء من باطلهم وفضولهم.
    ومسألة تسلسل الحوادث مسألة عقديَّة لابد فيها من معرفة الحق من الباطل، وكثير من طلاب العلم لا يفهمون حقيقتها، فيظنون الكلام فيها من الفضول.
    وتسلسل الحوادث يعبر عنه بدوام الحوادث بالماضي والمستقبل، أو حوادث لا أول لها، أو قدم جنس الحوادث.. والمراد بالحوادث، المخلوقات، ومعنى دوام الحوادث في الماضي والمستقبل، أو تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل أنه ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق إلى ما لا نهاية، وهكذا في المستقبل ما من مخلوق إلا وبعده مخلوق إلى ما لا نهاية لها، وللناس في هذه المسألة ثلاثة مذاهب.
    الأول: امتناع دوام الحوادث في الماضي والمستقبل، وهذا قول جهم، ولهذا قال بفناء الجنة والنار.
    الثاني: امتناع دوامها في الماضي، وجوازه في المستقبل.
    الثالث: إمكان تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل، وهذا هو الحق، فإن ذلك لازم دوام قدرة الرب، والله تعالى على كل شيء قدير، لم يكن غير قادر ثم صار قادراً.. وإذا كان الله تعالى لم يزل قادراً فلم يزل الخلق ممكناً، ولا يلزم على هذا محذور كما يظن الجاهلون والغالطون الذين يظنون أن القول بدوام الحوادث في الماضي يستلزم قدم العالم، فإذا قيل ما من مخلوق إلا قبله مخلوق، لم يلزم منه قدم شيء من المخلوقات، فكل مخلوق محدث بعد أن لم يكن فهو مسبوق بعدم نفسه، والله تعالى هو الأول ليس قبله شيء..
    وقول من قال بامتناع دوام الحوادث في الماضي يستلزم تعجيز الرب، وأنه كان غير قادر، فإن زعم أن الله لم يزل قادراً، وأن الخلق لم يزل ممتنعاً كان متناقضاً، فتبين أن القولين الأولين باطلان .
    وأما دوام الحوادث في المستقبل فإنه واقع كما يدل لذلك قوله تعالى في الجنة "أكلها دائم وظلها"، وقوله "إن هذا لرزقنا ما له من نفاد".
    فتبين مما تقدم أن مسألة تسلسل الحوادث مرتبطة بتوحيد الربوبية، وبإثبات قدرته تعالى على كل شيء أزلاً وأبداً سبحانه وتعالى.



    العنوان تسلسل الحوادث وعلاقتها بالعقيدة
    المجيب
    العلامة/ عبد الرحمن بن ناصر البراك
    عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
    التاريخ الاثنين 24 ربيع الثاني 1430 الموافق 20 إبريل 2009
    http://www.islamtoday.net/fatawa/quesshow-60-184402.htm

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2019
    المشاركات
    260

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    القول بقِدم العالم بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
    الحمد لله، وصلّى الله وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
    فقد أخبر -سبحانه وتعالى- أنّه استوى على العرش في سبعة مواضع من القرآن، فآمن بذلك أهلُ السنة، وأثبتوا الاستواء بمعناه، وقالوا: "الاستواء معلوم -يعني: معلومٌ معناه في اللغة العربية؛ لأنّ القرآن نزل بلسانٍ عربيّ مُبين- والكيفُ مجهول" فكيفيّة الاستواء على العرش هي مما استأثر الله بعلمه كما يقولون، إنّ استواء الله تعالى لا يماثل استواء المخلوق. وقالوا: إن استواءه فعلٌ مِن أفعاله التي تكون بمشيئته -سبحانه وتعالى-، وهو فعَّال لما يريد.
    والذي قال: "إنه يمكن استواؤه على بعوضة" أو "لو أخبرنا أنّه استوى على بعوضة لسلّمنا بذلك" هو: عثمان بن سعيد الدارمي، لا "ابن تيمية" رحمهما الله، وقال هذا مبالغةً في الرّد على من أنكر استواء الله على عرشه، ولا أذكر نصّ عبارته، ولو لم يأتِ بهذا التعبير لكان أولى، فهو -سبحانه وتعالى- على كل شيء قدير.
    والظاهر أنّه لم يقل "إنّه -تعالى- يمكن استواؤه على ظهر بعوضة" بل لعله قال: "لو أخبرنا بذلك لآمنا به" فإنّه -سبحانه وتعالى- أصدق الصادقين.
    ولا يلزم من هذا الافتراض أن يكون ممكنًا فضلاً عن أن يكون واقعًا، فإنه -تعالى- قد قال: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (الأنبياء:22)

    وأمّا القول بقدم العالم -أي: بقدم هذا العالم المشهود الذي منه السماوات-: فقولٌ باطل، فإنّ هذا العالم مخلوق في ستة أيام؛ كما أخبر الله، بل إنّ السّموات والأرض كان خلْقُها بعد تقدير مقادير الخلائق بخمسين ألف سنة، فهو مُحدَث وليس بقديم، والقول بقدم هذا العالم الموجود: هو قول ملاحدة الفلاسفة، الذين يسمون الخالق -سبحانه وتعالى-: "العِلَّةَ الأولى" و"مبدأَ الوجود" ويقولون إنّه عِلّة تامة للموجودات، و"العلة التامة" تستلزم معلولها، فهذا العالم قديم بقدم علَّته، ومعناه: أنّ وجوده لم يُسبق بعدم.
    والإمام ابن تيمية يقول بقدم جنس العالم، أو جنس المخلوقات، أو بتسلسل الحوادث، أو بدوام الحوادث بالأزل، وهذه عبارات مؤدّاها واحد، ومعنى هذا: أنّ الله لم يزل يخلقُ ويفعلُ ما يشاء، فما من مخلوق إلا وقبله مخلوق إلى ما لا نهاية؛ لأنّ الله لم يزل موجودًا، ولم يزل على كل شيء قدير، ولم يزل فعَّالاً لما يريد.
    فيقتضي ذلك: أنّ المخلوقات لم تزل، أو أقل ما يقال إنه يمكن ذلك، فإنّه لا يلزم تسلسل الحوادث؛ لأنّه لا يستلزم أن يكون شيء من الموجودات مشاركًا لله في قدمه؛ لأنّ كلّ مخلوق حادثٌ بعد أن لم يكن، فهو مسبوقٌ بعَدمِ نفسه، والله تعالى- لم يسبق وجوده عدمٌ، بل هو- سبحانه وتعالى- قديم أزلي، فلا بداية لوجوده، ولا نهاية، ومن أسمائه الأول والآخر، فهو الأول فليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء.

    والذين ينكرون على ابن تيمية هذا القول -وهو ليس قول ابن تيمية وحده، بل قول كل من يؤمن بأنّ الله لم يزل على كل شيء قديرًا، ولم يزل فعَّالاً لما يريد- فالذين ينكرون هذا القول لم يفهموا حقيقته، ولو فهموا حقيقته لَـمَا أنكروه، فالذين ينكرون تسلسل الحوادث في الماضي أو دوامها في الماضي، وأنّ ذلك ممتنع: يلزمهم أنّ الله كان غيرُ قادرٍ، ثم صار قادرًا، وغيرُ فاعلٍ ثمّ صار فاعلاً، وهذا يقول به كثير ممن يقول بامتناع حوادث لا أول لها.
    ومن قال بامتناع دوام الحوادث في الماضي، وقال مع ذلك بأنّ الله لم يزل قادرًا وفاعلاً: كان متناقضًا، ويلزمه الجمع بين النقيضين.

    وبسبب اعتقاد أنّ دوام الحوادث في الماضي أو المستقبل ينافي أوليته -سبحانه- وآخريته: قيل بامتناع الحوادث في الماضي وفي المستقبل، فنتج عن ذلك القول بفناء الجنة والنار، وهذا ما ذهب إليه "جهم بن صفوان" ومن تبعه، وهذا ضرب من الكفر بما أخبر الله به، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والله تعالى قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، كما في عبارة الإمام الطحاوي، أما ما سوى الله فكلٌّ مسبوقٌ بعدمِ نفسه، ومن شاء -سبحانه وتعالى- بقاءه على الدوام وأنّه لا يفنى: فهو باقٍ بإبقاء الله وبمشيئته -سبحانه وتعالى- فلا يكون شيء من المخلوقات مشابهًا لله في خصائصه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الشورى:11) وصلى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم. حرر في:1425/11/21 هـ
    أملاه:
    عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك
    https://sh-albarrak.com/article/876


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2019
    المشاركات
    260

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    السؤال

    كثيراً ما نقرأ في كتب العقائد كلمة " تسلسل الحوادث " والكلام على أن له أنواعاً ، فما معنى هذه العبارة ؟
    نص الجواب





    الحمد لله
    " تسلسل الحوادث " هو أحد الألفاظ المجملة التي يطلقها المتكلمون .
    ولأجل أن يتضح مفهوم هذه اللفظة ، ومدلولها ، ووجه الصواب والخطأ في إطلاقها : إليك هذا العرض الموجز .
    أ. " تعريف التسلسل " :
    قال الجرجاني رحمه الله :" التسلسل هو ترتيب أمور غير متناهية " .
    انتهى من" التعريفات " ( ص 57 ) .
    ب. " سبب تسميته بذلك " :
    سمِّي بذلك أخذاً من السلسلة ؛ فهي قابلة لزيادة الحِلَق إلى ما لا نهاية ؛ فالمناسبة بينهما : عدم التناهي بين طرفيهما ، ففي السلسلة : مبدؤها ومنتهاها ، وأما التسلسل : فطرفاه الزمن الماضي والمستقبل .
    ج. " مراد أهل الكلام من إطلاق هذه اللفظة " : مرادهم يختلف باختلاف سياق الكلام ، وباختلاف المتكلمين ، فقد يكون مرادهم : نفي قِدَمِ اتصاف الله ببعض صفاته ، وقد يكون مرادهم : نفي دوام أفعال الله ومفعولاته ، وقد يكون مرادهم : نفي أبدية الجنة والنار ، وقد يكون غير ذلك .
    د. " هل وردت هذه اللفظة في الكتاب أو السنَّة ، أو أطلقها أحد من أئمة السلف " ؟
    الجواب : لا .
    هـ. " ما طريقة أهل السنة في التعامل مع هذا اللفظ ؟ " .
    طريقتهم كطريقتهم في سائر الألفاظ المجملة ؛ حيث إنهم يتوقفون في لفظ " التسلسل " فلا يثبتونه ، ولا ينفونه ؛ لأنه لفظ مبتدع مجمل ، يحتمل حقّاً وباطلاً ، وصواباً وخطأً .
    هذا بالنسبة للفظ .
    أما بالنسبة للمعنى : فإنهم يستفصلون ، فإن أريد به حق : قبلوه ، وإن أريد به باطل : رَدُّوه .
    وبناءاً على ذلك : فإنه يُنْظَرُ في هذا اللفظ ، وتطبق عليه هذه القاعدة : فيقال لمن أطلقوا هذا اللفظ :
    1. إذا أردتم بالتسلسل : دوام أفعال الرب أزلاً – الأزل : هو القِدَم الذي لا بداية له - وأبداً - الأبد : هو المستقبل الذي لا نهاية له - : فذلك معنى صحيح دل عليه العقل والشرع ، فإثباته واجب ، ونفيه ممتنع ، قال الله تعالى : ( فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ) هود/ 107 .
    والفعَّال هو من يفعل على الدوام ، ولو خلا من الفعل في أحد الزمانين لم يكن فعَّالاً ؛ فوجب دوام الفعل أزلاً وأبداً .
    ثم إن المتصف بالفعل أكمل ممن لا يتصف به ، ولو خلا الرب منه لخلا من كمال يجب له ، وهذا ممتنع .
    ولأن الفعل لازم من لوازم الحياة ، وكل حي فهو فعال ، والله تعالى حيٌّ فهو فعال ، وحياته لا تنفك عنه أبداً وأزلاً .
    ولأن الفرق بين الحيِّ والميتِ الفعلُ ، والله حيٌّ فلا بد أن يكون فاعلاً ، وخُلُوُّه من الفعل في أحد الزمانين الماضي والمستقبل : ممتنع ، فوجب دوام فعله أزلاً وأبداً .
    فخلاصة هذه المسألة : أنه إذا أريد بالتسلسل دوام أفعال الرب : فذلك معنى صحيح ، واجب في حق الله ، ونفيه ممتنع .
    ولا يجوز أن يكون تعالى معطَّلاً عن الفعل ثم فعل ، أو أنه اتصف بصفة من الصفات بعد أن لم يكن متصفاً بها ، أو أنه حصل له الكمال بعد أن لم يكن : فذلك معنى باطل لا يجوز .
    فالله عز وجل لم يزل متَّصفاً بصفات الكمال : صفات الذات ، وصفات الفعل ، ولا يجوز أن يُعتقد أن الله اتصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها ؛ لأن صفاته سبحانه صفات كمال ، وفَقْدُها صفة نقص ، فلا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفاً بضده .
    قال الإمام الطحاوي رحمه الله : " ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه ، لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته ، وكما كان بصفاته أزليّاً ، كذلك لا يزال عليها أبديّاً " .
    انتهى من" شرح العقيدة الطحاوية " ( ص 124 ) .
    مثال ذلك : صفة الكلام ؛ فالله عز وجل لم يزل متكلماً إذا شاء ، ولم تحدث له صفة الكلام في وقت ، ولم يكن معطَّلاً عنها في وقت ، بل هو متصف بها أزلاً وأبداً .
    وكذلك صفة الخلق ، فلم تحدث له هذه الصفة بعد أن كان معطَّلاً عنها .
    2- وإذا أريد بالتسلسل : أن شيئاً من المخلوقات المعينة قديم قدم الله تعالى ، فهذا باطل ، فكل سوى الله تعالى مخلوق ، مسبوق بالخالق ، بل مسبوق بعدم نفسه أيضاً.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله : " ولكن الذي نطقت به الكتب والرسل أن الله خالق كل شيء فما سوى الله من الأفلاك والملائكة وغير ذلك مخلوق ومحدث كائن بعد أن لم يكن مسبوق بعدم نفسه وليس مع الله شيء قديم بقدمه في العالم لا أفلاك ولا ملائكة سواء سميت عقولاً ونفوساً أو لم تسم " انتهى من " الصفدية " (1/14).
    وقال رحمه الله : " ولكن يمتنع عند أهل الملل أن يكون موجود قديم مع الله فإن الله خالق كل شيء وكل مخلوق مسبوق بعدم نفسه وإن قيل مع ذلك بدوام كونه خالقا فخلقه شيئاً بعد شيء دائماً لا ينافى أن يكون كل ما سواه مخلوقاً محدثاً كائناً بعد أن لم يكن ليس من الممكنات قديم بقدم الله تعالى مساوياً له بل هذا ممتنع بصرائح العقول مخالف لما أخبرت به الرسل عن الله كما قد بسط في موضعه " انتهى من " منهاج أهل السنة النبوية " (2/210).
    3. وإذا كان المقصود بالتسلسل : التسلسل في مفعولات الله عز وجل ، وأنه ما زال ولا يزال يخلق خلْقاً بعد خلق ، إلى ما لا نهاية ، فذلك معنى صحيح ، وتسلسل ممكن ، وهو جائز في الشرع والعقل .
    وتسلسل الحوادث أو دوام الحوادث أو المفعولات ، معناه أن نوع الحوادث لم يزل متجدداً وان الله يخلق خلقاً بعد خلق، وكل مخلوق يعني مسبوق بالعدم ، ودوام الحوادث أو المخلوقات في الماضي لا يمنع من كونه تعالى هو الأول كما أن دوامها في المستقبل – كنعيم الجنة – لا يمنع من كونه تعالى هو الآخر .
    4. وإن أريد بالتسلسل : التسلسل بالمؤثِّرين ، أي : بأن يؤثِّر الشيء بالشيء إلى ما لا نهاية ، وأن يكون هناك مؤثرون ، كلُّ واحد منهم استفاد تأثيره مما قبله لا إلى غاية : فذلك تسلسل ممتنع شرعاً وعقلاً ؛ لاستحالة وقوعه ؛ فالله عز وجل خالق كل شيء ، وإليه المنتهى ، فهو الأول فليس قبله شيء ، وهو الآخر فليس بعده شيء ، وهو الظاهر فليس فوقه شيء ، وهو الباطن فليس دونه شيء .
    والقول بالتسلسل في المؤثرين : يؤدي إلى خُلُوِّ المُحدَث والمخلوق من مُحْدِثٍ وخالقٍ ، وينتهي بإنكار الخالق جل وعلا .
    خلاصة القول في مسألة التسلسل عموماً :
    أ. أن التسلسل هو ترتيب أمور غير متناهية ، وأنه سمِّيَ بذلك أخذاً من " السلسلة " .
    ب. أن التسلسل من الألفاظ المجملة التي لا بد فيها من الاستفصال كما مر ، لإثبات ما فيها من الحق ، ونفي ما فيها من الباطل .
    انتهى من كتاب : " مصطلحات في كتب العقائد " للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ( ص 72 – 76 ) ، باختصار .
    وانظر – لمزيد فائدة لما سبق – كتاب : " الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية " ، تأليف : الدكتورة آمال بنت عبد العزيز العمرو ، ص 241 .
    والله أعلم .


    المصدر: الإسلام سؤال وجواب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبدالعظيم مشاهدة المشاركة
    إمكان تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل، وهذا هو الحق، فإن ذلك لازم دوام قدرة الرب، والله تعالى على كل شيء قدير، لم يكن غير قادر ثم صار قادراً.. وإذا كان الله تعالى لم يزل قادراً فلم يزل الخلق ممكناً، ولا يلزم على هذا محذور كما يظن الجاهلون والغالطون الذين يظنون أن القول بدوام الحوادث في الماضي يستلزم قدم العالم، فإذا قيل ما من مخلوق إلا قبله مخلوق، لم يلزم منه قدم شيء من المخلوقات، فكل مخلوق محدث بعد أن لم يكن فهو مسبوق بعدم نفسه، والله تعالى هو الأول ليس قبله شيء..
    وقول من قال بامتناع دوام الحوادث في الماضي يستلزم تعجيز الرب، وأنه كان غير قادر، فإن زعم أن الله لم يزل قادراً، وأن الخلق لم يزل ممتنعاً كان متناقضاً
    .............................. والذين ينكرون على ابن تيمية هذا القول -وهو ليس قول ابن تيمية وحده، بل قول كل من يؤمن بأنّ الله لم يزل على كل شيء قديرًا، ولم يزل فعَّالاً لما يريد- فالذين ينكرون هذا القول لم يفهموا حقيقته، ولو فهموا حقيقته لَـمَا أنكروه، فالذين ينكرون تسلسل الحوادث في الماضي أو دوامها في الماضي، وأنّ ذلك ممتنع: يلزمهم أنّ الله كان غيرُ قادرٍ، ثم صار قادرًا، وغيرُ فاعلٍ ثمّ صار فاعلاً، وهذا يقول به كثير ممن يقول بامتناع حوادث لا أول لها.
    ومن قال بامتناع دوام الحوادث في الماضي، وقال مع ذلك بأنّ الله لم يزل قادرًا وفاعلاً: كان متناقضًا، ويلزمه الجمع بين النقيضين.............. .................
    إذا أردتم بالتسلسل : دوام أفعال الرب أزلاً – الأزل : هو القِدَم الذي لا بداية له - وأبداً - الأبد : هو المستقبل الذي لا نهاية له - : فذلك معنى صحيح دل عليه العقل والشرع ، فإثباته واجب ، ونفيه ممتنع ، قال الله تعالى : ( فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ) هود/ 107 .
    والفعَّال هو من يفعل على الدوام ، ولو خلا من الفعل في أحد الزمانين لم يكن فعَّالاً ؛ فوجب دوام الفعل أزلاً وأبداً .
    ثم إن المتصف بالفعل أكمل ممن لا يتصف به ، ولو خلا الرب منه لخلا من كمال يجب له ، وهذا ممتنع .
    ولأن الفعل لازم من لوازم الحياة ، وكل حي فهو فعال ، والله تعالى حيٌّ فهو فعال ، وحياته لا تنفك عنه أبداً وأزلاً .
    ولأن الفرق بين الحيِّ والميتِ الفعلُ ، والله حيٌّ فلا بد أن يكون فاعلاً ، وخُلُوُّه من الفعل في أحد الزمانين الماضي والمستقبل : ممتنع ، فوجب دوام فعله أزلاً وأبداً .
    فخلاصة هذه المسألة : أنه إذا أريد بالتسلسل دوام أفعال الرب : فذلك معنى صحيح ، واجب في حق الله ، ونفيه ممتنع .
    ولا يجوز أن يكون تعالى معطَّلاً عن الفعل ثم فعل ، أو أنه اتصف بصفة من الصفات بعد أن لم يكن متصفاً بها ، أو أنه حصل له الكمال بعد أن لم يكن : فذلك معنى باطل لا يجوز .
    فالله عز وجل لم يزل متَّصفاً بصفات الكمال : صفات الذات ، وصفات الفعل ، ولا يجوز أن يُعتقد أن الله اتصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها ؛ لأن صفاته سبحانه صفات كمال ، وفَقْدُها صفة نقص ، فلا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفاً بضده .
    مثال ذلك : صفة الكلام ؛ فالله عز وجل لم يزل متكلماً إذا شاء ، ولم تحدث له صفة الكلام في وقت ، ولم يكن معطَّلاً عنها في وقت ، بل هو متصف بها أزلاً وأبداً .
    وكذلك صفة الخلق ، فلم تحدث له هذه الصفة بعد أن كان معطَّلاً عنها .
    2- وإذا أريد بالتسلسل : أن شيئاً من المخلوقات المعينة قديم قدم الله تعالى ، فهذا باطل ، فكل سوى الله تعالى مخلوق ، مسبوق بالخالق ، بل مسبوق بعدم نفسه أيضاً.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله : " ولكن الذي نطقت به الكتب والرسل أن الله خالق كل شيء فما سوى الله من الأفلاك والملائكة وغير ذلك مخلوق ومحدث كائن بعد أن لم يكن مسبوق بعدم نفسه وليس مع الله شيء قديم بقدمه في العالم لا أفلاك ولا ملائكة سواء سميت عقولاً ونفوساً أو لم تسم " انتهى من " الصفدية " (1/14).
    وقال رحمه الله : " ولكن يمتنع عند أهل الملل أن يكون موجود قديم مع الله فإن الله خالق كل شيء وكل مخلوق مسبوق بعدم نفسه وإن قيل مع ذلك بدوام كونه خالقا فخلقه شيئاً بعد شيء دائماً لا ينافى أن يكون كل ما سواه مخلوقاً محدثاً كائناً بعد أن لم يكن ليس من الممكنات قديم بقدم الله تعالى مساوياً له بل هذا ممتنع بصرائح العقول مخالف لما أخبرت به الرسل عن الله كما قد بسط في موضعه " انتهى من " منهاج أهل السنة النبوية "
    . وإذا كان المقصود بالتسلسل : التسلسل في مفعولات الله عز وجل ، وأنه ما زال ولا يزال يخلق خلْقاً بعد خلق ، إلى ما لا نهاية ، فذلك معنى صحيح ، وتسلسل ممكن ، وهو جائز في الشرع والعقل .
    وتسلسل الحوادث أو دوام الحوادث أو المفعولات ، معناه أن نوع الحوادث لم يزل متجدداً وان الله يخلق خلقاً بعد خلق، وكل مخلوق يعني مسبوق بالعدم ، ودوام الحوادث أو المخلوقات في الماضي لا يمنع من كونه تعالى هو الأول كما أن دوامها في المستقبل – كنعيم الجنة – لا يمنع من كونه تعالى هو الآخر .
    بارك الله فيك اخى الفاضل محمد عبد العظيم - فهل من مدَّكر؟

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2019
    المشاركات
    260

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    مقال للشيخ ابي جعفر الخليفي
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

    أما بعد :



    فإن كثيراً ممن يدعون أنهم مفكرون ومطلعون ليسوا سوى ظواهر صوتية حين يصطدمون بأول بحث دقيق يظهر لك بلادتهم وضعف اطلاعهم

    ولكن اليوم البغاث بأرضنا يستنسر

    واليوم مع مثال أحمد سعد زايد وعدنان إبراهيم فهذان الرجلان كلاهما غلط على ابن تيمية في تسلسل الحوادث ولم يفهم مذهبه

    فأما عدنان إبراهيم فزعم أن ابن تيمية على مذهب ابن سينا في قدم العالم !

    وهذا شيء مضحك غاية لأن الشيخ كثير النقد لقول ابن سينا في قدم العالم بل يكفره بهذا المذهب !

    يقول عدنان إبراهيم في مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد :" ابن سينا كافر ابن تيمية كافر لا تكفر يا أخي فهي مسألة معقدة فابن تيمية متابع لهم "

    وله كلمات أخرى في هذا الغباء نقلها خالد كبير علال في نقده عليه

    والسؤال هنا : ما الفرق بين مقالة ابن تيمية بحوادث لا أول لها ومقالة الفلاسفة بقدم العالم ؟

    الجواب : هما مقالتنا متناقضتان تماماً والخلط بينهما غباء عظيم

    فالفلاسفة القدامى يذهبون إلى أن هذا العالم قديم وأنه بالنسبة لله تبارك وتعالى كالشعاع للشمس لم يأت هذا العالم بفعل أراده الله في وقت معين وإنما هذا الكون مقارن لله عز وجل كما يقارن شعاع الشمس الشمس

    وأما قول الشيخ فهو يقول أن لله أفعالاً لا بداية لها وهذا أحد معاني قوله بحوادث لا أول لها

    ويقول بجواز أو وقوع مخلوقات لا أول لها بمعنى أن كل مخلوق قبله مخلوق قبله مخلوق إلى ما لا بداية كما أن أفعال أهل الجنة وأهل النار لا نهاية لها

    فكل مخلوق خلقه بإرادة وفعل ولهذا المخلوق بداية والله عز وجل متقدم على هذا المخلوق

    فانظر إلى التناقض بين المقالتين فالمقالة الأولى تنفي تقدم الله على الكون والمقالة الثانية تثبت هذا والمقالة الأولى تنفي أن يكون المخلوق خلق بإرادة خاصة وجدت بعد إن لم تكن والمقالة الثانية تثبت هذا

    والفرق بين مقالة الشيخ ومقالة الأشعرية التي نصرها الغزالي أن الغزالي يقول أن الكون خلق بإرادة قديمة ومع ذلك حادث وأما الشيخ فيقول أن الله عز وجل متصف بالأفعال كما دلت عليه نصوص فهو يفعل فعلاً الآن لم يكن قد فعله قبل الآن ( فعال لما يريد ) ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )

    والسؤال الثاني : ما هي أدلة قول الشيخ

    يقول الله تبارك وتعالى ( وكان الله سميعاً بصيراً ) قال ابن عباس : لم يزل كذلك

    والآية جاءت في كونه يسمع ويبصر غيره فهو لم يزل يبصر ويسمع غيره وأما النصوص الواردة في أولية بعض المخلوقات فيحملها الشيخ على أولية نسبية يعني أولية بالنسبة لهذا العالم

    قال ابن تيمية في الصفدية :" ولكن الذي نطقت به الكتب والرسل أن الله خالق كل شيء فما سوى الله من الأفلاك والملائكة وغير ذلك مخلوق ومحدث كائن بعد أن لم يكن مسبوق بعدم نفسه وليس مع الله شيء قديم بقدمه في العالم لا أفلاك ولا ملائكة سواء سميت عقولا ونفوسا أو لم تسم والحديث الذي في صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لما قدم عليه وفد اليمن قالوا: جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر فقال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض" قد ذكرنا ألفاظه وطرقه وذكرنا الحديث الآخر الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" والحديث الآخر الذي رواه مسلم أيضا في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: " أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر" وذكرنا أن حديث عمران رواه البخاري في ثلاثة مواضع بثلاثة ألفاظ كان الله ولم يكن شيء قبله ورواه في موضع ولم يكن شيء معه ورواه في موضع آخر ولم يكن شيء غيره وأن المجلس كان واحدا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إلا واحدا من الثلاث وقد ثبت أنه قال: "ليس قبلك شيء" واللفطان الآخران رويا بالمعنى وبينا على كل تقدير أن مراد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جواب أهل اليمن عما سألوه من ابتداء خلق هذا العالم الذي خلق في ستة أيام وكان عرش الله على الماء قبل ذلك وقدر الله مقادير هذا العالم قبل أن يخلقه بخمسين ألف سنة والمقصود هنا أنه إذا قيل لا يكون حادث حتى يكون حادث"

    وقد ركز الشيخ على لفظة ( أول هذا الأمر ) في شرحه لحديث عمران بن حصين للتدليل على أنهم يتكلمون عن عالمنا هذا الذي يتصل بعضه ببعض وهذا لا يمنع وجود عوالم أخرى قبله

    فالشيخ قوله أصلاً مناقضة للقول بقدم العالم فكيف يخلط بينهما

    وإليك نصوصه في ذم مسالك الفلاسفة القائلين بقدم العالم

    قال الشيخ في الرد على المنطقيين :" وهذا ابن سينا أفضل متأخريهم الذي ضم إلى كلامه في الإلهيات من القواعد التي أخذها عن المتكلمين أكثر مما أخذه عن سلفه الفلاسفة أكثر كلامه فيها مبني على مقدمات سوفسطائية ملبسة ليست خطابية ولا جدلية ولا برهانية مثل كلامه في توحيد الفلاسفة وكلامه في أسرار الآيات وكلامه في قدم العالم كما بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع"

    وقال في درء تعارض العقل والنقل :" فالفلاسفة الإلهيون الذين هم أشهر هذه الطوائف بالحكمة والنظر والعلم - رهط الفارابي وابن سينا وأمثالهما - عمدتهم في إنكار المعاد هو اعتقادهم قدم العالم، وأن الفاعل علة تامة موجبة بالذات، لا يختلف فعلها، فلا يجوز أن يتغير العالم لأجل ذلك.
    وهؤلاء في كلامهم من نفي قدرته وعلمه ومشيئته ما هو مبسوط في غير هذا الموضع.
    ومن أيسر ذلك أنهم في الحقيقة ينكرون أن يكون خالقاً للمحدثات.
    وإذا كان قد عرف بضرورة العقل أن المحدثات، وما فيها من التخصيص والإتقان والحكمة، دل على الخالق العليم القدير الحكيم، علم فساد قول هؤلاء"

    وقال في درء التعارض :" أخذ ابن سينا وأمثاله هذه الأصول، وألزمهم ما هو أبلغ من ذلك، فزاد في نفي الصفات عليهم، حتى كان أظهر تعطيلاً منهم، بل أبلغ تعطيلاً من الجهم رأس نفاة الصفات.
    وخالف ابن سينا وأمثاله المعتزلة في أمور: بعضها أصابوا في مخالفتهم، وبعضها أخطأوا في مخالفتهم، لكن الذي أصابوا فيه، منه ما صاروا يحتجون به على باطلهم، لضعف طريق المعتزلة الذي به يردون باطلهم.
    وهذا الذي ذكرته يجده من اعتبره في كتب ابن سينا كـ الإشارات وغيرها، ويتبين للفاضل أنه إنما بنى إلحاده في قدم العالم على نفي الصفات، فإنهم لما نفوا الصفات والأفعال القائمة بذاته، وسموا ذلك توحيداً، ووافقهم ابن سينا على تقرير هذا النفي الذي سموه توحيداً، بين امتناع القول بحدوث العالم مع هذا الأصل، وأظهر تناقضهم"

    والشيخ يعني بالإلحاد هنا الميل لا إنكار الله فهذا لم يكن معروفاً في ذلك الزمان

    وقال في شرح الأصبهانية :" إن من انتسب إلى الملل منهم من المسلمين واليهود والنصارى هم مضطربون في ما جاءت به الأنبياء في المعاد فالمحققون منهم يعلمون أن حججهم على قدم العالم ونفي معاد الأبدان ضعيفة فيقبلون من الرسل ما جاؤوا به ومنهم قوم واقفة متحيرون لتعارض الأدلة وتكافئها عندهم ومنهم قوم أصروا على التكذيب ثم زعموا أن ما جاءت به الرسل هو أمثال مضروبة لتفهم المعاد الروحاني وهؤلاء إذا حقق عليهم الأمر صرحوا بأن الرسل تكذب لمصلحة العالم وإذا حسنوا العبارة قالوا إنهم يخيلون الحقائق في أمثال خيالية وقالوا إن خاصة النبوة تخييل الحقائق للمخاطبين وإنه لا يمكن خطاب الجمهور إلا بهذا الطريق كما يزعم ذلك الفارابي وأمثاله مع أن الفارابي له في معاد الأرواح ثلاثة أقوال متناقضة تارة يقول لا تعاد وينكر المعاد بالكلية وتارة يقول إنها تعاد وتارة يفرق بين الأنفس العالمة والجاهله فيقر بمعاد العالمة دون الجاهلة ولهم في تفضيل النبي على الفيلسوف أو بالعكس نزاع فعقلاؤهم كابن سينا وأمثاله يفضل النبي على الفيلسوف وأما غلاتهم فيفضلون الفيلسوف"

    فإن قيل : هلا ذكرت شيئاً من نصوص الشيخ في تسلسل الحوادث تشرح مذهبه

    قال شيخ الإسلام رحمه الله :
    روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( أنه سأله سائل عن قوله : ﴿وكان الله غفوراً رحيماً﴾، ﴿عزيزاً حكيماً﴾، ﴿سميعاً بصيراً﴾، فكأنه كان ثم مضى ، فقال ابن عباس : ﴿وكان الله غفوراً رحيماً﴾ سمى نفسه ذلك ، وذلك قوله ، أي : لم يزل كذلك ) هذا لفظ البخاري وهو رواه مختصراً .
    ولفظ البوشنجي محمد بن إبراهيم الإمام ، عن شيخ البخاري الذي رواه من جهته البرقاني في صحيحه : (فإن الله سمى نفسه ذلك ولم ينحله غيره ، فذلك قوله : ﴿وكان الله﴾ أي : لم يزل كذلك) هكذا رواه البيهقي عن البرقاني .
    وذكر الحميدي لفظه : ( فإن الله جعل نفسه وسمى نفسه ، وجعل نفسه ذلك ولم ينحله أحد غيره ﴿وكان الله﴾ أي : لم يزل كذلك).
    ولفظ يعقوب بن سفيان عن يوسف بن عدي شيخ البخاري : (فإن الله سمى نفسه ذلك ، ولم يجعله غيره ﴿وكان الله﴾ أي : لم يزل كذلك)، فقد أخبر ابن عباس أن معنى القرآن : أن الله سمى نفسه بهذه الأسماء لم ينحله ذلك غيره ، وقوله : ﴿وكان الله﴾ يقول : إني لم أزل كذلك .
    ومن المعلوم أن الذي قاله ابن عباس هو مدلول الآيات ففي هذا دلالة على فساد قول الجهمية من وجوه:
    أحدهما: أنه إذا كان عزيزا حكيما ولم يزل عزيزا حكيما، والحكمة تتضمن كلامه ومشيئته كما أن الرحمة تتضمن مشيئته دل على أنه لم يزل متكلما مريدا وقوله : (( غفورا )) أبلغ فإنه إذا كان لم يزل غفورا فأولى أنه لم يزل متكلما , وعند الجهمية بل لم يكن متكلما ولا رحيما ولا غفورا , إذا هذا لا يكون إلا بخلق أمور منفصلة عنه فحينئذ كان ذلك.
    والثاني : قول ابن عباس : فإن الله سمى نفسه ذلك ، يقتضي أنه هو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء ، لا أن المخلوق هو الذي سماه بها ، ومن قال : إنها مخلوقة في جسم ، لزمه أن يكون ذلك الجسم هو الذي سماه بها .
    الثالث : قوله : ولم ينحله ذلك غيره ، وفي اللفظ الآخر : ولم يجعله ذلك غيره ، وهذا يتبين بجعله ذلك في الرواية أي : هو الذي حكم لنفسه بذلك لا غيره ، ومن جعله مخلوقاً لزمه أن يكون الغير هو الذي جعله كذلك ونحله ذلك .
    الرابع : أن ابن عباس ذكر ذلك في بيان معنى قوله : ﴿وكان الله غفوراً رحيما﴾، ﴿عزيزاً حكيماً﴾، ﴿سميعاً بصيراً﴾، ليبين حكمة الإتيان بلفظ كان في مثل هذا ، فأخبر في ذلك أنه هو الذي سمى نفسه ذلك ولم ينحله ذلك غيره .
    ووجه مناسبة هذا الجواب ، أنه إذا نحل ذلك غيره كان ذلك مخلوقاً بخلق ذلك الغير ، فلا يخبر عنه بأنه كان كذلك ، وأما إذا كان هو الذي سمى به نفسه ناسب أن يقال : إنه كان كذلك وما زال كذلك ، لأنه هو لم يزل - سبحانه وتعالى - وهذا التفريق إنما يصح إذا كان غير مخلوق ، ليصح أن يقال : لما كان هو المسمي لنفسه بذلك ، كان لم يزل كذلك اهـ. من التسعينية لشيخ الإسلام ( 2/578).
    قال شيخ الإسلام في الفتاوى: (5/538)، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾،﴿وَك َانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ : كَانَ وَلَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ اهـ.

    قال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، ثنا أبو معاوية ، عن الاعمش عن المنهال ابن عمرو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : اتاه رجل فقال : أرأيت قول الله وكان الله عزيزا حكيما قال ابن عباس : كذلك كان ولم يزل.
    6245 حدثنا أبو سعيد الاشج ، ثنا اسحاق بن سليمان الرازي ، عن عمرو بن أبى قيس عن مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : اتاه رجل فقال : سمعت الله تعالى يقول : وكان الله كانه شيء كان . قال : اما قوله : وكان ، فانه لم يزل ولا يزال وهو الاول والاخر ، والظاهر والباطن ، بكل شيء عليم . اهـ.

    ول جعفر بن محمد الصادق: قال شيخ الإسلام في الفتاوى : 5/538)، رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ " بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى ﴿أَفَحَسِبْتُم أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ لِمَ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّ اللَّهَ كَانَ مُحْسِنًا بِمَا لَمْ يَزَلْ فِيمَا لَمْ يَزَلْ إلَى مَا لَمْ يَزَلْ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُفِيضَ إحْسَانَهُ إلَى خَلْقِهِ وَكَانَ غَنِيًّا عَنْهُمْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ لِجَرِّ مَنْفَعَةٍ وَلَا لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ وَلَكِنْ خَلَقَهُمْ وَأَحْسَنَ إلَيْهِمْ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ الرُّسُلَ حَتَّى يَفْصِلُوا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَمَنْ أَحْسَنَ كَافَأَهُ بِالْجَنَّةِ وَمَنْ عَصَى كَافَأَهُ بِالنَّارِ .اهـ

    قول الإمام أحمد بن محمد بن حنبل : قال في رده على الجهمية ص34 : وقلنا للجهمية من القائل يوم القيامة : يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ، أليس الله هو القائل ؟ قالوا : فيكون الله شيئاً فيعبر عن الله ، كما يكون شيئاً فعبر لموسى . قلنا : فمن القائل: ﴿فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين () فلنقصن عليهم بعلم﴾، أليس الله هو الذي يسأل ؟ قالوا هذا كله إنما يكون شيئاً فيعبر عن الله . فقلنا قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم . فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله ، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان فلما ظهرت عليه الحجة قال : إن الله يتكلم ولكن كلامه مخلوق . قلنا : وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق ، فقد شبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق . ففي مذهبكم قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم ، وكذلك بنو آدم كانوا ولا يتكلمون حتى خلق الله لهم كلاماً . فقد جمعتم بين كفر وتشبيه ، فتعالى الله عن هذه الصفة ، بل نقول : إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء ، ولا تقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق الكلام.اهـ.
    قول إمام أهل السنة ابن المبارك :
    قال شيخ الإسلام: كان القول الصحيح قول أهل الحديث الذين يقولون : لم يزل متكلما إذا شاء كما قاله ابن المبارك. اهـ (منهاج: 2/66) أو 2/383).
    قول الإمام البخاري ونعيم بن حماد : قال البخاري في كتابه خلق أفعال العباد ص107 : ولقد بين نعيم بن حماد أن كلام الرب ليس بخلق وأن العرب لا تعرف الحى من الميت إلا بالفعل ، فمن كان له فعل فهو حي ومن لم يكن له فعل فهو ميت ، وأن أفعال العباد مخلوقة ، فضيق عليه حتى مضى لسبيله ، وتوجع أهل العلم لما نزل به، وفي اتفاق المسلمين دليل على أن نعيماً ومن نحا نحوه ليس بمفارق ولا مبتدع ، بل البدع والرئيس بالجهل بغيرهم أولى.اهـ.
    وهو قول الإمام عثمان الدارمي بل قول اهل الحديث أهل الأثر أهل السنة والجماعة فالمنكر على ابن تيمية ينكر على أئمة الإسلام وجعل قوله من الفلسفة فلسفة بنفسها، ابن تيمية ينقل من كتبهم قولهم فكيف ننكر عليه بل نشنع عليه ونخطئه ونجعل ما ينقله فلسفة بل والله من ينكر ما يقوله شيخ الإسلام ويجعل قوله فلسفة هو أحق بهذا الوصف وما قررناه فيما سبق يقول فيه شيخ الإسلام رحمة الله على هذا الإمام رحمة واسعة : حينئذ فالأزلي مستلزم لنوع الحوادث لا لحادث معين فلا يلزم قدم جميع الحوادث ولا حدوث جميعها بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها كما يقول أئمة أهل السنة منكم : إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء ويقولون : إن الفعل من لوازم الحياة والرب لم يزل حيا فلم يزل فعالا. وهذا معروف من قول أئمتكم كأحمد بن حنبل والبخاري صاحب الصحيح ونعيم بن حماد الخزاعي وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم ممن قبلهم مثل ابن عباس وجعفر الصادق وغيرهما ومن بعدهم اهـ (منهاج: 1/216).

    قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (18/ ص227-228) : وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ فَلَمْ يَعْرِفُوا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَلَمْ يُمَيِّزُوا فِي الْمَعْقُولَاتِ بَيْنَ الْمُشْتَبِهَات ِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَقْلَ يُفَرِّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ مُتَكَلِّمًا بِشَيْءِ بَعْدَ شَيْءٍ دَائِمًا وَكَوْنِ الْفَاعِلِ يَفْعَلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ دَائِمًا وَبَيْنَ آحَادِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ فَيَقُولُ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْعَالِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْفَاعِلِ وَأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ وَيَمْتَنِعُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمُعَيَّنِ مَعَ الْفَاعِلِ أَزَلًا وَأَبَدًا وَأَمَّا كَوْنُ الْفَاعِلِ لَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ فِعْلًا بَعْدَ فِعْلٍ فَهَذَا مِنْ كَمَالِ الْفَاعِلِ فَإِذَا كَانَ الْفَاعِلُ حَيًّا وَقِيلَ : إنَّ الْحَيَاةَ مُسْتَلْزِمَةٌ الْفِعْلَ وَالْحَرَكَةَ كَمَا قَالَ ذَلِكَ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَالدَّارِمِي وَغَيْرِهِمَا وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَبِمَا شَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ : كَانَ كَوْنُهُ مُتَكَلِّمًا أَوْ فَاعِلًا مِنْ لَوَازِمِ حَيَاتِهِ وَحَيَاتُهُ لَازِمَةٌ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا فَعَّالًا ؛ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْحَيَّ يَتَكَلَّمُ وَيَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ وُجُودَ كَلَامٍ بَعْدَ كَلَامٍ وَفِعْلٍ بَعْدَ فِعْلٍ فَالْفَاعِلُ يَتَقَدَّمُ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ وَلَا نَقُولُ : إنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَلَا قُدْرَةَ حَتَّى خُلِقَ لَهُ قُدْرَةٌ وَاَلَّذِي لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ هُوَ عَاجِزٌ وَلَكِنْ نَقُولُ : لَمْ يَزَلْ اللَّهُ عَالِمًا قَادِرًا مَالِكًا لَا شِبْهَ لَهُ وَلَا كَيْفَ . فَلَيْسَ مَعَ اللَّهِ شَيْءٌ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ قَدِيمٌ مَعَهُ . لَا بَلْ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ لَهُ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ قُدِّرَ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ خَالِقًا فَعَّالًا . اهـ .
    المبحث الثامن الأدلة من العقل:
    والعقل لا يمنع ما تقرر عندنا لمن تأمل وجعله الله على بصيرة بل العقل يدل على ذلك لما ذكر بل نقول : أن الفعل لازم من لوازم الحياة فكل حي فهو فعال والله حي فهو فعال وحياته لا تنفك عنه أبداً وأزلاً فيمتنع حدوث الفعل له بعد أن لم يكن فيجب دوامه أبداً وأزلاً.
    ويقال لهم : هل يمكن أن يخلق الله مذ كان هو الخالق؟ فإن قالوا : نعم يمكن ذلك فقد قالوا بحوادث لا أول لها وذلك أنه لا فرق عند العقلاء بين إمكانها وبين وقوعها وحدوثها فعلا فإنه إذا أمكن ذلك فلا نستطيع نفي وقوعه. راجح كلام ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية: 114).
    وكذا الفطرة تدل على ذلك فأننا نسمع الناس في دعائهم واستغاثتهم وطلبهم الحاجات من الله عز وجل يلهجون بهذه العبارات من قولهم : يا قديم الإحسان ، يا قديم المعروف والسلطان ، يا دائم الجود والامتنان إلى غير ذلك مما يفهم أنهم فطروا على اعتقاد ذلك فطرة دون أن يوصي بعضهم بعضاً بذلك ، أو يعلمه إياه ودون أن ينكر بعضهم على بعض اهـ من شرح هراس على النونية ( 1/170).

    ( هذا كله مستفاد من بحث لأحد الأخوة )

    والآن بعد انتهينا من عدنان إبراهيم لننتقل للمتذاكي الثاني والذي حين ألزم بمنع التسلسل في المؤثرات لإثبات وجود الخالق احتج أن ابن تيمية يقول بالتسلسل ولم يفرق بين تسلسل الحوادث وتسلسل المؤثرات

    وهو صاحب العبارة اللوذعية ( الله عز وجل علمياً غير موجود وفلسفياً موجود عند كثيرين )

    وهو يعني بالعلم البحث التجريبي والبحث التجريبي إنما يتعلق بالمادة الحادثة ولا يقول شيئاً في الماورائيات لهذا عتاة الملاحدة كدوكنز وهاوكنج وساغان لا يجزمون بأن الله غير موجود لأنهم علمويون

    والبحث في الماورائيات بحث فلسفي لا علاقة له بالبحث التجريبي فهل يصلح أن أقول ( الإرادة الحرة علمياً غير موجودة الأخلاق علمياً غير موجودة لأنها غير مرصودة تجريبياً ولا تدخل المختبر )

    هل يصلح أن أذهب لمهندس وأسأله في مسألة طبية ! وأعتبر قوله

    ولنعد لغلطه على الشيخ

    لنفهم أولاً ما هي حجة منع التسلسل في المؤثرات



    يبحث الطبائعيون عن سبب مادي للانفجار الكبير وللضبط الدقيق للكون لكي يهربوا من أمر الإله

    والعجيب أن بعض العلمويين من بني جلدتنا بدأ يتأثر بهم

    وهذا البحث يدل على أنهم إلى الآن لم يستوعبوا حجة اللاهوتيين المبنية على عدة مقدمات

    المقدمة الأولى : أن هذا الكون موجود

    المقدمة الثانية : أنه وجد بعد إن لم يوجد وهذا كان الفلاسفة والمتكلمون يثبتونه بأدلة كثيرة وكان من الناس من يتشكك به مثل الرازي وتوما الأكويني ولكن الفيزيائيين اليوم يقرون مع جماهير اللاهوتيين بحدوث الكون

    المقدمة الثالثة : أن كل شيء له بداية ( يعني حادث ) فلا بد له من سبب مؤثر جعله يبدأ وهذه بديهة السببية والتي يحاول البعض التشكيك بها من خلال الاحتكام للجهل فيما يتعلق ببعض معطيات ميكانيكا الكم التي لم يعرف العلم لها جواباً بعد فجاءت تفسيرات عديدة فاختار القوم أبعد التفاسير عن الحتمية والسببية وقالوا به واختاروه من دون غيره بتحكم والواقع أن ذلك لا ينفي السببية فجهلنا بالسبب لا يعني عدم وجوده وبديهة السببية أحد الأسس التي يقوم عليها العلم يبحث في علل الأشياء وحتى الصدفة هي صورة من صور السببية فهي سبب غير مقصود

    المقدمة الرابعة : أن التسلسل في الأسباب المؤثرة ممتنع لأنه ينبني عليه بطلان المقدمة الأولى وهي كون الشيء موجوداً

    ما معنى هذا الكلام

    لو فرضنا أن هناك جندي يريد أن يطلق رصاصة وكان أمره متوقفاً على أن يأمره من فوقه والذي فوقه هناك فوقه واحد وهكذا إلى ما لا بداية فلن تنطلق الرصاصة أبداً فإذا انطلقت علمنا أن السلسلة انقطعت وأن هناك آمر مؤثر غير متأثر وغير متوقف على غيره

    الكون هو هذه الرصاصة ونحن متأكدون من وجود الكون والكون حادث كهذه الرصاصة التي انطلقت بعد أن لم تكن منطلقة ، فلا بد والحال هذه من مؤثر غير متأثر

    وفي حال الكون هذا المؤثر لكي لا يكون متأثراً وتتنفي في حقه بديهية السببية يجب أن يكون لا بداية له لكي لا يتوقف وجوده على سبب أحدثه ( وهذا يرد على سؤال من خلق الخالق لأنه مغالطة منطقية لأن السؤال عن السبب إنما يكون في الأشياء الحادثة التي لها بداية وأيضاً ينقض هراء ابريق راسل وغيره فإن هذه الأمور ليست تفسيراً لوجودنا )

    إذا فهمت الحجة السابقة بكل حيثياتها تفهم أن البحث عن سبب مادي للانفجار الكبير لن يحل المشكلة أبداً

    لأن هذا السبب المادي إذا كان له بداية وهو قطعاً كذلك فلا بد أن يكون سببه شيء آخر وتنطبق عليه الحجة السابقة

    والذي يقول لا أتصور أن يؤثر الخالق في المخلوق لأن المخلوق مادي ، يقال له وهل تتصور سبب مادي له بداية بلا سبب مؤثر فيه ، أو تتصور سلسلة لا بداية لها من المؤثرات وأنتجت شيئاً هذا أشد امتناعاً من الأول

    وإذا كان المخلوق يؤثر في المخلوق فمن باب أولى الخالق

    وأما قول بعض أهل العلم بأن كل مخلوق قبله مخلوق قبله مخلوق إلى ما لا بداية وكل مخلوق له أول وآخر

    فهذا قول لا ينافي حجتنا الماضية لأنه يقول كل مخلوق إنما أوجد بالخالق ( المؤثر الذي لا يؤثر عليه أحد )

    فهناك فرق بين التسلسل في المؤثرات والتسلسل في المخلوقات التي كلها ترجع إلى مؤثر واحد أو خالق واحد وهو رب العالمين

    حقاً الطبائعيون فلاسفة فاشلون

    فماذا فعل اللوذعي أمام هذه الحجة الخانقة خالف ما يعرف العقلاء كلهم امتناعه من تسلسل المؤثرات وادعى أن ابن تيمية قال بهذا التسلسل خلطاً بين تسلسل المؤثرات وتسلسل الحوادث فما الفرق ؟

    وهما شيئان مختلفان بل يلتقيان تماماً فمنع التسلسل في المؤثرات هو منع تسلسل في الفاعلين وتجويز التسلسل في الحوادث هو تجويز تسلسل في الأفعال

    فكل فعل لله عز وجل قبله فعل قبله فعل إلى ما لا بداية وكل فعل له بداية ونهاية وهذا كاف في كون قانون السببية ينطبق عليه والمؤثر هنا هو الله عز وجل أو نقول الفعال لما يريد سبحانه

    فكلاهما إثبات لقدرة الله عز وجل فمنع التسلسل في المؤثرات إثبات لكمال قيومته وحياته وإثبات التسلسل في القدم والمستقبل ( كما في أفعال أهل الجنة ) إثبات لكمال قدرته وأنه لم يكن معطلاً عن الفعل ثم فعل

    إذا فهمت منع التسلسل في المؤثرات تفهم قول الفلاسفة ( العلة الأولى ) وتفهم أن وجود الله عز وجل ضروري لتفسير وجودنا فلا يصلح قياسه على الخرافات أو اعتقاد إبريق يطير حول الأرض

    وإمعاناً في الحجة ننقل كلام الشيخ نفسه في القول بأن التسلسل في المؤثرات ممتنع عند كل العقلاء

    قال الشيخ في منهاج السنة :" ثُمَّ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ [الْقَدِيمُ] (1) الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ الْقَيُّومُ الْخَالِقُ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ، فَإِنَّهُ إِنِ افْتَقَرَ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَمَفْعُولُهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، لَزِمَ الدَّوْرُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ . وَإِنِ افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ . وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ"
    واحفظها هكذا هناك فرق بين تسلسل الآثار وتسلسل المؤثرات
    ويا ليت شعري لو رأينا نقوشاً على جدار قديم سنوقن أنه قد كتبه بشر

    ولو وجدنا آلات حرب عملاقة فلن نشك أن هناك عمالقة استخدموها

    والأهرامات لا يختلف الناس أن هناك من بناها ولم يقل أحد أنها تكونت صدفة عبر مليارات السنين

    هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    http://alkulify.blogspot.com/2017/04/blog-post_40.html


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبدالعظيم مشاهدة المشاركة
    قال شيخ الاسلام - روى الثعلبى فى تفسيره باسناده عن جعفر بن محمد الصادق رضى الله عنه انه سئل عن قوله تعالى - افحسبتم انما خلقناكم عبثا - لِمَ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّ اللَّهَ كَانَ مُحْسِنًا بِمَا لَمْ يَزَلْ فِيمَا لَمْ يَزَلْ إلَى مَا لَمْ يَزَلْ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُفِيضَ إحْسَانَهُ إلَى خَلْقِهِ وَكَانَ غَنِيًّا عَنْهُمْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ لِجَرِّ مَنْفَعَةٍ وَلَا لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ وَلَكِنْ خَلَقَهُمْ وَأَحْسَنَ إلَيْهِمْ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ الرُّسُلَ حَتَّى يَفْصِلُوا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَمَنْ أَحْسَنَ كَافَأَهُ بِالْجَنَّةِ وَمَنْ عَصَى كَافَأَهُ بِالنَّارِ .اهـ

    قول الإمام أحمد بن محمد بن حنبل : قال في رده على الجهمية ص34 : وقلنا للجهمية من القائل يوم القيامة : يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ، أليس الله هو القائل ؟ قالوا : فيكون الله شيئاً فيعبر عن الله ، كما يكون شيئاً فعبر لموسى . قلنا : فمن القائل: ﴿فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين () فلنقصن عليهم بعلم﴾، أليس الله هو الذي يسأل ؟ قالوا هذا كله إنما يكون شيئاً فيعبر عن الله . فقلنا قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم . فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله ، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان فلما ظهرت عليه الحجة قال : إن الله يتكلم ولكن كلامه مخلوق . قلنا : وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق ، فقد شبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق . ففي مذهبكم قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم ، وكذلك بنو آدم كانوا ولا يتكلمون حتى خلق الله لهم كلاماً . فقد جمعتم بين كفر وتشبيه ، فتعالى الله عن هذه الصفة ، بل نقول : إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء ، ولا تقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق الكلام.اهـ.
    قول إمام أهل السنة ابن المبارك :
    قال شيخ الإسلام: كان القول الصحيح قول أهل الحديث الذين يقولون : لم يزل متكلما إذا شاء كما قاله ابن المبارك. اهـ (منهاج: 2/66) أو 2/383).
    قول الإمام البخاري ونعيم بن حماد : قال البخاري في كتابه خلق أفعال العباد ص107 : ولقد بين نعيم بن حماد أن كلام الرب ليس بخلق وأن العرب لا تعرف الحى من الميت إلا بالفعل ، فمن كان له فعل فهو حي ومن لم يكن له فعل فهو ميت ، وأن أفعال العباد مخلوقة ، فضيق عليه حتى مضى لسبيله ، وتوجع أهل العلم لما نزل به، وفي اتفاق المسلمين دليل على أن نعيماً ومن نحا نحوه ليس بمفارق ولا مبتدع ، بل البدع والرئيس بالجهل بغيرهم أولى.اهـ.
    وهو قول الإمام عثمان الدارمي بل قول اهل الحديث أهل الأثر أهل السنة والجماعة فالمنكر على ابن تيمية ينكر على أئمة الإسلام وجعل قوله من الفلسفة فلسفة بنفسها، ابن تيمية ينقل من كتبهم قولهم فكيف ننكر عليه بل نشنع عليه ونخطئه ونجعل ما ينقله فلسفة بل والله من ينكر ما يقوله شيخ الإسلام ويجعل قوله فلسفة هو أحق بهذا الوصف وما قررناه فيما سبق يقول فيه شيخ الإسلام رحمة الله على هذا الإمام رحمة واسعة : حينئذ فالأزلي مستلزم لنوع الحوادث لا لحادث معين فلا يلزم قدم جميع الحوادث ولا حدوث جميعها بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها كما يقول أئمة أهل السنة منكم : إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء ويقولون : إن الفعل من لوازم الحياة والرب لم يزل حيا فلم يزل فعالا. وهذا معروف من قول أئمتكم كأحمد بن حنبل والبخاري صاحب الصحيح ونعيم بن حماد الخزاعي وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم ممن قبلهم مثل ابن عباس وجعفر الصادق وغيرهما ومن بعدهم اهـ (منهاج: 1/216).

    قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (18/ ص227-228) : وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ فَلَمْ يَعْرِفُوا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَلَمْ يُمَيِّزُوا فِي الْمَعْقُولَاتِ بَيْنَ الْمُشْتَبِهَات ِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَقْلَ يُفَرِّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ مُتَكَلِّمًا بِشَيْءِ بَعْدَ شَيْءٍ دَائِمًا وَكَوْنِ الْفَاعِلِ يَفْعَلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ دَائِمًا وَبَيْنَ آحَادِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ فَيَقُولُ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْعَالِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْفَاعِلِ وَأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ وَيَمْتَنِعُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمُعَيَّنِ مَعَ الْفَاعِلِ أَزَلًا وَأَبَدًا وَأَمَّا كَوْنُ الْفَاعِلِ لَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ فِعْلًا بَعْدَ فِعْلٍ فَهَذَا مِنْ كَمَالِ الْفَاعِلِ فَإِذَا كَانَ الْفَاعِلُ حَيًّا وَقِيلَ : إنَّ الْحَيَاةَ مُسْتَلْزِمَةٌ الْفِعْلَ وَالْحَرَكَةَ كَمَا قَالَ ذَلِكَ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَالدَّارِمِي وَغَيْرِهِمَا وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَبِمَا شَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ : كَانَ كَوْنُهُ مُتَكَلِّمًا أَوْ فَاعِلًا مِنْ لَوَازِمِ حَيَاتِهِ وَحَيَاتُهُ لَازِمَةٌ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا فَعَّالًا ؛ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْحَيَّ يَتَكَلَّمُ وَيَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ وُجُودَ كَلَامٍ بَعْدَ كَلَامٍ وَفِعْلٍ بَعْدَ فِعْلٍ فَالْفَاعِلُ يَتَقَدَّمُ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ وَلَا نَقُولُ : إنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَلَا قُدْرَةَ حَتَّى خُلِقَ لَهُ قُدْرَةٌ وَاَلَّذِي لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ هُوَ عَاجِزٌ وَلَكِنْ نَقُولُ : لَمْ يَزَلْ اللَّهُ عَالِمًا قَادِرًا مَالِكًا لَا شِبْهَ لَهُ وَلَا كَيْفَ . فَلَيْسَ مَعَ اللَّهِ شَيْءٌ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ قَدِيمٌ مَعَهُ . لَا بَلْ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ لَهُ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ قُدِّرَ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ خَالِقًا فَعَّالًا . اهـ .
    المبحث الثامن الأدلة من العقل:
    والعقل لا يمنع ما تقرر عندنا لمن تأمل وجعله الله على بصيرة بل العقل يدل على ذلك لما ذكر بل نقول : أن الفعل لازم من لوازم الحياة فكل حي فهو فعال والله حي فهو فعال وحياته لا تنفك عنه أبداً وأزلاً فيمتنع حدوث الفعل له بعد أن لم يكن فيجب دوامه أبداً وأزلاً.
    ويقال لهم : هل يمكن أن يخلق الله مذ كان هو الخالق؟ فإن قالوا : نعم يمكن ذلك فقد قالوا بحوادث لا أول لها وذلك أنه لا فرق عند العقلاء بين إمكانها وبين وقوعها وحدوثها فعلا فإنه إذا أمكن ذلك فلا نستطيع نفي وقوعه. راجح كلام ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية: 114).
    وكذا الفطرة تدل على ذلك فأننا نسمع الناس في دعائهم واستغاثتهم وطلبهم الحاجات من الله عز وجل يلهجون بهذه العبارات من قولهم : يا قديم الإحسان ، يا قديم المعروف والسلطان ، يا دائم الجود والامتنان إلى غير ذلك مما يفهم أنهم فطروا على اعتقاد ذلك فطرة دون أن يوصي بعضهم بعضاً بذلك ، أو يعلمه إياه ودون أن ينكر بعضهم على بعض اهـ من شرح هراس على النونية ( 1/170).

    ( هذا كله مستفاد من بحث لأحد الأخوة )

    والآن بعد انتهينا من عدنان إبراهيم لننتقل للمتذاكي الثاني والذي حين ألزم بمنع التسلسل في المؤثرات لإثبات وجود الخالق احتج أن ابن تيمية يقول بالتسلسل ولم يفرق بين تسلسل الحوادث وتسلسل المؤثرات

    وهو صاحب العبارة اللوذعية ( الله عز وجل علمياً غير موجود وفلسفياً موجود عند كثيرين )

    وهو يعني بالعلم البحث التجريبي والبحث التجريبي إنما يتعلق بالمادة الحادثة ولا يقول شيئاً في الماورائيات لهذا عتاة الملاحدة كدوكنز وهاوكنج وساغان لا يجزمون بأن الله غير موجود لأنهم علمويون

    والبحث في الماورائيات بحث فلسفي لا علاقة له بالبحث التجريبي فهل يصلح أن أقول ( الإرادة الحرة علمياً غير موجودة الأخلاق علمياً غير موجودة لأنها غير مرصودة تجريبياً ولا تدخل المختبر )

    هل يصلح أن أذهب لمهندس وأسأله في مسألة طبية ! وأعتبر قوله

    ولنعد لغلطه على الشيخ

    لنفهم أولاً ما هي حجة منع التسلسل في المؤثرات



    يبحث الطبائعيون عن سبب مادي للانفجار الكبير وللضبط الدقيق للكون لكي يهربوا من أمر الإله

    والعجيب أن بعض العلمويين من بني جلدتنا بدأ يتأثر بهم

    وهذا البحث يدل على أنهم إلى الآن لم يستوعبوا حجة اللاهوتيين المبنية على عدة مقدمات

    المقدمة الأولى : أن هذا الكون موجود

    المقدمة الثانية : أنه وجد بعد إن لم يوجد وهذا كان الفلاسفة والمتكلمون يثبتونه بأدلة كثيرة وكان من الناس من يتشكك به مثل الرازي وتوما الأكويني ولكن الفيزيائيين اليوم يقرون مع جماهير اللاهوتيين بحدوث الكون

    المقدمة الثالثة : أن كل شيء له بداية ( يعني حادث ) فلا بد له من سبب مؤثر جعله يبدأ وهذه بديهة السببية والتي يحاول البعض التشكيك بها من خلال الاحتكام للجهل فيما يتعلق ببعض معطيات ميكانيكا الكم التي لم يعرف العلم لها جواباً بعد فجاءت تفسيرات عديدة فاختار القوم أبعد التفاسير عن الحتمية والسببية وقالوا به واختاروه من دون غيره بتحكم والواقع أن ذلك لا ينفي السببية فجهلنا بالسبب لا يعني عدم وجوده وبديهة السببية أحد الأسس التي يقوم عليها العلم يبحث في علل الأشياء وحتى الصدفة هي صورة من صور السببية فهي سبب غير مقصود

    المقدمة الرابعة : أن التسلسل في الأسباب المؤثرة ممتنع لأنه ينبني عليه بطلان المقدمة الأولى وهي كون الشيء موجوداً

    ما معنى هذا الكلام

    لو فرضنا أن هناك جندي يريد أن يطلق رصاصة وكان أمره متوقفاً على أن يأمره من فوقه والذي فوقه هناك فوقه واحد وهكذا إلى ما لا بداية فلن تنطلق الرصاصة أبداً فإذا انطلقت علمنا أن السلسلة انقطعت وأن هناك آمر مؤثر غير متأثر وغير متوقف على غيره

    الكون هو هذه الرصاصة ونحن متأكدون من وجود الكون والكون حادث كهذه الرصاصة التي انطلقت بعد أن لم تكن منطلقة ، فلا بد والحال هذه من مؤثر غير متأثر

    وفي حال الكون هذا المؤثر لكي لا يكون متأثراً وتتنفي في حقه بديهية السببية يجب أن يكون لا بداية له لكي لا يتوقف وجوده على سبب أحدثه ( وهذا يرد على سؤال من خلق الخالق لأنه مغالطة منطقية لأن السؤال عن السبب إنما يكون في الأشياء الحادثة التي لها بداية وأيضاً ينقض هراء ابريق راسل وغيره فإن هذه الأمور ليست تفسيراً لوجودنا )

    إذا فهمت الحجة السابقة بكل حيثياتها تفهم أن البحث عن سبب مادي للانفجار الكبير لن يحل المشكلة أبداً

    لأن هذا السبب المادي إذا كان له بداية وهو قطعاً كذلك فلا بد أن يكون سببه شيء آخر وتنطبق عليه الحجة السابقة

    والذي يقول لا أتصور أن يؤثر الخالق في المخلوق لأن المخلوق مادي ، يقال له وهل تتصور سبب مادي له بداية بلا سبب مؤثر فيه ، أو تتصور سلسلة لا بداية لها من المؤثرات وأنتجت شيئاً هذا أشد امتناعاً من الأول

    وإذا كان المخلوق يؤثر في المخلوق فمن باب أولى الخالق

    وأما قول بعض أهل العلم بأن كل مخلوق قبله مخلوق قبله مخلوق إلى ما لا بداية وكل مخلوق له أول وآخر

    فهذا قول لا ينافي حجتنا الماضية لأنه يقول كل مخلوق إنما أوجد بالخالق ( المؤثر الذي لا يؤثر عليه أحد )

    فهناك فرق بين التسلسل في المؤثرات والتسلسل في المخلوقات التي كلها ترجع إلى مؤثر واحد أو خالق واحد وهو رب العالمين

    حقاً الطبائعيون فلاسفة فاشلون

    فماذا فعل اللوذعي أمام هذه الحجة الخانقة خالف ما يعرف العقلاء كلهم امتناعه من تسلسل المؤثرات وادعى أن ابن تيمية قال بهذا التسلسل خلطاً بين تسلسل المؤثرات وتسلسل الحوادث فما الفرق ؟

    وهما شيئان مختلفان بل يلتقيان تماماً فمنع التسلسل في المؤثرات هو منع تسلسل في الفاعلين وتجويز التسلسل في الحوادث هو تجويز تسلسل في الأفعال

    فكل فعل لله عز وجل قبله فعل قبله فعل إلى ما لا بداية وكل فعل له بداية ونهاية وهذا كاف في كون قانون السببية ينطبق عليه والمؤثر هنا هو الله عز وجل أو نقول الفعال لما يريد سبحانه

    فكلاهما إثبات لقدرة الله عز وجل فمنع التسلسل في المؤثرات إثبات لكمال قيومته وحياته وإثبات التسلسل في القدم والمستقبل ( كما في أفعال أهل الجنة ) إثبات لكمال قدرته وأنه لم يكن معطلاً عن الفعل ثم فعل

    إذا فهمت منع التسلسل في المؤثرات تفهم قول الفلاسفة ( العلة الأولى ) وتفهم أن وجود الله عز وجل ضروري لتفسير وجودنا فلا يصلح قياسه على الخرافات أو اعتقاد إبريق يطير حول الأرض

    وإمعاناً في الحجة ننقل كلام الشيخ نفسه في القول بأن التسلسل في المؤثرات ممتنع عند كل العقلاء

    قال الشيخ في منهاج السنة :" ثُمَّ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ [الْقَدِيمُ] (1) الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ الْقَيُّومُ الْخَالِقُ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ، فَإِنَّهُ إِنِ افْتَقَرَ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَمَفْعُولُهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، لَزِمَ الدَّوْرُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ . وَإِنِ افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ . وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ"
    واحفظها هكذا هناك فرق بين تسلسل الآثار وتسلسل المؤثرات
    ويا ليت شعري لو رأينا نقوشاً على جدار قديم سنوقن أنه قد كتبه بشر

    ولو وجدنا آلات حرب عملاقة فلن نشك أن هناك عمالقة استخدموها

    والأهرامات لا يختلف الناس أن هناك من بناها ولم يقل أحد أنها تكونت صدفة عبر مليارات السنين




    هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    http://alkulify.blogspot.com/2017/04/blog-post_40.html

    بارك الله فيك اخى الفاضل محمد عبدالعظيم

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبدالعظيم مشاهدة المشاركة

    وقوله : (( غفورا )) أبلغ فإنه إذا كان لم يزل غفورا فأولى أنه لم يزل متكلما , وعند الجهمية بل لم يكن متكلما ولا رحيما ولا غفورا , إذا هذا لا يكون إلا بخلق أمور منفصلة عنه فحينئذ كان ذلك.


    ( يا عبادي لو أن
    أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) رواه مسلم


    لكي لا يتشتت الموضوع ركز على اسمه تعالى ( الغفور ) فعلى التقرير الذي نقلته ان اسمه تعالى الغفور و صحة اتصافه بذلك يتوقف على وجود من يغفر له . و ان عدم ذلك ممتنع يتعطل الاسم و الوصف بعدم وجود متعلقه .

    يعني لازم الكلام ان جنس العباد و جنس المغفور لهم قديم يمتنع ان يكون لهم اول ؟

    و الله عز وجل يقول ( يا عبادي لو ان اولكم
    وآخركم ) و هذا نص شرعي يثبت ان للعباد اول و اخر ؟





  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة

    وآخر ؟

    بارك الله فيك اخى الطيبونى - ما معنى آخر

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم )


    و الذنوب التي تتعلق بها المغفرة لها اول

    لذا يصح عند جميع المسلمين السؤال عن اول ذنب عصي الله به ؟

    و على التقرير السابق - لم تزل جنس الذنوب موجودة ليس لها اول ؟ و الا تعطل اسم الله الغفور ؟




  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم )


    و الذنوب التي تتعلق بها المغفرة لها اول

    لذا يصح عند جميع المسلمين السؤال عن اول ذنب عصي الله به ؟

    و على التقرير السابق - لم تزل جنس الذنوب موجودة ليس لها اول ؟ و الا تعطل اسم الله الغفور ؟



    قال بن باز رحمه الله - ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم -‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏]‏، وفي رواية‏:‏ "ثم يستغفرون فيغفر لهم‏" وعزا روايته إلى الإمام أحمد في ‏"‏المسند‏"‏‏- هذا من رحمته وجوده أنه جل وعلا قدر على عباده وجود الخطايا ثم يتوب عليهم سبحانه إذا تابوا إليه.
    فلا ينبغي للعبد أن يقنط معناه: لا تقنط ولا تيئس بل بادر بالتوبة كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] يعني: للتائبين، فهو قدر الذنوب وقدر المغفرة .

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مسألة تسلسل الحوادث

    قال بن رجب رحمه الله -قال صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لجاء الله بخلق جديد حتى يذنبوا فيغفر لهم" وخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم لجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم" وفي حديث أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون ثم يغفر لهم" وفي رواية له أيضا: " لو لم يكن لكم ذنوب يغفرها الله لجاء الله بقوم لهم ذنوب فيغفر لهم" .
    أن لله تعالى حكمة في إلقاء الغفلة على قلوب عباده أحيانا حتى تقع منهم بعض الذنوب فإنه لو استمرت لهم اليقظة التي يكونون عليها في حال سماع الذكر لما وقع منهم ذنب و في إيقاعهم في الذنوب أحيانا فائدتان عظيمتان:
    أحدهما : اعتراف المذنبين بذنوبهم وتقصيرهم في حق مولاهم وتنكيس رؤوس عجبهم وهذا أحب إلى الله من فعل كثير من الطاعات فإن دوام الطاعات قد توجب لصاحبها العجب وفي الحديث: "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو
    أشد من ذلك العجب" قال الحسن: لو أن ابن آدم كلما قال أصاب وكلما عمل أحسن أوشك أن يجن من العجب
    قال بعضهم: ذنب أفتقر به أحب إلي من طاعة أدل بها عليه ، أنين المذنبين أحب إليه من زجل المسبحين لأن زجل المسبحين ربما شابه الإفتخار وأنين المذنبين يزينه الإنكسار والإفتقار.
    في حديث: "إن الله لينفع العبد بالذنب يذنبه" قال الحسن: إن العبد ليعمل الذنب فلا ينساه ولا يزال متخوفا منه حتى يدخل الجنة
    المقصود من زلل المؤمن ندمه ومن تفريط أسفه ومن اعوجاجه تقويمه ومن تأخره تقديمه ومن زلقه في هوة الهوى أن يؤخذ بيده فينجى إلى نجوة النجاة كما قيل:
    قرة عيني لا بد لي منك وإن ... أوحش بيني وبينك الزلل
    قرة عيني أنا الغريق فخذ ... كف غريق عليك يتكل
    الفائدة الثانية: حصول المغفرة والعفو من الله لعبده فإن الله يحب أن يعفو ويغفر ومن أسمائه الغفار والعفو والتواب فلو عصم الخلق فلمن كان العفو والمغفرة ؟ .


    لطائف المعارف - ابن رجب الحنبلي رحمه الله-----

    سئل الشيخ صالح الفوزان :
    السؤال : سمعت حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا أتذكر لفظه بالضبط ولكن معناه‏:‏ إن المسلمين إن لم يذنبوا ويستغفروا لجاء الله بأناس آخرين يذنبون ويستغفرون، فإذا كان هذا الحديث صحيحًا واردًا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما ‏؟‏ وما معناه‏؟‏ وإلى ماذا يشير ويرشد‏؟‏


    الإجابة : أخرج الإمام مسلم في كتاب التوبة من حديث أبي أيوب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ "‏ لولا أنكم تذنبون خلق الله خلقًا يذنبون فيَغفر لهم‏"

    معنى الحديث : أن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يستغفروه وأن يغفر لهم ليظهر بذلك فضله سبحانه وتعالى وآثار صفته الغفار والغفور، وهذا كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ‏}‏ ‏[‏سورة الزمر‏:‏ الآيتين 53، 54‏]‏، الحديث يدل على مسألتين عظيمتين‏:‏

    المسألة الأولى‏:‏ أن الله سبحانه وتعالى عفو يحب العفو، غفور يحب المغفرة‏.‏

    والمسألة الثانية‏:‏ فيه بشارة للتائبين بقبول توبتهم ومغفرة ذنوبهم وألا يقنطوا من رحمة الله ويبقوا على معاصيهم ويصروا عليها، بل عليهم أن يتوبوا ويستغفروا الله سبحانه وتعالى، لأن الله فتح لهم باب الاستغفار وباب التوبة، هذا معنى الحديث‏.‏

    وفي الحديث أيضًا - كسر العجب من الإنسان، وأن الإنسان لا يعجب بنفسه وبعمله؛ لأنه محل للخطأ ومحل للزلل ومحل للنقص، فعليه أن يبادر بالتوبة والاستغفار من تقصيره ومن خطئه ومن زَلَـله، ولا يظن أنه استكمل العبادة أو أنه ليس بحاجة إلى الاستغفار، فهذا فيه الحث على الاستغفار، وأن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يستغفروه ويتوبوا إليه

    وجاء في الحديث ‏"‏كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"‏ ‏ رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏ من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‏، وليس معناه أن الله يحب من عباده أن يذنبوا أو يحب المعاصي، فالله سبحانه وتعالى لا يحب الكفر ولا يرضاه ولا يحب المعاصي، ولكنه يحب من عباده إذا أذنبوا وعصوا أن يتوبوا إليه سبحانه وتعالى وأن يستغفروه،


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •