الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ

زياد أبو رجائي


ساهون : لاهون ؛ كأنه أراد أنهم يسهون للهوهم عنها ، فإنما استحقوا اللوم لتعرضهم للسهو لقلة تفكرهم فيها ؛ فهم كانوا مرائين في صلاتهم ؛ لأن السهو الذي ليس من فعله لا يستحق العقاب عليه .
وحرف الجر: ( عن ) يختلف بالمعنى عن حرف الجر ( في ) ، لهذا قال أحد السلف (عطاء بن دينار) : " الحمد لله انه قال (عن) ولم يقل (في)" ، وإلا لكانت محاسبتنا عن السهو في الصلاة ولكن الله سبحانه وتعالى أمرنا جبرا لذلك بسجود السهو .
فهذا سلوك المنافقين ، يلهون عن الصلاة بل يقومون كسالى ولا يقيمونها على وجهها, ولا يؤدونها في وقتها. فقد ثبت في الصحيح عن صلاة المنافقين أنهم ينقرونها نقراً( [1] )
( و بديهي جدا أن النائم عن الصلاة أو الناسي لها لا يدخل في كلامنا السابق ، بل هو خاص بالمتعمد للترك ، و أما النائم و الناسي ، فقد أوجد الشارع الحكيم لهما مخرجا ، فأمرهما بالصلاة عند الاستيقاظ أو التذكر ، فإن فعلا تقبل الله صلاتهماو جعلها كفارة لما فاتهما ، و إن تعمدا الترك لأدائها حين الاستيقاظ و التذكركانا آثمين كالمتعمد الذي سبق الكلام عليه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " مننسي صلاة أو نام عنها فليصلها حين يذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك " . أخرجه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه . فقوله : " لا كفارة لها إلا ذلك " أي إلا صلاتها حين التذكر .
فهو نص على أنه إذا لم يصلها حينذاك فلا كفارة لها ، فكيف يكون لمن تعمد إخراجها عن وقتها المعتاد الذي يمتد أكثر من ساعة في أضيق الصلوات وقتا ، و هي صلاة المغرب ، كيف يكون لهذا كفارة أن يصليها متى شاء و هو آثم مجرم !، و لا يكون ذلك : للناسي و النائم و كلاهما غير آثم ؟ ! .
فإن قال قائل : لا نقول إن صلاته إياها قضاء هي كفارة له ، قلنا : فلماذا إذا تأمرونه بالصلاة إن لم تكن كفارة له ، و من أين لكم هذا الأمر ؟ فإن كان من الله و رسوله فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، و إن قلتم : قياسا على النائم و الناسي . قلنا : هذا قياس باطل لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه و هو من أفسد قياس على وجه الأرض . و حديث أنس أوضح دليل على بطلانه إذ قد شرحنا آنفا أنه دليل على أن الكفارة إنما هي صلاتها عند التذكر و أنه إذا لم يصلها حينئذ فليست كفارة ، فمن باب أولى ذاك المتعمد الذي لم يصلها في وقتها المعتاد و هو ذاكر .
فتأمل هذا التحقيق فعسى أن لا تجده في غير هذا المكان على اختصاره ، والله المستعان و هو ولي التوفيق . ) ( [2] )
وقال شيخنا الإمام الألباني :

( والذي ننصح به من كان قد ابتلى بالتهاون بالصلاة و إخراجها عن وقتها عامدا متعمدا ، إنما هو التوبة من ذلك إلى الله تعالى توبة نصوحا ، و أن يلتزم المحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها و مع الجماعة في المسجد ، فإنها من الواجب ، و يكثر مع ذلك من النوافل و لا سيما الرواتب لجبر النقص الذي يصيب صلاة المرء كما و كيفا لقوله صلى الله عليه وسلم :
" أول ما يحاسب به العبد صلاته ، فإن كان أكملها ، و إلا قال الله عز وجل :انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن وجد له تطوع ، قال : أكملوا به الفريضة " .( [3] )

و جملة القول : أن القول بوجوب قضاء الصلاة على من فوتها عن وقتها عمدا مما لا ينهض عليه دليل ، و لذلك لم يقل به جماعة من المحققين مثل أبي محمد بن حزم و العز بن السلام الشافعي و ابن تيمية و ابن القيم و الشوكاني و غيرهم . و لابن القيم رحمه الله تعالى بحث هام ممتع في رسالة " الصلاة " فليراجعها من شاء ، فإن فيها علما غزيرا ، و تحقيقا بالغا لا تجده في موضع آخر .



[1] ) تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا
صحيح مسلم : 195
[2] ) السلسلة الضعيفة – تعليق الشيخ الألباني على حديث رقم : 1257 (" يا علي مثل الذي لا يتم صلاته كمثل حبلى حملت ، فلما دنا نفاسها أسقطت ، فلا هي ذات ولد ، و لا هي ذات حمل . و مثل المصلي كمثل التاجر لا يخلص له ربحه حتى يخلص له رأس ماله ، كذلك المصلي لا تقبل نافلته حتى يؤدي الفريضة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 3/413 ) : ضعيف
و قد شاع الاستدلال بالشطر الأخير منه " المصلي لا تقبل نافلته حتى يؤدي الفريضة " على ما يفتي به كثير من المشايخ من كان مبتلى بترك الصلاة و إخراجها عن وقتها عامدا بوجوب قضائها مكان السنن الراتبة فضلا عن غيرها ، و يقولون : إن الله عز وجل لا يقبل النافلة حتى تصلى الفريضة ! و هذا الحديث مع ضعفه لا يدل على ما ذهبوا إليه لو صح ، إذ إن المقصود به فريضة الوقت مع نافلته ، ففي هذه الحالة لا تقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة ، فلو أنه صلاهما معا كفريضة الظهر و نافلتها مثلا في الوقت مع إتيانه بسائر الشروط و الأركان ، كانت النافلة مقبولة كالفريضة ، و لو أنه كان قد ترك صلاة أو أكثر عمدا فيما مضى من الزمان .
فمثل هذه الصلاة لا مجال لتداركها و قضائها ، لأنها إذا صليت في غير وقتها فهو كمن صلاها قبل وقتها و لا فرق ، و من العجائب أن العلماء جميعا متفقون على أن الوقت للصلاة شرط من شروط صحتها ، و مع ذلك فقد وجد من قال في المقلدين يسوغ بذلك القول بوجوب القضاء : المسلم مأمور بشيئين : الأول الصلاة ، و الآخر وقتها ، فإذا فاته هذا بقي عليه الصلاة ! و هذا الكلام لو صح أولو كان يدري قائله ما يعني لزم منه أن الوقت للصلاة ليس شرطا ، و إنما هو فرض ، و بمعنى آخر هو شرط كمال ، و ليس شرط صحة ، فهل يقول بهذا عالم ؟ !
[3] ) أخرجه أبو داود و النسائي و الحاكم و صححه ، و وافقه الذهبي ، و هو مخرج في "صحيح أبي داود " رقم ( 810 - 812 ) .