تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني

    ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني

    الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
    قال تعالى عن أهل الكتاب : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}.
    يذكر الله -عزَ وجلَّ- أن من أهل الكتاب من هو أميٌّ لا يفقه شيئاً من الكتاب، ولا يعلم من كتابهم إلا التلاوة .
    ومعرفتهم بكتابهم إنما هي ظنون وأوهام، بسبب تحريف أحبارهم ورهبانهم.
    وقد اختلف السلف في المراد بالأماني .
    فمنهم من قال : الأماني : التلاوة بلا فهم ، فهم لا يعلمون فقه الكتاب إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم ولا يحسنون قراءة الكتاب و لا كتابته إلا أماني ؛ إلا ما يحدثهم به علماؤهم
    فهذا القول على الوجهين في الاستثناء في الآية :
    قال تعالى: {لا يعلمون الكتاب} لم يقل لا يقرؤون ولا يسمعون ، ثم قال: {إلا أماني} و هذا استثناء منقطع ، لكن يعلمون أماني ؛ إما بقراءتهم لها ، و إما بسماعهم قراءة غيرهم .
    و إن جعل الاستثناء متصلاً كان التقدير : لا يعلمون الكتاب إلا علم أماني لا علم فهم بل تلاوة فقط بلا فهم ، والأماني جمع أمنية ، و هي التلاوة ، و منه قوله تعالى : {و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته و الله عليم حكيم}.
    ومنهم من قال: الأكاذيب المفتعلة فتكون الأماني : الأشياء التي كتبها علماؤهم من قِبَلِ أنفسهم ثم أضافوها إلى الله ؛ من تغيير صفة محمد صلى الله عليه و سلم.
    ومنهم من قال : الأماني : يتمنون على الله الباطل و الكذب ، كقولهم: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، و قولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري ، و قولهم : نحن أبناء الله و أحباؤه .
    وكلا القولين الأخيرين [الثاني والثالث] ضعيف والصواب القول الأول .
    لأنه سبحانه قال: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} و هذا الاستثناء ؛ إما أن يكون متصلا ، أو منقطعاً :
    فإن كان متصلاً لم يجز استثناء الكذب ولا أماني القلب من الكتاب لأن الكتاب حق من عند الله .
    و إن كان منقطعاً فالاستثناء المنقطع إنما يكون فيما كان نظير المذكور و شبيها له من بعض الوجوه ، فهو من جنسه الذي لم يذكر في اللفظ ، ليس من جنس المذكور ، و لهذا لا يصلح المنقطع حيث يصلح الاستثناء المفرغ [وهو الجملة الاستثنائية المنفية والتي لم يذكر فيها المستثنى منه] ، و ذلك كقوله: {لا يذوقون فيها الموت} ثم قال: {إلا الموتة الأولى} فهذا منقطع ، لأنه يحسن أن يقال: لا يذوقون إلا الموتة الأولى .
    فهنا لما قال: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني} يحسن أن يقال: لا يعلمونه إلا أماني ، فإنهم يعلمونه تلاوة يقرؤونها ويسمعونها ، ولا يحسن أن يقال: لا يعلمون إلا ما تتمناه قلوبهم ، أو لا يعلمون إلا الكذب ، فإنهم كانوا يعلمون ما هو صدق أيضاً ، فليس كل ما علموه من علمائهم كان كذباً ، بخلاف الذي لا يعقل معنى الكتاب فإنه لا يعلم إلا تلاوة .
    إلى غير ذلك من الدلالات على صحة القول الأول وضعف القولين الآخرين.
    وهذا القول الراجح قاله : ابن عباس وقتادة وابن السائب وأبو روق وأبو عبيدة والكسائي والزجاج وغيرهم ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رضي الله عنه- .
    وللاستزادة : انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية(17/434-444) .

    الحثُّ على تدبر كتاب الله ، والتحذير من هجرانه
    وفي هذه الآية تحذير من رب العزة والجلال لهذه الأمة أن يكونوا مثل أولئك، وحَثٌّ لهم على تدبر كتاب الله -عزَ وجلَّ- .
    وقد جاءت آيات عديدة تحث على تدبر كتاب الله وفهمه .
    قال تعالى مبيناً أنه أنزل كتابه للتدبر والتفكر في معانيه : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} سورة ص(آية/29).
    وقال تعالى في سورة الأنعام: { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.
    وقال تعالى في سورة النساء : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}
    وقال تعالى في سورة محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- منكراً على من لم يتدبر كتابه : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
    وترك تدبر القرآن من أنواع الهجر التي وردت في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} سورة الفرقان(آية/30).
    قال ابن القيم -رحمهُ اللهُ- في كتابه الفوائد(ص/82) :
    "هجر القرآن أنواع:
    أحدها: هجرُ سماعِهِ، والإيمانِ به، والإصغاءِ إليه.
    والثاني: هجرُ العملِ به، والوقوفِ عند حلاله وحرامه، وإنْ قرأه وآمن به.
    والثالث: هجرُ تحكيمِهِ، والتَّحاكمِ إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقادُ أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
    والرابع: هجرُ تدبُّرِه، وتفهُّمِهِ، ومعرفةِ ما أراد المتكلم به منه.
    والخامس: هجرُ الاستشفاء والتَّداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التَّداوي به.
    وكل هذا داخل في قوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} ، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض".

    والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد
    كتبه: أبو عمر أسامة العتيبي

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. افتراضي رد: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •