قال ابن رشد: (والصواب ألا يصار لاستثناء أحد العمومين بأحد الخصوصين إلا بدليل، فإن عسر ذلك فبالنظر في ترجيح العمومات والخصوصات، وترجيح تأكيد الأوامر بها.
والقول في تفصيل ذلك يطول، ولكن معرفة ذلك بإيجاز: أنه إن كانت الأوامر قوتها واحدة والعمومات والخصوصات قوتها واحدة، ولم يكن هناك دليل على أيٍّ يستثنى من أيٍّ وقع التمانع ضرورة، وهذا يقل وجوده وإن لم يكن؛ فوجه الترجيح في العمومات والخصوصات الواقعة في أمثال هذه المواضع هو النظر إلى جميع أقسام النسب الواقعة بين الخصوصين والعمومين،
وهي أربع:
عمومان في مرتبة واحدة من القوة، وخصوصان في مرتبة واحدة من القوة، فهذا لا يصار لاستثناء أحدهما إلا بدليل.
الثاني: مقابل هذا، وهو خصوص في نهاية القوة، وعموم في نهاية الضعف، فهذا يجب أن يصار إليه ولا بد -أعني أن يستثنى من العموم الخصوص-.
الثالث: خصوصان في مرتبة واحدة، وأحد العمومين أضعف من الثاني، فهذا ينبغي أن يخصص فيه العموم الضعيف.
الرابع: عمومان في مرتبة واحدة، وأحد الخصوصين أقوى من الثاني، فهذا يجب أن يكون الحكم فيه للخصوص القوي، وهذا كله إذا تساوت الأوامر فيها في مفهوم التأكيد، فإن اختلفت حدثت من ذلك تراكيب مختلفة، ووجبت المقايسة أيضًا بين قوة الألفاظ وقوة الأوامر، ولعسر انضباط هذه الأشياء قيل: إن كل مجتهد مصيب، أو أقل ذلك غير مأثوم). [بداية المجتهد: (1/ 288 - 289)].