تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 14 من 15 الأولىالأولى ... 456789101112131415 الأخيرةالأخيرة
النتائج 261 إلى 280 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #261
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 74 الى صــــــــ
    80

    الحلقة (261)





    مبحث أحكام غير السارق
    - غير السارق كالخائن والغصب وغيرهما فإنه يقابل رب المال وجها لوجه غايته أنه خدعه أو عشه أو أخذ منه المال بقوته على مرأى من الناس وكل هؤلاء يمكن اتقاء شرهم والضرب على ايديهم قبل ان يستفحل امرهم فهذا ترك الشارع أمر تأديبهم للحاكم كي يعزرهم بما يراه زاجرا لهم بحسب ما يناسب البيئة ويتفق مع نظام الأمن العام . على أن الحوادث التي من هذا القبيل قد يتفاوت سببها وقد تكون عظيمة وحقيرة فيجب أن يترك تقدير عقوبتها للحاكم ليقدر لها مل يناسبها بخلاف السرقة فإنها جناية ترتكب في الخفاء وآثارها المترتبة عليها لا تختلف غالبا فهي تهدد الناس في كل زمان ومكان
    ******************************
    مبحث المخالفات المالية
    - ومثل الخيانة والغصب سائر المخالفات المالية فإنه لا يمكن ضبط عقوبة مضطردة لها لأن آثارها تختلف اختلافا كبيرا ( 1 ) مثلا شخص بذر ماله في المباحات والزخارف حتى نفد ماله فإن عمله هذا في نظر الشريعة الإسلامية لا يجوز ولكن ضرره يختلف فإذا كان في بيئة صالحة مستقيمة بحيث لا يتأثر به أحد كان الضرر مقصورا عليه وحده اما إذا كان في بيئة سريعة التقليد فإن ضرر عمله يتعداه للغير فيكون قدوة سيئة ولذا يجب أن يترك تقدير تأديبه للحاكم .
    ولذا ولذا قال بعض الأئمة : إذا كان بذر ماله في مباح فإن ذلك التبذير لا يوجب الحجر عليه ولكن الجمهور يقولون : إن التبذير لا يوجب الحجر والحجر نوع من أنواع التعزير فإن فيه اعلانا بأن الرجل لا يحسن التصرف ولا يوثق له في باب الأموال وذلك توبيخ مستمر لا يرضاه عاقل . أما التبذير في الشهوات المحرمة فإنه يوجب الحجر باتفاق
    -------------------------------------
    ( 1 ) ( المختلس
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن جاحد العارية يقطع إذا بلغت قيمة ذلك نصابان وذلك لأن جعل العارية عنده كجعلها في حرز بجامع أنه استأمنه على حفظها فكان جحده لها كفتح الحرز وأخذها لاسيما ما ورد في الحديث من أنها ضمونة ولما روي ( أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده . فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بقطعها ) . الحنفية قالوا : من استعار شيئا من غيره ولما طلبه صاحبه أنكر المال ولم يرده وكانت قيمته نصابا أو أكثر وثبت ذلك عليه . فلا قطع عليه وذلك لأن المعتبر هو المفرط في إعارة من لا يؤمن منه الجحد فما استأمنه أولا كان من المعروف عدم قطعه ثانيا إذا عرضت له الخيانة ولأن الحرز قاصر هنا لأنه قد كان في يد الخائن وحرزه لا حرز المالك على الخلوص وذلك حرزه وإن كان حرز المالك فإنه أحرزه بإيداعه عنده لكنه حرز مأذون للسارق في دخوله
    وقد أجاب الحنفية عن حديث السيدة عائشة رضي الله عنها الذي احتج به الأئمة الثلاثة في وجوب القطع على الخائن والخائنة بأن القطع الذي حدث كان عن سرقة لا عن جحد عارية أو خيانة بعد أن كانت المرأة متصفة مشهورة بجحد العارية فعرفتها عائشة بوصفها المشهور فالمعنى أن امرأة كان وصفها جحد العارية فسرقت فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بقطعها بدليل أن في قصتها أن أسامة بن زيد شفع فيها الحديث إلى أن قال : فقام عليه الصلاة السلام خطيبا فقال : ( إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه واذاسرق فيهم الضعيف قطعوه ) وهذا بناء على أنها حادثة واحدة لا مرأة واحدة لأن الصل عدم التعدد وللجمع بين الحديثين خصوصا وقد تلقت المة الحديث الآخر بالقبول والعمل به فو فرض انها لم تسرق كان حديث جابر مقدما ويحمل القطع بجحد المتاع وأخرى بالسرقة يحمل على نسخ القطع بالعارية بما قلنا فقد روي في سنن أربعة من حديث جابر عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( ليس على خائن ولا متهب ولا مختلس قطع ) رواه الخمسة وقال الترمذي : حديث حسن صحيح وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن
    جاحد الوديعة
    الحنفية والشافعية والمالكية قالوا : إن جاحد الوديعة لا يقطع ولو ثبت ذلك عليه وكان المال المودع نصابا فأكثر وذلك لأن المودع هو المفرط في إيداع ماله لمن لا يحفظهن ويرده إليه سالما واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق والجاحد للوديعة ليس بسارق . الحنابلة وإسحاق وزفر والخوارج قالوا : يجب أن يقام حد السرقة على جاحد العارية ويعقطع لأنهم لم يشترطوا في القطع ان يكون من حرز ولأن جاحد الوديعة داخل في اسم السرقة لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما بخلاف المختلس والمنتهب كما قال أبن القيم رحمه الله تعالى . واستدلوا على مذهبهم بما روي عن أبن عمر قال : ( كانت مخزومية تستعير المتعاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بقطع يدها ) رواه أحمد والنسائي وأبو داود
    وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن الجحد للعارية وإن كان مرويا فيها عن طريق عائشة وجابر وأبن عمر وغيرهم لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة وفي رواية من حديث أبن مسعود ( أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أخرجه أبن ماجة والحاكم وصححه ( ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا ) قالوا : والجمع ممكن بأن يكون الحلي في القطيفة فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرقة فذكر الجحد للعارية لا يدل على أن القطع كان له فقط ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بها ويمكن أن يجاب بأن النبي صلى الله عليه و سلم نزل ذلك الجحد منزلة السرقة فيكون دليلا لمن قال : أنه يصدق اسم السرقة على جحد الوديعة
    قال الشوكاني : ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد كما يعشر به قوله في حديث أبن عمر بعد وصف القصة فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بقطع يدها ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت فالحق : قطع جاحد الوديعة ويكون ذلك مخصصا للأدلة الدالة على اعتبار الحرز ووجهه أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية فو علم المعير أن المستعير إذا جحد العرية لا شيء عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع . اه
    المنتهب والخائن
    الحنفية والمالكية واشافعية قالوا : لا يقطع المنتهب لأنه مجاهر بقعله والخائن لقصور في الحرز والمختلس لأنه ليس بسارق والعرب أطلقت عليه أسما آخرغير اسم ( السارق ) والآية والأحاديث نصت على أن القطع على السارق فلا يقاس عليه غيره والمراد بالخائن وهو من يأخذ المال خفية ويظهر النصح للمالك والمتهب : هو من ينتهب المال على جهة القهر والغلبة وأما المختلس فهو الذي سلب المال على طريقة الخلسة وقال في النهاية : هو من يأخذ المال سلبا ومكابرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ليس على المختلس ولا على الخائن قطع )
    الحنابلة والإمام زفر قالوا : أنه يجب القطع على المختلس والمنتهب والخائن لعدم اعبارهم الحرز ولأنه نوع من السرقة وأرى أن الاختلاسات في هذا العصر من الوزارات والشركاتق قد تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات فيجب إقامة الحد على هؤلاء فقد نشرت الجرائد أن أحد الموظفين اختلس 2 مليون جنيه في سنة واحدة . فيجب الضرب بشدة على أيدي هؤلاء حتى تحمي أموال الدولة
    إذا تغير الشيء المسروق
    اتفق الأئمة على أنه إذا سرق انسان عينا عبثا فقطع فيها ثم ردها إلى مالكها بأن كانت قائمة ثم تغيرت عن حالتها مثل أن يكون المسروق الذي قطع به غزلا ثم نسج أو قطنا فاصبح غزلا ثم عاد فسرقه ثانية فإنه يقطع فيه لأن العين قد تبدلت ولهذا يملكه الغاصب ويجب عليه ضمان قيمته ولأن العين إذا تبدلت انتفت الشبهة الناشئة من اتحاد المحل والقطع
    سرقة ما ليس بمال
    واتفق الآئمة على أنه إذا سرق خمرا أو خنزيرا أو كلبا ( ولو مقتنى للحراسة ) أو جلد ميتة بلا دبغ فلا يجب القطع لأن هذه الأشياء ليست بمال فإن بلغ إناء الخمر نصابا قطع به وكذلك إن شارك السارق غير مكلف كصبي ومجنون ومن سكر بحلال فلا قطع لغير المكلف وكيذلك إن شاركه والد صاحب المال فلا قطع لدخوله مع ذي شبهة قوية ولا قطع على من سرق أضحية ذبحت وهي تساوي نصابا لخروجها لله بالذبح وكذلك الهدي في الحج أما لو سرقت قبل الذبح فإنه يقطع سارقها كما لو سرق قدر نصاب من لحمها أو جلدها الذي ملكه الفقير بصدقة فيقطع وإذا ملكه السارق بإرث أو شراء قبل إخراجه من الحرز أو نقص عن مقدار نصاب بأكل وغيره لم يقطع بسرقته
    إذا ادعى السارق أنه ملكه
    المالكية - قالوا : إن السارق إذا ادعى أن المسروق من الحرز ملكه بعد قيام بينة على أنه سرق نصابا من حرز قطع بكل حال ولا تقبل دعواه المك لقوة التهمة وغلبنة الكذب على مثل السارق وهروبه مما يوجب قطع يده أو رجله وضعف إيمانه
    الحنفية والشافعية والحنابلة في احدى رواياتهم قالوا : أنه لا يقطع وسماه الإمام الشافعي السارق الفقيه لأن قوله : هذا ملكي يحتمل الصدق وهو شبهة يدرأ بها الحد وإن لم يقم بينة
    الحنابلة في أحدى رواياتهم قالوا : إنه لا يقطع وفي الرواية الأخرى : إنه يقبل قوله إذا لم يكن معروفا بالسرقة ويسقط عنه القطع وإن كان معروفا بالسرقة قطع وهو الرجح لئلا يتخذ الناس ذلك دريعة لدفع الحد عنهم . واتفقوا : على أنه إذا ابتلع السارق في الحرز مالا لا يفسد بالابتلاع كالجواهر قدر نصاب ثم خرج فإنه يقطع به . أما إذا ابتلع شيئا يتلف بالابتلاع كاللحم والعنب ما يساوي نصابا فلا قطع عليه بل يجب عليه الضمان فقط وإذا أتلف شيئا في الحرز بحرق أو كسر فإنه يضمنه أما إذا أخرجه سالما ثم تلف المال بعد الخروج من الحرز فإنه يقطع به وإذا أشار إلى حيوان بعلف ونحوه فخرج من الحرز إليه ثم سرقه فإنه يقطع به لأنه خرج من الحرز بعمله
    السرقة من الغنيمة وبيت المال
    الحنفية قالوا :
    إن السارق من المغنم لا يقطع لأن له قيه نصيبا وهو مأثور عن الإمام علي كرم الله وجهه وbه درأ وتعليلا رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبر الثوري رحمه الله تعالى عن سمالك بن حرب عن أبي عبيدة بن الأبرص وهو زيد بن دثار أنه قال : اتي الإمام علي برجل سرق من الغنيمة مفرا قبل قسمتها فلم يقطعه
    الشافعية قالوا : من سرق من مال بيت المال أو الغيمة ان فرز لطائفة القربى والمساكين والمجاهدين وكان هو واحدا منهم أو اصله أو فرعه فلا قطع عليه لأنه سرق من مال له فيه حق ثابت وإن فرز لطائفة ليس هو منهم فيجب القطع إذ لا شبهة له في ذلك . أما إذا لم يفرز لطائفة فلا قطع . والأصح إن كان له حق في المسروق كمال مصالح بالنسبة لمسلم فقير جزما أو غني على الأصح وكصدقة وهو فقير أو غارم لذات البينن أو غاز فلا يقطع لاستحقاقه في المالن وإن لم يكن له فيه حق قطع لانتفاء الشبهة
    المالكية قالوا : إن سرق من بيت المال مقدار نصاب فإنه يقطع لأنه يقطع لأنه مال محرز ولا حق له فيه وكذا الغنيمة بعد حوزها إن كثر الجيش أو قل واخذ فوق حقه نصابا وقيل : يقطع مطلقا إن سرق من الغنيمة . الحنابلة قالوا : لا يقطع السارق من بيت المال لأنه مال العامة وهو منهم
    سرق الخيمة
    الشافعية قالوا : الخيمة إن كانت مضروبة بين العمائر فهي كمتاع بين يديه في السوق وإن كانت في الصحراء وبم تشد أطنابها وترخى أذيالها فهي وما فيها كمتاع بصحراء وإن شدت أطنابها وأرخيت أذيالها فهي حرز لما فيها بشرط أن يوجد حافظ قوي لو كان قائما فيها أو بقربها فلو لم يكن فيها ولا بقربها احد أو كان وهو ضعيف وبعيد عن الغوث فليس حرزا فمن سرق منها متاعا فلا يقطع .
    المالكية قالوا : الخيمة المنصوبة في سفر أو حضر كا فيه أهله أم لا فإنها حرز لما فيها وحرز لنفسه أيضا فإذا أخذ شيئا منها أو أخذها هي وكان المأخوذ يساوي نصابا قطعت يد السارق
    الحنفية قالوا : الخيمة إذا كانت مضروبة وسرق منها شيئا قطع ولو سرقها لا يقطع لأنها ليست محرزة بل ما فيها محرز بها
    سرقة الكعبة المشرفة
    المالكية قالوا : من سرق شيئا من داخل الكعبة المشرفة فأن كان في وقت أذن له بالدخول فيه لم يقطع لأنه لا حرز في حقه وإلا قطع أن أخرجه لمحل الطواف ومما فيه القطع ما عليها وما علق بالمقام ونحو الرصاص المسمر في الأطين . أفاده في حاشية الأصل . ا ه
    الشافعية قالوا : يقطع من سرق ستر الكعبة إن خيط عليها لآنه حينئذ محرز
    الحنابلة قالوا : إن من سرق شيئا من أتار الكعبة أو من داخلها وكان يساوي ثمنه نصابا فإنه يجب عليه القطع لأنه انتهك حرمة بيت الله تعالى فدل ذلك على ضعف إيمانه وعدم معرفته بعظمة حرمة الكعبة المشرفة ونستبها إلى الله تعالى فيجب أن يشدد عليه ويقطع بسرقته
    الحنفية قالوا : من سرق من أستار الكعبة ما يبلغ ثمنه مثدار نصاب فلا يجب عليه القطع لأنه لا مالك له ولأنه ريما قصد بها التبرك . وقيل : إن القطع في سرقة ستارة الكعبية على الخواص الذين قوي إيمانهم وعرفوا عظمة حرمة بيت الله الحرام ونسبة الكعبة إلى رب العزة تبارك وتعالى لما ورد في الحديث من تغليظ العقوبة على السارق في الحرم أما رعاع الناس وعوامهم الذين غلظ حجابهم وجهلوا كونهم في حضرة الله تعالى وغابوا عن تتضيمها فإنهم يعزرون ولا يقطعون بسرقة بعض أستارها
    سرقة المسجد
    الحنفية قالوا : لا يجب القطع في سرقة أبواب المسجد لعدم الحرز لأنه باد للغادي والرائح ولا حافظ عنده . ولا قطع أيضا بسرقة متاع المسجد كحصره وقناديله وشبابيكه وبلاطه وأستاره لعدم وجود الحرز وإذا انتفى الحد
    المالكية قالوا : المسجد حرز لبابه وما فيه من البسط والحصر والقناديل حيث كانت تترك فيه فيقطع من سرقها إذا بلغ ثمنها نصابا ولا يشترط في قطع من سرق من المسجد أن يخرجه منه بل ولو بإزالتها عن محلها إزالة بينة وشمل بلاطه وسقفه . أما إذا كانت البسط تفرض نهارا فقط فتركت ليلة فسرق منها فلا قطع على سارقها
    الشافعية - قالوا : يقطع المسلم بسرقة باب المسجد وجذعه وتأزيره وسواره وسقوفه وقناديله التي وضعت للزينة لأن الباب للتحصين والجذع ونحوه للعمارة ولعدم الشبهة في القناديل . ولا يقطع بسرقة حصره المعدة للاستعمال وسائر ما يفرض فيه ولا بسرقة قناديل تسرج فيه لن ذلك لمنفعة المسلمين فله فيه حق كمال بيت المال وبلاط المسحد كحصره لا قطع فيها أما حصر الزنة والسجاجيد الغلية فيقطع بسرقتها وكذلك ستر المنبر إن خيط عليه أما الذمي إذا سرق من المسجد فيقطع بكل ما ذكر لعدم وجود الشبهة
    من شق الجيب أو الكم
    الحنفية قالوا : من شق صرة للنقود أو الهميان أو الجيب والمراد الموضع المشدود فيه دراهم من الكم وأخذ الدراهم لم يقطع وإن أدخل يده في الكم قطه لأنه في الحالة الأولى الرباط من خارج فبالشق يتحقق الخذ من خرج فلا يوجد هتك الحرز وهو الكم . ولو حل الرباط ثم اخذ المال فإذا كان الرباط من خارج يقطع وإن كان من داخل الكم لا يقطع لآنه اخذها من خارج الكم
    المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف - قالوا : يقطع على كل حال لأن في صورة أخذه من خارج الكم إن لم يكن محرزا بالكم فهو محرز بصاحبه وإذا كان محرزا بصاحبه وهو نائم إلى جنبه فلأن يكون محرزا به وهو يظان والمال يلاصق بدنه أولى فيقطع . وقد رد الحنفية عليهم : بأن الحرز هنا ليس إلا الكم لن صاحب المال يعتمد الكم أو الجيب لا قيام نفسه فصار الكم كالصندوق وهذا لن المشقوق كمه أو جيبه أما في حال المشي أو في غيره فمقصوده في الأول ليس إلا قطع المسافة لا حفظ المال
    وإن كان الثاني فمقصوده الاستراحة عن حفظ المال وهو شغل قلبه بمراقبته فإنه متعب للنفس فيربطه ليريح نفسه فإنما اعتمد الربط والمقصود هو المعتبر في هذا الباب ألا ترى أن من شق جوالقا على جمل يسير فأخذ ما فيه قطه لن صاحب المال اعتمد الجوالق فكان السارق منه هاتكا للحرز فيقطه ولو أخذ الجوالق بما فيه لا يقطع لأن الجوالق في مثل هذا حرز لأنه يقصد بوضع المتعة فيه صيانتها من السرقة كالكم والجيب فوجد الأخذ من الحرز فيقطع . وكذلك من ثقب وعاء حنطةن أو وعاء زيت فانصب مقدار نصاب قطع به لأنه سرق منها وان شق الحمل وأخذ منع قطع خصوصا في هذا الزمن الذي كثرت فيث سرقة الجيوب والنقود . اه . ويلغز العلماء بذلك فيقال : ( شخص قطع بسرقة ولم يدخل حرزا ولم يأخذ منه مالا ) وهو الذي شق الكم أو الجيب أو الوعاء واخذ منه المال


    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #262
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 74 الى صــــــــ
    80

    الحلقة (262)





    سرقة القطار
    الحنفية قالوا : إن سرق من القطار وهو الإبل التي تقطر في السفر على نسق واحد فإن سرق من هذا القطار بعيرا أو حملا لم يقطع لأنه ليس بحرز مقصود فتتمكن فيه شبهة العدم وهذا لن السائق والراكب والقائج إنما يقصدون قطع المسافة ونقل الأمتعة دون الحفظ حتى لو كان مع الأحمال من يتعها بسلاحه للحفظ . قالوا : يقطع من سرق منها وإن شق الحمل وأخذ منه قطع
    والشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : القطار من الإبل أو البغال يشد زمام بعضها خلف بعض على نسق واحد فتصير مقطورة يقودها قائد ويشترط في إحرازها التفات قائدها أو راكب أولها إليها كل ساعة بحيث يراها جميعا لآنها تعد محرزة بذلك وغن كان يسوقها سائق فمحرزة إن انتهى نظره اليها وفي معناه الراكب لآخرها . فإن كان لا يرى البعض لحائل جبل أو بناء فذلك البعض غير محرزن فإن ركب غير الأول والآخر فهو لما بين يديه كسائق ولما في خلف كقائد وقد يستغني بنظرة المارة عن نظره إن كان يسير في طريق عام أو سوق ويشترط بلوغ الصوت لآخرها كما يشترط أن لا يزيد قطار على تسعة إذا كان القطار كذلك قطع سارقها أما إذا كانت الإبل غير مقظورة كأن كانت تساق مفرقة فهي ليست محرزة في الأصح ا ه
    السرقة من الأقارب

    الحنفية قالوا :
    من سرق من ابويه وإن عليا لا يقطع لأنها في العادة تكون معها البسوطة في المال والإذن في الدخول في الحرز حتى يعد كل منهما بمنزلة الآخر . ولقوة حنان الأبوين على البناء وعطفهما عليهم ولذا منعت شهادته شرعا . وأما سرقة الب من مال الابن فلقوله صولات الله وسلامه عليه للولج : ( أنت ومالك لأبيك ) . وأما ذوو الأرحام وهم الخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة فللإذن في الدخول في الحرز فقد ألحقوا بقرابة الأولاد لأن الشرع ألحقهم بهم في إثبات الحرمة وافتراض الوصل . ففي الحديث القدسي : ( قال الله عز و جل أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ) . ولهذا ألحقناهم بالأولاد في عدم القطع بالسرقة ووجوب النفقة ولأن الأذن بين هؤلاء إثبات الحرمة وافتراض الوصل . ففي النظر منها إلى مواضع الزينة الطاهرة والباطنة كالعضد للدملوج والصدر للقلادة والساق للخلخال . وما ذاك إلا للزوم الحرج لو وجب سترها عنه مع كثرة الدخول عليها وهي مزاولة الأعمال وعدم احتشام أحدهما من الآخر وايضا فهذه الرحم المحرمة يفترض وصلها ويحرم قطعها وبالقطع يحصل القطعها ؟ ؟ وبالقطع يحصل القطع فوجب صونها بدرء القطع
    ومما يدل على نقصان الحرز فيها قوله تعالى : { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكمن أو بيوت آبائكم أبو بيوت أمهاتكم أو بيوت غخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أوصديقكم } ورفع الجناح عن الكل من بيوت الأعمام أو العمات مطلقا يؤنس إطلاق الدخول ولو سلم فإطلاق الأكل مطلقا يمنع قطع القريب
    قالوا : ولو سرق من بيت ذي الرحم المحرم متاع غيره لا يقطع ولو سرق مال ذي الرحم المحرم من بيت غيره يقطع اعتبارا للحرز وعدمه . ولو سرق من أبويه وإخوته من الرضاع لن الرضاع قلما يشتهر فلا بسوططة في الدخول من غير استئذان تحرزا عن موقف التهمة بخلاف القرابة من النسب فإنه يشتهر ويعرف
    المالكية قالوا : إذا سرق الأبوان أو الأجداد من أولادهما وأولاد اولادهما فلا قطع على واحد منهم . أما إذا سرق الفروع من الصول فإنه يقطع لأنه لا حق للولد في مال والديه ولذا يحد بالزنا بجاريتهما ويقتل بقتلهما أما باقي القرابات من ذوي الرحام فيجب القطع على سرقة أواملهم من غير خلاف بينهم ا ه
    الشافعية قالوا : من شورط المسروق عدم شبهة فيه لحديث ( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ) سواء في ذلك شبهة الملك كمن سرق مشتركا بينه وبين غيره أو شبهة الفاعل كمن أخذ مالا على صورة السرقة بظن أنه ملكه أو ملك أصله أو فرعه أو شبهة المحل كسرقة الابن مال أصوله أو احد الصول مال فرعه فلا قطع بسرقة مال أصل للسارق وإن علا وسرقة فرع له
    إن سفل لما بينهما من الاتحاد وإن اختلفت دينهما ولن مال كل منهما مرصد لحاجة الآخر ومنها أن لا تقطع يده بسرقة ذلك المالن بخلاف سائر القارب من ذوي الرحام وغيرهم فإنه يقطع بالسرقة منهم فقد ألحقهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بالقرابة البعيدة فيقطع
    الحنابلة قالوا : لا يقطع الوالدون وإن علوا فيما سرقوه من أموال أولادهم ولا يقطع الولد إذا سرق من مال أبويه ووجه الولد غلبة رحمة الوالد على ولده عادة حتى أنه لم يحصل أن والدا سعى في قطع ولده الذي سرق من ماله ابدا والحدود في الغالب إنما تقام تخليصا لحقوق العباد من بعضهم بعضا والثاني لأن الولد وما ملكت يداه ملك لوالديه استيفاء لما لهما من الحقوق إذ إن حقهما بعد حق الله تعالى : { واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } . أما الأقارب من ذوي الأرحام فيقطع من سرق من أموالهم لأنهم ألحقوا بغيرهم من سائر الناس
    سرقة الزوجين من الآخر
    الحنفية قالوا : إذا سرق احد الزوجين من الآخر فلا يقطع واحد منهما سواء سرق من بيت خاص لأحدهما أو من بيت يسكنان فيه جميعا لن كلا من الزوجين متحد مع صاحبه كأنه هو ولتبادل المنافع بينهما ووجود الإذن في الدخول فاختل الحرز بينهما ولأن بينهما بسوطة في الأموال عادة ودلالة فإنها لما بذلت نفسها وهي أنفس من المال كانت بالمال أسمح ولن بينهما سببا يوجب التوارث من غير حرمان كالوالدين وقد ورد في موطأ عن عمر بن الخطاب أنه أتي بغلام سرق مرآة لامرأة سيده فقال : ليس عليه شيء خادمكم سرق متاعكم فإذا لم يقطع خادم الزوج فالزوج أولى بهذه الرخصة ولأن شهادة احدهما لا تقبل على الآخر لاتصال المنافع فكذلك لا يقطع أحدهما بمال الآخر ولو سرق احد الزوجين من الآخر ثم طلقها قبل الدخول بها فبانت من غير عدة فلا قطع على واحد منهما ولو سرق من أجنبية ثم تزوجها لا قطع عليه سواء كان التزوج بعد أن قضي بالقطع أو لم يقض
    وورد عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال : إذا كان التزوج بعد أن قضي عليه بالقطع يقطع ولو سرق من امرأته المبتوتة أو المختلعة في العدة لا قطع وكذلك إذا سرقت هي من الزوج في العدة . الشافعية في أرجح اقوالهم والمالكية والحنابلة في احدى رواياتهم قالوا : أنه يقطع من سرق من الزوجين من الآخر من حرز خاص للمسروق منه . زاد مالك : ولا يقطع من سرق من بيت يسكنان فيه جميعا للإذن في الدخول
    الشافعية في القول الآخر والحنابلة في الرواية الخرى قالوا : إنه لا يقطع احدهما بسرقة مال الآخر لن كلا من الزوجين مع صاحبه متحد معه ولوجود المودة والرحمة التي بينهما بالزواج . قال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة }
    الشافعية في قولهم الثالث قالوا : إنه يقطع الزوج خاصة لأن المرأة لها حق النفقة عليه وحق الكسوة فلا تقطع للشبهة في استحقاقها بعض ما سرقته ولو بحكم الشيوع في ماله بخلاف العكس فإن الزوج لا حق له في مال الزوجة . والمرجح من مذهب الشافعية : أنه يقطع أحد الزوجين بسرقة مال الآخر إن كان محرزا عنه والله تعالى اعلم
    مطالبة المسروق منه بالقطع . الحنفية والحنابلة وأصحاب الشافعي قالوا : إن القطع يتوفق على مطالبة من سرق منه ذلك المال لأن الغلب في حد السرقة حق المخلوق لأن الخصومة شرط لظهور السرقة والخصم هو المسروق منه
    المالكية والحنابلة في إحدى رواياتهم قولا : إن القطع لا يفتقر إلى مطالبة المسروق منه بل ينف بدونه لأن الغالب في حد السرقة حق الخالق لا حق المخلوق ولعموم الآية الكريمة وكما في حد الزنا
    اشتراك جماعة في السرقة
    اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أنه لو اشترك جماعة من اللصوص في سرقة شيء من المال ونال كل واحد منهم نصاب السرقة فإنه يجب اقامة الحد على كل واحد منهم فتقطع يده لودو السرقة من كل واحد منهمن لأن الأخذ وجد من الكل معنى لدخوله الحرز وفعلا لمعاونته للآخرين في أخذ المال المسروق فإن السراقة يعتادون ذلك فينسب الفعل إلى الكل شرعا أما إذا سرقوا جميعا ما قيمته نصاب واحد دون أن يكون حظ كل واحد منهم نصابا فقد اختلفا فيه

    الحنفية والشافعية قالوا : لا قطع عليهم بحال لأن القطع يجب على كل واحد منهم بجنايته فيعتبر كمالها في حقه ولم يسرق واحد منهم ما قيمته نصاب القطع فم تتم السرقة بشروطها والقطع إنما علق بالنصاب لا بما دونه لمكان حرمة اليد فلا تقطع ايد كثيرة فيما أوجب فيه الشرع قطع يد واحدة مراعاة عظمة عضو الآدمي وتحقير الدنيا ومتاعها فلا قطع والحديث ( اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك )
    المالكية قالوا : إذا كان المال المسروق مما يحتاج إلى تعاون عليه قطعوا جميعا . وإن كان مما يمكن للواحد الانفراد به ففيه قولان أحدهما يقام عليهم الحد جيمعا والثاني لا يقطعون وإذا انفرد كل منهم بشيء أخذه لم يقطع واحد منهم بشيء أخذه لم يقطع واحد منهم إلا أن يكون قيمة ما أخرجه نصابا ولا يضم إلى ما أخرجه غيره فإن الله يقول : { ولاتزر وازرة أخرى } ولا قطع فيما دون النصاب
    الحنابلة قالوا : يجب عليهم القطع جميعا سواء أكان المسروق من الأشياء الثقيلة التي تحتاج إلى معاونة اولا ؟ وسواء اجتمعوا على إخراجه من الحرز أو انفرد كل واحد بإخراج شيء أذا صار المال المسروق بمجموعه نصابا تعظيما لحرمة الأموال . وتشديدا في المحافظة على حقوق العباد . ولأن العقوبة إنما تتعلق بقدر مال المسروق أي إن هذا القدر من المال المسروق هو الذي يوجب القطع لحفظ المال ومراعاة لحرمته حتى نسد الباب أمام عصابات الإجرام التي تجتمع على نهب أموال الناس
    إذا دخل الحرز جماعة
    الحنفية والحنابلة قالوا : إذا دخل الحرز جماعة من اللصوص فتولى بعضهم الأخذ ولم يخرج الباقون شيئا ولا أعانوا في الإخراج . وكان نصيب كل واحد منهم نصابا قطعوا جميعا لأن الإخراج وإن قام به البعض ولكنه في المعنى حصل من الكل لتعاونهم جميعا في السرقة ولأن قدرة الآخذ إنما هي بهم جميعا فإن اللصوص يعتادون ذلك فيتفرغ غير الحامل للدفع فلو امتنع القطع أدى إلى سد باب الحد وإن لم يمتنع لم يضر فوجب التشديد على من ساعد في النقب وإن لم يخرج متاعا ولم يعن في الحمل وإنما اشترط دخول الكل لنهم إذا اشتركوا واتفقوا على فعل السرقة لكن دخل واحد منهم البيت أو بعضهم واخرجوا المتاع ولم يدخل غيرهم فالقطع على من دخل البيت وأخرج المتاع إن عرف من بينهم وإن لم يعرف الداخل فيجب علينهم التعزير وحبسهم إلى أن تظهر توبتهم ولا يجب القطع على من لم يدخل الدار لأنه لم يتأكد معاونتهم بهتك الحرز بالدخول فم يعتبر اشتراكهم لما أن كمال هتك الحرز إنما يكون بالدخول
    ( تابع . . . 2 ) : - ومثل الخيانة والغصب سائر المخالفات المالية فإنه لا يمكن ضبط عقوبة
    قالوا : وذلك إذا كان الداخل الحامل للمتاع ممن يجب عليه القطع عند الانفراد بأن كان عاقلا بالغا وأما إذا كان الأخذ الحامل للمال صبيا أو مجنونان أو من ذوي أرحام صاحب الدار فلا يقطع واحد منهم لن غير الحامل في هذا الفعل تبع للآخذ الحامل فإذا لم يجب القطع على من هو اصل لا يجب على من هو تبع
    الشافعية المالكية قالوا : لو دخل جماعة الحرز واتفقوا على السرقة واخرج بعضهم المتاع فلا قطع إلا على من أخرج المتاع من الحرز إذا بلغ نصيب كل واحد مقدار نصاب وهو ثلاثة دراهم فأكثر فالداخل الذي لم يخرج المتاع ولم يحله لا قطع عليه لأنه لم يسرق فعلا ولم تتم شورط السرقة في حقه وكذلك إذا لم يباغ نصيب كل واحد مقدار نصاب فلا يقطع واحد منهم لأنه لا قطع في سرقة أقل من النساب ولو اشترك لصان مكلفان في إخراج نصابين فأكثر من حرز فقعا لان كلا منهما سرق نصابا أما إذا كان المخرج اق من نصابين فلا قطع عليهما
    إذا ثقب اللص البيت
    الحنفية رحمهم الله تعالى قالوا : إذا ثقب اللص البيت فدخل وأخذ المال فتناوله آخر خارج البيت عند الثقب أو على الباب فلا يجب القطع عليهما لاعتراض يد معتبرة على المال المسروق قبل خوج الداخل فوجدا شبهة في السرقة . حيث ان السرقة لم تتم من واحد منهما . وقال أبو يوسف : إن اخرج الداخل يده من النقب إلى الخارج فالقطع على الداخل وإن ادخل الخارج يده فتناولها فعليهما القطع
    أما إذا انفرد بفعله من غير تعاون فلا يقطع واحد منهما وذلك إذا حصل أن خارجا رأى ثقبا فأدخل يده فوقعت على شيء مما جمعه الداخل فأخذه فلا يقطع واحد منهما
    وإذا نقب المنزل ثم ألقى بالمتاع في الطريق ثم خرج وأخذه فإنه يقطع . لأن هذه من حيل اللصوص وإذا وضع الداخل المال عند النقب ثم خرج وأخذه قيل : يقطع والصحيح أنه لا يقطع
    ولو كان في الدار نهر جار فرمى المال في النهر ثم خرج فأخذه فأن خرج بقوم الماء لا يقطع لأنه لم يخرجه بفعله وقيل : يقطع لأنه إخراج بسببه لأن جري الماء به كان بسبب القائه فيه فيضير الإخراج مضافا إليه وهو زيادة حيلة منه ليكون متكنا من دفع صاحب البيت فلا يكون مسقطا للقطع عنه وإذا نقب الدار وألقى بالمال في الطريق فأخذه غيره من الطريق فلا قطع على واحد منهما وإذا حمله على حمار من داخل فساقه فأخرجه ثم أخذه فإنه يقطع لأن سيره مضاف إليه يسوقه وإذا علق المتاع في عنق كلب وزجره فخرج ثم أخذه منه فإنه يقطع ولو خرج الكلب بلا زجره لا يقطع لأن للدابة اختيارا فما لم يفسد اختيارها بالحمل والسوق لا تنقطع نسبة الفعل إليها ومن نقب البيت وأدخل يده فيه وأخذ شيئا من غير أن يدخل الدار فلا يجب عليه القطع في هذه الحالة لن عنك الحرز يشترط فيه الكمال . تحرزا عن شبهة عدم السرقة وهي مسقطة فإن الناقص يشبه العدم
    المالكية قالوا : ومن نقب الدار ثم دخلها فتناول مقدار النصاب منه الخارج بأن مد الخارج يده لداخل الحرز وأخذه منه من غير أن يخرجه الداخل فيجب القطع على الخراج فقط لأنه هو الذي أخرجه من الحرز والداخل لم يخرج المال فلا يجب عليه القطع
    ولو مد الداخل يده بالشيء إلى من هو خارج الحرز وتناوله غيره من الخارج فالقطع على الداخل فقط . لأنه الذي اخرج المال من الحرز والخارج لم يهتك بهتك الحرز ولم يخرج المال فلا قطع عليه
    وإن التقيا أي الداخل في الحرز والخارج عنه بايديهما وسط النقب فأخرج الخارج الشيء بمناولة الداخل أو ربطه الداخل بحبل ونحون فجذبه الخارج عن الحرز وجب القطع عليهما معا . ومن جعل على ظهر غيره في الحرز شيئا فخرج به ولولا الجاعل ما قدر على حمله يقطعان معا فإن كان الحامل يقدر على حمله دون الداخل قطع الخارج بالمتاع وحده لأنه هو الذي حمل المال
    الشافعية والحنابلة قالوا : لو نقب شخص الدار وأخرج غيره المال من النقب ولو في الحال فلا قطع على واحد منهما لأن الناقب لم يسرق ولآخذ اخذ من غير حرز ويجب على الأول ضمان الجدار وعلى الثاني ضمان المأخوذ وهذا إذا لم يكن في الدار أحد أما إذا كان فيها حافظ قريب من النقب وهو يلاحظ المتاع فالمال محرز به فيجلب القطع على الآخذ وإن كان الحافظ نائما فلا قطع على الأصح كمن نام والباب مفتوح ويشترط أن يكون المخرج مميزا أما لو ثقب الدار ثم امر صبيا غير مميز أو مجنونا فإخراج المال فأخرجه قطع الأمر وإن أمر مميزا أو قرد فلا لنه ليس آلة له
    ولو تعاون اثنان في الثقب ثم انفرد أحدهم بالإخراج لنصاب فأكثر أو وضعه احد الناقبين بقرب النقب فأخرجه لآخر مع مشاركته له في النقب وساوى ما أخرجه نصابه فأكثر وجب القطع على المخرج في الصورتين لأنه هو السارق
    ولو وضعه الداخل بوسط النقب فأخذه شريكه الخارج أو ناوله لغيره من فم النقب وهو يساوي نصابين فأكثر لم يقطعا في الأظهر لأن كلا منهما لم يخرج من تمام الحرز وهو الجار ويسمى السارق الظريف والرأي الثاني : يقطعان لاشتراكهما في النقب والإخراج ولئلا يصير ذلك طريقا إلى إسقاط الحد ولو ربط المال لشريكه الخارج فجره قطع الخارج دون الداخل وعليهما الضمان
    وقطع العمى بسرقة ما دل عليه الزمن وإن حمله العمى ودخل به الحرز ليدله على المال وخرج به لأن الأعمى هو السارق
    ويقطع الزمن بما أخرجه والأعمى حامل للزمن لأن الزمن هو السارق ولا يقطع العمى في هذه الصورة لأنه ليس حاملا للمال وفتح الباب وكس الفقل أو غيره وتسور الحائط كالنقب فيما مر ولو رمى المال المحرز خارج الحرز أو وضعه بماء جار أو راكد أو عرضه لريح هابة فأخرجته منه قطع في هذه الصور كلها لأن الإخراج في الجميع منسوب إليه وسواء ماه من النقب أم من فوق الجار وساء أخذه بعد الرمي أم لا تلف كأن رماه في نار أم لا . ولو نقب اللص في ليلة ولم يسرقن وعاد ليلة أخرى قبل إعادة الحرز فسرق قطع في الأصح كما لم نقب أول الليل ثم سرق في آخره . وقيل : لا يقطع

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #263
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 74 الى صــــــــ
    80

    الحلقة (263)





    سرقة الحر الصغير
    الشافعية قالوا :
    من سرق حرا فإن كان صغيرا فلا يجب عليه القطع لأن الحر ليس بمال . فإن قيل : روي عن الدار قطني عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه و سلم ( أتي برجل يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى فأمر به فقطعت يده ) فالجواب على ذلك أن الحديث ضعيف وعلى تقدير صحته فمحمول على الأرقاء وحكمه : أنه سرق حرا صغيرا لا يميز أو مجنونا أو اعجميا أو أعمى من موضع لا ينسب لتضييع لأنه محكم بقلادة أو مال غيرهان يليق به عن حليته وملابسه وذلكنصاب فلا يقطع سارقه في الأصح لأن للحر يدا على ما معه ولهذا لو وجد منفردا ومعه حلي حكم له به فصار كمن سرق جملا وصاحبه راكبه . والرأي الثاني : يقطع لآنه أخذه لجل ما معه أما لو سرق من موضع ينسب لتضييع كخلاء أو صحراء فلا يقطع بلا خلاف أو كان مامعه فوق مايليق به واخذه من حرز مثله قطع بلا خلاف . أو من حرز يصلح للصبي دونه لم يقطع بلا خلاف
    هذا إذا كانت القلادة للصبي فو كانت لغيره فإن أخذه من حرز مثلها قطع وإلا فلا جزما ولو أخرج الصبي من الحرز ثم نزع القلادة عنه لم يقطع لأنه لم يأخذها من حرز ولو سرق قلادة مثلا معلقة على صغير ولو حرا أو كلب محرزين أو سرقها مع الكلب قطع
    المالكية قالوا : لا يجب القطع على من اخذا ما على صبي حر غير مميز من حلي وثياب أو معهه فيجيبه مثلا أو في عنقه بلا حافظ مع الصبي وليس الصبي بدار أهله لأن غير المميز ليس حرزا لما عليه ومثل الصبي الممجنون ولو كان كبيرا
    أما إذا سرق الصبي الحرغير المميز وهو الذي يمشي ولا يتكلم فإنه يجب عليه القطع لأنه كالمال المحترم وذلك لأن الصبي إذا كان غير مميز يكون هو المقصود بالخذ دون ما عليه وربما لا يكون عليه شيء وإلا لأخذ ما عليه من الحلي أو الثياب وتركه فيجب إقامة الحد عليه عقوبة له لأنه أغلى من المال ولما رواه الدار قطني عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ( أتي رسول الله صلى الله عليه و سلم برجل يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبعهم في أرض أخرى فأمر به قطعت يده )
    الحنفية قالوا : لا يجب القطع على سارق الصبي الحر وغن كان عليه حلي يباغ نصابا والحلي هو ما يلبس من ذهب أو فضة أو جوهر وذلك لأن الحر ليس بمال وما عليه من الحلي تبع له ولا قطع إلا بأخذ الما فلا يقطع بسرقته وغن كان إثمه وعقابه عند الله تعالى أشد من عقاب سارق المال ففي الحديث القدسي عن رب العزة جل جلاله ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر وجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل أستأجر أجيرا فاستوفى منه عمله ولم يوفه أجره ) لكن القطع الذي هو العقوبة الدنيوية لم يثبت عليه شرعا لودود شبهة وهة أن يتأول في أخذه الصبي اسكاته أو حمله إلى مرضعته والمراد بالصبي الصغير غير المميز الذي لا يمشي ولا يتكلم فلو كان الصبي يمشي ويتكلم ويميز فلا يقطع اجماعا لأنه في نفسه فكان أخذه خاعا ولا قطع في المكر والخداع وروي عن أبي يوسف : أنه يجب القطع في سرقة الصبي الحر غير المميز والله أعلم
    الشافعية قالوا : لو نام عبد على بعير فقاده وأخرجه من القافلة قطع وإن نام حر على بعير فأخرجه فلا قطع في الصح لأن البعير بيده
    إذا سرق الضيف
    الحنفية قالوا : لا يجب القطع على الضيف إذا سرق اكثر من نصاب ممن اضافه فبيته لأن البيت لم يبق حرزا في حقه لكونه مأذونا في دخوله ولأنه بالاذن صار بمنزلة أهل الدار فيكون فعله خيانة لاسرقة وكذلك إذا سرق من بعض بيوت ( حجرات ) الدار التي أذن له في دخولها وهو مقفل أو من صندوق مقفل لن الدار مع جيمع بيوتها حرز واحد ولهذا إذا أخرج اللص المتاع من بعض بيوت الدار إلى الدرا لا يقطع ما لم يخرجه من الدار وإذا كان الدار حرزا واحدا فبالاذن بادخول في الدرا اختل الحرز في البيوت وهي شبهة تدرأ الحد عن الضعيف السارق
    الشافعية والحنابلة قالوا : لو سرق الضيف من مكان مضيفه أو الجار من حانوت جاره أو المغتسل من الحمام وإن دخل ليسرق لا يجب عليه القطع لآنه أخذ مالا غير محرز لأن البيت لم يعد حرزا له حيث أن صاحب الدار أذن له في دخول الحرز لأنهم اشترطوا لوجود القطع في المسروق أمورا لابد من تحقيقها وهي :
    ( الأول ) كونه يساوي ربع دينار
    ( الثاني ) كونه ملكا لغيره
    ( الثالث ) عدم وجود شبهة فيه
    ( الرابع ) كونه محرزا بوجود ملاحظة أو بحصانة موضعه فإن فقط شرط من هذه الشروط فلا يجب القطع . وقد فقد هنا شرط وهو كون المال محرزا

    المالكية قالوا : لا يجب القطع على الضيف الذي أذن له في دخول الدر إذا سرق منه مالا يزيد عن النصاب لأنه دخل بإذن رب الدار فيكون خائنا لا سارقا
    ولا قطع على من سرق من بيوت ذي الإذن العام لجميع الناس كبيت الحاكم والعادل والكريم ( المضيفة ) الذي يدخله الناس بدون إذن من أصحابها فإذا أخرج المسروق من الباب فلا قطع عليه لأنه خائن لمن استأمنه إلا إذا سرق ما حجز فيه كحاصل أو خزانة داخل البيت العام فإن أخرجه من الحجز إلى باب الدار قطع وإن اخرجه للحرش فلا يقطع لوجود الإذن عادة أو قيقة ثم الدخول فاختل الحرز لم تتم السرقة
    السرقة من دكاكين التجار والمحلات العامة والشركات
    الحنفية والمالكية قالوا : لا يجب القطع على اللص الذي سرق من حوانيت ( دكاكين ) التجار والحانات لأن أصحابها قد أذنوا للناس في دخولها للشراء فاختل الحرز فيثبت فيها حكم عدم القطع على السارق نهارا فإن التاجر يفتح حانوته صباحا في السوق ويرحب بالناس في الدخول لمعاينة البضائع والشراء منها ويفرح لكثرة المترددين على حانوته لأن في ذلك ربحه ورواج تجارته فإذا سرق واحد منهم شيئا فلا يجب عليه القطع لوجود الإذن عادة أو حقيقة من الدخول فاختل الحرز إلا إذا سرق منها ليلا لأنها بنيت لاحراز الأموال وإنما اختل الحرز في أثناء النهار للإذن وهو منتف بالليل فيجب القطع في السرقة منها ليلا إذا بلغ ما سرقه نصابا ولو لم يكن حافظ
    الشافعية والحنابلة قالوا : لا قطع على من أذن له في الدخول إلى دار أو حانوت أو خان للشراء لوجود شبهة عدم الحرز للاذن في الدخول إلى هذه الماكن عادة وعرفا فإنه قد أذن للناس جميعا دخول هذه الأماكن أثناء النهار لقضاء مصالحهم وشراء حاجياتهم من غير حرج ولا استئذان فأصبح المتاع الموجود منها غير محرز وإن كانت في البناء وموجود معها صاحبها ولكن الإذن شبهة والثياب الموضوعة على باب حانوت القصار للعرض ولفت أنظار الزبائن وأمتعة العطار الموضوعة على باب حانوته والقدور التي يطبخ فيها في الحاونيت محرزة بسدد تنصب على باب الحانوت للمشقة في نقلها إلى بناء واستحالة إغلاق باب عليها كل ذلك إذا حدث نهارا وقت وجود الإذن في الدخول والحانوت المغلق بلا حارس حرز لمتاع البقال في زمن المن ليلا بخلاف الحانوت المفتوح ليلا وليس فيه حارس أو المغلق في زمن الخوف وحانوت متاع البزار ليلا لأنه ليس مأذونا بادخول فيه
    قالوا : وأبواب الدور والبيوت التي فيها والحوانيت بما عليها من مغاليق وحلق ومسامير محرزة بتركيبها ولو مفتوحة أو لم يكن في الدور والحوانيت أحد ومثلها سقوف الدور والحوانيت . شيء منه إلا بحل الرباط أو بفتق بعض الغرائز حيث اعتيد ذلك بخلاف ما إذا لم يعتد ذلك فإنه يشترط أن يكون عليه باب مغلق كا هو الحال في عصرنا الحالي وإذا ترك التاجر كوة أي نافذة في دكانه ليلا فأدخل اللص يده منها وأخذ شيئا من المال مقدار نصاب فلا يجب عليه القطع لعدم هتك الحرز

    ( تابع . . . 3 ) : - ومثل الخيانة والغصب سائر المخالفات المالية فإنه لا يمكن ضبط عقوبة

    وقالوا : لو سرق اللص طعاما زمن القحط والغلاء الشديد ولم يقدر عليه لم يقطع رحمة بالناس . كما حصل في عام الرمادة في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب
    السرقة من السفينة
    المالكية قالوا :
    إن السرقة من السفينة تتكون من ست عشرة صورة تفصيلها كما يأتي . فيقطع في السرقة من الخن وما ألحق به في ثما وهي أخرجه منها أم لا كان من الركاب أم لا بحضرة رب المال أم لا كان المال في الخن أو م ألحق به ويقطع في السرقة من غير الخن في خمس وهي إن كان بحضرة رب المال أخرجه منها أم لا أجنبيا أو من ركابها والخامسة أجنبي أخرجه منها بغير حضرة ربه وثلاث لا قطع فيها وهي ما إذا كان بغير حضرة صاحبه وكان من ركابها أخرجه أم لا أو أجنبيا ولم يخرجه منها
    السرقة من الغريم
    الحنفية والمالكية رحمهم الله تعالى قالوا :
    إن السارق لا يجب عليه القطع إذا سرق نصابا من مال له فيه شركة بأن يسرق أحد الشريكين من حرز الآخر مالا مشتراك بينهما لأن للسارق فيه حقا وهو شبهة تدرأ الحد عن السارق فلا يقطع . ومن له على رجل آخر دراهم فسرق مثلها لم يقطع لأن ما فعله استيفاء لحقه الثابت والدين الحال والمؤجل في عدم القطع سواء استحسانا . لأن التأجيل لتأخير المطالبة والقياس أن يقطع لأنه لا يباح له لاخذه قبل الأجل لأن ثبوت الحق وإن تأخرت المطالبة يصير شبهة ولا يقطع لو سرق أكثر من حقه لأن بالزيادة يصير شريكا في ذلك المال بمقدار حقه ولا فرق بين كون المديون المسروق منه مماطلا أو غير مماطل ولو اخذ من غير جنس حقه . فإن كان حقه دراهم أو دنانير فأخذ عروضا قطع لأنه ليس له أخذها . وإن كان دراهم فأخذ دراهم فأخذ دنانير أو على العكس قيل : يقطع لأنها لا تصير قصاصا بحقه وإنما يقع بيعا فلا يصح إلا بالتراضي فليس له أخذها وقيل : لا يقطع للمجانسة بينهما من حيث الثمنية ويقطع لو سرق حليا من فضة ودينه دراهم
    ولو سرق من غريم أبيه أو غريم ولده الكبير قطع لأن حق الأخذ لغيره ولو سرق من غريم ابنه الصغير لا يقطع لأن له حق الأخذ بالنيابة عن الصغير ؟
    الشافعية قالوا : إذا كان المديون المسروق منه مماطلا فلا يقطع به وإن كان غير مماطل يقطع إذا سرق منه أما إذا أخذه بقصد الاستيفاء لم يقطع لأنه حينئذ مأذون له في أخذه وغير جنس حقه كجنس حقه في ذلك
    إذا عاد فسرق المسروق
    الحنفية قالوا : من سرق عينا فردها با كانت قائمةن ثم عاد فسرقها وهي بحالها لم يقطع وذلك لن القطع أوجب سقوط عصمة بقيت شبهة أنها ساقطة نظرا إلى اتحاد الملك والمحل وقيام الموجب للسقوط وهو وانتفى السقوط بعد تحققه كان مع شبهة عدمه فيسقط بها الحد بخلاف ما لو سرقه غيره
    ولأن تكرر الجنابة بعد القطع نادر والنادر وجوده لا يشرع فيه عقوبة دنيوية زارجة فأنها حينئذ تعرى عن المقصود وهو تقليل الجناية . إذ هي قليلة بالفعل فلم تقع في محل الحاجة
    المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا : من سرق شيئا فقطع فيه ثم عاد فسرقه وهو بحاله فإنه يقطع فيه مرة ثانية لما رواه الدار قطني من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بطريق الواقدي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا سرق السارق فاقطعوا يده ثم إن عاد فاقطعوا رجله اليسرى ) الحديث ولأن السرقة الثانية مثل الآولى في سببية القطع بل أفحش لأن العود بعد الزاجر اقبح وصار كما لو باعه المالك للسارق ثم اشتراه منه ثم كانت السرقة فإنه يقطع اتفاقا من غير خلاف ولأن المتاع بعد رده على المسروق منه في حق السارق كعين أخرى في حكم الضمان حتى لو غصبها السارق أو أتلفها كان ضامنا فكذلك في حكم القطع وعموم القرآن يوجب عليه القطع ولأنه مال معصوم كامل المقدار اخذ من حرز لا شبهة فيه . وبهذه الوصاف لزمه القطع في المرة الولى بكذلك في المرة الثانية
    هل يجتمع الغرم مع القطع
    الحنفية والحنابلة قالوا : إذا ثبتت الجناية على السارق فلا يجتمع عليه وجوب الغرم مع القطع وإن تلف المسروق هلاكا أو استهلاكا فلا يضمن فإن غرم فلا قطع وإن قطع فلا غرم أما إذا قطع السارق والعين قائمة في يده ردت على صاحبها لبقائها على ملكهن من غير خلاف وللمسروق منه الخيار فإن فاختار الغرم لم يقطع السارق وإن اختارم القطع فلا غرامة عليه لما رواه النسائي من حديث المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد ) ففي الحديث دليل على أن العين المسروقة إذا تلفت في د السارق لم يغرمها بعد أن وجب عليه القطع سواء أتلفها قبل القطع أو بعده ولأن هذا القطع جزاء والجزاء هو الكافي فدل ذلك على أن هذا القطع كان في جناية السرقة ولأن اجتماع حقين في حق واحد مخالف للأصول فصار القطع بدلا من الغرم ولذلك إذا تكرر من السارق سرقة ما قطع به لم يقطع فيه مرة ثانية لشبهة اتحا المحل والسبب
    ولأن وجوب الضمان ينافي القطع لأن يتملكه بعد أداء الضمان مستندا إلى وقت الأخذ فتبين أنه أخذ ملكه ولا قطع في ملكه لكن القطع ثاب قطعا فما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي والمؤدي إليه الضمان فينتفي الضمان
    المالكية قالوا : إن كان السارق موسرا وجب عليه القطع والغرم وإن كان معسرا لم يجب عليه الضمان بل يقطع فقط . لأن له رائحة عذر لما ظهر عنده من الفاقة والحاجة و { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }
    الشافعية رحمهم الله تعالى قالوا : يجب القطع والغرم على السارق على أي حال موسرا أو معسرا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) ولقوله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وقوله صلى الله عليه و سلم : ( ولا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه ) ولأنه اجتمع في السرقة حقان حق الله تعالى وحق للآدمي فاقتضى كل من حق موجبه ولأنه اتفقت آراء العلماء على أنه إذا كان الشيء المسروق موجودا بعينه رد إلى صاحبه فيكون إذا لم يوجد في ضمانه قياسا على سائر الأموال الواجبة . ولآنه أتلف مالا مملوكا عدوانا فيضمن مثل الغصب ولا منافاة هنا بين هذين الحقين لنهما بسببين مختلفين أحدهما حق الله وهو النهي عن هذه الناية الخاصة والآخر حق الفرد فيقطع حقا لله ويضمن حقا للعبد وصار كاستهلاك صيد مملوك في الحرم فيجب الجزاء حقا لله تعالى ويضمن حقا للعبد وكشرب خمر الذمي فإنه يحد حقا لله ويغرم قيمتها حقا للذمي ولما روي ان النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن التمر المعلق فقال : ( من أصاب بغية من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه الغرامة والعقوبة ) الحديث ا ه
    من وجد رجلا داخل الدار

    الحنفية رحمهم الله قالوا : لو وجد في داره أجينبا فقتله ثم قال : إن هذا لص دخل على داري ليأخذ مالي ولم أستطع رده إلا بقتله ينظر في الرجل المقتول فإن كان معروفا بالفساد واللصوصية فلا قود عليه وكان على القاتل دفع الدية إلى اهله وان لم يكن معروفا بالفساد واللصوصية فعلى القاتل القود ولا يقبل دعولاه إلا ببينة
    المالكية والشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : أنه يجب على القاتل القصاص إلا أن يأتي ببينة على صدق دعواه ولا ينظر إلى حالة الرجل المقتول وسلوكه وذلك حتى نقفل باب الفساد من هذا الطريق فإنها ثغرة يلجأ إليها ضعاف الايمان لإزهاق النقوس فربما يطلب الشخص رجلا لعمل شيء في داره أو لضيافته ثم يعتدي عليه ويغتالهن لودو ضغينة في نفسه ويدعي عليه أنه دخل الدار للسرقة فقتله . وقتل المؤمن من أكبر الكبائر عند الله تعالى فيجب أن يسد كل باب يكون سببا في إزهاق روحه
    إذا ملك المسروق قبل القطع
    الحنفية قالوا : إذا قضى الحاكم على رجل بالقطع في سرقة فوهبها له المالك وسلمها إليه أو باعها آياه أو آلت إليه بإرث أو غيره فإنه يدرأ الحد عنه ولا يقطع . وذلك لأن استيفاء الحد بالفعل من القضاء في باب الحدود فما قبل الاستيفاء كما قبل الفضاء ولو ملك المال المسروق قبل القضاء فلا يقطع اتفاقا فكذا قبل الاستيفاء ولن المقصود من القضاء باللفظ ليس إلا إظهار الحق للمستحق والمستحق هنا هو الله عز و جل والحق ظاهر عنده غير مفترقر إلى الإظهار فلا حاجة إلى القضاء لفظا ولا يقيده سقوط الواجب عنه إلا بالاستيفاء وإذا كان كذلك والخصومة شرط يشترط قيامها عند الاستيفاء كما عند القضاي وهي منتفية بالهبة أو البيع
    والشافعية والحنابلة المالكية - قالوا : يجب القطع في هذه الحالة لأن السرقة قد تمت انعقادا بلا شبهة وظهورا عند الحاكم وقضي عليه بالقطع ولا شبهة في السرقة إلا لو صح اعتبار عارض الملك المتأخر متقدما ليثبت اعتباره وقت السرقة ولا موجب لذلك فلا يصح فلا شبهة فيقطع ومما ينفي صحة ذلك الاعتبار ما ورد في حديث صفوان أنه قال : يا رسول الله لم أرد هذا ردائي عليه صدقة فقال عليه الصلاة و السلام : ( فهل قبل أن تأتي به ) رواه أبو داود وأبن ماجة زاد النسائي في روايته : ( فقطع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا بخلاف ما لو أقر له بالسرقة بعد القضاء فإنه لا يقطع لأن بالإقرار يظهر الملك السابق فينتفي القطع
    إذا نقصت قيمة السرقة قبل القطع
    الحنفية قالوا : في ظاهر المذهب إذا نقصت قيمة السرقة بعد القضاء قبل الاستيفاء عن العشرة لا يقطع لأن كمال النصاب لما كان شرطا يشترط كماله عند الإمضاء والقطع لأنه من القضاء وهو منتف في نقصان القيمة بخلاف نقصان العين عند الاستيفاء لأن ما استهله مضمون عليه فكان الثابت عتد القطع نصابا كاملا بعضه دين وبعضه عين بخلاف نقصان السعر فإنه لا يضمنه لأنه يكون لفتور الرغبات وذا لا يكون مضمونا على احد فلم تكن العين قائمة حقيقة ومعنى فلم يقطع والحديث يقول : ( اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك )
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إذا نقصت قيمة العين المسروقة بعد القضاء عن قيمة النصاب فإنه يجب القطع اعبتارا بالنقصان في العين فإنه إذا كانت ذات العين ناقصة وقت الاستيفاء والباقي منها لا يساوي عشرة دراهم يقطع بالاتفاق . فكذا إذا كانت قيمتها وقت الاستيفاء كانت قيمتها وقت الاستيفاء كذلك يجب القطع أيضا والله أعلم




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #264
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 81 الى صــــــــ
    86

    الحلقة (264)






    مبحث اعتراض الملاحدة
    - وها هنا سؤال معروف وهو أن قطع اليد فيه اتلاف لعضو من أعضاء الإنسان وذلك لا يتناسب مع الجريمة إذا كانت يسيرة فإن اقل ما تقطع فيه اليد عشرة دراهم فالعقوبة شديدة وهذا الطلام منشؤه الغفلة عن معنى الجريمة وعن الآثار الضارة المترتبة عليها فإنك قد عرفت أن هذه الجريمة من أشد الجرائم خطورة فإذا فشت السرقة بين الناس فقد هددوا في أموالهم وأعراضهم وانفسهم كما ذكرنا واصبحت حياتهم مريرة لا فائدة منها فإن السارق كالحيوان المفترس الذي يفتك بكل ما يلاقيه فجريمته يجب أن تقابل بالقسون المتناهية كي ينقطع دابرها من بين الناس بتاتا فإذا تخيل شخص أن العقوبة شديدة فإنه يجب ان يعلم أن فظاعة الجريمة وآثارها في المجتمع أشد وأنكى ثم ان العقوبات لم توضع إلا لزجر فاسدي الأخلاق وهؤلاء لا ينزجرون بالرفق واللين بدون نزاع فإذا لم تتمثل أمامهم شدة العقوبة فإنهم لا ينزجرون ابدا
    ***************************
    أمثلة على ردع المجرمين
    - ولنا على ذلك أمثلة ملموسة عملية مثلا : الكوكايين والحشيش قد وضعت لهما الحكومة . في أول الأمر عقوبة خفيفة فكانت مغرية لضعاف النفوس والأشرار على ارتكاب الفعل لا زاجرة لهم فلم سنت قوانين صارمة وأدرك هؤلاء الاشرار خطورتها كفوا عن تعاطي هذه السموم وهذه القوانين تقرها الشريعة الإسلامية وتحبذها لأن للحاكم أن يعزر بما يراه قاطعا للجرائم سواء كانت مقصورة على الشخص أو تتقداه إلى المجتمع
    *************************
    رحمة الشريعة بالمفسدين
    - وايضا فقد رأينا في زمن من الأزمنة اضطراب حبل الأمن في البلاد المقدسة اضطرابا شديدا فلما نفذ فيهم حكم الله تعالى وقطعت ايدي بعض السارقينن لم تلبث الجريمة أن اختفت وحل محالها الأمن والطمأنينة
    على أن الذي يتأمل في المثالين المذكورين يدرك أن شدة العقوبة إنما هي في ظاهر المر أما في الواقع فهي رحمة بالسارقين فاسدي الأخلاق فإنهال قد زجرتهم فعلا وأوقفتهم عند حدهم فتركوا هذه الجريمة المؤذية للمجتمع شر إيذاء
    طعن الملاحدة
    لقد أثار الملاحدة شبهة على حد الشرقة وطعنوا في أحكام القرآن الكريم وقالوا : لونفذنا حد السرقة لشوهنا نسف المجتمع وقضينا على عدد كبير من أبناء البشرية الذين تشل حركتهم ولرأينا جيشا جرارامن العاطلين والمشوهين الذين قطعت أطرافهم بحد السرقة والرد على هذه الشبهة يسير جدا وهو أن تقول لهم : انظروا إلى المجتمع الذي كان في عهد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعهد الخلفاء الراشدين والأمن الذي كان ينتشر فيه والسعادة التي كانت ترفرف عليه حين كانوا ينفذون أحكام الشرعة بدقة من غير إهمال
    وقارنوا بينه وبين المجتمع الذي نحن فيه مع وجود المال وانتشار الحضارة والمدنية في كل مكان . ولكن الأمن غير مستتب والناس غير آمنين على أموالهم وأنفسهم والفاسد قط عم كل مكان والسرقات من الأفراد والجماعات و الحكومات سرا وعلانية بل إن العصابات تسطو على الناس في الشوارع والطرقات في الليل ورابعة النهار وفي الممحلات والسيارات والمركبات وذلك كله لعدم تنفيذ حدود الإسلام والتمسك بأحكام الشريعة الغراء
    فتنفيذ حد السرقة هو العلاج الوحيد لهذه الفوضى التي نعيش فيها في هذا الزمان . كما أنهم طعنوا في أحكام الشريعة وقالوا جهلا منهم إن اليد إذا اعتدي عليها تقوم في الدية بخمسمائة دينار من الذهب الخالص . فكيف تقطع في ثلاثة دراهم وهو مال حقير وقد ذكروا أن ابا العلاء المعري لما قدم بغداد اشتهر عنه أنه اورد إشكالا على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار ونظم في ذلك شعرا دل على جهله وقلة عقله فقال :
    يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار
    تناقض حالنا إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار
    ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء فهرب منهم وقد أجابه الناس في ذلك بأجوبة كثيرة وكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله تعالى أن قال : ( لما كانت أمينة كانت ثمينة ولما خانت هانت ) ومنهم من قال : هذا مت تمام الحكمة والمصلحة وأسرار السريعة العظيمة فإن باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار لئلا يجنى عليها إكراما لبني آدم وتعظيما لمكانته ورفعة لحرمته وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار لئلا يسارع الناس في سرقة الأموال فهذا هو عين كالحكمة عند ذوي العقول والألباب ولهذا قال تعالى : { جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم } . أي مجازاة على صنيعهما السيء في أخذهما أموال الناس بأيديهم فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك { نكالا من الله } أي تنكيلا من الله بهما على ارتكاب هذا الجرم الشنيع الذي لا يلجأ إليه إلا النفوس الخبيثة التي رق دينها ونسيت مراقبة الله لها وباعت آخرتها بدنياها فتعدت حدود الله من غير خوف ولا وجل وتجرأت على أكل أموال الناس بالباطل . فكان من الحكمة أن يقسو عليها الشرع في أحكامه حتى تردع عن غيها وترجع عن إجرامها . { والله عزيز } في انتقامه لا يغالب بل يقهر الجبارين المعتدين { حكيم } في أمره' ونهيه وشرعه وقدره وفيما يشرعه منأحكام لعباده صيانة لمصالحهم وحفظا لأموالهم
    ارواحهم وجلبا لسعادتهم في هذه الحياة وتطهيرا للمجتمع من المفسدين والعابثين ولأن الأموال خلقت مهيأة للانتفاع بها للخلق أجمعين ثم الحكمة الأولية حكمة فيها الاختصاص الذي هو الملك المك شرعا وبقيت الطماع متعلغة بها والمال والحرز عن أكثرهم فاذا أحرزها مالكها فقد اجتمع فيها الصون والحرز الذي هو غاية الإمكان للإنسان فإذا هنكا فشت الجريمة فعظمت العقوبة وإذا عنك احد الصورتين وهو المك . وجب الضمان والأدب حتى يرتدع المعتدون الذين لا يخافون الله واليوم الآخر فلعنة الله على السارق الخائن الذي يبذل الغالية الثمينة في الأشياء المهينة
    قالوا : وقد بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل ذكر السارقة وبدأ بذكر الزانية في آية الزنى قبل ذكر الزاني . لأن حب المال في قلوب الرجال أغلب منه في قلوب النساء فقد ذكر الرجال في السرقة ولأن شهوة الاستمتاع باللذة على النساء أغلب منها على الرجال فقد ذكر النساء في آية الزنى . والله أعلم
    وقد جعل الله تعالى حد السرقة قطع اليد لتناول المال بها ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع واقعة الفاحشة به لثلاثة معان أحدهما : أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية وقضى بها مآربه ولكن ليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه الثاني : أن الحد زجر للمحدود وغيره وقطع اليد في السرقة ظاهر يراه الناس بالعيان فيعتببرون به أما قطع الذكر في الزنى فهو باطن فلا يراه أحد للعبرة
    الثالث : أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل وليس في قطع اليد إبطاله ثم قال الله تعالى : { ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير } فالآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وغيره أي لا قرابة بين الله ولين أحد من خلقه توجب المحاباة والحدود تقام على كل من يقارف موجب الحد وله أن يحكم بما يريد ويفعل ما يشاء لنه مالك الملك فيعذب من يشاء بعدله ويغفر لمن يشاء بجوده وكرمه وهو على كل شيء قدير والله اعلم
    توبة السارق
    اتفق الأئمة على أن السارق إذا تاب عن السرقة توبة صالحة وظهرت أماراتها وندم على ما سقط منه وعزم على عدم العود إلى السرقة مرة ثانية فإن الله تعالى يقبل توبته لقوله تعالى في الآية الثانية بعد آية السرقة : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فأن الله يتوب عليه أن الله غفور رحيم } فإن الله تعالى يتجاوز عنه ويغفر له خطيئته
    وقد روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( التوبة تجب ما قبلها ) وقال صلوات الله وسلامه عليه . ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) وإذا أقيم عليه الحد في الدنيا فإنه يكون كفارة له ولا يعذب بهذا الذنب يوم القيامة إذا رضي بالحد وقبله وتاب إلى ربه . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( الله أعدل أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة ) ولكن القطع لا يسقط عنه بالتوبة وصيرورته عدلا ولو طال زمن التوبة والعدالة . بعد السرقة الثابتة عليه . ومحل عدم سقوط القطع عنه إذا بلغ الأمر إلى الإمام بدليل ما روى أبو داود عن صفوان بن أمية قال : كنت نائما في المسجد على خميصة لم ثمنها ثلاثون درهما فجاء رجل فاختلسها مني ) فأخذ الرجل فأتي به النبي صلى الله عليه و سلم فأمر به ليقطع قال : فأتيته فقلت : أتقطعه من أجل ثلاثين درهما ؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها قال : ( فهلا كان هذا قبل أن تأتي به ) . فإذا لم يصل الأمر إلى الإمام فيسقط القطع بالعفو والشفاعة وهيئة الشيء للسارق وذلك إذا لم يكن الرجل معروفا بالفساد وإلا فلا تقبل الشفاعة فيه حتى يرتدع ويشترط في التوبة أن تكون بينة صادقة وعزيمة صحيحة خالية من سائر الأغراض الدنيوية . حتى لا يسرق المجرمون أتكالا على الشفاعة عند القبض عليهم
    كما قال تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح } قبلها الله فيما بينه وبينه فأما أموال الناس فلا بد من ردها اليهم كما قالل جمهور العلماء . وقد وقعت حوادث في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وتاب أصحابها توبة نصوحا روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتي بسارق قد سرق شملة فقال : ما أخاله . سرق فقال السارق . بلى يا رسول الله قال : ( اذهبوا به فاقطعوه ثم أحسموه ثم أئتوني به ) فقطع فأتي به فقال ( تب إلى الله ) فقال : ( تاب الله عليك )
    وقد روى أبن ماجة من حديث أبن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن ثعلبة النصاري عن ابيه عن عمر بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يارسول الله إنتي سرقت جملا لبني فلان فطهرني فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا : إنا افتقدنا جملا لنا فأمر به فقطعت يده وهو يقول الحمد الله الذي طهرني منك اردت أن تدخلي ( جسدي النار ) فهد التوبة النصوح . وقال اب جرير حدثنا أبو كريب حدثنا موسى بن داود حدثنا أبن لهيعة عن يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال : سرقت امرأة حليا فجاء الذين سرقتهم فقالوا : يا رسول الله سرقتنا هذه المرأة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( اقطعوا يدها اليمنى ) فقال المرأة : هل من توبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أنت اليوم من خظئتك كيوم ولدتك امك ) قال : فأنزل الله عز و جل : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فأن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم }
    وقد رواه الإمام أحمد بأبسط من هذا فقال : حدثنا أبن لهيعة حدثني يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء بها الذين سرقتهم فقالوا : يا رسول الله إن هذه المرأة سرقتنا قال قومها : فنحن نفديها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( اقطعوا يدها ) فقالوا نحن نفديها بخمسمائة دينار فقال : ( اقطعوا يدها ) فقطعت يدها اليمنى فقالت المرأة هل لي من توبة يا رسول الله ؟ قال : ( نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك امك ) فأنزل الله في سور المائدة : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم } وهذه المرأة هي المخزومية التي سرقت وحديثها ثابت في الصحيحين كما سبق في أول الباب
    وروي عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قال عنها : إنها تابت وحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذه هي التوبة الخالصة التوبة النصوح التي تحمل صاحبها على الندم على ما وقع منه وتشعره بالحسرة على ما فرط في جنب الله عز و جل ويجبره على الإقلاع عن الذنب . )


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #265
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 87 الى صــــــــ
    99

    الحلقة (265)





    مبحث فائدة تحديد النصاب في القطع
    ولعل قائلا يقول : إن النظر إلى الجريمة في هذا الوجه يقتضي أن يد السارق تقطه ولو سرق درهما واحدا فما فائدة تخصيص القطع بعشرة دراهم ؟
    والجواب : ان الشارع أراد أن يجعل سبب القطع مالا له قيمة في الجملة وهو ما يتضرر به صاحبه فالعشرة دراهم قد تكون قوت أسرة فقيرة يومين فاذاسرقت منها تضررت أما ما دون ذلك فإنه لا يودب القطع لهوانه غالبا فإذا أفلت من القطع في هذه الحالة فإنه لا يفلت من التعزير بالسجي أو الضرب حتى لا يتعود
    ومثل ذلك ما إذا أراد ان يسرق فثقب المدار أو تسور الجار ثم منعه من السرقة مانع فإنه يستحق في هذه الحالة عقوبة العتزير الرادعة عن العودة . وكذا من أقدم على السرقة ولم تتوفر فيه الشروط التي ذكرها الفقهاء فإن اشارع يوجب تعزيره كي لا يعود . ولعل فيما ذكرناه ما يقنع هؤلاء الذين يتخيلون شدة هذه العقوبة فيدركوا انها هي عين الرحمة للسارقين وللمجتمع كله
    **************************
    باب حد القذف
    - فأما حد القذف فقد بينه اله سبحانه وتعالى بقوله في كتابه العزيز { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } آية 4 من سورة النور ( 1 )
    والقذف هو عبارة عن أن يتهم شخص آخر بالزنا صريحا كأن يقول : أنت زان أو دلالة كأن ينسب شخص آخر إلى غير أبيه فمن صدر منه ذلك كان جزاءه أن يجلد ثمانين جلدة ما لم يأت بأربعة شهداء يشهدون بأنهم رأوا بأعينهم المتهم يزني في امرأة لا تحل له ( 2 )
    لا فرق بين أن يكون القاذف والمقذوف رجلا أو امرأة وإنما خص الله المقذوف من النساء بالذكر حيث عبر المحصنات لأن ضرر الزنا يتعدى المرأة إلى أسرتها فقذفها يصيبهم به معرة شديدة بخلاف الرجل
    وكذلك خص الله القاذف من الرجال بالذكر حيث قال تعالى : { والذين يرمون } لأن النساء يغلب عليهن الحياء عادة فلا يقذفن الرجال بالزنا
    وقد بينت السنة أنه لا فرق بين الرجال والنساء في القذف كما بينت الشروط اللازمة الاقامة حد القذف من عقل وحرية إلى آخر ما هو مبين في كتب الفقه
    على أن الآية الكريمة قد أشارت إلى أهم شرط من هذه الشوط وهو أن يكون المقذوف محصنا ذكرا كان أو أنثى ومعنى إحصانه هنا أن لا يكون قد ارتكب جريمة الزنا قبل قذفه أو بعده قبل إقامة الحد فإن ثبت عليه ذلك فإنه لا يكون محصنا ويسقط الحد عن القاذف
    ومن أتى امرأة بعقد فاسد كأن تزوجها بغير شهود . أو أتى امرأة وهي نائمة ظنا منه أنها زوجته وهي ليست كذلك فإن حد الزنا يسقط عنه بهذه الشبهة ولكن هل يرفع عنه فعله الاحصان بحيث لو قذفه شخص بالزنا لا يجلد ثمانين جلدة ؟ أو لا يزال محصنا يحد قاذفه ؟ خلاف بين العلماء
    فبعضهم يرى أن اقدام على هذا الفعل بدون حيطة يرفع الإحصان
    وبعضهم يقول : لا يرفع عن الإحصان إلا الزنا الموجب للحد فهذا هو حد القذف
    ----------------------------------------
    ( 1 ) ( تعريفه
    الحد شرعا عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى كما في عقوبة الزنا أو وجبت حقا لآدمي كما في حد القذف وسميت العقوبات الشرعية حدودا لأن الله تعالى حدها وقدرها فلا يجوز لأحد أن يتجاوزها قال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }
    وقيل : سميت بذلك لن الحد في اللغة كالمنع والحدود تمنع عن الإقدام على الفواحش والحكمة في وجوب حد القذف دون التساب بالكفر لأن المسبوب بالكفر قادر على أن ينفي عنه ذلك بالنطق بالشهادتين بخلاف المتهم بالزنان فإنه لا يقدر على نفي التهمة عنه والرمي وهو الإلقاء بحجر أو سهم أو نحوهما مما يؤذي ويضر استعير للسب وتوجيه العيوب لما في كل من الأذى والإضرار بالناس فخرج اللسان مخرج اليد بالسنان بل :
    جراحات السهام لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان
    وقد اختار الله تعالى التعبير بالرمي فذكرها ثلاث مرات في ثلاث آيات خاصة بحد القذف فقال تعالى : { والذين يرمون المحصنات } وقال تعالى : { والذين يرمون أزواجهم } وقال تعالى : روالذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } وهو من بلاغة القرآن الكريم فإن الكلمة متى أفلتت من لسان قائلها لم يتمالك زمامها وانطلقت لا تلوي على شيء حتى تصيب من وجهت إليه بالضرر والأذى فهي كالسهم يرمى به فلا تعود اليد قادرة على رده فليحتفظ من يهم بالرمي والأمر في يده حتى لا يندم حيث لا ينفع الندم
    مبحث حكمة التشريع
    إن الله عز و جل لما بين في أول سورة { النور } ما في جريمة الزنا من عظيم الفحشن وكبير الشناعة مما لم يجتمع في جريمة أخرى من كبير الإجرام وتشتنيع الفعل وأمر هذا شأنه يلحق العرض من الرمي به ما ينكس الرأس ويهدم الشرف وكان من مقاصد الشرع الكريم حفظ الأعراض وصون الشرف لصاحبه والاحتفاظ بالكرامة وعزة النفس كان من متقضى حكمته جل شأنه هذا التشريع الزاجر للنفوس الجامحة التي قد يدفها الغضب والحقد إلى أن تصيب الناس في كرامتهم وتخدش شرفهم وهو أعز عزيز لديهم مستهينة بما اقترفت كما قال تعالى : { إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } آية النور : 15
    ففرض الله لنا فيما فرض من أحكام ( حد القذف ) الزاجر الرادع الكفيل بصيانة الأعراض وحفظ الكرامة والشرف حتى تنزجر النفوس عن الإقدام على هذا الجرم الفظيع وليتأدب عامة المؤمنين بطلب ظن الخير بالآخرين وعدم المسارعة إلى سوء الظن بالناس والدعوة إلى تطهير اللسان وصون الآداب والتحرز عن الخوض في كبريات التهم بلا علم وتقرير بينات التهمة بحسب فظاعتها حتى لا يتخذ الناس الكيد بالاتهام الكاذب ذريعة للخدش والنكاية بلا حق . وإنك لا تجد من أنواع الجرم ما يقدم عليه صاحبه غافلا عن عظيم خطره إلا جرم اللسان وكأنه سهولة حركته بطبعه . ولذة التحدث بالأمور المستغربة وحسبان أن الطلام لا ينقص من المتكلم فيه شيئا محسوسا يذكر مع اعتياد الناس التساهل في القول والسماع كل ذلك جعل الناس يستهينون به ويحسبونه هينا وهو ذنب عند الله عظيم لذلك اهتم الشارع بحد القذف أعظم اهتمام فأنزل في حد السرقة آية واحدة وفي حد الزنا آيتين وفي حد قطاع الطريق آية أما حد القذف فقد أنزل فيه آيتين ثم أتبعه بنوع آخر منه وهو ( اللعان ) فأنزل فيه خمس آيات ثم أردفه بذكر حديث الافك فأنزل فيه تسع آيات ثم أتبع ذلك كله فأنزل أربع آيات في النهي عن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات إلى أن قال : ( أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } فكأن الله تعالى أنزل في حد ( القذف ) وأحكامه وأنواعه وبيان عقابه وشرح الأضرار المترتبة عليه في المجتمع والنهي عنه والتحذير من الوقوع يه وفظاعة الإقدام عليه أنزل في ذلك ( عشرين ) آية في سورة النور
    ثم ذكر الله تعالى في ذكر هذه الآيات عقاب المجرم الذي يقذف الناسن ويهتك أعراضهم بأنه لم يستطيع إثبا البينة على قوله بأمور : أولا : أن يجلد ثمانين جلدة . ثانيا : ترد شهادته طول حياته . ثالثا : يصبح من أهل الفسوق والإجرام وأصحاب الكبائر . رابعا : يكون عند الله من الكاذبين خامسا : أنه ملعون في الدنيا ملعون في الآخرة سادسا : ان له عذابا عظيما عند الله قد ادخره له يوم القيامة سابعا : تشهد عليه جوارحه زيادة في الخزي والعار على رؤوس الأشهاد . ثامنا : ان الله تعالى يوفيهم جزاء فعلهم ويجزيهم حساب عملهم من القدر المستحق من أنواع العذاب في نار جهنم وقد أجمعت المة على أن القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكاب فقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا . وأولئك هم الفاسقون } وقوله تعالى : { فإذا لم يأتوا باشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون }
    والمعنى : أن من قذف مسلما أو مسلمة ولم ستطع إقامة البينة المطلوبة لإثبات قوله فهو كاذب عند الله أي حكمه في شريعة الله تعالى حكم الكاذب يقينا فيقام عليه حد الكاذب وقوله تعالى : { إن الذين يرمون الممحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذا بعظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانو ايعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين } آيات : 23 ، 24 ، 25 من سورة النور فقد بين الله تبارك وتعالى في هذه الآيات فظاعة تلك الجريمة وعظيم أمرها فشنع على من وقع فيها وشرح عظم خطرها وبين عقوبة مرتكبها ونهاية أمر فاعلها ووضح شديد وعيدها وأي وعيد أشد من اللعنة في الدنيا من الناس والملائكة والطرد من رحمة الله تعالى ورضوانه يوم القيامة واستحقاق العذب العظيم وتقرير ذنبه بشهادة جوارحه عليه في الآخرة أن القاذف مطالب في الجنيا لتصديق دعواه بأربعة شهداءن فالقاذف يوم القيامة يقوم في وجهه لتكذيبه خمسة شهود من أعضائه وجوارحه : لسانه ويداه ورجلاه تنكيلا لهن وفضيحة لشأنه جزاء وفاقا على محاولته فضيحة المحصنات الغلافلات المؤمنات
    وحسبك بختم الآية الكريمة بأن الله سيوفيه جزاءه الحق ويعلم المفتري على الناس الكذب إن لم يكن قد علم أن قوله هوة الحق المبين وقال تعالى : { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم ولا تعلمون } والعذاب المتوعد به في الدنيا شامل لحد القذف وما يصيب المتعرض للأعراض غالبا من مصائب الدهر ولحوق المخزيات وتسليط الألسنة على شرفه وعرضه تثير منه ما كمن بالباطل وبالصحيح ومن فتش عن عوراتهم فضحوه ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في قعر بيته وكما تجين تدانن وكما تفعل تجارى والجزاء من جنس العمل ومن زرع الحسرة حصد الندامة
    وأما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى وإذا كان هذا من شأن الذين يحبون بقلوبهم أن تنتشر الفاحشة وتشيع في المؤمنين فما بالك بمن يفترها ويروجها بنفسه ؟ وأما السنة فما رواه الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رشي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )
    وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من قذف مملوكه يقام عليه الحج يوم القيامة إلا أن يكون كما قال ) متفق عليه . ففي الحديث دليل على أنه لا يحد المالك في الدنيا أذا قذف مملوكه وإن كان جاخلا تحت عموم آية القذف بناء على أنه لم يرد بالإحصان الحرية وكذلك فعل الرسول صلوات مالله وسلامه عليه فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن من قوله ( ن الذين جاؤوا بالإفك ) إلى آخر ثماني عشرة آية ( فما نزل برجلين وامراة فضربوا الحد ) أخرجه أحمد والأربعة وأشار أليه الإمام البخاري والرجلان هما حان ومسطح وأما المرأة فهي حمنة بنت جحش فالحديث يدل على ثبوت حد القذف
    ما يبيح القذف
    قال العلماء : إن القذف ينقسم الى لا محظور ومباح وواجب فإذا لم يكن هناك ولد يريد نفيه فلا يجب وهل يباح أم لا ؟ ينظر وإن رآها بعينه تزني أو أقرت هي على نفسها ووقع في قلبه صدقها أو سمع ممن يثق بقوله أو لم يسمع ولكنه استفاض فيما بين الناس ان فلانا يزني بفلانة وقد شاهده الزوح يخرج من بينها أو رآها معه في بيت فإنه يباح له القذف في مثل هذه الحالات لتأكد التهمة ويجوز أن يمسكها ويستر عليها إن تابت أما إذا سمع الخبر ممن لا يوثق بقوله أو استفاض من بين الناس ولكن الزوج لم يره معها في خلوة أو بالعكس لم يحل له قذفها ولكن يجب عليه مراقبتها والتجسس عليها حتى يثبت له صدق الخبر أو كذبه حتى لا يكون ( ديوثا ) يقر الزنا في اهل بيته
    أما إذا كان ثم ولد يرد نفيه نظر : فإن تيقن أنه ليس منه بأن لم يكن وطئها الزوج أو وطئها لكنها أتت به لأقل من ستة أهشر من وقت الوطء أو لأكثر من أربع سنين يجب عليه القذف ونفي الولد باللعان لأنه ممنوع من استلحاق نسب الغير كما هو ممنوع من نفي نسبه كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله ولن يدخلها الله حنته ) فما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم كان الرجل أيضا كذلك
    أما إن احتمل أن يكون منه بأن أتت به لأكثر من ستةة أشهر من وقت الوطء ولدون أربع سنين نظر إن لم يكن قد استبرأها بحيضة أو استبرأها وأتت به لدون ستة أشهر من وقت الاستبراء لا يحل له القذف والنفي وإن اتهمها بالزنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين )
    ( 2 ) ( تعريفه شرعا
    القذف في اللغة الرمي وفي اصطلاح الفقهاء : نسبة من أحصن إلى الزنا صريحا أو دلالة وإنما سمي اتهام المسلم المحصن قذفا لأن الناطق بهذه الكلمة كالفاحشة ( الزنا ) يقذفها كما يقذف الحجر في حالة غضب لا يدري من أصابته في طريقها من محصنة بريئة وأبيها وأمها وأختها وأخيها وزوجها وبينها وعشيرتها وذويها كل أولئك قد نالهم ضرر من قذيفته الطائشة وهو ضاحك مسرور غافل لا يدري من آلام هؤلاء شيئا ويسمى ( فرية ) لأنه من الافتراء والكذب
    وقد وصف الله تعالى النساء بهذه الأوصاف الحميدة التي تناسب هذا المقام فالمحصنات هن المصونات كأنه جعل عليهن حصن منيع والغافلات : أي الخاليات الذهن عن التفكير في المنكر فضلا عن التوجه إليه والمؤمنات اللاتي آمن بالقران الكريم وأحكامه والتزمن حدود الإمان
    واسم الإحصان يقع على المتزوجة وعلى العفيفة وإن لم تتزوج لقوله تعالى في مريم : { والتي أحصنت فرجها } وهو مأخوذ منع الفرج فإذا تزوجت منعته إلا من زوجها وغير المتزوجة تمنعه على كل أحد
    وقد أتفق الأئمة رحمهم الله : على أن الحر البالغ العاقل المسلم المختار إذا قذف حرا عاقلا بالغا مسلما عفيفا لم يحمد في زنا في سالف الزمان أو قذف حرة بالغة عاقلة مسلمة عفيفة غير متلاعنة لم تحد في زنا مطيقة للوطء قذفها بصريح الزنا أو كنايته في غير دار الحرب وطلب المقذوف بنفسه إقامة حد القذف لزمه ثمانون جلدة إذا لم يستطع إقامة البينة لإثبات ما قاله بأربعة شهداء عدول
    وإنما اعتبروا الإسلام شرطا في الإحصان لقوله صلى الله عليه و سلم : ( من أشرك بالله فليس بمحصن ) واعتبروا العقل والبلوغ لقوله صلى الله عليه و سلم : ( رفع القلم عن ثلاث ) واعتبروا الحرية لأن العبد ناقص الدرجة فلا يعظم عليه التعيير بالزنا واعتبروا العفة عن الزنا لأن الحد مشروع لتكذيب القاذف فإذا كان المقذوف زانيا فالقاذف صاق في القذف وكذلك إن كان المقذوف وطىء امرأة بشبهة أو نكاح فاسد لآن فيه شبهة الزنا كما فيه شبهة الحل فكما إن احجى الشبهتين اسقطتت الحد عن الواطىء فكذا الأخرى تسقطه عن قاذفه أيضا واعتبروا الاختيار لأن المكره لا يقام عليه الحد بل يرفع عنه العقاب واعتبروا بها من شروط المحصن ان لا يحد في زنا في سالف الزمان حتى يكون محصنا ظاهرا
    فلو زنا في عنفوان شبابه مرة ثم تاب وحسن حاله وشاخ في الصلاح لا يحد قاذفه وكذلك لو زنا كافر أو رقيق ثم أسلم وعتق وصلح حاله فقذفه قاذف لاحد عليه بخلاف ما لوزنا في حال صغره أو جنونه ثم بلغ أو أفاق فقذفه يحد لأن فعل الصبي والمجنون لا يكون زنا ولو قذف عنينا أو مجبوبا أو رتقاء أو صغيرة لا تطيق فلا حد عليه ولو قذف محصنا فقبل ان يحد القاذف زنا المقذوف سقط الحد عن قاذفه لأن صدور الزنا يورث ريبة في حاله فيما مضى لأن الله تعالى كريم لا يهتك ستر عبده في أول ما يرتكب المعصية . فبظهوره يعلم أنه كان متصفا به من قبل روي أن رجلا زنا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال الرجل :
    والله ما زنيت إلا هذه فقال له عمر : كذبت إن الله لا يفضح عبده في أول مرة
    واتفق الأئمة على أن القذف الذي يجب به الحد هو أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا أو اللواط أو ينفيه عن نسبه إذا كانت أمه حرة مسلمة بصريح القول دون سائر المعاصي . وذلك لأن القذف بالزنا فيه من العار بدناءة النفس وهتك الستر وافتضاح السوءات وانتهاك الحرمات والدلالة على عدم الغيرة الذي هو من سمات أخس الحيوانات ما قرف به كل الموبقات فإن كان المرمي به امرأة كان فيه من جلب العار على قومها ما يؤدي إلى سفك الدماء . وقلما يغسل ذلك العار إلا بسفك الدماء وإن كان المرمي به رجلا كان فيه الدلالة على أنه ليس للعرض في نظره كرامة ولا للغيرة على نفسه سلطان وكان أمارة على أنه لو أصيب بما أصاب به الناس لاعتبره أمرا عاديا لاتثور للغيرة له نفسه ولا يغلي له دمه ولذلك قيل : لا يزني الغيور وكفى بهذا عارا وعيبا يلحق الأبناء والأحفاد وتبقى سيرته طوال الحقاب
    وقد أجمع الفقهاء على أن المراد بالرمي هنا في الآية الكريمة إنما هو الرمي بالزنا خاصة دون الرمي بالجرائم الأخرى . لعدة قرائن منها مجيء الآية بعد آية الزنا ومنها التعبير بالمحصنات وهن العفائف فدل ذلك على أن المراد بالرمي ورميهن بضد الفقاف . ونها قوله : { ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } يعني على صحة ما رموهن به ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير مشروط إلا في الزنا ومنها انعقاد الإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنان فيجب أن يكون المراد بالرمي في الآية هو الرمي بالزنا خاصة من بين سائر العيوب
    واتفق الفقهاء : على أنه لا يقام حد القذف على القاذف إلا إذا طلب المقذوف بنفسه إقامة حد القذف على قاذه . لآنه حقه من حيث دفع العار الذي لحقه فلو عفا عنه وتركه ولم يطلب إقامة الحد عليه فلا يقام الحد عليه

    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #266
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 87 الى صــــــــ
    99

    الحلقة (266)





    ألفاظ القذف
    ألفاظ القذف تنقسم إلى ثلاثة أقسام صريح وكناية وتعريض

    واتفق الفقهاء على أن الحد يقام بالقذف باللفظ الصريح كأن يقول : يا زانية أو زنيت أو زنى قبلك أو دبرك ولو قال : زنى بدنك فيه وجهان أحدهما كناية كقوله : زنت يدك لأن حقيقة الزنا من الفرج فلا يكون من سائر البدن إلا المعونة والثاني : وهو الأصح أنه صريح لأن الفعل إنما يصدر من جملة البدن والفرج آلة في الفعل وأما الكنايات فمثل أن يقول : يا فاسقة يا فاجرة يا خبيثة يا مؤاجرة يا ابنة الحرام أو امرأتي لا ترد يد لامس وبالعكس فهذا لا يكون قذفا فلا يحد إلا أن يريده . فإن قال : لم أقصد به القذف بالزنا وكذبه المقذوف فالقول قوله مع يمينه ويجب على الأمام أن يعزره بما يراه لأنه قد آذاه بذلك وألحق به الشينن ولأن الحدود لا تثبت بالقياس أما التعريض فقد اختلف فيه الفقهاء رحمهم الله تعالى
    الحنفية والشافعية في أحد آرائهم قالوا : لا يجب الحد في التعريض وإن نوى القذف وذلك مثل أن يقول : يا أبن الحلال أما فما زنيت أنا معروف النسب ليست أمي زانية ابحث عن أصلك أنا عفيف الفرج لأن التعريض بالقذف محتمل للقذف وغيره فرجب أن لا يحد لأن الصل براءة الذمة فلا يرجع عنه بالشك وإنما يجب عليه التعزير فقط لأن قذف غير المعين لا يحصل به كبير أذى للناس لأن كل واحد يقول المراد بذل غيري ولأن الاحتمال الذي في الاسم المستعار شبهة والحدود تدرأ بالشبهات
    المالكية قالوا : يجب إقامة الحد في التعريض مطلقا نوى به القذف أو لم يقو وذلك لأنه لا يخلو من قصد احد بذلك في نفسه فنأخذ له حقه منه وإن كنا لانعلم ذاته . تطهيرا لذلك القاذف من هذه العادة وتربية لنفسه الخبيثة وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الحد في التعريض روي أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال أحدهما للآخر : والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فاستشار عمر الناس في ذلك فقال قائل مدح أباه وأمه وقال آخرون : قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا فجلده ثمانين جلدة . ولأن الكناية قد تقوم بعرف العادة مقام النص الصريح وإن كان اللفظ فيها مستعملا في غير موضعه والتعريض خاص بالأكابر من أهل الدنيا الذين يراعون ناموسهم عند الخلق
    الشافعية في الرأي الثاني والحنابلة في إحدى روايتهم قالوا : إن نوى بالتعويض القذف وفسره به وجب إقامة حد القذف عليه وإن لم ينو لا حد عليه والقول قوله مع يمينه
    الحنابلة في روايتهم الثانية قالوا : يجب الحد على الإطلاق نوى أو لم ينون خصوصا إذا كان في حالة غضب وثورة لنها قرينة تفيد أنه يقصد إهانته وإلحاق العار بالمقذوف
    عدم قبول شهادته
    اتفق الأئمة على أن القاذف لا تقبل شهادته بعد إقامة الحد عليه لأن الشارع قد رتب على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء الجلد ثمانين جلدة ورد الشهادة أبدا والحكم عليه بالفسق حيث قال تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } أما الجلد فللزجر ولمقابلة الإيذاء بالإيذاء وأما رد الهشادة فهي عقوبة لسانية تشبه قطع يد السارق فكأنه روعي أن جزاء هذا اللسان الذي اقترف ذلك الإثم العظيم أن يهدر ويقطع أثره فلا يعتد بما يقوله ويشهد به فيما بين الناس فهو العدم سواء وأما تفسيقه فهو مبالغة في الزجر وإشارة إلى أن ما لقي من جزاء في الدنيا من الحد ورد الشهادة لم يعفه من اعتباره فاسقا خارا " عن أمر ربه وطاعته تبارك وتعالى وناهيك بهذه الجزاءات دلالة على عظم الخطب وشدة الخطر وإذا كان هذا في الرمي بالزنا والاتهام به فكيف يكون حال مقترف هذا الجرم الفاحش الشنيع ؟ فهذا الحكم مع دلالته على ما سبق له يدل دلالة بالغة على تفظيع جرم تلك الفاحشة وتشنيع أمرها وعناية الشارع بالتنزيه عنها والتنفير منها حتى يتطهر المجتمتع من آثامها وإذا حد الكافر في قذف لم تجز شهادته على أهل الذمة فترد تتمة لحده
    إذا كانت أم المقذوف كافرة أو أمة
    المالكية قالوا : يجب إقامة الحمد على القاذف سواء كانت أم المقذوف حرة أو أمة مسلمة أو كافرة لعموم لفظ الآية أو كان أبو المقذوف الحر المسلم عبدا أو كافرا على الراجح من المذهب
    الحنفية والشافعية قالوا : لا يجب إقامة الحد على القاذف إذا كانت أم المقذوف أمة أو كانت كتابية ويحد إذا كان أبو المقذوف الحر المسلم عبدا أو كافرا أو كان القاذف كافرا والعياذ بالله تعالى
    قبول شهادته قبل إقامة الحد عليه

    الشافعية والليث بن سعد قالوا : إذا وجب الحد على شخص بطلب شهادته ولزمه صفة الفسق قبل إقامة الحد عليه لأن الله تعالى رتب على القذف مع عدم الإتيان بالشهداء الأربعة امورا ثلاثة معظوفا بعضها على بعض بحرف الواو وهو لا يقتضي الترتيب فوجب أن لا يكون بعضها مرتبا على البعض فوجب أن لا يكون رد الشهادة مرتبا على إقامة الحد بل يجب أن يثبت رد الشهادة سواء أقيم الحد عليه أم لا ا ه
    الحنفية والمالكية قالوا : إذا ثبت حد القذف على شخص فإن شهادته تكون مقبول ما لم يحد فلا يتسم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد لأنه لو لزمته سمة الفسق لما جازت شهادته إذ كانت سمة الفسق مبطلة لشهادة من وسم بها
    وذلك لأن ظاهر الاية يقتضي ترتب وجوب الحد على مجموع القذف والعجز عن إقامة الشهادة فلو علقنا هذا الاحكم على القذف وحده قدح ذلك في كونه معلقا على الأمرين . ويذلك بخلاف زاهر الآية وايضا فوجوب الجلد حكم مرتب على مجموع أمرين فوجب أن لا يحصل بمجرد حصول أحدهما
    واتفق الأئمة على أن الحر لا يجلد في قذف عبده لآنه ملك يمينه فلا يعاقب بقذفه
    إذا قذف العبد حرا
    اتفق الأئمة على أن العبد إذا قذف حرا يجلد اربعين جلدة نصف حد الحر ذكرا أو أنثى . وذلك لما رواه الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه أن عليا عليه السلام قال : ( يجلد العبد في القذف أربعين ) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء وكلهم يضربون المملوك في القذف أربعين ) ولان جميع حدود الأحرار تنشطر بالرق
    ولأن الله عز و جل قال : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } فنص على أن حد الأمة في الزنا نصف حد الحرة ثم قاسوا العبد على الأمة في تنصيف حد الزنا ثم قاسوا تنصسف حد قذف العبد على تنصيف حد الزنا في حقه فرجع حاصل الأمر إلى تخصيص عموم الكتاب بهذا القياس والعبرة بحال القذف ولو تحرر بعد القذف وقبل إقامة الحد عليه لأنه كان رقيقا في حال القذف
    لو قال له : يا فارسي
    المالكية قالوا : لو قال لعربي يا نبطي أو يا رومي أو يا بربري أو قال لفارسي : يا رومي أو قال لرومي : يا فارسي ولم يكن في آبائه من هذه صفته فعليه الحد لأنه قذف في حقفه . ويلحقه به العار لما فيه من رائحة الطعن في نسبه وذلك لسد باب الأذى جملة أو قال له أنا عفيف الفرج
    الحنفية والشافعية والحنابة رحمهم الله تعالى قالوا : أنه لو قال له هذه الألفاظ فلا يجب عليه الحد لندرة فهم القذف بالزنا من مثل ذلك اللفظ والنادر لا حكم له غالبا ولأنه يراج به التشبيه في الخلاق
    ولو قال لامرأة زنيت بحمار أو ببعير أو بثور فلا حد عليه لأن الزنا ايلاج رجل ذكره في فرج الأنثى وما ذكره لا يعقل ولو قال لها زنيت بناقة أو بقرة أو ثوب أو جرهم فإنه يقام عليه الحد إذا لم يأت بالبينة
    وذلك لأن معناه أنها زنت واخذت البدل أو الجر من الزاني ولو قال هذا الرجل فاسق أو مخنث لا يحد ولو قال لها : زنيت وأنت صغيرة أو جامعك فلان جماعا حراما لا يجب عليه الحد لعدم الصراحة في القول إذ الجماع الحرام يكون بنكاح فاسد ولا بقوله : أشهد في رجل بأنك زان لأنه حال لقذف غيره ومن قال لآخر يا زاني فقالك لاب أنت فإنهما يحدان أذا طالب كل منهما الآخر وأثبت ما طالب به عند الحاكم لزمه حيئذ حق الله تعالى وهو الحد فلا يتمكن واحد منهما من إسقاطه فيحد كل واحد منهما بخلاف ما إذا قا له مثلا : يا خبيثن فقال له : بل أنت الخبيث تكافآ ولا يعزر كل منهما للآخر لأن التعزير لحق الآدمي وقد وجب له عليه ما وجب للآخر فتساقطا
    ومن قال لمسلم : يا فاسق أو يا خبيث أو يا كافر أو يا سارق أو يا مخنث أو يا قاتل النفس أو يا فاجرن أو يا تارك الصلاة وغير ذلك من قذفه بعيوب غير الزنان فلا يقام عليه الحد في كل هذه الألفاظ وإنما يعزره الحاكم بما يراه تأديبا له وزجرا من الضرب والسجن والتأنيب وخلافه . لأن هذه اللفاظ لا تلحق من العار والمهانة كما يلحقه من القذف بالزنا أو بنفي النسب
    الإقرار بالقذف
    اتفق الأئمة على أنه لو أقر بالقذف قبل قوله ويقام عليه الحد فإن رجع في إقراره قبل إقامة الحد عليه فلا يقبل رجوعة لأن للمقذوف حقا فيكذبه في الرجوع بخلاف ماهو خاص بحق الله تعالى لأنه لا مكذب له فيه فيقبل رجوعة
    وقيل لا يقبل رجوعه لأنه ألحق الشين والعار بالغيرن وشوه سمعته ويريد أن يبطل حق الغير في إقامة الحق ورد شرفه أما المجتمع ورفع العار عنه
    إذا أتى القاذف بالشهود
    اتفق العلماء على القاذف إذا أتى بأربعة من الشهود العدول من الرجال العقلاء يشهدون عليها بمارماها لا يقام عليه الحدن ولا يعتبر قاذفا ويثبت الزنا لأنه صادق في قوله ويقام الحد على الزانيةن إذا تمت الشهادة عليها بشروطها كما سبق ذلك فيعتبر شاهدا
    مبحث كيفية الشهادة
    اتفق الأئمة على أن الشهادة على الزنا لا تثبت إلا بأربعة شهداء بقوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } وقال تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } وقوله تعالى : { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء } وبما روي عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال : ( يا رسول الله أرايت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء . قال : نعم ) وإنما اشترطوا أربعة شهود لأنه فعل يغمض الاطلاع عليه فاحتيط فيه باشتراط الأربعة ولأنه يمس الكرامة والشرف فوجب الاحتياط والقة في إثباته بخلاف الباقي فإذا شهدوا على فعل الزنا أمام القضي يجب عليهم أن يذكروا الزاني ومن زنا بها ؟ فأنه قدر يراه على جارية فيظن أنها أجنبية ويجب أن يشهدوا أنا رأينا ذكره يدخل في فرجها دخول الميل في المكحلة فلو شهدوا مطلقا أنه زنى لا يثبت لأنهم ريما يرون المفاخذة زنا بخلاف ما لو قذف إنسانا فاعترف وقال : زنيت يجب الحد ولا يستفسر عن ذلك ولو أقر على نفسه بالزنا هل يشترط أن يستفسر ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) نعم كالشهود ( والثاني ) لا يجب كما في الإقرار بالقذف
    الشافعية قالوا : لا فرق بين أن يجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين لأن الإتيان بأربعة شهداء قدر مشترك بين الإتيان بهم مجتمعين أو متفرقين واللفظ الدال على ما به الاشتراك لا إشعار له بما به الامتيازن فالآتي بهم متفرقين يكون عاملا بالنص فوجب أن يخرج عن العهدة ولأن كل حكم يثبت بشهادة الشهود إذا جاؤوا مجتمعين يثبت إذا جاؤوا متفرقين كسائر الأحكام بل هنا أولى لأنهم إذا جاؤوا متفرقين كان أبعد عن التهمة وعن أن يتلقن بعضهم من بعض فلذلك قلنا إذا وقعت ريبة للقاضي في شهادة الشهود فرقهم ليظهر على عورة إن كانت في شهادتهم ولآنه لا يشترط أن يشهدوا معا في حالة واحدة بل إذا اجتمعوا عند القاضي وكان يقدم واحدا بعد لآخر ويشهد فإنه تقبل شهادتهم فكذا إذا اجتمعوا على بابه ثم كان يدخل واحد بعد واحد
    الحنفية قالوا : إذا شهد الشهداء متفرقين فلا تقبل شهادتهم ويجب عليهم حد القذف لأن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة شهداء فوجب عليه الحد لقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا برابعة شهداء فاجلودهم ثماني جلدة } وأقصى ما في الباب أنهم عبروا عن ذلك القذف بلفظ الشهادة وذلك لا عبرة به لأنه يؤدي إلى إسقاط حد القذف رأسا لأن كل قاذف لا يعجزه لقظ الشهادة فيجعل ذلك وسلة إلى إساقط الحد عن نفسه وحصل مقصوده من قذف الأبرياءء الغافلين

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #267
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 87 الى صــــــــ
    99

    الحلقة (267)




    مبحث إذا قل الشهود عن أربعة
    المالكية قالوا : إذا كان الشهداء أقل من أربعة أعتبروا قذفة ويقام عليهم حد القذف ويجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة كما ورد في الآية الكريمة : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة }
    الحنفية والحنابلة والشافعية في بعض أقوالهم قالوا : إذا كان الشهود أقل من أربعة فلا يعتبرون قذفة ولا يقم عليهم حد القذف لآنهم جاؤوا شاهدين لا قاذفين فلا ذنب لهم ويسد باب الشهادة على الزنا
    الشافعية في قولهم الثاني قالوا : لو شهد في مجلس الحالكم دون أربعة من الرجال بزنا أحد الناس يقام عليهم الحد في الأظهر منمن المذهب . وذلك لآن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أقام الحد على الثلاثة الذي شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا رضي الله عنه كما ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه . ولم يخالفة أحد من الصحابة رضوان الله عليهم ولئلا يتخذ الناس صورة الشهادة ذريعة إلى الوقيعة في اعراض الناس ولا يقام عليهم الحد فهو من باب سد الذرائع
    ومحل الخلاف إذا شهدوا في مجلس القاضي أما لو شهدوا في غير مجلسه فهم قاذفون جزما وإن كانوا بلفظ الشهادة لأنه تبين أنهم لا يقصدون أداء الشهادة بل القذف والتشهير
    مبحث إذا جاء القاذف بشهود فسقة
    الحنفية قالوا : إذا قذف رجلا آخر فجاء بأربعة فساق شهداء على المقذوف بالزنا فإنه يسقط الحد عن القاذف ولا يقام الحد على الشهداء وذلك لقوله تعالى : { ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } وهذا قد أتى بأربعة شهداء فلا يلزمه الحد بالآية . ولأن الفاسق من أهل الشهادة وقد وجدت شرائط شهادة الزنا من اجتماعهم عند القاضي إلا أنهم لم تقبل شهادتهم لجل التهمة فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحد عن المشهود عليه فكذلك وجب أعبتارها في نفي الحد عنهم
    الشافعية في أحد اقوالهم قالوا : يقام الحد على لاشهود لأنهم غير موصوفين بالشرائط المعتبرة في قبول الشهادة فخرجوا عن أن يكونوا شاهدين فبقوا محض قاذفين وقيل في قول آخر : إنه لا يقام عليهم الحد كمذهب الحنفية
    واتفق الأئمة : على أن حد القذف يثبت بإقراره مرة واحدة وبشهادة رجلين وقيل : بامرأة مرتين
    واتفقوا : على أن حد القذف لا يبطل بالتقادم والرجوع لتعلق حق العبد به فيكذبه في الرجوع

    صيغة المبالغة
    الحنفية قالوا : من قال لرجل يا زانية بتار التأنيث فلا يعد قاذفا ولا يقام عليه الحد لأنه رماه بمايستحيل منه كما لو قذف مقطوع الذكر أو اماة رتقاء فإنه لا يحد . ولا يحد في قذف الأخرس لاحتمال أن يصدقه في قوله لو نطق وفي الولين كذبه ثابت بيقين فانتفى إلحاق الشين إلا بنفسه وكذا لو قال له : أنت أزنى من فلان أو أنت أزنى الناس أو أزنى الزناة لأن أفعل في مثل يستعمل للترجيح في العلم فكأنه قا : أنت أعلم به فلا حد عليه لهذه الشبهة . ولو قال لامرأة يا زاني وجب عليه الحدن لأن الترجيح شائع
    الشافعية قالوا : لو قال لرجل : يا زانية يحد لأن قذفه على المبالغةن فإن التاء تزاد له كما في لفظ علامة ونسابة ولا يحد إذا قذف المجبوب أو الرتقاء أو الخنثى المشكل إلا إذا رماه بأنه أتي من دبرهن فإنه يعد قاذفا ويقام عليه الحد لأنه يلحقه شين مثل الزنا
    المالكية قالوا : لا يحد من رمى مقطوع الذكر أو العنين أو التي في فرجها عظم لأنه ظهر كذبه في الواقع ولا يلحقهم شين بهذا القول لاستحالة الزنا من هؤلاءن ويقام الحد عليه إذا رمى واحدا من هؤلاء بأنه أتي في دبره وكذلك المخنث والمشكل . لآن المالكية قالو : يزاد في شروط المقذوف السابقة المتفق عليها في القذف بالزنا أربعة :
    - 1 - البلوغ في الذكر الفاعل
    - 2 - والإطاقة في الأنثى والذكر المفعول به
    - 3 - والعقل والعفة
    - 4 - والآلة ولو قال له :

    أنا عفيف الفرج فعليه الحد أما إذا لم يرد ( الفرج ) فلا حد عليه بل يؤدب لأن العفة تكون في الفرج وغيره كالمطعم ولو قال لها : يا محبة أو يافاجرة أو ياعاهرة أو يا صبية لأنه يدل عرفا على الزنا فيحد ولو قال له : يا علق بكسر العين أو يا مخنث وجب إقامة الحد عليه لأنهما يدلان على أنه مفعول به فيحد قائل ذلك حيث كان المقذوف مطيقا للجماع وطالب المقذوف بإقامة حد القذف على قاذفه
    مبحث إذا قذف شخصا مرارا
    اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أنه إن قذف شخصا واحدا مرارا كثيرة في ملجس واحد أو في مجالس مختلفة وسواء كان القذف بكلمة واحدة أو بكلمات لواحد أو لجماعة . فلا يتكرر الجلد بتكرر القذف بل يجب عليه حد واحد ولو قذف قذفين لواحد فحد واحد أيضا إلا أن يكرر القذف بعد إقامة الحد فإنه يعاد عليه الحد ولو لم يصرح باللفظ بأن قال بعد الحد والله ما كذبت أو لقد صدقت فيما قلت أو غير ذلك من الألفاظ التي تدل على الاتهما بجريمة الزنا لأنه تعتبر حدا جديدا بعد الحد الول
    واتقوا على أنه إن - قذف واحدا حد ثم إن قذفه ثانية حد حدا ثانيا وإن عاد وقذفه ثالثة حد أيضا مرة ثالثة وهكذا
    مبحث إذا قذف جماعة
    الحنفية والمالكية قالوا : إن قذف جماعة في مجلس أو مجالس مختلفة بكلمة أو كلمات مجتمعين أو متفرقين فعليه حد واحد فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك فإن الحد يجري في التداخل
    واحتجوا على ذلك بالقرآن الكريم فإن الله تعالى قال : { والذين يرمون المحصنات } والمعنى أن كل واحد يرمي المحصنات وجب عليه الجلد وذلك يقتضي أن قاذف الجماهة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين جلدة فمن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فقد خالف الآية الكريمة
    وأما السنة فما روى عكرمة عن أبن عباس رضي الله عنهما : ( أن هلال بن امية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه و سلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( إما البينة أو حد في ظهرك ) لم يوجب النبي صلى الله عليه و سلم على هلال إلا حدا واحدا مع قذفه لامرأته وقذفه لشريك بن سحماء إلى أن نزلت آية اللعان فأقيم اللعان على الزوجات مقام الحد في الأجنبيات وأما القياس فهو أن سائر ما يوجب الحد إذا وجد فيه مرارا لم يجب إلا حد كحد واحد كمن زنى مرارا أو شرب الخمر مرارا أو سرق مرارا قبل إقامة الحد عليه فيكفي حد واحد والمعنى الجامع من إقامة الحد هو دفع الضرر وقد حصل فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك . ولو قال كلكم زان إلا واحدا يجب عليه الحد لأن القذف فيه موجب للحد فكان لكل واحد أن يدعي
    الشافعية في أحد آرائهم قالوا : إنه يحد لكل واحد حدا على انفراد لاختلاف المقذوف . ولأن قوله تعالى في الآية الكريمة { والذين } صيغة جمع وقوله : { المحصنات } صيغة الجمع أيضا والجمع إذا قوبل بالجمع يقابل ( الفرد بالفرد ) فيصير المعنى كل من رمى محصنا واحدا وجب عليه الحد وتمسك أيضا بقول تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } فإن الآية تدل على ترتيب الجلد على رمي المحصن من حيث أن هذا المسمى يوجب الجلد وإذا ثبت هذا فنقول : إذا قذف واحدا صار ذلك القذف موجبا للجلد فإذا قذف الثاني وجب أن يكون القذف موجبا للحد أيضا ثم موجب القذف الثاني لا يجوز أن يكون هو الموجب للحد الأول . لأن ذلك قد وجب بالقذف الول وإيجاب الواجب محال فوجب أن يكون بالقذف الثاني حدا ثانيا وأما القياس فإن حد القذف حق الآدمي بدليل أنه لا حد إلا بمطالبة المقذوف
    وقوق الآدمي لا تتداخل بخلاف حد الزنا فإنه حق لله تعالى هذا كله إذا قذف جماعة كل واحد منهم بكلمة على حدة . أما إذا قذفهم بكلمة على حدة . أما إذا قذفهم بكلمة واحدة فقال : أنتم زناة أو زنيتم ففيه قولان : ( أصحهما ) وهو قوله في الجديد يجب لكل واحد حد كالم لأنه من حقوق العباد فلا يتداخل ولأنه أدخل على كل واحد منهم معرة فصار كما لو قذفهم بكلمات وفي القديم لا يجب للكل إلا حد واحد اعتبارا باللفظ فإن اللفظ واحد والأول أصح لأنه أوفق لمفهوم الآية فعلى هذا لو قال لرجل : يا أبن الزانيين يكون قذفا لأبويه بكلو واحدة فيجب عليه حدان

    الحنابلة في أظهر روايتهم قالوا : إن قازفهم بكلمة واحدة يتم عليه حد واحد وإن قذفهم بكلمات فيجعل لكل واحد حد
    والثاني من روايتهم : أنهم قالوا : إن طلبوه متفرقين حد لكل واحد منهم حدا وإن لم يطلبوه فيجب حد واحد للجميع

    المالكية قالوا : إن قذف شخصا كان هو المقذوف الأول أو غيره في اثناء الحد ألغى ما مضى وابتدأ للمقذوفين حدا حدا إلا أن يبقى من الأول اليسير وهو ماجون النصف أو خمسة عشر فيكمل الأول ثم يستأنف للثاني فيستوي له الحد فالحد يجري فيه التداخل عندهم
    الحنفية قالوا : إن الحدود تتداخل فلو ضرب القاذف تسعة وسبعين سوطا ثم قذف قذفا آخر فلا يضرب إلا ذلك السوط الواحد للتداخلن لأنه اجتمع الحدان لأن كما الحد الأول بالسوط الذي بقي وحكي أن أبن أبي ليلى سمع من يقول لشخص : يا ابن الزانيين فحده حدين في المسجد في وقت واحد فبلغ الإمام أبا حنيفة فقال : " يا للعجب لقاضي بلدنا أخطأ في مسألة واحدة في خمسة مواضع .
    الأول : أخذه بدون طلب المقذوف
    والثاني : أنه لو خاصم وجب حد واحد
    والثالث : أنه إن كان الواجب عنده حدين ينبغي أن يتربص بينهما يوما أو أكثر حتى يخف أثر الضر بالأول عن القاذف
    والرابع : ضربه في المسجد
    والخامس : ينبغي أن يتعرف أن والديه في الأحياء أو لا ؟ فإن كان حيين فالخصومة لهما وإلا فالخصومة للابن "

    وإذا قذف عبدا حرا فأعتق فقذف آخر فاجتمعا ضرب ثمانين سوطا ولو جاء الأول فضرب أربعين ثم جاء به الآخر تمم له الثمانين لأن الرعين وقع لهما يبقى الباقي أربعين ولو قذف آخر قبل أن يأتي به الثاني تكون الثمانون لهما جيمعا ولا يضرب ثمانين مسأنفا لأن ما بقي تمامه حد الأحرار فجاز أن يدخل فيه الأحرار وذلك لتداخل حد القذف
    الشافعية قالوا : إن اختلف المقذوف أو المقذوف به وهو الزنا لا يتداخل لأن الغلب في حد القذف حق العبد عندهم فإن قذف جماعة بكلمات أو قذف واحدا مرات بزنا آخر يجب لكل قذف حد

    مبحث إذا قذف الصبي أو المجنون زوجته

    إذا قذف الصبي أو المجنون امرأته أو أجنبيا فلا حد عليهما ولا لعان لا في الاحال ولا بعد البلوغ لسقوط التكليف عنهما لقوله صلى الله عليه و سلم : ( رفع القلم عن ثلاث ) ولكن يعزران للتأديب إن كان لهما تمييز فلو لم تتفق إقامة التعزير على الصبي حتى بلغ يسقط عنه التعزير
    قذف الأخرس
    الحنفية قالوا : لا يصح قذف الأخرس ولا لعانه . ولا يقام عليه الحد لأن إشارته غير مفهومة وفيها شك وشبهة والحدود تدرأ بالشبهات
    الشافعية قالوا : إن الأخرس إذا كانت له إشارة مفهومة أو كتابة معلومة وقذف محصنا أو محصنة بالإشارة أو بالكتابة لزمه الحد وكذا يصح لعانه وهو قول أقرب إلى ظاهر الآية الكريمة لأن من كتب أو أشار إلى القذف وفهم منه ذلك فقد رمى المحصنة وألحق العار بها فوجب اندراجه تحت الظاهر ولأنا نقيس قذفه ولعانه على سائر الأحكام
    قذف الكافر
    اتفق الأئمة رحمهم الله على دخول الكافر تحت عموم الآية في قوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات } لأن الاسم يتناوله ولا مانع فللمسيحي واليهودي إذا قذف المسلم يجلد ثمانين سوطا مثل المسلم
    وإذا دخل الحربي دارنا بامان فقذف مسلما حدا لأن فيه حق العبدن وقد التزم إيفاء حقوق العباد ولأنه طمع في أن لا يؤذى فيكون ملتزما بالضرورة أن لا يؤذي
    قذف المجوسي بعد إسلامه
    الحنفية قالوا : إذا قذف رجل مجوسيا تزوج بأمه أو أخته أو بنته ثم أسلم ففسخ نكاحهما فقذفه مسلم في حال إسلامه يقام عليه الحد بناء على أن انكحتهم لها حكم الصحة عندهم
    الشافعية والمالكية والحنابلة رحمهم الله تعالى قالوا : إذا قذف مسلم مجوسيا بعد إسلامه فلا يحد لأن أنكحتهم ليس لها حكم الصحة عندهم فلا يكون المجوسي محصنا
    الحكم إذا مات المقذوف
    الحنفية قالوا : إن حد القذف لا يورث بل يسقط بموت المقذوف قبل إقامة الحد على قاذفه وإذا مات بعد ما اقيم عليه بعض الحد سقط الباقي لأنه حق لله تعالى ولم يثبت جليل من الكتاب والسنة علىلا أن الشرع جعل الوارث له حق المطالبة بحد القذف على الميتم المقذوف أو وصيه ولن حد القذف لو كان مورثا لكان للزوج أو الزوجة فيه نصيب ولأنه حق ليس فيه معنى المال والوثيقة فلا يورث كالوكالة والمضاربة ولا ينقلب مالا عند سقوطه ولا ستحلف عليه القاذف ويتصف بالرق
    الشافعية والحنابلة قالوا : إن حد القذف يورث فإذا مات المقذوف قبل استيفاء الحد فيقام الباقي والعفو يثبت للوارث في حد القذف وكذلك إذا كان الواجب بحقه التعزير فإنه يوؤث عنه وكذا لو أنشأ القذف بعد المورث ثبت لوارثه طلبه الحد وذلك لأن حد القذف هو حق الآدمي لأنه يسقط بعفوه ولا يستوفى إلا بطلبه ويحلف فيه المدعي إذا أنكر وإذا كان حق الآدمي وجب أن يورث لقوله عليه الصلاة و السلام : ( ومن ترك حقا فلورثته ) ولا تبطل الشهادة بالتقادم ويجب على المأمن ولا يصح الرجوع عنه بعد الإقرار به
    وفيمن يرث ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعية :

    الأول : وهو الأصح عند الشافعية أنه يرثه جميع الورثة كالمال لا فرق بين النساء والرجال
    الثاني : يرثه ذوو الأنساب فيخرج منه الزوجان لأن الزوجين يصح افتراقهما أو غبدال كل واحد بغير صاحبة ولن الزوجية ترتفع بالموت ولآن المقصود من الحد دفع العار عن النسب وذلك لا يلحق الزوج والزوجة لبعد القرابة بينهما
    الثالث : إنه يرثه العصبات فقط دون النساء لشدة ارتباط العصبة بعضهم ببعض فكانوا أشد تعلقا وارتباطا بالمقذوف من مطلق الوثة وذلك مرجوح

    المالكية قالوا : للمقذوف حق المطالبة بحق قاذفه وإن علم المقذوف على أن مارمي به منصف به لأنه أفسد عليه عرضه وليس للقاذف تحليف المقذوف على أنه بريء مما رماه به وللوارث الحق بالقيام والمطالبة بحق مورثه المقذوف قبل الموت أو بعده لأن المعرة تلحق الواث بقذف مورثهن خصوصا إذا كان الميت أوصاه بغقامة الحد فليس للوارث في هذه الحالة العفو ولا المماطلة بل يجب على الحاكم تنفيذه وللأبعد من المورثة كابن الابن القيام بطلب حق مورثه من إقامة حد القذف فيتقدم الابن ثم ابنه الخ . . إن سكت الأب وقيل : يجوز للأب القيام بالمطالبة بحد القذف مع وجود الأقرب وإن لم يسكت الأقرب لأن المعرة تلحق الجميع لا فرق بين الأقرب والبعد
    أما الزوجان فليس لحدهما حق المطالبة بإقامة الحد للآخر لأن أحدهما ليس وليا للآخر ولا تلحقه به معرة بعد موته ما لم يكن أحدهما قد أوصى الآخر بالمطالبة بحقه في إقامة الحد على القاذف قبل وفاته في أن يطالب بالحد لأنه يصبح وليا مثل الوارث
    الحنفية قالوا : لو قال له : يا أبن الزانية وأمه ميتة محصنة فطلب الابن بحده حد القاذف لأنه قذف محصنة بعد موتها ولا يصح أن يطالب بحق الميت في حد القذف إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه ويلحقه العار به وهو الوالد وإن علا والولد وإن سفل لأن العار يلتصق بهما لمطانة الجزئية فيكون القذف متناولا لهم معنى فلذلك يثبت لهم حق المطالبة
    مبحث من قذف ميتا
    وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد المطالبة بحد القذف لأنه عيره بقذف محصن فيأخذه بالحد وذلك لأن الإحصان في الذي ينسب إلى الزنا شرط ليقع تعبيرا عن الكمال
    مطالبة العبد لسيده والولد لوالده
    الحنفية والشافعية والحنابلة قالوا : ليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة التي قذفها في حال موتها بأن قال السيد لعبده : يا أبن الزانية وأمه ميتة وليس للابن أن يطالب أباه بقذف امه الحرة المسلمة التي قذفها في حال موتها بأن قال له : با أبن الزانية لأن الب لا يعقاقب بسبب فرعه ولهذا لا يقاد الوالد بولده ولا يقطع بسرقته لقوله تعالى : { فلا تقل لهما أف } وقوله عليه الصلاة و السلام ( لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده ) وللإجماع على كونه لا يقاد به فإن غهدار جنايته على نفس الولد توجب إهدارها في عرضه بطريق أولى مع أن القصاص متيقن بسببه والغالب فيه حق العبد ولأن المولى لا يعاقب بسبب عبده وذلك لأن حق عبده حقه فلا يجوز أن يعاقب بسبب حق نفسه ولقثول صلوات الله وسلامه عليه ( لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده ) ولان العبد من أموال السيد وملك له فلا حق له عليه
    المالكية في المشهور من المذهب قالوا : إذا قذف الوالد ابنه فقال له : يا أبن الزانية بعد موت أمه الحرة المسلمة المحصنة فإنه يجوز للابن أن يطالب أباه بقذف أمه ويقيم عليه الحد القذف كغيره من الجانب وذلك لإطلاق الآية الكريمة { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } فالآية لم تفرق بين فرد وآخر ولا بين قريب وبعيد ولآنه حد هو حق الله تعالى فلا يمنع من إقامته قرابة الأولاد
    وقال المالكية : إذا حد الب سقطت عدالة الابن لمبائرته سبب عقوبة أبيه مع قول الله تعالى : { ولا تقل لهم أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما }
    وأجمع الأئمة على أنه إذا كان لزوجته الميتة التي قال لولدها بعد موتها : يا أبن الزانية ولد آخر من غيره كان له حق المطالبة بحد القذف . لأن لكل منهما حق الخصومة وظهر في حق أحدهما مانع دون الآخر فيعمل المقتضى عمله في الآخر ولذا لو كان جماعة يستحقون المطالبة فعفا ا دهم كان للآخر المطالبة به بخلاف عقو أحد مستحقي القصاص فإنه يمنع استيفاء الآخر لأن القصاص حق واحد للميت موروث للوارثين فباسقاط أحدهما بالعفو لا يتصور بقاؤه لأن القتل الواحد لا يتصور تجزئته أما هنا فالحق في الحد لله تعالى
    قالوا : ومن قال لغيره : يا زاني فقال : لا بل أنت فإنهما يحدان لأن معناه لا بل أنت زان إذ هي كلمة عطف يستدرك بها الغلط فيصير الخبر المذكور في الأول مذكورا في الثاني
    قال لامرأته : يا زانية فقالت : لا بل أنت حدت المرأة خاصة إذا ترافعا ولا لعان لنهما قاذفان وقذف الرجل زوجته يوجب اللعان وقذفها إياه يوجب الحد عليهما والأصل أن الحدين إذا اجتمعا وفي تقديم أحدهما اسقاط للآخر وجب تقديمه احتيالا للدرء واللعان قائم مقام الحد فهو في معناه وبتقديم حد المرأة يبطل اللعان لأنها تصير محدودة في قذف . واللعان لا يجري بين المحدودة في القذف وبين زوجها لأنه شهادة ولا شهادة للمحدود في القذف
    قالوا : ولو كانت قالت في جواب قوله : يا زانية زنيت بك فلا حد ولا لعان لوقوع الشك في كل منهما لأنه يحتمل أنها أرادت الزنا قبل النكاح فتكون قد صدقت في نسبتها إلى الزنان فيسقط اللعان وقذفته حيث نسبته إلى الزنا ولم سصدقها عليه فيجب الحد دون اللعان ويحتمل أنها ارادت زناء مان معك بعد النكاح لآني ما مكنت أحدا غيرك . وهو المراد في مثل هذن الحالة وعلى هذا الاعتبار يجب اللعان دون الحد على المرأة لوجود القذف منه وعدمه منها فعلى تقدير يجب الحد دون اللعان وعلىم تقدير يجب اللعان دون الحد والحكم بتعين أحد التقديرين فوقع الشك في كل من وجب اللعان والحد فلا يجب واحد منهما بالشك )


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #268
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 100 الى صــــــــ
    108

    الحلقة (268)


    إجماع الشرائع على أن القذف اعتداء على الأعراض
    - وقد اجمعت الشرائع والعقول على أن القذف بهذا المعنى اعتداء على الأعراض التي يقتضي النظام العام صيانتها خصوصا إذا لوحظ ما يترتب عليه من شر وفاسدن لأن قذف المحصنات بالزنا يوجب لا محالة العداوة والبغضاء بين الأسر ويولد الضغائن والأحقاد في نفوس الناس وربما أفضى إلى الانتقام بقل النفس وذلك شر وبيل يجب أن توضع له عقوبة تحذر الناس عنه فلا يطلقون لألسنتهم العنان فيه حذرا مما يترتب عليه من شر وفساد
    مبحث اعتراض الجهلة على حد القذف
    - إن بعض الناس يتخيل أن عقوبة الجلد شديدة ولا تناسب المدنية الحاضرة . والجواب عن مثل هذا هو أن يقال : ينبغي لمن يتكلم بهذا أن يدرك اولا معنى الجريمة ومعنى ما يترتب عليها من الآثار التي تؤذي المجتمع الإنسانين ثم يقارن بينها وبين العقوبة ليعلم أن الغرض من العقوبة إنما هو زجر الناس عن كل فعل أو قول يضر بالمجتمع ويؤذي أفراده وجماعته فإذا فشت الجرائم بين الناس وأصبح كل واحد غير آمن على عرضه أو نفسه أو ماله فإنه لا يكون لهذا معنى الإ أن الإنسان الذي ميزه الله تعالى بالعقل مساو للحيوان المفترس الذي يعتدي فويه على ضعيفة وذلك هو الهلاك والفناء للأفراد والجماعات فلا بد من زاجر يزجر المجرمين فاسدي الخلاق ويوقفهم عند الحد الذي يصلح للبقاي ولا بد أن يكون ذلك الزاجر قاطعا للدابر الجريمة كي لا يكون لها أثر بين الناس فمن مصلحة المجتمع ومصلحة المجرمين أنفسهم أن تكون العقوبة زاجرة بصرف النظر عن تفاوت حال المجرمين في الرقة والخشونة أو الذكورة والنوثة فإن ذات الجريمة واحدن وآثارها الضارة واحدة ولا يليق بعاقل مشرع أن يقول : إن المحرم الذي يهاجم أعراض الناس فيثلمها بلسانه كذبا وافتراء لا يستحق عقوبة الضرب الموجعة
    بل الواجب أن يقول : إن هذه الجريمة لها اسوأ الأثر بين الأفراد والجماعات فيجب أن توضع لها عقوبة تقلعها من أساسها فالعقوبة التي وصفها الله تعالى لازمة ضرورية
    فعلى المؤمنين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن ينزهوا ألسنتهم عن قذف الناس بهذه الفاحشة إن لم يكن خوفا من العقوبة الدنيوية فخوفا من الله الذي وصفهم بأنهم ( فاسقون )
    أما المستهترون الذين لا يبالون أمر الله عز و جل ولا يخشونه فإن هؤلاء أحط من الأنعام فلا زاجر لهم إلا بما يؤذيهم وإلاتمادوا في نهش أعراض الناس بدون حساب ( 1 )
    مبحث العفو عن القاذف
    - الشافعية والحنابلة قالوا : إن للمقذوف الحق في أن يقفو عن قاذفه ويسقط بذلك العفو حد القذف وفي ذلك سعة فإذا سبق لسان أحد إلى قذف شخص بهذه الفاحشة فإنه يصح له أن يسترضيه ويزيل ذلك الأثر من نفسه فاذ عقفا عنه فإن عفوه يصح سواء كان قبل رفع الأمر للحاكم أو بعده
    المالكية يوافقون على هذا الرأي إذا كان العفو قبل أن يرف الآمر للحاكم أما بعد رفع الآمر للحاكم فإن العفو يصح إذا كان المقذوغ يخاف على نفسه سوء السمعة أما بعد رفع الأمر للحاكمن فإن العفو يصح إذا كان المقذوف يخاف على نفسه سوء السمعة أما إذا كان مشهورا بالفعة ولا تؤذيه إذاعة التهمة فإن العفو لا يصح
    وعلى أي حال فإن القول بصحة عقو المقذوف معقول لأنه هو الذي وقع عليه ضرر القذف ومتى عفا ذهب أثر الجريمة الضار فإذا قذفه ثانيا بعد العفو فإنه لا يحد ولكن يعزر كي لا يعود إلى شتمه
    ويمكنك أن تقول : إن العفو يسقط حد القاذف عند الأئمة الثلاثة خلافا للحنفية ومع ذلك فإن الحنفية يقولون : أنه لا يقام إلا إذا رفع المقذوف الأمر للحاكم ( 2 )
    مبحث من نسبه إلى عمه أو خاله
    الحنفية قالوا : ومن نسب إنسانا إلى عمه أو خاله أو إلى زوج أمه فليس بقاذف لأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا فلأول وهو تسمية العم أبا لقول تعالى : { وإله آبائك إبراهيم واسماعيل وإسحاق } وإسماعيل كان عما ليعقوب عليهم الصلاة والسلام والثاني لقوله عليه الصلاة و السلام ( الخال والد من لا والد له ) والثالث للتربية وقيل في قوله تعالى : { إن ابني من أهلي } أنه كان أبن امرأته ومن قال لآخر : يازاني فقال له الآخر : لا بل أنت فإنهما يحدان إذا طالب كل منهما الآخر لأنهما قاذفان وإذا طالب كل الآخر واثبت ما طالب به عند الحاكم لزمه حينئذ حق الله تعالى وهو إقامة الحد فلا يتمكن واحد منهما من ساقاطه فيحد كل منهما بخلاف ما لو قال له مثلا : يا خبيث فقال له : بل أنت تكافآ ولا يعزر كل منهما للآخر لأنه حق للآدمي فتساقطا
    مبحث إذا ظهر أن الشهود كفار أو عبيد
    الشافعية قالوا : لو الزوج بزنا زوجته كان قاذفا لها فيحد حد القذف لأن شهادته بزناها غير مقبول عند القاضي للتهمة وعلى هذا لو شهد عليها دون أربعة حدوا جميعا لأنهم قذفة وكذا لو كان شهد أربع نسوة أو عبيد أو كفرة أو أهل ذمة أو مستأمنين فإنهم في كل هذه المسائل يحدون حد القذف على المذهب لأنهم ليسوا من أهل الشهادة . فلم يقصدوا بقوله إلا القذف
    والطريق الثاني في حدهم إننا نزلنا نقص الصفة في هؤلاء الشهداء منزلة نقص العدد فيحدون ومحل الخلاف إذا كانوا في مظاهر الحال بصفة الشهود ثم باتوا كفارا أو عبيدا وذلك لأن القاضي إذا علم حالهم من أول الأمر ردهم ولا يصغي إليهم فيكون قولهم قذفا محصنا قطعا من غير شك ( لأنه ليس في تعرضه شهادة )
    قالوا : لو شهد أربعة بالزنا وردت شهادتهم بفسق ولو مقطوعا به كالزنا وشرب الخمر لم يحدوا لعدم تمام شرائط الشهادة وفارق ما مر في المسائل الأولى في نقص العدد بأن نقص العدد متيقن وفسقهم إنما يعرف بالظن والاجتهاد وهو شبهة والحد يدرأ بالشبهات
    ولو شهد دون اربعة بالزنا فحدوا وعادوا مع رابع لم تقبل شهادتهم كالفاسق ترد شهادته ثم يتوب ويعيدها لم تقبل
    ولو شهد بالزنا عبيد فحدوا ثم عادوا بعد العتق قبلت شهادتهم لعدم اتهمامهم ولو شهد به خمسة فرجع واحد منهم عن شهادته لم يحد هو ولا غيره لقاء النساب ولو رجع اثنان من الخمسة حدا لأنهما ألحقا به العار دون الباقينن لتمام النصاب عند الشهادة مع عدم تقصيرهم ولو رجع واحد من أربعة حد وحده دون الباقين لما ذكر
    مسألة
    قالوا : إذا قذف إنسان إنسانا آخر بين يدي الحاكم أو قذف امرأته برجل يعينه والرجل غائب عن المجلس فعلى الحاكم أن يبعث إلى المقذوف ويخبره بأن فلانا قذفه وثبت لك حد القذف عليه كما لو ثبت له مال على آخر وهو لا يعلمه يلزمه إعلامه بذلك وقد بعث النبي صلى الله عليه و سلم أنيسا ليخبرها بأن فلانا قذفها بابنه ولم يبعثه الرسول ليبحث عن زناه ويتحققه
    الشافعي رحمه الله قال : ليس للإمام اذارمي رجل بزنا أن يبعث إليه فيسأله عن ذلك . لأن اللع تعالى قال : { ولا تجسسوا } وأراد به إذا لم يكن القاذف معينا مثل أن قال رجل : الناس يقولون إن فلانا زنى
    من قذف زوجته برجل
    الحنفية والشافعية والحنابلة ت قالوا : يجب اللعان بممجرد أن يقذف الرجل زوجته بالزنا إن طالبته بذلك لعموم قول تعالى : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم اربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين } الخ الآيات ولم تخص الآية في الزنا صفة دون صفة ويشترط أن يكون الزوج من اهل الشهادة وأن تكون الزوجة ممن يحد قاذفها وطالبته بذلك
    المالكية قالوا : لا يجوز اللعان بمجرد القذف بل لابد أني يدعي رؤية الزنا
    وحجتهم في ذلك ظاهر الأحاديث الواردة في ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم : منها قوله في حديث سعد بن عبادة - أرأيت لو أن رجلا وحد مع امرأته رجلا ) وحديث أبن عباس رضي الله عنهما وفيه : ( فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : والله يا رسول لقد رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه و سلم ما جاء به واشتد عليه فنزلت الآية الكريمة : { والذين يرمون أزواجهم } الآية وايضا فإن الدعوى يجب أن تكون مبينة كالشهادة سواء بسواء
    واتفق الأئمة : على أن من قذف زوجته بالزنا واجعى الرؤية يجب أن يجرى اللعان بينهما

    -------------------------
    ( 1 ) ( إن لله تعالى في طي كل مصيبة نعمة وفي كل بلية رحمة وإن لم يطلع على ذلك صاحبها ففي إقامة الحدود تأديب للمؤمنين وتربية لنفوسهم على الخير والبعد عن مواطن الشر وتطهير لألسنتهم والتحفظ بها عن الخوض في أعراض الناس وحفظا لهم من أن يقعوا في معصية الله تعالى ويصبحوا من الفاسقين وفي تشريع الحدود تطهير للمجتمع من الشرور والمفاسد التي تهلكهم وتفرق بين صفوفهم وإذا قارنا بين المجتمع الذي نعيش فيه وبين المجتمع الذي كان في عهد الرسول الله صلى الله عليه و سلم أدركنا الفرق الكبير والبون الشاسع بينهما . وذلك لإقامة الحدود في عهده وعهد الخلفاء الراشدين من بعده )
    ( 2 ) ( الشافعية والحنابلة في أظهر روايتهم قالوا : إن حد القذف حق للمقذوف وإن كان فيه حق الشرع تقديما لحق العبد باعتبار حاجته وغنى الشرع ولأن أكثر الأحكام تبنى عليه والمعقول يشهد له وهة أن العبد ينتفع بحد القذف على الخصوص مثل القصاص فلا يستوفى إلا بمطالبته وله أن يسقطه عن القاذف معفو عنه وله أن يبرىء منه وهو يورث عن المذوف وذلك لأن حق العبد في حد القذف غالب على حق الشرع وظاهر عليه لأن فيه صيانة أعراض الناس
    الحنفية قالوا : ليس للمقذول أن يسقط حد القذف عن القاذف ولا أن يعفو عنه ولا يمكنه أن يبرىء القاذف منه لأن الغالب فيه حق الله تعالى ولا خلاف أن فيه حق للعبد وحق الشرع ولأنه شرع لدفع العار عن المقذوف وهو الذي ينتفع به على الخصوص فمن هذا الوجه حق العبد وفيه معنى الزجر ولذلك يسمى حدا والمراد بالزجر إخلاء المجامتع من الفساد وتطهيره من المنكر وهذا علامة حق الشرع إذا لم يختص به إنسان دون غيره ولأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه فيصير حق العبد شرعيا له ولا كذلك عكسه لأنه لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة وهذا هو الصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها كالإرث لأنه يجري في حقوق العباد لا في حقوق الشرع فإن العبد يرث حق العبد بشرط كونه مالا والحد ليس شيئا من أنواع الأموال فيبل بالموت إذا لم يثبت دليل سمعي على استخلاف الشرع وإرث جعل له حق المطالبة أو وصية المطالبة التي جعلها شرطا لظهور حقه ومنها العفو فإنه بعدما ثبت عند الحاكم القذف والاحصان لو عفا المقذوف عن القاذف لا يصح منه ويحد فإن الحد لا يسقط بعد ثبوته عندهم إلا أن يقول المقذوف . لم يقذفني أو كذب شهودي وحينئذ يظهر أن القذف لم ينعقد موجبا للحد بخلاف العفو عن القصاص فإنه يسقط بعد وجوبه لأن القالب فيه حق العبد ومنها أنه لا يجوز الاعتياض عنه ويجري فيه التداخل حتى لو قذف شخصا مرات أو قذف جماعة كان فيه حد واحد إذا لم يتخلل حد بين القذفين ولو ادعى بعضهم فحدن ففي أثناء الحد ادعى آخرون كما ذلك الحد فقط
    قالوا : وإنما لا يصح عفوه لأنه عقو عما هو مولى عليه فيه وهو الإقامة ولأنه متعنت في العفو لأنه رضي بالعار الذي لحقه من القذف والرضا بالعار عار وذلك هو الأظهر من جهة الدليل والأشهر عند عامة المشايخ ومن أصحابهم من قال : إن الغالب في حد القذف حق العبد
    المالكية قالوا : إن حد القذف الغالب فيه حق العبد فلا يستوفى إلا بمطالبته وإن له اسقاطه إذا لم يرفع الأمر إلى الحاكم أما إذا رفع الأمر إلى الحاكم ووصل إليه فليس لأحد اسقاطه في هذه الحالة لأن العلماء اجمعوا على أن الحد إذا رفع إلى الحاكم وجب الحكم بإقامة الحد عليه وتحريم قبول الشفاعة في أسقاطه إلا أن يريد بذلك المقذوف الستر على نفسه من كثرة اللغط فيه وهو المشهور عندهم
    وقالوا : إن حد القذف لا يجوز الاعتياض عنه وإنه يجري فيه التداخل فلو قذف
    قذفين أو أكثر لواحد وجب حد واحد ولو قذف جماعة في مجلس أو مجالس بكلمة أو كلمات فعليه حد واحد ولو قذق جماعة في مجلس أو مجالس بكلمة أو كلمات فعليه حد
    واحد للجميع فإن طالب أحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن طالب منهم بعد ذلك . فلا يتكرر الجلد بتكرر القذف ولا بتعدد المقذوف إلا أن يكرر القذف بعد إقامة الحد فإنه يعاد عليه ولو لم يصرح به



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #269
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 109 الى صــــــــ
    115

    الحلقة (269)

    مبحث نفي الولد
    ومن أقر بولد ثم نفاه فإنه يلاعن لأن النسب لزمه بإقراره وبالنفي بعده صار قاذفا لزوجته فيلاعن وغن نفاه ثم أقر به حد لأنه قد أكذب نفسه وأبطل اللعان الذي كان وجب بنفيه الولد لأن اللعان حد ضروري صير إليه ضرورة التكاذب بين الزوجين في زنا الزوجة والأصل في اللعان أنه حد القاذف لأنه قذفها بلزنا فإذا بطل الصل وهو بطلان التطاذب صير إلى الأصل فيحد الرجل . والولد ولده في حالة ما إذا أقر بالولد ثم نفاه وما إذا نفاه أولا ثم اقر به لإقراره به سابقا فيثبت ولا ينفى بما بعده أو لاحقا فيثبت به بعد النفي
    وإن قال الزوج الذي جاءت زوجته بولد : ليس بابني ولا بابنك فلا حد ولا لعان لأنه إذا أنكر أنه ابنها أنكر الولاجة فكما نفى كونه ابنه لنفي ولادتها إياه وبنفي ولاتها لا يصير قاذفا لأنه إنكار الزنا منه
    الحنفية قالوا : ومن وطىء وطأ حراما في غير ملكة لم يحد قاذفه لفوات شرط العفة في حقه وهو من شروط الإحصان ولأن القاذف صادق فيما قاله فلا يقام عليه الحد لأنه غير قاذف
    الشافعية - قالوا : اذاسب إنسان إنسانا جاز للمسبوب أن يسب الساب بقدر ما سبه لقوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ولكن لا يجوز أن يسب أباه وأمه وإنما يجوز السب بما ليس كذبا ولا قذفا كقوله : يا ظالم يا أحمق يا بليد يا مغفل لأن أحدا لا يكاد ينفك عن ذلك وإذا انتصر بسبب خصمه فقد استوفى ظلامتهن وبرىء الأول من حقه
    مبحث إذا نفى الزوج الحمل
    التفق الفهاء على أن الزوج غاذ نفى الحمل ت بأن ادعى أنه استبرأها ولم يطأها بعد الاستبراء اتفقوا على جواز الحمل وإقامة اللعان
    وأما إن نفى الحمل مطلقا أختلف العلماء فيه
    المالكية في المشهور عندهم قالوا : إنه لا يجب اللعان بذلك
    الشافعية والحنابلة قالوا : لا معنى لهذا لأن المرأة قد تحمل برؤية الدم
    وقت نفي الحمل
    المالكية - قالوا : اشترطوا أنه إذا لم ينفه وهو حمل لم يجز له أن ينفيه بعد الولادة بلعان وحجتهم في ذلك الآثار المتواترة عن حديث أبن عباس وأبن مسعودن وأنس وسهيل بن سعد أن النبي صلى الله عليه و سلم حين حكم باللعان بين المتلاعنين قال : ( إن جاءت به على صفة كذا فما أراه إلا قد صدق عليها ) . فهذا يدل على أنها كانت حاملا وقت اللعان
    الشافعية قالوا : إذا علم الزوج بالحمل فأمكنه الحاكم من اللعان فلم يتلاعن لم يكن له حق أن ينفيه بعد الولادة
    الحنفية قالوا : لا ينفى الولد حتى تضع الزوجة وحجتهم في ذلك أن الحمل قد ينفش وقد يضمحل فلا وجه للعان إلا علىلا يقينن ولا يأتي اليقين إلا بعد الوضع
    من قذف الملاعنة
    الحنفية قالوا : من قذف امرأة وعنها أولاد لم يعرف لهم أب أو قذف الملاعنة بولد والولد حي أو قذفها بعد موت الولد لا حد عليه لقيام امارة الزنا منها وهي ولادة ولد لا أب له ففاتت العفة نظرا إليها وهي شرط الإحصان : أما لو قذف ولد الملاعنة نفسه أو ولد الزنا فإنه يحدن لما رواه اما أحمد في حديث هلال بن أمية من قوله : وقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ومن رماها ورمى ولدها فعليه الحد
    ولو قذف امرأة لاعنت بغير ولد فعليه الحد لعدم ثبوت الزنا وثبوت اماراته ولو أنه بعد اللعان ادعى الولد فحد أو لم يحد حتى مات فثبت نسب الولد منه فقذفها بعد ذلك قاذف غيره أو هو قبل موته حد ولا يحد الذي قذفها قبل تكذيب نفسه
    وكذا لو قامت البينة على الزوج أنه ادعاه وهو ينكر يثبت النسب منه ويحد ومن قذفها بعد ذلك يحد لأنها خرجت عن صورة الزواني
    الشافعية قالوا : في أحد آرائهم إن الملاعنة إذا قذفها أجنبي بذلك الزنا الذي لا عنت فيه لا يحد
    واعترض عليهم : بأن مقتضاه أن لا يحد الزوج لو قذفها أجنبي بعد اللعان ولكن المنصوص في الأصل أنه يحد بل الحق أنها لم يسقط إحصانها يوجه وقولهم اللعان قائم مقام حد الزنا في حقها . إنما يقتضي أن لا يحد قاذفها ولو كان معناه أنه وجب عليها الحد وجعل اللعان بدله وليس كذلك لأنه لا يجب الحد بمجرد دعوى الزنا عليه مع العجز إن إثباته يسقط احصانها . وإنما هو ليتبين الصادق منهما
    مبحث إقامة الحد
    ولا يستوفي حد القذف إلا بحضرة الإمام أو نائبه لاحتياجه إلى النظر والاجتهاد في شأنه ومن تكرر منه السرقة منه السرقة أو الزنا أو الشرب فحد فهو للكل وتتداخل الحدود
    أما لو زنى وسرق وقذف وشرب فإنه يحد على كل واحد منها حدا على حدة . لأنه لو ضرب لأحدهما فربما اعتقد أنه لا حد في الباقي فلا ينزجر عنها . ولا كذلك إذا احدث الجناية
    اجتماع الحدود
    وإذا اجتمع حد الزنا والسرقة والشرب والقذف وفقء العين مثلا يبدأ الحاكم بالفقء أولا فإذا برىء يحد بالقذف لما فيه من حق العبد ويحبس حتى يبرأ لأنه لو جمع عليه بين حدين ربما تلف والتلف ليس بواجب على الضارب فإذا برىء فللإمام الخيار إن شاء بدأ بالقطع وإن شاء بحد الزنا لتساويهما في الثبوت . وآخرها حد الشرب لأنه ثبت بالسنة وفعل الرسول صلى الله عليه و سلم واجماع الصحابة رضوان الله عليهم
    وإن كان الجاني محصنا بدأ الحاكم بالفقء ثم حد القذف ثم الرحم ويسقط الباقي لأن القتل يأتي على النفس فيؤدي إلى إسقاط بعض الحدود
    ومن حده الإمام أو عزره فمات من أثر الجلد فدمه هدر لأنه مأمور من جهة الشرع بإقامة الحد فلا يقيد بالسلامة ولأنه يسوف بحقه الله تعالى بأمره . فكأن الله تعالى أماته بغير سلطان فلا يجب الضمان
    اتفق الفقهاء : على أن السكران إذا قذف انسانا بالزنا في حالة السكر فإنه يحاسب على هذا القذف ويعاقب عليه ويقام عليه حد القذف بعد صحوه إذا طلب المقذوف إقامة الحد )
    مبحث مراعاة الشريعة لحال المجرم
    - ومما ينبغي ملا حظته أن إقامة الحد بالجلد يجب أن يراعى فيها حال المجرم واحتماله للعقوبة فإذا كان جسمه ضعيفا لا يحتمل أو كان مريضا فإنه يؤخر إلى أن يقوى على احتمال العقوبة فإذا كان ضعفه طبيعيا بحيث لا يرجى له قوة فإنه يجمع له أعواد بقدر العقوبة ويضرب بها مرة واحدة . وهذا هو رأي جماهير العلماء . ومن هذا كله يتضح لك أن الشدة في العقوبة إنما هي بالنسبة للفجار الأقوياء الذين يؤذون الناس بما يوجب حقدهم عليهم وعدم الصفح عنهم وهؤلاء شرهم على أنفسهم وعلى المجتمع شديد فلا ينبغي لأحد أن يرحمهم في أي زمان ومكان ( 1 )
    مبحث التوبة النصوح
    لقد عبر الله تعالى في الأية الكريمة في جانب { الذين يرمون المحصنات } بصيغة المذكر ( الذين ) وعبر في جانب المرمي بصيغة المؤنث ( المحصنات ) ولا فرق بين الذكور والإناث عند جميع الفقهاء في الرامي والمرمي فمن رمى غيره بالزنا واستوفى شروط الحد وجب على الحاكم حده سواء أكان كل من الرامي والمرمي رجلا أم امرأة وإنما اختير هذا التعبير أما في الأول فمن باب تغليب الذكور على الإناث فإنهما متى اجامعا في حكم شرعي عبر بصيغة كالذكور تغليبا لهم عليهن قال تعالى : { وكانت من القانتين } وأيضا في الغالب أو المفروض إن الرمي في هذه الفاحشة بعيد لأن ألسنة النساء اللاتي ينبغي أن يحوطهن الحياء والأدب فلا يكاد يقع منهن هذا البذاء . وأن الغالب في الرمي يكون من جانب الذكور
    وأما الثاني وهو اختيار صيغة المؤنث في جانب المرمي ( المقذوف ) فلأن أكثر ما توجه هذه التهمة الشنعية للنساء فهي لهن آلم وأوجع ولا يرمي بها الرامي إلا للنيل من المرمي بآلم ما يستطيع وهذا لا ينافي مساواة الرجال لهن في لحوق العار وإصابة الشرف وتنكيس العزة وضياع الكرامة وعلى ذلك يكون قيد التأنيث في الآية المستفاد من صيغة الجمع بالألف والتاء لا مفهوم له بل مثلهن في ذلك الذكور وليس هذا من باب قياس الرجال على النساء بل من باب إلغاء الفارق بين الفريقين . على أن الآية وردت في واقعة هي أن هلال بن أمية قد رمى زوجته بالزنا بشريك بن سحماء فجاء التقييد على وفق سبب النزول فإنها نزلت قي قصة هلال بن أمية حثنما شكا للرسول صلى الله عليه و سلم زوجته فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : ( البينة أو حد في ظهرك )
    وقد رتب الشارع على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء الجلد ثمانين جلدة ورد الشهادة والحكم عليه بالفسق
    وقد أردف جل شأنه ذلك الجزاء باستثناء التائبين فقال تعالى : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم }
    والتوبة هي الرجوع إلى الله بعد الاعراض عنه تعالى والإقبال عليه بعد الإدبار وكفى بالمعصية إعراضا وإدبارا بل فرارا من حظيرة قدسه وساحة رحمته
    والتوبة الصادقة النصوح تنتظم في معان ثلاثة تؤدي إلى تطهير القلب بل والجوارح أيضا من أدران الذنوب وأوساخ الخطايا وهذه المعاني الثلاثة هي معرفة ما في الذنب من الإضرار بالنفس والابتعاد عن ساحة الرحمة ومنزلة الرضوان وإنه لا يقدم عليه إلا عدو نفسه الذي غلبت عليه شهوته فلا تحصل التوبة دون أن يتحقق هذا المعنى تحققا يقينا وعلما حضوريا يشبه علمك أن في هذا الطعام الذي اشتهيته سما مهلكا قاتلا يخبرك به الطبيب الثقة فماذا يكون حالك وقد تورطت فأكلت الطعام اشتهاء أليس يدركك من الندم والحسرة ما ترتبك معه وتخور له قواك ألست تشعر حينئذ بحالة اكتئاب وحسرة على ما فرط منك تغلب عليك لذتك ابتئاسا - وفرحتك حزنا فهذا هو المعنى الثاني وهو الندم على ما وقع منك وليس مجرد الندم والحسرة ويقف الشخص مبهوتا غير مفكر إذا كان من أهل الصيرة كلا بل لا يسمى نادما حقيقة ويصدق في دعواه أنه ندم حتى يترتب على ندمه أثره الصحيح وذلك فعل يتعلق بما مضى وبما هو حاصل وبما يستقبل من الزمان فيقلغ عن الاستمرار في تناول ذلك الطعام الشهي حالا ويعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل وعمل على تخليص معدته مما سبق منه إليها في الماضي حتى يستريح باطنه من هذا السم القاتل هكذا شأن التوبة من الذنوب والخطايا ومقياس النندم أن يؤتي هذه الثمار الثلاث وهي :
    اولا الإقلاع فورا عن الاستمرار في الذنب الحالي ثانيا العزم على أن لا يعود في المستقبل أبدا ثالثا المبادرة إلى التخلص مما فرط منه في الماضي
    ومن ذلك أن ترد الحقوق إلى اصحابها وهذه هي التوبة الصحيحة المطهرة المقبولة حاما كما وعد الله جل شأنه ووعده لا يخلف وهذا معنى قولهم : التوبة تنتظم من علم وحال وعمل . والعمل يتعلق بالحال والاستقبال والماضي
    والإصلاح هو إزالة الخلل والفساد الطارىء على الشيء والمراد هنا في الآية إصلاح دات البين التي أفسدها بينه وبين من قذفه وذلك بأن يستسمحه مما فرط منه في حقه حتى يسامحه وذلك شأن التوبة والتخلص من حقوق العباد
    وقال بعض العلماء : غنه من مضى مدة عليه في حسن الحال تقبل شهادته وتعود ولايته ثم قدورا تلك المدة بسنة حتى تمر عليه الفصول الأربعة التي تتغير فيها الحوال والطباع كما يضرب للعنين أجل سنة . وأما قوله تعالى : { من بعد يذلك } فالتوبة لا تكون إلا بعد الذنب فإن سره التهويل في المر وتفظيع ما وقع فيه وتكبيره
    مبحث قبول توبة القاذف
    الحنفية قالوا : لا تقبل شهادة المحدود في قذف وإن تاب توبة صادقة وحسنت توبته لقوله تعالى : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } ولأن رد شهادته من تمام الحد لكونه مانعا فقى بعد التوبة كأصله بخلاف المردود في غير القذف لأن الرد للفسق وقد ارتفع بالتوبة
    وأصله : أن الاستثناء إذا تعقب جملا متعاطفة هل ينصرف إلى الكل أو إلى الجملة الأخيرة ؟
    فالحنفية قالوا : إن الاستثناء ينصرف إلى الجملة الأخيرة فقط وقد تقدم في الآية ثلاث جمل هي قوله تعالى : { فاجلدوهم } وقوله { ولاتقبلوا لهم شهادة أبدا } وقوله تعالى { وأولئك هم الفاسقون } والظاهر من عظف { ولاتقبلوا } أنه داخل في حيز الحد للعطف مع المناسبة وقيد التأبيد أما المناسبة : فإن رد شهادته مؤلم لقلبه مسبب عن فعل لسانه كما أن آلم قلب المقذوف بسبب فعل لسانه وكذا قيد التأبيد لا فائدة له إلا بأبيد الرج وإلا لقال : ولا تقبلوا لهم شهادة { وأولئك هم الفاسقون } جملة مستأنفة لبيان تعليل عدم القبول ثم استثنى الذين تابوا وهذا لأن الرد على ذلك التقدير ليس إلا للفسق ويرتفع بالتوبة فلا معنى للتأبيد على تقدير القبول بالتوبة
    وهو استثناء منقطع لأن التائبين ليسوا داخلين في الفاسقين فكأنه قيل : وأولئك هم الفاسقون لكن الذين تابوا فإن الله غفور رحيم أي يغفر لهم ويرحمهم وإذا كان الرد من تمام الحد لكونه مانعاص أي زاجرا يبقى بعد التوبة كأصله أي كأصل الحد فإنه لا يسقط بالتوبة فإن من تاب بعد ثبوت الحد عليه لا يسقط عنه بل يجب أن يحد مهما حسنت توبته بالإجماع واحتج الحنفية على أن حكم الاستثناء مختص بالجملة الأخيرة بوجوه
    ( أحدها ) أن الاستثناء من الاستثناء يختص بالجملة الآخيرة فكذا في جميع الصور طردا للباب
    ( ثانيها ) أن المقتضى لعموم الجمل المتقدمة قائم والمعارض وهة الاستثناء يكفي في تصحيحه تعليقه بجملة واحدة وهي الأخيرة فقط
    ( ثالثها ) أن الاستثناء لو رجع إلى كل الجمل المتقدمة لوجب أنه إذا تاب أن لا يجلد وهذا باطل بالإجماع فوجب أن يختص الاستثناء بلجملة الأخيرة
    واحتج الأحناف على مذهبهم في المسألة بوجوه من الأخبار والأحاديث الشريفة
    ( أحدها ) ما روى أبن عباس رضي الله عنهما في قصة هلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يجلد هلال وتطل شهادته في المسلمين ) فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن وقوع الجلد به يبطل شهادته عن غير شرط التوبة في قبولها
    ( وثانيها ) أن قوله عليه السلام ( المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدود في قذف ) ولم يشترط فيه وجود التوبة منه
    ( وثالثها ) ما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لا تجوز شهادة محدود في الإسلام )
    المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا : تقبل شهادة المحدود في قذف إذا تاب وحسنت توبته والمراد بتوبته الموجبة لقبول شهادته أن يكذب نفسه في قذف . وهل يعتبر فيه إصلاح العمل أم لا ؟
    وقول يتعتبر لقوله تعالى { إلا الذين تابوا } وقيل : لا . لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لابي بكرة : تب أقبل شهادتك
    وقد احتجوا على مذهبهم بأن شهادة المحدود في قذف مقبولة بوجوه :
    ( أحدها ) قوله عليه الصلاة و السلام : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) ومن لا ذنب له مقبول الشهادة فالتائب يجب أن يكون أيضا مقبول الشهادة
    ( وثانيها ) أن الكافر يقذف فيتوب عن الكفر ويدخل الإيمان فتقبل شهادته بالإجماع فالقاذف المسلم إذا تاب عن القذف وجب أن تقبل شهادته لأن القذف مع الإسلام أهون حالا من القذف مع الكفر فإن قيل : المسلمون لا يألمون بسبب الكفار لأنهم شهروا بعداوتهم والطعن فيهم بالباطل فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر من الشين والشنأن وأيضا فالتائب من الكفر لا يجب عليه الحد والتائب من القذف لا يسقط عنه الحد
    قلنا : هذا الفرق ملغى بقوله عليه الصلاة و السلام ( أنبئهم أن لهم ما للمسلمين عليهم ما على المسلمين )
    ( وثالثها ) أجمعنا على أن التائب عن الكفر والقتل والزنا والشرب والسرقة مقبول الشهادة . فكذا التائب عن القذف لأن هذه الكبيرة ليست أكبر من نفس الزنا . ( ورابعها ) أن ابا حنيفة رحمه الله تعالى يقبل شهادته إذا تاب قبل إقامة الحد عليه مع أن الحد حق المقذوف فلا يزول بالتوبة فلأن تقبل شهادته إذا تاب بعد إقامة الحد عليه . وقد حسنت حالته وزال اسم الفسق عنه كان أولى
    ( وخامسها ) أن قوله تعالى { إلا الذين تابوا } استثناء مذكور عقيب جمل فوجب عوده إليها كلها ويدل عليه أمور
    ( أحدها ) أجمعنا على أنه لو قال : عبده حر وامرأته طالق إن شاء الله فإنه يرجع الاستثناء إلى الجميع فكذا فيما نحن فيه
    ( وثانيها ) أن الواو للجمع المطلق فقوله تعالى { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا وأولئك هم الفاسقون } صار الجمع كأنه ذكر معا لا تقدم للبعض على البعض فلما دخل عليه الاستثناء لم يكن رجوع الاستثناء إلى بعضها اولى من رجوعه إلى الباقي إذ لم يكن لبعضها على بعض تقدم في المعنى البتة فوجب رجوعه إلى الكل ونظيره على قول أبي حنيفة رحمه الله قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } فإن فاء التعقيب ما دخلت على غسل الوجه بل على مجموع هذه الأمور من حيث أن الواو لاتفيد الترتيب فكذا ههنا كلمة إلا ما دخلت على واحد بعينه لأن حرف الواو لا يفيد الترتيبن بل دخلت على المجموع
    ( وثالثها ) أن قوله تعالى : { وأولئك هم الفاسقون } عقيب قوله تعالى : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا يدل على أن العلة في عدم قبول تلك الشهادة كونه فاسقا لات ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية لا سيما إذا كان الوصف مناسبا وكونه فاسقا يناسب ألا يكون مقبول الشهادة إذا ثبت أن العلة لرد الشهادة ليست إلا كونه فاسقا ودل الاستثناء على زوال الفسق فقد زالت العلمة فوجب أن يزول الحكم لزوال العلة
    ( ورابعها ) أن مثل هذا الاستثناء موجود في القرآن الكريم قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحربون الله ورسوله } إلى قوله تعالى : { إلا الذين تابوا } ولا خلاف أن هذا الاستثناء إلى ما تقدم من أول الاية وأن التوبة حاصلة لهؤلاء جميعا
    وكذلك قوله تعالى : { لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى } إلى قوله تعالى : { فم تجدوا ماء فتيمموا } وصار التيمم لمن وجب عليه الاغتسال كما أنه مشروع لمن وجب عليه الوضوء . والله تعالى أعلم
    كيفية التوبة عن القذف .
    الشافعية - قالوا : إن التوبة عن القذف تكون بإكذابه نفسه واختلف أصحابه في معناه . فقال بعضهم : يقول كذبت قيما قلتت فلا أعود لمثله وقال أو إسحاق : لا يقول كذبت لأنه ربما يكون صادقا فيكون قوله كذبت كذبا والكذب معصية والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية اخرى وإنما يقول القاذف بالملأ ندمتم على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه وأما قوله تعالى : { فإن الله غفور رحيم } فالمعنى أنه لكونه غفورا رحيما يقبل التوبة وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلا إذ لو كان واجبا لما كان في قبول غفورا رحيما لأنه إذا كان واجبا فإنما يقبله خوفا وقهرا لعلمه بأنه لو لم يقبله لصار سفيها ولخرج عن حد الإلهية )

    -----------------------
    ( 1 ) ( الحنفية والشافعية والحنابلة قالوا : إن حد القذف اخف من جميع الحدوده لأن سببه وهو النسبة إلى الزنا غير مقطوع به لجواز كونه صادقا غير أنه عاجز عن البيان بخلاف حد الزنا لأن سببه معاين للشهود أو للفرية والمعلوم لهما هنا نفس القذفن وإيجابه الحد ليس بذاته بل باعتبار كونه كاذبا حقيقة أو حكما بعد إقامة البينة قال تعالى : { فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } فالله تعالى منع من النسبة إلى الزنا إلا عند القدرة على الإثبات بالشهداء لأن قائدة النسبة هناك تحصل أما عند العجز فانما هو تشنيع ولقلقة تقابل بمثلها بلا فائدة ولذلك قالوا : إن القاذف لا يجر من ثيابه عند الجلد ولا ينزع عنه إلا الفرو والثياب المحشوة لأنه يمنع من وصول الألم إليه فلو كان عليه ثوب ذو بطانة غير محشو فلا ينزع والظاهر أنه إن كان فوق قميص ينزع لأنه يصير مع القميص إما محشوا أو قريبا منه ويمنع إيصال الألم الذي يصلح زاجرا
    المالكية قالوا : إن حد القذف مثل سائر الحدود فيجب أن يجرد القاذف من ثيابه عند الجلد ولا يبقى على حسده إلا ما يستر عورته فقط ويجلد ثمانين جلدة والعبد يضرب أربعين فقط
    قالوا : ويتعين الضرب بالسوط المصنوع من الجلد وذلك للسليم القوي أما نحيف الجسم والمريض فلا يصح ضربه بالسوط لأنه يؤدي إلى إتلافه وهلاكه ويفرق الشرب على جميع الأعضاء لأن جمع الجلدات في عضو واحد ربما يؤدي إلى الإتلاف وهو غير مستحق ويتقى في الضرب المقاتل كثمرة التمر والفرج والوجه لأنه يجمع المحاسن ولقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ) وروي أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال للجلاد : إياك أن تضرب الرأس والفرج ويضرب الرجل قائما والمرأة جالسة مستورة وكشف العورة حرام إلا أنه ينزع عنها الحشو والفرو ليخلص اللم إليها . فإن كان القاذف شديد الهزال أو مريضا مرضا لا يرجى برؤه كالمسلول والمجذوم جلد ( بعثكل ) وبه ثمانون غصنا يضرب به مرة واحدة ولا يقام الحد في الأيام الشديد ة الحر ولا الشديدة البرد ولا يقام الحد على النفساء والحامل حتى تضع وتبرأ من مرضها


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #270
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 116 الى صــــــــ
    120

    الحلقة (270)

    القسم الثاني كتاب القصاص
    - وأما القصاص فهو أن يعاقب الجاني بمثل جنايته على أرواح الناس أو عضو من أعضائهم فإذا قتل شخص آخر استحق القصاص هو قتله كما قتل غيره ( 1 )
    مبحث تعريف القصاص
    القصاص مأخوذ من قص الأثر وهو اتباعه ومنه القاص لأنه يتبع الآثار والأخبار وقص الشعر أثره فكأن القاتلس سلك طريقا من القتل فقص أثره فيها ومشى على سبيله في ذلك ومنه قوله تعالى : { فارتدا على آثارهما قصصا }
    وقيل : القص القطع يقال : قصصت ما بينهما ومنه أخذ القصاص لأنه يجرحه مثل جرحه أو بقتله به يقال : أقص الحاكم فلانا من فلان وأباده به فامتثل بهن أي اقتص منه
    حكم القصاص
    والقصاص ثابت في الشرع بالكتاب والسنة وفعل الرسول صلى الله عليه و سلم وإجماع الأمة . أما الكتاب فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ركم ورحمة فمن أعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } آيتي 178 ، 179 من سورة البقرة
    وقوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعينن والأنف بالأنف والأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } آية 45 من سورة المائدة
    وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد فيه نسخ من الشارع الحكيم ولم يرد نسخ ذلك وقوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلموما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا } آية 33 من سورة الإسراء أي أتينا لوليه سلطنة القتل
    وقوله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } ووجه التمسك به أن الله تعالى ذكر في هذه الآية حكم القتل الخطأ فتعين أن يكون القصاص واجبا وثابتا فيما هو ضد الخطأ وهو العمد ولم تعين بالعمد لا يعدل عنه لئلا تلزم الزيادة على النص بالرأي ولأن الله تعالى قال : { كتب عليكم القصاص في القتلى } ومعناه فرض وأثبت كما قال تعالى : { كتب عليكم الصيام } وقال : { وكتب عليكم القتال } وقال تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } ومعناه الفرض الثابت
    وقيل : إن ما ( كتب ) في الآيات هنا إخبار عماكتب في اللوح المحفوظ وسبق به القضاء أزلا وصورته أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستسلام لأمر الله تعالى والانقياد لقصاصه المشروعن وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قاتل وليهن وترك المعتدي على غيره كما كانت العرب تتعدى فتقتل غير القاتل . وهو معنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن من أعتى الناس على الله يوم القيامة ثلاثة رجل قتل غير قاتله ورجل قتل في الحرم ورجل أخذ بذحول الجاهلية ) والذحول هو العداوة والحقد
    قال الشعبي وقتادة وغيرهما إن اهل الجاهلية كان فيهم بغين وطاعة للشيطان فكان الحي إذا كان فيه عز ومنعه فقتل لهم عبد قتله عبد قوم آخرين قالوا : لا نقتل به إلا شريفان ويقولون : القتل أوقى للقتل ) بالواو والقاف ويروى ( أبقى ) بالباء والقاف ويروى ( أنفى ) بالنون والقاء فنهاهم الله عن البغي فقال : { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد } الآية { ولكم في القصاص حياة }
    وروى البخاري والنسائي والدارقطني عن ابن عباس رضي الله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : ( كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيه الدية ) فقال الله لهذه الأمة { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء } فالعفو أن يقبل الدية في العمد { فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } يبتع بالمعروف ويؤدي بإحسان { ذلك تخفيف من ركم ورحمة } مما كتب على من كان قبلكم { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } أي قتل بعد قبول الدية هذا لفظ الإمام البخاري : في سبب نزول الآية
    وظاهر الآية الكريمة يوجب القود بالقصاص أينما يوجد القتل ولا يفصل بين العمد والخطأ إلا أنه تقيد بوصف العمدية بالحديث النبوي المشهور الذي تلقته الأمة بالقبلو وهو قوله عليه الصلاة ولاسلام ( العمد قود ) أي موجبة قود . لأن الحديث لو لم يكن يوجب تقييد الآية لم يكن القود موجب العمد فقط فلا يكون لذكر لفظ العمد فقط فلا يكون لذكر لفظ العمد فائدة
    قالوا : ولن الجناية بالعمدية تتكامل وحكمة الزجر عليها تتوفر والعقوبة المتناهية لا شرع لها دون ذلك
    وأما السنة فقوله صلوات الله وسلامه عليه : ( من قتل قتلناه ) وقوله لعيه الصلاة والسلام : ( كتاب الله القصاص ) وقوله عليه الصلاة و السلام : ( لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ) واتفق عليه
    وروي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يحل قتل مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال زان فيرجم ورجل قتل مسلما متعمدا فيقتل وجل يخرج عن الإسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض ) رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم والأحاديث في ذلك كثيرة
    وعليه إجماع الأمة من غير مخالف منه ويؤيده العقل السليم لأن المال لا يصلح موجبا في القتل العمد لعدم المماثلة لأن الآدمي مالك مبتذل والمال مملوك مبتذل فأنا يتماثلان بخلاف القصاص فإنه يصلح موجبا للتماثلن وفيه زيادة حكمة وهي مصلحة الحياء زجرا للغير إن وقوعه فيه وجبرأ للورثة فيتعين وإنما جب المال في الخطأ أولا ضرورة صون الدم عن الهدار فإنه لما لم يكن الاقتصاص فيه هدر الدم لو لم يجب المان والآدمي مكرم لا يجب إهدار دمه على أن ذلك ثابت بنص القرآن الكريم
    والقصاص شرع لمعنى النظر للولي على وجه خاص وهو الانتقام وتشفي الصدر فإنه شرع زجرا عما كان عليه أهل الجاهلية من إفناء قبيلة بواحد لا لأنهم كانوا يأخذون أموالا كثيرة عند قتل واحدا منهم بل القاتل وأهله لو بذلوا ما ملكوه وأمثاله ما رضي به أولياء المقتول فكان إيجاب المال في مقابلة القتل العمد تضييع حمة القصاص وإذا ثبت أن الصل هو القصاص لم يجز المصير إلى غيره بغير ضرورة مثل أن يفقد احد الاولياء . فإنه تعذر الاستيفاء حينئذ أو أن يكون محل القصاص . ناقصا بأن تكون يد قاطع اليد أقل اصبعا وأمثال ذلك
    من يقيم القصاص
    لا خلاف بين الأئمة في أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاصن وإقامة الحدود . وغير ذلك لأن الله سبحانه وتعالى خاطب الجميع المؤمنين بالقصاص قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب علكم القصاص في القتلى } ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا مالسلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود وليس القصاص بلازم إنما اللازم إلا يتجاوز القصاص وغيره من الحدودالى الاعتداءن فأما إذا وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح فلا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان الذي أعطاه الله هيذه السلطة وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض وإنما يكون ذلك للسلطان أو من نصبه السلطان لذلك ولهذا جعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض
    السلطان يقتص من نفسه
    واجمعم العلماء على أن على السطان أن يقتص من نفسه أن تعدى على احد من رعيته ظلما غذ هو واحد منهم وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل وذلك لا يمنع القصاص منه وليس بين السلطان وبين العامة فرق في أحكام الله عز و جل لقوله جل ذكره : { كتب عليكم القصاص في القتلى } وثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قال لرجل شكا إليه أن عاملا " أي حاكما " قطع يده بغير حق : لئن كنت صادقا لأقيدنك منه
    وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا إذ أكب عليه رجل فطعنه رسول الله بعرجون كان معه فصاح الرجل فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( تعال فاستقد ) قال : بل عفوت يا رسول الله وروى أبو داود الطيالسي عن أبي فراس قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال : إلا من ظلمه أميره فليرفع ذلك إلي أقيده منه فقام عمرو بن العاص فقال : يأمير المؤمنين لئن أدب الرجل منا رجلا من أهل رعيته لتقصنه منه ؟ قال : كيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقص من نفسه ) ؟
    ولفظ أبي داود السجستاني عنه قال : خطبنا عمر بن الخطاب فقال : إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم فمن فعل ذلك به فليرفعه إلي أقصه منه ) وذكر الحديث بمعناه )
    مبحث عناية الشريعة بدماء الناس
    - وقد عنيت الشرعة الإسلامية بالمحافظة على دماء الناس عناية تامة فددت الجناة الذين يعتدون على دماء الناس تهديدا شديدا ( 2 )
    ( 1 ) ( لقد جعل الله عقوبة قتل النفس من أفظع العقوبات وجعل القضاء بها من أعظم المظالم فيما يرجع إلى العباد وجعل الحساب عليها أول القضاء يوم القيامة . فعن أبي مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) رواه البخاري ومسلم أي في الأمر المتعلق بالدماء
    وقتل النفس من الموبقات المهلكات ومن أكبر الكبائر فقد روى أبو هريرة الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات : قيل يا رسول الله : وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسمحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
    واعتبر الشارع أن للمسلم لا يزال في سعة منشرح الصدر فإذا أراق دم امرىء مسلم صار منحصرا ضيقا لما أوعد الله عليه مالم يوعد على غيره من دينه فيضيق عليه دينه بسبب الوعيد لقاتل النفس عمدا بغير حق
    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) وقال ابن عمر رضي الله عنهما : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) رواه البخاري رحمه الله
    وقد ثبت في الشرع النهي عن قتل البهيمة بغير حق والعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالمسلم فكيف بقتل المرء الصالح عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ) رواه ابن ماجه
    وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالكعبة ويقول : ( ما أطيبك وما أطيب ريحك ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك : ماله ودمه ) رواه ابن ماجة واللفظ له
    وعن أبي سعيد وابي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ) . رواه الترمذي
    بل جعل الشارع الذنب على من أعان على قتل مؤمن بمال أو سلاح أو ساعده ولو بكلمة أو بنصف كلمة
    روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله ) رواه ابن ماجة
    وقد جعل الله تعالى جناية قتل النفس بعد الشرك والعياذ بالله تعالى وقرنه به حتى تدرك النفوس فظاعة هذه الجريمة وعظم خطرها وشدة عقابها يوم القيامة فقال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } الآية 19 من سورة الفرقان
    وقال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } آية 29 ، 30 من سورة النساء
    وقد جعل الله تعالى وزر من قتل نفسا بغير حق حرمها الله تعالى مثل من قتل الناس جميعا لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس ومن حرم قتلها واعتقد ذلك فكأنما حرم دماء الناس جميعا وكأنه أحيا الناس جميعا فقد سلم الناس منه بهذا الاعتبارن قال تعالى : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا . ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا }
    قال قتادة في قوله : { من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا } هذا تعظيم لتعاطي القتل . ثم قال : عظيم والله وزرها وعظيم والله أجرها وقال الحسن البصري فكأنما قتل الناس جميعا قال : وزرا { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } قال : أجرا
    وقال الله تعالى فيما أوصى به نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم وفي ذكر الأمور التي حرمها الله تعالى على عباده في الأرض { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } آية 151 من الأنعام . فقد نص الله تعالى على النهي عن قتل النفس التي حرمها تأكيدا واهتماما بشأنها وتعظيما لحرمتها وإلا فهو ذكر حرمتها في أول المنهيات . بالنهي عن قتل الأولاد فهو نهى عن قتل النفس كلها ثم النهي عن قتل النفس داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن فكأن الله تعالى نهى عن قتل النفس التي حرمها في هذه الآية ثلاث مرات متوالية
    روي عن أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو محصور في داره بالمدينة . سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد أن هداني الله ولا قتلت نفسا فبم تقتلونني ) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة
    وقد بين الله تعالى حكم القتل العمد فذكر تهديدا شديدا ووعيدا أكيدا لمن أقدم على هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في الآية ؟ ؟ من كتاب الله عز و جل والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثرة جدا ونكتفي بما ذكرناه سابقا
    وقد قال الله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالد فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } آية 93 من النساء
    قال البخاري : حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال سمعت ابن جبير قال : اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباسن فسألته عنها فقال : نزلت هذه الآية { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } هي آخر ما نزل وما نسخها شيء وكذا رواه هو أيضا ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة به
    قالوا : إن لقاتل العمد أحكاما في الدنيا وأحكاما في الآخرةن فأما في الدنيا فتسلط اولياء المقتول عليه قال تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لولنه سلطانا } الآية ثم هم مخيرون بين أن يقتلوا أو يعفوان أو ياخذوا دية مغلظة أثلاثا ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وأما في الآخرة فهو العذاب في نار جهنم والخلود فيها وغضب الله تعالى عليه والطرد من رحمته ولعنه والعذاب العظيم المضاعف كما ذكرت الآية الشريفة التي معنا
    ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه أن جوزي عليه وكذا كل وعيد على ذنب لكن قد يكون ذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه وبتقدير دخول القاتل النار إن مات ولم يتب ولم تكن له أعمال صالحة فعلى قول ابن عباس رضي الله عنهما أنه لا توبة له . أي لا يقبل الله توبته وأما على قول جمهور العلماء حيث لا عمل له صالحا ينجو به فليس بمخلد فيها ابدا بل المراد بالخلود المذكور في الآية الكريمة هو المكث الطويل وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثال ذرة من إيمان ) وأما حديث معاوية ( كل ذنب عسى الله أن يغفر إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا ) فعسى للترجي فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين انتفى وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل لما ذكرنا من الأدلة وأما من مات وهو كافر فالنص أن الله تعالى لا يغفر له البتة وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدميين وهي لا تسقط بالتوبة ولكن لا بد من رده إليهم ولا فرق بين المقتول والمسروق منه والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق الآدميين فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ولكنه لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة . فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تنقل إلى المقتول أو بعضهان ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة أو يعض الله المقتول بما شاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك حتى يرضى عن القاتل وقيل : إن الخلود في النار يحمل على أنه جزاء القتل العمد بطريق الاستحلال والعياذ بالله وهو مستلزم للردة وقيل يؤول الخلود في الآية على أنه لو عامله بعدله أو على معنى تطويل المدة مجازا فالمراد به المكث الطويل والله أعلم
    توبة القاتل
    ذهبت طائفة من علماء السلف إلى أنه لا توبة للقاتل منهم عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير والحسن البصري وقتادة والضحالك بن مزاحم رضي الله عنهم . نقله ابن أبي حاتم
    حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير عن يحيى الجابري عن سالم بن أبي الجعد قال : كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فناداه : يا عبد الله بن عباس ماترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا ؟ فقال جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واحد له عذابا عظيما . قال : أفرأيت إن تابن وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال ابن عباس : ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا جاء يوم القيامة أخذه بيمنه أو بشماله تشجب اوداجه من قبل عرش الرحمن يلزم قاتله بشماله وبيده الأخرى رأسه يقول : يارب سل هذا فيم قتلني وأيم الذي نفس بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه و سلم وما نزل بعدها من برهان )
    وفي الباب أحاديث كثرة منه ما رواه الإمام أحمد حدثنا صقر بن عيسى حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون عن أبي إدريس قال : سمعت معاوية رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا )
    وذهب الجمهور من سلف الأمة وخلفها إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز و جل . فإن تاب وأتاب وخشع وخضع وعمل عملا صالحا بدل الله سيائته حسنات وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته قال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا } الآية وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر وقال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } الآية . وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك كل من تاب أي من أي ذلك تاب الله عليهن وقال الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك بالله وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وفيها لتقوية الرجاء في رحمة الله والله أعلم
    وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ثم سأل عالما هل لي من توبة ؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم ارشده إلى بلد يتعبد الله فيه فهاجر إليه . فمات في الطريق فقبضته ملائكة الرحمة وهذه الأمة أولى بالتوبة من بني إسرائيل
    الكفارة في قتل العمد
    الحنفية والمالكية والحنابلة في إحدى روايتيهم قالوا : لا تجب الكفارة في قتل العمد لأن الشارع شدد في أمر القاتل عمدا بالقتل أو الدية إذا عفا الأولياء عن قتله إلى الدية فلا يزاد على ذلك حيث ورج به النص ولن قتل العمد كبيرة محضة وفي الكفارة معنى العبادة فلا تناط بمثلها والكبائر لا تكون سببا لما فيه معنى العبادة والكفارة فيها ذلك فلا تجب وموضوعه في أصول الفقه وهو أن الكفارة لاتناط بماهو كبيرة محضة ولأن الكفارة من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى وهو الخطأ لا يدل لدفع الذنب الأعلى وهو العمد فكم من شيء يتحمل الأدنى للقدرة عليه ولا يتحمل الأعلى للعجز عنه
    قال صاحب العناية : فإن قال الشافعي قد دل الدليل على عد صفة العمدية وهو حديث وائلة بن الأسقع قال أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بصاحب لنا قد استوجب النار بالقتل فقال : اعتقوا عنه رقبة يتق الله كل عضو منها عضو منه من النار وإيجاب النار إنما يكون بالقتل العمد قلنا : لا نسلم لجواز أن يكون استوجب النار بشبه العمد كالقتل بالحجر أو العصا الكبيرين سلمناه لكنه لا يعارض إشارة قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } فإن الفاء تقتضي أن يكون المذكور كل الجزاء فلو اوجبنا الكفارة لكان المذكور بعضه وهو خلف . اه
    ولأن الله تعالى ذكر الجزاء الدنيوي على القتل العمد وهو القصاص بقول تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } وذكر الجزاء الأخروي بقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } الآية . فلو قلنا : بوجوب الكفارة على القاتل عمدا لزدنا على النص وهو باطل ولأن القتل العمد أعظم من أن يكفر عنه مثل الصلاة المتروكة عمدا فإنهم اتفقوا على وجوب قضائها من غير كفارة
    الشافعية والحنابلة في روايتهم الثانية قالوا : أن الكفارة تجب في قتل العمد لأن العامد أغلظ إثما ممن كان قتله خطأ فكانت الكفارة به أليق ممن كان قتله خطأ وقد اتفقوا على وجوب الكفارة في القتل الخطأ فلأن تجب عليه في العمد أولى فطردوا هذا في كفارة اليمين الغموس الواجبة بانص قال تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية
    واحتجوا على مذهبهم بما رواه الإمام أحمد عن واثلة بن السقع قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم نفر من بني سليم فقالوا : إن صاحبا لنا قد اوجب يعني النار بالقتل قال : ( فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ) وإيجاب النار غنما يكون بالقتل العمد . فهذا دليل واضح على أن الكفارة تجب في قتل العمد )

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #271
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 116 الى صــــــــ
    120

    الحلقة (271)





    -----------------------------
    ( 1 ) ( " تنبيه "
    ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في كتابه أن ( القصاص ) من باب الحدود فعند ذكر كتاب الحدود - ذكر حد الشرب . ثم حد الزنا ثم حد السرقة ثم حد القذف ثم القصاص ثم حد التعيزر وبعد أن انتهى من باب الحد ذكر حكم المفسدين في الرض والخوارج ثم حكم البغاة وقطاع الطرق وهذا نمط لم يدرج عليه الفقهاء الذين سبقوه في التأليفن فإن علماء السلف الصالح اللذي ألفوا في الفقه على اختلاف مذاهبهم لم يذكروا القصاص في كتاب الحدود على الشرب والزنا والسرقةن والقذف والتعزير
    الحنفية قالوا : في كتاب ( الاختيار شرح الممختار ) تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي " كتاب الحدود " ثم ذكر حد الزنا والقذف والشرب والسرقة وقطاع الطرق وفي كتاب السير ذكر حكم المرتد وحكم الخوارج والبغاة من المسلمين وبعد ذلك ذكر كتاب الجنايات بفصوله ثم ذكر " كتاب الديات " بفصوله وفروعه . ثم قال في أول كتابه الجناية كل فعل محظور يتضمن ضررا ويكون تارة على نفسه وتارة على غيره ويقال : جنى على نفسه وجنى على غيره فالجناية على غيره تكون على النفس وعلى الطرفن وعلى العرض وعلى المال والجناية على النفس تسمى قتلا أو صلبا أو حرقا والجناية على الطرف تسمى قطعا أو كسرا أو شجا وهذا الباب لبيان هاتين الجنايتين وما يجب بهما والجناية على العرض نوعا قذف وموجبه الحد . وقد بيناه وغيبة وموجبها الإثم وهو من أحكام الآخرة والجناية على المال . تسمى نصبا أو خيانة أو سرقة وقد بيناها وموجبها في كتاب السرقة ثم القصاص مشروع ثبتت شرعيته بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } الآية 178 من سورة البقرة
    وقوله تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا } آية 33 من الإسراء والسنة قوله صلى الله عليه و سلم : ( من قتل قتلناه ) وقوله عليه الصلاة و السلام ( كتاب الله القصاص ) وعليه الإجماع والعقل والحكمة تقتضي شرعيته أيضا . فإن الطباع البشرية والأنفس الشريرة تميل إلى الطلم والاعتداء وترغب في استيفاء الزائد علىى الابتداء سما البوادي واهل الجهلن العادين عن سنن العقل والعدلن كما نقل عن عاداتهم في الجاهلية فلو المتشرع الأجزية الزاجرة عن التعدي والقصاص من غير زيادة ولا انتقاص لتجرأ ذوو الجهل والحمية والنفس الأبية على القتل والفتك في الابتداء وإضعاف ما جنى علهم في الاستيفاء فيؤدي ذلك إلى التفاني وفيه من الفساد ما لا يخفى فاقتضت الحكمة شرع العقوبات الزاجرة عن الابتداء في القتل والقصاص المانع من استيفاء الزائد على المثل فورد الشرع ببذلك لهذه الحكمة حسما عن مادة هذا الباب قال تعالى : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب }
    الشافعية - قالوا : في كتاب ( مغنى المحتاج ) كتاب البغاة كتاب الرجة كتاب الزنا كفارة حد القذف كتاب قطع السرقة باب قطع الطريق كتاب الأشربة فصل في التعزير . وقبل هذا ذكر كتاب الجراح وفصوله - ثم ذكر كتاب الديات وفصوله
    وكذلك كتاب ( الام ) للإمام الشافعي رحمه الله تعالى فذكر أولا كتاب أهل البغي وأهل الردة . وبعده كتاب الحدود وصفة النفي ثم ذكر كتاب السرقة وكتاب الزنا وكتاب الخمر وكتاب قاطع الطريقن وكتبا المرتد وكتاب الأشربة
    وأما كتاب مختصر المزني للإمام الشافعين فقد ذكر في كتاب الحدود باب حد الزنا باب حد القذف كتاب السرقة باب قطاع الطريق باب الأشربة قتال أهل الردة وقبل ذلك ذكر كتاب القتل وكتاب القسامة
    المالكية قالوا : في كتاب حاشية الشيخ الصاوي على الشرح الصغير باب في أحكام الجناية على النفس أو على ما دونها ثم باب ( تعريف البغي ) ثم بابب تعريف ( الردة ) باب ذكر حد الزنا وباب حد القذف وباب أحكام السرقة باب ذكر الحزابة باب حد الشارب ولم يذكر القصاص في باب الحدود وذكر أحكام الجنايات أولا لأنه أوكد الضروريات التي يجب مراعاتها وأما صاحب كتاب الميزان للشيخ عبد الوهاب الشعراني فذكر كتاب الجنايات كتاب الجيات . باب القسامة باب كفارة القتل كتاب حكم الحر والساحر كتاب الحدود السبعة المترتبة على الجنايات باب الردة باب حكم البغاة باب الزنا باب حد القذف باب السرقة باب قطاع الطريق باب حد شرب المكر باب التعزير
    وكذلك كتاب ( رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ) . للشيخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقي الشافعي الشافعين ومراعاة لأمانة العلم سنأسير في الكتاب على حسب ما سر فضيلة المؤلف رحمه الله تعالى وأذكر كتاب القصاص والجناياتن في باب الحدود تحقيقا لرغبته وإن كانت طريقته تخالف جميع المؤلفين في علم الفقه
    وقد أردت التنبيه على ذلك حتى يكون المطلع على علم بسير المؤلف في كتابه وحتى لا يكون هناك لبس في ذكر الأبواب وإدخال بعضها في البعض الآخر وإن كنت أنا أميل الى تنظيم المؤلفين في كتب الفقه وإخراج القصاص من كتاب الحدود

    ( 2 ) ( لقد جعل الله عقوبة قتل النفس من أفظع العقوبات وجعل القضاء بها من أعظم المظالم فيما يرجع إلى العباد وجعل الحساب عليها أول القضاء يوم القيامة . فعن أبي مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) رواه البخاري ومسلم أي في الأمر المتعلق بالدماء

    وقتل النفس من الموبقات المهلكات ومن أكبر الكبائر فقد روى أبو هريرة الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات : قيل يا رسول الله : وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسمحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي
    واعتبر الشارع أن للمسلم لا يزال في سعة منشرح الصدر فإذا أراق دم امرىء مسلم صار منحصرا ضيقا لما أوعد الله عليه مالم يوعد على غيره من دينه فيضيق عليه دينه بسبب الوعيد لقاتل النفس عمدا بغير حق
    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) وقال ابن عمر رضي الله عنهما : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) رواه البخاري رحمه الله
    وقد ثبت في الشرع النهي عن قتل البهيمة بغير حق والعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالمسلم فكيف بقتل المرء الصالح عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ) رواه ابن ماجه
    وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالكعبة ويقول : ( ما أطيبك وما أطيب ريحك ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك : ماله ودمه ) رواه ابن ماجة واللفظ له
    وعن أبي سعيد وابي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ) . رواه الترمذي
    بل جعل الشارع الذنب على من أعان على قتل مؤمن بمال أو سلاح أو ساعده ولو بكلمة أو بنصف كلمة
    روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله ) رواه ابن ماجة
    وقد جعل الله تعالى جناية قتل النفس بعد الشرك والعياذ بالله تعالى وقرنه به حتى تدرك النفوس فظاعة هذه الجريمة وعظم خطرها وشدة عقابها يوم القيامة فقال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } الآية 19 من سورة الفرقان
    وقال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } آية 29 ، 30 من سورة النساء
    وقد جعل الله تعالى وزر من قتل نفسا بغير حق حرمها الله تعالى مثل من قتل الناس جميعا لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس ومن حرم قتلها واعتقد ذلك فكأنما حرم دماء الناس جميعا وكأنه أحيا الناس جميعا فقد سلم الناس منه بهذا الاعتبارن قال تعالى : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا . ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا }
    قال قتادة في قوله : { من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا } هذا تعظيم لتعاطي القتل . ثم قال : عظيم والله وزرها وعظيم والله أجرها وقال الحسن البصري فكأنما قتل الناس جميعا قال : وزرا { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } قال : أجرا
    وقال الله تعالى فيما أوصى به نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم وفي ذكر الأمور التي حرمها الله تعالى على عباده في الأرض { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } آية 151 من الأنعام . فقد نص الله تعالى على النهي عن قتل النفس التي حرمها تأكيدا واهتماما بشأنها وتعظيما لحرمتها وإلا فهو ذكر حرمتها في أول المنهيات . بالنهي عن قتل الأولاد فهو نهى عن قتل النفس كلها ثم النهي عن قتل النفس داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن فكأن الله تعالى نهى عن قتل النفس التي حرمها في هذه الآية ثلاث مرات متوالية
    روي عن أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو محصور في داره بالمدينة . سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد أن هداني الله ولا قتلت نفسا فبم تقتلونني ) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة
    وقد بين الله تعالى حكم القتل العمد فذكر تهديدا شديدا ووعيدا أكيدا لمن أقدم على هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في الآية ؟ ؟ من كتاب الله عز و جل والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثرة جدا ونكتفي بما ذكرناه سابقا
    وقد قال الله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالد فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } آية 93 من النساء
    قال البخاري : حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال سمعت ابن جبير قال : اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباسن فسألته عنها فقال : نزلت هذه الآية { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } هي آخر ما نزل وما نسخها شيء وكذا رواه هو أيضا ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة به
    قالوا : إن لقاتل العمد أحكاما في الدنيا وأحكاما في الآخرةن فأما في الدنيا فتسلط اولياء المقتول عليه قال تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لولنه سلطانا } الآية ثم هم مخيرون بين أن يقتلوا أو يعفوان أو ياخذوا دية مغلظة أثلاثا ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وأما في الآخرة فهو العذاب في نار جهنم والخلود فيها وغضب الله تعالى عليه والطرد من رحمته ولعنه والعذاب العظيم المضاعف كما ذكرت الآية الشريفة التي معنا
    ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه أن جوزي عليه وكذا كل وعيد على ذنب لكن قد يكون ذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه وبتقدير دخول القاتل النار إن مات ولم يتب ولم تكن له أعمال صالحة فعلى قول ابن عباس رضي الله عنهما أنه لا توبة له . أي لا يقبل الله توبته وأما على قول جمهور العلماء حيث لا عمل له صالحا ينجو به فليس بمخلد فيها ابدا بل المراد بالخلود المذكور في الآية الكريمة هو المكث الطويل وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثال ذرة من إيمان ) وأما حديث معاوية ( كل ذنب عسى الله أن يغفر إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا ) فعسى للترجي فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين انتفى وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل لما ذكرنا من الأدلة وأما من مات وهو كافر فالنص أن الله تعالى لا يغفر له البتة وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدميين وهي لا تسقط بالتوبة ولكن لا بد من رده إليهم ولا فرق بين المقتول والمسروق منه والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق الآدميين فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ولكنه لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة . فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تنقل إلى المقتول أو بعضهان ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة أو يعض الله المقتول بما شاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك حتى يرضى عن القاتل وقيل : إن الخلود في النار يحمل على أنه جزاء القتل العمد بطريق الاستحلال والعياذ بالله وهو مستلزم للردة وقيل يؤول الخلود في الآية على أنه لو عامله بعدله أو على معنى تطويل المدة مجازا فالمراد به المكث الطويل والله أعلم
    توبة القاتل
    ذهبت طائفة من علماء السلف إلى أنه لا توبة للقاتل منهم عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير والحسن البصري وقتادة والضحالك بن مزاحم رضي الله عنهم . نقله ابن أبي حاتم
    حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير عن يحيى الجابري عن سالم بن أبي الجعد قال : كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فناداه : يا عبد الله بن عباس ماترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا ؟ فقال جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واحد له عذابا عظيما . قال : أفرأيت إن تابن وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال ابن عباس : ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا جاء يوم القيامة أخذه بيمنه أو بشماله تشجب اوداجه من قبل عرش الرحمن يلزم قاتله بشماله وبيده الأخرى رأسه يقول : يارب سل هذا فيم قتلني وأيم الذي نفس بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه و سلم وما نزل بعدها من برهان )
    وفي الباب أحاديث كثرة منه ما رواه الإمام أحمد حدثنا صقر بن عيسى حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون عن أبي إدريس قال : سمعت معاوية رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا )
    وذهب الجمهور من سلف الأمة وخلفها إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز و جل . فإن تاب وأتاب وخشع وخضع وعمل عملا صالحا بدل الله سيائته حسنات وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته قال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا } الآية وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر وقال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } الآية . وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك كل من تاب أي من أي ذلك تاب الله عليهن وقال الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك بالله وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وفيها لتقوية الرجاء في رحمة الله والله أعلم
    وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ثم سأل عالما هل لي من توبة ؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم ارشده إلى بلد يتعبد الله فيه فهاجر إليه . فمات في الطريق فقبضته ملائكة الرحمة وهذه الأمة أولى بالتوبة من بني إسرائيل
    الكفارة في قتل العمد
    الحنفية والمالكية والحنابلة في إحدى روايتيهم قالوا : لا تجب الكفارة في قتل العمد لأن الشارع شدد في أمر القاتل عمدا بالقتل أو الدية إذا عفا الأولياء عن قتله إلى الدية فلا يزاد على ذلك حيث ورج به النص ولن قتل العمد كبيرة محضة وفي الكفارة معنى العبادة فلا تناط بمثلها والكبائر لا تكون سببا لما فيه معنى العبادة والكفارة فيها ذلك فلا تجب وموضوعه في أصول الفقه وهو أن الكفارة لاتناط بماهو كبيرة محضة ولأن الكفارة من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى وهو الخطأ لا يدل لدفع الذنب الأعلى وهو العمد فكم من شيء يتحمل الأدنى للقدرة عليه ولا يتحمل الأعلى للعجز عنه
    قال صاحب العناية : فإن قال الشافعي قد دل الدليل على عد صفة العمدية وهو حديث وائلة بن الأسقع قال أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بصاحب لنا قد استوجب النار بالقتل فقال : اعتقوا عنه رقبة يتق الله كل عضو منها عضو منه من النار وإيجاب النار إنما يكون بالقتل العمد قلنا : لا نسلم لجواز أن يكون استوجب النار بشبه العمد كالقتل بالحجر أو العصا الكبيرين سلمناه لكنه لا يعارض إشارة قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } فإن الفاء تقتضي أن يكون المذكور كل الجزاء فلو اوجبنا الكفارة لكان المذكور بعضه وهو خلف . اه
    ولأن الله تعالى ذكر الجزاء الدنيوي على القتل العمد وهو القصاص بقول تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } وذكر الجزاء الأخروي بقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } الآية . فلو قلنا : بوجوب الكفارة على القاتل عمدا لزدنا على النص وهو باطل ولأن القتل العمد أعظم من أن يكفر عنه مثل الصلاة المتروكة عمدا فإنهم اتفقوا على وجوب قضائها من غير كفارة
    الشافعية والحنابلة في روايتهم الثانية قالوا : أن الكفارة تجب في قتل العمد لأن العامد أغلظ إثما ممن كان قتله خطأ فكانت الكفارة به أليق ممن كان قتله خطأ وقد اتفقوا على وجوب الكفارة في القتل الخطأ فلأن تجب عليه في العمد أولى فطردوا هذا في كفارة اليمين الغموس الواجبة بانص قال تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية
    واحتجوا على مذهبهم بما رواه الإمام أحمد عن واثلة بن السقع قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم نفر من بني سليم فقالوا : إن صاحبا لنا قد اوجب يعني النار بالقتل قال : ( فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ) وإيجاب النار غنما يكون بالقتل العمد . فهذا دليل واضح على أن الكفارة تجب في قتل العمد )

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #272
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 121 الى صــــــــ
    126

    الحلقة (272)



    مبحث عقاب قاتل النفس ظلما
    - وقد قال بعض الأئمة المجتهدين : إن قاتل النفس خالد في النار كالكافر بدون قرف كما هو ظاهر هذه الآية : { ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها }
    وساء صح هذا القول أو لم يصح فإنه يكفي أن يمكث القاتل معذبا في نار جهنم زمنا طويلا ويكفيه غضب الله عليه ولعنته إياه ويكفيه أن الله أعد له عذابا عظيما يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولا شك أن من كان عنده مثقال ذرة من إيمان وسمع هذه الآية فانهيفر من العدوان على دماء الناسن كما تفر الشاة من الذئبن فلو فرض وقتل شخص آخر في جنح الظلام وأفلت من القصاص في هذه الحياة الدنيا فإن ذلك شر له لا خير فيهن لأن العقوبة الأخروية الشديدة تنتظره وغضب الله عليه في هذه الحياة الدنيا ينتظرهن أما من اقتص منه في حياته الدنيا فإنه يكون كفارة له في الآخرة على التحقيق لأن الله أكرم من أن يعذب مرتينن وقد فعل به ما فعله بغيره جزاء وفاقا ( 1 )
    مبحث جواز العفو في القصاص
    - وقد عرفت أن القصاص يسقط بالعفو أو الصلح بخلاف الحد فإنه لا يسقط بالعفو لأنه حق الله تعالى ولكن هذا هو رأي الحنفية
    أما غيرهم فإنهم يقولون : إن الذي لا يسقط بالعفو هو حد الزنا وحد السرقة بعد رفع الأمر إلى الحاكم وأما حد القذف فإنه يسقط بالعفو مطلقا وإذا كنت على ذكر مما بيناه لك سابقا من أن حد الزنا لا يقع إلا إذا شهد بالجريمة اربعة شهود رأوا بأعينهم الفعل نفسه وذلكمتعذرن لا يمن تحقيقه عمليا فإن تنفيذه يكون منوطا بإقرار الجاني وحده
    أما حد الشرب فبعضهم يرى أنه من بابب التعزير

    وعلى هذا يمكن أن يقال : إن الحد الذي يتصور وقوعه ولا يسقط بالعفو هو حد السرقة بعد رفعه إلى الحاكم على الوجه الذي بيناه سابقا (2 )
    محاسن التشريع الإسلامي
    - وها هنا سؤال معروف وهو أن الشريعقة الإسلامية جعلت عقوبة القتل من باب القصاص الذي يصح سقوطه بالعفو لكونه من أفظع الجرائم وأشدها ضررا بالمجتمع الإنساني ومقتضى ذلك أن تجعله من باب الحدود التي لا تقبل السقوط بحال من الأحوال . كي يعلم الجاني أنه مقتول لا محالة فلا يقدم على الجريمة
    والجواب : أن ذلك من محاسن التشريع السلامي وجقتع وذلك لأن الغرض من العقوبة قد بينه الله تعالى في كتابه العزيز بقول : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألبابن لعلكم تتقون } آية [ 179 من البقرة ]
    وإذا كان الغرض من القصاص هو حقن الدماء والكف عن العدوان على الأرواح ليعيش الناس آمنين فإن من الضروري أن ينظر الشرع في كل النواحي التي يترتب عليها حفظ الأرواح وصيانتها فإذا كانت العقوبة تزجر فاسد الأخلاق الذي تميل نفسه إلى الجريمة فتمنعه عن قتل نفسه وقتل غيره
    ولكن يجب النظر إلى ما يرفع الأحقاد والضغائن من نفوس الأسرة حقنا للدماء ومحافظة على الأرواح

    ---------------------
    ( 1 ) ( اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن قاتل النفس المؤمنة متعمدا يجب عليه ثلاثة أمور الأول الإثم العظيم لقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما } وقد وردت به أحاديث كثيرةن وانعقد عليه غجماع المة الثاني يجب عليه القود ت لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى } إلا انهتقيد بوسف العمدية لقول صلى الله عليه و سلم ( العمد قود ) أي موجب له
    الثالث يوجب حرمان القاتل من الميراث لقوله صلى الله عليه و سلم : ( لا ميراث لقاتل ) ولكن العلماء اشترطوا أمورا في القاتل الذي يقاد منه وفي المقتول وفي صفة القتل
    فقالوا : إن القاتل الذي يقتص منه في القتل العمد يشترط فيه أن يكون عاقلا فلا قصاص على مجنون وأن يكون بالغاص فلا قصاص على صبي وأن يكون مختارا فلا قصاص على مكره وأن يكون مباشرا للقتل فلا قصاص على من قتل من غير مباشرة الفعل وأن يكون غير مشارك فيه غيره وأن لا يكون ابا للمقتول ولا سيدا له على تفصيل فيما يأتي :
    ويشترط في المقتول : أن يكون مكافئا لدم القاتل والذي تختلف فيه النفوس هو الإسلام والكفر والحرية والعبودية والذكورة والأنوثةن والواحد والكثيرن وأن يكون معصوم الدم
    ويشترط في صفة القتل : أن يكون ( عمدا ) بلا جناية من القاتل قصاصا إلا أن يعفو الأولياء أو يصالحوا لأن الحق لهمن لكن اختلفوا
    الحنفية قالوا : إن القصاص واجب عينا وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل لما ورج في الكتاب والسنة
    الشافعية قالوا : إن للولي حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل لأنه تعين موقعا للهلاك فيجوز بدون رضاه
    وفي قول : أن الواجب أحدهما لا بعينه وبتعين باختياره لأن حق العبد شرع جابرا وفي كل نو جبر فيتخير )

    ( 2) ( اختلف العلماء في هل القصاص يكفر ذنب الجاني أم لا ؟
    فقال بعضهم : إن إقامة الحد على القاتل والقصاص منه إذا رضي به وتاب فإنه يكفر عنه ثم القتل لقول صلى الله عليه و سلم : ( الحدود كفارات لأهلها ) فعمم ولم يخصص فعلا عن غيره ولأن الله تعالى أكرم وأرحم بعبده أن يعذبه مرتين مرة في الدنيا بالقود ومرة في الآخرة بالنار وهو الراجح
    وقال بعضهم : إن القصاص لا يكفر الذنب ولا يرفع عنه الإصم في الآخرة لأن المقتول ظلما لا منفعة له في القصاص البتة وإنما القصاص منفعته للأحياء فقط لينتهني الناس عن القتل
    قال تعالى : { ولكم في القصاص حياة } ولما روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( يجيء المقتول متعلقا بقاتله يوم القيامة آخذا رأسه بيده الأخرى فيقول : يارب سل هذا فيم قتلني ؟ قال : فيقول : قتلته لكتون العزة لك فيقول : فإنها لي قال : ويجيء آخر متعلقا بقاتله يقول : رب سل هذا فيم قتلني ؟ قال : فيقول : قتلته لتكون العزة لفلان قال : فإنها ليست له بؤ بإثمه فيهوي في النار سبعين خريفا ) وفي الباب أحاديث كثيرة وأما الحديث الذي ورد في أن الحدود تكفر الذنوب فإنه يختص بالحدود التي فيها حق الله تعالى
    المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا : العمد إما يوجب القصاص جزاما مثل قتل المرتد مرتدا فإن الواجب فيه القود جزما
    وإما أن يوجب الدية جزما كما أذا قتل الوالد ولده أو إذا قتل المسلم الذمي فإن موجبه الدية قطعا . أو التخيير بين القصاص والدية فيجوز للولي العفو عن القود على الدية بغير رضا الجاني لما روى البيهقي عن مجاهد وغيره ( كان في شرع موسى صلى الله عليه و سلم تحتم القصاص جزما وفي شرع عيسى صلى الله عليه و سلم الدية فقط فخفف الله تعالى عن هذه الأمة وخيرها بين الأمرين ) لما في الإلزام بأحدهما من المشقة ولأن الجاني محكوم عليه فلا يعتبر رضاه كالمحال عليه والمضمون عنه ولو عفا عن عضو من أعضاء الجاني سقط كلهن كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها ولو عفا بعض المتستحقين سقط أيضا وإن لم يرض البعض الآخر وانتقل الأمر إلى الدية لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء ولا يؤثر فيه الجهل فلو قطع عضو رقيق فعفا عنه سيده قبل معرفته بالعضو المعفو عنه صح العفو لأن العفو مستحب فقد رغب الشارع فيه وجعا إليه قال تعالى : { فمن عفا واصلح فأجره على الله أنه لا يحب الظالمين } آية 40 من الشورى وقول الرسول : ( من قتل له قتيل فأهله لين خيرتين : إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا اخذوا الدية )
    وروى البيهقي وغيره عن أنس رضي الله تعالىعنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ما رفعاليه قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو )
    وعن عدي بن ثابت قال : هشم رجل فم رجل على عهد معاوية فأعطى دينه فأبى أن يقبل حتى أعطى ثلاثا ) فقال رجل : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( من تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق ) رواه أبو يعلى
    وعن عبادة بن الصامت رضي الله تبارك وتعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( ما من رجل يجرح في جسده جراحة فيتصدق بها إلا كفر الله تبارك وتعالى عنه مثل ما تصدقه ) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح
    ولو أطلق الولي العفو عن القود ولم يتعرض للدية بنفي ولا إثبات فالمذهب لا دية عليه لأن القتل لم يوجب الدية على هذا القول والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم
    وفي قول آخر إن الدية تجب على القاتل في ماله لقوله تعالى : { فمن عفي له عن أخيه شيء فاتباع بالمعروف } أي اتباع المال وذلك يشعر بوجوبه بالعفو ولأن الدية بدل عن القود عند سقوطه بعفو أو غيره كموت الجاني مثلاصن فقد خير الشارع الولي بين أخذ المال وبين القصاص
    الحنفية والمالكية في روايتهم الثانية والشافعية في أرجح روايتهم والحنابلة في القول الآخر : - قالوا : إن الواجب بالقتل العمد معين وهو القود وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل لما ورد في الكتاب والسنة ولأن المال لا يصلح موجبا في العمد لعدم المماصلة والقصاص يصلح للتماصل وفيه زيادة حكمة وهي ممصلحة الأحياء زجرا للغير عن وقوعه فيه وجبرا للورثة فيتعين وقد شرع القصاص لمعنى النظر للولي على وجه خاص وهو الانتقام وتشفى الصدورن فإنه شرع في الصل زجرا عما كان عليه أهل الجاهلية من إفناء قبيلة بواحد لا لأنهم كانوا يأخذون أموالا كثرة عند قتل واحد منهم بل إن القاتل وأهله لو بذلوا كل ما ملكوه من الدنيا وأمثال ما رضي به أولياء المقتول فكان إيجاب المال في مقالبلة القتل العمد تضييع حكمة القصاص وإذا ثبت أن الأصل في العمد هو القصاص لم يجز المصير إلى غيره بغير ضرورة مثل أن يعفو أحد الأولياء فإنه تعذر الاستيفاء حينئذ أو أن يكون محل القصاص ناقصا بأن تكون يد قاطع اليد أقل إصبعا أو أن يكون القاتل أبا أو أما للمقتول فإنه يتعذر القصاص في أمثال هذه الحلات فيعل عنها إلى الدية صونا للدم من الهدر ا ه
    الشافعية والحنفية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : إذا عفت المرأة سقط القصاص عن القاتل
    المالكية قالوا : لا مدخل للنساء في الدم مع قولهم في رواية أخرى : إن للنساء مدخلا في الدم كالرجال إذا لم يكن في درجتهن عصبة ومعنى أن لهن مدخلا أي في درجة الوقد والدية معا وقيل : في القود جون العفو وقيل : الاستيفاء للنساء بثلاثة شروط . إن كن وارثات ولم يساوهن عاصب في الدرجة وكن عصبة لو كن ذكورا
    الحنفية والمالكية رحمهم الله تعالى قالوا : إن الولي إذا عفا عن القصاص عاد إلى الدية بغير رضا الجاني وليس له العدول إلى المال إلا برضا الجاني وإن عفا ولم يقيد عفوه بديته ولا غيرها فيقتضي العفو مجردا عن الدية
    الشافعية والحنابلة - قالوا : إن الولي مخير بين القود والدية والعفو بغير مال فللولي العدول إلى الدية مطلقا سواء رضي القاتل أم لم يرض لأن الدية بدل عن القود وقيل : إن الدية بدل عن النفس لا عن القود بدليل أن المرأة لو قتلت رجلا وجب عليها دية الرجل فلو كانت بدلا عن القود وجب عليها دية المرأة وقال المتولي من علماء الشافعية : الواجب عند العفو دية المقتول لا دية القاتل وجمع بعضهم بين الطلامين بأن القود بد عن نفس المجني عليه وبدل البدل بدل
    قالوا : ولو عقا الولي عن القود على غير جنس الدية الصالح غيره عليه ثبت ذلك الغير أو المصالح عليه وإن كان أكثر من الدية إن قبل الجاني أن المصالح ذلكنسقط عنه القصاص وإذا لم يقبل الجاني أو المصالح ذلك فلا يثبت لأنه اعتياض فاشترط رضاهما كعوض الخلغ ولا يسقط عنه القود في الأصح إن امتنع عن دفعها لأنه رضي به على عوض ولم يحصل له
    قالوا : ولو عفا عن القود على نصف الدية فإنه يسقط عن القود الدية معا اه . )

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #273
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري

    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 127 الى صـــــــــ131

    الحلقة (273)



    مبحث سلطان أولياء الدم على القاتل
    - ولما كان من البدهي الذي لا ريب فيه أن القتل يحدث عند أولياء الدم حقدا شديدا ويترك في أنفسهم لوعة لا تنطفىء إلا بالتشفي من القاتل وتحكمهم فيه فقد جعل الشارع لأولياء الدم سلطانا على القاتل الذي يثبت عليه القتل فإن شاؤوا عقوا عنه في نظير مال أو غيرهن وإن شاؤوا اقتصوا منه بالقتل بدون تمثيل أو تعذيب وفي ذلك سلوى تذهب بها أحقادهم فلا يمعنون في العدوان ولا يسرفون في الانتقام بقتل الأبرياء من أسرة القاتل فتصور ضغائن خصومهم فيقابلونهم بالمثل ويترتب على ذلك إراقة الدماء البريئة باقبح معانيها
    فإن الحوادث قد جلت على أن كثيرا من جنايات القتل قد نشأت من إثمال رأي ولاة الدم وحرصهم على أن ينتقموا بأنفسهم من القاتل فهم يعمدون إلى اتهام غيره من أقاربه الأبرياء ويكتمون أمره كي يقتلوه عند سنوح الفرصة بأيديهم تشفيا وبذلك تسود الفوضى بين الأسر وتكثر فيهم حوادث القتل بدون أن يكون للقانون أدنى بأثير على أنفسهم أما لو كان لولي الدم رأي في القصاص من أول الأمر فإنه يرى في تسلطه على القاتل ما يطفىء لوعته ويرفع عنه المهانة فتهدأ نفسهن فإن عفا عنه فذاك وإلا اقتص منه وحده ووقفت الفتنة عند هذا الحد ( 1 )
    مبحث حق السلطان على القاتل
    - ولا يقال : إذا عفا أولياء الدم عن القاتل كان إطلاقه خطرا على الأمن ؟ لأنا نقول : إن ولي الدم في الغلب مصر على القصاص وإذا فرض وعفا عنه ولكن رأي الحاكم أن إطلاقه يهدد الامن العام له أن يعزره بما شاء وله أن يجعله تحت المراقبة التي تحول بينه وبين العدوان حتى يتحقق من حسن سلوكه
    فإن من محاسن الشريعة الإسلامية ودقتها انها جعلت عقوبة القتل قصاصا يقبل فيه الحاكم الصلح أو العفو عن أولياء الدم بشروط وتفاصيل تطلب في في كتب الفقه ولا يسعها المقام ( 2 )

    --------------------------
    ( 1 ) ( قال تعالى : { ومن قتل مظلوما } بغير سبب يوجب القتل { فقد جعلنا لوليه } أي لمستحق دمه
    المالكية قالوا : الولي يجب أن يكون ذكرا لأنه أفرده بالولاية بلفظ التذكيرن فالآية تدل على خروج المرأة عن مطلق لفظ الولي فلا جرم ليس للنساء حق في القصاص لذلك ولا أثر لعفوها وليس لها الاستيفاء
    الحنيفية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن المراد بالولي في الآية الوارث قال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليا بعض } آية [ 71 سورة التوبة ] فاقتضى ذلك إثبا القود لسائر الورثة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( و على المقتتلين أن ينجزوا الول فلأول وإن كان امرأة ( سلطانا ) أي تسليطا إن شاء قتل وإن شاء عفا وإن شاء اخذ الدية ) وقال الإمام مالك : السلطان أمر الله تعالى ابن عباس قال : السلطان الحجة
    قالوا : وقوله عالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } تفسير لقوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } وطاهر الآية أنه لاسبب لحل القتل إلا قتل المظلوم ولكن الأحاديث تقتضي ضم شيئين آخرين إليه وهما : الكفر بعد الإيمان والزنا بعد الإحصان ودلت آية اخرى على حصول سبب رابع وهو قطع الطريق قال تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا } ودلت الآية على حصول خامس وهو الكفر قال تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } واختلف الفقهاء في أشياء اخرى منها ترك الصلاة واللواط والقتل بالسحر { فلا يسرف في القتل } إنه لما حصلت عليه استيفاء القصاص أو الدية فلا يقدم على استيفاء القتل . بلك يكتفي بأخذ الدية أو يميل إلى العفو أي فلا يصير مسرفا بسبب إقدامه على القتل
    وصير معنى الآية والترغيب في العفو والاكتفاء بالدية كما قال تعالى : { وإن تعفوا أقرب للتقوى }
    وقيل : الإسراف في القتل هو أن الولي يقتل القاتل وغير القاتل وذلك لأن الواحد منهم إذا قتل واحدا من قبيلة شريفة فأولياء ذلك المقتول كان يقتلون خلقا من القبيلة الدنيئة ولا يكتفون بقتل القاتل فنهى الله تعالى عنه وامر بالاقتصار على قتل القاتل وحده من غير تعد وقيل الإسراف في القتل هو أن لا يرضى بقتل القاتل فإن أهل الجاهلية كانوا يقصدون أشراف قبيلة القاتل ثم كانوا يقتلون منهم قوما معينين ويتركون القاتل الساقط
    وقيل الإسراف : هوان لا يكتفي بقتل القاتل . بل يمثل به ويقطع أعضاءه ويمزق جسده قرأ الأكثرون ( فلا يسرف ) بالياء ويكون الضمير للقاتل الظالم ابتداء أي فلا ينبغي أن يسرف ذلك الظالم
    وقال الطبري : هو على معنى الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والأئمة من بعده أي لا تقتلوا غير القاتل : { أنه كان منصورا } فيه ثلاثة أوجه
    الأول : كأنه قيل للظالم المبتدىء بذلك القتل على سبيل الظلم لا تفعل ذلك فإن ذلك المقتول يكون منصورا في الدنيا والآخرة . أما نصرته في الدنيا فيقتل قالتله وأما نصرته في الآخرة فبكثرة الثواب له وكثرة العقاب لقالتله
    الثاني : أن هذا الولي يكون منصورا في قتل ذلك القاتل الظالم فليكتف بهذا القدر فإنه يكون منصورا فيه ولا ينبغي أن يطمع في الزيادة منهن لأن من يكون منصورا من عند الله يحرم عليه طلب الزيادة وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قلت لعلي كرم الله وجهه ( وايم الله ليظهرن عليكم ابن أبي سفيان ) لأن الله تعالى يقول : { ومن قتل مظلوما فقد جعلانا لوليه سلطانا }
    الثالث : أن هذا القاتل الظالم ينبغي أن يكتفي باستيفاء القصاص وأن لا يطلب الزيادة عنه
    فإن قيل : وكم من ولي مخذول لا يصل إلى حقه ؟
    قلنا : المعونة تكون بظهور الحجة تارة وباستيفائها أخرى وبمجموعها ثالثة فأيها كان فهو نصر من الله سبحانه وتعالى فالله نصره بوليه من بعده
    قال الضحاك : هذا اول ما نزل من القرآن في شأن القتل وهي مكية اه
    ويشترط لوجوب القصاصن أو الدية في نفس القتيل باو بدنه أن يقصد القتل أو الشخص بما يقتل غالبا أو قصدهما بما لا يقتل غالبا أو تسبب فب قتله بفعل منه . ويشترط في القتيل كونه معصوما ويشترط في القاتل كونه مكلفا . )
    ( 2) ( اختلف العلماء في القاتل عمدا إذا عفا عنه أولياء الدم هل يبقى للسلطان فيه حق أو لا ؟
    المالكية والحنيفية رحمهم الله قالوا : إن للحاكم حقا على القاتل إذا عفا عنه اولياء الدم وله أن يجلده مائة جلدة ويسجنه سنة كاملة وبه قال أهل المدينة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام وروي ذلك عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
    الشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : لا يجب على الحاكم شيء من ذلك إلا أن يكون القاتل معروفا بالشر والأذى فيجوز للإمام أن يؤدبه على حب ما يرى بالحبس أو الضرب أو التأنيب وحجتهم في ذلك طاهر الشرع

    قالوا : وليس لمحجور فلس عقو عن مال إن أوجبنا أحدهما لا بعينه لأنه ممنوه من التبرع به وإن أوجبنا القود عينا فإن عفا عن الدية ثبتت كثيره وإن اطلق العقو فلا يدة أيضا وإن عفا المحدور أو المفلس على أن لا مال أصلا فلا يجب شيء لأن القتل لم يوجب المال
    وقيل : إن المفلس يصح اقتصاصه . وإساطه واحترز بمحجور عن المفلس قبل الحجر عليه فإنه كموسر وبمفلس عن المحجور عليه بسلب عبارته كصبي ومجنون فعفوهما لغو المبذر حكمه بعد الحجر عليه بالتبذير في إساقط القود واستيفائه كرشيد لأن الحجر عليه لحق نفسه لا لغيره فلا تجب الجية في صورتي عفو
    موت القاتل
    الحنفية والمالكية قالوا : من قتل آخر متعمدا ووجب عليه القصاص ثم مات بعد ذلك بأجله من غير تعد سقط حق ولي الدم عن القصاص والدية جميعا ولا شيء على ورثة القاتل لفوات محل الاستيفاء
    الشافعية والحنابلة - قالوا : إذا مات القاتل عمدا بعد جنايتع لا يسقط الحق عنه بل تبقى الدية في تركته وترد إلى ورثة المقتول ولهم الحق في أخذها أو العفو عنها وذلك لأن الوجاب احدهما عنهم فإذا استحال تحقيق القود وجبت الدية حتى لا يهدر دمه كالوالد إذا قتل ولده أو عبده وتعذر الاستيفاء بالقصاص فإنه ينتقل إلى الدية . في تركته وترد إلى المقتول ولهم الحق في أخذها أو العفو عنها وذلك لأن الواجب احدهما عندهم فإذا استحال تحقيق القود وجبت الدية حتى لا يهدر دمه كالوالد إذا إذا قتل ولده أو عبده وتعذر الاستيفاء بالقصاص فإنه ينتقل إلى الدية
    اختلاف ورثة الدم في العفو
    اتفق الفقهاء على أن المقتول عمدا إذا كان مسلما معصوم الدم وكان القاتل مكلفا عاقلا ولم يكن أبا ولا جدا للمقتول وكان له أولاد ذكور كبار عقلاء وحضروا مجلس القضاء وطالبوا بالقصاص فإنه يجب على الحاكم تنفيذ الحكم من غير تأخير إلا إذا كان الجاني امرأة حاملاص فإنه يؤجل القود حتى تضع حملها وترضع مولودها
    وإن تنازلوا عن القصاص وطلبوا الدية وجبت لهم الدية ولو بغير رضا الجاني أما إذا اختلفوا في العفو فطلب بعضهم القصاص . وعفا البعض الآخر عن الجاني فإنه يسقط القصاص وتجب الدية في مال القاتل وتقسم على الورثة وإن لم يرض باقي الورثة لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء لحرمة دم الآدمي . لأن الحدود تدرأ بالشبهات وهذه شبهة في إقامة القصاص على القاتل أما إذا كان الورثة نساء ورجالا . واختلفوا في العفو أو إقامة الحد والقصاص أو أخذ الدية فقد اختلف فيه الأئمة رحمهم الله تعالى

    المالكية رحمهم الله تعالى قالوا : يسقط القصاص إن عفا رجل من المستحقين حيث كان العافي مساويا في درجة الباقي من الورثة والاستحقاق كابنين أو عمين أو أخوين وأولى إن كان العافي أعلى درجة كعفو ابن مع اخ فإن كان العافي انزل درجة من الباقين لم يعتبر عفوه كعفو أخ مع ابن للمقتول . وكذا إن كان العافي لم يساو الباقي في الاستحقاق كإخوة لام مع إخوة لاب لان الاستيفاء حق للغاصب الذكر فلا دخل فيه لزوج ولا لأخ لأم اوجد لها ويقدم الأقرب فالأقرب فيتقدم ابن فاينه إلا الجد الأدنى والاخوة فسيان في القتل والعفو ولا كلام للجد الأعلى مع الإخوة

    أما إذا كان القائم بالدم نساء فقط وذلك لعدم مساواة عاصب لهن في الدرجة بأن لم يوجد أصلا أو وجد وكان أنزل . فالبنت وبنت الابن احق من الخت قي عفو وضده فمتى طلبت القصاص الثابت ببينة أو اعتراف أو العفو عن القتل فيها ولا كلام للأخت وإن كانت مساوية في الإرث ولا شيء لها من الدية أما لو احتاج القصاص لقسامة فليس لهما أن يقسما لأن النساء لا يقسمن في العمد بل العصبة فقط فحيث اقسموا وأرادوا القتل وعفت البنت فلا عفو لها والقول للعصبة في القصاص وإن عفوا وأرادت القتل فلا عفو لهم هم والقول لها في طلب القصاص فلا عفو بإجماع الجميع أو بعض البنات وبعض منهم
    وإن عفت واحدة من البنات أو بنات ابن أو أخوات ولم يكن عاصب أو كان ولا كلام لكون البنت أعلى درجة منه والقتل ثابت بالبينة أو الإقرار نظر الحاكم العد في الصواب من إمضاء لعفو بعض البنات أو رد لعفوهن لأنه بمنزلة العاصب إذ يرث الباقي من التركة لبيت المال
    وفي اجتماع رجال ونساء أعلى درجه منهن ولم يحزن الميراث لم يسقط القصاص إلا بعفو الفريقين فمن أراد القصاص من الفريقين . فالقول قوله أو ببعض من كل من الفريقين ومهما عفا البعض من المستحقين للدمن مع تساوي درجاتهم بعد ثبوت الدم مطلقا ببينة أو غيرها فإنه يسقط القصاص وإذا سقط فلمن بقي من الورثة ممن لم يعف وله التكلم في نصيبه من دية عمد وكذا لو عقا جميع من له التكلم مرتبا سقط حقه من الدم ومن الدية وما بقي منها يكون لمن بقي ممن له التكلم ولغيره من بقية الورثة كالزوج أو الزوجة أو الاخوة وما بقي ممن لا تكلم له بأخذ نصيبه من الدية . كولدين لأنه مال ثبت بعفو الأول بخلاف لو عفا في فور واحد فلا شيء لمن تكلم له كما إذا اكان من له التكلم واحدا وعفا كإرثه للدم كما لو قتل احد ولديه اباه ثم مات غير القاتل ولا وارث له سوى القاتل فقد ورث القاتل دم نفسه كله وكذا لو ورث القاتل بعض الدم كما لو كان غير القاتل أكثر من واحد مات أحدهم عن القاتل وغيره فقد ورث القاتل بعض الدم فيسقط القصاص . ولمن بقي من الورثة نصيبه من الدية هذا إن استقل الباقي بالعفو أما لو عفا من يستقل بالعفو فلا يسقط القود عمن ورث قسطا إلا بعفو الجميع
    أو بعض من كل كما لو قتل شقيق أخاه وترك المقتول بتات ثلاثة اخوة أشقاء غير القاتل فمات أحد الثلاثة فقد ورث القاتل قسطا ولا يسقط القوج إلا بعفو الجميع أبو بعض من كل

    الأئمة الثلاثة قاولا : كل وارث يعتبر قوله في اسقاط القصاص وغسقاط حقه من الدية وفي أخذ حقه والتمسك به
    وقال الشافعي : الغائب منهم والحاضر والصغير والكبير والذكر والأنثى سواء في الاستحقاق ولاية الدم عن المقتول عمدا لأن الدم كالدية

    عفو المقتول عمدا المقتول عمدا عن دمه قبل موته
    المالكية قالوا : إذا قال البالغ العاقل المعصوم الدم لإنسان : إن قتلتني أبرأتك من دمي فقتله فإنه لا يسقط القود عن قالتله وكذا لو قال له بعد أن جرحه ولم ينفذ مقتله : أبرأتك من دمي . فلا يسقط القصاص لأنه أسقط حقا قبل وجبوبه بخلاف ما إذا أبرأه من دمه بعد إنفاذ مقتله أو قال له : إن مت فقد أبرأتك فإنه يبرأ ولو كان قبل إنفاذ مقتله ولكن لابد من كون البراءة بعد الجمرح وللولي حق القصاص أو العفو مجابا أو على الدية إن رضي الجاني بها فإن لم يرض الجاني بالدية خير الولي بين أن يقتص من القاتل أو يعفو عنه بغير عوض وإن عفا عن الجاني ولم يقيد عفوه بدية ولا غيرها فيقضى بالعفو مجردا عن الدية إلا أن تظهر بقرائن الأحوال إرادتها مع الدية حال العفون ويقول : إنما عفوت لأخذ المدية فيصدق يمينه ويبقى الولي بعد حلفه على حقه في القصاص إن امتنع الجاني عن دفع الدية . وإلا دفعها وتم العفو كما طلب الولي
    الشافعية قالوا : إن قال حر مكلف رشيد أو سفيه لوجل آخر : اقطع يدي مثلا ففعل الآجنبي فهو هدر لا قصاص فيه ولا دية للإذن فيه لأنه اسقط حقه باختياره فإن سرى الجرح للنفس فمان أو قال له ابتداء : اقتلني فقتله فهو هدر في الأظهر من المذهب للإذن في ذلك الفعل

    وقبل تجب الدية على القاتل والخلاف مبني على أن الدية ثبتت لميت ابتداء في آخر جزء من حياته ثم يتلقاها الوارث أو على أن الدية ثبتت للوارث ابتداء عقب هلاك المقتول ؟ إن قلنا بالأول وهو الأصح لم تجب الدية في حال السراية لأنه أذن فيما بملك وإلا وجبت ففي صورة القطع تجب نصف الدية لأنه الحادث بالسراية وفي حالة الأمر بالقتل ابتداء تجب الدية وعلى القول الأول تسقط الدية ولكن تجب الكفارة فإن الكفارة تجب على الصح لحق الله تعالى والإذن لا يؤثر فيها تجب على كل حال ولو قال له : اقتلني وإلا قتلتك فقتله فلا قصاص ولا دية في الأظهر
    ولو قطع عضو من شخص يجب فيه القود فعفا المقطوع عن قوده وإريه فإن لم يسر القطع بأن اندمل فلا شيء من قصاص أو أرش لاسقاط الحق بعد ثبوته
    وإن سرى القطع للنفس فلا قصاص في نفس ولا طرف لأن السراية تولدت من معفو عنه فصارت شبهة واقعة للقصاص . أما إذا سرى إلى عضو آخر فلا قصاص فيه وإن لم يعف عن الأول . وأما أرش العضو في صورة سراية القطع للنفس فإن جرى من المقطوع في لفظ العفة عن الجاني لفظ وصيته كأن قال بعد عفوه عن القود اوصيت له بأرش هذه الجناية فوصيته للقاتل أو جرى لفظ إبراء أو إسقاطن أو جرى عفو عن القود اوصيت له بأرش هذه الجناية فوصيته للقاتل أو جرى لفظ إبراء أو إساقط أو جرى عفو عن الجناية سقط الأرش قطعا وقيل : ما جرى من هذه الثلاثة وصيته لاعباره من الثاث وتجب الزيادة على ارش العضو المعفو عنه أن كان إلى تمام الجية للسراية سواء تعرض في عفوه لما يحدص منها أم لا وفي قول : إن تعرض في عفوه عن الجناية لما يحدث منها سقطت تلك الزيادة والظهر عدم اسقوط لأن إسقاط الشيء قبل ثبوته غير منتظم فلمو سرى قطع العضو المعفو عن قوده وارشه كأصبع إلى عضو آخر كباقي الكف فاندمل القطع ضمن دية السراية فقط لأنه إنما عفا عن موجب جناية موجودة فلا يتناول غيرها ومن له قصاص نفس بسراية قطع طرف كأن قطع يده فمات بسراية لو عفا وليه عن النفس فلا قطع له لأن المستحق القتل والقطع طريقه وقد عفا عنه أو عفا وليه عن الطرف فله جز الرقبة في الأصح لأن كلا منهما حقه والثاني المنع لأنه استحق القتل بالقطع الساري وقد عفا عنه
    ولو قطعه الولي ثم عفا عن النفس مجانا أو بعوض فإن سرى القطع إلى النفس ظهر بطلان العفو ووقعت السراية قصاصا لأن السبب وجد قبل العفو وترتب عليه مقتضاه فلم يؤثر فيه العفو وإن الم يسرق قطع الولي بل وقت فيصح عفوه لأنه أثر في سقوط القصاص ويستقر العفو المعفو عليه إذ لم يستوف بالقطع تمام الدية ولا يلزم الولي بقطع اليد شيء
    ولو وكل الولي غيره في استيفاء القصاص ثم عفا فاقتص الوكيل جاهلا بذلك فلا قصاص عليه لعذره والأظهر وجوب الدية لأنه بأن أنه قتله بغير حق فتجب على الوكيل دية مغلظة لورثة الجاني لا للموكل والأصح أن الوكيل لا يرجع بالدية على الثاني أمكن الموكل إعلام الوكيل بالعفو أم لا لأنه محسن بالعفو ولو وجب قصاص عليها فنكحها عليه جاز وسقط فإن فارق قبل الوطء رجع بنصف الأرش ا ه
    الحنفية والحنابلة رحمهم الله تعالى قالوا : إذا عفا المقتول عن دمهن في القتل العمد جاز ذلك على الأولياء وسقط القصاص عن القاتل ولا يجب شيء لورثته من بعده . لأن الحق الذي جعل للولي إنما هو حق المقتول أولا فناب فيه الوارث منابه وأقيم مقامه فكان المقتول أحق بالخيار من الذي أقيم مقامه بعد موته
    وقد أجمع العلماء على قوله تعالى : { فمن تصدق به فهو كفارة له } أن المراذ في الآية الكريمة هة المقتولن يتصدق بدمه وذلك في حالة إصابته قبل موته وإنما اختلفوا على من يعود الضمير في قول تعالى : { فهو كفارة له } فقيل : يعود الضمير على القاتل لمن رأى به توبة
    وقيل : يعود الضمير على المقتول الذي تصدق على قالتله بدمه أو القود من أطرافه في الجراحة فيكون هذا التصدق كفارة لذنوبه وخطاياه إذا فعا عن قاتله أو عن جرحه
    فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { فمن تصدق به } يقول : فمن عفا عنه وتصدق عليهن فهو كفارة للمطلوب وأجر للطالب
    وروي عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى : { فمن تصدق به فهو كفارة له } للمجروح فيهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به وهكذا وروي عن الشعبي عن رجل من النصار عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله : { فمن تصدق به فهو كفارة له } قالك ( هو الذي تكسر سنه أو تقطع يده أو يقطع الشيء منه أو بجرح في بدنه فيعفو عن ذلك ) قال : ( فيحط عنه خطاياه فإن كان ربع الدية فربع خطاياه وإن كان الثلث فثلث خطاياه وإن كانت الدية حطت عنه الخطايا كذلك )
    وروى الإمام أحمد قال : حدثنا وكيع حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية فقال معاوية : انا سنرضيه فألح الأنصاري فقال معاوية : شأنك بصاحبك وأبو الدرداء جالس فقال أو الدرداء : سمعت رسول الله يقول : ( ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط به عنه خطية ) فقال الأنصاري . فإني قد عفوت
    وروي عن عدي بن ثابت : أن رجلا اهتم فمه رجل على عهد معاوية رضي الله عنه فأعطي دية فأبى إلا أن يقتص فأعطي ديتين فأبى فأعطي ثلاثة فأبى فحدث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من تصدق بدم فما دونه فهو كفارة له من يوم أن ولد إلى يوم يموت ) والأحاديث في ذلك كثيرة
    الحنفية قالوا : من قطع يد رجل عفا المقطوعة يده عن القطع . ثم مات بعد ذلك فعلى القاطع الدية في ماله وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك فهو عفو عن النفس ثم إن كان خطأ فهو من الثلث وإن كان عمدا فهو من جميع المال
    لأن العفو عن القطع والشجة والجراحة ليس لعفو عما يحدث منه فإذا وقع شيء من ذلك وعفا المجني عليه عنه بعد الجرح ثم سرى ومات بسببه فعلى الجاني الدية في ماله خاصة . لأن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة مقومة والعفو لم يتناوله بصريحه لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل لا محالة وبالسراية تبين أن الواقع قتل لا قطع وحقه فيه فما هو حقه لم يفع عنه وما عفا عنه فليس بحقه فلا يكون معتبراص ألا ترى أن الولي لو قال بعد السراية : عفوتك عن اليدن لم يكن عفوا ولو قال المجني عليه : عفوتك عن القتل وأقتصد القطع لم يكن عفوا فكذا إذا عفا عن اليد ثم سرى القطع وإذا لم يكن معتبرا وجب الضمان
    والقياس يقتضي القصاص لأنه هو الموجب للعمد إلا أنا تركناه لأن صورة العفو اورثت شبهة وهي دارئة للقود فتجب الدية في ماله
    وقال الصاحبان رحمهما الله تعالى : من قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك القطع بسبب السراية فهو عفو عن النفس أيضان فلا شيء على القاطع لأن العفو عن القطع عفو عن موجبه لأن الفعل عرض لا يبقى فلا يتصور العفو عنه فيكون العفو عنه عفوا عن موجبه وموجبه أما القطع إذا اقتصر ولم يسر وإما القتل إن سرى القطع ومات بسببه فكان العفو عفوا عنهما جميعاص ولأن اسم القطع يتناول الساري والمقتصر فإن الاذن بالقطع به وبما حدث منه حتى إذا قال شخص لآخر : اقطع يدي فقطعه ثم سرى إلى النفس فإنه لم يضمن والعفو إذن انتهاء فيعتبر بإذن ابتداء فصار كما إذا عفا عن الجناية فإنه يتناول الجناية السارية والمقتصرة
    وقال الإمام : لا نسلم أن الساري نوع من القطع وإن السراية صفة له بل السراية قتل من الابتداء لأن القتل فعل مزهق للروح ولما انزهق الروح به عرفنا أنه كان قتلا ولأن القتل ليس بموجب للقطع من حيث كونه قطعا فلا يتناوله العفو بخلاف العفوعن الجناية لأنه اسم جنس وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية والقتل ولو كان القطع خطا فقد أجراه مجرى العمد في العفو عن القطع مطلقا والعفو عن القطع وما يحدث منه والعفو عن الشجة والعفو عن الجناية ولأن العفو عن القطع وما يحدث منه والعفو عن الجناية عفو عن الدية بالاتفاق والعفو عن القطع مطلقا عفو عن الدية عن القطع مطلقا عفو عن الدية عندهما إذا كان خطأ وعند أبي حنيفة يكون عفوا عن أرش اليد لاغير والعفو عن الشجة عفو عن الدية إذا سرت عندهما وعنده عن أرش الشجة لا غير والقطع إن كان خطأ وجبت الدية من ثلث المال وإن كان عمدا فهو جميع المال عند أبي حنيفة رحمه الله اه
    الصلح في القتل عمدا على مال
    اتفق الأئمة على أنه إذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص ووجب المال قليلا كان أو كثيرا زائدا على مقدار الدية لقوله تعالى : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } على ماقيل : إن الآية نزلت في الصلح وهو قول ابن عباس والحسن والضحاك ومجاهد وهو موافق للام فإن لفظ ( عفا ) إذا استعمل باللام كان معناه البدل أي فمن أعطى من جهة أخيه في الدين المقتول شيئا من المال بطريق الصلح عن مجاملة وحسن معاملة
    ولأن القصاص حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا فكذا تعويضا لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي والقليل والكثيرفيه سواء لأنه ليس فيه نص مقدر فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره وإن لم يذكروا خالا ولا مؤجلا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد والأصل في أمثاله الحلول مثل المهر والثمن بخلاف الدية لانها ما وجبت بالعقد
    المالكية قالوا : يجوز صلح الجاني مع ولي الدم في القتل العمد ومع المجني عليه في الجرح العمد بأقل من الدية أو أكثر منها حالا ومؤجلا بذهب أو فضة أو عرض
    عفو احد الشركاء في الدم
    الحنفية قالوا : إذا عفا احد الشركاء في الجم أو صالح عن حقه على عوض سقط حق الباقين في القصاصن وكان لهم نصيبهم من الدية لان الدية متجزئة لكونها من قبيل الأموال في الجملة بالاتفاق فيجب أن يكونا للجميع حتى للزوجين لأن وجوبهما اولا للميت ثم يثبت للورثة . ولا يقع للميت إلا بأن يسند الوجوب إلى سببه وهو الجرح فكانا كسائر الأموال في ثبوتهما قبل الموت ألا ترى أنه إذا أوصى بثلث ماله دخلت دينه فهيا وتعضى منه ديونه وكان الإمام على رضي الله عنه يقسم الدية على من أحرز الميراثن وكفى به قدوة وإذا ثبت ذلك فكل من الورثة يتمكن من الاستيفاء والعفو والزوجية تبقى بعد الموت حكما في حق الإرث أو يثبت للورثة بعد الموت مستندا إلى سببه وهو الجرح وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا لأنه امتنع بمعنى راجع إلى القاتل وليس للعافي شيء من المال لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه
    الشافعية والمالكية - قالوا : إنه لا حظ للزوجين في القصاص والدية ولاحق لهما فيهما وذلك لأن الوراثة فيما يجب بعد الموت خلافة وهي فيه بالنسب لا السبب لانقطاعه بعد الموت . والزوجية تنقطع بالموت ولأن المالكية يقولون : لاحظ للنساء في القصاص والدية معا
    والشافعية يقولون : لاحظ للناء في استيفاء القصاص ولهن حق العفو فقط اه
    إذا اقتص من الجاني فمات
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : لو اقتص المجني عليه من الجاني بالعطع مثلا فمات من أثر القصاص بسبب السراية من العضو المقطوع فلا شيء على المجني عليه لأنه استوفى حقه وهو القطع ولا يمكن التقيد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص إذ الاحتراس عن السراية ليس في وسعه فصار كالإمام والبزاغ والحجام والمأمور قطع اليج ولقوله تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه }
    الحنفية قالوا : إذا اقتص المجني عليه من الجاني فسرى القطع إلى الجسد ومات بسببه تجب الدية للورثة على عاقلة المقتص له لأنه قتل بغير حق لأن حقه القطع وهذا وقط قتلا ولهذا لو وقع ظلما لكان قتلا ووجب فيه القصاص ولأنه جرح أفضى إلى فوات الحياة في مجرى العادة وهو مسمى القتل إلا أن القصاص سقط للشبهةن فوجب المال بخلاف الإمام وغيرهن لأنه ملكف فيها بالفعل إما تقلدا كالإمام أو عقدا كما في غيره منها . فالقاضي إذا تقلد القضاء يجب عليه أن يحكم فإذا قطع يد السارق فمات من ذلك فإنه لا شيء عليه والواجبات لا تتقيد بوصف السلامة كالرمي إلى الحربي وفيما نحن فيه من الاستيفاء لا وجوب ولا التزام إذ هو مندوب إلى العفو فيكون من باب الإطلاق والإباحة قال تعالى : { وإن تعفوا اقرب للتقوى } ولو رمى صيدا فأصاب إنسانا ضمن كذا هذا


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #274
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 132 الى صـــــــــ135

    الحلقة (274)



    مبحث تأخير القصاص للولد الصغير
    الحنفية والمالكية قالوا : من قتل وله أولياء صغار وكبار فللكبار أن يقتلوا القاتل . ولا ينتظرون حتى يدرك الصغار لأن القصاص حق لا يتجزأ لثبوته بسبب لا يتجزأ وهو القرابة يثبت لكل واحد كملا كالولاية في النكاح . ولثبوت التفرقة بين الصغار والكبار الغيب من حيث احتمال العفو في الحال وعدمه فإن العفو من الغائب موهوم حال استيفاء القصاص لجواز أن يكون الغائب عفا عن حقه في القصاص والحاضر لا يشعر به فلو استوفى كان استيفاء مع الشبهة وهو لا يجوز وأما العفو في الصغير فميئوس منه حال استيفاء القصاص لأنه ليس من أهل العفو وإنما يتوهم العفو منه بعد بلوغه سن الرشد والشبهة في المال لا تعتبر لأن ذلك يؤدي إلى سد باب القصاص لاحتمال أن يقدم ولي المقتول على قتله وكذلك إذا كان احد الاولياء مجنونا يجب على القاضي تعجل القصاص ولا ينتظر شفاءه من الجنون المطبع وهو الذي لا يفيق
    الشافعية والحنابلة في أظهر روايتهم والصاحبان من الحنفية قالوا : إذا كان أولياء الدم فيهم صغار وكبار فليس للكبار تعجيل القصاص بل ينتظر ويحبس القاتل ولا يخلى سبيله بكفيل حتى يدرك الصغار ويبرأ المجنون منهم فيكون له الخيار بين القصاص وأخذ الديةن أو العفو عن الجاني أو الصلح على مال . ذلك لأن القصاص مشترك بينهم ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزي وفي استيفائهم الكل إبطال حق الصغير والمجنون فيجب أن يؤخر القصاص إلى ادراكه أو يفيق المجنون كما إذا كان بين الكبيرينن وكان أحدهما غائبا أو كان بين الموليين وليتفقوا على مستوف وإلا فقرعة يدخلها العاجز وهذا الخلاف إذا لم يكن في الورثة اب للقتيل أما إذا كان فيهم الب فلهم الاستيفاء بالاتفاق ولا ينتظرون حتى يدرك الصغار لأن الأب له الولاية على النفس
    ولو سبق أحدهم فقتله فالأظهر لا قصاص وللباقين قسط الدية في تركته وقيل : من المستوفى وإن بادر بعد عفو غيره لزمه القصاص وقيل : لا
    استيفاء الأب لولده الصغير
    الحنفية والمالكية قالوا : إذا قتل ولي الصغيرن أو المعتةه فللأب وهو حد المقتول استيفاء القصاص من القاتل نيابة عن المعتوه والصغير لأنه من الولاية على النفس لأن القصاص شرع للتشفين وللأب شفقة كاملة فيعد ضرر الولد ضرر نفسه فجعل ما يحصل له من التشفي كالحاصل للابن فالأب يلي القصاص كما يلي الإنكاح سواء كان شريكه أم لا وللأب أن يصالح لأنه أنظر في حق المعتوه والصغير وليس له أن ينقص عن قدر الدية فإن نقص المال المصالح عليه عن عدر الدية يجب كمال الدية وليس له أن يعفو عن القاتل بغير مال لأن فيه إبطال حقهن وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا أو يد الصغير فللأب أن يستوفي القصاص
    قتل الوالد بولده
    الحنفية والشافعية والحنابلة - قالوا : لا يقتل الرجل بابنه لقول صلى الله عليه و سلم : ( لا يقاد الوالد بولده ) وهو حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول فيصلح مخصصا لعموم الآية الدالة على وجب القصاص في القتلى وذلك مثل إخراج قتل المولى عبده أو عبد ولده ولأن عمر قضى بالدية في قاتل ابنه ولم ينكر عليه أحد
    ولأن الأب لإحياء الولد فمن المحال أن يستحق له إفناؤه ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده في صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن ويجب على الأب الدية للورثة ويحرم منها
    المالكية قالوا : لا يقاد الأب بالابن إلا أن يضجعه ويذبحه أو يحبسه حتى يموت مما لا عذر له فيه ولا شبهة فإن حذفه بالسيف أو بالعصا أو بالحجر الكبير غير قاصد لقلته فلا يقتل فيه والجد في ذلك عندهم مثل الأب وحجتهم في ذلك عموم القصاص بين المسلمين لا فرق بين الأب وغيره وقاسوه على الرجل إذا زنا بابنته وهو محصن فإنه يرجم بالاتفاق ولأن الآية في القصاص عممتن فلا تخصص بخبر الآحاد فإذا ثبت العمد وجب عليه القصاص ومن ورث قصاصا على أبيه سقط لحرمة الأبوة اه
    مبحث شبه العمد
    الحنفية قالوا : القتل على خمسة اوجه عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدد من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار
    وشبه العمد : أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري محرى السلاح سواء كان الهلاك به غالبا كالحجر والعصا الكبيرين ومدقة القصار أو لم يكن كالسوط والعصا الصغير وذلك لقوله صلى الله عليه و سلم : ( ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا ) رواه النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه ووجه الاستدلال به أنه عليه الصلاة و السلام جعل قتيل السوط والعصا مطلقا شبه عمد فتخصصه بالصغيرة إبطال للإطلاق وهو غير جائز
    ولأن العصا الكبيرة والصغيرة تساويا في كونهما غير موضوعتين للقتل ولا مستعملتين له غالبا إذ لا يمكن الاستعمال على غرة من المقصود قتله وبالاستعمال على غرة يحصل القتل غالباص وإذا تساويا والقتل بالعصا الصغيرة شبه عمد بالاتفاق فكذا الكبيرة فقصرت العمدية نظرا إلى الألة فكان شبه عمد
    الشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية - قالوا : شبه العمد هو أن يتعمد الضرب بما لا يحصل الهلاك به غالبا كالعصا الصغيرة إذا لم يوال في الضربات أما إذا والى فيها فهو عمد وقيل : شبه عمد وسمي هذا النوع شبه عمد لاقتصار معنى العمد فيه وإلا لكان عمدا واقتصاره إنما يتصور في استعمال آلة لا يقتل بها غالبا كالعصا الصغيرة فإن القصد باستعمالها غير القتل كالتأديب ونحوه فتجب الدية لا القصاص أما إذا استعمل آلة يقتل بها كالضرب بحجر عظيم أو حشبة عظيمة أو مدق القصار أو نحوه فإنه لا يقصد باستعمال هذه الأشياء إلا القتل كالحديدة والسيف فكان قتلا عمدا موجبا للقود قالوا : وقد واققنا أو حنيفة بأن القتل بالعمود الحديد موجب للقود
    وموجب شبه العمد على القولين الإثم لأنه قتل وهو قاصد الضرب والكفارة لأنه خطأ نظرا إلى أن الآلة تدخل تحت قوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } الآية ولأنه شبيه بالخطأ ويجب فيه الدية مغلظة على العاقلة . وهي مائة من الإبلن اربعون منها في بطونها أولادها وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقد روي عنه أنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ووافقه الصحابة من غير نكير من واحد منهم فكان كالمروي عن الرسول صلى الله عليه و سلم لأنه مما لا يعرف بالرأي ويتعلق به حرمان الميراث لأنه جزاء القتل والشبهة تؤثر في إسقاط القصاص دون حرمان الميراث فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا فيه مائة من الإبل منها اربعون في بطونها أولادها ) رواه الخمسة
    وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولايقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون جماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح )
    المالكية قالوا : إن الضرب بالعصا والحجر الصغيرين عمد فإنهم قالوا : إننا لانعرف ماهو قتل شبه العمد وإنما القتل عندهم نوعان فقط عمد وخطأ ما وقع بسبب من السباب أو من غير مكلف . أو غير قاصد للمقتول أو القتل بما مثله لا يقتل في العادة به كالسوط . وهذا لا قود فيه وإنما تجب فيه الدية وقتل العمد ما سواه : إذ لا واسطة بين العمد والخطأ في سائر الأفعال فكذا في هذا الفعل وشبه الخطأ أن يتعمد القتل ويخطىء القصد أو يضربه بسوط لا يقتل مثله غالبا أو يلكزه بيده أو يلطمه لطما بليغا فيجب القصاص في كل ذلك فإن تعمد الجاني الضرب بقضيب أو سوط لا يقتل به غالبا أو مثقل كحجر أو خنق ومنع من طعام حتى ماب أو منع من شرب محتى مات فالقود أن قصد بذلك موته فإن قصد مجرد التعذيب فالدية
    الشافعية قالوا : الفعل المزحق ثلاثة : عمد وخطأ وشبه عمد ولا قصاص إلا في العمد وهو قصد مالفعل والشخص بما يقتل غالبا جارح أو مثقل
    فالأول وهو الواجب : قتل المرتد إذا لم يتب والحربي إذا لم يسلم أو يعط الدية
    والثاني وهو الحرام : قتل المعصوم بغير حق
    والثالث وهو المكروه : قتل الغازي قريبه الكافر إذا لم يسب الله أو رسول صلى الله عليه و سلم
    والرابع وهو المندوب : قتل الغازي قريبه الكافر إذا حدث منه سب لله أو الرسول صلى الله عليه و سلم
    والخامس وهو المباح : قتل الإمام الأسير وهو مخير فيه

    وأما قتل الخطأ فلا يوصف بحرام ولا حلال لأنه غير مكلف فيما أخطأ فهو كفعل المجنون والبهيمة فإن فقد قصد أحدهما بأن وقع عليه فمات أو رمى شجرة فأصابه فخطأ وإن قصدهما بما لا يقتل غالبا فشبه عمد ومنه الضرب بسوط أو عصا فلو غرز إبرة بمقتل فعمد ولو غرز فيما لا يؤلم كجلدة عقب فلا شيء بحال ولو حبسه ومنعه الطعان والشراب والطلب حتى مات فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد وإلا فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد وإن كان به بعض جوع أو عطش وعلم الحابس الحال وكانت مدة حبسه بحيث لو أضيفت لمدة جوعه أو عطشه السابق بلغت المدة القاتلة فعمد لظهور الإهلاك من الرجل الحابس وأما إذا لم يبلغ مجموع المدنين ذلك فهو كما لو لم يكن به شيء سابق وإن لم يعلم الحال فهو شبه العمد
    مبحث القال بمثقل والإغراق أو الإحراق بالنار
    المالكية قالوا : إن حبس شخص آخر ومنعه الطعام أو الشراب حتى مات بسبب ذلك أو خنقه بيده فيجب عليه القود في كل ذلك إن قصد بذلك موتهن أو علم أنه يموت من ذلك
    ومن سقى غيره سما في طعام أو شراب فمات فعليه القود فقد وري عنهم أن منع فضل مائه مسافراص عالما بأنه لا يحل له منعه وأنه يموت إن لم سقه قتل به وإن لم يل قتله بيده ومن ضرب غيره بمثقل كحجر إن نفذ الضارب مقتله أو لم ينفذه ممات مغمورا مما ذكر بأن ضربه فرفع مغمورا من الضربن أو الجرح حتى مات فيقتص منه بلا قسامة كما لو رفع ميتا مما ذكر فإن لم ينقذ له مقتل وأفاق بعد الضرب أو الجرح ثم مات لمقتص إلا بالقسامة وكذلك من طرح معصوما غمر محسن للعوم في نهرن لعداوة أو غيرها أو طرح من يحسن العوم عداوة فغرق في الحالين يجب القصاص وإلا لم يكن لعداوة والدية في اللعب
    ومن تسبب في الإتلاف كحفر بئر بأن حفرها ببينة فوقع فيها المقصود أو وضع شيئا مزلقا أو اتخذ كلبا عقورا لمعين وهلك المقصود بالبئر وما بعده فيجب القود من المتسبب وإن هلك غير المقصود أو قصد مطلق الضرر فهلك بها إنسان فتجب الدية في الحر المعصوم والقيمة في غيره وإن لم يقصد ضررا بالحفر وما بعده فلا شيء عليه ويكون هدرا وتقديم مسموم لمعصوم عالما بأنه مسموم فتناوله غير عالم فمات يجب القصاص فإن تناوله عالما بسمه فهو القاتل لنفسهن وإن لم يعلم المقدم فهو من الخطأ ومن رمى على غيره حية وهي حية فمات وإن لم تلدغه فمات من الخوف فعليه القود وإن كانت ميتة فتجب الدية وكذا إن كان شأنها عدم اللدغ لصغرها فإن كان على وجه اللعب فالديةن وإن كان على وجه العداوة فالقود
    ومن أشار على غيره بسلاح كسيف ومدفع وبندقة وخنجر فهرب المشار إليه خوفا منه وطلبه المشير في هروبه لعداوة بينهما فمات بلا سقوط فيجب القود بلا قسامة وإن لم يضربه بالقتل وإن سقط حال هروبه فبقسامة لا حتمال موته من سقوطه واشارته فقط بلا عداوة ولا هرب يكون خطأ فتجب الدية مخمسة على العاقلة وكذا إن هرب ولا عداوة ومات فدية خطأ
    الشافعية والحنابلة قالوا : يجب القصاص بالسبب فلو شهدا بقصاص فقتل ثم رجعا وقالا : تعمدنا الكذب فيها وعلمنا أنه يقتل أو يقطع بشهادتنا لزمهما حينئذ القصاص لآنهما تسبببا في إهلاكه بما قتل غالبا فأشبه ذلك الإكراه الحسي إلا أن يعترف الولي بعلمه بكذبهما فلا قصاص عليهما
    لأنهما لم يلجأ إلى قتله حسا ولا شرعا فصار قولهم شرطا محصنا فيجب على الولي القصاص أما لو قال الولي عرفت كذبهما بعد القتل فلا يسقط القصاص عنهما
    ولو ضيف بمسموم يقتل غالبا أو ناوله صبيا غير مميز أو مجنونا فأكله فمات منه وجب القصاص عليه أو ضيف به بالغا عاقلا ولم يعلم الضيف بالسم حال الطعام فدية ولا قصاص لأنه تناوله باختياره من غير إلجاء وقيل : يجب القصاص . واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم امر بقتل المرأة اليهودية التي سمت له الشاة بخيبر فمات منها بشر بن وائل بن معرور أما إذا علم الضيف حال الطعام فلا شيء على المضيف قطعا لأنه المهلك نفسه ولا يجب على المجني عليه معالجة الجناية بما يدفعها فلو ترك المجروح علاج جرح مهلك له فمات منه وجب القصاص جزمما على الجارح لأن البرء غير موثوق به لو عولج والجراحة في نفسها مهلكة ولو ألقاه في ماء لا يعد مغرقا كمنبسط فمكث فيه مضطجعا حتى هلك فهدر أو ماء مغرق لا يخلص منه إلا بسباحة فإن لم يحسنها أو كان مكتوفا أو زمنا تعمد وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلا ولكن منع منها عارض كريح وموج فهلك بسبب ذلك فشبه عمد تجب دينه وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلا ولكن منع منها عارض كريح وموج فهلك بسبب ذلك فشبه عمد تجب دينه وإن أمكنه التخلص من الغرق فتركها فلا دية في الأظهر
    وإن ألقاه في نار يمكن معها الخلاص منها فمكث فيها حتى مات ففي الدية قولان وقيل : تجب الدية في الإلقاء في النار بخلاف الماء لأن النار تحرق بأول ملاقاتها وتؤثر قروحا قاتلة بخلاف الماء ولو حفر بئرا فرداه فيها آخر والتردية تقتل غالبا أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده فالقصاص على القاتل في الأول والمردي في الثاني والقاد في الثالث ولو ألقاه في ماء مغرف لا يمكنه الخلاص منه كلجة البحر فالتقمه حوت وجب القصاص في الأظهر لأنه هلك بسببه ولا نظر إلى جهة الهلاك كما لو ألقاه في بئر مهلكة في أسفلها سكين لم يعلم بها الملقي فهلك بها
    قالوا : ومحل الخلاف ما لم يرفع الحوت رأسه ويلقمه وإلا وجب القصاص قطعا ومحله أيضا إذا كان لا يعلم بالحوت الذي في اللجة فإن علم به وجب القود قطعا . كما لو ألقاه على أسد في ريببته أو أما قطار سريق
    أما إذا ألقاه في ماء غير مغرق فالتقمه حوت وهو لا يعلم به الملقي فلا قصا قطعا لأنه لم يقصد إهلالكه ولم يشعر بسبب الإهلاك كما لو دفعه دفعا خفيفا فوقع على سكين فمات ولم يعلم بها الدافع فتجب في الحالتين دية شبه العمد وإن شهر المجنون سلاحا على غيره فقتله ذلك الغير فلا ضمان عليه لانع قتله دفاعا عن نفسه وكذلك لو شهر الصبي سلاحا على غيره فقتله فلا ضمان لأنه يصير محمولا على قتله بفعله فأشبه المكره وكذلك فعل الدابة لو هجمت على لإنسان فقتلها فلا ضمان لأنه دفاع عن النفس
    الحنفية قالوا : من شهر على رجل سلاحا ليلا أو نهارا أو شهر عليه عصا في المصر ليلا أو شهر عليه عصا نهارا في طريق غير المصر فتله المشهور عليه عمدا وكان الشاهر عاقلا مكلفا فلا شيء عليهن لقوله عليه الصلاة و السلام ( من شهر على المسلمين سيفا فقد أطل دمه ) ولأنه يعد في نظر الشرع باغ فتسقط عصمته ببغيه ولأنه تعين طريقا لدفع القتل عن نفسهن فجاز له قتله لدفع الشر عن نفسه وجعف الشر مباح أو واجب ولأن السراح لا يلبث فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة وإن كانت تلبث وكن في الليل لا يلحقه الغوث فيضطر إلى جفعه بالقتل وكذلك في النهار في غير المصرن في طريق لا يلحقه الغوث وفي الصحراء فإذا قتله كان دمه هدرا ولا ضمان على قاتله
    وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية في مالهن لأنه قتل شخصا معصوما أو أتلف مالا معصوما حقا للمالك وفعل الدابة لا يصلح مسقطا وكذا فعلهما وإن كانت عصمتهما حقهما لعدم اختيار صحيح ولهذا لا يجب القصاص لتحقق الفعل منهما بخلاف البالغ العاقل لأن له أختيارا صحيحا وإنما لا يجب القصاص مع القتل العمد بسلاح لوجود المبيحن وهو دفع الشر عن نفسه فتجب الجية حتى لا يهدر دم المسلم المعصوم
    ومن شهر على غيره سلاحا في المصر فضربه ثم قتله الآخر فعلى القاتل القصاص لأنه ضربه فانصرف عنه لأنه خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته إليه ومن دخل عليه غيره ليلا واخرج السرقة فاتبعه صاحب الدار وقتله ليخلص المتاع فلا شيء عليه ودمه هدر لقول صلى الله عليه و سلم : ( قاتل دون مالك ) ولأنه يباح له القتل دفاعا للابتداء فكذا استردادا في الانتهاء وذلك إذا كان لا يتمكن من استرداد ماله إلا بالقتل
    ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته وإن تلف به بهيمة فضمانه في مالهن لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه غير أن العاقلة تتحمل النفس دون المال فكان ضمان البهيمة في ماله خاصة وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة
    وإذا كنس الطريق أو رشها فعطب احد بموضع كنسه أو رشه لا ضمان عليه لأنه ليس بمتعد فإنه ما أحدث شيئا فيه وإنما قصد رفع الأذى عن الطريقن حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعلق بها إنسان فإنه يضمن دينه لتعديه بشغله الطريق بالكناسة
    ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على لاذي نحاه لأن حكم فعله قد انتسخ والبالوعة يحفرها الرجل في الطريق فإن امره السلطان بذلك أو آخرجه عليه لم يضمن ما تلف به لأنه غير متعد حيث فعل ذلك بأمر من له الولاية في حقوق العامة . وإن كان حفر البالوعة أو رفع غطاءها بغير امره فهو متعد فيضم ما تلف به إما بالتصرف في حق غيره أو بالافتيات على رأي الإمام أو هو مباح مقيد بشرط السلامة وكذا كل ما فعل في طريق العامة وإذا فر البئر في ملكه فلا يضمن لأنه غير متعد وكذا إذا حفرها في فناء جارهن لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه ولو حفرها في الطريق ومات الواقع فيها جوعا أو غما لا ضمان على الحافر لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع
    وقال أبو يوسف رحمه الله : إن مات جوعا فكذلك وإن ماتغما فاحافر ضامن له لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع أما الجوع فلا يختص بالبئر
    وقال محمد : هو ضامن في الوجوه كلها لأنه إنما حدث بسبب الوقوع إذ لولاه لكان الطعام قريبا منه وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير ملكه فذلك على المستأجر فقط وإن علموا ذلك فالضمان على الاجراء لأنه لا يصح امره بما ليس بمملوك له ولا غرس
    قالوا : ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر فلا قصاص عليه لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( إلا أن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا ) وفيه وفي كل خطأ أرش ولأن الآلة غير مستعملة في القتل ولا معدة له لتعذر استعماله فتمكنت شبهة عدم العمدية ولأن القصاص ينبىء عن المماثلة ومنه يقال : اقتص أثره
    أما إذا بالنار حتى مات فيجب فيه القصاص بالسيف وكذلك الضرب بحديدة مدببة أو خشبة محددة : أو حجر محدد فإنه يجب فيه القصاص بالسيف لأنه عمد
    قالوا : من شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته حية فمات من ذلك كله فإنه يجب على الجنبي ثاث الدية لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدر في الدنيا والآخرة وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتر في الآخرة حتى يأثم عليه فعند أبي حنيفة ومحمد يغسل ويصلى عليه وعند أبي يوسف يغسل ولا يصلى عليه لأنه تعدى على نفسه بشجها وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة فصارت ثلاثة أجناس فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال فيكون الثالث بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية
    مبحث من مات متاثرا بجراحه
    اتفق الأئمة : على أن من جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب الجرح ملازما لفراشه حتى مات من أثر الجراح فإنه يجب عليه القصاص لوجود السبب وهو سفك دم محقون على التأبيد عمدا وعدم وجود ما يبطل حكمه من عفو أو شبهة تدرأه فأضيف إليه
    واتفقوا : على أنه إذا تكافأت الدماء أن ينفذ القصاص في القتل العمد فيقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى والرجل بالرجل والذمي بالذمي والمستأمن بالمستأمن
    ولوقوله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } فقد جاءت الآية الكريمة مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه ولم تتعرض لاحد النوعين إذا قبل الآخر فالآية محكمة وفيها إجمال بينه قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس }
    وبينه النبي صلى الله عليه و سلم حين قتل الرجل اليهودي بالمراة في المدينة وحين أمر بقتل المرأة اليهودية التي وضعت السم في الطعام في غزوة خيبر فمات بسببه صحابي من أصحابه رضوان الله عليهم


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #275
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 136 الى صـــــــــ139

    الحلقة (275)

    مبحث قتل المؤمن بالكافر
    المالكية قالوا : يقتل الأدنى صفة بالأعلى كذمي قتل مسلما أو كحر كتابي يقتل بعبد مسلم لأن الإسلام أعلى من الحرية
    ولا يقتل الأعلى بالأدنى كمسلم بكافر وكمسلم رقيق بحر كتابي ويقتل الذكر بالأنثى حيث لم يكن القاتل زائدا حرية أو إسلاما ويقتل الصحيح بالمرض ولو كان مشرفا على الهلاك أو محتضرا للموت . وقتل كامل الأعضاء والحواس بالناقص عضواص كيد ورجل أو الناقص حاسة كسمع وبصر واحتجوا على مذهبهم بما روي من حديث الإمام على كرم الله وجهه أنه سأله قيس بن عبادة والأشقر هل عهد إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم عهدا لم يعهده إلى الناس ؟ قال : لا . إلا ما في كتابي هذا وأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده لو أحدث حدثا أو آوى محدثاث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) خرجه أبو دادو
    وما روي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يقتل مؤمن بكافر ) . وما روي عن أبي جحيفة أنه قال : قلت لعلي رضي الله عنه : ( هل عندكم شيء من الوحي غير القرآن ؟ قال : لا . والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهم يعطيه الله تعالى رجلا في القرآن الكريم وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل وفكاك ألأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر ) رواه البخاري رحمه الله وأخرجه أبو داود والنسائي . رحمهما الله تعالى
    واحتجوا أيضا على مذهبهم بإجماع العلماء على أنه لا يقتل مسلم بالحربي الذي أمن أي اخذ الامان
    قالوا : فلا يقتل المؤمن بالذمي إلا أن يضجعه فيذبحه أو يقتله غيلة ويأخذ ماله فلا يشترط فيه الشوط المتقدمة بل يقتل ولا صلح ولا عفو
    الشافعية والحنابلة قالوا : يشترط عندهم في القاتل مكافأته ومساواته للقتيل في الصفة بأن لم يفضله بإسلام أو أمان أو حرية أو أصلية أو سيادة ويعتبر حال الجناية حينئذ فلا يقتل مسلم ولو كان زانيا محصنا أو تاركا للصلا' متعمدا بذمي ولا كتابي لخبر البخاري رحمه الله تعالى عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لا يقتل مسلم بذمي )
    قال ابن المنذر : لم يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم خبر يعارضه . ولأنه لا يقاد المسلم بالكافر فيما دون النفس بالإجماع كما قال ابن عبد البر فالنفس بذلك أولى والحديث المذكور يقتضي عموم الكافر فلا يجوز تخصص بإضمار ( الحربي ) ولأنه لو كان لامعنى كما قال الأحناف لخلا عن الفائدة لأنه يصير التقديرن لا يقتل المسلم إذا قتل كافرا حربياص ومعلوم أن قتله عبادة فكيف يعقل أنه يقتل به ؟
    ويقتل ذمي بالمسلم لشرفه وبالذمي وإن اختلفت ملتهما كاليهوجي بالمسيحي فلو اسلم الذميي القاتل كافرا مكافئا له لم سقط القصاص . لتكافئهما حال الجناية . لأن الاعتبار بالعقوبات حال الجناية ولا نظر لما يحدث بعدها
    قالوا : ويقتل رجل بامرأة وخنثى كعكسه وعالم بجاهل وشريف بخسيس وشيخ بشاب كعكسهما لأنه صلى الله عليه و سلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن ( إن الذكر يقتل بالأنثى ) رواه النسائي وقوله صلوات الله وسلامه عليه ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ) خرجه أبو داود
    ولو جرح ذمي ذميا وأسلم الجارح ثم مات المجروح بالسراية فلا يسقط القصاص بالنفس للتطافؤ حالة الجرح المفضي إلى الهلاك وذا أسلم المقتول عند إشرافه على القتل أو بعد جرحه لا يقتص له وارثه الكافر بل إنما يقتص له الحاكم بعد طلب الوارث وإذا لم يطلب فليس للإمان أن يقتص
    ولا يقتل حر بمن فيه رق ويقتل قن وعبد ومكاتب وأم ولد بعضهم ببعض
    لو قتل عبد عبدا ثم عتق القاتل أو عتق بعد الجرح فكحدوث الإسلام وهو عدم سقوط القصاص في القتل جزماص ولا قصاص بين عبد مسلم وحر وذمي لعلو الإسلام وشرفه
    الحنفية قالوا : يقتل المسلم بالذمي لأن الله تعالى قال : { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالانثى } فهو تخصيص بالذكر وهو لا ينافي ما عده كما في قوله ( والأنثى بالأنثى ) فإنه لا ينافي الذكر بالأنثى ولا العكس بافجماع وفائدة التخصيص الرد على من اراد قتل غير القاتل بالمقتول وذلك أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ري أن قبيلتين من العرب تدعي إحداهما فضلا عن الأخرى اقتتلتا فقالت : مدعية الفضل لا نرضى إلا بقتل الذكر منهم بالأنثى منا والحر منهم بقتل العبد منا فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة ردا عليهم فجاءت الآية مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه فبينت حكم الحر إذا قتل حرا وحكم العبد إذا قتل الآخر فالآية محكمة وفيها إجمال بينة قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وقتل المسلم بالذمي نفس بنفس وبينه النبي صلى الله عليه و سلم بسنته لما قتل اليهودي بالمرأة قاله مجاهد
    قالوا : والذمي مع المسلم متساويان في الحرمة التي تكفي في القصاصن وهي حرمة الدم الثابتة على التأييد والمسلم كذل : وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام والذي يقق ذلك : أن المسلم تقطع يده بسرقة مال الذمي وهذا يدل على أن مال الذمي قد ساوى مال المسلم فدل على مساواتع لدمه إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه وأجمع العلماء على أن العور والأشل إذا قتل رجلا سالم الأعضاء أنه ليس لوليه أن يقتل الأعور ويأخذ منه نصف الدية من أجل أنه قتل إذا عينين وهو أعور وقت ل ذا يدين وهو أشل فهذا يدل لى أن النفس مكافئة للنفس ويكافىء الطفل فيها الكبير
    واحتجوا بما روى محمد بن الحسن عن إبراهيم رحمهما الله تعالى ( أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ( انا أحق من وفى بذمته ثم أمر به فقتل )
    ولأن القصاص يعتمد المساواة في العصمة وهي ثابتة نظرا إلى التكليف أو الدرا ولأن المبيح للدم إنما هو كفر المحارب قال تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } آية 29 من التوبة
    ولأن قتل الذمي بالذمي دليل على أن كفر الذمي لا يورث الشبهة إذ لو أورثها لما جرى القصاص بينهما كما لا يجري بين الحربيين ولأن الأسلام أعلى من حرية الذمي والأعلى لا يقتل بالأدنى ولا يقتل المسلم بالمستأمن لأنه غير محقون الدم على التأبيد وكذلك كفره باعث على الحرب لأنه على قصد الرجوع إلى داره فصار كالحربي ولا يقتل الذمي بالمستأمن ويقتل المستأمن بالمستأمن ويقتل الرجل بالمرأة والكبير بالصغير والصحيح بالعمى والزمن وبناقص الطراف وبالمجنون للآيات الدالة بعمومها على وجوب القصاص ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة امتنعاع القصاص وظهر التقاتل والتفاني بين أفراد المجتمع
    مبحث قتل الحر بالعبد
    الحنفية قالوا : يقتل الحر بالحر والحر بالعبدن لعموم الآيات الواردة في القصاص ولآن القصاص يعتمد المساواة في العصمة وهي بالدين أو بالدار والعبد والحر يستويان فيهما فيجري القصاص بينهما وحقيقة الكفر لا تمنع ممن جريان القصاص لأنه لو صلح لما جرى بين العبدين كما لا يجري بين المستأمنين وليس كذلك ونص الآية فيه تخصيص بالذكر وهو لا ينفي ما عداه كما في قوله تعالى { والأنثى بالأنثى } فإنه لا ينفي أن يقتل الأنثى بالذكر ولا العكس بالإجماع وفائدة التخصيص الرد على من اراد قتل غير القاتل أو الاسراف ف القصاص كأن يقتل العشرة بالواحد . وإذا قتل الحر العبد فإن أراد سيد العبد قتل القاتل وأعطى دية الحر إلا قيمة العبد وإن شاء استحيا واخذ قيمة العبد هذا مذكور عن الإمام علي والحسن
    واحتجوا على مذهبهم بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم : ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم )
    وما روي عن سمرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعنا ) رواه أحمد والاربعة وحسنه الترمذي وهو من رواية الحسن البصري . فالحديث دليل على أن الحر يقاد بالعبد في النفس والكراف والجدع قطع الأنف واو الأذن أو اليد أو الشفة في القاموس
    ومن طريق المعنى قالوا : ولما كان قتل العبد محرما كقتل الحر وجب أن يكون القصاص فيه كالقصاص في الحر وقال النخعي وجماعة : يقتل الحر بالعبد سواء كان عبد القاتل أو عبد غير القاتل واحتجوا على هذا بعموم قوله تعالى { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وهو ضعيف
    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : لا يقتل حر بعبد ولأن مبنى القصاص على المساواة وهي منتفية بين المالك والمملوك ولهذا لا يقطع طرف الحر بطرف العبد بخلاف العبد بالعبد لأنهما يستويان وبخلاف العبد حيث يقتل بالحر لأنه تفاوت إلى نقصان وهم يقتلون الادنى بالأعلى دون العكس
    قال أبو ثور : لما اتفق جميعهم على أنه لا قصاص بين العبيد والحرار فيما دون النفوس كانت النفوس أحرى بذلك ومن فرق منهم بين ذلك فقد ناقض
    وأيضا : فالإجماع فيمن قتل عبدا خطأ أنه ليس عليه إلا القيمة فكما لم يشبه الحر في الخطأ لم شبهه في العمد
    وأيضا : فإن العبد سلعة من السلع يباع ويشترى ويتصرف في الحر كما يشاء فلا مساواة بينه وبين الحر ولا مقاومة
    واحتجوا بما رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالىعن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لايقتل مسلم بكافر )
    مبحث قتل الرجل بالمرأة
    اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على أنه يجوزقتل الرجل بالمرأة والكبير بالصغير والصحيح بالمريض لعموم الآيات الواردة في وجوب القصاص وفعل الرسول صلى الله عليه و سلم فقد ورد أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه امر بقتل الرجل اليهودي الذي اعترف بقتل المرأة المسلمة في المدينة وبما روي عن على كرم الله وجهه وعبد الله قالا : إذا قتل الرجل المرأة متعمدا فهو بهاقود كما تقتل المرأة بالرجل ولقول الرسول صلى الله عليه و سلم في الحديث الشريف ( المسلمون تتكافأ دماؤهم فالمرأة تكافىء الرجل وتدخل تحت الحديث ولات اعتبار التفاوت فميا وراء عصمة الدم يجعل القصاص ممتنعا ويظهر الفتنة والتفاني بين العباد وهذا نشر للفساد فلا يصح وقد روي أن الرسول صلى الله عليه و سلم كتب في كتاب عمرو بن حزم ( أن الرجل يقتل بالمرأة )

    القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس

    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : يجوز القصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس فقد اعتبروا الأطراف اخرى واولى ولقوله تعالى { والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن } روى على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : تقتل النفس بالنفس وتفقأ العين بالعين وبقطع الأنف وتنزع السن بالسن وتقتص الجراح بالجراح فهذا يستوي فيه احرار المسلمين فيما بينهما رجالهم ونساؤهم إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس رواه ابن جرير وابن أبي حاتم
    الحنابلة في باقي قولهم : أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلا أن يدفع وليها إلى اوليائه نصف الدية لأن ديتها على النصف من دية الرجل
    الحنفية قالوا : لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس ولا بين الحر والعبد ولا بين العبيد لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة والتفاوت معلوم قطعا بتقويم الشرع فإن الشرع قوم اليد الواحدة للحر بخمسمائة دينار قطعا ويقينا ولا بتلغ يد العبد إلى ذلك فإن بلغت كانت بالحرز والطن فلا تكون مساوية ليد الحر يقينا فإذا كان التفاوت معلوما قطعا أمكن لنا اعتباره بخلاف التفاوت في البطش لأنه لا ضابط له فاعتبر أصله
    وقد سلكنا بالأطراف مسلك الأموال لانها خلقت وقاية للأنفس كالمال فاواجب أن يعتر التفاوت المالي مانعا مطلقا
    والآية الكريمة وإن كانت عامة في جميع الأطراف من غير تفاوت لكن قد خص منها الحربي والمستأمن والنص العام إذا خص منه شيء يجوز تخصيصه بخبر الواحد فخصصوه بما روي عن عمران بن حصين أنه قال : قطع عبد لقوم فقراء أذن عبيد لقوم أغنياء فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يقض بالقصاص )
    وقيل : إن الآية المذكورة آية القصاص { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد } والقصاص ينبىء عن المماثلة فالمراد بما في الآية المذكورة ما يمكن فيه المماثلة لا غير اه
    مبحث قتل المكره
    الشافعية قالوا : لو أكره إنسان شخصا آخر على قتل شخص بغير حق فقتله فيجب القصاص على المكره بالكسر لأنه أهلكه بما يقصد به الإهلاك غالبا فأشبه بما لو رماه بسهم فقتله وكذا يجب القصاص على المكره بفتح الراء في الأظهر لأنه قتله عمدا عدوانا وظلما لا ستبقاء نفسه فأشبه ما لو قتله المضطر ليأكله بل أولى لأن المضطر علىم يقين من التلف إن لم يأكل بخلاف المكره بالفتح
    وقيل : القصاص على المكره بالكسر أما المكره بالفتح فلا قصاص عليه لقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ولأنه كالآلة في يد المكره فصار كما لو ضربه به أو مثل الذي يسقط من علو أو الذي تحمله الريح من موضع إلى موضع فقتل غيره
    وقيل : لا قصاص على المكره بالكسر بل القصاص واجب على المكره بالفتح لأنه مباشر للقتل والمباشرة مققدمة على غيرها ولأنه يشبه من جهة المختار في فعله ومن جهة المضطر المغلوب وغلإكراه لا يتم إلا بالتخويف بالقتل أو بإتلاف ما يخاف عليه التلف من الأعضاء كالقطع والضرب الشديد وقيل : يحصل الإكراه بما يحصل به الإكراه على الطلاق من أنواع التهديدات
    ولو قال له : اقتل هذا وإلا قتلت ولدك . وكان في مقدوره أن يقتل ولده فليس بإكراه وقال الروياني : الصحيح عندي أنه إكراه لأن ولده كنفسه في الغالب فما أصابه من الضرر كأنما أصاب نفسه بل بعض النفوس عندها الولد أغلى من النفس وهذا هو الظاهر
    وقال الشافعية : لا يجوز للمكره بالفتح الإقدام على القتل المحرم لذاته وإن لم يوجب عليه القصاص بل عليه الإثم يوم القيامة إذا قتل نفسا محرمة كما لا يباح له الزنا بالإكراه ولكن يباح له شرب الخمر والقذف والإفطار في رمضان على القول بإبطال الصوم ويباح له الخروج من صلاة الفرض وإتلاف مال الغير وضمن المال هو والمكره
    وإذا أكره إنسان على الإتيان بما هو كفر قولا أو فعلا كالسجود لصنم مع طمأنينة القلب بالإيمان وكراهية الكفر فقيل : الفضل له الثبات على الإيمان ولا يلفظ الكفر والعياذ بالله
    وقيل : يجوز أن يلفظ به صيانة لنفسه أن تزهق وقيل : إن كان من العلماء المقتدى بهم فالأفضل الثبات على الإيمان مهما كان التخويف والوعيد فإن قتل مات شهيدا كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من قتل دون دينه قهو شهيد ) وحتى يكون قدوة لغيره من الناس كما ثبت أصحاب الأخدود فإن كان المكره بالفتح لم يظن أن الإكراه يبيح له الإقدام على القتل وجب عليه القصاص أما إذا كان يعقد ذلك فلا قود عليه . وكذلك لا قصاص عليه إذا كان ممن يخفى عليه تحريم الإقدام نعلى القتل بالإكراه لأن القصاص يسقط بالشبهة فإن وجبت الدية في حالة العفو عن القصاص وزعت عليهما بالسوية كالشريكين ويجوز للولي أن يقتص من أحدهما ويأخذ نصف الدية من الآخر هذا إذا كافأه فإن ساوى المقتول أحدهما فقط كأن كان المقتول ذميا أو عبدا واحدهما كذلك والآخر مسلم أو حر فالقصاص على المكافىء دون الآخر بل يجبعليه نصف الدية أو نصف القيمة لأولياء الدم لأنهما مشتركان في الفعل وشريك غير المطافىء يقتص منه كشريك الأب ولو أكره بالغ عاقل مراهقا أو عكسه على قتل شخص فقتله فعلى البالغ القصاص لوجود مقتضيه وهو القتل المحض والعدوان على الغير هذا إن قلنا : عمد الصبي عمد وهو الأظهر في المذهب فإن قلنا خطأ فلا قصاص لأنه شريك المخطىء ولا قصاص على الصبي بحال لعدم تكليفه حتى ولو كبر
    ولو أكره بالفتح مكلفا على رمي شبح علم المكره بالكسر أنه رجل وظنه المكره بالفتح صيدا أو حجرا فرماه فقتله فالأصح وجوب القصاص على المكره بالكسر ت لأنه قتله قاصدا للقتل بما يقتل غالبا
    ولو أكرهه على رمي صيد فأصاب رجلا أو غيره فمات فلا قصاص على اج منهما ويجب على عاقلة كل منهما نصف الدية ولو أكرهه على صعود شجرة أو على نزول بئر فزلق فمات فشبه عمدن لأنه لا يقصد به القتل غالبا وتجب الدية كاملة على عاقلة المكره بالكسر وقال الغزالي هو عمد وقيل : وهو خطأ محض ولو أكره على قتل نفسه بأن قال له : اقتل نفسك أو اشرب هذا السم وإلا قتلتك فقتلها فلا قصاص عليه في الأظهر لأن هذا ليس بإكراه حقيقة لاتحاد المأمور به والمخوف به فصار كأنه مختار له
    وقيل : يجب القصاص كما إذا أكرهه على قتل غيره . ويستثنى ما إذا كان المكره بالفتح غير مميز لصغر أو جنون فإنه في هذه الحال يجب القصاص على المكره جزما ولو قال رجل لآخر : اقتلني وإلا قتلتك فقتله ذلك الشخص فالمذهب لا قصاص عليه لأن الإذن شبهة دارئة للحد
    وقيل : يجب عليه القصاص لأن القتل لا يباح بالإذن فأشبه ما لو أذن له في الزنا بأمته والأظهر عدم القصاص ولو أمر السلطان شخصا بقتل آخر ظلما بغير حق والمأمور لا يعلم ظن السلطان ولا خطأه وجب القود أو الدية والكفارة على السلطان فقط ولا شيء على المأمور لأنه آلته ولابد منه في السياسة ولأن الظاهر أن الإمام لا يأمر إلا بحق ولأن طاعته واجبة فيما لا يعلم أنه معصية وإن علم بظنه أو خطئه وجب القود على المأمور إن لم يخف قهره بالبطش بما يحصل به الإكراه لأنه لا يجوز طاعته حينئذككما جاء في الحديث الشريف ( طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) فصار كما لو قتله بغير إذنه فلا شيء على السلطان إلا الإثم فيما إذا كان ظالما نعم : إن اعتقد وجوب طاعته في المصيبة فالضمان على الإمام لا عليه
    فإن خاف قهره وبطشه فالضمان بالقصاص وغيره عليهما وصار كالمكره ولو أمر شخص عبده أو عبد غيره المميز بقتل أو إتلاف ظلما فقتل أثم الآمر واقتص من العبد البالغ وتعلق الضمان برقبته ولو كان للصبي أو المجنون تمييز وهو لا يعقتد وجوب طاعنه في كل أمره فالضمان عليهما دون الأمر وما أتلفه غير المميز بلا أمر خطأ يتعلق بذمته إن كان حرا وبرقبته
    المالكية والحنابلة قالوا : إذا أكره رجل آخر فقتله فيجب القصاص على المكره بالكسر لتسببه ويجب القصاص على المكره بالفتح لمباشرته الفعل بنفسه لأن المأمور لم يعذر بالإكراه ولا يعذر الآمر لعدو المباشرة فيجب القصاص عليهما معا واحتجوا في قتل المكره على القتل بالقتل بإجماع الأئمة على أنه من أشرف على الهلاك من مخمصة لا يجوز له أن يقتل إنسانا ليأكله وينقذ نفسه من الهلاك بل يجب عليه الصبر حتى يموت ولو فعل كان آثما
    فإنه يجب قتل المسبب مع المباشر فيقتل السيد الذي يأمر عبده بقتل حر ففعل ويقتل معه العبد إن كان كبيرا وكذلك يقتل الأب إذا آمر ولده الصغير بقتل إنسان ففعل فإن كان الولد كبيرا قتل معه ويقتل المعلم الذي يعلم الصنعة أو العلم أو القرآن إذا أمر تلميذه صغيرا غير مميز فيجب على عائلته نصف الدية مع القصاص من الأب أو المعلم هذا إن لم يكره
    ويقتل شريك الصبي دون الصبي لأنه غير مكلف إن تمالا معا على قتل شخص وعلى عائلة الصبي نصف الدية لأن عمده كخطئه فإن لم يتفقا على قتله وتعمداه فعليه الدية في ماله وعلى عائلة الصغير نصفها وإن قتلاه أو الكبير خطأ فعلى عاقلة كل نصف الدية هذا ما لم يدع أولياء المقتول أنه مات من فعل المكلف فانهم يقسمون عليه ويقتلونه ويسقط نصف الدية عن عائلة الصبي لأن القسامة إنما بها ويستحق بها واحد
    وإنما يكون المأمور مكرها بالفتح إذا كان لا يمكنه المخالفة كخوف قتل من الآمر أو قطع عضو أو قتل ولد فإن لم يخفف اقتص منه وحده دون الآمر
    ومن قدم طعاما مسموما وهو عالم بأنه مسموم لعصوم فتناوله غير عالم به فمات يجب عليه القصاص لأنه تسبب في قتله فإن تناوله المعصوم وهو عالم بسمه فهو القاتل لنفسه ولا شيء على المقدم له وإن كان متسببا وإن لم يعلم المقدم بكسر الدال ولا الآكل فهو من قتل الخطأ فيجب في الدية على العاقلة بعد أن يقسم أولياء المقتول عليه . اه
    الحنفية قالوا : من أكره إنسانا على قتل آخر وخوفه بالقتل أو تلف بعض الأعضاء فخاف منه وفعل القتل فإنه يجب القصاص على الآمر دون المأمور خصوصا إذا كان للآمر سلطان على المأمور فإن المكره بالفتح يشبه من لا اختيار له كالذي يسقط من ارتفاع فقد اعتبروا تأثير الإكراه في إسقاط كثير من الواجبات في الشرع لكون المكره كالآلة في د المكره بالكسر ولحديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )
    ولكن يعاقب المكره بالفتح بأن يضرب مائة جلدة ويحبس سنة كاملة أو حسب رأي الحاكم
    وإذا أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله فعلى عاقلة الصبي الدية لأنه هو القاتل حقيقة وعمده وخطؤه سواء ولا شيء على الآمر
    للضرب للتأديب
    المالكية قالوا : من ضرب آخر لقصد التأديب الجائز شرعا كالسلطان مثلا إذا ضرب إنسانا لارتكاب جريمة لا توجب الحد أو أراد أن يعزره مثلا أو يجله في حد من الحدود فمات بذلك السبب . أو قطع يد سارق فسرع القطع إلى جسده فمات . فإن دمه يكون هدرا ولا ضمان على الحاكم ولا في بيت آلما لأنه فعل شيئا آمره به الشرع ونفذ حكما طالبه به الإسلام ولم يقصد بفعله القتل ولا الانتقام وكذلك الأب أو آلم إذا ضرب أحدهما ولده بقصد التأديب فمات لا شيء عليهما والمعلم صنعة أو علما أو قرآنا إذا ضرب الذي يتعلم منه بقصد الحمل على التعليم والاستفادة منه فمات بسبب هذا الضرب الذي يتعلم منه بقصد الحمل على ضرب الزوجة بقصد التربية والنهي عن المنكر والحث على الاستقامة فماتت بسبب ضربه لا شيء عليه لأن الشرع وضع الزوجة أمانة في عنقه يربيها ويهذبها ويكسوها ويطعماه أباح له الضرب إذا خرجت عن طاعته أو خاف نشوزها قال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } الآية
    الشافعية والحنابلة قالوا : إن الشرع قد أباح للأبوين أن يضربا أولادهما للتأديب و لأمرهما بالمعروف و نهيهما عن المنكر و كذلك أباح للزوج أن يضرب زوجته لحفظ عرضها . وللمعلم أن يضرب من يتعلم منه . وللقاضي أن يضرب من ينحرف من المسلمين أو يخرج عن طاعته فلو مات شخص بسبب ضرب واحد من المذكورين وكان ضربه ضربا لا يهلك عادة فإنه لا ضمان عليه لأنه لم يقصد القتل ولم يفعل إلا بقصد المصلحة للمضروب وأدى ما أمره به الشارع الحكيم
    قالوا : ولو ضرب واحد من هؤلاء مريضا ضربا لا يقتل الصحيح وهو جاهل بالمرض لا يجب عليه القصاص لأن ما أتى به ليس بمهلك عنده
    وقيل : يجب عليه القصاص لأن جهله لا يبيح له الضرب القاتل أما إذا ضربه و كان عالما بمرضه فإنه يجب عليه القصاص جزما من غير خلاف منهم لأنه تبين أنه يقصد إهلاكه بالضرب
    الحنفية قالوا : أن الواجبات لا تتقيد بوصف السلامة فإذا ضرب الأب ابنه أو ضرب المعلم الصبي بإذن الأب فمات الصبي فلا قصاص عليه بل يجب على الأب أو المعلم الدية في مالهن في حالة القتل ولا يرث الأب منها لأنه محروم من ميراثه


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #276
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 140 الى صـــــــــ143

    الحلقة (276)


    مبحث إذا اشترك في القتل من يقام عليه الحد مع غيره
    المالكية قالوا : إذا شارك بالغ عاقل مسلم صبيا في قتل رجل معصوم الدم على التأبيد فإنه يجب قتل الكبير دون الصبي إن تمالأ معا على قتله ويجب على عاقلة الصبي نصف الدية . لأن عمده كخطىء فإن لم يتمالآ على قتله وتعمداه أو الكبير فقط فعليه نصف الدية وعلى عاقلة الصغير نصفها هذا ما لم يدع أولياء المقتول أنه مات من فعل المكلف فقط فانهم يقسمون عليه ويقتلونه قصاصا ويسقط نصف الدية عن عاقلة الصبي لأن القسامة إنما يقتل بها ويستحق بها واحد وإن قتلاه أو الكبير خطأ فعلى عاقلة كل نصف الدية
    قالوا : ولا يقتل شريك مخطىء ولا شريك مجنون بل يجب عليه نصف الدية في ماله خاصة وعلى عاقلة المخطئ أو المجنون نصفها هذا أن تعمد وإلا فالنصف على عاقلته أيضا وإنما كان على عاقلة الصبي نصف الدية في عمده وخطئه لأن عمده في نظر الشرع كخطئه
    ومن شارك سبعا في قتل إنسان عمدا كأن عقره سبع ثم شجه رجل ومات بسببهما ومن جرح نفسه جرحا ينشأ عنه الموت غالبا ثم طعنة قاتلة ومات بسببهما معا ومن شارك حربيا في قتل رجل من غير أن يتفق معه على قتله
    قالوا : يجب القصاص على هؤلاء المكلفين الذين شاركوا غير مكلفين فإن عقر السبع غير معتبر في الدنيا ولا في الآخرة وكذلك ضرب نفسه وإن كان غير معتر في الدنيا فهو معتبر في الآخرة . وعليه الإثم وكذلك الحري غير معتبر في الدنيا والآخرة
    وقيل : لا يقتص مما ذكرن بل إنما عليه نصف الدية ويضرب مائة جلدة ويحبس عاما كاملا والقول بالقصاص يكون بقسامة والقول بنصف الدية يكون بلا قسامة
    وإن تصادم المكلفان أو تجاذبا حبلا أو غيره فسقطا . راكبين أو ماشيين أو مختلفين قصدا فماتا فلا قصاص لفوات محله وإن مات أحدهما فحكم القود يجري بينهما أو حملا على القصد عند جهل الحال لا على الخطأ عكس السفينتين إذا تصادمتا وجهل الحال فيحملان على عدم القصد من رؤسائهما فلا قود ولا ضمان لأن جريهما بالريح ليس من عمل أربابهما كالعجز الحقيقي بحيث لا يستطيع كل منهما أن يصرف دابته أو سفينته عن الآخر فلا ضمان بل هو هدر
    ولو قاد بصير أعمى فوقع البصير ووقع الأعمى عليه فقتله فتجب الدية على عاقلة الرجل الأعمى ولو طلب غريقا فما أخذه ليخرجه خشي على نفسه الهلاك منه فتركه في البحر وما فلا شيء عليه ولو سقط رجل من فوق دابته في الطريق على رجل جالس فمات الرجل فديته على عاقلة الساقط
    الشافعية والحنابلة قالوا : إذا اشترك في قتل النفس عامد ومخطئ أو مكلف وغير مكلف مثل عامد وصبي أو عاقل ومجنون له نوع تمييز في قتل من يكافئه فإنه يجب قتل العاقل المكلف وتجب نصف الدية على عاقلة الصبي والمجنون وكذلك الحر والعبد إذا قتلا عبدا عمدا فيجب على العبد القصاص ويجب على الحر نصف القيمة من ماله وكذلك الحل في المسلم والذمي فإنه يقتل الذمي وعلى المسلم نصف الدية في ماله فيتحمل كل واحد جنايته على انفراد وكأنه لم يشاركه آخر وحجتهم في ذلك النظر إلى المصلحة العامة التي تقتضي التغليظ على القاتل لحرمة الدماء فطأن كل واحد منهما انفرد بالقتل فله حكم نفسه فيجب القصاص على من شارك أبا في قتل ولده ويجب على الأب وإن سفل نصف الدية مغلظة في ماله ولا يرث منها وكذلك يجب قتل شريك حربي في قتل مسلم وشريك قاطع قصاصا أو قاطع حدا كأن جرحه بعد القطع المذكور شخص غير القاطع وات بسبب القطع والجرح معا وكذا يقتل شريك من جرح نفسه كأن جرح شخص نفسه جرحا بالغا ثم جرحه آخر فمات بهما وكذا يقتل شريك دافع الصائل كأن جرحه شخص بعد دفع الحيوان الصائل فمات بهما وكذا يقتل شريك السبع والحية القاتلين غالبا في قتل من يكافئه وكذا يقتل عبد شارك سيدا في قتل عبده أو عبد ولده في الأظهر لظهور الزهوق فيما ذكر بفعلين عمدين وامتناع القصاص على الآخر لمعنى يخصه فصار كشريك الأب ولو جرحه شخص خطأ ونهشته حية وعقره سبع ومات من ذلك لزمه ثلاث الدية كما لو جرحه ثلاثة
    الحنفية قالوا : لا يجب القصاص على من شارك الأب في قتل ولده ولا على شريك المولى ولا على شريك الخاطئ ولا على شريك الصبي ولا على شريك المجنون ولك من لا يجب القصاص بقتله لأن القتل حصل بسببين أحدهما غير موجب للقود وهو لا يتجزأ فلا يجب لأن الأصل في الدماء الحرمة والنصوص الموجبة للقصاص مختصة بحالة الانفراد وموضع يمكن القصاص وهو غير ممكن هنا لعدم التجزيء فلا يتناوله النص ثم من يجب عليه القصاص لو انفرد يجب عليه نصف الدية في ماله لأن فعله عمد وإنما لم يجب القصاص لتعذر الاستيفاء والعاقلة لا تعقل العمد ونصف الدية الآخر على عاقلة الآخر إن كان صبيا أو مجنونا أو خطأ لأن الدية يجب فيه بنفس القتل فإن عمد الصبي والمجنون خطأ قال الإمام على رضي الله عنه وإن كان الأب فتجب نصف الدية في ماله خاصة ويحرم من ميراثها ولأن مشاركة من لا يجب عليه القصاص شبهة فإن القتل لا يتبعض والحدود تدرأ بالشبهات فيجب الدية
    قالوا : ومن شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد ونهشته حية فمات من ذلك كله فيجب على الرجل الأجنبي ثلث الدية لأن فعل الأسد والحية فعل واحد لكونه هدر في الدنيا والآخرة
    وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتبر في الآخرة حتى يأثم عليه ويعاقب به يوم القيامة أمام الله تعالى وعند الإمام أبي حنفية رحمه الله تعالى والإمام محمد يغسل الميت ويصلى عليه وندع أمره إلى الله تعالى يحاسبه وعند أبي يوسف رحمه الله يغسل من شج نفسه ولا تجب الصلاة عليه لأنه قاتل نفسه
    فالشرع لم يجعل دمه هدرا مطلقا كالمرتد مثلا وجعله جنسا آخر وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة فصارت ثلاثة أجناس فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال فيكون التالف بفعل كل واحد ثلثه فيجب على الرجل الأجنبي ثلث الدية من ماله خاصة ويسقط الباقي لأنه هدر
    مبحث قتل الجماعة بالواحد
    الشافعية رحمهم الله تعالى قالوا : تقتل الجماعة بالواحد . سواء كثرت الجماعة أم قلت : وسواء باشروا جميعا القتل أم باشره بعضهم وساء قتلوه بمحدد أم بغيره كما لو ألقوه من شاهق جبل أو في بحر خضم أو هدموا عليه حائطا ولو تفاوتت جراحاتهم في العدد والفحش والأرش لما روي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه أنه قتل نفرا خمسة وقيل : سبعة برجل قتلوه غيلة أي جعلوه في موضع لا يراه أحد وقال كلمته المشهورة ( لو تمالأ علي أهل صنعاء لقتلتهم جميعا ) ولم ينكر عليه أحد من الصحابة الحاضرين في عصره فصار ذلك إجماعا ولأن القصاص عقوبة تجب على الواحد فيجب للواحد على الجماعة كحد القذف وغيره ولأنه شرع لحقن الدماء . فلو لم يجب عند الاشتراك لكان كل من أراد أن يقتل شخصا استعان بآخرين على قتله واتخذ ذلك ذريعة لسفك الدماء لأنه صار آمنا من القصاص
    قالوا : وللولي العفو عن بعضهم على حصة من الدية وعن جميعهم على الدية ثم إن كان القتل بجراحات وزعت الدية باعتبار عدد الرؤوس لأن تأثير الجراحات لا ينضبط وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على وزعت الدية باعتبار عدد الرؤوس لأن تأثير الجراحات لا ينضبط وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة ولو ضربوه بالسياط مثلا فقتلوه وضرب كل واحد منهم لو انفرد يكون غير قاتل ففي القصاص أوجه :
    أحدها : يجب على الجميع القصاص كيلا يصير ذريعة إلى القتل وسفك الدماء ظلما
    ثانيها : لا يجب القصاص على واحد منهم لأن فعل كل واحد شبه عمد فتجب الدية

    ثالثها : وهو أصحها : يجب عليهم القصاص إن اتفقوا على ضربه تلك الضربات وكان ضرب كل واحد منهم يؤثر في إزهاق الروح بخلاف ما إذا وقع اجتماعهم اتفاقا من غير تواطؤ فإنه تجب عليهم الدية
    وإنما يعتد في ذلك بجراحة كل واحد منهم إذا كانت مؤثرة في زهوق الروح فلا عبرة بخدشة خفيفة والولي يستحق دم كل شخص بكماله إذ الروح لا تتجزأن ولو استحق بعض دمه لم يقتل
    وقيل : البعض بدليل أنه لو آل المر إلى الدية لم يلزمه شيء بالحصة ولكن لا يمكن استيفاؤه إلا بالجميع فاستوفي لتعذره وأبطل الإمام القياس على الدية بقتل الرجل المرأة فإن دمه مستحق فيها وديتها على النصف
    ومن اندملت جراحته قبل الموت لزمه مقتضاها دون قصاص النفس لأن القتل هو الجراحة السارية
    الحنابلة قالوا : لا تقتلوا الجماعة بالواحد لأن الله تعالى شرط المساواة في القصاص . ولا مساواة بين الجماعة والواحد قال تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وقال تعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد } الآية فيجب عليهم الدية حسب الؤوس أو يقتل واحد منهم والدية على الباقين اه
    الحنفية قالوا : تقتل أنفس الجماعة بالنفس الواحدة . ولا يقطع بالطرف إلا طرف واحد وذلك لأن مفهوم القتل إنما شرع لنفي القتل فلو لم يقتل الجماعة بالواحد لتذرع الناس إلى القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد بالجماعة . سواء باشروا جميعا القتل أو باشره واحد منهم
    فقد روي ( أن امرأة بصنعاء غاب زوجها وترك في حجرها ابنا له من غيرها غلاما يقال له أصيل فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلا فقالت له : إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى فامتنعت منه فطاوعها فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمراة وخادمها فقتلوه ثم قطعوا أعضاءه وجعلوه فيعيبة وطرحوه في ركية في ناحية العزبة ليس فيها ماء )
    وذكر القصة وفيها فأخذ خليلها فاعترف ثم اعترف الباقون فكتب علي وهو يومئذ أمير على اليمن شأنهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكتب عمر بقتلهم جميعا وقال : ( والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم أجمعين ) وفي هذا دليل على أن رأي سيدنا عمر رضي الله عنه قتل الجماعة بالواحد ووافقه الصحابة رضوان الله عليهم من غير مخالف منهم وفي ذلك إجماع من الأمة على هذا الحكم
    ولأن القتل بطريق التغالب فساد غالب وكل فساد غالب يحتاج إلى مزجرة للسفهاء
    فالقتل بطريق التغلب يحتاج إلى حكم زاجر والحكم الزاجر في القتل العمد هو القصاص فهو مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الأحياء
    قال صحاب النهاية : وهذا جواب الاستحسان وفي القياس لا يلزمهم القصاص لأن المعتبر في القصاص إنما هو المساواة لما في الزيادة من الظلم على المعتدي وفي النقصان من البخس بحق المعتدي عليه ولا مساواة بين العشرة والاحد هذا شيء يعلم ببداهة العقل فالواحد من العشرة يكون مثلا للواحد فكيف تكون العشرة مثلا للواحد ؟ وايد هذا القياس قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس ولكن تركنا هذا المقياس . لما روي أن
    سبعة من اهل صنعاء قتلوا رجلا فقضى عمر رضي الله عنه بالقصاص عليهم وقال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به اه
    المالكية قالوا : يقتل الجمع كثلاثة فأكثر بواحد إن تعمدوا الضرب له وضربوه ولم تتميز ضربة كل واحد منهم وسواء كان الموت ينشأ عن كل واحدة أو عن بعضهها واذ انفذ احد الضاربين مقاتله ولم يدر من أي الضربات فإنه يسقط القصاص وتجب الدية في أموالهم إذا لم يتمالؤوا على قتله وكذلك يقتل الجميع إذا تساوت الضربات وإن تميزت الضربات كان بعضها أقوى شأنه إزهاق الروح قدم الأقوى ضربا في القتل دون غيره إن علم الضارب وإن لم علم الجميعن وإن قصد الجميع قتله وضربه وحضروا وإن لم يباشره إلا احدهم بحيث إذا لم يباشره هذا لم يتركه الآخر سواء حصل القتل بآلة يقتل بها عادة
    والحاصل : أن الاتفاق يوجب قتل الجميع وإن رقع الضرب من البعض أو كان الضرب بنحو سوط وأما تعمد الضربب بلا اتفاق فإنما يوجب قتل الجميع إذا لم تتميز الضربات اوتميزت وتساوتن أو لم تتساو ولم يعلم صاحب الأقوى والأقدام وعوقب غيره وهذا الحكم إذا وقع المضروب ميتا في جميع هذه الحالات أو وقع منفوذ المقاتل أو مغمورا فاقد الشعور حتى مات وإلا فتجب فيه القصامة ولا يقتل بها إلا واحد فقط والله أعلم
    مبحث إذا قتل الواحد جماعة
    الحنفية والمالكية قالوا : إذا قتل الرجل الواحد جماعة من المسلمين الحرار مرة واحدة أو متعقبين فليس عليه إلا القود ولا يجب عليه شيء آخر بعد ذلك وإذا حضر أولياء المقتولين قتل لجماعتهم ولا شيء لهم غير ذلك فإن حضر واحد منهم إلى الحاكم قتل له وسقط حق الباقين لفوات محل الاستيفاء ولأن كل واحد منهم قاتل بوصفالكمال في اعتبار الشرع تحقيقا للمماثلة المعتبرة في القصاص فجاء التماثل اصله الفصل الأول إذ لو لم يكن كذلك لما وجب القصاص ولأنه وجد من كل واحد منهم جرح نافذ صالح للإزهاق فيصاف إلى كل واحد منهم إذ هو لا يتجزأ والحكم حصل عقب علل لابد من الإضافة إليها فإما إن يضاف إليها توزيعا أو كملا والأول باطل لعدم التجزي فتعين الثاني ولهذا إذا حلف جماعة كل منهم أن لا يقتل فلانا فاجتمعوا على قتله حنثوا
    ولأن القصاص شرع مع المنافي وهو قوله صلى الله عليه و سلم ( الآدمي بنيان الرب ملعون من هدم بنيان الرب ) وتحقيق الاحياء قد حصل بقتل القاتل فاكتفى به ولا شيء لهم غير ذلك
    الشافعية قالوا : إن قتل الرجل جماعة من المسلمين المعصومة دماؤهم قتل بالأول منهم ويجب للباقين الديات من الموال وإن قتلهم في حالة واحدة كان هدم عليهم حائطا وهم نيام فتلهم في وقت واحد يقرع بين أولياء المقتولين فمن خرجت قرعتع قتل له وثبت للباقين الديات لا غير
    وقيل : قتل لهم وقسمتم الديات بينهم لتعذر القصاص عليهم كما لو مات الجاني فإن اتسعت التركة لجميعهم فذاك وإلا قسمت التركة بين الجميع بحسب استحقاقهم في الديات وذلك لأن الموجود من الواحد قتلات عدة والذي تحقق في حقه قتل واحد فلا تماثل فيه وهو القياس في الفصل الأول إلا أنه عرف بالشرع ولأن الدين شرع المماثلة في القصاص لئلا يلزم الظلم على المعتدي على تقدير الزيادة ولئلا يلزم البخص لحق المعتدى عليه على تقدير النقصان ولا شك أن الظلم والبخس إنما يندفعان بتحقق المماثلة فلو قتله غير الأول من المستحقين أو غير من خرجت القرعة له منهم عصى لأنه قتل نفسا منع من قتلها
    ووجب على الحاكم أن يعذره لإبطال حق غيره ووقع قتله قصاصا لأن حقه يتعلق به بدليل لو عفا الول فإن الحكم ينتقل إلى من بعده من الولياء ويجب للباقين الديات لتعذر القصاص عليهم بغير اختيارهم ولو ضربوه كلهم حتى مات أساؤوا ووقع القتل موزعا لعيهم ورجع كل منهم بالباقي له في الدية فلو كانوا ثلاثة أخذ كل واحد منهم ثلث حقه وله ثلثا الدية ولو قتله أجنبي وعفا الوارث على مال أختص بالدية وله القتيل الأول
    ولو طلبوا الاشتراك في القصاص والديات لم يجابوا لذلك ولو أن ولي القاتل الأول أو بعض أولياء القتلى صبياص أو مجنونا أو غائبا حبس القاتل إلى بلوغة وغقامته وقدومه من السفر
    ولو ضربه واحد ضربا ثقيلا كأن ضربه خمسي سوطا ثم ضربه الآخر سوطين أو ثلاثة حال الألم من ضرب الأول عالما بضربه اقتص منهما لظهورقصد الإهلاك منهما أو جاهلا به فلا قصاص على واحد منهما لأنه لم يظهر قصد الإهلاك من الثاني والأول شريك فعلى الأول حصة ضربه من دية العمد وعلى الثاني حصة ضربه من دية شبه العمد وإن ضرباه بالعكس فلا قصاص على واحد منهما لأن ضرب الأول شبه عمد والثاني شريكه فيجب على الول حصة ضربه من دية شبه العمد والثاني حصة ضربه من دية العمد ومن قتل جمعا أو قطع أطرافهم مثلا مرتبان قتل أو قطع بأولهم إن لم يعف لسبق حقهن وهذا الحكم سواء أكان القاتل حرا أو عبدا
    وقيل : إن كان القاتل عبدا قتل بجمعهم فإن عفا الول قتل بالثاني وهكذا والاعتبار في التقديم والتأخير بوقت الموت لا بوقت الجناية
    الحنابلة قالوا : إذا قتل واحد جماعة واحد بعد واحد فحضر الأولياء قتل للأول ولا شيء للباقين وإن قتلهم جميعا ولم يعلم الأول منهم وحضر أولياء المقتولين وطلبوا من الحاكم القصاص قتل لجماعتهم ولا دية عليه
    وإن كلب بعضهم القصاص وبعضهم الدية قتل لمن طلب منهم القصاص ولو كانوا أكثر من اثنين ووجبت الدية في ماله لمن طلبها من الباقين
    وإن طلبوا جيمعا الدية كان لكل واحد منهم الدية كاملة من ماله خاصة إذا كان القتل عمدا ولاشيء على العاقلة وإذا كانت التركة لا تسعهم جميعا قسمت بينهم بالسوية كما يفعل مع الغرماء فيأخذ كل منهم حصته من التركة حسب الرؤوس

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #277
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 144 الى صـــــــــ149

    الحلقة (277)


    مبحث إذا قطع رجلان يد رجل واحد
    الحنفية قالوا : إذا قطع رجلان يد رجل واحد عمدا فلا يجب القصاص على واحد منهما بل يجب عليهما نصف الديةن لأن تعدد الجاني في الطراف ليس كتعدده في النفس عنهدهم فإذا قطعا يدا لرجل أو امرأة حر أو عبدا فلا قصاص اصلا لأن كلا منهما قاطع بعض اليد سواء كان المحل متحدا أو متخلفا لأن من انقطع يفعل أحدهما لم ينقطع بفعل الآخر وقاطع بعض اليد لا يقطع كل يده قصاصا لانتفاء المماثلة وهذا لأن المحل متجزىء فإن قطع بعض وترك بعض متصور ومعقول فلا يمكن أن يجعل كل واحد فاعلا فعلا كاملا بخلاف النفس فإن الانزهاق لا يتجزأ وقد مر ذلك في موضعه ويجب عليهما نصف الدية مناصفة لأنه دية اليد الواحدة ثما قطعاها عمدا
    المالكية قالوا : إذا تعدد مباشر على ما دون النفس بلا تمالؤ منهم عليه وتميزت الجراحات وعلم فعل كل واحد منهم فيجب أن يقتص من كلو واحد منهم ما فعل حسب المساحة التي قطعها ولا ينظر لتفاوت العضو بالرقة والغلظ والطول والقصر
    فإن تمالؤوا اقتص من كل واحد منهم بقدر الجميع تميزت الجراحات أم لا قياسا على قتل النفس من أن الجميع عند التمالؤ يقتلون بالواحد وأما إذا لم تتميز الجراحات عند عدم التمالؤ فهل يلزمهم دية الجميع ولا قصاص أو يقتصر من كل بقدر الجميع ؟ فإذا كانوا ثلاثة خلع احدهم عينه وقطع الثاني يدهن وقطع الثالث رجله ولم يعلم من الذي فقأ العين ومن قطع الرجل ومن الذي قطع اليد والحال أنه لا تمالؤ بينهم اقتص من كل بفقء عينه وقطع يده ورجله وفيه نظر إذا لم يقع من كل واحد وإلا ظهر من المذهب هو الأول
    الشافعية والحنابلة قالوا : يشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس من كون الجاني مكلفا ملتزما وكونه غير أصل للمجني عليه ومون المجني عليه معصوما ومكافئا للجانين ولا يشترط التساوي في البدل كما لا يشترط في قصاص النفس فيقطع العبد بالعبد والمرأة بالرجلن وبالعكس والذمي بالمسلم والعبد بالحر ولا عكس ويشترط كون الجناية عمدا عدوانا لأنه لا قصاص إلا في العمد لا في الخطأ وشبه العمد ومن صور الخطأ في الأطرافن أن يقصد أن يصيب حائطا بحجر فيصيب رأس إنسان فيوضحه ومن صور شبه العمد أن يضرب رأسه بطلمة أو بحجر لا يشج غالبا لصغره فيتورم الموضه إلى أن يتضح العظم وغير ذلك من أنواع الجنايات وتقطع الأيدي الكثيرة باليد الواحدة كما لو اشترك جمع في قطع كأن وضعوا سيفا على يده وتحاملوا عليه دفعة واحدة حتى قطعت اليد وجب عليهم القصاص فيقطعوا جميعا إن تعمدوا القطع كما في النفس
    فإن قيل : سرق رجلان نصابا واحدا لم يقطعا فهلا كان هنا كذلك ؟
    أجيب بأن القطع في السرقة حق الله تعالى والحدود بالمساهلات أحق بخلاف القصاص الذي هو حق العبد لقصد الزجر وحرمة دم الآدمي
    وإذا تميز فعل بعضهم عن بعض كأن قطع كل منهم من جانب والتقت الحديدتان فإنه لا يجب القصاص على واحد منهما لأن كلا منهما لم يقطع إلا بعض اليد فلا يقطع به كل يده فتجب عليها نصف الدية
    وإذا قطع كل منهم بعض الطرف أو تعاونوا على قطعه بمنشار مثلا جره بعضهم في الذهاب وبعضهم في العود قال الجمهور : لا يجب القصاص على أحد منهم لتعذر المماثلة لا شتمال المحل على اعصاب ملتفة وعروق ضارية وساكنة مع اختلاف وضعها في الأعضاء فيجب على كل واحد منهم حكومة تليق بجنايته بحيث يبلغ مجموع الحكومات دية اليد
    مبحث من اعتدى على رجلين
    الحنفية قالوا : إذا قطع واحد يميني رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده ويأخذا منه نصف الدية بقسمانه نصفينن سواء قطعهما معا أو على التعاقب لانهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان في حكمه كالغريمين في التركة والقصاص ملك الفعل يثبت مع المنافي فلا يظهر إلا في حق الاستيفاء أما المحل فخلو عنه فلا يمنع ثبوت الثاني بخلاف الرهن لأن الحق ثابت في المحل فصار كما إذا قطع العبد يمينيهما على العاقب فتستحق رقبو لهما وإذا حضر واحد منهما فقطع يده فلآخر عليه نصف الديةن لأن للحاضر أن يستوفي لثبوت حقه وتردد حق الغائب وإذا استوفي لم يبق محل الاستيفاء فيتعين حق الآخر في الديةن لأنه اوفى به حقا مستحقا يقضى فإذا قضى طرفه حقا مستحقا عليه فيقضى للآخر بالأرش
    أما لو قطع يمين أحدهما ويسار الآخر قطعت يداه ولا يقال : تنتفي المماثلة حينئذ لأنه ما فوت على كل واحد منهما جنس المنفعة وهما فوتاه عليه لأن المعتبرفي حق كل واحد ما استوفاه وليس في ذلك تفويت جنس المنفعة ولا زيادة على حقه
    قالوا : وإن طلبا القصاص معا قطع لهما ولا دية وإن طلب أحدهما القصاص والثاني الدية قطع لمن طلب القصاص وأخذت الدية للآخر . اه
    المالكية قالوا : من اعتدى على شخصين فعطع يمينيهما معا أو متعاقبان فإنه يجب عليه أن تقطع يمينه لهما ولا دية عليه بعد ذلك لا ستحالة الاستيفاء منه لانعدام المماثلة
    الشافعية والحنابلة قالوا : إذا قطع رجل واحد يميني رجلين على التعاقب فإنه يجب عليه أن تقطع يمينه قصاصا للأول والدية للثاني وإذا قطعهما معا مقترنين يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة قطع به لأن اليد استحقها الأول فلا يثبت الاستحقاق فيها للثاني كالرهن بعد الرهن وفي القرآن اليد الواحدة لا تفي بالحقين فترجح بالقرعة ويغرم الدية للثاني حتى لا يضيع عليه حقه كما في النفس عمدا وكذا إذا اشتبه الأمر
    إذا أمسك رجل رجلا فقتله الآخر
    الحنفية قالوا : لو أمسك رجل برجل فقتله آخر فإنه يجب القصاص على القاتل دون الممسك لأنه هو الذي باشر القتل والممسك لم يباشره فلا قصاص عليه بل يجب عليه التعزير فيحبسه الإمام في السجن حتى يموت فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك ) رواه الدار قطني . الشافعية قالوا : لو أمسك إنسان رجلا وقتله رجل آخر غيره فإنه يجب القصاص على القاتل لأنه مباشر للفعل ويعزر الذي أمسك القتيل حسب ما يراه الحاكم في طول المدة وقصرها لأن الغرض تأديبه وليس بمقصود استمراره للموت واشترطوا في المسألة أن يكون القاتل مكلفا فلو أمسكه رجل وعرضه لمجنون أو سبع ضار فافترسه فالقصاص على الممسك قطعا في الصورتين ولو وضع صغيرا على هدف بعد الرمي لا قبله فاصابه السهم من الرامي لأنه المباشر للقتل ويجب القصاص على من أردى آخر في البئر فمات دون الحافر لأن حفره لا أثر له مع المباشر
    وقد روي عن الإمام علي كرم الله وجهه ( أنه قضى في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر ) قال : ( يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت ) رواه الإمام الشافعي رحمه الله
    المالكية قالوا : إذا أمسك رجلا وكان يقصد قتله فقتله آخر ولولا الامساك ما قدر القاتل على قتله فيجب القود عليهما معا الممسك لتسببه والقاتل لمباشرته القتل بنفسه وهي أن يمسكه لاجل القتل وأن يعلم أن الطالب قاصد قتله وأن يكون لولا إمساكه ما أدركه القاتل فإن أمسكه لاجل أن يضربه ضربا معتادا أو كان لم يعلم أنه يقصد قتله أو كان قتله لا يتوقف على امساك له قتل المباشر وحده وهو القاتل فعلا وضرب الممسك مائة سوط وحبس سنة كاملة تأديبا له وتعزيرا
    الحنابلة قالوا : في احدى روايتهم : يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت في جميع الأحوال وفي الرواية الأخرى قالوا : إنهما يقتلان جميعا على الاطلاق القاتل لمباشرته القتل بنفسه والممسك لأنه السبب في القتل إذ لولا الامساك لما حصل القتل
    مبحث عفو المقتول خطأ عن الدية
    المالكية والحنفية والشافعية وجمهور فقهاء الأمصار - قالوا : إن عفو المقتول عن ديته ينفذ في الثلث من الدية فقط إلا أن يجيز الورثة هذا العفو فتسقط الدية كلها عن القاتل خطأ لانهم تنازلوا عن حقوقهم في إرث المال وحجتهم في ذلك أن المقتول واهب مالا له بعد موته لأن الدية لا تجب إلا بعد ازهاق الروح فتنقل الو الورثة فلا يجوز العفو إلا في الثلث وأصله حكم الوصية وهي لاتنفذ إلا في ثلث المال كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه و سلم فقال : ( الثلث والثلث كثير )
    وقال الحسن وطاوس وجماعة من الفقهاء : يجوز أن يعفو القاتل عن الدية في قتل الخطأ وتسقط عن القاتل وحجتهم في ذلك أن المقتول إذا كان له أن يعفو عن الدم فهو أحرى أن يعفو عن المال والدية يستحقها المقتول أولا ثم تنتقل من بعده إلى الورثة
    المالكية قالوا : لو حصل عفو من كبير معه صغير فليس للصغير إلا نصيبه من الدية ولا يسري عقو الكبير عليه فلو كان للصغير ولي من أب ونحوه كوصي واستحق الصغير قصاصا بلا مشارك له فعلى وليه النظر بالمصلحة في القتل وأخذ الدية كاملة ويخير إن استوت ولا يجوز له أخذ بعض الدية مع يسر الجاني فإن صالح على أقل من الدية رجع الصغير بعد رشده على القاتل فإن كان الجاني معسرا فله الصلح بأقل من الدية رجع الصغير بعد رشده على القاتل فإن كان الجاني معسرا فله الصلح بأقل أما لو قتل الصغير فلا كلام لوليه لانقطاع نظره بالموت والكلام للعاصب فإن قتل شخص عبد الصبي أو جرحه فالأولى للولي اخذ القيمة والأرش دون القصاصن إذا لانفع للصبي ما لم يخش على الصبي من القاتل وإلا تعين القصاص ومثله السفيه والحكم كذلك في الأطراف اه
    مبحث صفة القصاص في النفس
    المالكية رحمهم الله تعالى قالوا : يجب أن يقتل القاتل بما قتل به ولو كان المقتول به نارا لقوله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا ما عوقبتم به } قال المفسرون : إن هذه الآية دليل على جواز التماثل في القصاص فمن قتل بحديدة قتل بها ومن قتل بحجر قتل به ولا يتعدى قدر الواجب ويكون القصاص بالنار مستثنى من النهي عن التعذيب بها على المشهور
    قالوا : والمعنى أن الحق في القتل للولي بمثل ما قتل به الجاني وذلك إذا ثبت القتل بالبينة أو الاعتراف أما لو ثبت بقسامة فإنه يقتل بالسيف وكذلك لو ثبت أن القتل بخمر فيتعين قتل الجاني بالسيف وكذا لو أقر بأنه قتله لواطا فلا يقتل بما قتل به بأن يجعل له خشبة في دبره حتى يموت بل يجب أن يقتل بالسيف أما لو ثبت اللواط بأربعة شهود فيكون حده الرجم بالحجارة حتى يموت ولو كان غيرمحصن وكذلك من قتل بالسحر وثبت عليه ذلك بالبينة أو إقرار فيتعين قتله بالسيف ولا يلزم بفعل السحر مع نفسه حتى يموت لأن الأمر بالمعصية معصية
    قال بعضهم : أنه إذا أقر يؤمر بفعله لنفسه فا مات وإلا فالسيف وكذلك القتل بالسم يقتل بالسيف في ظاهر المذهب وكذلك إذا قتله بمنعه عن الطعام أو الماء أو قتله بكثرة الأكل والشراب أو نخسه بإبرة حتى مات على الراجح فلا يفعل بالجاني ذلك بل يتعين قتله بالسيف
    قالوا : فإن صدر منه القتل بالغرف يفرق وإن صدر منه القتل بالخنق يخنق وإن قتل بحجر فإنه يقتل بضرب حجر ويكون الضرب في موضع خطر حتى يموت بسرعة وإذا قتل آخر بالضرب بعصا فإنه يضرب عصا حتى يموت
    قالوا : ويمكن متسحق القصاص من السيف ولو كان الجاني قتل بشيءأخف من السيف لأن الحق له في القتل بمثل ما قتل به المجني عليه فإذا طلب القصاص بالسيف فإنه يجاب إلى طلبه لأن فيه تخفيفا عن القاتل
    الشافعية والحنابلة في إحدى روايتهم قالوا : يجب أن يقتص من القاتلن على الصفة التي قتل غيره بها وبآلة تشبه الآلة التي استعملها في مباشرة القتل حت يتحقق القصاص ويشعر بالألم الذي شعر به القتيل إن كان قتله بفعل مشروع فإن مات بهذه الوسيلة التي استعملها وإلا تحز رقبته بالسيف قتلا لأن مبنى القصاص لغة وشرعا على المساواة وذلك فيما ذكرنا لأن فيه مساواة في اصل الوصف والفعل المقصود به فمن قتل غيره تغريقا قتل تغريقا بالماء ومن قتل بضرب حجر قتل بمثل ذلك إلا أن يطول تعذيبه بذلك فيكون السيف له أروح فإن قطع يد رجل فمات بسبب السراية فعل به مثل ذلك ويمهل تلك المدة التي مكثها المقتول فإن مات وإلا تحز رقبته بالسيف وإن كان القتل بشي غير مسموح به شرعا كأن أكرهه على شرب الخمر حتى قتله بها أو لاط بصغيرن فقتله أو اعتدى على صغيرة وزنى بها فقتلها فإنه يجب قتله في هذه الحالة بالسيف لأن المماثلة ممتنعة لتحريم الفعل
    وحجتهم في ذلك قول تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } آية 126 من النحل وقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } آية 194 من البغرة . قال القرطبي : لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية أصل في التماثل في القصاص فمن قتل بشيء قتل بمثل ما قتل به وهو قول الجمهور ما لم يقتله بفسق كاللواطة وإسقاء الخمر . وما روي عن انس بن مالك رضي الله تعالى عنه ( أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها : من صنع بك هذا ؟ فلان ؟ فلان . حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فأقر فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ترض رأسه بين حجرين متفق عليه واللفظ لمسلم
    فالحديث دليل على أنه يجب القصاص بالمثقل كالمحدد وأنه يقتل الرجل بالمرأة وأن القاتل يقتل بما قتل به قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها }
    وبما أخرجه البيهقي من حديث البراء رضي اللهتعالى عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من غرض غرضنا به ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه ) ومعنى غرض أي اتخذه غرضا للسهام ولأن المقصود من القصاص التشفي وإنما بكمل إذا قتل بمثل ما قتل وحديث النهي عن المثلة محمول على من وجب قتله لا على وجه المكافأة
    ويشترط أن تراعى المماثلة في طريق القتل وتراعى في الكيفية والمقدار ففي التجويع يحبس مثل تلك المدةن ويمنع عنه الطعام وفي الإلقاء في الماء أو النار يلغى في ماء ونار مثلهما ويترك تلك المدة وتشد قوائمه عند الإلقاء في الماء إن كان يحسن السباحة وفي الخنق يخنق بمثل ما خنق بمثل تلك المدة وفي الإلقاء من الشاهق يلقى من مثله وتراعى صلابة الموضع وفي الضرب بالمثقل يراعى الحجم وعدد الضربات وإذا تعذر الوقوف على قدر الحجر أو النار أو على عدد الضربات اخذ باليقين وقيل : يعدل إلى السيف هذا إذا عزم على أنه إن لم يمت بذلك قتله فإن قال ولي الدم فإن لم يمت به عفوت عنه لم يمكنه لما فيه من التعذيب وفي السحر يقتل بالسف لأن عموم السحر حرام لا شيء مباح فيشبهه ولا ينضبط وفي الخبر ( حد الساحر ضربه بالسيف ) ولو قتله بمسموم من طعام أو آلة اقتص منه بمثلها إذا لم يكن مهريا يمنع الغسل ولو أنهشه حية فإن كانت تلك الحية موجودة لم يعدل إلى غيرها ولو كانت غير موجودة جاز العدول إلى حية غيرها لتنهشه وكذلك لو ألقاه في زريبة أسد فافترسه فإنه يلقى أمام الأسد ليفترسه كما فعل ولو رجع شهود الزنا بعد رجم المشهود عليه اقتص منهم بالرجم وإن رجعوا بعد موته بالجلد اقتص منهم وبالجلد ولو جوع كتجويعه فملم يمت في المدة الي جوع فيها المقتول فإنه يزاد في المدة حتى يموت ليكون قتله بالطريق التي قتل به ولا يبالي بزيادة الإيلام والتعذيب كما لو ضرب رقبة إنسان بضربة واحدة ولم تنحز رقبته إلا بضربتين لأن المماثلة قد حصلتن ولم يبق إلا تفويت الروح فيجب تفويتها بالأسهل
    ومن عدل من أولياء الدم عما تجوز فيه المماثلة إلى الضرب بالسيف فله ذلك سواء ارضي الجاني أم لا فإنه أرحم واسهل بل هو أولى للخروج من الخلافن أما إذا عدل إلى ذبحه كالبهيمة لم يجز لهتكه الحرمة فإن كان الجاني قتل بالسيف ويريد ولي المقتول قتل الجاني بغير السيف فإنه لا يمكن من ذلك
    ولو قطع يدهن فسى قطعه للنفس فمات فللولي حز رقبته ابتداء لأنه أسهل على الجاني من القطع ثم الحز وله القطه للمماثلة ثم الحز للرقبة حالا للسراية ولا يجاب الجاني إذا قال لولي المجني عليه : امهلني عليه بعد جنايتي لثبوت حق القصاص ناجزا وإن شاء الولي أخر وانتظر السراية بعد القطع وليس للجاني أن يقول لولي المقتول ارحني بالقتل أو العفو بل الخيرة في ذلك إلى المستحق لأنه صاحب الشأن
    ولو مات بجائفة أو كسر عضو أو نحو ذلك مما لا قصاص فيه . فللولي حز الرقبة بالسيف لا غير لأن المماثلة لا تتحقق في هذه الحالة بدليل عدم إيجاب القصاص في ذلك عند الاندمال فوجب السيف فإن قال ولي المقتول : أجيفه وأقتله أن لم يمت فله ذلك وإن قال : أجيفه ثم أعفو لم يكن من ذلك
    ولو اقتص معطوع عضو فيه نسف الدية من قاطعه ثم مات المقطوع الأول بالسراية فلوليه حز الرقبة وله عفو بنصف الدية في تركة الجاني ولو قطعت يداه فاقتص المقطوع ثم مات سراية فلوليه الحز لرقبة الجاني في مقابلة نفس مورثه فإن عفا عن قتله فلا شيء له لأنه استوفى ما يقابل الدية ولو مات الجاني سراية من قطع عضو منه قصاصا فنفسه هدر لقوله تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل }
    وقد روى البعقي عن عمر وعلي رضي الله عنهما : ( من مات في حد أو قصاص فلا دية له والحق قتله ) ولأنه مات من قطع يستحق فلا يتعلق بسرايته ضمان كقطع يد السارق حدا

    قالوا : يأذن الإمام أو نائبه لواحد من مستحقي القصاص في استيفائه بنفسه في النفس إذا طلب ذلك ليكمل له التشفي
    الحنفية قالوا : لا يجوز أن يستوفى القصاص إلا بالسيف خاصة في جميع الأحوال سواء كان القتل به أم بغيره واحتجوا على مذهبهم بما أخرجه البزار وابن عدي من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لا قود إلا بالسيف ) وواحتجوا بأن الشارع نهى عن المثلة وقوله صلى الله عليه و سلم : ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة )
    فقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( لا قود إلا بالسيف ) نص على نفي استيفاء القصاص بغيره . ويلحق به ما كان سلاحا من غير السيف كالمدفع والبندقة وغيرهما ولأن فيما ذهب الأئمة إليه استيفاء لزيادة فلم يحصل المقصود بمثل ما فعل الجاني فيجب التحرز عنه كما في كسر العظم والجائفة ولأن الآلة في الاغراق والخنق وإلاحراق غير معدة للقتل ولا مستعملة فيه لتعذر استعمالها فتمكنت شبهد عد العمدية ولأن القصاص مبني على المماثلة ومنه يقال : اقتص أثره ولا تماثل بين الجرح والدق لقصور الثاني عن تخريب الطاهر وكذا لا يتماثلان في حكمة الزجر لأن القتل بالسيف غالب وبالمثقل نادر
    وأما ما رواه الشافعية من قول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه من قتل عبدا قتلناه ) فهو غير مرفع لأنه يلزم على قولهم أنه يجوز التحريق بالتحريق وهو منهي عنه شرعا فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لا تعذبوال احدا بعذاب الله ) أو أن الحديث محمول على السياسة حيث اضافه صلى الله عليه و سلم إلى نفسه فقال : ( غرقنا ) ولم يقل صلوات الله
    وسلامه عليه ( حرقوه أو غرقوه ) وقد استدل الأحناف بهذا الحديث في وجوب القصاص ولم يعملوا به في الاستيفاء لقول صلى الله عليه و سلم : ( لا قود إلا بالسيف ) فهو أقوى من الحديث الثاني عند أهل الحديث وقد ذكر بعده فنسخ حكمه
    مبحث من قتل ثم لجأ إلى الحرم
    الشافعية قالوا : يقتص المستحق على الفور في النفس وكذلك في الأطراف على المذهب لأن القصاص موجب الاتلاف فيتعجل كقيم المتلفات والتأخير لاحتمال العفو
    قالوا : ويقتص في الحرم لأن الحرم لا يمنع من القصاص كقتل الحية والعقرب داخل الاحرم وسواء التجأ إليه أم لا لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما دخل مكة عامم الفتح وسمع به عبد الله بن خطل التميمي الذي ارتد بعد إسلامه وكان يهجو النبي صلى الله عليه و سلم في شعره ويلقنه لجاريتيه المغنيتين فتتغنيان به فخاف من الرسول وتعلق بأستار الكعبة ليستجير بها وعند طواف النبي صلى الله عليه و سلم بها أخبر بحالته فقال : ( اقتلوه ) فإن الكعبية لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب فقتل وكذلك الحويرث بن نقيد فإنه كان يؤذي النبي صلى الله عليه و سلم بهجائه فقتله الإمام على رضي الله تبارك وتعالى عنه بمكة المكرمة
    وكذلك المقيدس بن صبابة الكندي عبد أن ارتد ورجع إلى مكة فامر النبي صلى الله عليه و سلم بقتله واهدر دمه فقتله ابن عمه نميلة بن عبد الله الليثي وهو متعلق بأستار الكعبة وقيل : بمحل آخر ولأن القصاص على القور فلا يؤخر
    فلو التجأ الجاني إلى الكعبة أو المسجد الحرام أو غيره من المساجد أو إلى ملك إنسان فيخرج منه ثم يقتل صيانة للمسجد ولأنه يمتنع استعمال ملك الغير بغير غذنه فإن هذا التأخير يسير وخوفا من تلوث المسجد الحرام أو المساحمد الأخرى فيخرج منها وكذا يقتل لو التجأ الجاني إلى مقابر المسلمين ولم يمكن قتله إلا بإراقة الدم عليها وإذا لم يخرج الجاني من الحرم ومكث فيه جاز إقامة القصاص عليه وقتله فيه فإن حرمة دم الآدمي أقوى من حرمة البيت
    المالكية قالوا : لو قتل شخص إنسانا في الحل ثم دخل الحرم بعد ارتكاب جنايته فلا يؤخر بل يجب إخراجه من الحرم ويقام عليه الحد خارج الحرم ولو كان الجاني محرما ولا ينتظر لإتمامه ولا يجوز إقامة القصاص في الحرم عليه لئلا يؤدي إلى تنجسه بالدماء وسواء فعل موجب القصاص في داخل الحرم أم فعله خارجه ثم لجأ إليه ليهرب من تنفيذ القصاص
    وأما قوله تعالى : { ومن دخله كان آمنا } فهو إخبار عما كان عليه الناس في الجاهلية كما قال الحسن البصري وغيره : كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ودخل الحرم فيلقاه ابن القتول فلا يهيجه حتى يخرج
    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو يحيى التميمي عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : { ومن دخله كان آمنا } قال : ( من عاذ بالبيت اعاذه البيت ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا سقى فإذا خرج اخذ بذنبه )
    وروي في الصحيحين والفظ لمسلمعن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولا قال قال به رسول الله صلى الله عليه و سلم الغد من يوم الفتح سمعته اذناي ووعاه قلبين وأبصرته عيناي حين تكلم به أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما أو يعيضد بها شجرا فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها فقولوا له إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالآمس فليبلغ الشاهد الغائب ) فقيل لأبي شريح ما قاله لك عمرو ؟ قال : أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح : إن الحم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بدم ولا فارا بجزية وقيل : الجملة إنشائية معنى أي آمنا من القتل والظلم إلا بموجب شرعي وهذا هو الإثم الذي ذكره الله تعالى بقوله : { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } . آية 25 من سور الحج
    الحنفية رحمهم الله تعالى قالوا : إذا قتل رجل إنسانا عمدا خارج الحرم ثم لجأ إليه ليفر من القصاص وأقام بالحرم أو وجب القتل عليه ردة أو زنا وهو محصن أو بسبب خروجه على جماعة المسلمين ثم لجأ إلى الحرم بمكة المكرمة فلا يجب قتله ما دام في الحرم لحرمة القتل في الحرم لقول تعالى : { ومن دخله كان آمنا } يعنى حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء فمن عاذ بالبيت أعاذه البيت وورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم فتح مكة : ( إن هذا البلد حرم الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتل فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها فقال العباس : يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : ( إلا الادخر ) وقد ورد في تأمين من دخل الحرم عدة آيات منها قوله تعالى { واذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } ومنه قوله تعالى { واذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا } آيتي 125 ، 126 من سور البقرة وقال تعالى : { الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } آية 4 من سورة قريش فظاهر الآية الكريمة الإخبار عن كون من دخله آمنا ولكن لا يمكن حمله عليه إذ قد لا يصير آمنا فيقع الخلف في الخبر فودب حمله على الأمر أي آمنوا من دخل الحرم وترك العمل به في الجنايات التي دون النفس لأن الضرر فيها أخف من قتل النفس وفيما إذا وجب على الجاني القصاص لجناية ارتكبها داخل الحرم فإنه يجوز أن يقتل في الحرم في هذه الحالة لأنه هو الذي هتك حرمة الحرم فلا يحترم دمه أما إذا ارتكب الجناية خارج الحرم ثم التجأ إليه فلا يستوفي فيه بل يجب أن يضيق عليه فيمنع من الطعام والشراب والكلام والمعاملة حتى يخرج من لحرم فيستوفى منه القصاص ويقتل أو يموت داخل الحرم بالجوع والصد وذلك تعظيما لحرمة البيت الحرام .
    الحنابلة قالوا : لا يستوفى من الملتجىء إلى الحرم قصاصا مطلقا سواء ارتكب الجناية خارج الحرم والتجأ إليه واحتمى به أو ارتكب جنايته داخل الحرم واعتصم به وسواء كان القصاص في النفس أو الأطراف ولا يضيق عليه حتى يخرج من الحرم أو يموت فإن خرج من الحرم قتل بذنبه ونفذ عليه القصاص الواجب عليه وإلا ترك وشأنه في الحرم . وذلك لنص الآيات الواردة في في تأمين من دخل الحرم قال تعالى : { ومن دخله كان آمنا } تأكيدا لفضيلة الحرم واحتراما لقدسيته لشدة حرمة الحرم في الكتاب والسنة الذي هو حضرة الله تعالى الخالصة فيحمل هنا على حال الحاكم الذي غلبت عليه هيبة المولى عز و جل . وهيبة بيته الحرام فانطوت فيها إقامة حدوده حرمة له فأخر القصاص مدة عن الجاني حتى يخرج من الحرم


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #278
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 150 الى صـــــــــ153

    الحلقة (278)





    مبحث ما لا يجب عليه القصاص في العمد
    الحنفية قالوا : لا يجب القصاص على المسلم إذا قتل المستأمن لأنه غير محقون الدم على التأبيد لأن كفره باعث على الحراب لأنه على قصد الرجوع إلى داره فكان كالحربي
    ولا يقتل الذمي بالمستأمن لقيام المبيح وعدم التكافؤ

    ولا يقتل الرجل بابنه لقوله صلوات الله وسلامه عليه : ( لا يقاد الوالد بولده ) وهو معلوم بكونه سببا لإحيائه فإن المحال أن يتسبب لفنائه ويلحق بالأب الأم وكذلك الجد والجدة من قبل الأب والأم وإن سفل
    ولا يقتل الرجل بعبده ولا مدبره ولا مكاتبه ولا بعبد ولده لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص ولا يستوجب ولده على أبيه إذا قتل الأب ولده عبده
    ولا يقتل الرجل بقتل عبد ملك بعضه . بهبة أو ميراث أو شراء لأن القصاص لا يتجزأ
    ومن ورث قصاصا على أبيه مثل أن يقتل الرجل أم ابنه الكبير مثلا سقط القصاص عن الأب لحرمة الأبوة
    وإن قتل عبد الرهن في يد المرتهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن لأن المرتهن لا ملك له فلا يليه والراهن لو تولاه لبطل حق المرتهن في الدين فيجب اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه
    والعبد الذي أعتق بعضه إذا مات ولم يترك وفاء فلا يجب القصاص على قاتله لأن ملك المولى لا يعود بموته ولا ينفسخ بالعجر ما عتق منه
    ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر فلا قصاص عليه عن أبي حنيفة وقال الصاحبان يجب عليه القصاص ويستوفى منه القصاص بحز رقبته بالسيف
    ومن رمى رجلا بسهم عمدا فنفذ منه السهم إلى رجل آخر وأصابه وماتا معا فيجب عليه القصاص في الأول وتجب الدية لورثة الثاني على عائلة الرجل القاتل . لأن الول عمد والثاني احد فرعي الخطأ فكأنه رمى صيدا فأصاب آدميا والقتل يتعدد بتعدد أثره ولا قصاص على من قتل لصا دخل عليه ليلا وأخرج ماله أو اعتدى على عرضه ولا قصاص على صبي ولا مجنون لانهما غير مكلفين : يجب الدية على العاقلة ولا قصاص على مسلم قتل مسلما ظن أنه مشرك عند التقاء الصغين من المسلمين والمشركين ولا قصاص على من قتل رجلا باغيا شهر سيفه على المسلمين في طريقهم ليعتدي عليهم
    الشافعية والحنابلة - قالوا : يشترط لوجوب القصاص في القتيل إسلامه لخبر مسلم عن الرسول صلى الله عليه و سلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) ويشترط أمان المقتول إما بعقد ذمة وإما بعهد أو أمان مجرد لقوله تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } آية [ 6 : من التوبة ]
    فلا يجب القصاص على قاتل الحربي لأنه مهدر الدم لعموم قوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } آية [ 5 : من التوبة ]
    فلا قصاص على من قتل المرتد عن الإسلام والعياذ بالله تعالى لقوله صلوات الله وسلامه عليه . ( من بدل دينه فاقتلوه )
    ويسقط القصاص عن الصبي والمجنون لما روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( رفع القلم عن ثلاث ) وإنما يسقط القصاص عن المجنون إذا كان جنونه مطبقا لا يقيف منه أما الجنون المتقطع فينظر إن كان في زمن إفاقته فهو كالعاقل الذي لا جنون به وإن كان الحادث وقع في زمن جنونه فهو كالمجنون الذي لا إفاقة له
    أما السكران فالظاهر من المذهب وجوب القصاص عليه إن تعدى بسكره لأنه مكلف ولئلا يؤدي إلى ترك القصاص لأن من رام القتل لا يعجز أن يسكر حتى لا يقتص منه وألحق به من تعدى بشراب دواء مزيل للعقل فإنه يقتص منه
    أما السكران غير المعتدين فهو كالمعتوه فلا قصاص عليه
    ولو قال : كنت يوم القتل صبيا أو مجنونا وكذبه لي المقتول صدق القاتل بيمينه إن أمكن الصبا وقت القتل وعهد الجنون قبله لأن الأصل بقؤهما بخلاف ما إذا لم يمكن صباه ولم يعهد جنونه فإنه يقتص منه
    ولو قال القاتل : أنا الآن صبي وأمكن فلا قصاص عليه ولا يحلف أنه صبي لأن التحليف
    لاثبات صباه ولو ثبت لبطلت يمينه ففي تحليف إبطال لتحليف ولا قصاص على حربي قتل حال حرابته ثم عصم بعد ذلك بإسلام أو ذمة لما تواتر من فعله صلى الله عليه و سلم والصحابة بعده . من عدم القصاص ممن أسلم لأن الإسلام يجب ما قبله وقد عفا الرسول صلى الله عليه و سلم عن وحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه ولا يقتل مسلم ولو كان زانيا محصنا بقتل ذمي للحديث الوارد في صحيح البخاري رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( ألا لا يقتل مسلم بكافر ) لأنهم اشترطوا في القاتل مكافأته للقتيل بأن لم يفضله بإسلام أو أما أو جزية أو أصلية أو سيادة ولهذا لا يقتل ذمي بمرتد ولا يقتل حر بمن فيه رق ولو قت الحر المسلم شخصا لا يعلم أنه مسلم أو كافر ولا أنه حر أو عبد فلا قصاص للشبهة ولا يقتل المكاتب إذا قتل عبده ولا قصاص على من بعضه حر وبعضه عبد إذا قتل مثله سواء ازدادت حرية القاتل على حرية المقتول أم لا لأنه لم يقتل بالبعض الحر البعض الحر وبالرقيق الرقيق بل قتله جيمعه بجيمعه حرية ورقا شائعا فيلزم قتل جزء حرية بجزء رق وهو ممتنع
    ولا قصاص بين عبد مسلم وحر ذمي لأن المسلم لا يقتل باذمي والحر لا يقتل بالعبد ولا تجبر فضيلة كل منهما بضعته . ولو قتل ذمي عبدا ثم نقض العهد واسترق لا يجوز قتله وإن صار كفؤا له لأن الاعتبار بوقت الجناية ولم يكن مكافئا له . ولا قصاص بقتل ولد للقال وإن سفل للحديث الوارد في الحاكم والبيهقي وصححاه . إن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يقاد للابن من أبيه ) ولرعاية حرمته وكذا لا قصاص على الأم والأجداد والجدات وإن علوا من قبل الأم والأب لأن الحكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه من ذكر كالنفقة
    ولا قصاص للولد على الوالد كأن قتل الرجل زوجة نفسه وله منها ولد فصار وليا لدمها أو قتل الأب زوجة ابنه أو لزمه قود فورث بعضه ولده كأن قتل أبا زوجته ثم ماتت الزوجة وله منها ولد فورث الدم عن أمه لأنه إذا لم يقتل بجنايته على ولده فلأن لا يقتل بجنايته على من له في قتله حق أولى . ويقتل الولد الحر المسلم بالوالد الكافر
    ولو تداعيا قتيلا مجهولا نسبه فقتله أحدهما قبل تبين حاله فلا قصاص في الحال لأن أحدهما أبوه وقد اشتبه الأمر فهو كما لو اشتبه طاهر بنجس لا يستعمل أحدهما بغير اجتهاد بل يعرض الأمر على القائف فإن ألحقه القائف بالآخر اقتص الآخر لثبوت أوته وانقطاع نسبه عن القاتل وإن لم يلحقه القائف بالآخر فلا يقتص لعدم ثبوت الأبوة
    ولو أشتركا في قتله وألحقه الفائف بأحدهما اقتص من الآخر ( الأجنبي ) لأنه شريك الأب . ولا قصاص على مسلم إذا رمى مسلما . ثم ارتد والعياذ بالله تعالى وهو مجروح بالرماية ثم مات بسبب السراية مرتدا لأنه لو قتل حينئذ مباشرة لم يجب فيه شيء
    المالكية قالوا : يسقط القصاص عن الصبي وعن المجنون الذي ارتكب الجناية حال جنونه أما إذا ارتكب الجناية حال إفاقته فإنه يقتص منه فإن جن انتظر حتى يفيق فإن لم يفق فالدية في ماله ولا قصاص على السكران وإن كان سكره بحلال لأنه كالمجنون فتجب الدية على عاقلته كالمخطئ وإن كان سكر بحرام فهو مكلف ولا يقتل الحبي قصاصا بل يهدر دمه لأن العصمة تكون بإيمان أو أمان ولا يقتل حر بذمي ولا يقتل مسلم بذمي حر لأن الإسلام أعلى من حرية الذمي والأعلى لا يقتل بالأدنى لأنه يشترط عندهم أن لا يكون القاتل زائدا حرية أو إسلاما عن المجني عليه ولا قصاص علىقاتل الحربي والمرتد لعدم العصمة عندهما
    مبحث في تغير حال المجروح من الجرح إلى الموت
    الشافعية والحنابلة - قالوا : في شأن تغيير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت بعصمة أو حرية أو إهدار أو غيره إذا جرح مسلم أو ذمي حربيا أو مرتدا أو عبد نفسه فأسلم الحربي أو المرتد أو أمن الحربي وعتق العبد ثم مات بسراية الجرح فلا ضمان بمال ولا قصاص لأن الجرح السابق غير مضمون
    وقيل : تجب دية مخففة اعتبارا بحال استقرار الجناية والمراد دية حر مسلم لأن كل جرح أوله غير مضمون لا ينقلب مضمونا بتغير الحال في الانتهاء وإن كان مضمونا في أوله فقط فالنفس هدر ويجب ضمان تلك الجناية وإن كان مضمونا في الحالتين اعتبر في قدر الضمان الانتهاء ويتبر في القصاص المكافأة عن الفعل إلى الانتهاء وحينئذ فلو رمى مسلم مرتدا أو حربيا أو عبد نفسه فأسلم الحربي أو المرتد أو أمن الحربي أو عتق العبد ثم أصابه السهم فلا قصاص قطعا لعدم المكافأة من أول أجزاء الجناية . والمذهب وجوب دية مسلم اعتبارا بحال الإصابة لانها حالة اتصال الجناية والرمي كالمقدمة التي تيسبب بها إلى الجناية كما لو حفر بئرا وهناك حربي أو مرتد فأسلم ثم وقع فيها فإنه يضمنه وإن كان عند السببب مهدرا وعبد نفسه اولى بالضمان منهما . لأنه معصوم مضمون بالكفارة
    والأصح في المذهب وجوب الدية مخففة مضروبة على العاقلة لانها دية خطأ كما لو رمى إلى صيد فأصاب آدميا وقيل : دية شبه عمد وقيل : عمد
    وعكس هذا كما لو جرح حربي مسلما ثم أسلم الجارح أو عقدت له ذمة ثم مات المجروح فلا ضمان على الصحيح ولو ارتد المسلم المجروح والعياذ بالله ثم مات بالسراية مرتدا وجارحه غير مرتد فالنفس هدر لا قود فيها ولا دية ولاكفارة سواء أكان الجارح الإمام أم غيره . لأنه لو قتل حينئذ مباشرة لم يجب فيه شيء فكذا بالسراية أما إذا كان جارحه مرتدا فإنه يجب عليه القصاص وكلن قصاص الجرح إن كان مما يوجب القصاص كالموضحة وقطع الطرف في الأظهر لأن القصاص في الطرف منفرد عن القصاص في النفس فهو كما لو لم يسر
    وقيل : لا قصاص عليه لأن الجراحة صارت نفسا وهي مهدرة فكذا الطرف أما لو قطع يد مسلم ثم ارتد واندملت يده فله القصاص وإن مات قبل استيفائه يستوفيه قريب المسلم لأن القصاص للتشفي حتى ولو كان القريب ناقصا النظروا كماله ليستوفي حقه
    وقيل : يستوفي الإمام لأن المرتد لا وارث له فيستوفيه الإمام كما يستوفي قصاص من لا وارث له وعلى الأول يجوز أن يعفو قريبه على مال ياخذه الإمام لبيت المال فإن اقتضى الجرح للمرتد مالا كقطع طرف خطأ وجب أقل الأمرين من أرش الجرح ودية النفس لأنه المتيقن فإن كان الأرش أقل كجائفة لم يزد بالسراية في الردة شيء وإن كانت دية النفس أقل كأن قطع يديه ورجليه ثم ارتد ومات لم يجب أكثر منهما لأنه لو مات مسلما بالسراية لم يجب أكثر منهما
    وقيل : وجب ارشه بالغا ما بلغ ولو زاذ على الدية ففي قطع يديه ورجليه ديتان وقيل : هذا الجرح هدر فلا ضمان فيه لأن الجراحة إذا سرت صارت قتلا وصارت الأطراف تابعة للنفس والنفس مهدرة فكذلك ما يتبعها
    هذا كله إذا طرأت الردة بعد الجرح فلو طرأت بعد الرمي وقبل الإصابة . فلا ضمان بالاتفاق . أنه حين جنى عليه كان مرتدا
    ولو ارتد المجروح ثم اسلم فمات بالسراية فلا قصاص في الصح مطلقا لأنه انتهى إلى حالة لو ما فيها لم يجب القصاص فصار شبهة دارئة للقصاص
    وقيل : إن قصرت الردة بأن لم يض في الردة زمن يسري فيه الجرح وجب القصاص لانها إذا قصرت لم يظهر فيها أثر السراية فإن طال الزمن لم يجب القصاص قطعا وعلى القول الأول تجب الدية في ماله بكمالها لوقوع الجرح والموت في حالة العصمة
    وقيل : يجب عليه نصفها توزيعا \ ص على حالتي العصمة والإهدار
    ولو جرح مسلم ذميا فاسلم أو جرح عبدا لغيره فعتق ومات بالسراية فلا قصاص على الجارح في الصورتين لأنه لم يقصد بالجناية من يطافئه فكان شبهة وتجب دية حر مسل لأنه كان مضمونا في الابتداء وفي الانتهاء حر مسلم فإن كان العبد كافرا وجب دية حر كافر فإن اندمل الجرح وبرئ ثم مات فإنه يجب عليه ارش الجناية ويكون الواجب في العبد لسيده ودية العتيق إن مات بالسراية ولم يكن لجرحه عليه أرش الجناية الواقعة في ملكه ولا يتعين حقه فيها بل للجاني العدول لقيمتها وإن كانت الدية موجودة فإذا تسلم الدراهم أجبر السيد على قبولها فإن زادت دية العبد على قيمته فالزيادة تكون لورثته لأنها وجبت بسبب الحرية ولو كان لجرحه أرش مقدر كأن قطع يد عبد أو فقأ عينهن فعتق ثم مات بسراية ووجب كمال الدية فللسيد الأقل من الدية الواجبة ومن نصف قيمته وهو أرش العضو الذي تلف في ملكه لو اندملت الحراحة . لأن السراية لم تحصل في الرق حتى يعتبر في حق السيدن فإن كانت الدية أقل فلا واحب غيرها وإن كان نصف القيمة أقل فهو أرش الجناية الواقعة في ملكه
    وقيل : للسيد الأقل من الدية ومن قيمته ولو قطع يد العبد شخص فعتق فجرحه آخران مثلا كأن قطع أحدهما يده الأخرى والآخر إدى رجليه ومات بسرايتهم فلا قصاص على الأول إن كان حرا لعدم المكافأة حال الجناية ويجب على الآخرين قصاص الطرف قطعا وقصاص النفس على المذهب اه
    الحنفية : من رمى مسلما فارتد المرمي إليه والعياذ بالله ثم وقع السهم عليه فيجب على الرامي الدية عند أبي حنيفة وقال الصاحبان لا شيء عليه لأنه بالارتداد أسقط تقوم نفسه وذلك ابراء للضامن لأن من أخرج المتقوم عن التقوم سقط كالمغصوب منه إذا اعتق المغصوب فإنه صار مبرئا للغاصب عن الضمان بإسقاط حقه وصار به مبرأ كما إذا أبرأه الرامي عن الجناية أو حقه بعد الجرح أي انعقاد سببه وهو الرمي قبل أن يصيبه السهم
    ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الضمان يجب بفعله وهو الرمي إذ لافعل منه بعد : وماهو كذلك فالمعتبر فيه وقت الفعل كالغضب فيعتبر حالة الرامين والمرمي إليه فيها متقوم . واستوضح اعتبار وقت الرمي بما إذا رمى صيدا ثم ارتد والعياذ بالله ثم أصاب فإن ردته بعد الرمي لاتحرم لأن فعله ذكاة شرعا وقد تم موجبا للحل بشرطهن وهو التسمية وبما إذا كانت الجناية خطأ فكفر بعد الرمي . قبل الإصابة فإنه صحيح والفعل وإن كان عمدا فالقود يسقط بالشبهة الناشئة من اعتبار حالة الإصابة . وجبت الدية في ماله ولو كانت المسألة بالعكس فلا شيء في قولهم جميعا وكذا إذا رمى حربيا فأسلم ثم وقع به السهم لأن الرمي ما انعقد موجبا للضمان لعدم تقوم المحل فلا ينقلب موجبا لصيرورته متقوما بعد ذلك
    وإن رمى عبدا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به فعليه قيمته للمولى عند أبي حنيفة وابي يوسف
    وقال محمد : عليه فضل ما بين قيمته مرميا إلى غير مرمي حتى لو كانت قيمته قبل الرمي ألف درهم وبعده ثمانمائة درهم لزمه مائتا درهن / لأن العتق قاطع للسراية لاشتباه من له الحق لأن المستحق حال ابتداء الجناية المولى وحال الإصابة العبدن لحريته فصار العتق بمنزلة البرء كما إذا قطع يد عبد أو جرحه ثم أعتقه المولى ثم سرى فإن العتق يقطع السراية حتى لا يجب بعد العتق شيء من الدية والقيمة وإنما يضمن النقصان وغا انقطع بقي مجر الرمي وهو جناية ينتقص بها قيمة المرمي إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب ذلك
    ولهما : أنه يصير قتلا من وقت الرمي لأن فعله الرمي وهو مملوك في تلك الحالة فتجب قيمته بخلاف القطع والجرح لأنه اتلاف بعض المحل وأنه يوجب الضمان للمولى . وبعد السراية لو وجب شيء لوجب للعبد فتصير النهاية مخالفة للبداية
    أما الرمي قبل الإصابة ليس بإتلاف شيء منه لأنه لا أثر له في المحل وإنما قلت الرغبات فيه فلا يجب به ضمان فلا تتخالف البداية والنهاية فتجب قيمته للمولى ومن قضي عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع احد الشهود ثم وقع به الحجرن فلا شيء على الرامي لأن الممعتبر حالة الرمي وهو مباح الدم فيها اه
    المالكية قالوا : من رمى شخصا مسلما فارتد المرمي والعياذ بالله ثم أصابه السهم فلا شيء على الرامي بل يكون دمه هدرا ولا قصاص ولا دية عليه لأن التلف حصل في محل لا عصمة له فيكون هدرا كما لو جرحه ثم ارتد ثم مات وكما لو أبرأه بعد الجرح عن الجنايةن أو عن حقه وكما لو أبرأه عن الجناية ثم اصابه السهم وكما لو اعتق المالك العبد المغصوب يصير مبرئا للغاصب عن الضمان لأنه يشترط في المجني عليه العصمة من وقت الضرب أو الرمي بالسهم للموت ولأنه بالارتداد أسقط تقوم نفسه فيكون مبرئا للرامي عن موجبه كما إذا أبرأه عن حقه بعد القطع وقبل الموتن فإنه يكون هدرا ولا ضمان له ولأن عدم وجب الضمان باعتبار أن الارتداد قاطع للسراية كالعتق لا باعتبار أنه صار مبرئا وكذا تعتبر العصمة حالة الرمي فمن رمى غير معصوم أو أنقص منه برق أو كفر فأسلم قبل الإصابة أو عتق الرقيق لم يقتص من الرامي وأما من قطع يد معصوم مثلافارتد المقطوع ثم مات من القطع مرتدا فإنه يثبت القصاص في القطع فقط لأنه كان معصوما حال القطع
    مبحث في حكم الفعلين
    الحنفية قالوا : ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده أو قطع يده عمدا ثم قتله خطأ أو قطع يده خطأ فبرأت يده ثم قتله خطأ أو قطع يده عمدا فبرأت ثم قتله عمدا فإنه يؤخد بالأمرين جميعا فإن الصل فيه : أن الجمع بين الجراحات واجب ما أمكن تتميما للأول لأن القتل في الأعم يقع بضربات متعاقبة وفي اعتبار كل ضربة بنفسها بعض الحرج إلا أن لا يمكن الجمع فيعطى كل واحد حكم نفسه وقد تعذر الجمع فيهذه الصور في الأولين لاختلاف حكم الفعلين وضعا موجبا لأن احد الفعلين خطأ والثاني عمد وفي الآخرين متعذر الجمع أيضا لتخلل البرء فلا جمع اصلا لأن الفعل الأول قد انتهى فا البرء قاطع للسراية فيكون القتل بعده ابتداء فلا بد من اعتبار كل واحد منهما حتى لو لم يتخلل وقد تجانسا بأن كانا خطأين فإنه يجمع بين الأمرين بالإجماع لإمكان الجمع واكتفى بدية واحدة حيث انفى المانع من الجمع وهو تخلل البرء والاختلاف
    وإن تجانسا عمدا بأن كان قطع يده عمدا ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده فقد اختلف فيه

    قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : الولي بالخيار بين أن يقطع ثم يقتل وبين أن يكتفي بالقتل وبين أن يكتفي بالقتل
    وقال الصاحبان : يقتل ولا تقطع يده لأن الجمع ممكن لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء بينهما فيجمع بينهما
    وقال أبو حينفة : أن الجمع متعذر إما للاختلاف بين الفعلين هذين لأن الموجب القود وهو يعتمد المساواة في الفعلنوذك بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع وهو متعذر أو لأن الحر يقطع إضافة السراية إلى القطع حتى لو صدر من شخصين يجب الوقد على الحاز فصار كتخلل البرء بخلاف ما إذا قطع وسرى لأن الفعل وواحد وبخلاف ما إذا كانا خطأينن لأن الموجب الدية وهي بدل النفس من غير اعتبار المساواة
    قال الإمام أبو حنيفة : ولأن أرش اليد إنما يجب عند استحكام أثر الفعل وذلك بالحز القاطع للسراية فيجتمع ضمان الكل وضمان الجزء في حالة واحدة وهي حالة الحز وفي ذلك تكرار دية اليد لأن ضمان الكل يشملها والتكرار غير مشروع فلا يجتمعان أما القطع والقتل قصاصا يجتمعان لأن مبنى القصاص المساواة وهي إنما تتحقق باجتماعهما لأن العمد مبناه على التغليظ والتشديد ولهذا تقتل العشرة بالواحد وفي مراعاة صورة الفعل معنى التغليظ فيجوز اعتباره فيه وأما الخطأ فمبناه على التخفيف ألا ترى أن الدية لا تتعدد بتعدد القاتلين فاعتبار التغليظ فيه لا يكون مناسبا
    ومن ضرب رجلا مائة سوط فبرأ من تسعين ومات من عشرة ففيه دية واحدة لأنه لما برأ منها لا تبقى معتبرة في حق الأرش وإن بقيت معتبرة في حق التعزير فبقي الاعتبار للعشرة أسواط وكذلك كل جراحة اندملت ولم يبق لها أثر على أصل أبي حنيفة وعند أبي يوسف في مثله حكومة عدل وعن محمد أنه تجب أجرة الطبيب . وإن ضرب رجلا مائة سوط وجرحته وبقي له أثر تجب حكومة العدل لبقاء الثر والأرش إنما يجب باعتبار الأثر في النفس بأن لم يبرأ وليس ذلك بموجود بل الأثر هو الموجود فإن لم يجرح في الابتداء فلا يجب شيء باتفاقن وإن جرح واندمل ولم يبق لها أثر فكذلك كما هو رأي أبي حنيفة رحمه الله لأنه لم يكن إلا مجرد الألم وهو لا يوجب شيئا كما لو ضربه ضربا مؤلما
    الشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : إذا قطع الرجل يد شخص ثم بعد القطع قتل الشخص القاطع الشخص المقطوعة يده فإنه يجب أن تقطع يد القاطع اولا ثم بعد القطع يجب أن يقتل حدا طلبا للمماثلة قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم }
    وإن قطع رجل يد شخص آخر فمات المقطوعة يده من ذلك القطع بسبب السراية فقطع يد الرجل القاطع فإن مات الجاني الذي قطعت يده بسبب السراية فالأمر ظاهر وهو المطلوب من مراعاة القصاص وإن لم يمت بقطع يده قتل لتحقق الممالثلة بالقصاص
    قالوا : ويجوز للولي أن ينتظر للولي أن ينتظر بعد القطع هل يموت سرايةن أم لا ؟ فله بعد ذلك المبادرة إلى حز بقبته بالسيف قصاصا ويجوز له حزها ابتداء كما في المسألة الولى لا ستحقاقه له
    قالوا : لو جرح إنسان شخصا جراحة واحدة وجرحه شخص آخر بعد مائة جراحة ومات بسبب الواحدة والمائة وكانت تلك الجراحة الواحدة والجراحات المائة لو انفردت كل منهما لقتلت لزم صاحب الجراحة الواحدة وصاحب المائة جراحة القصاص مطلقا سواء تواطآ على قتله معا أم لا ؟ إذ رب جرح له نكاية في الباطن اخطر من جروح متعددة فإن كان فعل كل واحد منهما لا يقتل لو انفرد عن الآخر لكنه له دخل في القتل . ففيه تفصيل فإن تواطآ قتلا وإلا فلا يقتلان وتجب عليهما الدية لأنه شبه عمد . وإن كان جرح أحدهما يقتل لو انفرد وجرح الآخر لا يقتل لو انفرد لكن له دخل في القتل فلك حكمه فصاحب الأول يقتل مطلقا والثاني يقتل إن كان متفقا على قتله وإن لم يكن متفقا فلا يقتل وتجب عليه حصته من الدية
    وأما إذا كان ضرب أحدهما خفيفا بحيث لا يؤثر في القتل اصلا كالضرب بطرف الثوب مثلا أو الضرب بسوط صغير فإنه لا شيء على صاحبه فلا دخل له في قصاص ولا دية وموته موافقة قدر
    وأما إذا قطع الجاني الثاني بجنايته جناية الأول بأن يقطع الأول من المجني عليه يده أو رجله مثلا ويقطع الثاني رقبته أو يقده نصفين فالأول جارحن عليه قصاص اليد أو الرجل أو ديتها والثاني قاتل لأنه قطع جناية الأول وأزهق روحه فيجب عليه القصاص دون الأول
    قالوا : إذا وجد من شخصين مجتمعين في زمن واحد فعلانن مزهقان للروح بحيث لو انفرد كل منهما لامكن إحالة الإزهاق عليه وهما مسرعان للقتل كحز للرقبة وقد للجثة أو غير مسرعين للقتل كقطع عضوين وما منهما فهما قاتلان في هذه الأحوال المذكورةن فيجب عليهما القصاص وكذلك يجب عليهما الدية إذا وجبت لوجود السبب منهما وإن لم يوجد الفعلان معا في وقت واحد : بل ترتبا بأن أنهاه رجل مثلا إلى حركة مذبوح وهي التي لم يبق معها ابصار ولا نطق اختياري ولا حركة اختيار ويقطع بموته بعد يوم أو ايام وتسمى حالة اليأس وهي التي اشترط وجودها في حالة إيجاب القصاص وهي التي لا يصح فيها إسلام ولا ردة ولا شيء من التصرفات وينتقل فيها ماله لورثته الحاصلين حينئذ لا لمن حدث . ولو مات له قريبلم يررثه دون الحياة المستمرة وهي التي لو ترك معها لعاش ثم جنى ضخص آخر على المجني عليه بعد الانتهاء لحركة مذبوح فالأول منهما قاتل قطعا فيجب عليه القصاص أن كان القتل عمدا والدية أن كان القتل خطأ لأنه صيره إلى حالة الموت والثاني يجب تقريره بما يراه الإمام لهتكه حرمه الموت كما لو قطع عضوا من شخص بعد موته
    وإن جنى الثاني منهما قبل الانتهاء إلى درجة مذبوح بأن جرحه أو قطع عضوا منه فجاء الثاني بعده وحز رقبته أو قعطه نصفين وأزهق روحه فالثاني قاتل بالاتفاق ويجب عليه القصاص لأن الجرح إنما يقتل بالسراية وحز الرقبة وقد الجثة بقعط اثنينن فتعين القتل منه ولا فرق أن يتوقع البرء من الجراحة السابقة أو يتيقين الهلاك بها بعد يوم أو أيام أيام لأنه له في الحال حياة مستقرة وقد عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يوم إصابته وهو في هذه الحالة الخطرة وعمل الصحابة رضوان الله عليهم بعده الذي عاهدهم به ووصاياه التي أوصاهم بها ويجب على الجاني الأول قصاص العضو المقطوع أو مال بحسب الحال من عمد أو غيره وإن لم يزفف الثاني أيضا أي لم يصل به إلى الهلاك كأن قطع الأول يده من الكوع مثلا والثاني قطعهما من المرفق ثم مات المجني عليه بسبب سراية القطعين فهما قاتلان بسبب السراية
    ولا يقال : أن أثر القطع الثاني أزال أثر القطع الأول لأن الموت حدث بهما معا

    قالوا : ولو قتل مريضا وهو في حالة النزع الأخير وعيشه عيش مذبوح فإنه يجب عليه القصاص بقتله لأنه يجوز أن يمد الله في أجله ويعيش فإن موته غير محقق لأن الآجال لا يعلمها إلا الله تعالى
    قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : ولو انتهى المريض إلى سكرات الموت وبدت مخايله فلا يحكم له بالموت . وإن كان يظن أنه في حالة المقدود
    وقرقوا بأن انتهاء المريض إلى تلك الحالة غير مقطوع به وقد يظن موته ثم يشفى بخلاف المقدود ومن في معناه ولأن المريض لم يسبق فيه فعل بحال القتلى وأحكامه عليه حتى يهدر الفعل الثاني
    ولو جرح واحد شخصا جرحين عمدا وخطأ ومات بهما لم يجب عليه القصاص لاختلاف وصف الفعلين حيث أن أحد الجرحين عمد والآخر خطأ فاختلفا أو جرحه جرحين مضمونا وغير مضمون . كمن جرح حربيا أو مرتدا أو عبد نفسه أو صائلا ثم اسلم المرتد أو أمن الحربي أو عتق العبد المجروح أو رجل الحيوان الصائل وجرحه الجاني بعد ذلك ثانيا ومات بالجرحين فلا يجب عليه القصاص في هذه الصور أو جرح شخصا بحق كقصاص وسرقة ثم جرحه بعد ذلك مرة ثانية عدوانا أو جرح حربيا ثم أسلم ثم جرحه ثانيا فمات بالسراية لا يجب قتله في مثل هذه الأحوال
    أما في الحالة الأولى عمدا وخطأ فلأن الزهوق لم يحصل بالعمد المحض فيجب عليه نصف الدية المغلظة في ماله خاصة ويجب نصف الدية المخففة على عاقلته في الخطأ وأما في باقي الصور فلأن الموت حصل بمضمون وغير مضمون فغلب عليه مسقط القصاص وثبت موجب الجرح الثاني من قصاص وغيره ولو وقعت إحدى الجراحتين بأمره للصبي غير المميز أو المجنون الذي لا يفيق فلا يجب عليه القصاص بل تجب نصف الدية على العاقلة لأن عمد الصبي والمجنون خطأ ولأن غير المميز يصبح كالآلة
    ولو راوى المجروح جرحه بسم قاتل في الحال كأن شربه أو وضعه على الجرح فلا قصاص ولا دية على جارحه في لنفس لأن المجروح قتل نفسه فصار كما لو جرحه إنسان فذبح هو نفسه أما الجرح الحادث على الجارح ضمانه سواء علم المجروح حال السم أو لا
    وإن قتل غالبا وعلم المجروح حاله فشريك جارح نفسه في أصح الطريقين ويكون عليه القود في أظهر المذاهب تنزيلا لفعل المجروح منزلة العمد
    وقيل : هو شريك مخطئ لأنه قصد التداوي فأخطأ فلا قود على شريكه أما لو قصد قتل نفسه بالسم ليستريح من الألم مثلا فهو شريك قاتل نفسه قطعا فلا قصاص ولا دية وإذا كان المجروح لا يعلم بالسم فلا قصاص جزما لأنه شريك مخطئ ولو خاط المجروح جرحه في لحم ولو تداويا خياطة تقتل غالبا ففي القصاص الطريقان بخلاف ما لو خاطه في لحم ميت فإنه لا اثر له ولا للجلد كما فهم بالأولى لعدم الإيلام المهلك فعلى الجارح القصاص أو كمال الدية ولو خاطه غيره بلا أمر منه اقتص منه ومن الجارحن وإن كان الذي خاط الجرح حكما لتعديه مع الجارح فإن خاطه الطبيب لصبي أو مجنون لمصلحة فلا قصاص عليه ولو قصد المجروح أو غيره الخياطة في لحم ميت فوقع في لحم حي فالجارح وشريك مخطئ وكذا لو قصد الخياطة في الجلد فوقع في اللحم والكي فيما ذكر كالخياطة فيه ولا أثر لدواء لا يضر ولا نظر للقروح
    المالكية قالوا : إن تعدد مباشر على ما دون النفس بلا اتفاق منهم وتميزت الجراحات وعلم فعل كل واحد منهم فيقتص من كل بقجر ما فعل ولا ينظر لتفاوت العضو بالرقة والغلظ وإذا اتفقوا فيجب أن يقتص من كل بقدر الجميع سواء تميزت الجراحات أم لا قياسا على قتل النفس فإن الجميع عند الاتفاق يقتلون بالواحد أما إذا لم تتميز الجراحات عند عدم الاتفاق فهل يلزمهم دية الجميع ولا قصاص ؟ أو يقتص من كل بقدر الجميع فإذا كانوا ثلاثة قلغ أحدهم عينه والثاني قطع يده والثالث قطع رجله ولم يعلم من الذي فقأ العين وقطع الرجل وقطع اليد والحال أنه لا تمالؤ بينهم اقتص من كل بفقء عينه وقطع يده وقطع رجله وفيه نظر فالأظهر الأول . إذا لم يقع الفعل من كل واحد
    وتندرج الأطراف في النفس كقطع يد الطرف ثم قتله فقط أما إن كانت فإنه يندرج في النفس أن تعمد الجاني قطع النفس بل يجب عليه الدية للطرف ثم الجناية على الطرف خطأ فلا تندرج في يد أو رجل أو فقء عين من شخص ثم قتله القصاص
    هذا إذا كان الطرف المقطوع من المقتول
    أما إذا كان الطرف لغير المقتول كقطع يد شخص وفقء عين آخر وقتل رجل ثالث عمدا فتندرج الأطراف في النفس ولا تقطع يده ثم يقتل
    قالوا : ومحل اندراج طرف المقتول في النفس إذا لم يقصد الجاني المثلة بالمجني عليه المقتول فإن قصد المثلة به فإنه يقتص منه للطرف ثم يقتل بعد ذلك . وأما طرف غير المقتول فإنه يندرج في القتل ولو قصد الجاني المثلة بهم على الرأي الراجح من المذهب
    قالوا : وكما تندرج الأطراف في النفس تندرج الأصابع إذا قطعت عمدا في قطع اليد عمدا بعدها ما لم يقصد المثلة به سواء كانت من يد من قطعت أصابعه أو يد غيره فإذا قطع اصابع شخص عمدا ثم قطع كفه عمدا بعد ذلك فقطع الجاني من الكوع
    ولو قطع أصابع رجل ويد رجل آخر من الكوع ويد ثالث من المرفق قطع لهم من المرفق إن لم يقصد المثيل به فإن قصد المثلة بفعله السابق لم يندرج في الصورتين بل تقطع أصابعه أولا ثم كفه بعد ذلك في الصورة الأولى
    وفي الصورة الثانية تقطع أصابعه أولا ثم تقطع يده من الكوع للجناية الثانية ثم تقطع يده من المرفق للجناية الثالثة حتى يشعر بالألم الذي تسبب فيه لغيره وتحصل المماثلة في القصاص
    قالوا : ويؤخر القصاص فيما دون النفس لعذر كبرد أو حر يخاف منه الموت على الجاني لئلا يموت فيلزم اخذ نفس بدون نفس وكذا يؤخر الجاني إذا كان مريضا حتى يبرأ ويؤخر القصاص فيما دون النفس حتى يبرأ الجروح لاحتمال أن يموت بسبب السراية فيكون الواجب القتل بقسامة كدية الجرح الخطأ فيؤخر إلى برء المجروح خوف أن يسري على النفس فتؤخذ الدية كاملة فإن برىء الجرح على غير شين فلا دية ولا أدب لأنه لا يعتمد في الشرع وإن برىء الجرح المقطوع على شين فتجب حكومة عدلين لهما معرفة بهذه الأشياء فيقوم على فرض أنه رقيق سالما بعشرة مثلا ثم معيبا بتسعة مثلا فالتفاوت بين القيمتين هو العشر في المثال فقد نقصت الجناية العشر فيلزم الجاني بنسبة ذلك من الدية كمائة دينار وقيل : يجتهدان بالفكر فيما يستحقه المجني عليه من الجاني
    مبحث إذا قطعت المرأة يد الرجل فتزوجها على الأرش
    الحنفية قالوا : إذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على أرش يده فإما أن يقتصر القطع أو يسرين فإن كان الأول صحت التسمية ويصير الأرش وهو خمسة آلاف درهم مهرا لها بالإجماع سواء كان القطع عمدا أم خطأ وسواء تزوجها على القطع فقط أو عليه وعلى ما يحدث منه لأنه لما برأ تبين أن موجبها الأرش دون القصاص لأنه لا يجري في الأطراف بين الرجل والمراة والأرش يصلح صداقا وإن كان الثاني ومات الرجل بسبب السراية فإما أن يكون القطع خطأ أو عمدا فإن كان الأول فله مهر مثلها والدية على العاقلة وإن كان الثاني فلها ذلك والدية في مالها عند أبي حنيفة حمه الله لأن العفو عن اليد إذا لم يكن عفوا عما يحدث منه عنده فالتزوج على اليد لا يكون تزوجا على ما يحدث منه فيكون ما لها من المهر غير ما عليها مما يحدث منه ثم القطع إذا كان عمدا كان التزوج تزوجا على القصاص في الطرف وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا لا سيما على تقدير سقوط القصاص فإنه إذا لم يصلح مهرا على تقدير ثبوته لا يصلح على تقدير سقوطه بطريق الأولى والقصاص يسقط ها هنا إما بقبولها التزوج لأن سقوطه متعلق بالقبول فلما قبلت سقط وإما بتعذر الاستيفاء فإنه لما جعل القصاص مهرا جعل لها ولاية الاستيفاء ولا يمكن استيفاء القصاص عن نفسها وإذا لم يصح القصاص ولا بدله مهرا يجب مهر المثل وعليها الدية في مالها لأن التزوج وإن كان يتضمن العفو فتجب الدية وتجب في مالها لأنه عمد وإذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية تقطع المقاصة إن كانا على السواء وإن كان في الدية زيادة ترده على الورثةن وإن كان في المهر فضل يرده الورثة عليها وإذا كان القطع خطأ يكون هذا تزوجا على أرش اليد وإذا سرعى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم فيجب مهر المثل كما إذا تزوجها على ما في اليد ولا شيء فيها ولا يتقاصان لأن الدية تجب على العاقلة في الخطأ والمهر حق لها ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية ثم مات من ذلك والقطع عمد فلها مهر مثلها لأن هذا تزوج على القصاص وهو لا يصلح مهرا . فيجب مهر المثل وصار كما إذا تزوجها على خمر أو خنزير ولا شيء له عليها لأنه لما جعل القصاص مهرا فقد رشي بسقوطه بجهة المهر فيسقط أصلا وأن كان القتل خطأ يرفع عن العاقلة مهر المثل من جميع المال لأنه مريض مرض الموت والتزوج من الحوائح الأصلية ولا يصح في حق الزيادة على مهر المثل لأنه محاباة فيكون وصية فيرفع عن العاقلة لانهم يتحملون عنها فمن المحال أن ترجع عليهم بموجب جنايتها
    الشافعية رحمهم الله قالوا : لو وجب لرجل قصاص على امرأة فنكحها على هذا القصاص . بأن جعله صداقا لها صح النكاح والصداق أما النكاح فواضح لأنه تام بأركانه وشروطه وأما المهر فلآنه عوض مقصود وقيل : لا يصح ويجب لها مهر مثلها
    وسقط القصاص لتضمن ذلك العفو لأنها ملكت قصاص نفسهأ فإن فارقها الرجل قبل الدخول بها رجع عليها بنصف الأرش لتلك الجناية لأنه بد ل ما وقع العقد به كما إذا اصدقها تعليم سورة من القرآن الكريم فعلمها ثم طلقها قبل الدخول بها فإنه يرجع بنصف أجرة التعليم
    وفي قول نص عليه في كتاب ( الأم ) يرجع عليها بنصف مهر مثلها بناء على القول الثاني . هذا في حالة ما إذا وجب عليها القصاص
    أما إذا اوجبت الجناية مالا كالخطأ فنكحها على أرش الجناية التي ارتكبتها فإن النكاح يصح دون الصداق للجهل بالدية




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #279
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 154 الى صـــــــــ156

    الحلقة (279)





    مبحث حكم دم من عليه قصاص
    الشافعية والحنابلة - قالوا : من وجب عليه قصاص فهو معصوم الدم على غير المستحق كغيره من المسلمين فإذا اعتدى عليه وقتله غير المستحق اقتص منه لقوله تعالى في كتابه العزيز { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } آية [ 33 من سورة الإسراء ] فخص وليه بقتله فدل على أن غير وليه لا سلطان له عليه وذلك فيمن لم يتحتم فقله . أما إذا تحتم قتله لقطع طريق فإن الصحيح أنه يقتل قصاصا ولو قتله المستحق لا يقتل له
    والزاني المسلم المحصن إن قتله ذمي قتل به لأنه لا تسلطله على المسلم وإذا كان الذمي يقتل به فالمرتد والمعاهد والمستأمن بالأولى وإذا قتله مسلم غير زان محصن فلا يقتل به في الأصح لاستيفائه حد الله تعالى
    والرأي الثاني أنه يجب عليه القصاص لأن الاستيفاء للإمام فأشبه ما لو قتل من عليه القصاص غير مستحقه وعلى الأول لا فرق بين أن يقتله قبل أمر الإمام بقتله أم لا ولا بين أن يثبت زناه بالبينة أم لا ولا بين أن يكون قبل رجوعه عن الإقرار أم لا
    أما المسلم الزاني المحصنن إذا قتله فإنه يقتل بهن وتارك الصلاة عمدا بعد امر الحاكم بها حكمه كالزاني المحصن
    المالكية رحمهم الله قالوا : إذا أتلف مكلف معصوماص فالقصاص واجب لولي الدم عليه لا لغير ولي الدم لأن دم القاتل معصوم بالنسبة لغير ولي الدم فإذا قتل غير ولي الدم قاتلا لمعصوم فإنه يقتص منه لأن القود ثابت للولي فقط
    وليس للولي : تنفيذ القصاص إلا بإذن الإمام أو نائبه وإن اقتص ولي الدم من القاتل بغير إذن الحاكم أدب لا فتياته على الإمام
    وقال علماء المالكية أيضا : يجب على القاتل عمدا إذا كان بالغا عاقلا ولم يقتص منه لنحو فقو أو صلح ذكرا أو أنثى حرا عبدا مسلما أو غير مسلم يجب عليه جلد مائة وحبس سنة كاملة من غير تغريب واختلف في المقدم منها فقيل يقدم الجلد وقيل : الحبس ولم يشطروها بالرق لعظم الخطر في القتل
    مبحث فيما يثبت موجب القصاص
    الحنفية والشافعية والحنابلة رحمهم الله تعالى - قالوا : يثبت موجب القصاص من قتل أو جرح عمد بإقرار أو شهادة رجلين قال تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } [ آية 282 ] من البقرة . وقال تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } آية [ 2 من سورة الطلاق ] وقال عليه اصلاة والسلام ( شاهداك أو يمينه ) ولا تقبل شهادة النساء في الحدود والقصاص قال الزهري : مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم والخليفتين بعده أن لا تقبل شهداة النساء في الحدود والقصاص )
    وألحقوا به علو القاضي ونكول المدعى عليه وحلف المجعي فإنه يثبت بهما أيضا ويثبت موجب المال من قتل أو جرح خطأ أو شبه عمد بغلإرار وشهادة عدلين وعلم القاضي أو برجل وامرأتين أو برجل ويمين لا بامرأتين ويمين لقوله تعالى : { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } آية [ 282 من البقرة ]
    وإنما يثبت المال برجل وامرأتين إذا اجعى به عينا فلوا ادعى القصاص فشهد له رجل وامرأتان لم يثبت القصا ولا تثبت الديةن لانها خاصة بالرجالن ولو عفا مستحق القصاص في جناية توجيه عن القصاص ليقبل المال وشهد له رجل وامرأتان أو رجل ويمين لم يحكم له بذلك لأن المال إنما يثبت بعد ثبوت القصاص ولم يثبت القصاص ليعتبر العفو
    وقيل : يقبل لأن القصد المال ومحل الخلاف إن أنشأ الرجل الدعوى والشهادة بعد العفو
    أما لو ادعى العمد وأقام رجلا وامرأتين ثم عفا عن القصاص على مال وقصد الحكم له بتلك الشهادة لم يحكم له بها قطعاص لانها غير مقبول حين أقيمت فلم يجز العمل بها كما لو شهد صبي أو عبد بشيء ثم بلغ الصبي أو عتق العبد
    قالوا : لو شهد رجل وامرأتان بهاشمة قبلها إيضاحها لم يجب أرشها لأن الهشم المشتمل على الايضاح جناية واحدة وإذا اشتملت ما يوجب القصاص احتيط لها فلا يثبت ألا بحجة كاملة وهي رجلان
    ويجب على الشاهد أن يصرح بالمدعى به ( بفتح العين ) فلو قال الشاهد : ضرب المجنى عليه بسيف فجرحه فمات لم يثبت هذا القتل المدعى به لاحتمال أن يكون ما بسبب لآخر حتى يقول الشاهد : فمات من جرحه أو يقول : فقتله أو أنهر دمه أو نحو ذلك كضربه فمات مكانه لينتفي الاحتمال المذكور ولو قال الشاهد : ضرب الجاني رأس المجنى عليه فأدماه أو ضرب رأسه مثلا فأسال الضرب دمه ثبتت بذلك دامية عملا بقوله الذي قطعه بخلاف ما لو قال : فسال دمه لم تثبت لاحتمال حصول السيلان بسبب آخر
    قالوا : ويشترط في الشهادة بالموضحة . أن يقول الشاهد : ضربه فأوضح عظم راسه لأنه لا شيء يحتمل بعده وقيل : يكفي فأوضح راسه من غير تصريح بإيضاح العظم ويجب على الشاهد بيان محل الموضحة وقدرها بالمساحة أو بالإشارة اليها لميكن فيها القصاص وذلك إذا كان على رأسه مواضح فإن لم يكن برأسه إلا موضحة واحدة وشهد الشاهد بأنه اوضح رأسه لم يثبت القصاص لجواز أنه كان على رأسه موضحة صغيرة فوسعها غير الجاني
    قالوا : وثبت القتل بالسحر بالإقرار من الساحر فإن قال قتلته بسحري وهو يقتل غالبا يكون عمدا وعليه القصاص وإن قال يقتل نادرا فشبه عمد وإن قال : أخطأت من اسم غيره إلى اسمه فيكون خطأ ويجب في هاتين الصورتين دية في مال الساحر لا على العاقلة لأن إقراره لا يلزمهم إلا أن تصدقه العاقلة فتكون الدية عليهم
    المالكية رحمهم الله قالوا : يثبت الحق في القصاص والجرح بالإرار أو بشهادة رجلين عدلين لأن كل ما ليس بمال ولا آيل إلى المال لا يكفي فيه إلا عدلان كالعتق والعفة عن القصاص وكشرب خمر وقذف وقتل وجرح وغير ذلك
    واشترطوا في صحة الشهدة عند الحاكم العدالة - والعدل هو الحر المسلم البالغ العاقل بلا فسق ولا حجر ولا بدعة ولا تأول وأن يكون صاحب مروءة بترك شيء غير لائق من لعب بحمام وشطرنج وترك سماع غناء وترك سفاهة من القول وترك صغيرة وإن كان أعمى في القول أو أصم في العقل وشرط قبول شهادته أن يكون فطنا جازما في شهادته بما أدى غير متهم فيها
    فانرحع الشاهدان قبل الحكم بعد الأداء تبطل الشهادة ولا يعمل بها ويؤدبان أما إذا رجعا بعد الحكم والاستيفاء في القتل فلا تبطل بل يغرم الشاهدان دفع الدية للمشهود عليه ويضمنان الدية والعقل في القصاص في أموالها
    وقال أشهب : يقتص من الشاهدين إذا رجعا بعد الحكم والاستيفاء في القتل العمد لأنهما تسببا في قتل النفس بلا شبهة فيقتلان
    ويحكم بنقض الحكم بنقض الحكم إن ثبت كذبهم بعد الحكم وقبل الاستيفاء في القتل والقطع والحد وإن علم الحاكم كذبهما في شهادتهما وحكم بما شهدا به من قتل أو قصاص اودية سواء باشر الدم أو لا فإنه يقتص من الحاكم في هذه الحالة ويجب على الحاكم دفع الدية من ماله خاصة دون العاقلة
    فإن لم علم كذبهما فلا ضمان عليه وإن علم بقادح منهما
    قالوا : وسبب القسامة التي توجب القصاص في العمد والدية في الخطأ قتل الحر المسلم سواء كان بالغا أو صبيا قتل بجرح أو ضرب أو سم بلوث - بفتح اللام وسكون الواو - الأمر الذي ينشأ عنه غلبة الظن بأنه قتله وذلك كوجود شاهدين عدلين على قول حر مسلم بالغ : قتلني أو جرحني أو ضربني فلان وذكر اسم القاتل حرا أو عبدا بالغا أو صبيا ذكرا أو أنثى أو قال : دمي عنده سواء كان قول المسلم قتلني عمدا أو خطأ ففي العمد يستحقون بالقسامة القصاص وفي الخطأ الدية ولو كان القائل : قتلني فلان فاسقا على اعدل أهل زمانه واورعهم فيقسمون ويقتل فيه
    أو ادعى الولد على أبيه أنه ذبحه أو شق جوفه أو رماه بحديد قاصدا قتله فيقسمون ويأخذون الدية مغلظة
    وإن أطلق المقتول ولم يبين بعمد ولا خطأ بين أولياؤه أنه عمد أو خطأ وأقسموا على ما بينوا وتبطل القسامة إن قالوا : لانعلم هنل القتل عمد أو خطأ أو لانعلم من قتله أو اختلفوا بأن قال بعض الأولياء قتله عمدا وقال بعضهم : لا نعلم هل قتله عمدا أو خطأ فيبطل الدم لانهم لم يتفقوا على أن وليهم قتل عمدا حتى يستحقوا القود ولا على من قتله فيقسمون عليه
    أو شهد عدلان على معاينة الضرب أو معاينة الجرح خطأ أو عمدا وتأخر موت المضروب أما إذا لم يتأخر فانهم يستحقون الدم أو الدية بدون قسامة لكونها شهادة على معاينة القتل فيقسم أولياؤه لمن ضربه أو جرحه من الضرب مات أو إنما مات منه أو بشهادة عدل بمعاينة الضرب أو الجرح عمدا أو خطأ تأخر الموت أو لم يتأخر يقسم الأولياء خمسين يمينا : لقد جرحه أو ضربه ومات من الجرح أو الضرب أو شهد عدل بإقرار المقتول الحر المسلم البالغ العاقل أن فلانا جرحنين أو ضربني عمدا أو خطأ فشهادته لوث يحلف الأولياء خمسين يمينا لقد قتله أو شهد عدل برؤية المقتول يتحرك في دمه والشخص المتهم بالقتل قريب منه وعليه اثر القتل ككون الآلة بيده ملطخة بدم أخارجا من مكان المقتول وليس فيه غيره فتكون شهادة العدل على ماذكر لوثا يحلف الأولياء ويستحقون القود أو الدية ا ه
    الشافعية - قالوا : لو أقر بعض الورثة لو كان فاسقا بعفو بعض منهم عن القصاص سواء عينه املا سقط القصاص لأنه لا يتبعض ولو أعترف بسقوط حقه منه فيسقط حق الباقين بخلاف الدية فإنها لا تسقط وإن لم يعين العافي فللورثة كلهم الدية وإن عينه فأنكر فكذلك ويصدق بيمينه إنه لم يعف وإن أقر بالعفو مجانا أو مطلقا سثط حق من الدية وللباقين حصتهم منها
    ويشترط لا ثبات العفو من بعض الورثة عن القصاص - لا عن حصته من الدية - شاهدان عدلان لأن القصاص ليس بمال وما لا يثبت بحدة ناقصة لا يحكم بسقوطه اما إثبات العفو عن حصته من الدية فيثبت بالحجة الناقصة أيضا من رجل وأمرأتين أو رجل ويمين لأن المال يثبت بذلك فكذا أسقاطه وخرج بقوله أقر ما لو شهد فإنه إن كان فاسقا أو لم يعين العافي فكالإقرار وإن كان عدلا وعين العافي وشهد بأنه عفا عن القصاص والدية جميعا بعد دعوى الجاني قبلت شهادته في الدية ويحلف الجاني مع الشاهد الن العافي عفا عن الدية لا عنها وعن القصاص لأن القصاص سقط بالإقرار فيسقط من الدية حصة العافي وإن شهد بالعفو عن الدية فقط لم يسقط قصاص الشاهد
    ولو اختلف شاهدان في زمان القتل : كأن قال أحدهما قتله في الليل وقال الآخر : قتله بالنهار فاو اختلفا في مكان القتل : كأن قال أحدهما : قتله في المسجد وقال الآخر : قتله في الدار أو اختلفا
    في آلة القتل : كأن قال أحدهما : قتل بالسيف وقال الآخر : قتله بالرمح أو اختلفا في هيئة القتل : كأن قال أحدهما : قطع رقبته وقال الآخر : شقه نصفين سقطت شهاتهما في هذه الصورن ولا لوث بها لأن كل واحج ناقض صاحبه
    وقيل : هذه الشهادة - لوث - فيقسم الولي وتثبت الدية لا تفاقهما على أصل القتل والاختلاف في الصفة بما يكون غلطا أو نسيانا
    فإن قيل : لم لم يحلف على الأول مع من وافقه منهما أو يأخذ البدل كنظيره من السرقة
    أجيب : بأن باب القسامة أمره أعظم ولهذا غلظ فيه بتكرير الأيمان
    هذا إذا شهد على الفعل فلو شهد على الإقرار لم يضر اختلافهما في الزمان ولا في المكان لأنه لا أختلاف في القتل وصفته : بل الاختلاف في الإقرار
    نعم : إن عينا يوما في مكانين متاعدين بحيث لا يصل المسافر من أحدهما إلى الآخر في الزمان الذي عيناه كأن شهد أحدهما بأنه أقر بالقتل بمكة يوم كذا والآخر أقر بأنه قتله بمصر في تاريخ ذلك اليوم فتلغو الشهادة ولا تقبل
    الحنفية رحمهم الله تعالى - قالوا : من قتل وله ابنان حاضر وغائب فأقام الحاضر البينة على القتل ثم قدم الغائب فإنه يجب عليه أن يعيد البينة عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن استيفاء القصاص حق الوارث عنهده ولأن القصاص طريق الخلافة دون الوراثة ألا ترى أن ملك القصاص يثبت بعد الموت والميت ليس من أهله بخلاف الدين والدية لأن الميت من أهل الملك في الأموال كما إذا نصب شبكة في حياته فتعلق بها صيد بعد ممانه فإنه يملكه وإذا كان طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهما خصما عن الباقين فيعيد البينة بعد حضوره احتيالا للدرء
    وقال الصاحبان : إذا حضر الغائب فلا يعيد إقامة البينة لأن استيفاء القصاص حق المورث فإن القصاص طريقه طريق الوارثة كالدين وهذا لأنه عوض عن نفسه فيكون الملك فيه لمن له الملك في المعوض كما في الدية ولهذا لو انقلب مالا يكون للميت ويسقط بعفوه بعد الجرح قبل الموت فينتصب احد الورثة خصما عن الباقين فلا يعيد البينة بعد حضوره . أما إذا كان القتل خطأ وحضر الغائب فلا يجب عليه إعادة البينة بالاجماع فإن أقام القاتل البينة أن القائب قد عفا عن القصاص فالشاهد من اولياء الدم خصم له ويسقط القصاص لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص إلى مال ولا يمكنه إثباته إلا بإثبات العفو من الغئب فينتصب الحاضر خصما عن الغائب وكذلك عبد بين رجلين قتل عمدا واحد الرجلين غائب فهو على هذا فإن كان الأولياء ثلاثة فشهد اثنان منهم على الآخر اه قد فقا فشهادتهما باطلة وهو عفو منهما لانهما يجران بشهادتهما إلى أنفسهما مغنما وهو انقلاب القود مالا فإن صدقهما القاتل فالدية بينهم أثلاثا لأنه لما صدقهما وحده فقد أقر بثلثي الدية لهما فصح إقراره إلا أنه يدعي سقوط حق المشهود عليه وهو ينكر فلا يصدق ويغرم نصيبه وأما إن كذبهما القاتل فلا شيء لهما وللغائب ثلث الدية لانهما اقرا على أنفسها بسقوط القصاص فقبل وادعيا انقلاب يصيبهما مالا فلا يقبل إلا بحجة وينقلب نصيب المشهود عليه مالا لأن دعواهما العفو عليه وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في حق المشهود عليه لأن سقوط القود مضاف إليهما وإن صدقهما المشهود عليه وحده غرم القاتل ثلث الدية للغائب المشهود عليه لإقراره له ذلك
    قالوا : وإذا شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات فيجب عليه القوج إذا كان القتل عمدا لأن الثابت بالشهادة كالثاب معاينة وفي ذلك القصاص - إذا شهدوا أنه ضربه بشيء جارح قصدا - والشهادة على قتل العمد تتحقق على هذا الوجه لأن الموت بسبب الضرب إنما يعرف إذا صار باضرب صاحب فراش حتى مات
    وإذا اختلف شاههدا القتل في الأيام بأن قال أحجهما : إنه قتله يوم السبت وقال الآخر بأن القتل كان يوم الخميس
    أو اختلفا في البلد بأن قال أحدهما : إن القتل كان في مكة وقال الآخر بأنه ومع في الكوفة أو اختلفا في الآلة التي كان بها القتل بأن قال أحدهماك ضربه بسيف وقال الآخر : ضربه بعصا . فالشهادة باطلة ولا يعمل بها لأن القتل لا يعاد ولا يكرر - والقتل في زمان أو في مكان غير القتل في زمان أو مكان آخر - والقتل بالعصا غير القتل في زمان أو في مكان غير القتل في زمان أو مكان آخر - والقتل بالعصا غير القتل بالسلاح لأن الثاني عمد بالاتفاق والاول شبه عمد وتختلف أحكامهما فكان على كل قتل شهادة فرد وكذا إذا قال أحدهما : فإن المطلق يوجب الدية في ماله والمقيد بالعصا يوجب الدية على العاقلة
    قالوا : وإن شهدا أنه قتله وقالا : لا ندري باي شيء قتله ففيه الدية استحسانا والقياس أن لا تقبل هذه الشهادة لأن القتل يختلف باختلاف الآلة فجهل المشهود يسقط الشهادة لأن قولهم : لا ندري بأي شيء قتله إما صادقون أو كاذبون لعدم الواسطة بين الصدق والكذب وعلى كلا التقديرين يجب أن لا تقبل شهادتهما لأنهما إن صجقا امته القضاء بها لاختلاف موجب السيف والعصا وإن كذبا فكذلك لانهما صرا فسقة
    ووجه الاستحسان انهم شهدوا بقتل مطلق والمطلق ليس بمحمل فيجب اقل موجبه وهو الدية ولأنهم جعلوا عالمين بأنه قتله بالسيف لكنهم بقولهم : لا ندري اختاروا حسبة الستر على القتل وأحسنوا إليه بالإحياء وجعل كذبهم هذا معفوا عند الله لما جاء في الحديث الشريف ( ليس كذابا من يصلح بين اثنين ) فبتأويلهم كذبهم بهذا لم يكونوا فسقة فتقبل شهادتهم فلا يثبت الاختلاف بالشك وتجب الدية في مال لأن الأصل في الفعل العمد فلا يلزم العاقلة
    وإذا اقر رجلان كل واحد منهما بأنه قتل فلانا فقال الولي : قتلتماه جيمعا فله أن يقتلهما وإن شهدوا على رجل أنه قتل فلانا وشهدوا آخرون على آخر بقتله وقال الولي : قتلتماه جيمعا بطل ذلك كله والفرق أن الإقرار والشهادة يتناول كل واحد منهما وجوب كل القتل ووجوب القصاص قد حصل التكذيب فيهما غير أن تكذيب المقر له في بعض ما أقر به لا يبطل شهادته أصلا لأن التكذيب تفسيق وفسق الشاهد يمنع القبل اه
    مبحث شهادة الشهود
    اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى : على أن الشخص لو شهد لمورثه بجرح قبل الاندمال لم تقبل شهادته للتهمة لأنه لو ماب مورثه كان الأرش له فكأنه شهد لنفسه وهي شهادة غير مقبولة شرعا قالوا : إلا أن يكون على المجروح دين يستغرق تركته فتقبل شهادته لأنه لا يجر بذلك لنفسه نفعا وفيه نظر لأن الدين لا يمنع الإرث وبما يبرأ منه ولا حتمال ظهور مال لمورثه مخفيا
    قال الرافعي : وشهادتهم بتزكية الشهود كشهادتهم بالجرح
    والمراد بالشاهد الوارث غير اصله وفرعه لأن شهادتهما لا تقبل مطلقا للبعضية قالوا : ولو شهد لمورثه بمال في مرض موته تقبل في الأصح موته تقبل في الأصح عند أكثر العلماء
    وقيل : لا تقبل كالجرح وقد فرق ( القارقي ) بينهما بأنهما إذا شهدا بالمال لم يحصل لهما نفع حال وجوبه لأن الملك يحصل للمشهودل له وينفذ تصرفه فيه في ملاذه وشهواتهن وإذا شهدا له بالجراحة كان النفع حال الوجوب لهما لأن الدية قبل الموت لم تجب وبعده تجب لهما
    وفرق غيره بأن الجرح سبب الموت الناقل للحق فإذا شهد بالجرح فكأنه شهد بالسبب الذي ثبت به الحق ههنا بخلافه
    قالوا : ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود قتل أو قطع طرف خطأ أو شبه عمد يحملونه وقت الشهادة لأنهم يدفعون عن أنفسهم الغرم فإن كانوا لا يحملونها وقت الشهادة نظرت فإن كانوا من فقراء العاقلة فالنص ردها أيضا أو من أباعدهم وفي الأقربين وفاء بالواجب فالنيص قبولها والفرق أن المال غاد ورائح والغنى غير مستبعد فتحصل التهمة وموت الغريب كالمستبعد في الاعتقاد فلا تحقق التهمة لمثله
    بخلاف ما إذا شهدوا بفسق بينة القتل العمد وبينة الإقرار بالقتل فإنها تكون مقبولة في هذه الحالة لعدم التهمة إذ لاتحمل
    قالوا : ويشترط في الشهادة السلامة من التكاذب فلو شهد اثنان على اثنين بقتل شخص فشهد المشهود عليهما مبادرة على الأولين أو غيرهما بقتله فإن صدق الولي الأولين حكم بهما لسلامة شهادتهما عن التهمة وسقطت شهادة الآخرين لانهما يدفعان بشهادتهما عن أنفسهما القتل الذي شهد به الأولان والدافع متهم في شهادته ولو صدق الولي الآخرين أو صدق الجميع أو كذب الجميع بطلت الشهادتان في المسائل الثلاثة المذكورة - أما الأول فلآن في تصديق الآخرين تكذيب الأولين وعداوة الآخرين لهما وأما في الثانية فلآن في تصديق كل فريق تذكيبا للآخر وأما الثالثة فالأمر فيهما ظاهر حيث كذب الطرفين
    قالوا : ولو أقر بعض الورثة - ول كان فاسقا - بعفو بعض منهم عن القصاص سواء عينه أو لا ؟ سقط القصاص عن الجاني لأنه لا يتبعض ولو اعترف بسوقط حقه منه فيسقط حق الباقي في القصاص أما الدية فإنها باقية لا تسقط بل وإن لم يعين العافي فللورثة كلهم الدية وإن عينه فأنكر فكذلك لا تسقط الدية ويصدق بيمينه أنه لم عف وإن أقر بالعفو مجانا أو مطلقا سقط حقه من الدية وثبت للباقين من الورثة حصتهم منها
    ويشترط لإثبات العفو من بعض الورثة عن القصاص لا عن حصته من الدية شاهدان عدلان من الرجال لأن القصاص ليس بمال وما لا يثبت بحجة ناقصة لا يحكم بسقوطه أما إثبات العفو عن حصته من الدية فيثبت بالحجة الناقصة أيضا من رجل وامرأتين أو رجل ويمين لأن المال يثبت بذلك فكذا إسقاطه
    وإذا شهد بعض الورثة بعفو بعضهم عن القصاص فإن كان فاسقا أو لم يعين العافي منهم فهو كالإقرار
    وإن كان عدلا وعين العافي وشهد بأنه عفا عن القصاص والدية جميعا بعد دعوى الجاني قبلت شهادته في العفو عن الديةن ويحلف الجاني مع الشاهد أن العافي عقا عن الدية لا عنها وعن القصاص لأن القصاص سقط بالإقرار فيسقط من الدية حصة العافي وإن شهد بالعفو عن الدية فسقط لم يسقط قصاص الشاهد
    قالوا : وإذا رجع شهود القصاص ضمنوا الدية ولا قصاص عليهم لأنه لم يوجد منهم القتل مباشرة والتسبيب لا يوجب القصاص كحافر البئر بخلاف الإكراه لأن المكره فيه مضطر إلى ذلك فإنه يؤثر حياته وكذلك الولي فإنه مختار والاختيار يقطع التسبيب وإذا امتنع القصاص وجبت الدية لأن القتل بغير حق لا يخلو عن أحد الموجبين ولو شهدا بالعفو عن القصاص ثم رجعا لم يضمنا لأن القصاص ليس بمال
    قالوا : وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا لأن التلف اضيف إليهم فإنهم الذين ألجؤوا القاضي إلى الحكم وإن رجع شهود الأصل وقالوا : لم نشهد شهود الفرع لم يضمنوا لانهم أنكروا التسبيب وهو الاشهاد والقضاء ماض لأنه خبر محتمل
    ولو قالوا : أشهدناهم وغلطنا فلا ضمان عليهم لأن القضاء وقع بما عابثه من الحجة وهي شهادة الفروع فيضاف إليهم اه

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #280
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 157 الى صـــــــــ178

    الحلقة (280)



    مبحث الجناية على الأطراف
    - أما الجناية على الأطراف من يد أو عين أو سن فقد جعلت الشريعة الإسلامية عقوبتها القصاص أيضا بمعنى أنه يفعل بالجاني مثل ما فعل جزاء وفاقا ولكن يشترط المماثلة بين العضوين فلا تفقأ عين عوراء في نظير عين سليمة ولا يقطع لسان أخرس في لسان متكلم ولا تقطع يد عاطلة بيد عاملة ونحو ذلك مما هومبين في محله ( 1 ) وهذا هو العدل المطلق فإن الذي يعتدي على إتلاف عضو إنسان لا جزاء له إلا أن يتلف منه ذلك العضو كما قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } آية [ 40 من سورة الشورى ]
    والجواب : أن في هذا القصاص تقليلا لأرباب العاهات - لا تكثيرا - بل في القصاص قضاء على الجريمة من أصلها كما قال تعالى : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } آية [ 179 من سورة البقرة ]
    لأن الذي يوقن بالجزاء المماثل ويعلم أنه إذا اعتدى على عضو من أعضاء بدن غيره قطع مثله منه فإنه يحجم عن ارتكاب الجريمة بتاتا وبذلك يرتفع العدوان فلا يوجد ذو عاهة أصلا لا معتد ولا معتدى عليه
    أما الذي يعلم أن نتيجة عدوانه عقوبة بالسجن القليل فإنه لا يبالي بتكرار فعله مع كثيرين فيزيد أرباب العاهات والمجرمون معا على أن السجن إذا طال أمده فإنه يكون من شر الآفات التي تقضي على حياة المجرم فإنه يصبح عاطلا مستهترا بالجرائم كما هو مشاهد في كثير من متعودي الإجرام والسجون فمتى أمكن القصاص بالتساوي بين العضوين كان من العدل أن يقتص من الجاني بمثل جنايته وإن لم يمكن كان للحاكم أن يعزره بما يراه زاجرا له عن العودة ورادعا للأشرار عن ارتكاب الجرائم . على أنك قد عرفت أن القصاص في نظر الشريعة الإسلامية حق المعتدى عليه فله أن يصطلح مع خصمه على مال أو غيره أو يعفو عنه
    فإذا رأى الحاكم أن العفو يترتب عليه ضرر بالأمن فله أن يتخذ الوسائل التي يراها لصيانة الأمن
    ( 1 ) ( اتفق الأئمة الأربعة : على أن من أتلف نفسا فعليه دية كاملة وفي مارن الأنف وهو ما لأن دون العظم ويسمى أرنبة الأنف تجب دية كاملة لأن فيه جمالا ومنفعة وهو مشتمل على الطرفين المسمييين بالمنخرين وعلى الحاجز بينهما وتندرج حكومة قصبته في ديته فلا يزاد على دية واحدة لأنه عضو واحد وفي قطع اللسان الدية لفوات منفعة مقصودة وهو النطق ولو كان اللسان لألكن وهو من في لسانه لكنة أو أعجم ول لسان أرت ولو لسان ألثغ - بمثلثة - ولو لسان طفل لم ينطق ولأن فيه جمالا ومنفعة يتميز بها الإنسان عن البهائم في البيان والعبارة عما في الضمير وفيه ثلاث منافع : الكلام والذوق والاعتماد في أكل الطعام وإدارته في اللهوات حتى يستكمل طحنه بلأضراس فتجب فيه دية كاملة وفي إبطال الصوت مع إبقاء اللسان دية كاملة
    وقيل : شرط الدية في قطع لسان الطفل الصغير ظهور أثر نطق بتحريكه لبكاء أو مص للثدي لانها أمارات طاهرة على سلامة اللسان فإن لم يظهر فحكومة لأن سلامته غير متيقنة والأصل براءة الذمة ولو قطع نصف لسانه فذهبب ربع كلامه أو عكس فنصف الدية وإن شل اللسان فديتان وقيل : دية
    وإذا كان اللسان المقطوع عديم الذوق أو كان أخرسا تجب فيه حكومة عدل وتجب الدية كاملة إذا قطع بعض اللسان ومنع الكلام لتفويت منفعة مقصودة وإن كانت الآلة قائمة ولو قدر على التكلم ببعض الحروف . قيل : تقسم على عدد حروف الهجاء وقيل على عدد حروف تتعلق باللسان فبقدر ما لا يقدر عليه تجب ديته
    وربما يقال : إن ذلك الجزاء تكثير لرباب العاهات بين أفراد الأمة فبعد أن كان الناقس هو المعتدي ناقصا مثله وذلك ضار بقوة الأمة وبهيبتها
    وقيل : إن قدر على أداء أكثرها تجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الاختلال وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام وقد روي أن رجلا قطع طرف لسان رجل في زمان الإمام على كرم الله وجهه فأمره أن يقرأ - ا ب ت ث - فكلما قرأ حرفا أسقط من الدية بقدر ذلك ومالم يقرأ أوجب من الدية بحسبانه وحروف اللسان ثمانية عشر حرفا في لغة العرب وحروف الحلق وهي ستة وحروف الحلق وهي ستة وحروف الشفة وهي أربعة
    وفي قطع الذكر تجب الدية كاملة وكذلك الحشفة وهي رأس الذكر إذا قطعها عليه دية كاملة ولو كان الذكر لصغير وشيخ كبير وخصي وعنين لإطلاق الحديث الوارد في ذلك
    وعند أكثر الفقهاء : أن في ذكر الخصي والعنين حكومة
    والأصل فيه ما روي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال ( في النفسن الدية وفي اللسان الدية وفي المارن الدية ) وهكذا في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم رضي الله عنه ( روى أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال : قرأت في كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم رواه النسائي ) . ولأن ذكر الخصي سليم وهو قادر على الإيلاج وإنما الفائت الإيلاد والعنة عيب في غير الذكر لأن الشهوة في القلب والمني في الصلب وليس الذكر بمحل لواحد منهما : فكان سليما من العيب والحشفة كالذكر لأن ما عداها من الذكر كالتابع لها كالكف مع الأصابع لأن معظم منافع الذكر وهو لذة المباشرة تتعلق بها وأحكام الوطء تدور عليها من قطع بعضها يجب بقسطه منها لأن الدية تكمل بقطعها فقسطت على أبعاضها
    وقيل : يجب بقسطه مع كل الذكر لأنه المقصود بكمال الدية أما الذكر الأشل ففيه حكومة عدل وذكر الخنصى ففيه نصف دية ونصف حكومة
    والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس منفعة على الكمال أو أزال جمالا مقصودا في الآدمي على الكمال يجب كل الدية لإتلافهكل النفس من وجه وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيما للآدمي فإن كان جنس المنعفة أو الكمال قائما بعضو واحد فعند إتلافه يجب كمال الدية وإن كان قائما بعضوين ففي كل واحد منهما نصف الدية وإن كان قائما بأربعة أعضاء ففي كل واحد منها ربع الدية وإن كان قائما بعشرة أعضاء ففي كل واحد منها عشر الدية وإن كان قائما بأكثر ففي كل واحد منها نصف عشر الدية كقطع أنملة إبهام الأصبع مثلا
    وفي قطع الذكر فاتت على الشخص منفعة الوطء والإيلاد واستمساك البول والرمي به عن جسده وفق الماء والإيلاج الذي هو طريق الاعلاق عادة وغير ذلك وإن شق الذكر طولا فأبطل منفعته وجبت فيه دية كاملة كما لو ضربه على ذكره فأشله وإن تعذر بضربه الجماع به لا الانقباض والانبساط فتجب حكومة عد لأنه ونفعته باقيان والخلل في غيرهما فلو قطعه قاطع بعد ذلك فعليه القصاص أو كمال الدية
    وفي العقل إذا ذهب بالضرب عمدا أو خطأ دية كاملة وقد قضى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بذلك ولفوات منفعة الإدراك إذ به ينتفع بنفسه في معاشه ومعاده وذلك إذا لم يرج عوده بقول أهل الخبرة في مدة يظن أنه يعيش إليها كما جاء في خبر عمرو بن حزم
    وقل أبن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه العلم على ذلك لأن العقل أشرف المعاني والأعضاء وبه يتميز الإنسان عن البهائم ويعقله عن الوقوع في الدنايا والمراد العقل الغريزي الذي به التكليف دون المكتسب الذي به حسن التصرف ففيه حكومة فإن رجي عوده في المدة المذكورة انتظر فإن عاد فلا ضمان كما في سن من لم ينفر وفي إزالة بعضه بعض الدية بالقسط إن ضبط بزمان كأن كان يجن يوما ويفيق يوما أو بغيره كأن يقابل صواب قوله وفعله بالمختل منهما وتعرف النسبة بينهما فإن لم ينضبط فحكومة يقدرها الحاكم باجتهاده فإن ما في أثناء المدة المقدر عوده فيها وجبت ديته كاملة ولا يجب القصاص فيه للاختلاف في محله فقيل محله - القلب - وقيل : الدماغ وقيل : مشترك بينهما والأكثرون على الأول وقيل : مسكنه الدماغ وتدبيره القلب ويسمى عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك ولا يراد شيء على دية العقل أن زال بما لا أرش له كأن ضرب رأسه أو لطمه لكن يجب تعذيره في الأصح
    فإن زال العقل الغريزي بجرح له أرش مقدر كالموضحة أو حكومة كالباضعة وجبت الدية والأرش أو الدية والحكومة معا ولا يندرج ذلك في دية العقل لأنها جناية أبطلت منفعة غير حالة في محل الجناية فكانت كما لو أوضحه فذهب سمعه أو بصره وكما لو انفردت الجناية عن زوال العقل وعلى هذا لو قطع يديه وجليه فزال عقله بذلك لزمه ثلاث ديات
    ولو ادعى ولي المجنون زوال عقل المجني عليه وأنكره الجاني ونسبه إلى التجانن اختبر في عقله فإن لم ينتظم قوله وفعله في خلواته فتجب له دية بلا يمين وهذا في المجنون المطبق أما المجنون المنقطع فإنه يحلف في زمن إفاقته فإن انتظم قوله وفعله حلف الجاني لاحتمال صدور المنتظم اتفاقا أو جريا على العادة والاختيار لا يقدر بمدة بل إلى أن يغلب على الظن صدقه أو كذبه ولا بد في سماع دعوى الزوال من كون الجناية تحتمل زوال العقل . وإلا لم تسمع الدعوى كحصول الموت بصعقة خفيفة وفي إزالة السمع تجب دية كاملة لخبر البيهقي ( في السمع الدية ) ونقل أبن المنذر فيه الإجماع ولأنه من اشرف الحواس فكان كالبصر بل هو أشرف منه عند أكثر الفقهاء لأن به يدرك الفهم ويدرك من الجهات الست وفي النور والظلمة ولا يدرك بالبصر إلا من جهة المقابلة وبواسطة من ضياء أو شعاع وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر عليه لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والبصر يدرك الأجسام والألوان والهيئات فكان أشرف منه ولا بد في وجوب الدية من تحقق زوال السمع فلو قال أهل الخبر : يعدو وقدروا له مدة لا يستبعد أن يعيش إليها انتظرت فإن استبعد ذلك أو لم يقدروا مدة أخذت الدية في الحال . وإن قالوا : لطيفة السمع باقية في مقرها ولكن انسد منفذ السمع والسمع باق وجبت فيه حكومة
    وقيل : يعتبر في طريق معرفة السمع الدلائل الموصلة إلى ذلك فإن لم يحصل العلم بذلك يعتبر في الدعوى والإنكار فطريق معرفة السمع أن يتغافل وينادى عليه فإن أجاب على أنه يسمع ولا دية له
    حكى الناطفي عن أبي حازم القاضي أن امرأة تطارشت في مجلس حكمه فاشتغل بالقضاء عن النظر إليها ثم قال لها فجأة غطي عورتك فاضطربت وتسارعت إلى جمع ثيابها وظهر مكرها وفي إزالة السمع من أذن واحدة يجب نصف الدية وفي قطع الأذنين الشاخصتين الدية لأن فيهما تمام الجمال ولو أزال أذنيه وسمعه فتجب ديتان لأن محل السمع غير محل القطع فلم يتداخلا لو ادعى المجني عليه زوال السمع من أذنيه وكذبه الجاني وانزعج للصياح في قوم وغفلة فكاذب لأن ذلك يدل على التصنع ولا بد من تحليف الجاني وإن سمعه لباق لاحتمال أن يكون انزعاجه اتفاقا من غير سمع وإن لم ينزعج المجني عليه بالصياح ونحوه فصادق في دعواه وتجب له الدية كاملة
    وإن نقص سمع المجني عليه فقسط النقص من الدية إن عرف قدر ما ذهب بأن كان يسمع من مكان كذا فصار يسمع من قدر نصفه مثلا وطريق معرفة ذلك أن يحدثه شخص ويتباعد إلى أن يقول : لا أسمع فيعلي الصوت قليلا فإن قال : أسمع عرف صدقه ثم يعمل كذلك من جهة أخرى فإن اتفقت المسافتان ظهر صدقه ثم ينسب ذلك من مسافة سماعه قبل الجناية إن عرف ويجب بقدره من الدية فإن كان التفاوت نصفا وجبت الدية وإن لم يعرف قدره بالنسبة فتجب فيه حكومة عدل باجتهاد قاض
    ولو قال المجني عليه : أنا أعرف قدر ما ذهب من سمعي صدق بيمينه لأنه لا يعرف إلا من جهته وإن نقص سمع المجني عليه من أذن واحدة سدت هذه الناقصة وضبط منتهى سماع الآخرين ثم عكس . ويؤخذ قسط التفاوت من الدية فإن كان بين مسافة السمعية والأخرى النصف فله ربع الدية لأنه أذهب رع سمعه وإن كان الثالث فيجب عليه سدس الدية وهكذا
    فإن لم ينضبط فالواجب حكومة عدل
    وفي ذهاب بصر كل عين صغيرة أو كبيرة حادة أو كحلة صحيحة أو عليلة عمشاء أو حولاء من شاب أو شيخ أو طفل حيث البصر سليم يجب نصف الدية وفي العينين الدية كاملة لأن البصر من المنافع المقصودة في الحياة وقد روي أن عمر رضي الله عنه قضي بأربع ديات في ضربة واحدة ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر وإن ادعى المجني عليه زوال بصره أنكر الجاني سئل أهل الخبرة بذلك عدلان منهم مطلقا أو رجل وامرأتان أن كان خطأ أو شبه عمد فانهم إذا أوقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس ونظروا في عينه عرفوا أن الضوء ذاهب أو موجود بخلاف السمع لا يراجعون فيه إذ لا طريق لهم إليه أو يمتحن المجني عليه بتقريب عقرب أو حديدة محماة أو نحو ذلك من عينه بغتة ونظر هل ينزعج أم لا ؟ فإن انزعج صدق الجاني بيمينه وإلا فالمجني عليه بيمينه وإن نقص ضوء المجني عليه فحكمه كنقص السمع فإن عرف قدر النقص بأن كان يرى الشخص من مسافة فصار لا يراه إلا من نصفها مثلا فقسطه من الدية وإلا فحكومة عدل فإن نقص بعض ضوء عينه عصبت ووفق شخص في موضع يراه ويؤمر أن يتباعد حتى يقول : لا أراه فتعرف المسافة ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعا إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين ويجب قسطه من الدية فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع مثلا وبالأخرى من مائة فالنسف نعم لو قال أهل الخبرة أن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المائة الأولى لقرب وبعد الثانية وجب ثلثا دية العليلة وإن أعشاه لزمه نصف دية وإن أعمشه أو أخفشه أو أحوله أو أشخص بصره فالواجب حكومة ومن بعينه بياض لا ينقص الضوء ففي قلعها نصف دية
    ( حادثة )
    ( يتبع . . . )

    سئل أبن الصلاح عن رجل أرمد أتى امرأة بالبادية تدعي الطب لتداوي عينه فكحلته فتلفت عينه فهل يلزمها ضمانها ؟ فأجاب : إن ثبت أن ذهاب عينه بتداويها فعلى عاقلتها ضمانها فإن لم يكن لها عاقلة فإن تعذر فعليها في مالها إلا أن يكون الرمد أذن لها في المداواة بهذا الدواء المعين فلا تضمن ويقاس على هذا حالة المريض مع الأطباء في هذا الزمان
    ومن أزال الشم من المنخرين بجناية على رأسه تجب عليه دية كاملة كما جاء في خبر عمرو بن حزم لأنه من الحواس النافعة فتكمل فيه الدية كالسمع وفي إزالة شم منخر واحد نصف الدية ولو نقص الشم وجب بقسطه من الدية إذا أمكن معرفته وإن لم يمكن فالحكومة
    ولو أنكر الجاني زوال الشم من المجني عليه امتحن في غفلاته بالروائح الحادة فإن هش للطيب وعبس لغيره حلف الجاني لظهور كذب المجني عليه ولا يستحق ضمانا وإن لم يهش للطيب ولم يتأذ من الكريه حلف المجني عليه لظهور صدقه مع أنه لا يعرف إلا منه وفي إبطال حاسة الذوق الذي هو وقوة في اللسان يدرك بها الطعم تجب دية كاملة لأنه أحد الحواس الخمس فأسبه الشم واختلف في محله هل هو في طرف الحلقوم أو في اللسان ؟ ذهب أكثر أهل العلم إلى القول الثاني وقالوا : إنه المشهور وعليه الحكماء لكنهم يقولون : هو قوة منبثة في العصب المفروش على جرم اللسان يدرك بها الطعوم بمخالطة اللعابية التي في الفم بالمطعوم ووصولها للعصب وقال أهل السنة : إن الإدراك المذكور بمشيئة الله تعالى - يعني أن الله تعالى يخلق ما ذكر عند المخالطة المذكورة وعلى هذا القول فينبغي أن يكون كالنطف مع اللسان فتجب فيه دية واحدة للسان لأن الذوق يدرك به حلاوة وحموضة ومرارة وملوحة وعذوبة وتوزع الدية على هذه الأنواع الخمسة فإذا أبطل إدراك واحدة منهن وجب فيها خمس الدية وهكذا
    وإن نقص الإدراك نقصا لا تقدر بأن يحس بمذاق الأنواع الخمس لكن لا يدركها على كمالها فتجب في ذلك النقص حكومة عدل . وتختلف بقوة النقصان وضعفه وإن عرف قدره فقسطه من الدية
    ولو اختلف الجاني والمجني عليه في ذهاب الذوق امتحن بالأشياء المرة ونحوها كالحامض الحاد . الذي لا يصبر عليه عادة . فإن ادعى النقص صدق بيمينه وإن تألم وعبس صدق الجاني بيمينه
    قالوا : وتجب الدية في إبطال المضغ كأن يجني على أسنانه فتخدر وتبطل صلاحيتها للمضغ وتفسد اللثة لأنه المنفعة العظمى للأسنان وفيها الدية فكذا منفعتها كالبصر مع العين والبطش مع اليد
    وتجب الدية فإبطال قوة الإمناء بكسر صلب لقوات المقصود وهو النسل بخلاف انقطاع اللبن بالجناية على الثدي فإن فيه حكومة لأن الرضاع يطرأ ويزول وقيل فيه الدية كاملة واستعداد الطبيعة للإمناء صفة لازمة للفحول ولأن إبطال قوة الامناء موت للرجل أدبيا ومعنويا . فتجب الدية
    وتجب الدية في إبطال قوة الحبل من المرأة لقوات النسل فيكمل فيه ديتها لانقاطع النسل وتجب الدية في إبطال قوة الحبل من الرجل أيضا بأن يجني على صلبه فيصير منيه فاسدا لا يحبل وتجب الدية في ذهاب جماع من المجني عليه بجناية على صلبه مع بقاء مائه وسمة ذكره فيطل التلذذ بالجماع لأن ذلك من المنافع المقصودة . وقد ورد الأثر فيه عن الخلفاء الراشدين وإن ضربه ضربة شديدة على صلبه فأبطل إنعاظه فتجب الدية ولا تندرج فيه دية الصلب وإن كانت قوة الجميع فيه فلو كسر صلبه فأبطل إنعاظه فعليه ديتان لأن كل جناية غير الأخرى وفي إفضاء المرأة بجناية عمدا أو شبه عمد أو خطأ بوطء أو بغيره من الزوج أو غيره تجب ديتها كاملة لفوات المنفعة الجماع أو اختلالها لأنه يقطع التناسل منها ويسبب لها العقم لأن النطفة لا تستقر في محل العلوق لا متزاجها في البول فأشبه قطع الذكر والإقضاء حاجز ما بين مدخل ذكر ودبر فيصير سبيل جماعها وغائطها واحدا إذ به تفوت المنفعة الكلية
    وقيل : الإفضاء : رفع ما بين مدخل ذكر وجبر فيصير سبيل جماعها وبولها واحدا لأن ما بين القبل والدبر قوي لا يرفعه الذكر وبينهما عظم لا يتأتى كسره
    المالكية - قالوا : يجب في الإفضاء حكومة بأن يقوم ما عليها عند الأزواج بأن يقال : ما صداقها على أنها غير مفضاة وما صداقها على أنها مفضاة فيغرم النقص ثم إن كان الفعل من الزوج فيلحق بالخطأ . لأذن الشارع في الفعل بالجملة فإن بلغ الثالث على العاقلة وإلا ففي ماله خاصة ولا يندرج الإفضاء تحت مهر بل يغرم الحكومة مع الصداق زوجا أو أجنبيا غصبها ووطئها بخلاف إزالة البكرة من الزوج أو الغاصب فإنه لا يغرم للبكارة شيئا زائدا على الصداق الذي دفعه لأنه لا يمكن الوطء إلا بإزالتها فهي من لواحق الوطء بخلاف الإفضاء فإنه منهي عنه إلا إذا أزال البكارة بإصبعه فإن الحكومة فيها لا تندرج في المهر زوجا أو أجنبيا فيجب على الأجنبي حكومة ولو لم يطأها وهي مع المهر إن وطئ أما الزوج فيلزمه أرش البكارة التي أزالها بالإصبعه مع نصف الصداق إذا طلقها قبل البناء بها فإن دخل بها وطلقها بعد البناء فتدرج في المهر فإن أمسكها فلا شيء عليه وإزالة البكارة بالإصبع جرم فيؤدب الزوج عليه
    قالوا : وتجب الدية إذا فعل فعلا أحدث في بدنه جذاما - وهو داء يأكل الأعضاء أو احدث تبريصة - وهو نوع من البرص - أو تسويد جسده بعد أن كان غير اسود أو أحدث به سوادا وبياضا وهو نوع من البرص يحث في الجلد فتجب دية كاملة في كل هذه الصور لأنه فوت عليه منفعة الجمال والكمال فإن سود جسمه وجذمه بسبب ضربة واحدة وجب عليه ديتان لأن كلا منهما منفصل عن الآخر
    قطع الأذنين الظاهرتين
    المالكية - قالوا : لا تجب الدية في قطع الأذنين الشاخصتين إذا بقي اسمع سليما بل تجب حكومة عدل
    الأئمة الثلاثة - قالوا : تجب في الأذنين دية كاملة وفي قطع إحداهما نصف الدية لقوات منفعة الجمال وجمع الهواء للسمع

    قطع عين الأعور
    المالكية والحنابلة - قالوا : إن عين العور السليمة إذا قلعت أو ذهب بصرها يجب فيها دية كاملة لأن بصر الذاهبة انتقل إليها
    والفرق بين عين العور والعضو الواحد من كل زوج أن العين تقوم مقام العينين في معظم الغرض وهي من أعظم الجواهر مكانة
    الحنفية والشافعية - قالوا : إذا قلع عين الأعور تجب نصف الدية مثل إحدى اليدين والرجلين وباقي الأعضاء المزدوجة
    ذهاب شعر الرأس واللحية والحاجب
    الحنفية - قالوا : قالوا : إن الجناية على اللحية وشعر الرأس إذا حلقت ولم تنبت تجب في كل منهما الدية لأنه يفوت به منفعة الجمال غير أنه لو حلق رأس إنسان بطريقة لا تجعلها تنبت أو شعر لحيته لا يطالب بدفع الدية حالا بل يؤجل سنة لتصور الإنبات فإن مات المجني عليه قبل مضي سنة ولم ينبت الشعر فلا دية عليه لاحتمال ظهورها لو عاش حيا بل تجب حكومة وشعر الرجل والمرأة والصغير والكبير في ذلك سواء وذلك لأن شعر اللحية جمال بالنسبة للرجال في وقتها وفي حلقها تفويث لمنعة الجمال والكمال فقد ورد أن الملائكة تقول ( سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب ) فتجب الدية وكذلك شعر الرأس بالنسبة للمرأة من أعظم زينتها وتمام جمالها وبالنسبة للرجال زينة وجمال أيضا ألا ترى أن من عدم الشعر حلقه أو سقط شعر رأسه أو كان أقرع فإنه يتأذى من ذلك ويتكلف ستر رأسه ويستحي من كشفها أمام الناس ويعتقد أن ذلك نقص في جماله وكماله وخلقه وبعض رجال العرب يطلقون شعورهم ضفيرة للزينة وشعر الشارب فيه حكومة إذا حلق لأنه تابع للحية فصار كبعض أطرافها وأما لحية العبد فيجب فيها كمال القيمة لأن المقصود به المنفعة بالاستعمال دون الجمال بخلاف الحر
    قالوا : ولحية الكوسج إن كان على ذقنه شعرات معدودة فلا شيء في حلقه لأن وجودها يشينه ولا يزينه وإن كان أكثر من ذلك وكان على الخد والذقن جميعا لكنه غير متصل ففيه حكومة عدل لأن فيه بعض الجمال وإن كان الشعر متصلا ففيه كمال الدية مثل غيره لأنه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال للرجل هذا كله إذا فسد المنبت فإن نبتت حتى استوى الشعر كما كان فلا يجب شيء من الضمانات لأنه لم يبق أثر الجناية ويؤدب على ارتكابه ما لا يحل وإن نبتت بيضاء فعند أبي حنيفة أنه لا يجب عليه شيء في الحر لأنه يزيده جمالا وفي العبد تجب حكومة عل لأنه ينقص قيمته وعندهما تجب حكومة عدل لأنه في غير أوانه يشنه ولا يزينه ويستوي العمد والخطأ على هذا فكما تجب الدية في حلق الرأس واللحية خطأ فكذلك إذا حلقهما عمدا
    قالوا : وفي الحاجبين الدية وفي أحدها نصف الدية لأن بهما يحصل الجمال للإنسان
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : في حلق شعر اللحية وشعر الرأس تجب فيهما حكومة عدل لأن ذلك زيادة في الآدمي ولهذا يحلق شعر الرأس كله ويحلق شعر اللحية بعضهم في بعض البلاد وصار كشعر الصدر والساق ولهذا يجب في شعر العبد نقصان القيمة بالإجماع
    قالوا : وفي إزالة شعر الحاجب تجب حكومة واحدا أو متعددا لأن في العشر جمالا وسواء كان إزالة العشر عمدا أم خطأ وكذلك الهدب وهو الشعر النابت على شفر العين تجب حكومة إذا لم ينبت وإلا فإن نبت فف يعمده الأدب والخطأ لا شي فيه
    دية اليدين والرجلين
    واتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى : على أن في اليدين تجب الدية كاملة وفي الرجلين الدية وفي الشفتين الدية وفي الأنثيين في قطعهما أو سلها أو رضهما دية كاملة وفي الواحدة من هذه الأشياء نصف الدية وفي قطع الأنثيين مع الذكر ديتان كذا روي في حديث سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم لأن في تفويت الاثنين من هذه الأشياء تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال فيجب كل الدية وفي تفويت أحدهما تفويت النصف فيجب نصف الدية
    قالوا : وفي ثديي المرأة الدية لما فهي من تفويت جنس المنفعة وذلك إذا قطعهما من أصلهما سواء أبطل اللبن أو لا شابة أو عجوزا بخلاف ثديي الرجل حيث تجب حكومة عدل لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة و ( الجمال ) وفي قطع الحلمتين إن أبطل اللبن دية كاملة ومثل إبطال اللبن لإفساده فالدية القطع اللبن ولفوات جنس منفعة الإرضاع وإمساك اللبن وقيل الدية لقطع اللبن فحكومة عدل فلو قطع حلمتي صغيرة فينتظر بها لزمن الإياس من اللبن وتمام سنة فإن أيس فدية كاملة وإن حصل اللبن في مدة الإياس ففيهما حكومة وفي قطع إحدى الحلمتين يجب نصف الدية
    مبحث جناية جفن العين والأهداب

    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : في قطع كل جفن - بالفتح - من أجفان العين وهو غطاء العين يجب ربع دية سواء الأعلى أو الأسفل ففي الأربعة دبة كاملة ولو كان لأعمى وبلا هدب لأن فيها جمالا ومنفعة وقد اختصت عن غيرها من الأعضاء بكونها رباعية وتدخل حكومة الأهداب في دية الأجفان بخلاف ما إذا انفردت الأهداب ولم تنبت فإن فيها حكومة إذا فسد منبتها كسائر الشعور لأن الفائت بقطعها الزينة والجمال دون المقاصد الأصلية وإلا فالتعزير وفي قطع الجفن المستحشف حكومة وفي أحشاف الجفن الصحيح ربع دية جزما وفي بعض الجفن الواحد قسطه من الربع فإن قطع بعضه فتقلص باقيه فلا تكمل الدية ول قطع الأجفان الأربعة والعينين لزمه ديتان لخبر عمرو بن حزم بذلك ولأن العين من أعظم الجوارح نفعا
    الحنفية - قالوا : إذا قطع الأشفار العينين عمدا أو خطأ يجب أن يدفع الدية وفي قطع أحدهما ربع الدية والأشفار جمع ( شفر ) بالشم وهي الأهداب مجازا
    وقالوا : إن الأشفار هي منابت الشعر وهي حروف العينين وأطرافهما وغطاؤهما والشعور التي عليها تسمى الأهداب وهذا لأنه يفوت الجمال على الكمال وجنس المنفعة وهي منفعة دفع الأذى عليها تسمى الأهداب وهذا لأنه يفوت الجمال على الكمال وجنس المنفعة وهي منفعة دفع الأذى والقذى عن العين إذ هو يندفع بالهدب وإذا كان الواجب في الكل كل الدية وهي أربعة كن في أحدها ربع الدية وفي ثلاثة منها ثلاثة أرباعها وإذا كان المراد بالأشفار منبت الشعر فالحكم فيه هكذا . ولو قطع الجفون بأهدابها ففيه دية واحدة لأن الكل شيء واحد وصار كالمارق مع القصية
    مبحث قطع أصابع اليدين أو الرجلين

    واتفق الفقهاء : على أنه يجب في قطع أصبع من أصابع اليدين والرجلين خطأ عشر الدية سواء كان إبهاما أو خنصرا من أنثى أو ذكر صغير أو كبير مسلم أو كافر والإبل مخمسة ومربعة لقوله عليه الصلاة و السلام ( في كل اصبع عشر من الإبل ) ولأن في قطع الكل تفويت جنس المنعفة وفيه دية كاملة وهي مائة من الإبل فتنقسم الدية عليها والأصابع كلها سواء في أصل المنفعة فلا تعتبر الزيادة فيه كاليمين مع الشمال وكذا اصابع القدمين حيث يفوت بقطع كلها منفعة المشي فتجب الدية كاملة ثم فيهما عشر أصابع فتنقسم الدية عليها أعشارا وعشر الدية الواجب بإزاء كل أصبع إنما هو بمقابلة مفاصلها وفي كل اصبع فيها ثلاثة مفاصل ففي كل منها ثلث دية الأصبع وما فيها مفصلان ففي أحدهما نصف دية الأصبع وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع ففي كل مفصل من الصبع ثلاثة وثلث بعير من الإبل إلا في الإبهام من يد أو رجل فتجب في أنملته نصف دية الأصبع وهو خمس من الإبل أو خمسون دينارا
    قالوا : وفي كل سن خمس من الإبل لقوله عليه الصلاة و السلام في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ( وفي كل سن خمس من الإبل ) والأسنان والأضراس والأنياب كلها سواء لإطلاق الحديث لأن السن اسم جنس يدخل تحته اثنان وثلاثون سنا فإذا ضرب رجل رجلا حتى سقطت أسنانه كلها . وكان الضرب خطأ فإنه يجب عليه دية وثلاثة أخماس الدية وهي من الدراهم ستة عشر الضرب عمدا وجب القصاص على الجاني حيث يمكن المماثلة وسواء قلعت السن من أصلها أو لم يبق إلا المغيب في اللحم وسواء بعد أن كانت السن بيضاء فصار بالجناية عليها سوداء لأنه اذهب جمالها ولها إذا اسودت ثم انقلعت أو تغيرت بحمرة أو صفرة بعد بياضها إن كانت الحمرة والصفرة في العرف كالسوداء في إذهاب جمالها وفي قلع سن المرأة الحرة المسلمة بعيران ونصف والذمي بعير وثلثان ولمجوسي ثلث بغير ولرقيق نصف عشر قيمته وهكذا ومن ضرب عضوا فأذهب منفعته ففيه دية كالمة كاليد إذا شلت والعين إذا ذهب ضوءها لأن المتعلق توفيت جنس المنفعة لا فوات الصورة فإنه إذا قطع اليد الشلاء فإنه تجب عليه حكومة عدل لا الدية لأن المقصود باليد كمال المنفعة ولما كانت النفعة غير كاملة لم تتكامل الجناية من حيث تفويت الجمال فإن كان بها نفع تام فكالسليمة في وجوب القصاص أو الدية
    ومن ضرب صلب غيره فأحدبه وقوص ظهره تجب عليه دية كاملة لأنه فوت جمالا على الكمال وهو استواء القامة فلو زالت الحدوبة لا شيء عليه لزوالها لا عن أثر وفي شفري المرأة وهما اللحمان المحيطان بالفرج المغطيان العظم تجب دية كاملة إن بدا العظم من دية المرأة فإن لم يظهر العظم فحكومة وفي أحد الشفرين إن بدا العظم نصف دية لأن فيهما جمالا ومنفعة إذ بهما يقع الالتذاذ بالجماع وبهما تمسك البول والدم وهما من كمال جمالها
    وقي قطع قضيب الذكر إلى ليس فيه حشفة لقطعها قبل حكومة وفي قطع الحشفة وهي رأس الذكر دية كاملة وفي قطع بعضها بحسابها من الحشفة فتقاس الحشفة لا الذكر فإن قطع ربع الحشفة فعليه ربع دية وإن قطع ثلثها فعليه ثلث دية وإن قطع نصفها فعليه نصف الدية وهكذا
    قالوا : وتتعدد الدية بتعدد الجناية فإذا قطع يديه فزال عقله بسببها تجب عليه ديتان دية اليدين ودية للعقل ولو زال من ذلك القطع بصره أيضا تجب عليه ثلاث ديات واحدة لليدين وثانية للعقل ودية ثالثة للبصر لأن كل واحدة منهم منفعة مقصودة وقد زالت وهكذا وقد روي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قضى بأربع ديات في ضربة واحدة ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر مع بقاء الرجل حيا واخذ أربع ديات وذلك لعظم حرمة أعضاء الآدمي
    قالوا : وفي كسر عظم اللحيين عليه دية . لأن فيهما جمالا ومنفعة فوجب فيهما الدية وفي كسر أحدهما نصف الدية كالأذنين وهما عظمتان تثبت عليهما السنان السفلى وملتقاهما الذقن أما العليا فمنبتها عظم الرأس
    وقد استشكل بعض العلماء في إيجاب الدية في اللحيين بأن لم يرد فيهما خبر عن الرسول الله صلى الله عليه و سلم : والقياس لا يقتضيه لأنهما من العظام الداخلة فيشبهان الترقوة والضلع وأيضا فإنه لا دية في عظم الساعد والعضد والساق والفخذ وهي عظام فيها جمال ومنفعة فجب فيها حكومة عدل حسب خطورتها
    وأجيب : بأنهما لما كانا من الوجه كانا أشرف من غيرهما فوجب فيهما الدية
    قالوا : ولا يدخل أرش الأسنان في دية فك اللحيين في الأصح لأن كلا منهما مستقل برأسه وله بدل مقدر واسم يخصه فلا يدخل أحدهما في الآخر كالأسنان واللسان
    وقيل : يدخل أرش الأسنان في دية الفك كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع ورد عليه بأن اسم اليد يشمل الكف والأصابع ولا يشمل اسم اللحيين والأسنان وبأن اللحيين كاملا الخلق قبل الأسنان بدليل الطفل بخلاف الكف مع الأصابع لأنهما كالعضو الواحد
    الأئمة الثلاثة قالوا : في الأليتين وهما الناتئان عن البدن عن استواء الظهر والفخذ إذا قطعا خطأ تجب الدية كاملة لما فيهما من الجمال والمنفعة في الركوب والعقود وفي قطع أحدهما نصف الدية وفي البعض بقسطه إن عرف قدره وإلا فالحكومة ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ولا نطر إلى اختلاف البدن الناتئ واختلاف الناس فيه كاختلافهم في سائر الأعضاء ولا يشترط في وجوب الدية بلوغ الحديد إلى عظم الفخذ ولو نبت ما قطع لم تسقط الدية على الطاهر أما إذا قطعتا عمدا فيجب القصاص فيهما أو في أحدهما
    المالكية - قالوا : في إحدى روايتهم : في أليتي المرأة إذ قطعا خطأ حكومة قياسا على اليتي الرجل وعمدا القصاص
    الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى - قالوا : في سلخ الجلد تجب دية المسلوخ منه إن لم ينبت إن في الجلد جمالا ومنفعة ظاهرة وذلك إن بقيت فيه حياة مستقرة . لأن إيجاب الدية فيه إنما يظهر إن فرضت الحياة المذكورة بعد سلخ المجني عليه وإن مات بسبب آخر غير السلخ كأن قطع غير السالخ رقبته بعد حودث السلخ فيجب على الجاني القصاص لأنه أزهق روحه ويجب على السالخ الدية ومثل حز غير السالخ ما لو انهدم عليه حائط أو دهمه قطار أو نحو ذلك

    فإن مات المجني عليه بسبب سلخ جلده أو لم يمت لكن حز السالخ رقبته بعد ذلك فالواجب حينئذ دية النفس إن عفا عن القود وإلا فيجب القصاص
    قالوا : وفي كسر الترقوة . وهو بفتح التاء : العظم المتصل بين المنكب وثغرة النحر تجب فيه حكومة كسائر العظام
    وقيل : الواجب فيها جمل لما روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قضى بذلك ووافقت الصحابة عليه من غير نكير من واحد منهم وحمله الأول على أن الحكومة كانت في الواقعة قدر جمل ولكل إنسان ترقوتان يمينا ويسارا
    قالوا : وفي إبطال البطش من يدي المجني عليه بجناية عليهما فشلتا دية لزوال منفعتهما وفي إبطال المشي من الرجلين بجناية على صلب تجب فيه دية كاملة لفوات المنفعة المقصودة منهما وفي إبطال بطش أو مس يد أو رجل أو إصبع ديتها
    ولا تؤخذ الدية حتى يندمل الجرح فإن انجبر وعولج وعاد بطشه أو مسه أو قدرة المشي على الرجلين فلا تجب الدية وإن بقي شين بعد البرء فتجب حكومة عدل وفي نقص كل من البطش والمشي إن لم ينضبط حكومة لما فات من المنفعة والجمال ويختلف بحسب النقص قلة وكثرة وسواء احتاج في مشيه لعصا يتوكأ عليها أم لا فإن انضبط النقص وجب القسط من الدية كالسمع والبصر والكلام وغيرهما . ولو كسر صلب المجني عليه فذهب مع سلامة الرجل والذكر مشيه وجماعه أو ذهب عنه مشيه ومنيه فتجب له ديتان واحدة للرجلين والثانية لذهاب منهي لأن كل واحد منهما مضمون بالدية عند الانفراد فكذا عند الاجتماع ومنفعة كل منهما مستقلة
    وقيل : تجب دية واحدة لأن الصلب محل المني ومنه يبتدي المشي وينشأ الجماع واتحاد المحمل يقتضي اتحاد الدية ورد الأول بعدم اتحاد المحل . وهو الراجح
    وعلى الرأي الأول لو ضربه فشلت رجلاه وكسر صلبه وانقطع منيه وجب عليه ثلاث ديات واحدة للرجلين وثانية للصلب وثالثة لانقطاع المني وإن شل ذكره أيضا وجب عليه أربع ديات الثلاثة السابقة والرابعة لشلل الذكر وعدم القدرة على الجماع
    قالوا : في الشفتين الدية وفي قطع إحداهما نصف الدية لما ورد في كتاب عمرو بن حزم : ( وفي الشفتين الدية ) ولما فيهما من الجمال والمنفعة إذ الكلام يتميز بهما ويمسكان الريق والطعام . ويمنعان الحشرات والأتربة من دخول البطن والإشلال كالقطع . اه
    مبحث القصاص فيما دون النفس
    اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى : على أن من قطع يد غره من المفصل عمدا قطعت يده من المفصل وإن كانت يده أكبر من اليد المقطوع لقوله تعالى : { والجروح قصاص } ( آية 45 من سورة المائدة ) وهو ينبئ عن المماثلة فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص وما لا يمكن رعاية المماثلة فيه فلا يجب فيه القصاص وقد أمكن رعاية المماثلة في القطع من المفصل فاعتبر ولا معتبر بكبر اليد وصغرها لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك وكذلك قطع الرجل وقطع مارن الأنف وقطع الأذن الظاهرة لإمكان رعاية المماثلة فإن قطع الأصابع ثم قطع الكف هو أو غيره بعد الاندمال أو قبله وجب حكومة في الكف وكذلك إن قطع فوق الكف ومن ضرب عين رجل بحديدة عمدا فقلعها لا قصاص عليه لامتناع المماثلة في القلع أما إن كانت العين قائمة فذهب ضوءها فعليه القصاص لإمكان المماثلة بأن تحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتقابل عينه بالمرآة فيذهب ضوءها وهو مأثور عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم ولو كانت عين أحول أو أعمش أو أعور أو عين أخفش أو عين أعشى لأن المنفعة باقية بأعين من ذكر
    قالوا : وفي السن يجب القصاص لقوله تعالى : { والسن بالسن } ( آية 45 من سورة المائدة ) وإن كان سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر لأن منفعة السن لا تتفاوت بالصغر والكبر ولا قصاص في عظم إلا في السن وهذا للفظ مروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأبن مسعود رضي الله تعالى عنهما وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا قصاص في العظم ) والمراد غير السن لأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر لاحتمال الزيادة والنقصان بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد ولو أقلع من أصله بقلع الثاني فيتماثلان ( وقد روي أن الربيع عمة أنس بن مالك رضي الله عنه كسرت ثنية جارية من الأنصار بلطمة فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالقصاص )
    قالوا : وليس فيما دون النفس شبه عمد إنما هو عمد أو خطا لأن شبه العمد يعود إلى الآلة والقتل هو الذي يختلف باختلافها دون الأطراف لأنه لا يختلف إتلافها باختلاف الآلة فلم يبق إلا العمد والخطأ - ولأن شبه العمد إذا حصل فيما دون النفس وأمكن فيه القصاص جعل عمدا وإن لم يمكن القصاص جعل خطأ
    قالوا : ومن قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه إذ الأول كسر العظم ولا ضابط فيه وكذا البرء نادر فيفضي الثاني إلى الهلاك ظاهرا - ولو قطع اليد من وسط الذراع أو قطعها من وسط العضد اقتص منه من الكف فيقطع من الكوع في الصورة الأولى لأنه أقرب موضع من محل الكسر وتجب في الباقي حكومة وهو جزء مقدر من الدية لتقدر القصاص فيها وله أن يعفو في المسألتين أو يعدل إلى المال ولو طلب أن يقطع من الكوع في المسألة الثانية يمكن
    مبحث قطع اليد الشلاء بالصحيحة
    ذكر الأئمة رحمهم الله تعالى : أنه إذا كانت يد المقطوع صحيحة ويد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع فالمقطوع بالخيار إن شاء قطع اليد المعيبة ولا شيء له غيرها وإن شاء أخذ الأرش كاملا لأن استيفاء الحق كاملا متعذر فله أن يتجوز بدون حقه وله أن يعدل إلى العض كالمثلي إذا انصرم عن أيدي الناس بعد الإختلاف ثم إذا استوفاها ناقصا فقد رضي به فيسقط حقه كما إذا رضي بالرديء مكان الجيد
    قالوا : ومن شج رجلا فاستوعبت الشجة ما بين قرني الشاج فالمشجوج بالخيار إن شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ من أي الجانبين شاء وإن شاء أخذا الرش لأن الشجة موجبة لكونها مشينة فقطن فيزداد الشين بزيادتها وفي استيفاء ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعلن ولا يلحقه من الشين باستيفائه قدر حقه ما يلحق المشجوج فينتقص فيخير كما في الشلاء والصحيحة وفي عكسه يخير أيضا لأنه يتعذر الاستيفاء كاملا للتعدي إلى غير حقه وكذا إذا كانت الشجة في طول الرأس وهي تأخذ من جبهته إلى قفاه ولا تبلغ إلى قفا الشاج فهو بالخيار لأن المعنى لا يختلف
    قالوا : ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر لأنه ينقبض وينبسط فلا يمكن اعتبار المساواة إلا أن تقطع الحشفة لأن موضع القطع معلوم كالمفصل ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص فيه لأن البعض لا يعلم مقداره . بخلاف الأذن إذا قطع كله أو بعضه لأنه ينقبض ولا ينبسط وله حد يعرف فيمكن اعتبار المساواة والشفة إذا استقصاءها بالقطع يجب القصاص لإمكان اعتبار المساواة فيها بخلاف ما إذا قطع بعضها لأنه يتعذر اتبار المساواة فيها لأنها تنقبض وتنبسط
    الشافعية - قالوا : يقتص من الذكر إذا قطع من أصله واللسان ومارن الأنف والأنثيين وشفرتي الفرج إذا أمكن استيعاب القصاص في هذه الأعضاء من غير جيف بأن لا يزيد على اخذ الواجب وإن لم يكن القصاص إلا بإجافة الجاني فلا قصاص سواء أجافه الجاني أم لا نعم إن مات المجني عليه بسبب قطع عضو من هذه الأعضاء قطع الجاني ثم انتظر حتى يموت بسب السراية وإذا مضت المدة المحددة ولم يمت تحز رأسه قصاصا
    قالوا : ولا يؤخذ يمين من يد أو رجل أو عين أو منخر أو أنثيين أو شفرتين أو أليتين بيسار منها ولا يؤخذ أعلى من جفن أو أنملة من إصبع يد أو رجل أو سن بأسف من المذكورات والمساواة في جميع ذلك لاختلاف المنافع باختلاف المحال ولا يؤخذ صحيح كل من الأعضاء بعضو أشل منها وإن رضي الجانيين لأن العضو الشل مسلوب المنفعة وهو الذي لا عمل له مثل الحدقة البصيرة لا تؤخذ بيسار من هذه الأشياء المذكورة بيمين ولا أسفل بأعلى لانتفاء الاشتراك والمماثلة والمساواة في جميع ذلك لاختلاف المنافع باختلاف المحال ولا يؤخذ المحال ولا يؤخذ صحيح كل من الأعضاء بعضو البصيرة لا تؤخذ بالعمياء وغير ذلك ويستثنى من ذلك الأنف والأذن فيؤخذ الصحيح منها بالمستحشف لبقاء منفعتها من جمع الصوت والريح والزينة - وإن قطع ذكره من أصله وأنثياه يجب للحر فيه ديتان كاملتان . ويجوز أن يقطع الأضعف من الأعضاء بالأقوى منها فتقطع العمياء بالصحيحة لأنها دون حقه بشرط انقطاع الدم فإن لم ينقطع فلا قصاص لما فيه من استيفاء النفس بالطرف وهو إجحاف بالجاني ولا قصاص في كسر عظم لعدم الوثوق بالمماثلة فيه لأنه لا ينضبط مثل عظام الأضلاع والظهر والساعد والساق والفخذ والعضد
    قالوا : ويجب القصاص في كل جرح انتهى ووصل إلى عظم من غير كسر وذلك مثل الموضحة في الوجه والرأس وهي التي تصل إلى العظم وتضحه بعد حرف الجلد حيث أنه يتيسر ضبطها واستيفاء مثلها من جسم الجاني وكذلك جرح العضد وجرح لحم الساق وجرح الفخذ فهذه الثلاثة يجب القصاص فيما ينتهي من الجرح إلى عظم وذلك لتيسر استيفائها وإن خالفت هذه الجروح في سائر البدن الموضحة في الوجه والرأس فإنهما فيهما ارش مقدر من الشارع بخمسة أبعرة . وأما في غيرهما ففيهما حكومة عدل مثل غيرها من باقي الجروح - أما العين العمياء والأذن الصماء واللسان الأخرس واليد المشلولة والرجل المشلولة والذكر المشلول والأنثيان المخصيتان ففي كل هذه حكومة فقط



    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •