سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله رحمة واسعة .

وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ . وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِي السِّقَاءِ، فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ، وَالْغَدَ، وَبَعْدَ الْغَدِ، فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَهْرَاقَهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَعَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ; أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ الْخَمْرِ يَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهَا دَاءٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا.


الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالخمر يقول النبي ﷺ: ما أسكر كثيره فقليله حرام وهذه قاعدة كلية ومن جوامع الكلم فكل شيء ثبت أنه يسكر كثيره من شراب أو طعام وجب تركه سواء كانت حشيشة أو غير ذلك فكل ما يسكر وإن كان مطعومًا أو مأكولاً فإنه يكون حرامًا وهكذا الشراب المقصود ما أسكر كثيره يعني كان يسكر من الفرق حرم القليل والكثير سدًا لذريعة الإسكار وحسمًا لمادته وهذا من حكمة الله جل وعلا ومن إحسانه إلى عباده ولهذا في اللفظ الآخر: ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه فهو حرام والمقصود سد باب الشر والحذر منه
ومن هذا الحديث الثاني أن الرسول ﷺ كان ينبذ له الزبيب في السقاء فيشربه اليوم والغد وبعد الغد فإذا كان مساء الثالثة شربه أو سقاه غيره، وإذا فضل شيء أهراقه، فهذا أيضاً من باب سد الذريعة لئلا يشتد وهو لا يشعر لأن من بعد الثلاث قد يسكر، ولهذا كان يشربه أو يسقيه غيره فإن فضل شيء أهراقه؛ حذرًا من أن يبقى فيشتد فيشربه أحد وهو لا يدري.
وفي هذا العمل بالقاعدة المعروفة من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها وهي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: إن الله لم يجعل شفاكم فيما حرم عليكم فما حرمه الله ليس فيه شيء بل كله شر، ويجب على المؤمن أن يحذر ما حرم الله عليه وألا يحتج بقوله: إن هذا دواء فما ثبت تحريمه وجب تركه وعدم استعماله ولو دواء فمن زعم أنه يتداوى بالخمر وجب منعه فالله لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا، ويقول النبي ﷺ: عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام ويقول ﷺ لطارق بن سويد لما صنع الخمر قال: إني أصنعها للدواء لا أصنعها للشرب، فقال له النبي ﷺ: إنها ليست بدواء، ولكنها داء فدل ذلك على أن الخمر محرمة مطلقًا ولو زعم صاحبها أنه يشربها دواء وأنه لا يسكر منها وأنه يصنعها للدواء كل هذه الأقوال باطلة يجب تركها والحذر منها مطلقًا؛ سدًا لأبواب الشر. نعم.

الأسئلة:
س: حكم القات؟
ج: القات محرم؛ لأنه فيه شر عظيم كما ذكر أهل الخبرة فقد يسكر ويضر ضررًا كبيرًا هو والدخان أيضاً.

س: بعد اليوم الثالث حكم شرب أي شراب؟
ج: أقل أحواله الكراهة إذا كان يخشى أنه يسكر، أما إذا كان لا يخشى لأنه معروف فما فيه شيء.

س: الكحول إذا استخدمت للجروح عند الضرورة؟
ج: إنها ليست بدواء ولكنها داء.

س: حتى إذا كانت ضرورة؟
ج: إذا كانت كحولاً فمعناها أنها خمر، معناه مسكر.

س: ما يشربونها أحسن الله إليك يضعونها في الجرح؟
ج: إنما يصنعها للدواء يقول؛ لأنها وسيلة لشربه.

============================== ============================== ================
سماحة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله رحمه واسعة .

قال المصنف :" كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام وهو خمر من أي شيء كان "

الشيخ : كل شراب أسكر، هذه مبتدأ، خبره الجملة المقرونة بالفاء فقليله حرام، وقرن الخبر بالفاء لأنّ المبتدأ يشبه الشّرط في العموم، وجه العموم الذي فيه كل شراب، وقول المؤلف: " كل شراب " هذا على سبيل الأغلبية أن يكون الخمر مشروبا، وإلاّ فقد يكون مأكولا يعجن ويؤكل، وقد يكون معجونا من جهة أخرى بحيث يبل به العجين ويؤكل، يعني يُعجن العجين بماء من الخمر فيأخذه الإنسان لقيمات فيحصل السكر، ولهذا الأحسن أن نقول كلّ ما أسكر كثيره كما جاء في الحديث ( ما أسكر ) سواء كان شرابا أو معجونا أو مطحونا، فكل ما أسكر فإنه حرام، طيب وإذا أسكر كثيره وقليله لا يسكر؟ حرام؟ الكثير ظاهر أنه حرام لأنه مسكر والقليل حرام للحديث ولأنه وسيلة إلى شرب الكثير المسكر، ذريعة إلى شرب الحرام، أو شرب الكثير المسكر فلهذا منع الشرع منه.

قال "وهو حرام " الضمير يعود على أي شيء؟ على المسكر، حرام كيف؟
السائل : ... .
الشيخ : صح،" وهو خمر من أي شيء كان " وهو أي المسكر خمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( كل مسكر خمر ) فهو خمر من أي شيء كان، وما وجه تسميته خمرا؟ بين وجه التسمية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال " الخمر ما خامر العقل " أي غطاه، ومنه سمي خمار المرأة لأنه يغطي رأسها، وعلى هذا فنقول كل ما غطى العقل على سبيل اللذة والطرب فهو خمر من أيّ نوع كان، وإنّما قال من أي نوع كان ردا على من قال إن الخمر لا يكون إلا من العنب فإن هذا القول ضعيف جدا ومردود على قائله لأنّ أفصح من نطق بالضاد محمدا صلّى الله عليه وسلم قال ( كل مسكر خمر ) وما قال من العنب، فكل مسكر من العنب أو الرّطب أو الشعير أو الذرة أو البر أو أي شيء كان فإنه خمر وداخل في التحريم، وهو محرّم بالكتاب والسّنّة وإجماع المسلمين، ما دليله في الكتاب؟ قوله تعالى (( يا أيّها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون )) واضح؟ ما وجه الدّلالة من الآية؟ قوله (( فاجتبوه )) والأًصل في الأمر الوجوب، ولأنّه أضافه إلى الشّيطان فقال (( من عمل الشيطان )) وما كان من عمل الشيطان فإنه حرام لقوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان )) ولأن فيه إثما زائدا على منفعته، والإثم محرم لقوله تعالى (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق ))، فصارت الأدلة على تحريمه من القرآن ثلاثة، التي ذكرناها الآن ثلاثة، كلها تدل على تحريمه.
وأما من السنة، فالسنة فيه صريحة بأنه حرام في عدة أحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم وأن بيعه حرام أيضا كما في حديث جابر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم خطب في مكة عام الفتح وقال ( إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام )، وقال لصاحب الراوية ( إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه )، فما هي الحكمة من تحريمه؟ الحكمة من تحريمه كثيرة، منها قوله تعالى (( رجس من عمل الشيطان )) وكل ذي فطرة سليمة فإنه لا يقبل الرجس من عمل الشيطان، ومنها أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس لقوله (( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ))، ومنها أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة لأن السكران والعياذ بالله إذا سكر غفل وبقي مدة لا يذكر الله ولا يصلي إذا جاء وقت الصلاة لأنه منهي عنها (( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ))، ومنها أنه جماع الإثم أي جامع للإثم كله ومفتاح كلّ شر وهذا أيضا ظاهر، لأنّ الإنسان إذا سكر والعياذ بالله فقد وعيه فقد يقتل نفسه وقد يقتل ابنه وقد يقتل أمّه وقد يزني ببنته والعياذ بالله، وكم من قضايا نسمع عنها أن الرجل إذا سكر قرع بابه وطلب من زوجته أن تمكنه من ابنته، وهذا شيء واقع، يدخل والعياذ بالله سكران ويقول أين البنت؟ وش تبي بها؟ قال أريد أفعل بها والعياذ بالله حتى تفر بها وتغلق عليها الحجرة لئلا يدخل عليها، وقد نشر في إحدى الصحف في البلاد التي ظهر فيها أخيرا غضب الله ونقمته أنّ شابا دخل على أمّه في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وقال لها إنه يريد أن يفعل بها فنهته ووبخته فذهب وأتى بالسكين وقال إن لم تمكنّيني فأنا أقتل نفسي، فأدركها حنان الأم ورحمتها فمكنته من نفسها والعياذ بالله فزنى بأمه فلما كان في الصباح كأنه أحس بأنه فعل هذه الجريمة العظيمة فدخل الحمام ومعه صفيحة من الغاز أو البنزين فصبها على نفسه ثمّ أحرق بنفسه والعياذ بالله، ونشرت الصحيفة صورة هذا الرجل وصورة أمّه، ماذا فعل هذا الرجل؟ زنى بأمّه والعياذ بالله وقتل نفسه ومن تأمّل ما حصل من الشّرور والمفاسد في شرب الخمر عرف بذلك حكمة الله عزّ وجلّ ورحمته بعباده حيث حرم ذلك عليهم. نعم إذن الحكمة تقتضي تحريمه أو لا؟ تقتضي تحريمه، والإنسان العاقل يبعد عنه بعقله دون أن يعرف شرع الله فيه.