تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفا

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفا

    قال الامام محمد بن عبد الوهاب
    وأما : ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة، بل أقول ولله الحمد والمنة وبه القوة – إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين، ولست – ولله الحمد – أدعو إلى مذهب صوفي، أو فقيه، أو متكلم، أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم، مثل ابن القيم، والذهبي، وابن كثير، أو غيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم، وأرجو أنّى لا أرد الحق إذا أتاني، بل أُشهد الله وملائكته وجميع خلقه : إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنّها علي الرأس والعين ؛ ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق .
    وصفةُ الأمر : غير خاف عليكم ما درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون وأبتاعهم، والأئمة كالشافعي، وأحمد وأمثالهما ممن أجمع أهل الحق على هدايتهم ؛ وكذلك ما درج عليه من سبقت له من الله الحسنى من أتباعهم .
    وغيرُ خاف عليكم : ما أحدث الناس في دينهم من الحوادث، وما خالفوا في طريق سلفهم، ووجدت المتأخرين أكثرهم قد غيرّ وبدّل، وسادتهم وأئمتهم وأعلمهم وأعبدهم، وأزهدهم، مثل : ابن القيم، والحافظ الذهبي، والحافظ العماد ابن كثير، والحافظ ابن رجب، وقد أشتد نكيرهم على أهل عصرهم، الذين هم خيرٌ من ابن حجر، وصاحب الإقناع، بالإجماع، فإذا استدل عليهم أهل زمانهم بكثرتهم والإطباق على طريقتهم، قالوا : هذا من أكبر الأدلة على أنه باطل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر : أن أمته تسلك مسالك اليهود، والنصارى حذوا القذة بالقذة ( حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه ).
    وقد ذكر الله في كتابه : إنهم فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وأنهم كتبوا الكتاب بأيديهم، وقالوا هذا من عند الله وأنهم تركوا كتاب الله والعمل به، وأقبلوا على ما أحدثه أسلافهم من الكتب، وأخبر أنه وصاهم بالاجتماع وأنهم لم يختلفوا لخفاء الدين بل اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم، ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحين ) (المؤمنون 35) [والزبر : الكتب ]
    فإذا فهم المؤمن، قول الصادق المصدوق لتتبعن سنن من كان قبلكم ” وجعله قِبْلة قلبه، تَبين له أن هذه الآيات وأشباهها، ليست على ما ظن الجاهلون : أنها كانت في قوم كانوا فبانوا، بل يفهم ما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال في هذه الآيات : مضى القوم وما يعنى به غيركم .
    وقد فرض الله على عباده في كل صلاة : أن يسألوه الهداية إلى الصراط المستقيم صراط الذين، أنعم عليهم الذين هم غير الغضوب عليهم، ولا الضالين، فمن عرف دين الإسلام، وما وقع الناس فيه من التغيير له، عرف مقدار هذا الدعاء، وحكمة الله فيه .
    والحاصل : أن صورة المسألة، هل الواجب على كل مسلم أن يطلب علم ما أنزل الله على رسوله، ولا يُعذر أحد في تركه، البتة ؟ أم يجب عليه أن يتبع التحفة مثلا ؟ فاعلم المتأخرين وسادتهم منهم، كابن القيم : قد أنكروا هذا غاية الإنكار ؛ وأنه تغيير لدين الله ؛ واستدلوا على ذلك بما يطول وصفه، من كتاب الله الواضح، ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم البين، لمن نَور الله قلبه، والذين يجيزون ذلك، أو يوجبونه، يُدلون بشبهٍ واهية، لكن أكبر شبههم على الإطلاق : إنا لسنا من أهل ذلك، ولا نقدر عليه، ولا يقدر عليه إلا المجتهد ؛ وإنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون .
    ولأهل العلم في إبطال هذه الشبهة ما يحتمل مجلداً، ومن أوضحه قول الله تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) (التوبة 31) وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بهذا الذي أنتم عليه اليوم، في الأصول، والفروع، لا أعلمهم يزيدون عليكم مثقال حبة خردل، بل يُبين مصداق قوله : ” حذو القذوة بالقذوة ” الخ، وكذلك فسرها المفسرون، لا أعلم بينهم اختلافاً، ومن أحسنه : ما قاله أبو العالية، أما إنهم لم يعبدوهم، ولو أمروهم بذلك ما أطاعوهم، ولكنهم وجدوا كتاب الله، فقالوا : لا نسبق علماءنا بشيء، ما أمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنه انتهينا.
    وهذه رسالة : لا تحتمل إقامة الدليل، ولا جواباً عما يُدلي به المخالف، لكن أعرض عليه من نفسي الإنصاف والانقياد للحق، فإن أردتم الرد على بعلم وعدل، فعندكم كتاب أعلام الموقعين، لابن القيم عند ابن فيروز في مشرفة .
    فقد بَسط الكلام فيه على هذا لأصل بسطاً كثيراً وسرد من شُبه أئمتكم ما لا تعرفون أنتم ولا آباؤكم، وأجاب عنها، واستدل لها بالدلايل الواضحة القاطعة، منها : أمر الله ورسوله عن أمركم هذا بعينه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصفوه من قبل أن يقع، وحذروا الناس منه،
    وأخبروا أنه لا يسير على الدين إلا الواحد بعد الواحد، وأن الإسلام يصير غريباً كما بدأ .
    وقد علمتم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله عمرو بن عبسة في أول الإسلام : من معك على هذا ؟ قال : ” حر وعبد يعنى أبا بكر، وبلالاً، فإذا كان الإسلام يعود كما بدأ، فما أجهل من استدل بكثرة الناس، وأطباقهم، وأشباه هذه الشبهة، التي هي عظيمة عند أهلها، حقيرة عند الله، وعند أولي العلم من خلقه، كما قال تعالى : ( بل قالوا مثل ما قال الأولون ) [المؤمنون:81] فلا أعلم لكم حجة تحتجون بها، إلا وقد ذكر الله في كتابه : أن الكفار استدلوا بها على تكذيب الرسل، مثل أطباق الناس، وطاعة الكبراء، وغير ذلك .
    فمن منَّ الله عليه بمعرفة دين الإسلام، الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف قدر هذه الآيات، والحجج، وحاجة الناس إليها، فإن زعمتم : أن ذكر هؤلاء الأئمة لهذا لمن كان من أهله فقد صرحوا بوجوبه على الأسود والأحمر، والذكر والأنثى، وأنه ما بعد الحق إلا الضلال، وأن قول من قال ذلك صعب مكيدة من الشيطان، كاد بها الناس عن سلوك الصراط المستقيم، الحنيفية ملة إبراهيم ؛ وإن بان لكم أنهم مخطئون، فبينوا لي الحق حتى أرجع إليه، وإنما كتبت لكم هذا معذرة من الله، ودعوة إلى الله، لأحصل ثواب الداعين إلى الله، وإلا أنا أظن أنكم لا تقبلونه، وأنه عندكم من أنكر المنكرات، من أن الذي يعيب هذا عندكم، مثل من يعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
    لكن أنت، من سبب ما أظن فيك من طاعة الله، لا أبعد أن يهديك الله إلى الصراط المستقيم، ويشرح قلبك للإسلام فإذا قرأته : فإن أنكره قلبك فلا عجب فإن العجب ممن تجنى كيف تجنى فإن أصغى إليه قلبك بعض الإصغاء، فعليك بكثرة التضرع إلى الله، والانطراح بين يديه، خصوصاً أوقات الإجابة، كآخر الليل، وأدبار الصلاة، وبعد الأذان .
    وكذلك بالأدعية المأثورة، خصوصاً الذي ورد في الصحيح، أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول :
    اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم فعليك بالإلحاح بهذا الدعاء، بين يدي من يجيب المضطر إذا دعاه، وبالذي هدى إبراهيم لمخالفة الناس كلهم، وقل : يا معلم إبراهيم علمني .
    وإن صعب عليك مخالفة الناس، ففكر في قول الله تعالى : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون، إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً ) [الجاثية :18-19] (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) [الأنعام :116]وتأمل قوله في الصحيح : ” بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ” وقوله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله لا يقبض العلم ” إلى آخره وقوله :” عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ” وقوله:”وإياكم ومحدثات الأمور، فان كل بدعة ضلالة ” والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة أفردت بالتصنيف .
    فإني أحبك، وقد دعوتك لك في صلاتى، واتمنى من قبل هذه المكاتيب أن يهديك الله لدينه القيم، ولا يمنعني من مكاتبتك إلا ظني أنك لاتقبل، وتسلك مسلك الأكثر، ولكن لا مانع لما أعطى الله، والله لا يتعاظم شيئأ أعطاه، وما أحسنك لو تكون في آخر هذا الزمان فاروقا لدين الله كعمر رضى الله عنة في أوله، فانك لو تكون معنا لانتصفنا ممن أغلظ علينا .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم ح

    وأما هذا الخيال الشيطاني : الذي اصطاد به الناس، أن من سلك هذا المسلك، فقد نسب نفسه للاجتهاد، وترك الإقتداء بأهل العلم، وزخرفه بأنواع الزخارف، فليس هذا بكثير من الشيطان وزخارفه، كما قال تعالى ” يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ” [الأنعام:112] فإن الذي أنا عليه، وأدعوكم إليه، هو في الحقيقة الإقتداء بأهل العلم، فإنهم قد وصوا الناس بذلك، ومن أشهرهم كلاما في ذلك، إمامكم الشافعي قال : لابد أن تجدوا عنى ما يخالف الحديث، فكل ما خالفه، فأشهدكم أنى قد رجعت عنه .
    وايضا :أن في مخالفتى هذا العالم لم أخالفه وحدي فإذا اختلفت أنا وشافعي مثلاً في أبوال مأكول الحم وقلت القول بنجاسته يخالف حديث العرنيين، ويخالف حديث أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرابض الغنم فقال هذا الجاهل الظالم: أنت أعلم بالحديث من الشافعي ؟ قلت : أنا لم أخالف الشافع من غير إمام اتبعته، بل اتبعت من هو مثل الشافعي، أو أعلم منه قد خالفه، واستدل بالأحاديث .

    فإذا قال أنت أعلم من الشافعي قلت : أنت أعلم من مالك ؟ وأحمد، فقد عارضته بمثل ما عارضنى به، وسلم الدليل من المعارض واتبعت قول الله تعالى : ” فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ” [النساء:59] “واتبعت من اتبع الدليل في هذه المسألة من أهل العلم لم استدل بالقرآن، أو الحديث وحدي، حتى يتوجه على ما قيل، وهذا على التنزل، وإلا فمعلوم، إن اتباعكم لابن حجر في الحقيقة، ولا تعبؤون بمن خالفه من رسول، أو صاحب، أو تابع، حتى الشافعي نفسه ولا تعبؤون بكلامه إذا خالف نص ابن حجر، وكذلك غيركم : إنما اتباعهم لبعض المتأخرين لا للأئمة .
    فهؤلاء الحنابلة : من أقل الناس بدعة ؛ وأكثر الإقناع، والمنتهى، مخالف لمذهب أحمد ونصه ؛ يعرف ذلك من عرفه ؛ ولا خلاف بيني وبينكم : أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم ؛ وإنما الشأن إذا اختلفوا، هل يجب على أن أقبل الحق ممن جاء به، وأرد المسألة إلى الله والرسول، مقتدياً بأهل العلم ؟ أو انتحل بعضهم من غير حجة ؟ وأزعم أن الصواب في قوله ؟ فأنتم علي هذا الثاني، وهو الذي ذمه الله، وسماه شركاً، وهو اتخاذ العلماء أرباباً؟ وأنا علي الأول، أدعو إليه، وأناظر عليه، فإن كان عندكم حق رجعنا إليه، وقبلناه منكم .
    وإن أردت النظر في أعلام الموقعين، فعليك بالمناظرة في أثنائه، عقدها بين مقلد وصاحب حجة، وإن ألقى في ذهنك : أن ابن القيم مبتدع، وأن الآيات التي استدل بها ليس هذا معناها ؛ فاضرع إلى الله واسأله أن يهديك لما اختلفوا فيه من الحق، وتجرد ناظراً، ومناظراً، واطلب كلام أهل العلم في زمانه، مثل الحافظ الذهبي، وابن كثير، وابن رجب، وغيرهم،

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم ح

    ومما ينسب للذهبي رحمه الله :
    العلم قال الله قال رسوله ** قال الصحابة ليس خلف فيه
    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ** بين الرسول وبين رأي فقيه

    فإن لم تتبع لهؤلاء، فانظر كلام الأئمة قبلهم، كالحافظ البيهقي في كتاب المدخل، والحافظ ابن عبد البر، والخطابي، وأمثالهم ؛ ومن قبلهم، كالشافعي، وابن جرير، وابن قتيبة، وأبى عبيد ؛ فهؤلاء إليهم المرجع في كلام الله، وكلام رسوله، وكلام السلف ؛ وإياك وتفاسير المحرفين للكلم عن مواضعه، وشروحهم، فإنها القاطعة عن الله، وعن دينه .
    وتأمل : ما في كتاب الاعتصام للبخاري، وما قال أهل العلم في شرحه ؛
    وهل يتصور شيء بما صرح مما صح عنه صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق علي أكثر من سبعين فرقة، أخبر أنهم كلهم في النار إلا واحدة، ثم وصف تلك الواحدة أنها التي على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنتم مقرون أنكم على غير طريقتهم، وتقولون ما نقدر عليها، ولا يقدر عليها إلا المجتهد، فجزمتم : أنه لا ينتفع بكلام الله، وكلام رسوله إلا المجتهد ؛ وتقولون : يحرم على غيره أن يطلب الهدى من كلام الله وكلام رسوله وكلام أصحابه ؛ فجزمتم وشهدتم : أنكم على غير طريقتهم، معترفين بالعجز عن ذلك .
    وإذا كنتم مقرين : أن الواجب علي الأولين اتباع كتاب الله، وسنة رسوله، لا يجوز العدول عن ذلك، وأن هذه الكتب، والتي خير منها، لو تحدث في زمن عمر بن الخطاب لفعل بها، وبأهلها أشد الفعل، ولو تحدث في زمن الشافعي وأحمد، لاشتد نكيرهم لذلك، فليت شعري : متى حرم الله هذا الواجب، وأوجب هذا المحرم ؟!
    ولما حدث قليل من هذا، لا يشبه ما أنتم عليه في زمن الإمام أحمد، اشتد إنكاره لذلك ؛ ولما بلغه عن بعض أصحابه : أنه يروي عنه مسائل بخراسان، قال : أشهدكم أني قد رجعت عن ذلك، ولما رأى بعضهم يكتب كلامه : أنكر عليه ؛ وقال : تكتب رأياً لعلي أرجع عنه غداً، اطلب العلم مثل ما طلبنا . ولما سئل عن كتاب أبى ثور؟ قال : كل كتاب ابتدع، فهو بدعة ؛ ومعلوم : أن أبا ثور من كبار أهل العلم ؛ وكان أحمد يثني عليه وكان ينهى الناس عن النظر في كتب أهل العلم الذين يثني عليهم ويعظمهم.
    ولما أخذ بعض أئمة الحديث كتب أبى حنيفة، هجره أحمد، وكتب إليه : إن تركت كتب أبى حنيفة أتيناك تسمعنا كتب ابن المبارك، ولما ذكر له بعض أصحابه : إن هذه الكتب فيها فائدة لمن لا يعرف الكتاب والسنة ؛ قال : إن عرفت الحديث لم تحتج إليها، وإن لم تعرفه لم يحل لك النظر فيها .
    وقال : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأى سفيان، والله يقول : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) [النور:63] قال : أتدرى ما الفتنة : الفتنة الشرك، ومعلوم : أن الثوري عنده غاية، وكان يسميه أمير المؤمنين ؛ فإذا كان هذا كلام أحمد في كتب نتمنى إلا ن أن نراها، فكيف بكتب قد أقر أهلها على أنفسهم أنهم ليسوا من أهل العلم ؟! وشهد عليهم بذلك ،

    ولعل بعضهم مات وهو لا يعرف ما دين الإسلام، الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ؟!
    وشبهتكم التي ألقيت في قلوبكم : أنكم لا تقدرون على فهم كلام الله، ورسوله، والسلف الصالح، وقد قدمنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ” إلى آخره ؛ فتأمل هذه الشبهة، أعنى قولكم : لا نقدر على ذلك ؛ وتأمل ما حكى الله عن اليهود، في قوله : ( وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم ) [البقرة:88] وقوله : ( ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ) [البقرة:99] (إنا جعلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون ) [الزخرف:3]وقوله : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) [القمر:17] .
    واطلب تفاسير هذه الآيات من كتب أهل العلم ؛ واعرف من نزلت فيه ؛ وأعرف الأقوال والأفعال، التي كانت سبباً لنزول هذه الآيات، ثم اعرضها على قولهم : لا نقدر على فهم القرآن، والسنة، تجد مصداق قوله : ” لتتبعن سنن من كان قبلكم ” وما في معناه من الأحاديث الكثيرة، فلتكن قصة إسلام سلمان الفارسي منكم على بال .
    ففيها : أنه لم يكن على دين الرسل إلا الواحد بعد الواحد، حتى إن آخرهم قال عند موته : لا أعلم وجه الأرض أحداً على ما نحن عليه، ولكن قد أظل زمان نبي ،
    واذكر مع هذا قول الله تعالى : ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) [هود:116].
    فحقيق لمن نصح نفسه، وخاف عذاب الآخرة : أن يتأمل ما وصف الله به اليهود في كتابه، خصوصاً ما وصف به علماءهم، ورهبانهم من كتمان الحق، ولبس الحق بالباطل، والصد عن سبيل الله، وما وصفهم الله، أي : علماءهم، من الشرك، والإيمان بالجبت، والطاغوت ؛ وقولهم للذين كفروا : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً، لأنه عرف أن كل ما فعلوا لابد أن تفعله هذه الأمة ، وقد فعلت .
    وإن صعب عليك مخالفة الكبر، أولم يقبل ذهنك هذا الكلام، فأحضر بقلبك : أن كتاب الله أحسن الكتب، وأعظمها بياناً وشفاء لداء الجهل، وأعظمها فرقاً بين الحق والباطل، والله سبحانه قد عرف تفرق عباده، واختلافهم قبل أن يخلقهم، وقد ذكر في كتابه ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة ) [النحل:64]وأحضر قلبك هذه الأصول وما يشابهها في ذهنك، واعرضها على قلبك، فإنه إن شاء الله يؤمن بها على سبيل الإجمال .
    فتأمل قوله : ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ) [لقمان :21] وتكرير هذا الأصل في مواضع كثيرة، وكذلك قوله : ( أتجادلونني في أسماء
    سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان ) [الأعراف:71]
    فكل حجة تحتجون بها، تجدها مبسوطة في القرآن، وبعضها في مواضع كثيرة .
    فأحضر بقلبك : أن الحكيم الذي أنزل كتابه شفاء من الجهل، فارقاً بين الحق والباطل، لا يليق منه أن يقرر هذه الحجج، ويكررها، مع عدم حاجة المسلمين إليها، ويترك الحجج التي يحتاجون إليها، ويعلم أن عباده يفترقون ؛ حاشا أحكم الحاكمين من ذلك .
    ومما يهون عليك مخالفة من مخالف الحق، وإن كان من أعلم الناس وأذكاهم، وأعظمهم جاهاً، ولو اتبعه أكثر الناس : ما وقع في هذه الأمة من افتراقهم في أصول الدين، وصفات الله تعالى؛ وغالب من يدعى المعرفة ؛ وما عليه المتكلمون، وتسميتهم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حشواً، وتشبيهاً، وتجسيماً، مع أنك إذا طالعت في كتاب من كتب الكلام – مع كونه يزعم أن هذا واجب على كل أحد، وهو أصل الدين تجد الكتاب من أوله إلى آخره، لا يستدل على مسألة منه بآية من كتاب الله، ولا حديث عن رسول الله، اللهم إلا أن يذكره ليحرفه عن مواضعه .
    وهم معترفون : أنهم لم يأخذوا أصولهم من الوحي، بل من عقولهم ؛ ومعترفون : أنهم مخالفون للسلف في ذلك، مثل ما ذكر في فتح الباري، في مسألة الإيمان، على قول البخاري : وهو قول وعمل، ويزيد وينقص ؛ فذكر إجماع السلف على ذلك، وذكر عن الشافعي : أنه نقل الإجماع على ذلك، وكذلك ذكر أن البخاري نقله، ثم بعد ذلك حكى كلام المتأخرين، ولم يرده
    فإن نظرت في كتاب التوحيد في آخر الصحيح : فتأمل تلك التراجم، وقرأت في كتب أهل العلم من السلف، ومن أتباعهم من الخلف، ونقلهم الإجماع على وجوب الإيمان بصفات الله تعالى، وتلقيها بالقبول ؛ وأن من جحد شيئاً منها، أو تأول شيئاً من النصوص، فقد افترى على الله، وخالف إجماع أهل العلم ؛ ونقلهم الإجماع : أن علم الكلام بدعة وضلالة، حتى قال أبو عمر بن عبد البر : أجمع أهل العلم في جميع الأعصار والأمصار، أن أهل الكلام أهل بدع، وضلالات، لا يعدون عند الجميع من طبقات العلماء ؛ والكلام في هذا يطول .
    والحاصل : أنهم عمدوا إلى شيء أجمع المسلمون كلهم، بل وأجمع عليه أجهل الخلق بالله عبدة الأوثان، الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فابتدع هؤلاء كلاماً من عند أنفسهم، كابروا به العقول أيضاً، حتى إنكم لا تقدرون تغيرون عوامكم عن فطرتهم، التي فطرهم الله عليها، ثم مع هذا كله تابعهم جمهور من يتكلم في علم هذا الأمر، إلا من سبقت لهم من الله الحسنى ؛ وهم : كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ،
    يبغضونهم الناس، ويرمونهم بالتجسيم .
    هذا : وأهل الكلام واتباعهم، من أحذق الناس، وأفطنهم، حتى إن لهم من الذكاء والحفظ والفهم، ما يحير اللبيب، وهم وأتباعهم : مقرون أنهم مخالفون للسلف، حتى إن أئمة المتكلمين، لما ردوا على الفلاسفة في تأويلهم في آيات الأمر والنهي، مثل قولهم، المراد بالصيام : كتمان أسرارنا ؛ والمراد بالحج : زيارة مشائخنا ؛ والمراد بجبريل : العقل الفعال ؛ وغير ذلك من إفكهم ؛ ردوا عليهم الجواب : بأن هذا التفسير خلاف المعروف بالضرورة من دين الإسلام ؛ فقال لهم الفلاسفة : أنتم جحدتم علوا الله على خلقه، واستواءه على عرشه، مع أنه مذكور في الكتب، على ألسنة الرسل، وقد أجمع عليه المسلمون كلهم، وغيرهم من أهل الملل، فكيف يكون تأويلنا تحريفاً ؟! وتأويلكم صحيحاً ؟!!! فلم يقدر أحد من المتكلمين أن يجيب عن هذا الإيراد .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم ح

    والمراد : أن مذهبهم مع كونه فاسداً في نفسه، مخالفاً للعقول، وهو أيضاً مخالف لدين الإسلام، والكتاب والرسول، وللسلف كلهم، ويذكرون في كتبهم أنهم مخالفون للسلف، ثم مع هذا : راجت بدعتهم على العالم والجاهل، حتى طبقت مشارق الأرض و مغاربها .
    وأنا أدعوك إلى التفكير في هذه المسألة، وذلك : أن السلف قد كثر كلامهم، وتصانيفهم في أصول الدين، وإبطال
    كلام المتكلمين، وتفكيرهم، وممن ذكر هذا من متأخري الشافعية : البيهقي، والبغوي، وإسماعيل التيمي، ومن بعدهم، كالحافظ الذهبي ؛ وأما متقدموهم : كابن سريج، والدار قطني، وغيرهما، فكلهم على هذا الأمر، ففتش في كتب هؤلاء ؛ فإن أتيتني بكلمة واحدة : أن منهم رجلاً واحداً لم ينكر على المتكلمين، ولم يكفرهم، فلا تقبل منى شيئاً أبداً ؛ ومع هذا كله، وظهوره غاية الظهور، راج عليكم حتى ادعيتم أن أهل السنة هم المتكلمون ؛ والله المستعان .

    ومن العجب : أنه يوجد في بلدكم من يفتى الرجل بقول إمام ؛ والثاني بقول آخر ؛ والثالث بخلاف القولين ؛ ويُعد فضيلة، وعلماً وذكاء، ويقال : هذا يفتي في مذهبين، أو أكثر ؛ ومعلوم عند الناس : أن مراده في هذا، العلو والرياء، وأكل أموال الناس بالباطل ؛ فإذا خالفت قول عالم لمن هو أعلم منه، أو مثله إذا كان معه الدليل، ولم آت بشيء من عند نفسي، تكلمتم بهذا الكلام الشديد، فإن سمعتم أني أفتيت بشيء خرجت فيه من إجماع أهل العلم، توجه علي القول .
    وقد بلغني أنكم في هذا الأمر قمتم وقعدتم، فإن كنتم تزعمون أن هذا إنكار للمنكر، فيا ليت قيامكم كان في عظائم في بلدكم تضاد أصلي الإسلام : شهادة أن لا إلَه إلا ّ الله، وأن محمداً رسول الله .
    منها – وهو أعظمها عبادة الأصنام عندكم، من بشر،
    وحجر ؛ هذا يذبح له، وهذا ينذر له ؛ وهذا يطلب إجابة الدعوات وإغاثة اللهفان ؛ وهذا يدعوه المضطر في البر والبحر ؛ وهذا يزعمون أن من التجأ إليه ينفعه في الدنيا والآخرة – ولو عصى الله !
    فإن كنتم تزعمون : أن هذا ليس هو عبادة الأصنام، والأوثان، المذكورة في القرآن، فهذا من العجب ؛ فإني لا أعلم أحداً من أهل العلم يختلف في ذلك، اللهم إلاّ أن يكون أحد وقع فيما وقع فيه اليهود، من إيمانهم بالجبت والطاغوت ؛ وإن ادعيتم : أنكم لا تقدرون على ذلك، فإن لم تقدروا على الكل، قدرتم على البعض ؛ كيف وبعد الذين أنكروا على هذا الأمر، وادعوا انهم من أهل العلم، ملتبسون بالشرك الأكبر، ويدعون إليه، ولو يسمعون إنساناً يجرد التوحيد، لرموه بالكفر والفسوق ؛ ولكن نعوذ بالله من رضى الناس بسخط الله .
    ومنها : ما يفعله كثير من أتباع إبليس، أتباع المنجمين والسحرة والكهان، ممن ينتسب إلى الفقر، وكثير ممن ينتسب إلى العلم من هذه الخوارق التي يوهمون بها الناس، ويشبهون بمعجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء، ومرادهم أكل أموال الناس بالباطل ؛ والصد عن سبيل الله، حتى إن بعض أنواعها يعتقد فيه من يدعى العلم : أنه من العلم الموروث عن الأنبياء، من علم الأسماء، وهو من الجبت والطاغوت، ولكن هذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : ” لتتبعن سنن من كان قبلكم ” .
    ومنها : هذه الحيلة الربوية، التي مثل حلية أصحاب السبت، أو أشد ؛ وأنا ادعوا من خالفني إلى أحد أربع ؛ إما إلى كتاب الله، وأما إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأما إلى إجماع أهل العلم ؛فإن عاند : دعوته إلى المباهلة، كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض، وكما دعا إليها سفيان والأوزاعي، في مسألة رفع اليدين، وغيرهما من أهل العلم ؛ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم ح

    جزاكم الله خيرًا.
    حبذا لو عزوت النقولات للكتب بالصفحة، لسهولة الوصول إليها للمتابعين.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم ح

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرًا.
    حبذا لو عزوت النقولات للكتب بالصفحة، لسهولة الوصول إليها للمتابعين.
    بارك الله فيك اخى أبو البراء محمد علاوة--المصدر : الدرر السّنية فى الأجوبة النجدية المجلد الأول ص 37-رسالة للامام محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف فى وجوب اتباع الدليل و ترك ما خالفه

    ---------رابط الصفحة -http://shamela.ws/browse.php/book-3055/page-35#page-31

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم ح

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك اخى أبو البراء محمد علاوة--المصدر : الدرر السّنية فى الأجوبة النجدية المجلد الأول ص 37-رسالة للامام محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف فى وجوب اتباع الدليل و ترك ما خالفه

    ---------رابط الصفحة -http://shamela.ws/browse.php/book-3055/page-35#page-31
    وفيكم بارك الله، أحسنت، أحسن الله إليك
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم ح


    جزاكم الله خيرا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    أنهم مخالفون للسلف في ذلك، مثل ما ذكر في فتح الباري، في مسألة الإيمان، على قول البخاري : وهو قول وعمل، ويزيد وينقص ؛ فذكر إجماع السلف على ذلك، وذكر عن الشافعي : أنه نقل الإجماع على ذلك، وكذلك ذكر أن البخاري نقله، ثم بعد ذلك حكى كلام المتأخرين، ولم يرده
    فإن نظرت في كتاب التوحيد في آخر الصحيح : فتأمل تلك التراجم، وقرأت في كتب أهل العلم من السلف، ومن أتباعهم من الخلف، ونقلهم الإجماع على وجوب الإيمان بصفات الله تعالى، وتلقيها بالقبول ؛ وأن من جحد شيئاً منها، أو تأول شيئاً من النصوص، فقد افترى على الله، وخالف إجماع أهل العلم ؛ ونقلهم الإجماع : أن علم الكلام بدعة وضلالة، حتى قال أبو عمر بن عبد البر : أجمع أهل العلم في جميع الأعصار والأمصار، أن أهل الكلام أهل بدع، وضلالات، لا يعدون عند الجميع من طبقات العلماء ؛ والكلام في هذا يطول .

    السؤال

    قال واحد من العلماء المسلمين في المدينة التي أسكن بها : إن الإمام ابن حجر ، والإمام النووي مبتدعان ، وساق بعض الأدلة من "فتح الباري" لتبرير رأيه ، وأعطى مثالاً على ذلك بشرح الإمام ابن حجر للمقصود بوجه الله أنه رحمته ، ما رأيكم ؟

    الحمد لله

    أهل السنَّة والجماعة منصفون في الحكم على الآخرين ، لا يرفعون الناس فوق ما يستحقون ، ولا ينقصون قدرهم ، ومن الإنصاف بيان خطأ المخطئ من أهل العلم والفضل ، والتأول له ، والترحم عليه ، كما أن من الإنصاف التحذير من خطئه ؛ لئلا يغتر أحد بمكانته فيقلده فيما أخطأ فيه ، وأهل السنَّة لا يتوانون عن الحكم على المخالف المتعمد للسنَّة بأنه مبتدع ضال .

    وقد وُجد في زماننا هذا من نال من الإمامين ابن حجر والنووي ، فحكم عليهما بأنهم مبتدعة ضالون ! ، وبلغت السفاهة ببعضهم أن قال بوجوب إحراق كتابيهما "فتح الباري" و "شرح مسلم " ! .

    وليس معنى هذا أنهما لم يخطئا في مسائل من الشرع ، وبخاصة في باب صفات الله تعالى ، وقد علَّق عليها علماؤنا ، وبينوها ، وردوا عليهما ، مع الترحم عليهما ، والثناء بما يستحقانه ، والدعاء لهما ، والوصية بالاستفادة من كتبهما ، وهذا هو الإنصاف الذي عُرف به أهل السنَّة والجماعة ، بخلاف من بدَّعهما ، وضلَّلهما ، وقال بإحراق كتبهما ، وبخلاف من استدل بكلامهما كأنه شرع منزَّل ، وجعل ما يعتقدانه هو الحق الذي لا ريب فيه ، وسنذكر ما يتيسر من كلام علمائنا ليقف المسلم على الإنصاف ، والعلم ، والحكم بالعدل على هذين الإمامين .

    1- سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
    ما هو موقفنا من العلماء الذين أوَّلوا في الصفات ، مثل ابن حجر ، والنووي ، وابن الجوزي ، وغيرهم ، هل نعتبرهم من أئمة أهل السنَّة والجماعة أم ماذا ؟ وهل نقول: إنهم أخطأوا في تأويلاتهم ، أم كانوا ضالين في ذلك ؟

    فأجابوا:

    " موقفنا من أبي بكر الباقلاني ، والبيهقي ، وأبي الفرج بن الجوزي ، وأبي زكريا النووي ، وابن حجر ، وأمثالهم ممن تأول بعض صفات الله تعالى ، أو فوَّضوا في أصل معناها : أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم ، فرحمهم الله رحمة واسعة ، وجزاهم عنا خير الجزاء ، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير ، وأنهم أخطأوا فيما تأولوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة رحمهم الله ، سواء تأولوا الصفات الذاتية ، وصفات الأفعال ، أم بعض ذلك .

    وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
    الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن قعود
    "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/241) .

    2- وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
    بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة ، كالأسماء والصفات ، وغيرها ، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة ، فما حكم الترحُّم عليهم ؟ .

    الشيخ : مثل مَن ؟ .

    السائل : مثل : الزمخشري ، والزركشي ، وغيرهما .

    الشيخ : الزركشي في ماذا ؟ .

    السائل : في باب الأسماء والصفات .

    فأجاب:

    "على كل حال ، هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة ، كالمعتزلة مثلاً ، ومنهم الزمخشري ، فالزمخشري مُعتزلي ، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم : حَشَوِية ، مُجَسِّمة ، ويُضَلِّلهم فهو معتزلي ، ولهذا يجب على مَن طالع كتابه "الكشاف" في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات ، لكنه من حيث البلاغة ، والدلالات البلاغية اللغوية جيد ، يُنْتَفع بكتابه كثيراً ، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئاً ،
    لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير ، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع ، لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع ؛ مثل ابن حجر العسقلاني ، والنووي رحمهما الله ، فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تامّاً مطلقاً من كل وجه ، حتى قيل لي : إن بعض الناس يقول : يجب أن يُحْرَقَ " فتح الباري " ؛ لأن ابن حجر أشعري ، وهذا غير صحيح ، فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه ، ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته - ولا أَتَأَلَّى على الله - قد قبلها : ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس ، لدى طلبة العلم ، بل حتى عند العامة ، فالآن كتاب " رياض الصالحين " يُقرأ في كل مجلس , ويُقرأ في كل مسجد ، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً ، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب ، كلٌّ ينتفع به في بيته ، وفي مسجده ، فكيف يقال عن هذين : إنهما مبتِدعان ضالان ، لا يجوز الترحُّم عليهما ، ولا يجوز القراءة في كتبهما ! ويجب إحراق " فتح الباري " ، و " شرح صحيح مسلم " ؟! سبحان الله ! فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال ، وبلسان المقال:

    أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا

    من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان ، إلا أن يشاء الله ، فأنا أقول : غفر الله للنووي ، ولابن حجر العسقلاني ، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين ، وأمِّنوا على ذلك " انتهى .

    "لقاءات الباب المفتوح" (43/السؤال رقم 9) .

    3- وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله :
    لقد ظهر بين طلاب العلم اختلاف في تعريف المبتدع ، فقال بعضهم : هو من قال أو فعل البدعة ، ولو لم تقع عليه الحجة ، ومنهم من قال لابد من إقامة الحجة عليه ، ومنهم من فرَّق بين العالم المجتهد وغيره من الذين أصلوا أصولهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ، وظهر من بعض هذه الأقوال تبديع ابن حجر والنووي ، وعدم الترحم عليهم ؟

    فأجاب :

    " أولاً: لا ينبغي للطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق ؛ لأن ذلك أمر خطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع ، وأيضاً هذا يُحدث العداوة والبغضاء بينهم ، فالواجب عليهم الاشتغال بطلب العلم ، وكف ألسنتهم عما لا فائدة فيه ، بل فيه مضرة عليهم ، وعلى غيرهم .

    ثانياً: البدعة : ما أحدث في الدين مما ليس منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) - رواه البخاري - ، وإذا فعل الشيء المخالف جاهلاً : فإنه يعذر بجهله ، ولا يحكم عليه بأنه مبتدع ، لكن ما عمله يعتبر بدعة .

    ثالثاً: من كان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره ، كابن حجر ، والنووي ، وما قد يقع منهما من تأويل بعض الصفات : لا يُحكم عليه بأنه مبتدع ، ولكن يُقال : هذا الذي حصل منهما خطأ ، ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمة لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما إمامان جليلان ، موثوقان عند أهل العلم " انتهى .
    "المنتقى من
    فتاوى الفوزان" (2/211 ، 212) .

    4- وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :

    " مثل النووي ، وابن حجر العسقلاني ، وأمثالهم ، من الظلم أن يقال عنهم : إنهم من أهل البدع ، أنا أعرف أنهما من " الأشاعرة " ، لكنهما ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنَّة ، وإنما وهِموا ، وظنُّوا أنما ورثوه من العقيدة الأشعرية : ظنوا شيئين اثنين:

    أولاً: أن الإمام الأشعري يقول ذلك ، وهو لا يقول ذلك إلاَّ قديماً ؛ لأنه رجع عنه .

    وثانياً: توهموه صواباً ، وليس بصواب .

    انتهى من (شريط رقم 666) "من هو الكافر ومن هو المبتدع ".

    فرحم الله الإمامين : النووي وابن حجر ، وغفر لهما ما أخطآ فيه .

    والله أعلم



    https://islamqa.info/ar/answers/107645/
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: قال شيخ الاسلام ما ذكر لكم عني، فإني لم آته بجهالة بل أقول إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم ح

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة

    أهل السنَّة والجماعة منصفون في الحكم على الآخرين ، لا يرفعون الناس فوق ما يستحقون ، ولا ينقصون قدرهم ، ومن الإنصاف بيان خطأ المخطئ من أهل العلم والفضل ، والتأول له ، والترحم عليه ، كما أن من الإنصاف التحذير من خطئه ؛ لئلا يغتر أحد بمكانته فيقلده فيما أخطأ فيه
    نعم بارك الله فيك - قال الشيخ صالح ال الشيخ-إذا وقع الزَّللُ في مثلِ هذه المسائل؛ فما الموقف منها؟
    الموقفُ: أنه يُنظرُ إلى مُوافقتِه لنا في أصلِ الدِّينِ، مُوافقتِه للسُّنَّة، نُصرتِه للتَّوحيدِ، نَشرِ العلمِ النَّافِع، ودَعوتِه للهُدى.. ونحوِ ذلك مِن الأصول العامَّة، ويُنصحُ في ذلك، ورُبَّما رُدَّ عليه؛ لكنْ لا يُقدَحُ فيه قَدحًا يُلغيهِ تَمامًا.
    وعلى هذا كان منهجُ أئمَّةِ الدَّعوةِ في هذه المسائلِ -كما هو معروف--قال أيضا الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى رسالتة عندما دخلوا مكة، وبيان ما يطلبون من الناس ويقاتلونهم عليه)-فإنا معاشر غزو الموحدين،-إنا نستعين على فهم كتاب الله، بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا: تفسير ابن جرير، ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذا البغوي، والبيضاوي، والخازن، والحداد، والجلالين، وغيرهم، وعلى فهم الحديث، بشروح الأئمة المبرزين: كالعسقلاني، والقسطلاني، على البخاري، والنووي على مسلم،والمناوي على الجامع الصغير.
    ونحرص على كتب الحديث، خصوصا: الأمهات الست، وشروحها، ونعتني بسائر الكتب، في سائر الفنون، أصولا، وفروعا، وقواعد، وسيرا، ونحوا، وصرفا، وجميع علوم الأمة. ولا نأمر بإتلاف شيء من المؤلفات أصلا، إلا ما اشتمل على ما يوقع الناس في الشرك، كروض الرياحين، أو يحصل بسببه خلل في العقائد، كعلم المنطق، فإنه قد حرمه جمع من العلماء، ...........................
    -
    ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحت ديانته، وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمة، ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة، والتآليف فيها، وإن كان مخطئا في هذه المسألة أو غيرها،............ونعتمد على نقله إذا نقل لأنه من جملة علماء المسلمين.
    هذا ما نحن عليه، مخاطبين من له عقل وعلم، وهو متصف بالإنصاف، خال عن الميل إلى التعصب والاعتساف، ينظر إلى ما يقال، لا إلى من قال،وأما من شأنه لزوم مألوفه وعادته، سواء كان حقا، أو غير حق، فقلد من قال الله فيهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}--عادته وجبلته أن يعرف الحق بالرجال لا الرجال بالحق، فلا نخاطبه وأمثاله إلا بالسيف، حتى يستقيم أوده، ويصح معوجه. وجنود التوحيد - بحمد الله - منصورة وراياتهم بالسعد والإقبال منشورة، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} ، و: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [سورة المائدة آية: 56] . وقال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} ، و {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الروم آية: 47] ، و {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ............وأما ما يكذب علينا - سترا للحق، وتلبيسا على الخلق - بأنا نفسر القرآن برأينا، ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا، من دون مراجعة شرح، ولا معول على شيخ،....وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء، ونتلف مؤلفات أهل المذاهب، لكون فيها الحق والباطل --- جوابنا في كل مسألة من ذلك: سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن روى عنا شيئا من ذلك، أو نسبه إلينا، فقد كذب علينا وافترى.
    ومن شاهد حالنا، وحضر مجالسنا، وتحقق ما عندنا، علم قطعا أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين، وإخوان الشياطين، تنفيرا للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة، وترك أنواع الشرك، الذي نص الله عليه، بأن الله لا يغفره {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}-[باختصار]-رابط الصفحة-(رسالة الشيخ عبد الله آل الشيخ عندما دخلوا مكة، وبيان ما يطلبون من الناس ويقاتلونهم عليه)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •