تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 8 من 15 الأولىالأولى 123456789101112131415 الأخيرةالأخيرة
النتائج 141 إلى 160 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #141
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوكالة]
    صـــــ 163 الى صــــــــ
    179
    الحلقة (141)

    [مبحث الوكالة بالبيع والشراء]
    -الوكالة بالبيع والشراء من الأمور التي يكثر وقوعها بين الناس فلذا أفردنا في مبحث خاص كما فعل بعض المؤلفين ولها أحكام مفصلة في المذاهب (1) .
    [مبحث التوكيل بالخصومة]
    -إذا وكل عنه من يقوم مقامه في الخصومة بأن يدعي عنه دعوى صحيحة أو يجب عن دعوى فإن ذلك جائز ولا يملك هذا الوكيل قبض هذا الدين ولا الصلح بل لا بد من التوكيل على ذلك في عقد الوكالة وفي ذلك تفصيل المذاهب (2) .



    (1) المالكية - قالوا: يتعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور:
    أولا: إذا وكل شخص آخر على أن يبيع له سلعة معينة ولم يصرح في التوكيل بأنه وكله في قبض ثمن المبيع فإن كان العرف والعادة في مثل ذلك أن الوكيل لا يقبض الثمن فإنه لا يصح له قبضه وإذا قبضه وإذا دفعه له المشتري لا تبرأ وللموكل أن يطالب المشتري بالثمن.
    أما إذا كانت العادة جارية على أن الوكيل الذي يتولى البيع قبض الثمن أيضا فإنه يكفي أن يثبت أنه وكيل على بيع السلعة فقط وثبت ذلك فإن عليه أن يقبض الثمن ولو سلم المبيع ولم يقبض الثمن ضمنه.
    أما إذا لم تجر العادة بقبض الثمن ولا بعدمه فإن على الوكيل قبض الثمن أيضا وإن لم ينص عليه في التوكيل ولكن قبض الثمن من توابع البيع.
    وهذا كله إذا وكله على بيع سلعة معينة كما قلنا. أما إذا وكله على بيع السلع فإن له قبض الثمن والمطالبة به على أي حال.
    وإذا وكله على أن يشتري له سلعة فاشتراها ولكن الوكيل اشترط على البائع أنه غير ملزم بدفع الثمن والذي يدفع هو الموكل فإن الوكيل في هذه الحالة لا يصح له قبض السلعة التي اشتراها لموكله. أما إذا اشترى السلعة ولم يشترط براءة ذمته دفع الثمن فإن عليه أن يقبض السلعة ويكون هو الملزم بدفع الثمن.
    ثانيا: إذا وكل شخص آخر وكالة غير مقبوض على أن يشتري له سلعة غير معينة كأن قال: اشتر لي جملا فاشتراه له ثم وجد بع عيبا لم يعلم به الوكيل حال شرائه فإنه يجب على الوكيل أن يرده لصاحبه بذلك العيب سواء كان من العيوب الخفية أو من العيوب الظاهرة.
    أما إذا كان عالما به حال الشراء فليس له رده ويكون ملزما به دون الموكل إلا إذا رضي الموكل به فإذا عين الموكل السلعة كأن قال له: اشتر لي جمل فلان ثم وجد به عيبا فليس له رده وعليه أن يخبر موكله بذلك فإن شاء ده وإن شاء قبله الوكيل مفوضا له رد السلعة ولو عينها الموكل فيجوز له الرد ويجوز له القبول.
    وإذا كان العيب قليلا يغتفر مثله عادة وكان في الشراء فائدة للموكل كما إذا اشترى له ناقة مقطوعة الذنب ولكن رخيصة فليس له الخيار.
    ثالثا: إذا وكله وكالة غير مفوضة على أن يبيع له سلعة فباعها لآخر ثم ظهر بها عيب فإن المشتري يرجع على الوكيل ما لم يعلم المشتري يرجع على الوكيل ما لم يعلم المشتري بانه وكيل أو يحلف وكيل، وفي هذه الحالة يرجع المشتري على الموكل.
    أما إذا كان وكيلا مفوضا فإن للمشتري أن يرجع عليه أو على الموكل سواء علم بانه وكيل مفوض أو وكيل فقط أو لم يعلم.
    رابعا: وإذا وكله على شراء سلعة فإنه يجب عليه أن يشتري له سلعة لائقة به، فإذا قال: اشتري لي جبة من الجوخ وجب عليه أن يشتريها من الصنف اللائق بحاله مالم يعين له الثمن كأن ثامنا: إذا وكله أن يبيع له سلعة ربوية بمثلها، كما إذا قال له: بع هذا القمح بفول فخالف في ذلك وباعه بأرز مثلا كان للموكل الخيار في إجازة البيع ورده بشرطين:
    الأول أن يكون المشتري جاهلا بمخالفة الوكيل بما أمره به موكله فإن كان عالما بهذه المخالفة فسد العقد ابتداء وذلك لأنه يكون قد أقدم على شراء شيء وهو عالم بأنه يجوز أن يتم له أولا يتم وهذا مفسد للبيع في الأمور الربوية لأنه يكون داخلا على الخيار في الأمور الربوية وهو مبطل وهذا يقال: إنكم أجزتم للموكل الخيار في اجازة البيع ورده إذا خالف الوكيل في بيع ربوي أو شرائه والجواب أن هذا الخيار ليس مشترطا في الأصل بل هو خيار حكمي جر إليه الحكم وهو المخالفة أما الذي يبطل فهو الخيار الذي ثبت بالشرط من أول الأمر، كأن يشترط الخيار أو يكون عاما به كما في الصورة الأولى.
    هذا والأمور الربوية هي الأصناف التي يحرم فيها ربا الفضل المذكورة في مباحث الربا وهي كل ما كان طعاما مدخرا مقتاتا كالقمح والشعير والأرز ونحوها أو كان ذهبا أو فضة.
    الشرط الثاني: الا يلتزم الوكيل أو المشتري ما نقص عن الثمن الذي سماه الموكل في حالة التوكيل بالبيع كما إذا قال له: بع هذه السلعة بعشرين فباعها بخمسة عشر، ثم التزم للموكل بنقص الثمن وهو خمسة، فإنه في هذه الحالة لا يكون للموكل خيار.
    ومثل ذلك ما إذا التزم له الوكيل بالزيادة على الثمن في حالة التوكيل يالشراء كما إذا قال له: اشتر لي سلعة بعشرة فإشتراها بخمسة عشر ثم التزم الزيادة وهي الخمسة فإنه لا يكون للموكل خيار في هذه الحالة.
    تاسعا: لا يجوز للوكيل أن يشتري السلعة التي وكل على بيعها ولو عين له الموكل الثمن الذي يبيع به لأنه يحتمل أن يشتريها غيره بثمن أكثر من الذي عينه له، نعم يجوز له شراؤها إذا أذنه موكله بذلك أو انتهت رغبات الناس في هذه السلعة الى ثمن معين، كما إذا عرضها للمبيع في الأسواق التي تباع فيها وانصرف التاس عنها.
    وكذلك لا يجوز للوكيل أن يبيع لمن كان له عليه ولاية حجر لصغر أو لسفه أو لجنون أو رق فلا يجوز أن يبيع لإبنه الصغير أو الكبير والمجنون أو نحوهما وذلك لأنه هو الذي يتولى عنهما القبول فكأنه باع لنفسه أما زوجته وولده الرشيد فإنه يجوز أن يبيع لهما بشرط عدم المحاباة فإن حاباهما بأن باع لهما ما يساوي بذلك الثمن ثم ارتفع ثمنها وصار عشرة وعلم الموكل فليس مطالبته بالفرق.
    الحنفية - قالوا: يتعلق بالوكالة على البيع والشراء أمور:
    أولا: أنه إذا وكله على شراء شيء أو بيعه، فلا بد أن يكون ذلك الشيء معلوما ولو بوجه حتى يتمكن الوكيل من تنفيذ أمر الموكل، فإن كان مجهولا جهالة تامة فإن التوكيل باطلا إلا إذا كانت الوكالة عامة.
    وبيان ذلك أن الوكالة على البيع والشراء إما أن تكون عامة أو خاصة، والموكل على شرائه أو بيعه إما أن يكون معلوما أو يكون مجهولا جهالة تامة، أو يكون مجهولا جهالة يسيرة، فإذا كانت الوكالة عامة - كما قال له -: (وكلتك على أن تشتري لي ما رأيت) أو (أن تبيع من مالي ما رأدت) ، فإنه يصح أن يشتري له ما يشاء من ماله ما يشاء بدون تعيين.
    أما إذا كانت الو كالة خاصة والجهالة فاحشة فإن الوكالة لا تصح، وذلك كما إذا قال له: اشتر لي ثوبا أو دابة، فالثوب والدابة مجهولان جهالة تامة، ويعبر الفقهاء عن ذلك بجهالة الجنس، وهو أن يذكر شيئا يشمل أجناسا ولم يبين واحدا منها (كالدابة والثوب) فإذا قال له: وكلتك على أن تشتري لي دابة لا يصح، لأن الدابة في اللغة اسم لكل ما يدب على الأرض من حيوان وإنسان وقد خصها العرف بالخيل والبغال والحمير، وعلى كل حال فهي تشمل أجناسا كثيرة، فإذا حملت على المعنى العرفي كانت شاملة للخيل والبغال والحمير، فالجنس الذي يريد شراؤه مجهول، إذا يحتمل أنه يريد الخيل أو البغال أو الحمير، (وليس المراد الجنسي المنطقي، وهو المقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة) بل المراد ما يكون تحته أصناف فالخيل مثلا جنس عند الفقهاء لأن تحتها أصنافا كثيرة منها عربي ومنها مسكوفي ومنها مضمرة، إلى غير ذلك من أصناف الخيل، وكذا البغال والحمير فإنها أجناس لأنهما تشمل أصنافا كثيرة.
    ومثل الدابة الثوب، فإن فيه جهالة الجنس، لأن الثوب يشمل أجناسا مختلفة، كل جنس تحته أصناف كثيرة فهو يشمل: القماش والحرير والصوف والكتان، والقماش يشمل: (المدارسي والمقصورة والشاش الإسلامبولي والهندي) إلى غير ذلك، والحرير يشمل (القطني والألج والحرير الهندي) وغير ذلك، ومثل ذلك الصوف والكتان فكلها أجناس عند الفقهاء لأن تحتها أصنافا كثيرة، فإذا لم يبين الجنس الذي يريده الموكل كانت الوكالة باطلة حتى ولو ذكر الثمن.
    أما إذا كانت الجهالة يسيرة فإن الوكالة الوكالة تصح، وذلك كما إذا قال له: وكلتك على أن تشتري لي حمارا، أو بغلا، أو فرسا) فإن الوكالة تكون صحيحة - لأنه وإن لم يكن فيه بيان شاف - ولكن جهالته غير فاحشة، ويعبر الفقهاء عن ذلك بجهالة النوع، وهو أن يذكر عبارة تشمل أصنافا كصيرة لم يبين واحدا منها، فالمراد بالنوع الصنف، فإذا قال له: وكلتك على شراء فرس فقد وكله شراء نصف مجهول لأن الفرس أصنافا كثيرة كما ذكرنا آنفا: فعدم تعيين واحد منها فيه جهالة للنوع (أي الصنف) ولكن هذه الجهالة يسيرة، وذلك لأن الوكيل قادر على تحصيل غرض الموكل وذلك بأن ينظر إلى حاله ويشتري ما يليق به.
    وهناك قسك آخر وهو الجهالة المتوسطة وذلك كما إذا قال له: اشتر لي دارا بثمن كذا فإنه وإن لم يبين الجهة التي يشتري فيها ولا عدد حجرها مثلا، ولكن الثمن يجعلها ملحقة بالمجهول جهالة يسيرة.
    أما إذا لم يذكر ثمنا ولا صفة كانت ملحقة بجهالة الجنس وبعضهم يقول: إن ذكر الثمن لا يجعل جهالتها يسيرة، بل لابد من ذكر الجهة يترتب عليها اختلاف كثير في الثمن والرغبة.
    والحاصل أن جهالة الشيء الموكل على بيعه أو شرائه تنقسم إلى ثلاثة أقسام: جهالة الجنس، وجهالة النوع والجهالة المتوسطة.
    وقد عرفت تعريف كل واحدة منها مع أمثلة. فإذا ذكر الموكل لفظا بين به جنس الموكل وعليه ونوعه وصفته فإن الوكالة تصح بلا نزاع وذلك كأن يقول: وكلتك على شراء فرس أدهم مسكوفي أو نحو ذلك.
    أما إذا لفظا يدل على أجناس مختلفة فلم يبين جنسه فلا يصح التوكيل قطعا وذلك كأن يقول: وكلتك على شراء ثوب حتى ولو ذكر الثمن.
    أما إذا ذكر لفظا يدل على انواع مختلفة ولم يبين النوع الذي يريده. وإذا ذكر لفظا يدل على أنواع مختلفة باختلاف أحوال الناس فتارة مجهولة والمبنية يسيرة - كالدار - فإنها تدل على دور متعددة لأنها تشمل الدار الكبيرة والمبنية بالحجر باللبن المحروق وغيره. والموجودة في بلد كذا أو جهة كذا. أو شارع كذا. إلى غير ذلك فإذا كان في قربة ولا تختلف دورها كثيرا في بنائها واتساعها وموقعها فإن الجهالة تكون يسيرة وتلحق بجهالة النوع إلا أنه لا بد فيها من ذكر الثمن كأن يقول: وكلتك على دار بكذا.
    أما إذا كان في مدينة يختلف حال الدور فيها باختلاف الموقع وتفاوت بنيانها اختلافا كثيرا فإنه لا بد من ذكر الأوصاف المميزة لها وإلا كانت ملحقة بجهالة الجنس فلا تصح الوكالة.
    ثانيا: إذا اشترى الوكيل لموكله سلعة ثم ظهر بها عيب ولم يردها الوكيل إلى صاحبها كان ملزما بها إلا إذا قبلها الموكل على عيبها.
    وإذا هلكت في يد الوكيل قبل أن يلزمه الموكل بها هلكت على الموكل، وهل للموكل أن يرد السلعة المعينة قبل أن يستلمها من الوكيل؟
    الجواب: ليس له ذلك لأن ردها من حقوق الوكيل ما دامت في يده. فإذا مات ينتقل إلى وراثه فإذا لم يكن له وارث انتقل حق الرد إلى الموكل. أما إذا استلم الموكل السلعة فقد أصبح هو صاحب الحق في ردها بالعيب لأن الوكالة تنتهي السلعة وليس للوكيل حينئذ ردها إلا إذا أمره موكله بذلك فإنه يصح.
    وإذا وكله على أن يبيع له سلعة وظهر للمشتري أن عيبا فإن للمشتري أن يردها على الوكيل إلا إذا سلبت عن الوكيل أهلية التصرف كأن جن أو حجر فإنها ترد في هذه الحالة على الموكل.
    ثالثا: إذا وكله على أن يشتري له سلعة ولم يعطيه ثمنها فاشتراها الوكيل له من ماله ودفع ثمنها فإن للوكيل حبس هذه السلعة وعدم تسليمها للموكل إلا إذا دفع ثمنها فإن له حبسها بطريق الأولى وذلك لأنه في حالة دفع الثمن قد يتوهم أنه بالثمن لموكله فلا يصح له حبس عنه أما في حالة عدم الدفع فلا يتوهم التبرع.
    وإذا هلكت السلعة في يد قبل أن يحبسها عن موكله فإنها تهلك من مال الموكل فعليه أن يدفع ثمنها.
    ومثل ذلك ما إذا دفع الموكل له ثمن السلعة لشتريها فضاع منه الثمن فإنه يضيع على الموكل لا على الوكيل نعم إذا اشترى سلعة ثم أعطاه الموكل ثمنها ليدفعه إلى البائع فققد منه الثمن قبل يعطيه للبائع فإن الوكيل يكون ملزما به وكذلك إذا هلكت السلعة في يد الوكيل بعد حبسها عن الموكل فإنها تهلك على الوكيل وليس له أن يطالب الموكل بثمنها سواء كانت قيمة السلعة متساوية مع ثمنها أو لا.
    وبعضهم يقول: إن السلعة في هذه الحالة كالمرهون. فإن تهلك بالأقل من ثمنها وقيمتها بمعنى أنها تقوم وقت هلاكها فإن كانت قيمتها تساوي ثمنها بأن كان ثمنها عشرة ولم ينقص عن ذلك ولم يزد عند هلاكها فالأمر ظاهر.
    أما إذا زادت قيمتها عن ثمنها خمسة كانت الخمسة حقا للموكل فيطالب بها الوكيل وإن نقضت خمسة كانت حقا للوكيل فيطالب بها الموكل. مثلا إذا وكله بشراء جمل فاشتراه له بخمسة عشر ولم يدفع الموكل الثمن ولم يرض الوكيل بإعطائه الجمل قبل دفع الثمن ثم مات بعد ذلك في يد الوكيل. ففي هذه المسألة رأيان:
    أحدهما: أن الجمل هلك بثمنه على الوكيل فلا يطالب الموكل بشيء سواء زادت الجمل أو نقصت.
    ثانيهما: أنه ينظر إلى ثمن الجمل وقيمته عن ثمنه بحيث أصبح يساوي عشرة فإن الوكيل يحسب عليه عشرة فقط ويرجع على الموكل بالخمسة.
    أما إذا كانت قيمته هلاكه قد ارتفعت إلى عشرين فإنه بخمسة عشر ويرجع الموكل على الوكيل بالخمسة التي زادت.
    رابعا: إذا اشترى الوكيل السلعة بثمن معجل ثم أجله له البائع بعد الشراء فإن للوكيل الحق في مطالبة الموكل بالثمن حالا.
    أما إذا اشتراها بثمن مؤجل من أول الأمر فليس له مطالبة الموكل بالثمن حالا.
    خامسا: إذا أراد شخص أن يتعاقد مع آخر في سلم فإنه يصح له أن يوكل عنه من يدفع للمسلم إليه (البائع) رأس مال السلم (الثمن) ، أما المسلم فإنه لا يجوز له أن يوكل عنه غيره في قبض رأس مال السلم وذلك لأنه مجرد أن يقبض الوكيل رأس المال (الثمن) فإنه يصير المسلم فيه (المبيع) في ذمته فيكون مسؤولا عنه مع أن الثمن يعطي إليه ولا يجوز أن يبيع الإنسان ماله بشرط أن الثمن لغيره وبذلك يكون التوكيل باطلا ويكون الوكيل هو المتعاقد (المسلم إليه) فيكون رأس المال مملوكا له والمسلم فيه دينا في ذمته فإذا أعطى رأس المال من وكله كان في ذمته.
    وفي الصورة الأولى الجائزة وهي ما إذا وكل رب السلم (المشتري شخصا ليدفع عنه رأس مال المسلم (الثمن) فإنه لا يصح للوكيل أن يفارق المسلم إليه البائع قبل أن يدفع له رأس المال فإذا فارقه بطل العقد. وإذا كان الموكل حاضرا وفارق المجلس قبل القبض. هل يبطل العقد أو لا؟ رأيان فبعضهم يقول: إن الوكيل نائب فإذا حضر الأصيل فلا يعتبر النائب. وبعضهم يقول: إن الوكيل وإن كان نائبا في أصل العقد ولكنه في التصرف في الحقوق فلا عبرة بحضور الموكل ولا بمفارقته ما دام الوكيل حاضرا.
    ومثل السلم الصرف فإنه يجوز لكل من العاقدين أن يوكل عنه من يستلم العين التي يتبادلانها بشرط ألا يفارق الوكيل صاحبه قبل العقد.
    سادسا: إذا وكله على أن يشتري له شيئا بعينه كفرس فلان أو ثوره أو غير ذلك فإنه لا يجوز للوكيل أن يشتري ذلك الشيء عند غيبة موكله.
    أما إذا كان موكله حاضرا فإن له أن يشتريه لنفسه لأن له أن يعزل نفسه عن التوكل رأسا بحضرة موكله ويكون حرا. أما في حالة غيبة موكله فإنه لا يجوز له عزل نفسه فلا يصح أن يشتري لنفسه ما أمره موكله بشرائه له وإلا كان مغررا وذلك لا يجوز. نعم إذا قال له اشتر لي كذا بعشرين فاشتراه لنفسه بخمسة وعشرين أو قال له اشترلي بورق فاشتراه بذهب فإنه يجوز لأن في مخالفة لأن في مخالفة الموكل عزلا ضمنيا للوكيل.
    ومثل ذلك ما إذا وكله على أن يزوجه امرأة بعينها فإن للوكيل أن يزوجها لنفسه وذلك لأن النكاح لا بد من إضافته إلى الموكل فإذا أضافه الوكيل لنفسه فقد عزل نفسه لمخالفته مقتضي التوكيل.
    وإذا وكله على أن يشتري شيئا غير معين كأن قال له اشتر لي ما رأيت فهذه تحتمل ثلاث صور:
    الصورة الأولى: أن ينسب الثمن إلى مال أحدهما أحدهما وفي هذه الحالة تكون السلعة لصاحب المال سواء كان الوكيل أو الموكل.
    الصورة الثالثة: أن لا ينسب الثمن إلى مال أحد كالصورة الثانية ولكن الوكيل لم ينو عند الشراء أن تكون السلعة له أو للموكل ووافقه الموكل على ذلك وفي هذه الحالة رأيان:الرأي الأول: أن تكون السلعة لمشتري (الوكيل) مطلقا سواء دفع ثمنها من ماله أو من مال الموكل.
    الرأي الثاني: أن تكون للذي دفع الثمن من ماله.
    سابعا: إذا ادعى الوكيل أنه اشترى حيوانا كفرس فهذه المسألة تحتمل صورا:
    الصورة الأولى: أن يكون مأثورا بشراء ذلك الحيوان بعينه والحيوان حي لم يحدث فيه عيب وفي هذه الحالة يكون القول للوكيل سواء أخذ ثمنه أو لا بعد أن يحلف وذلك لأنه أخبر عن شيء يملك فعله في أي وقت ما دام وكيلا.
    الصورة الثانية: أن يكون الحيوان قد هلك أو حدث به عيب. وهذه تحتمل وجهين:
    الوجه الثاني: أن لا يكون قد فقد الثمن وفي هذه الحالة يكون القول للموكل.
    الصورة الثالثة: أن يكون مأمورا بشراء حيوان غير معين والثمن مفقود وفي هذه الحالة يكون القول للوكيل سواء كان حيا أو ميتا.
    الصورة الرابعة: أن يكون الحيوان غير معين والثمن غير منقود وفي هذه الحالة يكون القول للموكل لما فيها من جهة التهمة للوكيل فإنه يحتمل أن يكون قد اشتراه لنفسه فلما رأى الصفقة خاسرة قال إنه اشتراه للموكل.
    ثامنا: إذا قال شخص لآخر بعني هذا الثور لفلان فباعه إياه ثم أنكر المشتري أن فلانا أمره بالشراء حقيقة.
    تاسعا: إذا وكله على أن يشتري له سلعتين معينتين ولم يسم ثمنا فاشترى له إحداهما بقدر قيمته أو بزيادة يسيرة يتعغابن فيها الناس فإنه يصح، أما إذا اشتراها بزيادة فاحشة فإنه لا يصح وذلك لأن الوكيل على شراء شيء لا يجوز له أن يشتري بغبن فاحش.
    وإذا وكله على بيع شيء فخالفه فإن كانت المخالفة في خير فإنها تنفذ كما قال له بع هذا الفرس بعشرين جنيها فباعها بخمسة وعشرين بشرط أن يبيع بالنقد أي بحيث لو باعها بورق فإنه لا يصح ولو كانت مصلحة للموكل.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #142
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوكالة]
    صـــــ 163 الى صــــــــ
    179
    الحلقة (142)


    الحادي عشر: لا يجوز لوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها لنفسه أو لمن له عليه ولا ية بسبب الحجر لصغر أو جنون أو سفه أو لمن لا تقبل شهادته كابنه الكبير وأبيه فهؤلاء الأنواع الثلاثة لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله لهم كما أن يبيع سلعة موكله لهم كما لا يجوز ان يشتري له سلعة منهم لتهمة المحاباة فضلا عن أن البيع والشراء من نفسه أو ممن له عليه ولاية يستلزم أن يكون البائع والمشتري واحدا والمعروف أن عقد البيع لا يكون إلا بين اثنين. فإذا أذنه الموكل أن يبيع لمن لا تقبل شهادته فإنه يصح أن يبيع لهم أو يشتري منهم بثمن المثل كما لا يجوز له أن يبيع لهم بأزيد ويشتري منهم بأنقص بلا خلاف فإن باع أو اشترى منهم بغبن فاحش فإنه لا يصح قولا واحدا وفي الغبن اليسير خلاف (والغبن الفاحش هو الذي لا يتغابن الناس فيه عادة أي لا يخدع بعضهم فيه بعضا. وقدره بعضهم في عروض التجارة بما زاد على نصف العشر وفي الحيوان بما زاد على العشر وفي العقار بما زاد على الخمس) فذلك هو الغبن الفاحش وما عداه فهو يسير.
    أما إذا أذنه الموكل بأن يبيع لنفسه أو لابنه الصغير ففيه رأيان:
    أحدهما: أنه لا يجوز لأن العاقد في هذه الحالة يكون واحدا.
    ثانيهما: انه يجوز (ويظهر أن الذي يقول بعدم الجواز لعلة كون العقد واحدا لا يمنع أن يبيع الوكيل السلعة لأجنبي ثم يشتريها منه ثانبا لأنه في هذه الحالة يكون البائع غير المشتري)
    الثاني عشر: يجوز للوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها بيعا مطلقا والكثير فلا يسأل عن الغبن سواء كان فاحشا أو يسيرا عند أبي حنيفة. اما صاحباه فيقولان انه يجوز أن يبيع بغير ثمن. المثل وقد رجح بعضهم قول الإمام وبعضهم رجح قول صاحبيه وعليه الفتوى.
    أما إذا وكله على أن تشتري له سلعة فإنه لا يجوز لوكيل أن يشتريها بأكثر من ثمن المثل بحسب العرف والعادة بالإجماع فإذا أشترى على خلاف العادة والمعروف أو اشترى بغير النقود نفذ شراؤه على نفسه وكان ملزما بالثمن الذي أخذه من مال موكله.
    واعلم أنهم قسموا الذين ينصرفون في البيع والشراء إلى أقسام.
    الأول: الأب والجد والوصي إذا باعوا أو اشتروا مال القاصر أو المحجور عليه وهؤلاء ليس لهم أن يبعوا أو يشتروا بحسب العرف والعادة ويغتفر لهم الغبن اليسير.
    ا
    لثاني: الوكيل بالبيع المطلق والمضارب وشريكا العنان وهؤلاء يجوز لهم أن يبعوا كما يحبون ونفذ تصرفهم ولو غبنوا غبنا فاحشا عند أبي حنيفة أما صاحباه فقد عرفت رأيهم في ذلك آنفا وقد عرفت أن شراء هؤلاء لا ينفذ إذا كان بحسب العرف والعادة باتفاق.
    الثالث: المريض مرض الموت إذا كان عليه دين يستغرق جميع ماله وهذا إذا باع منه شيئا فإنه يجن أن يكون بحسب العرف والعادة ولا ينفذ تصرفه إذا غبن فيه سواء كان الغبن فاحشاء أو يسيرا، والمشتري بالخيارإما أن يرد السلعة لأو يكمل مانقص من ثمنها، فإن مات وترك وصيا وباع وصيه بالمال لسداد دينه فإنه يعفى في بيع الوصي عن الغبن اليسير في هذه الحالة.
    أما إذا باع الوصي لمن لاتقبل له شهادته وحاباه ولو يسيرا فإنه لا يصح.
    الرابع (الوصي) وهو لا يجوز له أن يبيع مال اليتيم، أو يشتريه لنفسه إلا إذا كان فيه خير لليتيم، وتقدر الخيرية بزيادة الثلث، فيجوز له إن يشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر، ويبيع له ما يساري خمسة عشر بعشر وإلا فلا.
    الخامس: (الكاتب) و (العبد) المأذون بالتجارة؛ وهذان لهما أن يبيعا وأن يشتريا على خلاف العرف والعادة عند أبي حنيفة، فلو باعا ما يساوي عشرة بواحد فإنه يصح، أما صاحباه فيقولان أنه لا يجوز أن يبيعا على خلاف المعروف.
    الثالث عشر: إذا وكله أن يبيع له سلعة يتجر فيها فباعها بثمن مؤجل فإنه يصح، أما إذا وكله على أن يبيع له إردبا من القمح ليدفعه في الخراج المطلوب منه فورا فإنه لا يصح أن يبيعه بثمن مؤجل، وكذا في كل سلعة قامت القرينة على الاحتياج إلى ثمنها على أنه يشترط في البيع بثمن مؤجل ألا تطول مدة الأجل طولا يخالف العادة في مثل ذلك، وإلا لم ينفذ بيعه.
    الشافعية - قالوا: ينعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور:
    أولا: إذا وكله على أن يشتري له شيئا فعليه أن يبين صنفه. فإذا قال وكلتك على شراء دار فيجب أن يبين جهتها كأن يقول في بلد كذا في حارة كذا أو شارع كذا ما لم يكن الغرض من الشراء التجارة فإنه لا يشترط بيان النوع لأن المقصود للموكل أن يشتري له ما فيه ربح في أي جهة كان وعلى أي صفة وجد فيطفي أن يقول له اشتر ما فيه ربح.
    ثانيا: إذا وكله على شراء معين فيجب على الوكيل أن يتبع ما أمره موكله فإذا قال له اشتر لي فلان ناقة بثمن كذا فإنه يتعين ولا يجوز للوكيل الخروج عنه وإذا وكله على أن يبيع له سلعة بثمن مؤجل إلى أجل معين كشهر أو شهرين فإنه يصح، وعلى الوكيل أن يتبع ما أمره به موكله فإن خالف ذلك بأن باع بثمن حال، أو بأجل انقض من الأجل الذي عينه له موكله فإنه يصح بشرطين:
    الأول: ألا ينهاه الموكل عن البيع الحال، أو يكون فيه ضرر على الموكل كنقص في الثمن.
    الثاني: ألا يعين له المشتري فإن عينه كأن قال له بع لفلان بثمن مؤجل فإنه لا يصح أن يخالفه أما إذا قال له بع بثمن مؤجل ولم يحدد الأجل فإنه على الأجل المتعارف في بيع هذه السلعة فإن لم يكن فيه عرف بين الناس فعلى الوكيل أن يتبع ما فيه مصلحة موكله.
    خامسا: لا يصح لوكيل أن يبيع سلعة موكله لنفسه أو لابنه الصغير أو السقيه أو المجنون وذلك لأن عقد البيع يجب أن يكون بين اصنين أحدهما موجب كأن يقول بعت كذا والآخر قابل وهو الذي يقول قبلت (وهنا الشخص واحد) لأنه إما أن يبيع لنفسه أو يبيع لمن هو ولي عنه، وهذا لا يصح. نعم إذا حدد الموكل الثمن، ووكل عن ابنه الصغير، أو المجنون أو السفيه من يقبل عنه البيع ورضي موكله الأصلي بذلك فإن البيع يصح.
    أما البيع لولده الكبير (البالغ الرشيد) ولأبيه وإن علا فإنه يصح في الأصل، وبعضهم يقول: يصح لوجود التهمة، فإن صرح الموكل بالبيع لهما فإنه يصح بلا خلاف.
    ثالثا: إذا قال له وكلتك على أن تبيع هذه السلعة بما شئت أو بما تراه فإن له أن يبيعها بغير نقد البلد (بالعملة المستعملة في البلاد الجنبية) وليس له أن يبيع بغبن فاحش أو بثمن مؤجل.
    وإذا قال له بعها بكم شئت فإن له أن يبيع بغبن فاحش وليس له أن يبيع بثمن مؤجل أو بغير نقد البلد، وذلك لأن (كم) للعدد فيشمل القليل والكثير فهو أذنه في أن يبيع بأي ثمن، وليس فيه تصريح له بالبيع إلى أجل أو بغير البلد.
    وإذا قال له بعها كيف شئت فله بيعتها بثمن مؤجل وليس له بيعها نغبن فاحش أو نقد البلد وذلك لأن (كيف) للحال فيشمل الثمن الحال والمؤجل فهو المصرح لا بالغبن ولا بمخالفة نقد البلد.
    رابعا: إذا وكله وكالة مطلقة فليس له أن يبيع أو يشتري إلا بثلاثة شروط:
    الشرط الأول: ألا يتعاقد إلا بثمن فيه مصلحة الموكل فلا يبيع السلعة إلا بثمن المثل أو أكثر ولا يشتري إلا بثمن المثل أو أقل، فإذا غبن في بيعه غبنا فاحشا فإنه لا يصح.
    والغبن الفاحش هو ما لا يغتفر بحسب العرف، أما الغبن اليسير وهو كثيرا بين الناس فإنه لا يضر، وإذا باع السلعة بثمن المثل ووجد لها راغب بثمن أزيد فإذا كان فرق الثمن كثيرا بحيث يقع الغبن الفاحش فإنه يجب أن يبيع السلعة للراغب إذا كان زمن الخيار فإن لم يفعل انفسخ العقد الأول.
    الشرط الثاني: أن يبيع بثمن حال لا مؤجل، فإذا باع مؤجل فإن البيع لا يصح.
    الشرط الثالث: أن يبيع بالنقود المستعملة في بلد البيع، فلا يصح البيع بالنقود المستعملة في الممالك الأجنبية عنها مالم يأذن به الموكل.
    الحنابلة - قالوا: يتعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور:
    أولا: لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله لنفسه لأن العرف في البيع أن يبيع الشخص لغيره والوكالة على العرف، وكذا لا يصح أن يبيع لولده أو زوجه وكذا سائر من لا تقبل شهادته له لأن في ذلك تهمة كالتهمة التي تلحقه إذا باع لنفسه.
    ثانيا: لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله بعرض تجارة ولا بثمن مؤجل ولا بنقود غير مستعملة في بلد البيع إلا أذن له موكله، وإذا اختلفا في الإذن فالقول للوكيل، أما إذا اختلفا في التصرف كما إذا قال له أمرتني ببيع السلعة والموكل قال: بل امرتك برهنها فالول للموكل.
    ثالثا: إذا حدد ثمن السلعة لوكيله، فإن عليه أن يتبع أمره، فإذا باع مما عينه له صح البيع، ولكن الوكيل ملزما بدفع الثمن الذي عينه له الموكل. وكذا إذا لم يحدد له ثمنا ولكنه باع بأقل من ثمن المثل فإنه يلزم بدفع ثمن المثل.
    ومثل ذلك ما إذا اشترى بأزيد من الثمن الذي عينه له، أما بأزيد من ثمن المثل، فإن البيع والشراء يصح، ولكنه يكون ملزما بدفع الثمن. فإذا باع بأكثر مما عينه له الموكل صح ويعفى في البيع والشراء عن الغبن اليسير.
    أما الغبن الفاحش، وهو ما لا يقع مثله ويقدر بعشرين في المائة، فإنه لا يعفى عنه وبلزم به الوكيل.
    رابعا: إذ قال له الموكل اشتر لي سلعة بثمن حال فاشتراها بثمن مؤجل فإنه يصح، أو بع هذه السلعة بثمن مؤجل فباعها بثمن حال فإنه يصح إذا لم يترتب على ذلك ضرر للموكل لأنه في هذه الحالة قد فعل ما فيه زيادة خير لموكله.
    أما إذا ترتب على ذلك ضرر، كما إذا قال له: بع هذه السلعة بثمن مؤجل فباعها بثمن حال فحجز عليه ظالم، أو لم يستطع حفظه في ذلك الوقت فعرضه للضياع فإن الوكيل لا ينفذ تصرفه، وبعضهم يقول: وعليه ضمان الضرر، ومثل ذلك ما إذا قال: اشتر لي سلعة بعشرة فاشتراها بأكثر من ذلك لأجل.
    خامسا: إذا اشارى الوكيل سلعة بها عيب معلوم له فإن الشراء يلزم الوكيل فليس له رد السلعة وإذا رضي بها موكله مع عيبها فإنه يصح لأنه مقصود بالشراء.
    أما إذا كان العيب غير معلوم للوكيل فإن رد السلعة ما لم يحضر الموكل قبل ردها فإن حضر فليس للوكيل الرد وذلك لأن حق السلعة المعيبة للموكل والوكيل قائم مقامه فقط، فإذا حضر الموكل كان صاحب الشأن وكذلك حق تسليم الثمن وقبض المبيع فإنه للموكل لا لوكيل فإذا حضر الموكل كان هو صاحبه.
    سادسا: إذا وكله على أن يبيع له سلعة فإن عليه أن يسلمها لمن اشتراها وليس له قبض الثمن فإن لم يأذنه صريحا ولكنه أذنه ضمنا بأن قامت قرينة على إذنه بقبض الثمن فإنه يصح، وذلك كما وكله أن يبيع جملا في سوق عامة بعيدة عنه ولم يعين له المشتري فلا معنى لهذا إلا أنه قد أذنه بقبض الثمن فإن باع الوكيل السلعة وسلمها ولم يقبض ثمنها كان ملزما به لأنه في هذه الحالة يكون مفرطا.
    سابعا: إذا وكله على أن يشتري له سلعة فإن على الوكيل أن يسلم ثمن السلعة لو أخر تسليم الثمن بلا عذر ثم فقد كان الوكيل ضامنا له.
    ثامنا: إذا وكله أن يشتري شيئا فلا بد من بيان نوعه وثمنه، فإذا قال له: وكلتك على أن تشتري لي ما تشاء أو تشتري لي عينا بما تشاء فإنه لا يصح.
    تاسعا: إذا وكله على بيع ماله أو بيع ما شاء منه فإنه يصح على أنه إذا قال: بع من مالي ما شئت فله بيع ماله كله.

    (2) (المالكية - قالوا: التوكيل في الخصومة جائز بشروط:
    أحدهما: أن يمون وكيل الخصومة واحدا لا أكثر فلا يصح له أن يوكل أكثر من واحد إلا برضا الخصم.
    ثانيهما: ألا يكون الوكيل عدو للخصم فإن ثبتت عدواته فإنه يصح ضده، أما إذا لم تثبت عدواته له فإنه توكيله بدونة رضا الخصم.
    ثالثهما: لا بد من تعيين في الخصومة فلا يصح أن يقول: وكلتك كل من يخاصم عني حتى لو كان شخصان شريكين في حق عند واحد وقالا: من يحضر منا يخاصم ضده فإنه لا ينتفع لأنه يكون بمنزلة توكيل متعددة بدون تعيين الوكيل فلا بد تعيين من يخاصم منهما.
    رابعها: ألا يباشر الموكل نفسه الخصومة أمام الحاكم فإذا باشرها بنفسه وحضر ثلاث جلسات إنه لا يصح له أن يوكل بعد ذلك لما في ذلك من تفاقم الشر واتساع الخصومة وذلك منهي عنه في نظر الشريعة السمحة، نعم يصح له أن يوكل عنه لعذر من مرض أو سفر أو اعتكاف وفي هذه الحالة عليه أن يحلف بأنه ما وكل عنه إلا لسبب من هذه الأسباب فإن امانتع عن الحلف فلا يصح له أن يوكل إلا برضا خصمه. ومن العذر أن يتشاتما أو يضيق الخصم عن احتمال خصمه فيحلف بالله ألا يقف إلى جانبه في الخصومة.
    أما إذا حلف لغير سب فإنه لا ينفع حلفه وليس لوكيل الخصومة نفسه بعد أن يحضر ثلاث جلسات إلا لعذر بعد أن يحلف اليمين أنه ما عزل نفسه إلا لهذا العذر وكذلك للموكل عزله. أما قبل حضوره ثلاث جلسات فإن عزل نفسه وللموكل عزل موكله قبل ذلك فلخصمه أن يوكله إلا إذا أصبح عدوا للموكل الأول فإنه لا يصح.
    وإذا خاصم الوكيل في قضية، ثم انتهت وأراد الدخول في قضية أخرى فإنه يصح بشرط أن يكون الوكالة غير معينة، ولم تطل مدة انقطاع الخصومة بين القضيتين، فإذا طالت إلى ستة أشهر فإنه لا يصح.
    أما إذا كانت متصلة، ولم تنقطع فللوكيل أن يتكلم عن موكله وإن طال المدى كثيرا.
    ولا يملك وكيل الخصومة الخاصة الإقرار عن موكله إلا إذا نص عليه في عقد التوكيل فإن أقر بشيء لم يلزم الموكل ويكون الوكيل في هذه الحالة كشاهد.
    أما الوكيل وكالة مفوضة فإنه يملك الإقرار ويشترط لنفاذ الإقرار على الموكل في الحالتين شروط بحيث لا ينفذ من وكيل الخصومة الخاصة المنصوص فيها عن أن له الإقرار ولا من الوكيل المفوض إلا إذا تحققت هذه الشروط:
    الأول: أن يقر بشيء معقول يناسب الدعوى فلا يقر بشيء زائد عن المناسب.
    الثاني: أن يقر بما هو من نوع الخصومة كأن يوكله في دين فيقر بأنه قبض بعض أو أبرأه عن بعضه. أما إذا وكله بدين له عند خصمه فأقر له اتلف له وديعة عنده ونحو ذلك فإن الإقرار لا ينفذ.
    الثالث: ألا يقرلشخص بينه وبينه ما يوجب التهمة كصديقة أو قريبة أو نحو ذلك.
    وإذا قال الموكل لوكيله: أقر عني بألف يكون ذلك إقرار من الموكل، فلا يحتاج لإنشاء الوكيل إقرار وليس للموكل الرجوع بعد، ولا عزل الوكيل عن الإقرار ويكون شاهدا عليه بها.
    الحنفية - قالوا: الوكالة في الخصومة جائزة لا فرق بين أن يوكل واحدا أو أكثر ولكن هل تصح بدون رضا الخصم أو لا؟ فبعضهم رجح قول الإمام وهو أن التوكيل في الخصومة لا يجوز إلا برضا الخصم وبعضهم رجح قول صاحبيه وهو أنه يجوز رضا الخصم سواء كان المدعي أو مدعى عليه.
    وبعضهم فوض الأمر للقاضي وهو أنه إذا علم من الموكل التعنت والإضرار بالخصم بدون حق فلا يقبل التوكل وإذا علم من أحد الخصمين التعنت في عدم قبول التوكيل الذي يقصد منه بيان الحقيقة لا يصغي له. وهذا حسن في وماننا لأن كثيرا من الناس يعلم حق العلم أنه مبطل وأن قضيته خاسرة ولكن يحمله العناد والإغراق في الخصومة على توكيل محام لا عمل له الإضرار بالخصم بأن يحاول تأخير حقه على نفقات ضائعة نكاية به أو غير ذلك فلو أن الموكل الذي يظهر منه ذلك للقاضي لا يقبل منه لإلا برضا خصومة يكون حسنا.
    ومحل ذلك كله ما إذا كان القاضي غير محل التهمة وإلا فالعمل برأي الصالحين أولى وأنفع, وعلى أن الإمام أجاز التوكيل بالخصومة وإن لم يرض الخصم للضرورة كما كان الموكل مريضا لا يمكنه حضور مجلس القضاء بقدميه فإذا أمكنه الحضور على ظهور دابة فإنه يلزمه الحضور إن لم يترتب على ذلك زيادة مرضه وإلا فلا.
    وكذا إذا عزم على سفر مدة بحيث تقوم القرينة على أنه مسافر حقا خصمه يحلفه القاضي بالله وكذا المحذرة التي تخالط الرجال عادة فإن لها أن توكل بدون رضا الخصم وكذلك إذا كان لا يحسن الدعوى فإن له أن يوكل عنه رضي الخصم أو لم يرض. وهذه الطريقة قد تجعل لمعظم العامة الحق في التوكيل. ولوكيل الخصومة أن يعزل نفسه متى شاء إذا كان متبرعا ومثله وكيل القبض ووكيل البيع والشراء وغير ذلك إلا في أمور ثلاثة: فليس للوكيل نفسه أو يعزله موكله.
    الأمر الأول: إذا وكله في أن يسلم عينا لشخص كأن قال له: أعط هذه الثياب أو الكتب أو الحيوانات لفلان، ثم غاب الموكل عن البلدة فإنه يجب على الوكيل في هذه الحالة أن يسلمها ولا يصح له أن يعزل نفسه.
    الأمر الثاني: أن يوكله على بيع الرهن كما إذا رهن عينا في نطير دين ووكل شخصا على أن يبيع هذه العين لسداد الدين فإنه يجبر على بيعها ولا يصح له أن يعزل نفسه.
    الأمر الثالث: أن يوكل شخصا بالخصومة وهو غائب ليجيب الدعوى بناء الدعوى على طلب المدعي فإنه يجب على الوكيل أن يباشر عمله حيث لا يجد أمامه من يقاضيه.
    أما إذا كان المدعي عليه حاضرا فللموكل عزله لأنه يمكنه أن يطلب منه حقه وهو حاضر وكذا 'ذا لم يكن التوكيل بطلب المدعي لأنه لا حق له في الوكالة وسيأتي لذلك مزيد في عزل الوكيل.
    والوكيل بالخصومة والمطالبة بالحقوق والمطالبة لا يملك القبض على المفتي به بل لا بد لقبض الدين ونحوه من الحقوق المالية من نص عليه في التوكيل فإذا وكله على قبض الدين ولم يوكله على الخصومة فإن له أن يخاصم عنه الخصومة طريق لأخذ ضد الصلح الموكل عليه ووكيل الخصومة يملك الإقرار بخلاف غيره من الوكلاء فلا يملك الإقرار لا فرق بين وكيل القبض أو وكيل الصلح أو غيرهما وإنما يملك وكيل الخصومة الإقرار بشروط:
    الشرط الأول: أن يقر مجلس القضاء فلو أقر خارجه الموكل.
    الشرط الثالث: ألا ينص في توكيل الخصومة على ألا يكون للوكيل حق فإذا نص على ذلك الوكيل لا يملك الإقرار. وحاصل هذه المسألة أنه إذا قال له: وكلتك بالخصومة على ألا يكون لك حق الإقرار عني فإنه يصح فلو أقر عليه في مجلس القضاء بعد ذلك فإنه يخرج من الوكالة فلا تسمع خصومته ويكون للوكيل في هذه الحالة حق الإنكار فقط فإذا استثني الإنكار كان له حق الإقرار فإذا وكله بالخصومة على ألا يكون له حق الإقرار ولا حق الإنكار ففي صحة هذا التوكيل خلاف.
    الحنابلة - قالوا: التوكيل يالخصومة جائز، وليس الخصومة أن يقبض الحقوق المالية إلا إذا نص عليها في عهد التوكيل. أما إذا لم ينص فغن الخصومة لا تشمل القبض لا لغة ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض. أما الوكيل في القبض فإن له الخصومة لأنه قد لا يتوصل إليه إلا بها ففي التوكيل بالقبض إذن بالخصومة.
    الشافعية - قالوا: الوكالة بالخصومة تصح ولكن الخصومة لا يملك الإقرار ولا الصلح ولا الإبراء من الدين. على أن الوكالة بالإقرار لا تصح حتى ولو صرح بها الموكل في توكيله على الأصح فإذا قال شخص لآخر: وكلتك على أن تقر لفلان فقال بكذا فقال الوكيل: أقررت لفلان بكذا فإنه لا يصح لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة وهل الموكل يكون مقرا بذلك أو لا؟
    والجواب أن هذا يختلف لاختلاف العبارة. فإذا قال له: وكلتك لتقر عني لفلان بألف له علي، فإنه بذلك يكون مقرا قطعا. وإذا قال له: وكلتك لتقر عني ولم يقبل علي فقبل يكون مقرا وقيل: لا والأصح أنه يكون مقرا.
    أما إذا قال: وكلتك لتقر لفلان بألف علي ولم يذكر عني فإنه لا يكون مقرا على الأصح لأنه لم يصرح بأن الأقرار عنه. أما إذا قال: وكلتك لفلان بألف ولم يقل عني ولا علي فإنه لا يكون مقرا قطعا) .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #143
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الحوالة]
    صـــــ 179 الى صــــــــ
    186
    الحلقة (143)

    [مبحث هل للوكيل أن يوكل غيره؟]
    -إذا أذن الموكل وكيله يتوكيل الغير فإنه يصح له أن يوكل، وأما إذا لم يأذنه فإن فيه اختلاف المذاهب (1) .
    [مبحث عزل الوكيل]
    -الوكالة من العقود الجائزة لأنها من جهة الموكل إذن ومن جهة الوكيل بذل نفع وكلاهما غير لازم فكل واحد من الموكل فسخ عقد التوكيل فيصح للوكيل كما يصح للموكل أن يعزله على تفصيل في المذاهب (2) .
    [مباحث الحوالة]
    [تعريفها]
    -الحوالة بالفتح والكسر ولكن الفتح أفصح ومعناها لغة النقل إلى محل والمعنى اللغوي عام يشمل نقل العين كنقل الزجاجة من مكان إلى مكان آخر كما يشمل نقل الدين من ذمة إلى ذمة والحوالة اسم مصدر أحاله إحاله إحاله المصدر هو الإحالة يقال أحلت زيدا على عمرو فأنا محيل وزيد محال ويقال له محتال وعمرو محال عليه أو محتال عليه والمال محال به.أما معناها في الشرع فهو الدين من ذمة إلى ذمة أخرى بدين مماثل له فتبرأ بذلك النقل الذمة الأولى فإذا كان لزيد مائة جنيه على عمرو ويحل موعد دفعها بعد ثلاثة أشهر مثلا.ولعمرو مثل هذه المائة على خالد يحل موعدها في ذلك الوقت فأحال عمرو وزيدا على خالد بالشرائط الآتية فإن ذمة عمر ويبرأ زيد وتشتغل ذمة خالد به عمرو (3) .


    (1) (المالكية - قالوا: إذا لم يأذن الموكل الأصلي وكيله بتوكبل الغير فإنه لا يصح له أن يوكل إلا في حالتين:
    الحالة الأولى: أن يكون وكيلا على أمر لا يليق به أن يتولاه بنفسه كما إذا وكله على بيع دابة بسوق عامة وهو عظيم لا يناسبه أن يباشر بنفسه وذلك البيع فله في هذه الحالة فإذا لم يتحقق هذا الشرط ووكل عنه غيره بدون إذن الموكل الأصلي وضاع المال كان مسؤولا عنه.
    الحالة الثانية: ان يوكل على عمل كثير لا يستطيع أن يتولاه وحده فله في هذه الحالة أن يوكل عنه غير ليساعده في العمل وليس له أن يوكل من يستقل بالعمل وحده.
    وإذا وكل الوكيل الوكيل عنه ثم عزل الموكل الأصلي الوكيل الأول فإن الوكيل الثاني لا ينعزل بمعزل الأول فإذا أراد الموكل الأصلي عول الثاني فله عزله استقلالا وللوكيل الأول عزل الوكيل الثاني، وإذا مات الموكل الأصلي انعزل الوكيلان وأما الوكيل وكالة مفوضة فله الغير توكيل الغير مطلقا.
    الحنفية - قالوا: لا يجوز للوكيل أن يوكل عنه في دفع ما عليه بدون إذن موكله إلا في أمور:
    أحدها: أن يوكل شخص آخر في دفع ما عليه من زكاة فللموكل في هذه الحالة أن يوكل عنه غيره بدون إذن موكله ويجوز تصؤفه بدون إذن الموكل الأصلي ما إذا وكل شخص آخر على أن يشتري له أضحية فوكل الوكيل غيره فاشترها فالشراء في هذه الحالة يقع موقوفا على إجازة الموكل الأصلي فإن أجازه صح وإلا فلا.
    ثانيهما: أن يوكل شخص آخر في أن يقبض دينا فللوكبيل أن يوكل عنه شخصا ممن يعولهم (أي من ضمن عياله) فإذا وكل عنه من كان في عياله ودفع المديون له الدين فإنه يبرأ لأن يد من كان من ضمن العيال كيد الوكيل. أما إذا وكل شخصا أجنبيا ليس من ضمن عياله ودفع المديون له الدين ثم وصل ليد صاحبه (الموكل الأصلي) فإن المديون يبرأ من الدين. أما إذا لم يصل الدين إليه وهلك في يد الوكيل الثاني لم يبرأ المدين وعلى الوكيل الثاني ضمان الدين وله الرجوع على الوكيل الأول الذي وكله.
    ثالثها: إذا وكل شخصا على أن يبيع له سلعة ثم طلبه ليقدر له ثمنها الذي يبيعها به فوكل الوكيل عنه من يذهب إلى الموكل ليسمع منه تقدير الثمن فإن التوكيل يصح بدون إذن الموكل الأصلي لأن مقصودة وهو تقدير الثمن حصل بدون ضرر.
    ويقوم التفويض إلى رأي الوكيل مقام الإذن بالتوكيل فإذا قال الموكل له: اعمل برأيك أو اصنع ما شئت فله أن يوكل عنه وإذا قال الوكيل الأول للوكيل الثاني: اعمل برأيك أو اصنع ما شئت فليس أن يوكل عنه وكيلا ثالثا بذلك ويستثنى من ذلك الطلاق والعتاق كما مر فلا يصح أن يوكل عنه غيره.
    وإذا وكل الوكيل الول عنه وكيلا آخر بدون إذن أو تفويض فتصرف الوكيل الثاني فإن تصرفه لا يصح إلا إذا أجازه الوكيل الأول سواء كان حاضرا أو غائبا لأن الغرض هو حصول رأي الوكيل وقد حصل بإجازته للفعل ويسمى الثاني وكيلا وإن كانت وكالته بدون إذن أو تفويض غير صحيحة لأن إجازة تصرفه وكيلا حالا ألا ترى أن الفضولي بعد عمله يصير وكيلا فالإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة.
    وإذا وكل الوكيل الأول بأمر الموكل أو بالتفويض يكون الثاني تابعا للموكل الأصلي فلا ينعزل الوكيل الأول الذي وكله ولا بموته وينعزلان معا بموت الموكل الأصلي.
    الحنابلة - قالوا: لا يجوز للموكل أن يوكل غيره فيما يمكنه أن يباشر عمله بنفسه فإذا كان وكيلا على شيء لا يصح لمثله أن يتولاه فإنه يصح له أن يوكل غيره فيه وكذا كان وكيلا على شيء يعجز عن مباشرة عمله بنفسه فإنه يصح له أن يوكل في عمله غيره وإذا أذنه الموكل الأصلي توكيل الغير عنه فإنه يصح وكذا إذا وكله ومالة مفوضة بان يقول له: اصنع ما شئت فإنه في هذه الحالة يصح له أن يوكل عنه غيره.
    الشافعية - قالوا: يصح للوكيل أن يوكل عنه فيما يعجز عنه أو لا يليق به مباشرته بدون إذن فلا بد من إذن موكله الأصلي صراحة أو ضمنا) .

    (2) (الحنفية - قالوا: الوكالة من العقود الجائزة إلا في ثلاثة مواضع فإنها تكون لازمة بحيث لا يصح عزل الوكيل فيها وذلك لأنها لا تكون مقصودة على الوكيل والموكل بل يتعلق بها حق لغير في هذه المواضع وقد تقدمت في مبحث الوكالة بالخصومة وهي:
    (أ) الوكالة بيع الرهن فإذا رهن شخص عند آخر عينا في نظير دين ثم وكل شخصا على أن يبيع هذه العين لسداد ذلك الدين فإن الوكالة تصبح لازمة فليس للوكيل عزل نفسه كما أنه ليس للموكل عزله لتعلق حق صاحب بهذه الوكالة لأنه يريد أخذ حقه ببيع العين. ومن ذلك ما إذا وكل آخر بأن يقبض دينه من فلان المديون فإنه لا يجوز له عزله إلا إذا علم المديون لتعلق حق بذلك.
    (ب) الوكالة بالخصومة بالتماس الطالب عند غيبة المطلوب مثلا إذا علم لشخص عند آخر دين ثم أراد المدين السفر إلى بلاد نائبة فطلب صاحب الدين من المدين أن يوكل عنه شخصا ليخاصمه في طلب الدين حال غيابه فوكل عنه بناء على هذا الطلب فعند ذلك الوكيل غير قابل للعزل لأنه قام مقام المدين الغائب وليس لصاحب الدين من يطالبه بدينه سواه فلو عزل الوكيل ضاع عليه حقه أما إذا كان المدين حاضرا لا غائبا فإن الوكالة تكون جائزة لا لازمة لأنه يمكن أن يخاصم المدين. وكذلك إذا لم يكن تعيين الوكيل بناء على طلبه لأنه في هذه الحالة لا يكون له حق فيه.
    (ج) الوكالة على تسليم عين لشخص مع غياب الموكل فإنه يجب على الوكيل أن يسلم هذه العين لصاحبها ولا يجوز له عزل نفسه كما تقدم في مبحث الخصومة فهذه الأمور تصبح فيها الوكالة لازمة وما عداها فإن الوكالة فيها لكل منهما فسخها ولكن يشترط علم كل منهما بالعزل، فإذا عزل الوكيل نفسه فعليه أن يكون بكتاب يصل إليه أو إرسال رسوله إليه بشرط مميزا سواء كان عدلا أو غيره أو كبيرا وسواء صدقه أو كذبه أو بمشافهته بالعزل أو نحو ذلك، ومحل ذلك إذا كان الوكيل متبرعا أما إذاى كان بأجر فإنه يعامل بشرطه ولا يشترط علمه بالعزل في أمور:
    أحدهما: إذا وكل شخص آخر ولم يعلم الوكيل بالوكالة فإن للموكل عزله بدون علمه بالعزل.
    ثانيهما: الوكالة بالنكاح، والطلاق، والعتق، فإن للموكل عزل نفسه بدون علم موكله.
    ثالثها: الوكالة بيع مال الموكل جميعه فإن عزل نفسه بدون علم موكله.



    رابعها: الوكالة بشراء شيء بغير عينه لوكيل أن يعزل نفسه بدون علم موكله. وعلة ذلك كله أن الموكل لا يلحقه ضرر بعزل الوكيل بدون علمه.
    مثلا إذا وكله على أن يبييع ماله وكان سوق البيع رائجا فإذا عزل نفسه عن البيع بدون علم الموكل وفاته سوق البيع اعتمادا على وكيل في هذه الحالة لا يجوز له عزل نفسه بدون علم موكله، وينعزل الوكيل بلا عزل: أحدهما: نهاية الشيء الموكل فيه كما إذا وكلع على قبض دين قبضه فإن الوكالة تنتهي بالقبض.
    ثانيها: موت أحدهما وجنونه جنونا مطبقا مدة شهر على المفتى به.
    ثالثهما: إذا وكل المرتد شخصا، ثمو لحق بدار الحرب أو قتل، فإن الوكيل ينعزل بمجرد الحكم بلحاق المرتد بدار الحرب أو قتله. أما إذا أسلم فإن التوكيل ينفذ وتبطل الوكالة اللازمة بالموت وبالجنون في أمرين: الوكالة بالخصومة بناء على طلب الخصم، والوكالة بتسليم عين مع غياب الموكل، أما الوكالة ببيع الرهن فإنها بهذه العوارض.
    المالكية - قالوا: الوكالة من العقود فلكل من الوكيل فسخ عقدها كما يشاء في ثلاثة أحوال.
    الحالة الأولى: الوكالة بالخصومة، فإنه لا يصح للموكل أن يعزله بعد نفسه كما لا يصح لموكل أن يعزله بعد أن يحضر مع الخصم ثلاث جلسات كما تقدم في منحث الوكالة، ولا فرق في هذه الحالة بالخصومة، ولا فرق في هذه الحالة بين أن يوكله في مقابلة عوض على الإجارة أولا، وهذه الحالة لا خلاف فيها.
    الحالة الثانية: أن تقع الوكالة في مقابلة عوض على وجه الإجارة وذلك بأن يوكله على عمل معين بأجرة معلومة أو على غير معين في زمن معين ومثال الأول أن يوكله على أن يبيع له جماله المعروفة وله بعد بيعها خمسة جنيهات بدون أن يحدد له زمنا ومثال الثاني أن يوكله على أن يعرض هذه الجمال في السوق للبيع خمسة أيام وله جنيهات بعد هذه المدة سواء باع هذه الجمال بالفعل أو لا، ولا يصح أن يعين له العمل والعمل والزمان، كأن يقول له: بع هذه السلعة في خمسة أيام بأجر كذا، فإن لم يبيعها لا يستحق شيئا، لأن تعيين العمل يفسد الإجارة.
    الحالة الثالثة: أن تقع الإجارة في مقابلة عوض على وجه الجعالة، وذلك كما إذا وكله على أن يستخلص له دينا في نظير جعل ياخذه بشرط أن يبين له قدر الدين أو الشخص الذي عنده الدين، ولا يشترط في الجعالة أن يبين له المدين قدر الدين والشخص المدين كانت إجارة لا جعالة. وهاتان الحالتين مختلف فيهما: فبعضهم يقول: إن الوكالة لا تلزم على كل حال، سواء كانت في مقابلة عوض على وجه الإجارة أو على وجه الجعالة، أو لم تكن، وبعضهم يقول: إنها تلزم ثم إنها إنها كانت على وجه الإجارة تلزم الوكيل والموكل بمجرد العقد.
    وإذا كانت على وجه الجغالة تلزم الجاعل (الموكل) بشروع الوكيل في العمل أما المجمول له (الوكيل) فلا تلزمه بل له الفسخ.
    وينعزل الوكيل بموت موكله لأن الوكيل نائب عن الموكل في ماله خاصة فإذا مات الموكل انتقل ماله خاصة فإذا مات الموكل انتقل ماله إلى ورثته فلا يملك شيئا يتصرف فيه نائبه حينئذ وهل ينعزل الوكيل بمجرد موت الموكل وإن لم يعلم به أو لابد من العلم؟ خلاف والراجح أنه لا ينعزل إلا إذا علمه فإذا تصرف قبل العلم ينفذ تصرفه.
    وإذا عزل الموكل وكيله فقيل ينعزل بمجرد العزل وقيل لا ينعزل ألا إذا علم فإذا تصرف قبل العزل لا ينفذ تصرفه على الأول وينفذ على الثاني.
    الشافعية - قالوا: الوكالة لاتلتزم ولو كانت بجعل إلافي حالتين:
    الحالة الأولى: أن يترتب على خروج الوكيل من الوكالة ضياع مال الموكل أو فساده فإن الوكالة في هذه الحالة يكون لازمة ولا يقبل الوكيل العزل.
    الحالة الثانية: أن تكون الوكالة بلفظ الإجارة واستكملت شرائطها فإنها تلزم في هذه الحالة، وفيهما عدا ذلك يكون لكل من (الوكيل والموكل) فسخها متى شاء، ولو بعد التصرف. وفسخها بكون بالقرل، كأن يقول: فسختها أو أيطلتها، أو يقول الموكل: عزلت نفسب، أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على الفسخ، كقوله: رددت وكالتك أو رفعتها.
    وهل ينعزل الوكيل بمجرد العزل أو لا ينعزل إلا بعد أن يبلغه خبر عزله؟ والجواب: أنه لا ينعزل إلا بعد غلمه بالعزل فلو تصرف قبل عبمه ينفذ تصرفه.
    وتنفسخ الوكالة بموت الوكيل أو الموكل أو بجنون أحدهما أو إغمائه.
    وكذا تنفسخ بطروء فسق على الوكيل بالنكاح، فإذا وكل شخص آخر في عقد تكاح ففسق الوكيل كأن زنى أو سوق أو ارتكب جريمة توجب فسقة فإن وكالته تسقط لأنه يشترط في الوكيل بلنكاح ان يكون عدلا، وكذا تنفسخ الوكالة بزوال ملك الموكل عن المحل الذي وكله بالتصرف فيه، فإذا وكله على بيع دار أو حيوان أو طعام، ثم باعه الموكل أو وقفه فإن الوكالة تنفسخ. وكذا تنفسخ إذا وكله على بيع دار ثم أجرها الموكل للغير.
    الحنابلة - قالوا: الوكالة من العقود الجائزة فلكل من العقدة فسخها متى شاء ويبطل الوكالة في ذاتها بموت أحد العاقدين أو جنونه جنونا مطبقا ويالحجر عليه لسفه لأن الشخص في هذه الأحوال لا يكون أهلا للتصرف فلا يصح أن يتوكل عن غيره.
    وكذا تبطل بطروء فسق على أحدهما فيما يشترط فيه العدالة فإذا وكل شخص آخر على إيجاب النكاح كأن قال له وكلتك على أن تزوج بنتي من فلان بأن تقول له زوجتك فلانة ثم ارتكب الموكل بعد ما يجوز فسقه فإن الوكيل ينعزل.
    أما إذا وكله على أن يقبل له النكاح كأن يقول له وكلتك على أن تقبل نكاح فلانة فلانة لابني أو لي الوكالة لا تبطل بفسق الموكل.
    وكذا تبطل الوكالة بردة الموكل لأنه ممنوع عن الصرف في ماله، ولا تبطل بردة الوكيل إلا فيما ينافي الوكالة.
    وإذا وكل شخص آخر على أن يطلق له زوجه ثم ذهب الزوج ووطئها بطلب الوكالة بذلك لأن وطأها دليل على الرغبة فيها.
    ويعزل الوكيل بموت موكله وبعزله إياه ولو لم يعلم بالعزل ويكون ما بيده لا يضمن ما تلف منه تصرفه أما ما يتصرف فيه فإنه يضمنه) .
    (3) (الحنفية - قالوا: في تعريف الحوالة رأيان: أحدهما: أنها نقل المطالبة (فقط) من ذمة المديون إلى ذمة الملتزم فإذا كان لشخص دين عند آخر فأحاله على آخر وقبل المحال عليه ذلك الدين والتزم له فإن مطالبتة الدائن بدينه تنتقل من ذمة المديون الأصلي إلى ذمة المحال عليه الذي التزم بسداده عن المديون. أما الدين فهو باق بذمتة المديون الأصلي.
    ثانيهما: أنها نقل المطالبة ونقل الدين معا بمعنى أن ذمة المديون الأصلي تبرأ بحوالة الدائن إلى الشخص الملتزم بدفع الدين.
    وقد استدل من يقول بأنها نقل المطالبة فقط بأمور، منها أن المديون الأصلي: وهو المحيل إذا أراد أن يسدد الدين ينفسه فإن صاحب الدين يجبر على قبول ولو انتقل الدين إلى ذمة المحال عليه لم يجبر صاحب الدين على قبوله منه لأن المديون الأصلي في هذه الحالة يكون متبرعا بالسداد ولا يجبر شخص على قبول التبرع من غيره.
    ومنها: أن صاحب الدين وهو المحال لو برأ المحال عليه بالدين فإنه لا يصح له أن يرد ذلك بخلاف ما إذا وهبه ذلك الدين فإن له أن يرد هذه الهبة ولو كان الدين قد انتقل إلى ذمته لكان له حق رد الإبراء والهبة ولكنه لما لم ينتقل الدين وكان باقيا بذمة المحيل لم يكن من حق المحال عليه رد الإبراء منه بخلاف هبته فإنه صاحب الحق في عدم قبولها. ونظير ما إذا كفل شخص آخر في دين فأبرأ الدائن الكفيل فإنه ليس له أن يرد ذلك الإبراء لأن الدين متعلق بالأول على الصحيح كما سيأتي.
    أما إذا وهبه الدين فإن له أن يرد هبته لأن الهبة مقصورة على الكفيل فهو صاحب الحق أو ردها.
    ومنها: أن صاحب الدين وهو المحال إذا برأ المحال عليه فإن ذمة المديون الأصلي لمحال الحق في مطالببته ثانيا. أما إذا وهبه الدين فإن للمحال عليه الحق في أخذ الدين من المديون الأصلي إن لم يكن للمديون الأصلي دين عليه يقع في مقابلة قصاصا.
    ومنها: أنه إذا مات المحال عليه مفلسا أو أنكر الدين ولا بينة عليه فإن صاحب الدين وهو المحال يرجع على المديون الأصلي وهو المحيل فلو لم يكن الدين باقيا بذمته لم يصح له الرجوع عليه ويعبر عن موت المحال عليه مفلسا أو انكاره الدين ولا بينة عليه (بالتوى) وأصل التوى في اللغة هلاك المال ثم خصه أبو حنيفة بهذا المعنىل وزاد عليه صاحباه أن يحكم حاكم بلإفلاس المحال عليه حال حياته فإن هذه الحالة تجعل لصاحب الدين الحق في الرجوع على المحيل.
    ومنها: أن صاحب الدين (المحال) إذا وكل المدين الأصلي وهو المحيل على أن يقبض الدين من المحال عليه فإنه لا يصح ولو كان الدين قد انتقل من ذمته لصح توكيله بالقبض لأنه يكون أجنبيا في هذه الحالة.
    ومنها: أنه إذا اشترى شخص سلعة ولم يدفع ثمنها وأحال البائع بالثمن على شخص آخر فإن للبائع أن يحبس السلعة عن المشتري ولا يسلمها إياه إلا أعطاه ثمنها فلو كان الدين قد انتقل إلى ذمة المحال عليه صح للبائع حبس السلعة عن المشتري.
    وقد استدل من بقول إنها المطالبة والدين معا بأن صاحب الدين هو المحال إذا أبرأ المحال عليه من الدين أو وهبه إياه فإنه يصح. أما إذا أبرأ المحيل وهو المديون الأصلي أو وهبه فإنه لا يصح فلو كان الدين باقيا بذمة المديون الأصلي وهو المحيل لصح إبراؤه وهبته إياه.
    وقد اتفقوا على هذه الأحكام فكيف التوفيق بينها وبين التعريف على القولين؟
    والجواب: أن الحوالة تارة تعتبر تأجيلا للدين فتكون نقلا كما في الأحكام التي تفيد أنها نقل المطالبة فقط، وتارة تعتبر إبراء للمدين الأصلي فتكون نقلا للدين والمطالبة كما في مثل هذه المفهومات الاصطلاحية لأنها ليست حدودا حقيقيقة) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #144
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الحوالة]
    صـــــ 186 الى صــــــــ
    192
    الحلقة (144)

    [أركان الحوالة وشروطها]
    -للحوالة أركان وشروط مفصلة في المذاهب (1) .


    (1) (الحنفية قالوا:
    للحوالة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول فلإيجاب هو أن يقول المديون (المحيل) لرب الدين (المحال) أحلتك على فلان بكذا. والقبول هو أن يقول من رب الدين المحال والمحال عليه قبلت أو رضين أو نحو ذلك مما يدل على القبول والرضى. فالقبول لا بد أن يقع من المحال والمحال عليه أما المحيل وهو المديون فإنه لا يشترط قبوله كما ستعرفه في الشروط وفي هذه الحالة يقع الإيجاب والقبول من المحال عليه فقط.
    وأما شروط الحوالة فأربعة أنواع:
    النوع الأول: يتعلق بالمحيل (المديون) فيشترط فيه أن يكون عاقلا تصح الحوالة من مجنون ولا صبي لا يعقل. وأن يكون بالغا فلا تفذ حوالة غير البالغ إلا بعد أن يجبرها وليه وإن كانت تنعقد حوالة العاقل الذي لم يبلغ - موقوفة على إذن وليه فالبلوغ شرط لنفاذ الحوالة لا لانعقادها.
    ولا يشترط لصحة الحوالة أن يكون النحيل سيليما من الأمراض فتصبح حوالة المريض ولا يشترط في المحيل الديون أن يكون راضيا. فإذا انفق صاحب عليه على أن يعطيه دينه فإن له ذلك وإن لم يرض المحيل فإذا أعطاه الدين صح ولرئت ذمة المديون ولا يشترط الحرية في المحيل.
    النوع الثاني: يتعلق برب الدين وهو المحيل لأجله: فيشترط فيه (أن يكون عاقلا) فلا يصح لرب الدين أن يقنل الحوالة إذا كان مجنونا أو صبيا لا يعقل لأن القبول لابد له من العقل. (وأن يكون بالغأ) فلا ينفذ قبول الصبي العاقل إلا بإذن وليه فالبلوغ شرط للنفاذ كما تقدم.
    ويجوز للأب والوصي أن يقبل الحوالة بمال اليتيم على من كان أكثر مالا من المديون. أما إن كان مثله ففي قبولها خلاف. (وأن يكون راضيا) فلا يصح قبول الحوالة من مكره (وأن يكون حاضرا في المجلس) فلا يصح قبلول الحوالة إذا كان رب الدين غائبا عن المجلس فلو قبل عنه شخص وبلغه الخبر فأجاز لا يصح على الصحيح.
    النوع الثالث: يتعلق بالمحال عليه. فيشترط فيه (أن يكون عاقل) فلا يصح للمحال عليه أن يقبل الحوالة إذا كان مجنونا أو صبيا لا يعقل (وأن يكون بالغا) واليلوغ في المحال عليع شرط للانعقاد والنفاذ فلا يصح للصبي العاقل أن يقبل الحوالة نطلقا فإذا قبلها لاتنعقد ولو أجلزها وليه.
    (وأن يكون راضيا) فلا يصح من المحال عليه قبول الحوالة إذا كان مكرها ولا يشترط حضور المحال عليه في المجلس حتى لو كان غائبا ثم علم ورضي فإنه يصح.
    النوع الرابع: يتعلق بالمحال وهو الدين فيشترط في المحال به (أن يكون دينا للمحال على المحيل) فإن لم يكن للمحال دين على المحيل كانت وكالة لاحوالة ولا يشترط أن يكون للمحيل دين على المحال عليه فيجوز أن يحيل على شخص متبرع بماله ويشترط في الدين (أن يكون معلوما) وأن يكون لازما فلا يصح للزوجة أن تحتل دائنها بمهرها كلة قبل الدخول بها لأنه غير لازم لجواز أن تطلق قبل الدخول فلا تستحق سوى نصفه وكذا لا يصح لمن له عبد مكاتب على عبده لأن دين الكتابة أن يحيل دائنة بمال الكتابة غير لازم. وخرج بالدين الأعيان فلا تصح الإحالة بها فإذا كان لشخص عند آخر نصيب في ميراث كمنزل أو فدان أو متحصلات زراعية وكان لشخص نصيب عند آخر مثلها فإنه لا يصح أن يحيله بها وذلك لأن النقل من ذمة الى ذمة نقل شرعي وهو لا يتصورإلا في الدين لأنه وصف شرعي. أما الأعيان فإنه لا يتصور فيها النقل الحسي. ويرد على هذا أنه إذا كان لشخص نقود من ذهب أو فضة عند آخر وديغة. وكان عليه دين للغير فأحال صالحب الدين على المودع عنده فإنه يصح مع أن الوديعة هنا عين لا دين.
    والجواب: أن الحوالة هنا نقلت الدين من ذمة المحيل إلى المحال عليه فصار المودع عنده. وديعة مطالبا بالدين فسده من المال المودع عنده. نعم إذا كان للمودع عنده وديغة عند آخر مثل الوديعة التي عنده فأحال رب الوديعة الأول على المودع عنده الثاني فإنه لا يصح لأنها حوالة عين بعين. مثلا إذا كان لزيد عند عمرو مائة جنيه وديعة وكان لخالد عند زيد مائة جنيه مثلها وديعة فأحال زيد خالدا على عمرو ليأخذ منه المائة عنده وديعته فإنه لا يصح.
    بقيت هاهنا مسألة وهي ما إذا كان شخص مستحقا في وقف وكان فهل له أن يحيل صاحب الدين على ناظر الوقف ليأخذ استحقاقه في دينه أو لا؟
    والجواب: نعم، يجوز ذلك سواء أحاله على الناظر بدون أن يذكر نصيبه في الوقف كأن يقول له أحلتك علي أن تأخذ نصيبي أو لا. وذلك لأن المحال به في هذه الصورة دين معلوم مستقر. وقد عرفت أن المحال عليه لا يشترط فيه أن يكون مدينا للمحيل. وهذه بخلاف ما إذا أحال الناظر المستحق ليأخذ نصيبه من مستأجر قبل ظهور غلة الوقف فإن الحوالة لا تصح لأن المستحق ليس له دين عند الناظر في هذه الحالة حتى تصبح الحوالة به كذا بعد ظهور الغلة قبل قسمتها. نعم إن الحق يتأكد بعد ظهور الغلة ولكنه لا يكون دينا عند الناظر. ولكونه حقا مؤكدا صح إرثه بعد موت المستحق فإن المستحق في وقت على الذرية إذا مات ظهور غلته يورث تصيبه في استحقاقه بخلاف الاستحقاق الذي لم يتأكد كالنصيب قبل ظهور الغلة فإنه لا يورث. وإذا ضم الناظر الغلة بعد ظهورها كانت أمانة عنده مملوكة للمستحق جميعا بالاشتراك فإذا طلبها المستحقون وجب عليه تسلميها وإذا هلكت بعد الطلب كان ضامنا لها ولا يصح أن يحيل بعضهم على نصيب الآخر لأن الحوالة تكون بالعين لا بالدين إذ بالدين لكل واحد من المستحقين نصيب مثل نصيب الآخر في العين نعم يجوز ذلك إذا استهلكها أو خلطها بماله فصارت دينا في ذمته هو.
    الشافعية - قالوا: أركان الحوالة ستة محيل، ومحال، ومحال عليه، ودينان دين للمحال على المحيل. ودين للمحيل على المحال عليه. وصيغة وهي الإيجاب والقبول أحلتك على فلان بالدين الذي لك علي أو أحلتك فلان بعشرين جنيها ولم يذكر الدين. أو يقول نقلت إلى فلان أو جعلت ما أستحقه على فلان لك أو ملكتك الدين الذي لي بحقك أو نحو ذلك مما يؤدي معنى الحوالة فلا يشترط أن تكون بلفظ الحوالة. ولا تصح الحوالة بلفظ البيع ولا تدخلها الإقالة.
    وأما شروطها فهي ستة: الأول: رضا المحيل الذي عليه الدين فإن لم يرض فلا تصح الحوالة ثم إن أريد بالرضا عدم الإكراه كان عده شرطا ظاهرا.
    أما إذا أريد به الإيجاب وهو أحلتك ونحوه فيكون عده شرطا تسامحا لأن الإيجاب جزء من الصيغة وقد أن الصيغة ركن لا شرط.
    الثاني: رضا المحال وهو صاحب الدين له أن يستوفيه بنفسه وبغيره، كما إذا وكل عنه من يستوفي دينه فليس للمحال عليه أن يمتنع عن أداء الحق الذي عليه للمحال، وهذا القول هو الأصح، وقيل: يشترط رضا المحال عليه أيضا.
    الثالث: أن يكون الدين المحال به معلوما قدرا أو صفة، فلو كان الدين مجهولا عند العاقدين أو أحدهما فإن الحوالة تكون باطلة.
    الرابع: أن يكون الدين المحال به لازما في الحال أو المال. فالدين الازم هو الذي لا يسقط عن المدين في وقت من الأوقات، كصداق المرأة بعد الدخول بها. وثمن المبيع بعد انقضاء مدة أما الدين الذي يؤول إلى اللزوم كصداق المرأة قبل الدخول بها وثمن المبيع قبل انقضاء مدة الخيار فكل ذلك تصح به الحوالة.
    وإذا اشترى شخص سلعة بالخيار وقبل أن تمضي مدة الخيار أحال ذلك المشتري بائع والمشتري بالإحالة فقد اتفقا على لزوم البيع فإذا بقي الخيار بطل ما تقضيه الحوالة من اللزوم، وكذا لو باع شخص سلعة بالخيار، ولم يقبض ثمنها، ثم أحال آخر على المشتري ليأخذ منه الثمن فإنه بذلك يبطل خياره.
    أما المشتري فإنه لا يبطل خياره إلا إذا رضي لاحوالة فإذا لم يرض بها لم يبطل خياره على المعتمد وتصح الحوالة بدين الكتابة، إذا كانت من العبد، فمن كاتب عبده بمال يدفعه أقساطا فأحاله العبد المكاتب على شخص ثالث فإنه يصح لأن الكتابة لازمة في حق السيد فلا يصح له الرجوع عنها.
    أما إذا أحال السيد شخصا على العبد، فإن الحوالة لا تصح وذلك لأن دين الكتابة غير لازم بالنسبة للعبد.
    الخامس: أن يساوي الدين الذي على المحيل بالدين الذي على المحال عليه في الجنس والقدر والحلول والتأجيل والصحة والتكسير فلا تصح الحوالة بالجنيهات على القروش والريالات لاختلاف القدر.
    نعم، تصح بخمسة من العشرة التي على فلان وكذا لا تصح بدين حل موعده على دين لم يحل موعده وبالعكس، وكذا لا تصح لقروش مكسرة على ريالات صحيحة وعكسه.
    ولا يشترط التساوي في التوثيق فإذا كان لزيد دين على عمرو وكان بيد زيد رهن على دينه أو كان له كفيل به وكان لعمرو دين على خالد رهن ولا كفيل، ثم أحال عمرو زيدا على خالد فإن الحوالة تصح وينتقل الدين بدون رهن أو كفيل وينفك الركن الأول ويبرأ الكفيل لأن الحوالة بمنزلة القبض، ألا ترى أنه لو اشترى شخص من آخر سلعة ولم يعطيه ثمنها فلم يسلمها اليائع للمشتري لعدم قبض الثمن فإذا أحاله المشتري بالثمن على آخر ورضي به فإنه لا يكون له حق في منع السلعة لأن الحوالة بمنزلة القبض.
    وكذا إذا أحال الزوج بالصداق على آخر ورضيت بذلك، فإنه لا يكون لها حق منع نفسها عنه، وإذا شرط المحال (صاحب الدين) أن ياتي له المحيل برهن أو كفيل لم تصح الحوالة لأن المحيل يبرأ بمجرد الحوالة فلا معنى لا شتراط ما يكفل الدين.
    أما إذا اشترط الرهن أو الكفيل على المحال عليه فإن الحوالة تصح ولا يلزم المحال عليه يتنفيذ الشرط.
    السادس: أن يكون دين المحيل ودين المحال عليه من الديون التي يصح بيعها واسبدالها بغيرها فلا تصح الحوالة بدين المسلم سواء كان رأس المال أو كان المسلم فيه قال شخص لآخر أسلمت إليك عشرين جنيها في عشرين إردبا من القمح فإنه لا يجوز للمسلم وهو صاحب رأس المال أن يحيل المسلم بغيره فإن المحال عليه إذا دفع المبلغ المحال منه رأس مال السلم لا يمكن أن يستبدل بغيره فإن المحال إذا دفع المبلغ المحال فإنما يدفعه عن نفسه وهو غير صاحب رأس مال السلم (المسلم) .
    نعم، ويجوز أن يحيل المسلم إليه وهو صاحب السلعة شخصا له دين يأخذ رأس مال السلم من المسلم في مجلس، لأن السلم في هذه الحالة يدفع رأس مال السلم نفسه.
    ومثل ذلك المسلم فيه وهو السلعة لأنه ببعيها واستبدالها، ومثال المسلم مال الزكاة فإنه لا يصح لرب المال أن يحيل الفقير على غيره ليأخذ منه الزكاة لأن الزكاة لا يصح بيعها.
    المالكية - قالوا: أركان الحوالة: محيل، ومحال به، وصيغة، ولا تنحصر الحوالة في لفظ مشتق من الإحالة، فتصح بكل ما يدل على نقل الدين كقزله: خذ من فلان وأنا برئ منه، كما تصح بقوله أحلتك على فلان وحولت حقك عليه وأنت محال على فلان، ونحو ذلك، ويكفي الإشارة الدالة على الحوالة من الأخرس لا من الناطق.
    ويشترط لها شروط:

    (أحدها)
    رضا المحيل والمحال، أما المحال عليه فلا يشترط رضاه على المشهور كما لا يشترط حضوره ولإقراره، نعم إذا ثبت أن بينه وبين المحال عداوة فإن الحوالة لا تصح على المشهورة فإذا طرات العداوة بعد الإحالة فإن المحال يمنع من أخذ الدين من المحال عليه في هذه الحالة حتى لا يفاقم الشر وتزيد الخصومة التي نهى عنها الشارع.
    (ثانيها) أن يكون للمحال دين على المحيل وأن يكون للمحيل على دين المحال عليه فإذا لم يطون للمحال دين على المحيل كان وكالة لاحوالة لأنه طلب ممن ليس له دين أن يتقلضي له من المحال عليه عليه ماله عنده وذلك هو معنى الوكالة وإذا لم يكن للمحيل دين على المحال عليه عقد حمالة لأن المحال عليه احتمل سداد الدين عن المحيل للمحال وفي هذه الحالة المحال عليه أو مات كان للمحال وهو رب الدين أن يرجع على المحيل (المديون الأصلي) إلا إذا علم المحال من أول الأمر بأن المحيل ليس له دين عند المحال عليه ثم شرط المحيل براءته من الدين فإنه في هذه الحالة لا يكون للمحال حق الرجوع على المحيل ولو أفلس المحال عليه لأنه ترك حقه باختباره.
    وبعضهم يقول: إذا أفلس المحال عليه أو مات فإن للمحال أن يرجع على المحيل حتى المحيل ولو شرط عليه البراءة ثم إذا دفع المحال عليه الدين بالفعل فهل له أن يرجع به على المحيل ليأخذه منه؟ والجواب: أنه إذا مات قامت قرينه على متبرع به لم يكن له حق الرجوع وإلا فله حق الرجوع لجواز أن يكون قد دفعه بطريق قد دفعه بطريق القرض للمحيل.
    (ثالثها) أن يكون أحد الدينين حالا، فإن الدين الذي مؤجلا والدين الذي على المحال عليه مؤجلا مثله فإن الحوالة لا تصح لما يتلاتب عليه من بيع الدين الممنوع.
    (رابعها) أن يكون الدين لازما فلا تصح الحوالة بدين غير لازم كما إذا أحال السيد دائنة على عبده المكاتب لأن الدين غير لازم على المكاتب. أما إذا أحال المكاتب سيده على من يقبض له دينه فإنه يصح.
    (خامسها) أن يساوي الدين الذي على المحيل الدين الذي على المحال عليه في القدر والصفة ومعنى - التساوي في القدر - أنه لا يجوز أن ياخذ من المحال عليه أكثر مما يستحقه عند المحيل. فإذا كان لشخص دين عند آخر قدره خمسة، فأحاله المديون على شخص له عنده عشرة، فيجب أن يحيله بالخمسة فقط بحيث لا يأخذ أكثر منها، لأنه إذا كان الدين قرضا كانت الزبادة في الحوالة ربا وإذا كان الدين ثمن سلعة باعها فإنه يصح له باعهل له فإنه كان يصح لأن يعطيه أكثر من ثمنها. ولكنه يكون من باب بيع الدين يالدين الذي لم يرخص فيه. وكذا لا يصح أن يختلف الدينان في الصفة فلا تصح الإحالة بالجنيهات المتساوية في القدر المختلفة في الجنس مثلا كاجنيه الإنكليزي والمصري وإذا فرض تساويها في القيمة.
    (سادسها) ألا يكون الدينان (دين المحيل ودين المحال عليه) حاصلين من بيع الطعام كالحبوب ونحوها.
    فإذا أسلم زيد إلى بكر عشرين في قمح. وأسلم بكر إلى خالد مثلها عشرين جنيها في قمح أيضا فإنه لا يجوز لبكر أن يحيل زيدا على خالد ليأخذ منه القمح المسلم فيه. أما إذا اقترض بكر من زيد عشرين إردبا من القمح. واقترض خالد من بكر عشرين إردبا كذلك فإنه يجوز لبكر أن يحيل زيدا على خالد منه قمحه.
    ففي الصورة الأولى كان الدينان من بيع (سلم) . وفي الصورة الثانية كاد الدينان من قرض والأول ممنوع لما يلزم عليه من بيع الطعام قبل قبضه وهو ممنوع في الطعام المستبدل. والثاني جائز فإذا كان أحد الدائنين من بيع والآخر من قرض فإنه يجوز، فإذا أسلم زيد لبكر عشرين إردبا وأقرض بكر خالدا أو أكثر أو أقل فإنه يجوز لبكر زيدا على خالد بأخذه منه حقه من الغلة بشرط أن يكون الدين الذي عند بكر حالا لا مؤجلا، ومثل ذلك ما إذا كان الدينان من قرض فإنه يشترط أن يكون الدين المحال حالا.
    وبعضهم يقول: إنه لا يجوز مطلقا إذا ترتب عليه بيع طعام المقارضة قبل قبضه فلا تجوز الحوالة في صورة ما إذا كان أحدهما دين قرض والآخر دين سلم فليس لبكر أن يحيل زيدا بدين الطعام الذي أسلم فيه ليأخذ دين القرض الذي أقرضه بكر لخالد لأن فيه طعام القرض الذي يستحقه بكر عند خالد لزيد قبل قبضه، نعم يجوز إحالة صاحب دين القرض على دين البيع فإذا أقرض زيد عشرين إردبا لبكر وأسلم بكر لخالد عشرين جنيها في عشرين إردبا فإنه يصح لبكر أن يحيل زيدا على خالد لبأخذه منه حقه وذلك لأنه يجوز قضاء القرض بطعام البيع إذ ليس فيه بيع الطعام قبل قبضه فيه سداد للقرض.
    فشروط الحوالة ستة. وبعضهم يعد الصيغة شرطا تسامحا فتكون شروطها سبعة.
    الحنابلة - قالوا: أركان الحوالة ما تتحقق به محيل ومحال ومحال به وعليه وصيغته الخ. ولا يشترط في الصيغة أن تكون بلفظ الحوالة بل تصح بمعناها كما إذا قال شخص لآخر أتبعك بدسنك على زيد.
    وشروط الحوالة خمسة:
    (أحدها) : أن يتفق المحال به مع دين المحال عليه في الجنس والصفة والحلول والصفة والأجل فيلزم أن يحيل الدين الذي من ذهب على مثله فإذا أحال ذهبا على فضة فإنه لا يصح لاختلاف الجنس. وكذا لا يصح أن يحيل بدين مكسور على دين صحيح لاختلاف الصفة ولا يحيل دينا حل دفعه على دين مؤجل وبالعكس.
    (ثانيها) : أن يكون قدر كل من الدينين (دين المحال به ودين المحال عليه) معلوما قدره فإذا كان مجهولا فلا تصح الحوالة.
    (ثالثها) : أن يكون الدين المحال به مستقرا فلا تصح أن تحيل المرأة المدينة دائنها على صداقها قبل الدخول لأنه غير مستقر وكذا لا يصح يكاتب عبده أن يحيل دائنه على العبد ليأخذ منه دين الكتابة لأن دين الكتابة غير لازم إذ للعبد أن ينقضه.
    (خامسها) : رضا المحيل أما المحال فلا يشترط رضاه إذا كان المحال عليه قادرا على سداد غير مماطل كما تقدم في شرح الحديث وكذلك المحال عليه فإنه لا يشترط رضاه) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #145
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الضمان]
    صـــــ 193 الى صــــــــ
    198
    الحلقة (145)

    [مبحث في براءة ذمة المديون بالحوالة]
    -إذا كان لشخص دين عند آخر فأحاله بذلك الدين على شخص فهل تبرأ ذمة المديون (المحال) أو لا تبرأ؟ في ذلك تفصيل في المذاهب (1) .
    [مباحث الضمان]
    [تعريفه]
    -الضمان في اللغة التزام في ذمة الغير وهو مشتق من الضمن لأن الذمة من ضمن البدنفي معناه الكفالة يقال كفل فلان بمعنى فلانا ضمه إليه ومنه قوله تعالى: {وكفلها زكريا} أي ضمها إلى نفسه ليعولها ويقوم بترتيبها. وهي مصدر كفل بفتح الفاء وضمها وكسرها يقال كفل كفلا وكفولا ويتعدى بالباء يقال كفلت بالرجل وقد يتعدى بعن إذا تعلق بالمديون فيقال كفلت عن المديون ويتعدى باللام إذا تعلق بالدائن فيقال كفلت للدائن. أما معناه اصطلاحا ففيه تفصيل المذاهب (1) .

    (ثانيها) : أن يكون قدر كل من الدينين (دين المحال به ودين المحال عليه) معلوما قدره فإذا كان مجهولا فلا تصح الحوالة.
    (ثالثها) : أن يكون الدين المحال به مستقرا فلا تصح أن تحيل المرأة المدينة دائنها على صداقها قبل الدخول لأنه غير مستقر وكذا لا يصح يكاتب عبده أن يحيل دائنه على العبد ليأخذ منه دين الكتابة لأن دين الكتابة غير لازم إذ للعبد أن ينقضه.
    (خامسها) : رضا المحيل أما المحال فلا يشترط رضاه إذا كان المحال عليه قادرا على سداد غير مماطل كما تقدم في شرح الحديث وكذلك المحال عليه فإنه لا يشترط رضاه) .
    (1) الحنابلة - قالوا: متى توفرت شروط الحوالة فإن المحيل يبرأ من الدين يمجرد الحوالة سواء أفلس المحال عليه أو مات أو أنكر الدين.
    أما إذا لم تتوفر الشروط فإن الحوالة لم تصح وتكون وكالة حكمها حكم الوكالة. ومثل ذلك ما إذا حال شخصا لا دين له عليه شخص مدين له فإن ذلك وكالة وإن كان بلفظ الحوالة.
    وإذا أحال شخصا لا دين له على شخص غير مدين له فإن ذلك وإن كان بلفظ الحوالة كان وكالة في اقتراض منه.
    المالكية - قالوا: يتحول حق المحال عليه بمجرد الحوالة وتبرأ بذلك ذمة المديون فإذا أفلس المحال عليه أو مات أو أنكر الدين بعد الحوالة لا يكون للمحال الحق في الرجوع على المحيل (المديون له الأصلي) أما إذا أنكر المحال عليه الدين الذي للمحيل عنده قبل الحوالة ولا بينة عليه فإن الحوالة لا تصح لأن من شروط صحتها أن يكون الدين ثابتا فإذا كان المحال عليه مفلسا قبل الحوالة تكون صحيحة ولكن إذا كان المحال (صاحب الدين) عالما بلإفلاسه وقبل الحوالة فلا حق له في الرجوع على المحيل سواء كان المديون عالما بلإفلاس المحال أو لا فإذا لم يعلم اختلفا في العلم فقال المحال إن المحيل يعلم بإفلاس وأنكر فإنه يحلف إن كان يظن فيه الكذب وإلا فلا يحلف وإن تهمه المحال.
    الحنفية - قالوا: إن المديون يبرأ بإحالة الدائن مؤقتة ومعنى ذلك أن المحال بالدين ليس له حق الرجوع على الحيل إلا في حالة التوى التي تقدم ذكرها وهي أن يفلس المحال عليه أو بموت ففي هذه الحالة يصح للمحال أن يرجع على المديون الأول (المحيل) ويترتب على براءة المحيل أنه إذا مات لا يأخذ المحال الدين من ورثته بل له الحق في المطالبة بكفيل من الورثة يحفظ له حقه من الضياع.
    الشافعية - قالوا: يترتب على الحوالة براءة ذمة المحيل (المديون) من دين المحال عليه وبراءة ذمة المحال عليه من دين المحيل ولكن يتحول نظير دين المحيل إلى ذمة المحال عليه للمحال، وليس للمحال الحق في ارجوع إلى المحيل بعد الحوالة على أي حال سواء أفلس المحال عليه أو مات أو أنكر ما عليه من الدين. ومثل ذلك ما إذا أنكر الدين قبل الحوالة سواء المحال بذلك أو لم يعلم وذلك لأن قبول المحال عليه الحوالة إقرار ضمني بالدين فإنكاره لا يضر المحال وكذا إذا كان المحال عليه مفلسا قبل الحوالة فإنه لا حق للمحال في الرجوع.
    نعم إذا أنكر الدين قبل الحوالة وحلف ثم أحاله بعد ذلك فللمحال أو يحلف المحيل بأنه لم يكن بعلم ببراءة ذمة المحال عليه بيمينه فإن حلف المحيل فلا حق للمحال في الرجوع وإن لم يحلف حلف المحال وبطلت الحوالة. وكذا لو قامت بينه على أن المحال عليه قد أعطى المحيل دينه.
    (1) (الحنفية - قالوا: في تعريق الكفالة رأيان:
    أحدهما: أنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بنفس أو دين أو عين فالأقسام ثلاثة كفالة بالنفس وكفالة بالدين وكفالة بالعين.
    ثانيهما: أنها ضم ذمة إلى ذمة في أصل الدين. ولكن التعريف الأول أصح من الثاني وذلك لأنه عام يشمل أقسام الثلاثة. أما الأول فإنه مقصور على الكفالة في الدين وبيان ذلك أنه إذا كان لشخص عند آخر دين فغن له أن يطالبه بكفيل موقوق به عنده ليضمه إلى المديون الأصلي وهنا اختلفت آراء علماء الحنفية فمنهم من يقول: إن ضم الكفيل إلى أصيل يجعل لصاحب الدين الحق في مطالبته بالدين من غير أن تشتغل ذمته بذلك الدين لأن الدين مشغولة به ذمة الأصيل فقط.
    وصاحب هذا الرأي يستدل عليه بأنا إذا قلنا إن ضم ذمة الكفيل إلى الأصيل يتلاتب علها شغل ذمة الكفيل لا يكون جامعا لكا أقسام الكفالة فإن الضمان بالنفس ليس فيه شغل لذمة الكفيل بلا خلاف لصاحب الدين إلا أن يطالبه بإحضار الشخص المديون بذاته. ومثل الكفالة بالأعيان وهي ثلاثة أقسام:
    الأول المضمونة بنفسها.
    الثاني: العيان المضمونة بغيرها.
    الثالث: العيان غير المضمونة.
    فأما الأعيان المضمونة بنفسها فهي التي يجب على من أخذها أن يردها بعيمها إن كانت موجودة فإن هلكت كان عليه أن ياتي بمثلها إن كان لها مثل وإلا فعليه وذلك قيمتها كالمغصوب والمبيع بيعا فاسدا فإذا غصب شخص من آخر بقرة مثلا فإنه يجب على الغاصب أن يرد البقرة ما دامت موجودة فإذا ماتت وجب عليه أن يشتري مثلها لصاحبها.
    وإذا اغتصب جوهرة ليس لها مثيل وفقدت عليه أن يدفع لصاحبها قيمتها متى ثبت ضياعها بينه أو إقرار. وكذلك إذا اشترى سلعة بعقد فاسد كما ستعرفه موضحا في مبحث شروط الكفالة.
    أما العيان المضمونة بغيرها فهي الأعيان التي يجب تسليمها ما دامت موجودة فإذا هلكت لا يجب تسليم مثلها ولا قيمتها فإنه مضمون بغيره وهو الثمن فإذا اشترى سلعة وأعطاه ثمنها ولم يقبضها وكفلها للمشتري فغن الكفيل لا يلزم برد مثلها ولا قيمتها ومثل ذلك الرهن فإنه مضمون بغيره وهو الدين فإذا كان لشخص عند آخر دين وأعطاه سلعة رهنا عن ذلك الدين ثم كفل السلعة آخر وهلكت السلعة لا يلزم الكفيل بثمنها ولا قيمتها فالأعيان المضمونة بنفسها والمضمونة بغيرها تصح كفالتها ولكن ذمة الكفيل لا تشغل بها اتفاقا فليس لصاحبها إلا أن يطالب الكفيل بإحضارها في حال وجودها ويدفع قيمتها أو رد مثلها في الأعيان المضمونة بنفسها ولا يطالب بشيء عند هلاك العيان المضمونة بغيرها فمن أجل ذلك قلنا إن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة ليشغل التعريف أقسام الكفالة الثلاثة.
    أما الأعيان غير المضمونة لا بنفسها ولا بغيرها فإنها لا يجب تسليمها ولا تصح كفالتها وهي الأمانات كالوديعة، ومال المضاربة والشركة ونحوها. وقد اعترض على التعريف الثاني وهو ضم ذمة إلى ذمة في الدين أن هذا التعريف يستلزم تعدد الدين ومضاعفته فإذا كان لشخص دين عند آخر قدره ألف ثم كفله فيه غيره وشغلت ذمة الكفيل به في ذمة كل منها ألف ولكن هذا الاعتراض ليس بشيء لأن الدين وإن شغلت به ذمة الكفيل إلا أنه ليس لصاحبه أن يأخذ دينه إلا من أحدها فقط ومتى دفعه أحدهما فقد برأت ذمة الآخر منه فلا يلزم من شغل الذمتين به أن يأخذه من اثنين ونظير هذه الغصب من الغاصب فإذا اغتصب زيد سلعة من عمرو واغتصب خالد تلك السلعة من زيد الغاصب فإن كلا من زيد الغاصب الأول وخالد الغاصب الثاني منه يكون ضامنا لتلك السلعة لا يتعدد حقه بذلك فليس إلا أن يستوفي حقه من أحدهما إلا أنه في مسألة الغاصب تبرأ ذمة أحدهما إذا اختار صاحب السلعة الثاني وضمنه سلعته بخلاف الكفالة في الدين فإنه لا تبرأ الذمة اختيار واحد منهما ليضمن له دينه بل لا تبرأ إلا بالقبض فعلا.
    فوجهة نظر من يقول إن الكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة فقط هي جعل التعريف عاما يشمل الأقسام الثلاثة.
    أما من قال: إنها ضم في نفس الدين مع المطالبة أيضا فقد استدل بأدلة منها.
    أن صاحب الدين إذا وهبه للكفيل الحق في ان يرجع به على الأصيل فلو لم تكن ذمة الكفيل مشغولة بالدين لما صح أن يهبه له الدائن لأن الدين لا تصح هبته لمن ليس عليه الدين إلا إذا أمره بقبضه كما يأتي في الهبة فدل ذلك على أن ذمة الكفيل مشغولة بالدين. وأيضا، فإن صاحب الدين إذا اشترى من الكفيل سلعة بدينه فإنه يصح مع شراء بالدين لا يصح إلا ممن عليه الدين، وأيضا فإن الكفيل إذا مات يؤخذ الدين من تركته ولو ذمته غير مشغولة بالدين فإن المطالبة تسقط عنه بموته.
    وهذه المسائل متفق عليها فكيف تقولون إنها ضم في المطالبة فقط؟
    والجواب عن ذلك أن من قال إن الكفالة هي الضم في المطالبة لا ينفي أنها قد تكون ضما في أصل الدين تعريفها بذلك لأنه لا يشمل أقسامها الثلاثة التي ذكرناها وذلك لأن الذي يتصور فيه ضم إلى ذمة إلى ذمة في أصل الدين هو الكفالة في الدين فقط. أما القسمان الآخران فأنه لا يتصور فيهما ذلك اتفاقا ولا يقال إن من عرفها بأنها ضم ذمة إلى ذمة في نفس لاحظ تعريف قسم واحد فغن ذلك لا يمنع كون التعريف ناقصا وأن الأصح بما يشمل الأقسام الثلاثة. وعلى هذا يكون الخلاف في التعريف لا ثمرة له.
    أما كون ثمرته في اليمين لأن حلف ألا يحنث على القول بأن ذمته مشغولة بالدين ولا يحنث على أن ذمته مشغولة بالمطالبة فهذا مما لا معنى له.
    هذا والمراد بالذمة العهد المتعلق بالإنسان فقولهم في ذمته كذا أي في نفسه باعتبار عهدها المتعلق بها فقولهم ضم ذمة إلى ذمة معناه ضم شخص إلى شخص إلى شخص في التعهد بالحق. وبعضهم يقول: إنها وصف شرعي تتحقق به الهلية لوجوب ماله وعليه والأول أو ضح، والكالقة والضمان بمعنى واحد عند الحنفية.
    (وبعد) فإن الكفالة لا تصح إلا إذا أمر بها المدين كما سيأتي وإذا كانت الكفالة بالأمر فإنها توجب دينين وثلاث مطالبات.
    المالكية - قالوا: الضمان والكفالة والحمالة بمعنى واحد وهو أن يشغل صاحب الحق ذمة الضضامن مع ذمة المضمون سواء كان شغل الذمة متوقفا على شيء أو لم يكن متوفقا.
    وبيان ذلك أن الضمان عندهم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: ضمان المال فإذا ضمن شخص آخر في مال فغن ذمته تشغل بذلك المال كما شغلت به ذمة الأصيل بدون أن يتوقف على أمر آخر.
    القسم الثاني: ضمان الوجه وهو التزام الاتيان بالغريم الذي الدين عند الحاجة فهذا الضمان لم يصح في غير المال، ولا تشغل ذمة الضامن بالمال إلا إذا لم يحضر المديون أما إذا أحضره فلا يلزم بالدين. فهذا القسم يتوقف فيه شغل الذمة بالحق على عدم إحضار المضمون.
    القسم الثالث: ضمان الطلب وهو أن يلتزم الضامن طلب الغريم والتفتيش عليه. وهذا القسم يصح فيه ضمان غير المال ولا تشغيل ذمة الضامن بالمال إلا إذا ثبت تفريطه في الإتيان بالمضمون أو في الدلالة علم موضعه وتركه فشغل الضامن في هذا القسم تتوقف على تفريط الضامن أو تهريبه وبذلك يتضح أن شغل الذمة لا يتوقف على شيء في ضمان المال. ويتوقف على عدم الإتيان بالمضمون في ضمان الوجه. ويتوقف على تفريط الضامن في ضمان الطلب. فالطلب على الوجه الذي يشمل أقسام الضمان الثلاثة.
    الحنابلة - قالوا: ضمان الديون الثابتة فإذا ضمن شخص آخر في دين فقد شغلت ذمته بذلك الدين كذمة المديون الأصلي فلم الدين فلم ينتقل الدين من ذمة المضمون إلى الضامن بل باق مع شغل الضامن ولصاحب الدين الحق في مطالبة الاثنين فإذا برئت ذمة المضمون الأصلي بقضاء أو حوالة فقد برئت ذمة الضامن لأنه تابع للمضمون.
    أما إذا برئت ذمة الضامن فغن المضمون لم تبرأ ذمته. ومثله إذا قضى الحاكم ببراءة ذمة الضامن أو حال الضامن صاحب الدين عنه فإن المديون الأصلي لا تبرأ ذمته بذلك ويكون لصاحب الدين حق مطالبته.
    أما إذا قبض دينه من أحدهما فعلا فإن ذمتها تبرأ من دينه ثم إذا دفع الضامن الرجوع على المضمون صح له أن يرجع. أما إذا لم ينو فليس له حق الرجوع.
    القسم الثاني: ضمان ما يؤؤل إلى الوجوب وإن لم يكن واجبا بالفعل وذلك كالعيان المغصوبة والمستعارة، فإن مثل هذه العيان إن لم تكن واجبة في ذمة الغاصب أو المستعير بالفعل ولكنها تؤول إلى الوجوب لأنها ردها إلى صاحبها ما دامت قائمة فغن هلكت كان ملزما بقيمتها فمعنى ضمان هذه العيان أو ضمان قيمتها عند هلاكها.
    ومثل العيان المغصوبة والمستعارة العيان المقبوضة على سوم الشراء ومعنى المقبوضة على سوم الشراء هو أن يساوم شخص آخر في شراء سلعة ولم يتعاقد معه نهائيا سواء قطع معه ثمنها وقبضها ولم يسلمه الثمن أو لم يقطع معه ثمنها، ولكن قبضها ليطلع عليها أهله أو أصحابه فمثل هذه السلعة تكون مضمونة كالعارية والعين المغصوبة بحيث إذا هلكت وجب عليه رد قيمتها وإلا ردها بعينها.
    أما إذا أخذ العين بغير مساومة وبغير قطع ثمن فلا تكون مضمونة ولا يصح الضمان فيها ومثل الأعيان التي تؤخذ مساومة العيان غير المضمونة كالوديعة ومال الشركة والعين المستأجرة فإنها لا يصح فيها الضمان وذلك لأنه لا يجب على من وضع عليها يده أن يردها. فكذا لا يجب على ضامنه، نعم لا يصح ضمان التعدي عليها بمعنى أنه تعدى عليها من كانت بيده فإنها تجب عليه فكذا ضامنه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #146
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الضمان]
    صـــــ 199 الى صــــــــ
    209
    الحلقة (146)

    [أركان الضمان وشروطه]
    -أركانه خمسة: ضامن. ومضمون له وهو صاحب الحق. ومضمون عنه وهو الذي عليه الحق. ومضمون وهو الحق. ويقال مضمون به أي بسببه ولكل ركن من هذه الأركان شروط مفصلة في المذاهب (1) .

    القسم الثالث: ضمان الديون التي تجب في المستقبل بأن يضمن ما يلزمه من دين. مثلا إذا كان شخص يعامل تاجرا فإن له أن يأتي بضامن يضمنه فيما يلزمه من دين التجارة التي يأخذها شيئا فشيئا.
    الشافعية - قالوا: الضمان في الشرع عقد يقتضي التزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار عين مضمونة، أو إحضار بدون من يستحق حضوره.
    ومعنى التعريف أن الضمان ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: ضمان الدين ومعناه أن الضامن يلتزم في ذمة المديون من حق، بحيث تشتغل به ذمته، كما شغلت ذمة المديون، وإذا دفع أحدهما برئت ذمة الآخر، وهذا معنى قوله: التزام حق ثابت.
    القسم الثاني: ضمان رد العين المضمونة كالعين المضمونة والعين المستعارة، فإذا اغتصب زيد من عمرو سلعة فإنه يصح لخالد أن يضمن زيدا الغاصب في رد السلعة المغصوبة ويكون ملزما بردها ما دامت باقية. أما إذا هلكت فلا شيء عليه ومثل ذلك ما إذا استعار منه عينا.
    القسم الثالث: التزام إحضار شخص ضمنه في ذلك فإذا كان لزيد عند عمرو دين فإنه يصح لخالد إحضار نفس المدين عند الحاجة وهذا الضمان يسمى كفالة فالكفالة نوع من الضمان وهي خاصة بضمان الأبدان) .

    (1) (الحنفية - قالوا: للكفالة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول. لأنه هو الذي تتحقق به ماهية العقد وأما غير ذلك فإنه شروط كما تقدم.
    وعلى ذلك فلا بد من قبول صاحب الدين وهو المكفول له سواء كانت الكفالة بالنفس أو المال فإذا كان لشخص دين عند آخر فأراد أن يكفله فيه ثالث فلا تصح كفالته إلا إذا قبل صاحب الدين في المجلس أو ناب عنه في القبول شخص آخر في المجلس ثم أقر نيابه بعد المجلس وبعضهم يقول لا يلزم في الكفالة قبول صاحب الدين في المجلس فتصح الكفالة بالنفس والمال بدون قبول صاحب الحق لأن الكفيل زيادة في توثيق الدين لا يضر وجود صاحب الحق فلا تتوقف صحة الكفالة على قبوله.
    أما صيغة الكفالة فهي كل ما يفيد التعهد والالتزام كقوله: كفلت وضمنت وتحملت وأنا بذلك المال زعيم وحميل وغريم: دين فلان علي أو والي أو نحو ذلك. وتصح الكفالة بالنفس بكل ما يعبر عنه عن البدن حقيقة كما في الطلاق وذلك كأن يقول: ضمنت إحضار نفسه أو روحه ورأسه ووجهه. ومثل ذلك الجزء الشائع في بدنه كنصفه وثلثه. أما الجزء المعين كاليد والرجل بأن قال: ضمنت يده أو رجله فإنه لا يصح.
    المالكية - قالوا: يشترط ككفالة شروط وبعضها يتعلق بالمكفول عنه. وبعضها يتعلق بالكفيل ويعضها يتعلق بالمال المكفول به وبعضها يتعلق فيشترط في المكفول عنه ألا يكون محجورا عليه بسفه في الشيء الذي يضمن فيه. وذلك تصرف السفيه إلى قسمين:
    أحدهما: أن يشتري أو يبيع أو ينفق شيئا لازما له لا بد منه في ضروريات أموره.
    ثانيهما: أن يتصرف كذلك فيما ليس بلازم بل يمكنه الاستغناء عنه.
    فإذا تصرف في شيء لازم فإنه يصح كفالته في ذلك الشيء وإذا دفعه الكفيل فإنه يرجع به على المحجور عليه ويؤخذ من ماله على الراجح أما إذا تصرف في شيء مستغني عنه فإن الكفالة فيه لا تصح ولا يرجع على المحجور عليه.
    وهل يلزم الكفيل أن يدفع المال الذي ضمنه لصاحب الدين الدين أو لا؟ في ذلك تفصيل وهو أن الضامن إذا كان يعلم أنه محجور عليه ثم ضمنه بعد ذلك وكان المضمون له لا يعلم فإن على الضامن أن يدفع المال الذي ضمن به اتفاقل ويضيع ما دفعه فلا حق له له في ارجوع على المجور عليه.
    أما إذا كان العكس وهو أن الضامن لا يعلم بأن المضمون محجور عليه والمضمون له (وهو صاحب المال) يعلم أنه محجور عليه فإن الضامن غفي هذه الحالة لا يلزمه شيء اتفاقا.
    أما إذا كان الاثنان يعلمان محجور عليه أو كانا لا لا يعمان شيئا فإن في ذلك خلافا فبعضهم يقول: يلزم الضامن أن يدفع ما ضمن به وبعضهم يقول: لا يلزمه شيء فإذا ضمن صبيا بحق أمر وليه صح الضمان ويرجع الضامن بما دفعه في مال الصبي ومثل ذلك ما إذا كسر الصبي زجاجا ونحوه أو أتلف شيئا فدفع أحد قيمته لصاحبه فإن له أن يرجع بما دفعه في مال الصبي إلا إذا كان الصبي صغيرا جدا مثل ابن ستة أشهر لا ينزجر لأن ما يتلفه في هذه الحالة لا يلزم به.
    ولا يشترط في المكفول عنه (المديون) أن يكون قادرا على تسليم المكفول به فيصح كفالة المبيت بمعنى حمل الدين عنه لا بمعنى ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الميت لأن ذمة الميت قد انتهت ثم إذا كان الضامن يعلم أنه لامال له ثم طرأ للميت مال لم يكن في الحسبان فليس للضامن أن يأخذ منه لأنه دفع متبرعا. أما إذا كان يطن أن له مالا أو يشك ثم ظهر أن له مالا فإنه يرجع عليه والقول في ذلك للكفيل إلا إذا قامت قرينه على أنه متبرع.
    ويشترط في الكفيل أمور:
    أولا: أن يكون بالغا فلا يصح لللصبي أن يضمن غيره.
    ثانيا: أن يكون عاقلا فلا تصح كفالة المجنون.
    ثالثا: أن لا يكون محجورا عليه لسفه فلا يصح للسفيه أن يضمن غيره.
    رابعا: أن لا تكون امرأة متزوجة إذا رأت أن تضمن في مقدار يزيد عن ثلث مالها بغير إذن زوجها، فإذا تكفلت المرأة بمقدار يساوي ثلث مالها فإن كفالتها تصح ولو لم يأذن زوجها، ومثل ذلك ما إذا تصدقت أو وهبت أو أعتقت أو نحو ذلك فإن تصرفها ينفذ في مقدار الثلث فقط فغن فعلت أكثر من ذلك بدون إذن زوجها فإن له الحق في رد كل ما تصرفت فيه.
    خامسا: ان يكون مريضا (خطرا) إذا أراد أن يضمن في أكثر من ثلث ماله، فإذا ضمن المريض في أكثر من ثلث بشيء يزيد على الدينار فغن ضمانه لا ينفذ إلا أجازته الورثة.
    واعلم أن الشرط الرابع والخامس من شروط النفاذ لا من شروط الصحة فإن الكفالة بدونها تصح بغير إذن سيده فغن ضمانه يصح ولا ينفذ إلا إذا أجازه السيد، وإذا عتق العبد فإن الضمان يلزمه بعد العتق.
    سادسا: أن لا يكون الضامن عليه دين يستغرق كل ماله، فمن كان عليه دين يستغرق جميع ماله فإن كفالته لا تصح ولا يكون أهلا للتبرع.
    ويشترط في المال المكفول به أن يكون دينا، فلا تصح الكفالة في الأمانات - كالعين المستعارة، والعين المودعة - وكذا مال المصاربة والشركة، فإذا استعار سلعة من آخر واتى له بضامن يضمنه في تلك السلعة فإنه لا تصح، وكذا لو أودع عند آخر وديعة أو مالا يعمل به مضاربة، نعم يصح أن يأتي بضامن يضمن قيمتها له إذا فقدت بسبب تعد أو تفريط في المحافظة عليها، وإذا فرط المستعير في العارية، أو الشريك في مال شريكه، أو اتلفه بتعديه لزم الضامن قيمته ما اتلفه المضمون.
    ويشترط في الدين أن يكون لازما أو يؤول إلى اللزوم، فمثال اللازم الذي يصح ضمانه دين القرض وثمن السلعة المبيعة، فإذا اشترى شخص سلعة من آخر بثمن مؤجل وأتى بضامن ثمنها فإنه يصح ضمانه دين القرض، فإذا اشترى شخص سلعة من آخر بثمن بثمن مؤجل ولأتى بضامن من ثمنها فإنه يصح ويلزم. ومثل ذلك ما إذا استأجر أرضا بأجرة معلومةن فإنه يصح الضمان ويلزم.
    ومثال الدين غير اللازم الذي لا يصح ضمانه دين الصبي بغير إذن وليه والسفيه المحجور عليه على التفصيل المتقدم، ودين الرقيقي بغير إذن سيده، ودين المكاتب، فإذا أتى بضامن فإنه لا يصح لأن دينه لازم. إذ يجوز له أن يبطل عقد الكتابة فهذا الدين لا يصح ضمانه لأنه لا يلزم المدين أن يفي به.
    ومثال الدين الذي لا يلزم في الحال ولكن يلزم في المال دين الجعل فإن من جعل لآخر جعلا على عمل يعمله فإن الجعل يلزم بعد الفراغ من ذلك العمل فيصح ضمانه لأنه وإن لم يلزم في الحال لكن يلزم في المال. فإذا قال شخص لآخر: إن جئتني بجمالي الضالة فلك عشرة جنيهات وأتى له بضامن يضمنه فيها يصح ولو يشرع في العمل لأنه إن جاء ثبت له المبلغ في ذمة الأصيل فكذلك في ذمة الكفيل وإن لم يأت بها لم يثبت له شيء وهذا هو الراجح، وبعضهم يقول: دين الجعل قبل الشروع في العمل كدين الكتابة لا تصح كفالته.
    ويصح ضمان الدين الحال مؤجلا كما إذا كان لزيد عشرة جنيهات عند عمرو وحل موعد سدادها فإنه يجوز لخالد ان يقول لزيد: أجل أو شهرين أو نحو ذلك وأنا ضامن لك وذلك الدين وإنما يصح ذلك إذا تحقق واحد من أمرين:
    أحدهما: أن يكون المدين موسرا وقت الضمان وذلك لأنه يكون التأجيل سلفا جر منفعة وهو ممنوع وذلك لأن صاحب الدين في الحالة الأولى ضامن لحقه وقادر على أخذه فإذا أجلخ بضامن لا تكون له فائدة من الضامن فرضاؤه بمد الأجل بمنزلة القرص بدون منفعة تعود عليه.
    أما إذا كان المديون معسرا فإن صاحب الدين لم يكن قادرا على أخذ دينه فإذا أجل له الدين نظير لنتفاعه بالضامن فإنه يكون قد أسلفه بفائدة.
    ثانيهما: ألا يكون المديون موسرا وقت الضمان ولكن ضمنه مدة لا يتصور أن يطرأ عليه فيها يسر بل معسرأ إلى انتهائها وذلك أن صاحب الدين يجب عليه أن ينتظر إلى ميسرته بطبيعته فالضمان لم يفده شيئا.
    ثانيهما: ألا يكون المديون موسرا وقت الضمان ولكن الضامن مدة لا يتصور أن يطرأ عليه فيها انتفاعه بل يظل معسرا إلى انتهائها لأن صاحب الدين يجب عليه أن ينتظر إلى ميسرته بطبيعة الحال لم بفده شيئا.
    أما إذا أيسر في أثناء المدة فإنه لا يجوز، فإذا كان لشخص آخر عشرة حل موعد دفعها اليوم فطلب منه ان يؤجلها له ثلاثة أشهر بضمانة الغير فإن كان للمديون ما يسد به العشرة قبل حلول الأجل عادة فإن الضمان يصح.
    أما إذا أيسر بعد شهر أو شهرين كأن كان مستحقا في وقت ينتظر الحصول على غلته أو موضفا بوظفيته ينتظر قبض راتبها فإن الضمان لا يصح، وذلك لأن صاحب الدين في هذه الحالة يكون قد أجل دينه في نظير أنه ينتفع يالضامن المدة التي يكون فيها معسرا وقد يقال انتفع في الصورة الأولى بالضامن في مدة الإعسار جميعها بأي فرق.
    وكذا يصح ضمان الدين المؤجل حالا كما إذا كان لشخص دين عند آخر مؤجلا إلى شهرين مثلا فقال له المدين إنه تنازل عن الأجل وصار الدين حالا، ثم جاء له ضامن يضمنه وهذه الصورة غير عملية إذ لا يعقل أن يتنازل المديون عن المدة التي يحل فيها دينه ثم يأتي بضامن خوفا من الممطالة ولهم في ذلك تفصيل لا فائدة من ذكره.
    ولا يشترط في المضمون به أن يكون معينا فإذا قال شخص لآخر: داين فلانا وأنا ضامن له فإنه يصح الضمان فيما داينه بينه أو إقراره لا يكون حجة على الضامن، وهل ضمان جميع ما استدانه مهما بلغ قدره، أو يلزمه ضمان ما يعامل له مثله فقط؟ قولان. وللضامن في هذه الحالة أن يرجع عن الضمان - قبل المعاملة لا بعدها - فإن عامله في البعض لزم الضمان فيما عامل به فقط.
    وأما الصيغة فيشترط فيها أن تدل على الحفظ والحياطة عرفا مثل: أنا حميل بفلان أو زعيم أو كفيل أو قبيل أو هو لك عندي أو علي أو إلي أو قبلي أو أنا قبيل به أو أذين أو عوين أو صبير أو موين ونحو، ذلك، فهذه كلها ألفاظ ينعقد بها الضمان.
    والاستعمال الصيغة ثلاثة أحوال:
    (الحالة الأولى) أن تذكر لفظ الضمان مطلقا غير مقيد بما يدلا على أنه ضمان عن المال أو النفس، كما إذا قال: انا ضامن لفلان، ولم يقل: في المال الذي عليه، أو في إحضاره بنفسه، وفي هذه الحالة خلاف، فبعضهم يقول: إنها تحمل على الضمان بالمال، وبعضهم يقول: بل تحمل على الضمان بالنفس.
    (الحالة الثانية) أن يذكر بفظ الضمان مقيدا بما يدل على المضمون لفظا كأن يقول: أنا ضامن لما على فلان من الدين أو ضامن لنفس فلان، وهذه الحالة لا خلاف في معاملة الضامن بما قيد به الصيغة من ذلك.
    (الحالة الثالثة) أن يذكر لفظ الضمان مقيدا بما يدل على المضمون فيه كأن يقول: أنا ضامن لفلان وينوي دينه أو نفسه وحكم هذه الحالة أن الضامن يعامل بما نواه ويصدق في ذلك لأنه متبرع والأصل براءة ذمته.
    الحنفية - قالوا: ينقسم شرط الطفالة إلى خمسة أقسام:
    (القسم الأول) يرجع إلى الكفيل: فيشترط في الكفيل أن يكون عاقلا بالغا، فلا تنعقد كفالتة المجنون ولا كفالة الصبي أصلا إلا في حالة واحدة يصح للصبي أن يكفل ذلك بالمال لا بالنفس ما إذا كان الصبي يتيما واستدان وليه سواء كان أبا أو غيره لينفق على الصبي فيما لا بد منه فإنه يجوز للصبي أن يكفل ذلك المال بأمر وليه وتصح كفالته في هذه الحالة ويطلب بالمال كما يطالب بذلك.
    أما إذا أمره أن يكفل نفس الولي لصاحب المال بمعنى أن الصبي يحضر الولي عند الحاجة فإن الكفالة لا تصح لأن الصبي في كفالة المال الذي أنفق في ضرورياته ملزم به فكفالته للولي في ذلك المال تزيد في تأكيده بخلاف كفالته في النفس فإنها محض تبرع وهو أهلا للتبرع.
    وكذا يشترط في الكفيل أن يكون حرا وهذا شرط نفاذ لا شرط انعقاد فإن كفالة العبد تصح ولكن لا نتفذ إلا بإذن السيد أو بعد عتقه. فإذا عتق كان ملزما بما كفل به وهو رقيق وكذا تشترط الصحة فيما زاد عن ثلث المال فلا يصح للمريض أن يكفل لوارث أو عن وارث أصلا ولو كان الدين أقل من ثلث ماله. فيشترط في الكفيل البلوغ والعقل وهما شرطا انعقاد. والحرية وهي شرط نفاذ والصحة وهي شرط فيما زاد عن الثلث من ماله.
    القسم الثاني: يرجع إلى الأصيل وهو المديون فيشترط فيه أن يكون قادرا على تسليم المكفول به ينفسه أو نائبه فإذا كفل ميتا مفلسا لا تصح كفالته لأن الميت المفلس عاجز عن تسليم المكفول به بنفسه وبنائبه من الورثة لأنه مفلس، فإذا ترك الميت مالا فإنه يصح الكفالة عنه بقدر ذلك المال. وهذا القول هو الصحيح.
    وكذا يشترط في الأصيل أن يكون معلوما، فلا تصح كفالة المجهول إذا كانت الكفالة في المستقبل وتسمى مضافة، فإذا قال شخص لآخر كفلت لك ما تبعيه للناس بالدين فإن الكفالة لا تصح. وقد يقع هذا فيما أراد شخص أن يعلم ولده التجارة ويجلب له الناس يشترون منه فيقولون له بع: للناس ولو بالدين وأنا أضمن لك ما تبيعه من ذلك، فهذه الكفالة غير صحيحة لأن الناس كفلهم مجهولون.
    ومثل ذلك ما إذا قال له: إن غصب منك أحد شيئا فأنا كافل له وتسمى هذه كفالة معلقة بالشرط وهي في معنى الكفالة المضافة، فالمراد بالمضافة والمعلقة ما يقع في المستقبل ويقابلها الكفالة المنجرة الواقعة في الحال، وهذه لا يشترط فيها أن يكون الأصيل الذي يراد كفالته معلوما. ومثال ذلك أن يقول له: كفلت بما ثبت لك على الناس، فهذه صحيحة ويلزمه أن يقوم مما ثبت له في الماضي على الناس الذين يعينهم المكفول له صاحب الدين لأنه بذلك يكون له الحق في تعيين من له عليه الدين.
    ولا يشترط في الأصيل المكفول عنه أن يكون حرا بالغا حرا فتصح كفالة الصبي بالمال والنفس سواء كان مميزا أو لا وسواء كان مأذونا له في التجارة أو لا، ثم إن كانت الكفالة بأمر الولي يجبر الصبي على الحضور مع الكفيل في الكفالة بالنفس ويرجع الكفيل بما غرم على مال الصبي.
    أما لم تكن الولي فإن كانت الصبي وكان مأذونا بالتجارة غير محجور عليه فإن الكفيل يرجع بما غرم على مال الصبي في كفالة المال ويجبر الصبي على الحضور معه في كفالة النفس وإلا فلا.

    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #147
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الضمان]
    صـــــ 199 الى صــــــــ
    209
    الحلقة (147)

    القسم الثالث: يرجع إلى المكفول له صاحب الدين فيشترط أن يكون معلوما فلا يصح للشخص أن يكفل شخصا لمن يجهله. وأن يكون عاقلا فلا تصح الكفالة عند المجنون ومثله الصبي الذي لا يعقل. لأن المكفول له لا تتم الكفالة إلا بقبوله على الصحيح فيجب أن يكون من أهل القبول ولا تصح الكفالة بقبول وليهما عنهما. أما حرية المكفول له فإنها ليست بشرط.
    القسم الرابع: يرجع إلى المكفول به سواء كان دينا أو عينا فيشترط لصحة الكفالة في الدين شرطان:الشرط الأول: أن يكون دينا صحيحا. والدين هو الذي لا يسقط إلا بأدائه لصاحبه أو بالبراءة بأنه يسامح فيه صاحبه. ويقوم مقام الإبراء منه أن يفعل صاحبه ما يستلزم سقوطه مثال ذلك مهر الزوجة قبل الدخول فإنه يسقط إذا رضيت لابنه البالغ أن يقبلها بشهوة فهو وإن لم تبرئه حقيقة ولكنها بفعلها هذا أبرأته حكما.
    فالدين الصحيح هو الذي لا يسقط إلا بقضائه أو الإبراء منه حقيقة أو حكما، وهذا هو الدين الذي يصح ضمانه، أما غيره فإنه لا يصح كدين الكتابة فإن للمديون وهو العبد المكاتب أن يفسخ عقد الكتابة متى شاء، ويستثنى من ذلك الدين المشترك بين اثنين فإنه وإن كان صحيحا ولكن لا يصح لأحد الشريكين أن يضمنه.
    مثلا إذا اشترى شخص من تاجر شريكين بعشرين جنيها إلى أجل فإنه لا يصح لأحد الشريكين أن يضمن المشتري في الثمن لأنه إن ضمنه مع بقاء الشركة بأن ضمنه في نصف شائع كان ضامنا لنفسه لأن كل جزء يؤديه الأصلي يكون له فيها نصيب وإن ضمنه في نصف صاحبه بدون شيوع كان ضامنا لنفسه لأن كل جزء يؤديه الأصيل يكون له فيه نصيب وإن ضمنه في نصف صاحبه بدون شيوع كان معناه قسمة الدين قبل قبضة وهي لا تجوز لأن معنى القسمة هي أن يفرز كل مهما نصيبه ويحزه، وذلك لا يتصور في الدين قبل قبضه لأنه شغل ذمة المدين وهو أمر معنوي فإذا كان الضامن أجنبيا فإنه يصح مع بقاء الشركة فمن اشترى سلعة من تاجر وأتى لهما بضامن فإنه يصح ويكون ما يدفعه الضامن بمنزلة ما يدفعه الأصيل، وكذا تستثنى النفقة المقروءة بالقضاء أو بالتراضي فإنها دين غير صحيح لأنها تسقط بالموت أو بالطلاق ومع ذلك فإنه يصح ضمانها ومحل كون النفقة تسقط بالموت أو الطلاق إذا لم تكن مستدانة بأمر القاضي وإلا فهي دين صحيح لا يسقط أصلا.
    الشرط الثاني: أن يكون الدين قائما ومعنى كونه قائما أن يكون باقيا غير ساقط. فإذا كان له على ميت مفلس فإنه لا يصح ضمانه لأن الميت المفلس سقط عنه الدين. ولا يشترط أن يكون الدين معلوما تصح الكفالة بالمجهول.
    ومثال الدين الصحيح القرض وثمن المبيع بعقد صحيح فإذا اشترى شخص سلعة من آخر ولم يدفع ثمنها ثم كفله شخص فيها ودفع ثمنها ثم ظهر فساد العقد بعد ذلك كان الكفيل مخيرا بين أن يرجع بما دفعه على البائع أو على المشتري. أما إذا كان عقد البيع صحيحا وقت الكفالة ثم أضيف إليه شرط أفسده بعد ذلك فإن الكفيل يرجع بما دفعه على المشتري فقط يرجع على البائع والفرق أن البائع قد قبض ما يستحقه لأن العقد كان صحيحا والكفيل يرجع على المشتري لا على البائع.
    ويشترط في كفالة الأعيان أن تكون مضمونة بنفسها أو بغيرها كما ذكرنا في تعريف الكفالة. ومن الأعيان المضمونة بنفسها المبيع على سوم الشراء فإذا ساوم شخص آخر على سلعة سمى له ثمنها ثم استلمها على أن ينظر إليها أهله قبل أن يبت في شرائها فإن كفالتها تصح.
    أما إذا لم يسلم ثمنها فإنها تكون أمانة ولا تصح بما ليس مضمونا كالوديعة ومال المضاربة والشركة ولكنها أمانة كالعارية والمستأجر في يد وهذه تصح كفالتها. ولكن إذا هلكت الدابة في يد المستأجر فإن الكفيل لا تلزمه قيمتها ثم إن الكفالة وإن كانت لا تصح بنفس الأعيان غير المضمونة كما ذكرنا ولكنها تصح بتسليمها فإذا كفل شخص لآخر تسليم الوديعة التي عند فلان فلان فإنها تصح ومثل ذلك ما إذا كفل له بتسليم العرية التي عنده ويشترط في الكفالة بالنفس أن تكون النفس مقدورة التسليم فلا يصح أن يكفل شخصا غائبا لا يدري مكانه لأنه يقدر على إحضاره وتسليمه. ومثل ذلك ما إذا اتفق شخص مع آخر على أن يبني له دارا بشرط أن يتولى بناءها بنفسه فإنه لا يصح كفالة الشخص الذي يتولى العمل بنفسه لأنه ليس في قدرة الكفيل أن يرغمه على العمل، نعم تصح كفالته بنفسه بحيث يتولى الكفيل إحضاره عند الحاجة.
    ومن الشروط التي ترجع إلى المكفول به أن لا يكون حدا أو قصاصا فلا تصح الكفالة بهما لأنهما لا يمكن تسليمها وإنما تصح كفالة الشخص الذي وجب علبه حد أو قصاص بمعنى إحضاره عند اللزوم.
    القسم الخامس: يرجع إلى الصيغة فيشترط لها أن لا تكون معلقة على شرط غير موافق للكفالة كأن يقول له: أكفل لك مالك على فلان من دين إن نزل المطر أو هبت الريح ونحو ذلك فمثل هذه الصيغة لا تصح بها الكفالة لأنها معلقة على شرط غير محقق الوقوع والغرض من الكفالة التأكيد فهذا الشرط لا يناسبها. أما المعلقة على شرط موافق فهي صحيحة ويكون الرشط موافقا للكفالة بواحد من أمور ثلاثة:
    الأول: أن يمون الشرط سبببا للزوم الحق كأن يقول له: أكفل لك هذه اليلعة المبيعة إن ظهر أنها ملك لغير بائعها فالشرط هنا وهو ظهور كون المبيع ملكا للبائع سببا للزوم الحق المكفول به وهو وجوب الثمن للبائع على المشتري.
    ومثل ما إذا قال له: أكفل لك سلعة المودعة عند فلان إن أنكرها وذلك لأن إنكارها سبب لوجوب ثمنها عليه وهكذا. بخلاف ما إذا قال له: امش في طريق كذا وإن أكلك سبع فأنا ضامن فإنه ضمان غير صحيح لأن فعل السبع غير مضمون.
    الأمر الثاني: أن يكون سببا لسهولة تمكن من استيفاء المال من الأصيل كقوله إن قدم زيد فعلي ما عليه من الدين فالشرط في هذا المثال قدوم زيد سبب في تسهيل استيفاء صاحب الدين حقه من القادم الذي عليه الدين هو زيد. ويشترط أن يكون زيد القادم مدينا للمكفول له كما ذكرنا أو مضاربا أو غاصبا أو نحو ذلك، أما إذا كان أجنبيا كأن يقول: ضمنت لك ما على زيد عند حضور عمرو من سفره فإنه لا يصح لأن عمرو الأجنبي الذي ليس مدينا ولا علاقة له بالدين لا يصح التعلق على حضوره.
    الأمر الثالث: أن يكون سببا لتعذر الاستيفاء نحو إن غاب زيد عن البلد فعلى فالشرط وهو غياب زيد سبب لتعذر استيفاء الدين منه فيصح أن يكفله فيه.
    ومثل ما إذا قال له: ضمنت لك ما على فلان من الدين إن مات ولم يترك شيئا ونحو ذلك.
    وحاصل هذا المقام أن تعليق الكفالة صحيح إذا لم يترتب على ذلك إخلال بعقد الكفالة وهو توثيق الدين وتأكيده فإذا كان الشرط من الأمور ليست محققة الوقوع فإنه لا يصح.
    ومثل ذلك ما إذا أجل الكفالة إلى أجل مجهول جهالة شديدة كما إذا قال له: أكفل لك نفس زيد عند هبوب الريح أو نزول المطر وفي هذه الحالة تثبت الكفالة ويبطل الأجل.
    أما إذا أجل إلى أجل مجهول جهالة يسيرة كما إذا قاله: كفلت لك زيدا إلى الحصاد أو إلى موسم النيروز ونحو ذلك فإنه يصح وثبتت الكفالة والأجل.
    أما إذا أجل الكفالة إلى وقت معين كما إذا قال له: أكفل لك زيدا أو ما على زيد من هذه الساعة إلى شهر فإنه يكون كفيلا مدة شهر بلا خلاف.
    أما إذا قال له: أكفله لك شهرا بدون أن يذكر (من) وإلى، فإن فيه خلافا فبعضهم يقول: إنه يكون كفيلا دائما وبعضهم يقول: إنه كفيل في المدة التي ذكرها ولا يكون كفيلا بعد ذلك، أما إذا قال: أكفله إلى شهر فقط (من) فكذلك فيها الخلاف فبعضهم يقول إنها كالأول وبعضهم يقول إنها كالثاني.
    والتحقيق في ذلك أن صيغ الكفالة مبنية على العرف جاريا على أن هذه الصيغ لا يقصد منها إلا تأجيل الكفالة بأجل معلوم فإنها تحمل عليه لا فرق بين أن يذكر (من) وإلى، أو لم يذكر منهما، فلو قال: كفلت لك شهرا يكون كفيلا في هذه المدة فقط ولا يكفله بعد ذلك إلا إذا قامت قرينة على خلاف العرف فيعمل بها.
    وكما أن الكفالة نفسها لا تصح إذا علقت على شرط غير ملائم فكذلك البراءة منها لا تصح إذا علقت على شرط غير ملائم فإذا قال صاحب الدين للكفيل: إن جاء الغد فأتت بريء من الدين لا تصح البراءة ويكون لصاحب الدين مطالبة الكفيل كما كانمن قبل، والمراد بالشرط غير الملائم هنا هو كل شرط لا يستنفذ منه صاحب الدين شيئا كما مثله وكقوله إن دخلت الدار فأتت بريء من الكفالة ونحو ذلك من الشروط التي لم يتعارف الناس. أما الشروط المتعارفة التي يستنفذ منها صاحب الدين فإنه يصح تعليق البراءة عليها كقوله: إن دفعت لي بعض الدين فأتت بريء من الكفالة في الباقي.
    الشافعية - قالوا: تنقسم شروط الضمان إلى أربعة أقسام:القسم الأول: يرجع إلى الضامن فيشترط فيه شروط:
    أحدها: أن يكون عاقلا فلا يصح ضمان المجنون بخلاف الذي غاب عقله بسبب السكر فإن ضمانه يصح.
    ثانيها: أن يكون باغا فلا يصح ضمان الصبي.
    ثاثها: أن لا يكون محجورا عليه لسفه فلا يصح ضمان المحجور عليه بسبب السفه أما المحجور عليه بسبب الإفلاس فلا ضمانه يصح وكذا يصح ضمان السفيه الذي لم يحجر عليه.
    رابعها: أن لا يكون مريضا مرض الموت وهو لا يصح ضمانه بشرطين:
    الأول: أن يكون عليه دين يستغرق كل ماله فإن لم يكن عليه دين مستغرق فإن ضمانه يصح.
    الثاني: أن لا يطرأ له مال جديد بعد الموت فلو ظهر أن استحقاقا في مال بعد موته فإنه يصح الضمان بالنسبة له ويؤخذ المضمون من ذلك المال. أما الذي يبرأ من مرضه فإن ضمانه يصح.
    رابعها: أن لا يكون مكروها فلا يصح ضمان المكره.
    القسم الثاني: يرجع إلى المضمون له وهو صاحب الحق. ويشترط فيه أن يكون معروفا للضامن بشخصه فلا تكفي معرفة اسمه لتفاوت الناس في المطالبة شدة ولينا. وهل معرفة شخص وكيل المضمون له؟ نعم تكفي على المعتمد.
    ولا يشترط رضاء المضمون له لأن الضمان لا يضره إذ التزام يزيد تأكيدا.
    وكذا لا يشترط معرفة المضمون عنه وهو الذي عليه الحق ولا رضاه فيجوز للإنسان أن يضمن دين الميت الذي لا يعرفه وهذا في غير ضمان النفس فإنه يشترط فيه رضاء المكفول لأنه لا يلزمه أن يذهب معه للتسليم إلا إذا أذنه بأن يكفله. ومن ضمن بغير إذن متبرعا فلا رجوع له.
    القسم الثالث: يرجع إلى الصيغة فيشترط للصيغة شرطان:
    أحدهما: أن تكون لفظا يشعر بالاتزام كأن يقول: ضمنت دينك الذي لك علي أو تكفلت لك ببدن فلان ونحو ذلك مما يدل على أنه قد التزم بالشيء الذي ضمن به.
    أما إذا أتى بصيغة لا تشعر بالالتزام كما إذا قال: أودي المال الذي لك عند فلان أو أحضر الشخص الذي لك عنده كذا فمثل هذه الصيغة لا تكون ضمانا وإنما تكون وعدا إلا إذا نوى بها الضمان فإنها تكون ضمانا. د
    ثانيهما: أن لا تكون معلقة أو مؤقتة فإذا قال: إن جاء الغد ضمنتك أو قال: أنا ضامن مال فلان شهرا أو كافل بدنه أسبوعا لا يصح. نعم إذا كفل دين فلان الحال أن يدفعه مؤجلا بعد شهر مثلا فإنه يصح. فإذا كان لشخص عند آخر أجل موع
    كفله شخص على أن يدفع ذلك الدين بعد شهر صحت الكفالة ويثبت الأجل للكفيل لا للأصيل حتى لو مات الأضصيل لم يحل الدين على الكفيل.
    أما إذا كان الدين مؤجلا ثم منه على أن يدفعه حالا فإن الضامن لا يلزم بدفعه حالا لأن الأجل ثابت في حق الأصيل استقلالا وفي حق الكفيل تبعا. فلا يطالب أحد منهما قبل حلول الأجل فإذا مات الأصيل حل الدين عليهما معا.
    القسم الرابع: يرجع إلى المضمون به سواء كان دينا أو عينا أو نفسا فيشترط في الدين أن يكون لازما في الحال أو المال. ومثال الدين في الحال الرض وثمن السلعة المبيعة ونحو ذلك.
    والدين الذي يؤؤل للزوم ثمن السلعة في مدة الخيار فإنه وإن لم يلزم في الحال ولكنه يلزم مالا فيصح ضمانه. وكذا يشترط أن يكون الدين معلوما ضمان المجهول قدرا أو جنسا أو صفة فلا بد من بيان ذلك كأن يقول: ضمنت ما لك على زيد من دين قدره عشرون جنيها مصرية أو إنكليزية أو نحو ولم يبين جنسها أو قال: ضمنت لك العشرين جنيها ولم صفتها فإنه لا يصح.
    ويستثنى من ذلك إبل الدية فإنه يصح ضمانها مع عدم ذكر صفتها لأنها معروفة السن والعدد ويرجع في صفتها إلى غاب أبل البلد فلا حاجة إلى ذكر صفتها.
    أما الأعيان فإنها تنقسم إلى قسمين مضمونة كما تقدم في التعريف فيشترط لصحة ضمان الأعيان أن تكون مضمونة يجب ردها إلى مالكها فمعنى ضمانها ضمان ردها إلى مالكها.
    أما ضمان قيمتها إذا تلف فإنه لا يصح لأنها لم تتلف وقت الضمان لتثبيت قيمتها في الذمة فإن تلف بافعل فإنه يصح ضمان قيمتها بعد تلفها لثبوته في الذمة حينئذ.
    ومثال العين المضمونة العين المغصوبة والمستعارة. ومثال العين غير المضمونة المودعة والموصى بها والمؤجرة فهذه الأعيان لا يصح ضمان ردها لا يجب على واضع اليد وإنما الذي يجب هو أن يخلى بينها وبين مالكها. وأما كفالة النفس فيشترط لصحتها أن يكون على المكفول ببدنه حق لآدمي مالا كان عقوبة.
    الحنابلة - قالوا: يشترط للضمان شروط منها ما يتعلق بالضامن فيشترط فيه أن يكون أهلا للتصرف فلا يصح المجنون، والصغير، والسفيه ويصح ضمان المفلس لأن الضمان يتعلق بالذمة، وكذا يشترط رضاء الضامن فلا يصح ضمان المكره.
    ولا يشترط في الضامن أن يعرف المضمون له وهو صاحب الحق كما لا يشترط أن يعرف الضامن المضمون عنه وهو عليه الحق فيجوز أن يضمن من لا يعرفه حيا كان أو ميتا.
    ومنها ما يتعلق بالمضمون به وهو الدين أو العين او النفس فيشترط لصحة الضمان باليدن أن يكون الدين لازما حالا أو مالا والأول كالقرض وثمن المبيع الذي لا خيار فيه. والثاني كمن المبيع قبل مضي مدة الخيار فإنه يؤؤل للزوم فلا يصح الضمان بالدين غير اللازم كدين الكتابة فإن للمكاتب أن ينقص العقد عن الأداء فدينه ليس بلازم حالا ولا مآلا.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #148
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الضمان]
    صـــــ 210 الى صــــــــ
    218
    الحلقة (148)

    [أحكام تتعلق بالكفالة]
    -تتعلق بالكفالة أحكام مفصلة في المذاهب (1) .

    ويشترط لصحة ضمان العين أن تكون مضمونة على من هي في يده كالعين المغصوبة والمستعارة.
    ومعنى ضمان هذه العيان ضمان ردها أو قيمتها عند تلفها أما العيان غير المضمونة فإن المضمونة فإنه لا يصح ضمانها كالوديعة والعين المؤجرة ومال الشركة والمضاربة والعين المدفوعة إلى الخياط والصباغ ونحو ذلك. نعم يصح التعدي عليها كما تقدم في التعريف مفصلا.
    ومنها ما يتعلق بالصيغة ويشترط فيها أن تكون بلفظ يفهم منه الضمان عرفا كقوله: أنا ضمين وكيل وحميل وصبير وزعيم ونحو ذلك ويصح الضمان بلفظ معلق ومنجز كقوله: إن اعطيت فلانا كذا فأنا ضامنه كقوله: وأنا ضامن لفلان كذلك يصح أن يكون بلفظ مؤقت كأن يقول: إذا جاء رأس فأنا الشهر فأنا ضامن لفلان.
    ويصح أن يضمن شخص دينا حالا إلى أجل معلوم فإذا كان لزيد عمرو ودين حل موعد دفعه فضمنه خالد على أن يدفعه بعد سنة فإنه يصح ويثبت الأجل في حق الضامن بحيث لو مات المضمون لا يحل موعد دفعه) .
    (1) (المالكية - قالوا: تتعلق باكفالة أحكام كثيرة منها: أنه يصح الضمان بدون إذن من عليه الدين وهو المضمون عنه فإذا كان لشخص دين ىخر فضمن الدين بدون إذن المدين صح الضمان ولزم: وبعضهم يقول: لا يصح بدون إذن الموديون وإلا فلا يلزمه الدفع. وكذا يصح لشخص أو يؤدي دين آخر بدون إذنه ويجبر صاحب الدين على قبوله بشرط الغرض من ذلك الشفقة والرفق بالمدين.
    أما إذا كان الغرض سداد دينه ليشهر بمطالبته عند الرجوع عليه أو يؤذيه بمداينته إياه لعداوة بينهما فإنه لا يصح وليس لمن يدد غيره بقصد الإضرار به بمطالبة عليه مطلقا.
    ومثل ذلك ما إذا اشترى ما إذا اشترى شخص دين آخر ليغطيه بالمطالبة ويشهر به لعداوة بينهما فإن ذلك الشراء لم يصح وعلى رب الدين أن يرد الثمن الذي باع به الدين للمشتري فإن ضاع منه فإن كان من الأشياء المثلية فعليه للذي اشترى منه الدين أن يطالب المدين بل الذي يتولى مطالبتة الحاكم ليأخذ منه المبلغ ويدفعه للمشتري ولكن لا يجب على البائع أن يرد ثمن الدين الذي قبضه إلا إذا علم أن غرض المشتري هو الإضرار بالمدين والتشهير به.
    أما إذا لم يعلم بذلك فإن البيع ينفذ ولا يجب عليه رد الثمن. وفي هذه لا يكون للمشتري الحق في أن يتولى مطالبة المدين بل يبيع الدين لغيره وبعضهم يقول: يفسخ الدين مطلقا علم أو لم يعلم والأول أظهر.
    (ومنها) أنه إذا ادعى شخص أن دينا له دينا على غائب فقال آخر: أنا ضامن لذلك الدين ثم حضر الغائب وأنكر الدين ولم يثبت ونحوها فإن الضمان يسقط. فإذا أقر الغائب بادين وكان موسرا فإن الضمن يلزم الضمان بلزم. أما إذا كان معسرا فإن الضمان لاحتمال أنه قد تواطأ مع المدعي على أكل مال الضامن.
    ومنها: أنه يلزم من براءة المضمون براءة الضامن من براءة الضامن براءة المديون. مثلا إذا ضمن شخص دينا في ذمة آخر فتنازل صاحب الدين عن دينه كأن وهبه المديونأو أبرأه أو احاله على دين ثابت لازم فغن ذمة الضامن تبرأ. ومثل ذلك ما إذا مات المديون عن مال وصاحب الدين وراثه فإن ذمته يبرأ الضامن تبعا بخلاف ما إذا مات المديون مفلسا فإن ذمة الضامن لا تبرأ بموته. فهذه براءة الضامن المضمون.
    أما إذا برئ الضامن فغن الضامن المضمون قد لا يبرأ فالأول كما إذا دفع الضامن الدين فإن ذمة كل منهما تبرأ من الدين فلا يكون لصاحبه حق قبلها. والثاني كما غذا وهب صاحب الدين للضامن فغن ذمة الضامن تبرأ ولا تبرأ المضمون بل يكون لصاحب الدين ولا تتم الهبة للضامن إلا إذا قبض الدين قبل أن يحصل لصاحب الدين مانع يمنه من الهبة.
    وكذا إذا كان الضمان مؤقتا بمدة كأن يقول الضامن ضمان دين فلان علي في مدة شهرين مثلا بحيث إذا مات أو أفلس فيهما كنت ملزما بدينه. فذمة الضامن تبرأ بعد انقضاء الشهرين وتبرأ ذمة المديون الأصلي.
    ومن ذلك تعلم أنه يجوز الضمان مؤقتا بمدة معينة.
    ومنها أنه لا يجوز لصاحب الدين أن يطالب الضامن إلا في أربعة أحوال:
    الحالة الأولى: أن يكون المضمون الأصلي مفلسا.
    الحالة الثانية: أن يكون موسرا ولكنه مماطل معروف باللدد في الخصومة والشدة فيها.
    الحالة الثالثة: أن يكون المديون الصلي غائبا وليس له مال يمكن سداد الدين منه. أما إذا كان له مال يستطيع صاحب الدين أن ياخذ منه دينه بدون صعوبة ولا مشقة فليس له في هذه الحالة مطالبة الضامن.
    وحاصل ذلك أن المضمون غذا كان موسرا حاضرا فليس لصاحب الدين مطالبة الضامن وإذا كان غابا ولكن له مال يمكن اخذ الدين منه بسهولة فطذلك ليس لصاحب الدين مطالبة الضامن.
    الحالة الرابعة: أنة يشترط صاحب الدين أن يأخذ دينه من أيهما جاء فإن له في هذه الحالة أن يطالب الضامن. ومثل ذلك أن يشترط مطالبة الضامن في حالة معينة كعسر المضمون أو موته أو نحو ذلك هو الراجح, وبعضهم يقول إن صاحب الدين مخير بين أن يطالب الضامن أو يطالب المضمون على أي حال.
    ومنها الدين المؤجل يصح في ثلاثة أحوال.
    الحالة الأولى: موت الضامن إذا ترك مالا يكفي لسداد الدين أو بعضه فإذا ترك كل الدين لصاحب الدين الخيار في أن ياخذ دينه من ترك الضامن أو أن يتبع المضمون الصلي فإذا أخذ دينه من تركه الضامن فليس لورثته مطالبة المضمون إلا بعد حلول أجل الدين ولو كان المضمون حاضرا موسرا لأن الدين في هذه الحالة يعجل بالنسبة للضامن
    فقط موسرا فإذا مات الضامن معسرا فلا حق لصاحب الدين في المطالبة إلا عند حلول الأجل وإذا ترك بعض الدين كان له الحق في أخذه ويصبر بالبعض الآخر الأجل.
    الحالة الثانية: أن بفلس الضامنى وفي هذه الحالة يكون صاحب الدين مخيرا بين أن أن يدخل مع الدائنين في تصفية مال الضامن ويأخذ الحصة التي يستحقها معهم، وليس للضامن أن يطالب بها إلا بعد أن يحل الأجل.
    الحالة الثالثة: أن يموت المديون موسرا وفي هذه الحالة لصاحب الدين أن ياخذ من تركة الميت ولو لم يحل أجل الدين. أما غذا مات معسرا فليس لصاحب الدين الدين أن يطالب الضامن إلا بعد بعد حلول الجل، لنه لا يلزم من حلول الدين على الصيل حلوله على الضامن.
    ومنها أن الضامن إذا دفع الدين يرجع به على المضمون بعد أن يثبت أنه دفعه بينه أو إقرار من صاحب الدين بانه استلم دينه
    أو نحو ذلك، فإذا لم يثبت ذلك فليس له الحق في الرجوع على المضمون.
    ثم إن كان الدين من الأشياء التي تقوم كالثياب، فإن كان الضامن قد دفع الدين ثيابا من جنس الثياب التي أخذها المدين، فإنه يستحق أن يأخذ من المدين ثيابا مثلها.
    أما إذا كان قد دفع قيمة الثياب، فإنه يلزم بالقيمة إن كانت القيمة أقل من الياب، فغن كانت أكثر فإن الذي يلزم المضمون بدفعه هو الثياب لا القيمة هذا إذا كان الضامن قد دفع الثياب من عنده أما إذا كان قد اشتراها من الغير بثمن فإن المثل بدون محاباة فإن المديون يلزم به بدون خلاف.
    أما إذا كان قد اشتراها بغبن ومحاباة فليس على المديون إلا ثمن فقط، فإذا اشترى ثيابا بعشرة وهي تساوي خمسة كان على المديون خمسة.
    الحنفية - قالوا: يتعلق بالكفالة أحكام كثيرة، منها أن الكفالة بدون أمر المديون فإذا كفل شخص آخر بدون أمره كان متبرعا فليس له أن يرجع بما أراده من الدين ومثل ذلك ما إذا كفله بامره أجنبي فإذا قال زيد لعمرو أضمن خالدا في الدين الذي عليه لبكر، ففعل، فإنه يكون متبرعا وليس الرجوع لا على المديون ولا على زيد الأجنبي.
    أما إذا كفل المديون بامره فإنه يرجع عليه بشرطين:
    الشرط الأول: أن ينص على أن الحق الذي يضمنه فيه يكون ملزما به كأن يقول له: اضمن لفلان مائة جنيه على أن ما تضمنه يكون على سداده: فهذه الصيغة تجعل للضامن الحق في الرجوع على المديون بلا خوف، وفي حكم ذلك ما إذا قال له اضمن لفلان مائة جنيه أو عني لأن التصريح بكلمة (على أو عني) معناه الالتزام بالدين يدفعه عنه.
    وبعضهم يقول: إن هذه الصيغة مختلف فيها، ولكن التحقيق أنه لا خلاف في أن للضامن حق الرجوع فيها.
    أما الصيغة التي فيها الخلاف فهي أن يقول له: اضمن لفلان مائة جنيه، ولم يصرح بكامة (عني) ولا (علي) ولم ينص على انه يكون ملزما فبعضهم يقول: إن له حق الرجوع مطلقا وبعضهم يقول ليس له حق الرجوع إلا غذا كان الضامن الذي قال له ذلك خليطة كأن يكون والدا أو زوجة أو أجيرا أو شريكا شركة عنان أو نحو ذلك.
    الشرط الثاني: أن لا يكون الآمر محجورا عليه أو رقيقا فإن أمره صبي يضمنه فليس له حق الرجوع في ماله، كما تقدم في مبحث الشروط. أما إذا كان رقيقافإنه لا يرجع إذا أعتق.
    ومنها: انه إذا دفع الضامن الدين فإن ذمة المديون الأصلي تبرأ، ولا يكون لصاحب الدين حق عنده بل ينتقل الحق للكفيل الذي دفع، ويبرأ الأصيل. وذلك فيما إذا كان للضامن دين عند آخر؛ ثم أحال الضامن صاحب الدين على مديونه، وشرط براءة نفسه فقط، فإن ذمة الضامن تبرأ في هذه الحالة، ولصاحب الدين أن يطالب الأصيل أو المحال، بشرط أن يكون المحال عليه مفلسا أو منكرا للدين ولا بينة عليه.
    أما إذا كان المحال عليه مقرا بالدين وكان ذا مال فإن ذمة الأصيل تبرأ أيضا، ويكون المطالب هو المحال عليه فقط.
    وكذا إذا دفع الأصيل الدين فإن الكفيل يبرأ ببراءة ذمة الأصيل. ومثل ما إذا أبرأ صاحب الدين المديون أو مد له في أجل الدين فإن الكفيل يتبعه في ذلك إلا إذا كفله بشرط أن يبرئه، فلو قال الضامن لصاحب الدين أضمن لك دينك بشرط أن تبرئ المديون منه وفعل فإن ذمة المديون تبرأ وتبقى ذمة الضامن مشغولة بالدين وحده لأنها في هذه الحالة تكون حوالة لا كفالة. وإذا مات صاحب الدين وكان المديون وراثه ذمة الضامن تبرأ.
    وإذا أبرأ صاحب الدين المديون فلم يقبل منه هذه المنة فإن ذمة المديون لا تبرأ لأنه يشترط قبوله إبراء صاحب الدين، وهل ذمة الكفيل ولا يعود الدين عليه؟ خلاف. أما إذا أبرأ صاحب الدين الضامن فإنه يصح ولو لم يقبل الضامن لأنه ليس مدينا وإنما مطالب ولا يشترط في سقوط المطالبة القبول، كما تقدم في تعريف الكفالة، ولا يلزم من إبراء الضامن المديون الأصلي، ولمن ليس للكفيل أن يرجع عليه بالمال الذي كفله به بعد ذلك لصاحب الدين مطالبة المديون الأصلي.
    أما إذا تصدق صاحب الدين على الكفيل بالدين فإن للكفيل أن يرجع على المجديون ومثل ذلك إذا وهبه الدين كما تقدم.
    ومنها: أن صاحب الدين إذا أجل دينه للكفيل فلا يلزم منه تأجيل للأصيل فإذا حل أجل الدين فمد صاحبه الأجل للضامن شهرا مثلا فليس له الحق في مطالبته ولكن له الحق في مطالبة المديون الأصلي لأنه إنما أجل مطالبة الكفيل لا مطالبة المديون.
    ومنها: أن الضامن بالمال إذا ضمن بألف ثم صاحب الدين على خمسمائة فإنه يرجع بخمسمائة لا بالألف التي ضمنتها.
    أما إذا ضمن عينا جيدة، ثم دفع لصاحبها عينا رديءة فلإنه يرجع على المضمون له بالعين الجيدة، وذلك لأن حكم الكفالة أن الكفيل يملك بأدائه، فهو محل صاحب الدين الجيد يملك المطالبة به متصفا بالجودة، فكذلك الكفيل الذي حل محله. ولا يضره أنه دفع الدين رديئا ورضي به صاحب الدين.
    مثلا إذا استدان شخص من آخر ثابا من القماش الجيد وضمنه فيها آخر، ثم دفع الضامن لصاحبها ثيابا من القماش الردئ ورضي بها للضامن في أخذ القماش الجيد الذي ضمن فيه لأنه أصبح مالكا للدين الجيد وتنازل صاحب الحق للضامن عن بعض حقه لا يلزم منه تنازله للمدين الأصلي، ألا ترى أنه يصح لصاحب الدين أن يهدد الكفيل فإذا وهب صاحب الدين دينه للكفيل فإن الكفيل يملكه ويطالب به المديون على أن يدفعه له بعينه.
    أما إذا أمر شخص آخر بأن يدفع عنه السلعة الجيدة التي استدانها من فلان فدفع له سلعة رديئة ورضي بها صاحبها، فإنه لا يرجع على المديون الأصلي إلا بالسلعة الرديئة. وذلك لأن المأمور بسداد الدين لا يملك الدين بالأداء كما يملكه الضامن فلا يأخذ إلا ما دفعه.
    ومنها: أنه ليس للضامن من الحق في مطالبة المديون الأصلي قبل أن يدفع عنه الدين الذي ضمنه فيه لأنه لا يملك إلا بعد أدائه كما تقدم.
    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #149
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الضمان]
    صـــــ 210 الى صــــــــ
    218
    الحلقة (149)

    ومثل ذلك ما إذا دفع الدين قبل وجوب دفعه على الأصيل، فإذا استأجر شخص منزلا بأجرة يدفعها في نهاية الشهر شخص، ثم دفعها الضامن لا يرجع بها، وذلك لأن الأجرة في لا تجب على المستأجر بمجرد العقد ولا تملك بالعقد كما تقدم في الإجارة فالضامن دفع مالا يملكه صاحب الدين أيضا.
    وإذا دفع المديون الأصلي الدين ولم يعلم الكفيل فدفعه الكفيل لصاحب الدين مرة ثانية فإنه لا يرجع على المديون الأصلي وإنما يرجع على صاحب الدين أخذ حقه مرتين.
    وهذا بخلاف ما إذا حل الدين على المديون قبل أحد، ثم أتى بكفيل يضمنه إذا مد له صاحب الدين الأجل، فقيل فإن التأجيل يكون للأصيل والضامن معا في هذه الحالة.
    والفرق بين الحالتين ظاهر لأن الكفالة في الحلة الأولى كانت مقررة من قبل فكان لصاحب الدين الحق في مطالبة الضامن والكفيل ولا يلزم من مد المطالبة ككفيل تأجيل الدين للأصيل.
    أما في الحالة الثانية فغن الكفالة لم تكن موجودة وليس لصاحب الدين حق يصح تأجيله إلا نفس الدين ومتى تأجل فقد تأجل بالنسبة للمديون وللضامن.
    ومع ذلك فغن صاحب الدين إذا اشترط أن يكون التأجيل خاصا بالضامن لا بالإصيل، فإنه يعمل بشرطه ويكون له الحق في مطالبة الأصيل بسداد دينه متى شاء. ومثل ذلك ما إذا قال الكفيل أجلني أنا فأضاف الأجل إلى نفسه خاصة.
    ومنها: أن الدين المؤجل يحل بموت المديون أو بموت الضامن فغذا مات الضامن وأخذ صاحب الدين حقه من ورثته فليس له الحق في مطالبة المديون إلا عند حلول أجل الدين. وكذلك إذا مات المديون وحل دينه فليس لصاحب الدين مطالبة الضامن إلا عند حلول الأجل، وإذا مات الاثنان معا كان صاحب الحق مخيرا بين أن يأخذ من تركه أيهما شاء.
    ومنها: أنه إذا صالح الكفيل صاحب الدين على نفسه بأن كان دينه ألفا فرضي بأن يأخذ خمسمائة ويترك الباقي فإن الصلح ينفذ بالنسبة للأصيل والوكيل في ثلاثة أحوال:
    الحالة الأولى: أن يشترط الكفيل براءتهما معا.
    الحالة الثانية: أن يشترط براءة الأصيل ويسكت عن نفسه.
    الحالة الثالثة: أن يسكت ولم يشترط شيئا. أما إذا اشترط براءة نفسه فقط فإن ذلك يكون فسخا للكفالة ويبقى الدين في ذمة الأصيل فيأخذ منه صاحب الدين الدين الخمسمائة الباقية له ويأخذ الكفيل الخمسمائة التي دفعها لصاحب الدين.
    ومنها: أن المديون إذا دفع الدين ككفيل قبل أن يدفعه الكفيل لصاحب الدين فإن ذلك يحتمل ثلاثة أمور:
    الأمر الأول: أن يدفعه تعجيلا لقضاء الدين كأن يقول له خذ ما على من الدين الذي ضمنتي فيه قبل أن تؤديه وفي هذه الحالة يصبح ذلك الدين ملكا للضامن فليس للمديون أن يسترده منه ثانيا، ولو لم يسلمه لصاحبه لأنك قد عفرت في تعريف الكفالة أن الكفالة تقتضي دينا ومطالبة للضامن في ذمة المديون مؤجلين إلى أن يدفع الدين لصاحبه فإذا عجل المديون دفع الدين للضامن فقد ملكه ملكا صحيحا فإذا اتجر فيه وربح كان ربحه حلالا طيبا وإذا هلك في يده كان ضامنا له ومسؤولا عنه.
    الأمر الثاني: أن يدفعه له وعلى وجه الرسالة كأن يقول له خذ دين فلان الذي ضمنتي فيه وادفعه له فإن الدين يكون أمانة في يده وللمديون أن يسترده منه قبل ثانيا قبل أن يدفعه لصاحبه على التحقيق وإذا اتجر فيه وربح لا يحل أن يأكل ربحه بل عليه أن يتصدق به كالغاصب وإذا هلك الدين في يده بدون تفريط فإنه لا يضمنه ولا يكون مسؤولا عنه لأنه أمين عليه.
    الأمر الثالث: أن يدفعه له بدون أن يذكر أنه على وجه الرسالة أو على وجه تعجيل قضاء الدين وفي هذه الحالة يحمل على وجه القضاء. وعلى أي حال فإذا دفع المديون لصاحبه بعد أن اعطاه للضامن فإنه على الضامن بما أعطاه.
    ومنها: أن الكفالة في الضرائب ونحوها جائزة سواء كانت عادلة أو ظالمة فيجوز للشخص أن يضمن في عوائد الأملاك سنويا وفي الخراج المقرر كذلك ونحو ذلك مما يأخذه الحاكم ليضون به الأمن أو ينشيء به المصالح العامة من شق الأنهار وبناء القناطر وإصلاح الطرق وغير ذلك من المصالح العامة وكذلك يجوز له أن يضمنه في الضرائب الظالمة كالمكوس التي كانت تفعل في الأزمنة الغابرة ونحوها. وبعضهم يقول إن الضرائب الظالمة لا يصح الضمان فيها والرأيان مصححان ولكن الأول هو الأرجح. ويرجح الكفيل بما دفعه على المضمون إن كانت الكفالة بأمره.
    ومنها: أن الخبر المبني على غلبة ظن الشخص واجتهاده لا يكون ضمانا ملزما للمخبر به مثلا إذا قال شخص لآخر: اسلك هذه الطريق فإنها فسلكها فلقيه لص سلبه ماله فإن المخبر الذي قال له إنها آمن لا يضمن لان عبارته هذه مبنية على ما يظنه وقد يكون مخطئا أو يكون قد عرض عليها خلل الأمن وهو لا يدري.
    نعم إذا أكد هذا القول بأن قال له اسلك هذا الطريق فإن كان مخوفا ونهب مالك فأنا ضامن ففعل ونهب ماله فقد اختلف فيه فقال بعضهم إنه يضمن ما فقده من المال وبعضهم قال لا يضمن وذلك لأنه يشترط لصحة الضمان أن يكون المضمون معلوما، وأمن الطريق مجهول، فكيف يصح الضمان؟ وقد أجاب القائلزن بصحة الضمان في مثل هذا مع جهل المكفول عنه بطريقة استثنائية زجرا للناس عنه فإن خطورة هذه الأمور تستدعي احتاطا خاصا فإذا عرف الناس عدم المؤاخذة فيما يقولونه من ذلك يقدمون عليه بدون مبالاة فيغررون بالناس ويوقعونهم في الأخطار، وهو وجيه. أما ما أجاب به بعضهم بأن المكفول عنه وإن كان مجهولا، ولكن الضمان صحيح لأن فيه تعزيرا، والغرر يوجب الرجوع على من غرر إذا كان الشرط فإنه جواب لا يجدي لأن ضمان الغرر هو في الحقيقة ضمان الكفالة فيشترط له ما يشترط لها.
    ومنها: أنه إذا قال زيد لعمرو ضمنت لك بما يقتضي لك عليه القاضي ثم غاب خالد المضمون فادعى عمرو المضمون له على زيد الضامن أن له كذا على خالد المضمون الغائب ويربهن على ذلك فإنه لا قبل منه وذلك لأنه لا يمكن القضاء على الغائب إلا إذا ادعى حقا على الحاضر لا يمكن إثباته إلا على الغائب وليس للمدعي حق على الكفيل لأنه إنما كفله بقضي القاضي به على الغائب فإذا أقام البينة على أن القاضي على المضمون عليه بكذا قبل غيابه وبعد الكفالة فإذا كانت الكفالة بأمر الغائب فإنه يقتضي له على الكفيل وعلى الغائب ضمنا وإن حضر الغائب وأنكر فلا يلتفت لانكاره، أما إذا كانت الكفالة بغير أمره قضى على الكفيل دون الغائب.
    الشافعية - قالوا: يتعلق بالضمان أحكام، منها أنه لا يصح الضمان بشرط براءة المضمون الأصلي فإذا قال شخص: ضمنت الدين الذي على فلان بشرط براءة ذمته فإنه لا يصح لأن عقد الكفالة يقتضي شغل ذمة المديون والضامن معا.
    ومثل ذلك الكفالة فإذا كان لشخص كفيل فجاء آخر وقال إنني أكفله بشرط براءة الكفيل الأول فإنه لا يصح.
    ومنها: أن لصاحب الدين أو أوراثه مطالبة الضامن والمضمون معا أو مطالبة أحدهما بكل الدين أو ببعضه فإذا دفع أحدهما برئت ذمة الآخر كما تقدم لأن الذمتين قد شغلتا بدين واحد فالدين بمنزلة فرض الكفالية يتعلق بذمة المتعدد ويسقط بأداء البعض.
    ومنها: براءة المديون الأصلي تسلتزم براءة الضامن فإذا برئ الضامن بأن أدى الدين أو أبرأه صاحب الدين أو غير ذلك فإن ذمته تبرأ بذلك.
    أما براءة الكفيل بغير الدين فإنها لا تستلزم المديون الأصلي. أما إذا كانت بغير الدفع كأن أبرأه صاحب الدين فإن كانت براءته من الضمان فقط فإنها لا تستلزم براءة ذمة المدين، أما إن كانت من المدين فإنها تستلزم براءة الأصيل إن قصد صاحب إباءة أيضا وإلا فلا.
    ومنها: أن الدين المؤجل يحل بموت المديون أو موت الضامن فإن مات المديون الأصلي فلصاحب الدين أخذ دينه من تركه قبل حلول أجل الدين فإن تأجر عن أخذ دينه فللضامن الذي أمره المديون بأن يضمنه أن يطالبه بأخذه من تركه أو إبرائه من الضمان إذ تبدد التركة فلا يجد ما يرجع عليه إن دفع.
    أما الضامن الذي ضمن بدون أمر المديون فليس له أن يحث صاحب الدين على أخذ دينه من التركة لأنه لاحق له في الرجوع كما تقدم في الشروط.
    وإذا مات الضامن قبل حلول أجل الدين فإن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من ترته حالا وليس لورثته الحق في مطالبة الأصلي الذي أذن بالضمان قبل حلول الجل.
    ومنها أن الكفيل إذا عقد صلحا مع صاحب الدين بان يأخذ أقل فلا حق له في أن يأخذ أكثر مما صالح عليه فإذا كان ضامنا لمائة فصالح على سبعين منها رجع على المديون بالسبعين فقط.
    وكذا لو كان الدين أثوابا جيدة فصالح على أثواب رديئة فإنه لا يستحق إلا الأثواب التي دفعها.
    وإذا كان لصاحب الدين مائة جنيه فياعه الضامن بها أثوابا فإنه يرجع على المديون الأصلي بالمائة التب باع بها لا بقيمة الثوب سواء كانت أقل من المائة أو أكثر.
    ومنها أن الحوالة بالدين كآدائه فإذا أحال للضامن صاحب الدين بدينه على آخر فإن كان الضامن مأذونا بالضمان من المديون كان له حق مطالبته والرجوع عليه وإلا فلا.
    ثم إن كان الدين من الأشياء التي تقوم كالثياب، فإن كان الضامن قد دفع الدين ثيابا من جنس الثياب التي أخذها المدين، فإنه يستحق أن يأخذ من المدين ثيابا مثلها.
    الحنابلة - قالوا: من الأحكام المتعلقة بالكفالة أنه إذا قال شخص لآخر اضمن عن فلان أو أكفل عنه ففعل كان الضمان والكفالة لازمين لنفس الذي ضمن أو كفل، أما الآمر فإنه لا يلزم بشيء ومنها غير ذلك مما تقدم في تعريف الضمان وشروطه) .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #150
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوديعة]
    صـــــ 219 الى صــــــــ
    222
    الحلقة (150)

    [مباحث الوديعة]

    [تعريفها]
    -معنى الوديعة في اللغة ما وضع عند غير ليحفظه يقال أودعته مالا أي دفعته إليه ليكون وديعة عنده. ويقال أيضا مالا بمعنى قبلت منه ذلك المال ليكون وديعة عندي. فالوديعة من أسماء الأضداد تستعمل في إعطاء المال لحفظه وفي قبول ومصدر أودع - الإيداع - وهو بمعنى الوديعة فالوديعة اسم للإيداع وتطلق على العين المودعة، أما معناها في الشرع ففيه تفصيل المذاهب (1) .
    [أركان الوديعة وشروطها]
    -للوديعة بمعنى الإيداع أربعة أركان: العين المودعة، والصيغة، والمودع - بكسر الدال - والمودع - بفتح الدال - ويقال له وديع وهو الأمين الذي يحفظه الوديعة وسنلتزم التعبير به، ولكل ركن من هذه الأكان شروط مفصلة في المذاهب (2) .

    (1) (الماكية - قالوا: للوديعة تعريفان:
    أحدهما: تعريفها بمعنى المصدر وهو الإيداع، ويلزم من تعريف الشيء المودع.
    ثانيهما: تعريفها بمعنى الشيء المودع.
    فأما تعريفها بمعنى المصدر فهو على وجهين:
    الأول: أنها عبارة عن توكيل على مجرد حفظ المال. فالإيداع نوع خاص من أنواع التوكيل لأنه توكيل على خصوص حفظ المال.
    فالتوكيل على البيع والشراء، أو الطلاق والنكاح، أو الخصومة، ونحو ذلك لا يسمى إيداعا.
    وكذا خرج غير المال كإيداع الولد والزوجة عند الغير فإنه لا يسمى وديعة.
    وكذا خرج ما ليس مقصورا على الحفظ كالوديعة في أمر من الأمور الأخرى فإن الوكيل فيه ليس مقصورا على مجرد الحفظ بل التصرف أيضا.
    الوجه الثاني: أنها عبارة عن نقل مجرد حفظ الشيء المملوك الذي يصح نقله إلى المودع (بفتح الدال) ومعنى ذلك أن الشيء المملوك الذي نقله كالحيوان وأثاث المنازل والذهب والفضة يكون حفظه منوطا بمالكه فإيداعه عند الغير عبارة عن نقل مجرد هذا الحفظ إليه بدون تصرف وبذلك خرج مقل الملك نفسه بالبيع والشراء والهبة والصدقة وغير ذلك من العقود التي ينقل بها الملك من شخص لآخر كالرهن والإجارة وغيرها.
    وخرج بقوله الشيء الزوجة والولد فإنهما لا يملكان، وخرج بقوله الذي يصح نقله العقار الثابت كالدور والأراضي فإن حفظها عند الغير لا يسمى وديعة على أن بعضهم يقول إنه يسمى وديعة ولا يصح إخراجها من التعريف عند الغير لا يسمى وديعة على أن بعضهم يقول أن بعضهم يقول إنه يسمى وديعة ولا يصح إخراجها من التعريف، وعلى هذا فلا حاجة قيد يصح نقله.
    وأما تعريفها بمعنى الشيء المودع فهو عبارة عن شيء مملوك ينقل مجرد حفظه إلى المودع - بفتح الدال - فالشيء المملوك وقوله نقل مجرد حفظه خرج ما قد عرفت أنفا كما عرفت الخلاف في زيادة قيد يصح نقله.
    الحنفية - قالوا: الوديعة بمعنى الإيداع هي عبارة عن أن يسلط شخص غيره على حفظ ماله صريحا أو دلالة. فالصريح كما إذا قال له خذ هذا المال لتحفظه عندك لي. والدلالة كما إذا وجد شخص سلعة رجل غائب فأخذها فإنها تكون وديعة عنده بحيث إذا تركها مرة أخرى يلزم بها أما إذا أخذها وصاحبها حاضر ثم تركها ففقدت فإنه لا يضمنها.
    وأما الوديعة بمعنى الشيء فهي عند الأمين ليحفظها. والوديعة غير الأمانة اسم كل شيء غير مضمون، فيشمل جميه الصور لا ضمان فيها كالعارية والشيء المستأجر ونحوهما، ولا يشترط في الأمانة القبول.
    أما الوديعة فهي اسم لخصوص ما سترك عند الأمين بالإيجاب والقبول صريحا أو دلالة كما ستعرفه.
    الشافعية - قالوا: الوديعة بمعنى الإيداع هي العقد المقتضي الشيء المودع. والمراد بالعقد الصيغة المقتضية لطلب الحفظ كقول زيدا لعمرو استحفظك هذا المال فيقول عمرو قبلت. وتطلق شرعا على العين المودعة، ولكن إطلاقها على العقد معنى شرعي فقط، أما إطلاقها على العين فهو شرعي في الحفظ فيشترط في المودع ما يشترط في الموكل ويشترط في المودع ما يشترط في الوكيل ويعتبر في الوديعة ما يعتبر في الوكالة) .

    (2) (الحنفية - قالوا: للوديعة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول لأن المراد الإيداع وهو العقد وذلك هو الركن الذي تتحقق به الوديعة، أما غيره فليس داخلا في الماهية فيكون شرطا لاركنا.
    الشافعية - قالوا: يشترط في الوديعة شروطها منها ما يتعلق بالعين المودعة ويشترط فيها أن تكون شيئا له قيمة ولو كان نجسا كالكلب الذي ينفع لصيد وحراسة ونحوها، أما إذا لم تكن كالكلب الذي لا منفعة له فإنه لا تصح فيه الوديعة.


    ومنها: ما يتعلق يالصيغة. وهو إما (صريح أو كناية) فالصريح كقوله: (استودعتك هذا المال) ، أو (أطلب حفظ هذا المال) والكناية كقوله: خذ هذا المال (ناويا إيداعه عنده) . فالكناية لا بد فيها من النية، ولا يشترط أن يكون اللفظ من جانب المودع، بل يصح أن يكون من جانب الوديع. فإذا قال له أودعني هذا المال، فدفعه إليه ساكتا فإنه يصح. فالشرط أن يصدر اللفظ من أحدهما: فإذا قال المودع: (استودعتك هذا الحيوان) ، ولم يقل له الوديع: قبلت، ولكنه استلم الحيوان صحت الوديعة.
    أما إذا قال له: لا أقبل عنده فضاع فإنه لا يضمن ولا يكفي أن يتركه بين يديه بل لابد من قبضه إياه، فإذا وضع شخص ثوبه أمام آخر وقال له: استودعتك هذا الثوب، فسكت ولم يقبضه لا يكون وديعا.
    وعلى هذا فإن الثياب التي يخلعها صاحبها في الحمام لا يلزم صاحب الحمام بها إلا إذا قال له احفظ ثيابي هذه وسلمها إياه أو أعطاه عليها أجرة؛ فإذا لم يفعل ذلك وضاعت فإن الحمامي لا يضمنها. ومثل الحمام في ذلك الخان (الوكالة) المعروفة المعدة لحفظ الحيوانات ونحوها. فإذا أودع شخص حماره أو فرسه في الوكالة فإن أعطى لصاحبها أجرة أو سلمها له فضاعت فإنه يضمنها إذا قصر في حراستها.
    أما إذا قام بواجب الحراسة بما يقتضيه العرف فخرجت الدابة من غير أن يشعر فإنه لا يضمنها ويصدق بيمينه في ذلك.
    أما إذا وضع فرسه في الوكالة بدون أجر وبدون أن يسلمها إلى صاحب الوكالة فإنها تضيع على صاحبها بدون ضمان.
    الحنفية - قالوا: يشترط للوديعة شروط. منها ما يتعلق بالصيغة؛ وهي الإيجاب والقبول ويشترط في الإيجاب أن يكون بالقول أو بالفعل، والقول إما أن يكون صريحا أو كناية، فالقول الصريح كأن يقول صاحب لوديعة: أودعتك هذا المال؛ والكناية هي ما قابل الصريح بحيث يكون اللفظ محتملا لمعنى الإيداع لمعنى الإيداع وغيره. مثاله: أن يقول شخص لآخر: اعطني هذه الدابة مثلا فيقول أعطيتك؛ فإن كلمة أعطني الهبة، وتحتمل الوديعة؛ والوديعة أقل من الهبة طبعا، فيكون هو المهنى المتقن الذي يمكن اعتباره.
    وأما الإيجاب بالفعل فهو أن يضع شخص ثوبا ونحوه بين يدي رجل آخر ولم يقل له شيئا فإن لك يكون إيداعا. وهذا النوع كان كثير الوقوع بين طلبة الأزهر فإن الطالب كان يأتي بمتاعه ويضيعه امام آخر من إخوانه ويذهب لقضاء حاجته. وكان معنى الإيداع متعارفا بينهم وإن لم يقل له لا أقبل الوديعة أو احفظها عند غيري أو نحو ذلك مما يدل على عدم القبول.
    ومن ذلك ما إذا أرسل شخص نعجته 'لى راعي الغنم مع رسول ليودعها عنده فلم يقبلها الراعي (الغنام) وردها مع الرسول فضاعت فإن ظاهر مسألة الثوب تقتضي أن الراعي لا يضمنها لأنه لم يقبلها صريحا، وهذا رأي بعضهم.
    ولكن التحقيق أن الراعي يضمنها في هذه الحالة وذلك لأن عليه أن يقبلها ثم يردها بنفسه لصاحبها إن شاء، أما كونه بعيدها مع رسول أجنبي منه فإنه تفريط يوجب الضمان. فهذه ليست كمسألة الثوب لأنه لم يقبل إيداعه من صاحبه.
    وكذلك القبول من الوديع فإنه تارة يكون صريحا كقبلت أو دلالة كسكوته عند وضع المتاع بين يديه كما ذكرنا في مسألة الثوب وكما إذا وضع ثيابه في حمام بمرأى حارس الثياب فإن ذلك يكون إيداعا. ومثل ذلك ما إذا قال صاحب الدابة لرب الخان (الوكالة) أين أربطها؟ فقال له: هناك، فإن ذلك يكون إيداعا.
    وإذا وضع شخص متاعه عند آخر فقال له: لا أقبل إيداعه فتركه صاحبه ومضى فأخذه الآخر الذي لم يقبل إيداعه وأدخله منزله فإنه يعتبر قابلا بذلك فيلزم أن لا يقصر في حفظه.
    وإذا وضع شخص كتابه بين يدي قوم فذهبوا وتركوه فضاع كان عليهم ضمانه وإذا تركوا عنده واحدا منهم فقام وراءهم ضمنه وحده لأنه هو الذي وجب عليه حفظه بعد قيامهم.
    وإذا أدخل شخص دابته في منزل آخر فأخرجها فضاعت فإن صاحب المنزل لا يضمنها لأنها تضر بمنزله بخلاف ما إذا أدخلها في مرابط دوابه فإنه إذا أخرجها فضاعت ضمنها لأن وجودها لا يضيره.
    ومن الشروط أن يكون المال قابلا لإثبات اليد فلا يصح أن يودع طيرا في الهواء مثلا.
    ومنها: أن يكون الوديع مكلفا فلو أودع عند صبي فاستلكها الصبي لم يضمن لأنه لا يجب الحفظ عليه.
    المالكية - قالوا: قد عرفت أن للوديعة تعريفين: أحدهما مبني على أنها نوع من أنواع الوكالة وعلى ذلك فيشترط في المودع - بكسر الدال - ما يشترط في الموكل. وشرطه أن يكون بالغا رشيدا ويشترط في الوديع ما يشترط في الوكيل. فبعضهم يقول: يكفي في الوكيل أن يكون مميزا ولا يلزم ولا يلزم أن يكون بالغا؛ مبني أنها ليست نوعا من أنواع الوكالة لأنها نقل مجرد حفظ الملك إلى الوديع وعلى هذا التعريف فإنه يشترط لها باعتبار جواز فعلها أن يكون المودع محاجا للإيداع وأن يكون الوديع ممن يظن فيه حفظ الوديعة فمتى وجد هذا الشرط في المودع والوديع فإن الإيداع يكون جائزا فيصح للصبي أن يودع ما يخاف ضياعه أو تلفه عند من يظن أنه يحفظه له.
    ويشترط لها باعتبار ضمانها أي إلزام الوديع بها إذا قصر في حفظها أو تعدى عليها أن يكون كل من المودع والوديع غير محجور عليهما فهذه شروط الوديعة المطلوبة في المودع والوديععلى كلا التعريفين.
    وأما الصيغة فإنهم لا يشترطون أن تكون باللفظ بل يقولون: إنه إذا وضع متاعه أمام آخر فسكت كان عليه حفظه لأنه بسكوته أصبح ذلك المتاع وديعة عنده إلا إذا رفض قبوله.
    الحنابلة - قالوا: يشترط في الوديعة ما يشترط في الوكالة من البلوغ والرشد والعقل. ويشترط في الشيء المودع أن يكون مالا معتبرا في نظر الشرع فلا تصح وديعة الخمر والكلب الذي لا يصح اقناؤه. أما الذي يصح اقتناؤه ككلب الصيد فإن وديعته تصح) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #151
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوديعة]
    صـــــ 223 الى صــــــــ
    236
    الحلقة (151)

    [مبحث حكم الوديعة وما تضمن به وما لا تضمن]
    -الأصل في الوديعة الإباحة فالناس أحرار في حفظ ما يملكونه بأنفسهم أو بواسطة من يأتمنونه على حفظها وقد تكون واجبة، كما إذا خاف صاحب المال هلاك ماله أو تلفه إن بقي معه ووجد أينا يحفظه له فإنه يجب عليه أن يودعه في هذه الحالة ويجب على الأمين أن يقبله فإن حفظ المال واجب.وقد وردت نصوص كثيرة صريحة في النهي عن إضاعة المال فمن خاف على ماله من سرقة أو تلف فإنه يجب عليه إيداعه بأي مكان أمين.وهي عقد جائز من الطرفين كالوكالة فلكل منهما التخلي عنها متى شاء وعلى المودع حفظها كما له. وليس عليه بعد ذاك ضملنها إن فقدت أو تلفت. وإذا اشترط المودع - بالكسر - ضمانها على المودع كان الشرط باطلا وإنما يضمنها إذا قصر في حفظها أو تعدى عليها وفي ذلك تفصيل في المذاهب (1) .

    (1) (الحنفية - قالوا: يضمن الوديعة الوديع إذا ضاعت في أمور:
    منها: أن يدفعها لأجنبي عنه ليحفظها عنده فتصح أو تتلف عند ذلك الأجنبي وفي هذه الحالة يلزم الوديع الأول بها إلا إذا فعل ذلك لضرورة كما إذا وقع داره الذي به الوديعة حريق ينقلها إلى داره جاره خوفا من حرقها فإذا ضاعت في هذه الحالة فإنه لا يضمنها بل يجب عليه في مثل هذه الحالة نقلها حتى لا تحترق فإذا أهملها مع قدرته على النقل حتى احترقت ضمنها. وإذا لم يستردها عقب انتهاء الحريق وتركها فضاعت عند الثاني فقبل: يضمن الأول وقيل لا يضمن.
    على أن للوديع أن يحفظ الوديعة عند من يساكنه عادة من عياله وإن لم يكن معه بالفعل أو ينفق عليه فيجوز أن يحفظها عنده ولده وزوجه، كما يجوز له أن يحفظها عند والديه وإن لم يحسبا من عياله لأنه يصح أن يساكنهما فإذا دفع الوديعة لولده ونحوه ممن يساكنه من عياله فهلكت عند الثاني فإن الأول لا يضمن لأنه دفعها لمن يصح أن يحفظ عنده ماله إنما يشترط أن يكون الولد ونحوه قادرا على حفظ الوديعة، وأن يكون معروفا بالأمانة ويشترط في الولد أن يكون مميزا.
    فإذا اختل شرط من هذه الشروط كان الوديع الأول ملزما بالوديعة، وإذا نهاه المودع عن دفع الوديعة إلى بعض عياله فدفعها إليه فضاعت فإن الوديع يضمنها بشرطين:
    الشرط الأول: أن يكون لع عيال غير ذلك الذي بهي عن حفظ الوديعة عنده.
    فإذا كان له ولدان مثلا، فنهاه عن الإيداع عند أحدهما فلم ينفذ ذلك الني وأودعها عنده، كان ضامنا لها، إذا كان من الممكن أن يدفعها لولده الثاني.
    أما إذا لم يكن له سوى ولد واحد، ولم يكن له بد من دفع الوديعة إليه لحفظها فإنه لا يضمن.
    الشرط الثاني: أن تكون الوديعة مما لا يصح حفظه في يد من نهي عن دفعها إليه، مثال ذلك أن يودع شخص عند آخر فرسا وينهاه عن دفعها لزوجه، وليس له من عياله سواها فحفظها عندها فضاعت فإنه في هذه الحالة يضمنها، لأنه وإن كان ليس له عيال سواها، ولكن الفرس لا يصح حفظها في يد المرأة، فإذا ضاعت كان الوديع ضامنا لها على أي حال بخلاف ما إذا أودع عنده عقدا من الجواهر ونهاه عن دفعه لزوجه وليس له أحد من عياله فدفعه إليها لتحفظه، كما يحفظ ماله فإنه لا يضمنه لأنه لا بد له من حفظها سواه فخالف وفقدت فإنه لا يضمن.
    أما إذا نهاه عن حفظ عقد الجوهر عنده وليس له غيره فدفعه فإنه يضمن لأن عقد الجوهر لا يصح حفظه عند الخادم.
    ويجوز للوديع أن يحفظ الوديعة له ماله من غير عياله، ****له وشريكه شركة مفاوضة أو عنان على المفتى به.
    وليس على الوديع الثاني ضمان، فإذا أودع شخص عند آخر فرسا مثلا، فدفعها الوديع لأجنبي ليحفظها عنده، ثم تركها وانصرف فهلكت، كان الوديع الأول ضامنا لها ولا شيء على الثاني.
    أما إذا دفعها إليه فهلكت قبل انصرافه، فإنه لا يضمنها أحد لأنها هلكت بحضرة الوديع، وهو أمين فلا شيء عليه، وإذا ادعى صاحب الفرس أنها هلكت عند الثاني وقال الوديع بل ردها إلي وهلكت عندي، فإنه لم يصدق إلا بالبينة، وذلك لأنه اعترف بالضمان بإيداعها عند الأجنبي وادعى البراءة فلا يصدق إلا إذا أقام على دعواه.
    ومن الأمور التي توجب على الوديع ضمان الوديعة أن يخلط الوديعة بماله أو بمال غيره بغير إذن مالكها، ويشمل ذلك صورا أربعا:
    إحداها: أن يخلطها خلط مجاورة كخلط الحنطة بالحنطة.
    ثانيها: أن يخلط ممازجة بجنسها أيضا كخلط ماء الورد أو خلط السمن بالسمن وحكم هاتين الضورتين أن المالك مخيرا بين أمرين:
    الأول: أن يعتبر وديعته مستهلكة بذلك فيلزم الوديع بها ولا يكون له عليها سبيل.
    الثاني: أن يعتبرها موجودة فيقسم الجميع ويأخذ ما يخصه بالقسمة لأنه وإن لم يكن قد وصل إلى غير حقه في الصورة، ولكنه قد وصل إليه بالقسمة في المعنى، لأن القسمة فبما يكال أو بوزن إفراز.
    ثالثها: أن يخلط الوديعة بغير جنسها خلطا يتعسر معه تمييزها خلط مجاورة كخلط القمح بالشعير فإنه وإن لم يتعذر فرز القمح من الشعير وبكنه يحصل بعسر ومشقة.
    وفي هذه الحالة تعتبر الوديعة مستهلكة بالخلط ويضمها الوديع فيلزم بها ومتى ضمنها اصبح مالكا لها ولكن لا يباح له التصرف قبل قبل أداء الضمان، ولا سبيل للمالك الأصلي عليها في هذه الحالة وإذا أبرأه المالك الأصلي سقط حقه من العين المودعة والدين.
    رابعها: أن يخلطها بغير جنسها لا يعتبر معه التمييز، كخلط الجوز بالوز، وفي هذه الحالة تعتبر قائمة كما هي ولا ينقطع صاحبها عنها.
    أما إذا خلط الوديعة بماله أو مال غيره بإذن مالكها، فإن ذلك يكون شركة ملك بينهما. وقد انهارت عرفت أحكام شركة الملك في أول مبحث الشركة، ومثل ذلك ما إذا حصل الخلط قهرا كأن انهارت صبرة قمح الوديعة فاختلطت بغيرها.
    ومن الأشياء التي توجب الضمان على الوديع أن يموت ولم يبين الوديعة التي عنده فإذا مات الوديع مجهلا (لم يبين حال الوديعة) صارت الوديعة دينا في تركته بشرطين:
    الأول: ألا تعرف الوديعة بعينها ولم توجد في تركته بعد موته.
    الصثاني: أن لا يكون أحد من ورثته عالما بها فإذا أخبر الوديع الورثة بها، وسئل قبل موته عنها، فقال: إن فلانا يعرفها، فلا يضمنها وحل الوارث الذي محل الوديع المتوفي.
    وإذا أنكر صاحبها علم الوارث بها وقال: إن الوديع مات، ولم يبين الوديعة لأحد كان على الوارث أن يفسر حال الوديعة، فإذا فسرها فإنه يصدق، وإذا قال الوارث إن الوديع ردها في حياته فإنه لا يصدق إلا بالنية.
    أما إذا برهن على أن الوديع قال في حياته: إنه ردها يقبل قوله، وإذا قال الوارث: إن الوديعة كانت معلومة وموجودة يوم موته ثم هلكت بعد ذلك، وقال صاحبها: إنها كانت مجهولة فإنه يصدق قوله لا قول الوارث لأن الوديعة صارت تركة في الظاهر فلا يصدق الورثة إلا بالنية.
    ومن الأمور الموجبة لضمان الوديعة على الوديع أن يتعدى الوديع عليها بالتصرف فيها واستعمالها فإذا أودعه دابة فركبها فهلكت كان ضامنا لأنه قد تعدى باستعمالها، أما إذا هلكت من غير استعمال فإنه لا يضمن وإذا استعملها مرة ثم ترك استعمالها فإن كان ينوي العودة إلى استعمالها ثانيا فسرقت كان ضامنا لها.
    أما إذا لم ينو استعمالها ثانيا فإن التعدي يكون قد زال فلا ضمان عليه، ومثل ذلك ما إذا أودعه ثوبا فلبسه في النهار، ثم خلعه ليللا فإن كان ينوي لبسه في النهار ثانيا وسرق الثوب ليلا كان ضامنا لأن التعدي لا يزال قائما.
    أما إذا لم يكن ينوي لبسه بانهار، وعزم على عدم استعماله، فإن التعدي يكون قد زال فلا ضمان عليه، على أنه يضمن ما نقصته الوديعة بالاستعمال على أي حال.
    ومن هذا تعلم أن تعدي الوديع يزول برجوعه عنه، ويرتفع عنه الضمان بينة عدم العودة إليه، وكذلك الحال في كل أمين، كالوكيل في البيع والإجارة.
    فإذا وكل شخصا على أن يشتري له دابة فاشتراها وركبها، ثم ترك ركوبها، لا يضمنها إذالا هلكت، وكذا إذا وكله على أن يبيع له ثوبا فلبسه لا يضمن، وكذا المضارب فإنه إذا استعمل ما لا يصح له استعماله ثم رجع لا يضمن، والشريك شركة مفاوضة أو عنان على ما تقدم إيضاحه في بابه.
    ويستثنى من ذلك المستعير والمستأجر فإن من استعار دابة ليركبها فتوى
    أنه لا يردها لصاحبها ثم ندم وهلكت الدابة وهو سائر فإنه يضمنها وندمه لا ينفع.
    أما إذا كان واقفا وترك نية عدم ردها فإنه يعود أمينا ومثله الدابة إذا نوى عدم ردها لصاحبها ثم عدل عن نيته فإن كان سائرا فإن عدوله لا ينفعه.
    أما إذا كان واقفا فإنه ينفعه، وإذا استأجر دابة إلى مكان معين ثم جاوزه ورجع إليه ثانيا لا يبرأ.
    ومما يوجب الضمان على الوديع أن ينكر الوديعة فإذا أودع شخص مالا عند آخر وطلبه منه فأنكره ثم سرق كان الوديع ضامنا له ملزما به حتى ولو عدل عن إنكاره وأقر به ثانيا. وإنما يجب عليه الضمان بثلاثة شروط:
    الأول: أن ينكرها بعد أن يطلبها أما إذا أنكرها قبل أن يطلبها أو سأله صاحبها عن حالها فأنكرها فإنه لا يخرج بذلك الإنكار عن كونه وديعا فلا يضمنها.
    الشرط الثاني: أن ينقلها من مكانها التي هي فيه إن كانت من المنقولات وقت الإنكار فلو لم ينقلها وقته وهلكت فإنه لا يضمن. وبعضهم يقول: إن كانت الوديعة وجحدها بعد طلبها فإنه يضمنها ولو لم ينقلها بالفعل وذلك لأن العقد ينفسخ يطلب صاحبها وبذلك يكون الوديع قد عزل نفسه عن الحفظ وبقي مال الغير في يده بغير إذنه فيكون مضمونا وهو وجيه.
    الشرط الثالث: أن لا يحضرها لصاحبها بعد إنكاره فإذا أحضرها لصاحبها ومكنه من استلامها فردها إليه صاحبها ثانيا فهلكت فإنه لا يضمن لأنها تكون وديعة جديدة في هذه الحالة.
    ومما يوجب الضمان على الوديعة الضمان على الوديعة أن يسافر بالوديعة. وإنما يضمن بالسفر بها بشروط أن ينهاه صاحبها عن السفر بها فإذا نهاه وخالف فإن سافر بها في البحر فغرقت يضمن بلا نزاع وإن سافر بها في البر كان السفر ضروريا له وأخذ معه أهله فهلكت لا يضمن. فإذا سافر فإنه لا يضمن أما إذا لم ينهه صاحبها عن السفر فإن سافر بها إلى جهة مخوفة يخشى منها ضياع الوديعة وإلا لم ينهه صاحبها عن السفر فإن سافر بها إلى جهة مخوفة منها على ضياع فإنه يضمن وإلا فلا.
    الماكية - قالوا: يضمن الوديع التي عنده بأمور:
    منها: أن يسقط على الوديعة شيء من يده فيكسرها أو ينقلها ولو سقط من يده خطأ بدون قصد.
    فإذا أودع شخص عند آخر إناء من البلور فأيقط عليه حديدة كان يعبث بها فكسرته فإنه يضمنه ولو لم يكن معتمدا إسقاطها لأن أموال الناس وودائعهم يجب صانتها والاحتياط في أمرها فلا فرق بين إتلافها عمدا أو خطأ.
    ومنها: أن ينقلها من مكان إلأى آخر من غير حاجة إلى نقلها فتكسر أو تتلف فإنه يضمنها في هذه الحالة، أما إذا كانت الحاجة ماسة إلى نقلها فكسرت فإنه لا يضمن بشرط أن لا يفرط في الاحتياط بها أن ينقلها كما ينقل مثلها عادة فإن كان مثلها ينقل على حمل فنقلها على حمار أو كانت تحمل على أعناق الرجال كالمرأة مثلا فنقلها على جمل فكسرت فإنه يضمن لأنه فرط في صيانتها.
    ومنها: أن يخلط الوديعة بغيرها فإنه يضمنها بشروط:
    أحدهما: أن يتعذر تمييزها أو يعسر كما إذا خلط بدهن أو زيت فإنه تعذر فزرها في الدهن ويتعسر في الزيت الذي لا يجمد إذ من الممكن تخليص السمن منه بعد أن يجمد ولكن مع شائبة لا يمكن تخليصها. ومن المتعسر أن يخلط قمحا بقوله فإنه وإن كان يمكن فرز القمح من الفول ولكن بصعوبة. ومثل هذا الخلط يوجب الضمان وإن لم تتلف الوديعة وقيل لا يوجبه إلا إذا تلف.
    ثانيها: أن لا تكون الوديعة مماثلة لما خلطت به جنسا وصفة، أما إذا كانت مثل ما خلطت به في الجنس والصفة كخلط قمح هندي أو صعيدي (بعلي) بمثله فإنه لا يضمن بشرط أن يكون الخلط للحفظ أو للمصلحة، أما الخلط بدون سبب فإنه يوجب الضمان إذا فقدت الوديعة أو تلف لاحتمال أنها تركت وحدها سلمت. وإذا تلف بعض القمح بعد خلطه يقسم التالف بحسب الأنصباء فإذا كانت الوديعة ثمانية أرادب والقمح المخلوط بها مثلها قسم التالف مناصفة وإذا كانت الوديعة ثلاثة أرادب والمخلوط بها ستة قسم التالف بينهما أثلاثا وهكذا.
    ومنها: أن ينتفع الوديع فإذا أودع شخص عند آخر دابة فاستعملها بالركوب أو الحمل عليها بدون إذن صاحبها فهلكت كان الوديع ضامنا لها وملزما ومثل ذلك ما إذا أصابها عطب على تفصيل وهو أنه إذا ركبها وقطع بها مسافة كبيرة من شأنها أن تعطب الدواب من قطعها فإنه يضمنها سواء كان عطبها بسبب سماوي أو كان بسبب استعمالها ومثل ذلك ما إذا لم يعمل إن كانت المسافة تعطب من قطعها الدواب غالبا أو لا وكذا إذا استوى الأمران. أما إذا قطع بها مسافة من شأنها أن لا تعطب الدواب بقطعتها عادة فإنه لا يضمن سواء كان عطبها بسبب استعمالها. وبعضهم يقول: إذا كان العطب بسبب الاستعمال فإنه يضمن حتى ولو كان مثله ممن يأخذ أجرة وإلا فلا. وإذا تنازعا فقال المودع: إنها عطبت
    بالاستعمال. وقال الوديع كلا، صدق المودع لأن القول قوله في هذه الحالة.
    ومن الأشياء الموجبة لضمان الوديعة أن يسافر بها فتتلف منه فإنه يضمنها بشرطين:
    أحدهما: أن يقدر على ردها لصاحبها أو يجد أمينا بودعها عنده أما إذا عجز عن ردها لصاحبها لسبب من الأسباب كغايبه ولم يجد أينا يودعها عتده قبل سفره فإنه لا يضمن.
    ثانيهما: أن لا يرجع بها إلى محلها سالمة فإن رجع بها ثم تلف عقب ذلك فإنه لا يضمنها وذلك لأن موجب الضمان هو هلاطها في حال المخالفة لا مجرد السفر بها كما تقدم في مسألة الانتفاع. وإذا ادعى الوديع أنه سافر بها إلى محلها وهي سالمة وتلفت بعد ذلك فإنه يصدق بدون إشهاد عليه.
    ومنها: أن ينساها الوديع في موضع إيداعها أو في غيره فتضيع فإنه يضمنه وكذا إذا نسيها في موضع غير المكان الذي أودع فيه أولا. مثال ذلك أن يعطي شخص مالا لآخر ليشتري له به بضاعة من بلدة أخرى
    فوضعه في جراب فوق دابته ثم نزل ليقضي حاجته فخاف على المال فأخذه معه ولما قضى حاجته نسيه وقام ذكره ونسي المكان الذي وضعه فيه فإنه يضمنه وقيل لا يضمنه.
    ومنها: أن يدخل بها الحمام ونحوه فتضيع فإنه يضمنها بشرطين:
    الأول: ان لا يجد أمينا يضعها عنده قبل دخوله.
    الثاني: أن لا يعلم صاحبها عند الإيداع أن الوديع ذاهب إلى الحمام أو المفلس فإذا كان عاما بذلك فإن الوديع لا يضمن إلا إذا كانت العادة أن الوديع لا يدخل الحمام أو المغطس قبل أن يودع ما معه أمين فإن كان كذلك فإن الوديع يضمن. ومثل الحمام والمغطس في ذلك السوق.
    ومنها: أن يودعها الوديع عند أمين آخر بدون إذن صاحبها فإذا فعل وضاعت أو تلفت كان ضامنا لها بشرطين:
    الشرط الأول: أن يودعها عند أجنبي عنه أما إذا أودعها عند زوجة وأمة أو شخص استأجره لخدمته أو ابنه فإنه لا يضمن إذا اعتاد الإبداع عندهم بأن تطول بأن تطول مدة إقامتهم معه ويثق معه ويثق أما إذا كانت الزوجة جديدة أو الأمة أو الأجير كذلك ولم يعرف أمنتهم فإنه يضمن إذا ضاعت الوديعة عندهم كما يضمن بإيداعها عند الأجنبي. وإذا عها عند أجنبي ثم رجعت إليه سالمة وضاعت عنده بعد ذلك فإنه لا يضمن.
    الشرط الثاني: أن يودعها عند الأجنبي بغير عذر. أما إذا أودعها لعذر فإنه لا يضمنها فإذا كانت في منزل وقد يقط بعض حيطانه وخاف عليها من السرقة ولم يستطع ردها لصاحبها لغيابه أو لسجنه فأودعها عند أمين غيرهفإنه لا يضمنها إذا ضاعت أو تلف. ومثل ذلك ما إذا وقع حريق في المنزل الذي هي فيه أو أراد الوديع السفر إلى جهة ولم يستطع ردها لصاحبها فإن له إيداعها عند أجنبي ولا ضمان عليه. ولكن لا بد من الشهود على العذر فإذا ادعى الوديع أنه أودعها لسقوط داره أو لسفره بدون أن تشهد البينة على ذلك فإنه لا يصدق ولا بد أن تكون البينة قد شاهدت نفس العذر فلا يكفي أن يقول للشهود: اشهدوا أنني أودعتها عند فلان لسقوط حيطان المنزل من غير أن يروا ذلك.
    فإذا زال العذر وجب عليه أن يسترجعها فإذا لم يسترجعها وذاعت كان عليه ضمانها إلا إذا كان العذر السفر فإنه لا يجب عليه استرجاعها إلا إذا كان ناويا العودة إلى البلدة التي سافر منها.
    أما إذا نوى الارتحال ليقيم في بلدة أخرى ولا يعود ينو شيئا ثم عاد بعد ذلك فإنه لا يجب عليه استرجاعها وإنما يستحب له ذلك ولا يجب على الوديع الثاني أن يردها إلى الأول إلا في الحالة الأولى وهي حالة ما إذا كان ينوي العودة أما في الحالة الثانية فإنه لا يجب عليه ردها إليه فإذا حصل تنازع في نية العودة فقال الوديع الأول: إنه كان ينوي العودة وقال الثاني: إنه ينوي عدم العودة فإنه ينظر إلى السفر فإن كان الغالب في مثله العودة فيقضي بها للوديع الأول وإن كان الغالب فيه عدم العودة
    أو استوى الأمران فيقتضي بها للوديع الثاني ويكون ضمانها على الثاني ويبرأ الأول منها.
    ومن الأمور التي توجب ضمان الوديعة أن يرسلها الوديع إلى صاحبها بدون إذنه فتضيع من الرسول أو تتلف فإنه يضمنها. وكذا إذا ذهب الوديع بنفسه بها صاحبها فهلكت في الطريق أو تلفت فإنه يضمنها. ومثل ذلك الوديع في ذلك الوصي على مال فإذا أو صى شخص آخر على ماله ثم مالت صاحب المال فبعث المال للورثة بدون إذنهم أو سافر به إليهم فضاع أو تلف فإنه يكون ضامنا له على الراجح. وبعضهم يقول: لا يضمن وبعضهم يقول: إن سافر بها في وقت مخوف ضمن وإلا فلا.
    ومنها: أن تكون الوديعة دابة ونحوها فيطلق عليها الوديع الفحل بقصد إحبالها بدون إذن صاحبها فتموت بسبب وطء الحمل أو تحبل ثم تموت بسبب الولادة فإن الوديع يضمنها. أما إذا أذنه صاحبها بذلك فلا ضمان عليه.
    أما الراعي الذي يرعى بقرة ونحوها فإنه إذا طلب فحلا على أنثى من الحيوانات التي يرعاها لغرض إحبالها فماتت فإنه لا يضمنها وإذا كان المتعارف أن الرعاة يعملون مثل ذلك حتى لا تفوت مدة حمل الحيوان فتضيع ثمرته في هذه الحالة يكون مأذونا حكما.
    أما إذا كان العرف على خلاف ذلك أو اشترط صاحبها عدم ذلك فإنه يضمن وهذا القول هو الظاهر:

    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #152
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوديعة]
    صـــــ 223 الى صــــــــ
    236
    الحلقة (152)

    ومنها: أن ينكر الوديعة رأسا كأن يقول لصاحبها: لم تودعني شيئا هذه المسألة أربع صور:
    الصورة الأولى: أن يستمر على إنكاره ولا بينة لصاحبها عليه وفي هذه الحالة لا يضمن الوديع شيئا.
    الصورة الثانية: ان يعترف بها إنكارها ثم يدعي ضياعها ولا بينة له وفي هذه الحالة يضمنها ولا ينفعه إقراره بلا خلاف.
    الصورة الثالثة: أن ينكر إيداعها ثم يعتبر به ويدعي أنه ردها لصاحبها ويقيم البينة على ذلك وهذه فيها خلاف فبعضهم يقول: إن بينة الوديع ناقص نفسه يقول تقبل.
    الصورة الرابعة: أن ينكر إيداعها فيقيم صاحبها البينة على الإيداع فيدعي الوديع ردها ويقيم البينة على ذلك. وحكم هذه الصورة الثالثة. ورجح القول بعدم سماع بينة الوديع بعد إنكاره في الحالتين.
    ومنها: أن يموت الوديع ولم يبين الوديعة ولم توجد في تركته فإن لصاحبها الحق في أن يأخذ مثلها أو قيمتها من تركة الميت. وإن كانت التركة مدينة فإن له أن يدخل مع الدائنين بحصة مناسبة لوديعته وفي هذه المسألة صورتان:
    الصورة الأولى: أن يثبت الإيداع بإقرار الوديع قبل موته وفي هذه الحالة لا يكون لصاحبها الحق في المطالبة بها موته إذا مضى على إيداعها زمن طويل بقدر بعشر سنين فإذا مضى عليها ذلك فلا يكون له الحق إذ يجوز أن يكون قد أخذها من الوديع قبل موته.
    الصورة الثانية: ان يثبت الإبداع ببينة مقصودة لتوثيق بأن يحضرها المودع عند الإيداع لتأكد المحافظة على وديعته وفي هذه الحالة لا تسقط مهما طال طال عليها الزمن.
    هذا لم يبنها الوديع قبل موته ولم توجد في تركته. أما إذا بينها وأوصى بها بأن قال: إن الوديعة التي في مكان كذا هي لفلان فإن الميت يبرأ فإن وجدت في المكان الذي قال عنه اخذها صاحبها وإن لم توجد ضاعت عليه ولا يكون له الحق في المطالبة بشيء لأن الوديع أمين فهو مصدق فيما يقول فحيث قال إنها بمكان كذا دل ذلك على أنه لم يستلفها حال حياته ولم يتصرف فيها وأنها سرقت من ذلك المكان فلا يضمنها.
    أما إذا لم يقل فيحمل على أنه تسلفها وتصرف فيها فعليه ضمانها. وإذا ادعى شخص أن له وديعة عند فلان الميت ولم يثبت الإيداع ببينة أو إقرار فإن وجدت الوديعة مكتوبا عليها بخط المتوفى في أنها لفلان فإنها تكون حقا لصاحبها بشرط أن يثبت بالنية أن الخلط خط المتوفى.
    أما إذا كانت الكتابة بخط صاحبها لا بخط المتوفى فقيل يكون فيها أيضا وقيل لا إذ يحتمل أن يكون قد تواطأ مع أحد الورثة على إخراج شيء إليه كتب عليه اسمه.
    ومنها: أن يكون صاحب الوديعة مضطهدا من ظالم يريد أن يصادره في ماله فيحملها الوديع إلى صاحبها حين مصادرة الظالم إياه فإذا استولى عليها الظالم فإن الوديع يضمنها في هذه الحالة لأنه يجب عليه إخفاؤها عن الظالم وحفظها. وإذا خاف الوديع فيصادرها مع ماله فقيل يجوز له حملها إليه وقيل لا.
    ومن الأشياء الموجبة لضمان الوديعة هلاكها بيد رسول أرسلت معه وفي هذه المسألة ثلاث صور:الصورة الأولى: أن يكون ضامنا على رسول فيضمنها الرسول (سواء كان من طرف صاحب الوديعة أو من طرف الوديع) في حالة واحدة وهي أن يحملها فيموت قبل أن يصل إلأى البلد التي بها صاحقب الوديعة ولم توجد في تركته فتؤخذ في هذه الحالة من تركة الرسول ثم إن كان من طرف رب المال فلا يكون الوديع مسؤولا عنها وإن كان من طرف الوديع كان مسؤولا عنها فعليه أن يسلمها لربها ويأخذها هو من تركة الرسول.
    الصورة الثانية: أن يكون ضمانها على الوديع فيضمنها الوديع إذا أرسلها مع رسول من طرفه فمات الرسول بعد وصوله إلى البلد القاطن الوديعة ولم توجد معه وادعى صاحبها أنها لم تصل إليه كان الوديع ضامنا لها لأنه لا يبرأ إلا بوصول المال أو إلى رسول صاحبه بينة أو إقرار.
    الصورة الثالثة: أن تضيع على صاحبها ويبرأ الرسول والوديع وذلك إذا أرسلها مع رسول من طرف صاحب الوديعة فحملها ووصل بها البلد الذي به صاحب الوديعة ثم مات الرسول فإنها في هذه الحالة تضيع على صاحبها لاحتمال أن الرسول أعطاها لصاحبها الذي أرسله بعد وصوله فلا ضمان عليه كما لا ضمان على الوديع لأنه سلم الوديعة لرسول صاحبها ببينة فإذا سلمها إليه بدون بينة ولم يمت الرسول ولكن بينة وبين صاحبها خلف فقال الرسول إنه سلمها وقال المرسل إليه كلا ولا بينة للرسول كان الوديع ضامنا.
    أما إذا سلمها الوديع للرسول بينة فإنه يبرأ بذلك ويكون الضمان على الرسول إذا لم تكن له بينة.
    ومن الأشياء التي توجب الضمان على الوديع أن يدفع الوديعة لشخص غير صاحبها فيدعي ذلك الشخص أنها ضاعت أو تلفت. ويدعي الوديع لذلك الشخص بناء على أمر صاحبها مباشرة أو بواسطة بأن يقول: أنت أمرتني بدفعها له بنفسك ولا بواسطة بدفع وديعتي لغيري.
    فإن لم تكن للوديع بينه على دعواه طلب من صاحب الوديعة أن يحلف فإذا حلف يلزم بها الوديع وإن لم يحلف حلف الوديع وبرئت ذمته.
    ثم إن كانت دعوى الوديع أنه دفعها للشخص بأمر صاحبها بنفسه مباشرة فليس له حق الرجوع على ذلك الشخص في حالة ضمانه للوديعة لأنه يكون في دعواه معترفا بأن صاحبها أمره بدفعها له وقد ظلمه بالإنكار فلا يظلمه الوديع بالرجوع عليه أما إن كانت دعواه بأنه له بأمارة أو كتاب بغير خط صاحبها فغن الرجوع على ذلك الشخص إن كانت الوديعة موجودة في يده أو أتلفت بسببه أما إن كانت قد تلفت بسبب آخر فلا حق في الرجوع عليه على المعتمد.
    أما إن كانت للوديع بينه على صاحبها بأنه أمره بدفعها إلى ذلك الشخص فإن ذمته تبرأ ولصاحبها الحق في الرجوع على ذلك قبضها إن ثبت تعديه عليها أو كانت موجودة لم تتلف أما إذا لم يثبت تعديه عليها فلا حق له في الرجوع عليه كما لاحق له في الرجوع على الوديع.
    الشافعية - قالوا: الوديع أمين لا ضمان عليه بحسب الأصل وإنما يضمن لعارض من الوارض سواء أكانت الوديعة بأجرة أم بغير أجرة. والصور التي يضمن بها الوديع عشر.
    الصورة الأولى: أن ينقل الوديعة من بلدة إلى أخرى أو من دار إلى دار أقل منها صيانة وحفظا بدون ضرورة فإن ترتب على ذلك ضياع الوديعة او تلفها كان الوديع ضامنا لها ولو لم ينهه المودع إلا إذا كان نقلها خطأ أنها ملكه ولم ينتفع بها أثناء نقلها فإذا نقلها إلى جهة مساوية للجهة التي كانت بها أو احسن من الصيانة والحفظ وضاعت أو تلفت فإنه لا ضمن وكذا إذا نقلها من (دور) إلى دور (دور) منزل واحد أو من حجرة إلى حجرة فإنه لا ضمن ولو كانت أقل حفظا ما لم ينهه المودع عن نقلها فإنه إذا خالف نهيه يضمن.
    الصورة الثانية: أن يدفعها الوديع إلى شخص آخر يحفظها عنده سواه كان ذلك الشخص أجنبيا عن الوديع أو ولد أو زوجة أو خادما وكذا ليس له إيداعا عند القاضي إلا بإذن مالكها.
    فإذا فعل ذلك وضاعت الوديعة أو تلف كان ضامنا لها وذلك لأن صاحب الوديعة قد اختار لها الوديع بعينه ومعنى ذلك أنه لم يرض بامانة غيره. نعم للوديع وإنما يضمنها الوديع بدفعها إلى غيره بحارس أو خادم يعلفها ويسقيها إن كانت بحسب ما جرت به العادة وإنما يضمنها الوديع بدفعها إلى غيره بشرطين:
    الشرط الأول: أن يفعل الوديع ذلك بدون إذن صاحب الوديعة فإنه لا يضمنها إذا ضاعت أو تلف لأن الثاني يكون وديعا أيضا.
    ولا يخرج الأول عن الإيداع إلا إذا صرح المالك بذلك أو قامت قرينه على انه يريد استقلاق الثاني بالوديعة وإذا صرح صاحبها بأن يكون في حفظ الاثنين تعيين ذلك فعليهما أن يقوما بوضعها في مكان بملكانه أو يستأجرانه أو يستعيرانه على أن يكون لكل منهما مفتاح فإذا انفرد أحدهما نحفظه برضاء الآخر كان كل منهما مسؤولا عنها.
    الشرط الثاني: ان يدفعها لغيره بدون عذر أما إذا دفعها بعذر فإنه لا يضمن ولو لم يأذنه صاحبها.
    والعذار التي تبيح للوديع إعطاء الوديعة هي كالسفر أو المرض المخوف أو الحريق الذي يشب في الجهة التي بها الوديعة أو الغرق الذي يهدد مكان الوديعة أو نحو ذلك بشرط أن لا يجدهما كأن كانا غيره ينقلها إليه ويشترط أن يحاول أولا أن يرد الوديعة إلى صاحبها أو وكيله فإن لم يجدهما كأن كانا مسافرين أو مسجونين فإنه يجب عليه أن يردها للقاضي الأمين وعلى القاضي أخذها بعد ذلك، ولا يلزم تأجيره سفره من أجل الوديعة لما في ذلك من الجرح الذي لا يخفى فإذا لم يتمكن من ردها بأن مات فجأة أو قتل غيله أو سافر بها لعجز عن إيصالها لمن ذكروا فلا ضمان عليه.
    الصورة الثالثة: أن يسافر الوديع بها مع القدرة على ردها لصاحبها أو وكيله أو القاضي الأمين فإذا فعل وضاعت فإنه يضمن لأنه عرضها للضياع ينقلها من مكانها الأمين إلى أقل منه، وكذا يضمنها إذا دفنها بمكان وسافر ولم يعلم بها أمينا براقبها.
    الصورة الرابعة: أن ينكرها بعد طلب المالك لها فإذا فعل يصير غير أمين فيضمن الوديعة إلا إذا أنكرها لمصلحة كأن أنكرها ليدفع شر ظالم عن مالكها أو أنكرها إذا طلبها منه أجنبي ولو بحضرة مالكها لأن إنكاره يحمل على شدة حفظها بإخفائها عن غير صاحبها.
    الصورة الخامسة: أن يترك الوديع الوصبة بالوديعة عند الإشراف على الموت ومعنى الوصية أن يعلم بها القاضي أو الأمين عند عدم وجود القاضي مع وصفها بما تتميز به إن كانت غائبة أو الإشارة لعينها إن كانت حاضرة مع الأمر بردها إليهما بالفعل أما في حال السفر فإن الوصية لا تغني عن رد الوديعة إليهما بالفعل على المعتمد فإذا ترك الوديع رد الوديعة لصاحبها في حال المرض المخوف كما تقدم أو ترك ردها لأنه عرضها للضياع بوضع يد عليها، ولا يجب عليه الإشهاد على الوصية على المعتمد.
    الصورة السادسة: أن يهمل الوديعة فلا يدفع عنها ما يتلفها كترك تهوية ثياب الصوف والسجاد فيجب عليه أن يستعملها الذي يحفظها وكذلك يجب عليه أن يطعمخا ويسقسها إن كانت حيوانا فإن أعطاه المالك علفا به وإلا طلب منه أو من وكيله علفها فإن لم يجدها طلب من القاضي تقدير علف لها ليرجع به على المالك وله أن يؤجرها بما يعلفها به أو يبيع به منها جزءا يعلفها منه بحسب ما يستطيع فإن تعذر عليه شيء من ذلك علفها من عنده مع الإشهاد على ما بنفقه ليرجع به المالك فإذا كان الحيوان به تخمة ونهاه مالكه عن إطعامه حتى يبرأ فخالفه وأطعمه فإن كان ذلك عمدا وعلم بالعلة فإنه يضمن وبعضهم يقول مطلقا أما إذا نهاه عن إطعام الصحيح أو دفع مهلكات الثياب ونحوه فهلكت فإنه لا يضمن وإن أثم طعام الحيوان.
    الصورة السابعة: أن يمنع لصاحبها بدون عذر فإذا طلبها فتأجر في دفعها بدون عذر وهلكت ضمنها. أما إذت منع ردها لعذر كصلاة وأكل ونحوهما فإنه لا يضمن والمراد بتأجيرها عن صاحبها، أن لا يخلي بينهما وبين صاحبها إلا أن يحملها إليه أن ذلك لا يلزم الوديع.
    الصورة الثامنة: أن يضعها الوديع في مكان غير أمين أو ينساها أو يدل عليها ظالما بتعيين محلها له أو يسلمها له ولو مكرها فإنه يضمنها ويرجع بما عزمه على الظالم أما إذا أخذها الظالم من يده قهرا عنه من غير أن يدله عليها فإنه لا يضمن وكذا لو أخبره بأنها عنده من غير أن يعين له مكانها فإنه وإن كان يحرم عليه ذلك وإذا حلف وجب عليه أن يوري في يمينه إن عرف التوية وأمكنه وإلا كفر عن يمينه إن كان الحلف بالله أما إن كان بالطلاق أو العتق فإنه يحنث.
    الصورة التاسعة: أن ينتفع الوديع كأن يلبسها إن كانت ثوبا لا يصلحه اللبس أو يركبها إن كانت دابة لا يصلحها الركوب فإذا كانت جموحا يصلحا الركوب فلا يضمن بركوبها لذلك الصورة العاشرة: أن يخالف الوديع صاحب الوديعة فيما يأمره به إلا إذا كان فيه زيادة حفظ فإذا قال لا تحمل هذا الصندوق على دابة فحمله فانكسر ما فيه ضمن وكذا إذا قال له لا تنم عليه ففعل فانكسر ما فيه فإنه يضمن أما إذا نام فلم ينكسر ما فيه وبعد ذلك سرق فإنه لا يضمن لأن المخالفة لم يترتب عليها ضرر.
    أما إذا نهاه عن وضع قفلين ففعل فإنه لا يضمن فيه زيادة احتياط.
    الحنابلة - قالوا: الوديع لا يضمن الوديعة إلا إذا تعدى عليها بأن فيها أو فرط في حفظها فتلفت أو ضاعت ويحصل ضمانها بأمور: منها أن يضعها الوديع في مكان لا يحفظ فيه مثلها في العرف كما إذا كانت عقد جوهر في صندوق لا قفل له فسرقت فإنه يضمن لتفريط في حفظها فإذا وضعها في مكان يحفظ فيه مثلها (حرز المثل) ثم نقلها إلى مكان آخر يحفظ فيه مثلها أيضا ولكنه أقل من الأول صيانة وحفظا لا يضمن لأنه فعل الواجب لوضعها في حرز مثلها.
    وإذا عين له صاحبها مكانا لحفظها وجب عليه أن يضعها فيه أو في مكان مثله أو اعلى منه في الصيانة والحفظ فإذا وضعها في مكان أقل منه فضاعت ضمنها أما إذا وضعها في المكان الذي عينه صاحبها من أول الأمر فإنه يحرم عليه أن يخرجها من ذلك المكان من غير حاجة فإذا فعل وضاعت ضمنها حتى ولو كان المكان الذي نقلها إليه أصون من المكان الأول.
    أما إذا أخرجها من مكانها خوفا عليها من حرق أو غرق أو هدم المكان الذي هي فيه فهلكت لم يضمن بل يجب عليه في هذه الحالة أن يخرجها من المكان بالأخطار وإنما يلزمه أن يضعها في حرز مثلها أو أعلى إن لم يمكن فإنه لا يكلف إلا ما قدر عليه ولا ضمان.
    فإذا تركها في المكان الذي عينه له صاحبها في حالة الخطر وهلكت كان الوديع ضمانها سواء هلكت بالأمر المخوف أو لسبب وهلكت فإنه لا يضمن وإذا خالفه فأخرجها فإنه لا يضمن أيضا لأنه فعل ما فيه الحفظ في الثاني وامتثل أمر صاحبها في الأول.
    ومنها: أن يهمل في أمر حفظها فإذا كان الوديعة حيوانا يجب على الوديع أن يصعمه ويسقيه إلا أن ينهاه صاحبه عن ذلك فإن فعل لا يضمن ولكن يأثم بتركه الحيوان من غير إطعام ويطالب الوديع صاحب الحويان أو وكيله بعلفه أو رده إليهما فإن لم يجدهما رفع الأمر إلى الحاكم ليأخذ قيمة علفه من مالهما مال وإلا بما فيه المصلحة من بيع الحيوان أو إجارته أو الاستدانة عليه للإنفاق عليه ويجوز أن يأمر الوديع بالإنفاق عليه من ماله بحسب اجتهاده ويرجع بما أنفقه على صاحب الحيوان.
    ومنها: أن يدفع الوديع إلى أجنبي ليحفظها عنده فإذا فعل وضاعت فإذا دفعها إلى من يحفظ ماله كزوجة ولده وخادمه وخازنه ووكيله لم يضمن إن تلفت.
    أما إذا دفعها إلى شريكه فإنه يضمن صاحبها إذا تلفت. ولصاحبها الحق في مطالبة الوديع الأول ببدل الوديعة لأنه صار ضامنا بدفعا إلى غيره وإعراضه عن حفظها وله مطالبة الوديع الثاني لأنه قبض ما ليس له قبضه فإذا كان عاما بأنها بأنها وديعة وأنه لا عذر للوديع في دفعها إليه وألزمه المالك ببدل الوديعة فلا رجوع للوديع على الأول وإن كان جاهلا بأنها كان جاهلا بأنها وديعة ولزمه مالكها بدفع بدلها فإنه يرجع بما دفعه على الوديع الأول لأنه غيره.
    وللوديع أن يساعين بالأجنبي في حمل الوديعة وعلفها وسقيها ونحو ذلك مما جرت به العادة فإذا هلكت في أثناء ذلك فلا يضمن.
    ومنها: أن يسافر بها الوديع مع نهي صاحبها عن السفر بها وتلفت ضمنها إلا إذا كان السفر لضرورة كجلاء عن البلد لهجوم عدو أو غرق أو حرق أو نحو ذلك فإن تركها في مكانها ولم في مكانها ولم يسافر بها فتلفت ضمنها.
    وإذا أراد الوديع السفر على الوديعة عنده فله ردها لصاحبها إن كان موجودا فإن لم يوجد فله ردها على من يحفظ مال صاحبها كزوجه وخازنه ووكيله في قبضها إن كان له وكيل وله السفر مع وجود صاحبها إن لم يخف عليها ولم ينهه صاحبها فالوديع في هذه الحالة يكون مخيرا بين اليفر وبين ردها لمن ذكروا.
    ومنها: أن يحملها إلى صاحبها وعنده ظالم يريد ماله أو يسعى بها إلى الظالمأو يدل عليها لصا فيسرقها فإذا فعل كان ضامنا لها.
    ومنها أن يموت الوديع ولم يبين الوديعة فإذا مرض مرض الموت رد الوديعة إلى صاحبها أو وكياه فإن لم يجدها دفعها إلى الحاكم المأمون فإن تعذر عليه ذلك أودعها عند ثقة أو دفنها إن لم يضرها الدفن واعلم بها ثقة يسكن الدار التي دفنها بها فإن لم بفعل كان ضامنا ومثل ذلك ما إذا أراد أن يسافر معه على الوديعة.
    ومنها أن ينتفع الوديع بها كأن يركبها إن كانت دابة لمصلحته. أما إذا ركبها بأجرة علفها فلا يضمن وكأن يلبس ثوبا مودعا عنده لا لمصلحة الثوب.
    أما إن لبسه لمصلحة الثوب غن خاف عليه من العث (العتة) إن كان صوفا فإنه لا يضمن.
    ومنها: أن ينكر الوديعة ثم يقر بها لأن الإقرار بها بعد إنكارها لا يرفع عنه الخيانة فيضمنها إذا فقدت. ومثل ذلك إذا طلبها صاحبها أو من له حق في طلبها ****له فلم يدفعها إليه فإنه يضمنها إذا تلفت بعد المنع.
    ومنها: أن يخلط الوديعة بماله أو بمال غيره إذا كانت لا تتميز منه كخلط زيت بزيت أو سمن بمثله بغير إذن صاحبها فإذا فعل الوديع ذلك بطلت الوديعة وضمنها الوديع ووجب عليه الرد فورا.
    وإذا خلطها غير الوديع بدون إذن كان الضمان على الخالط لا على الوديع لأنه هو المعتدي وإذا برئ المالك الوديع بريء.
    وإذا خلطها خلطا لا يتعذر معه كخلط بر بشعير أو عدس فإنه لا يضمن. وإذا وقع خلط الذي يتعذر تمييزه رغم إرادته فإنه لا يضمن ويصيران شريكين) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #153
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث العارية]
    صـــــ 237 الى صــــــــ
    244
    الحلقة (153)

    [مباحث العارية]
    [تعريفها]
    -العارية مشددة وقد تخفف تطلق في اللغة على معان:أحدهما:
    أنها اسم لما يتداوله الناس بينهم يقال للكتاب مستعار. بمعنى متعاور أي متداول بين الناس ومثلها العارة - بفتح الراء مخففة - كناقة والجمع عواري - بتشديد الباء وتخفيفها - وعلى هذا تكون مأخوذة من التعاور التداول، وفعلها اعتور الشيء وتعوره وتعاوره، يقال اعتوروا الشيء الشيء بمعنى تداولوه.
    ثانيهما:
    أنها اسم لما يذهب ويجيء بسرعة يقال أعاره الشيء وأعاره منه إعارة منه كما يقال عاره يعوره بمعنى أخذه وذهب فحقيقة العارية ذهاب الشيء وإيابه، وهو قريب من الأول وعلى هذا تكون العارية مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء سريعا وهو لا يخرج عن الأول لما فيه من التداول.
    ثالثهما: أنها اسم لما يقصده المستعير فهي مأخوذة من عروا إذ قصده لأن الشيء المستعار مقصود للمستعير وأصل عارية المشتقة من التعور بمعنى التدوال عورية بفتحتين مشددا على وزان فعليه فالعين الكلمة والواو عين الكلمة لام الكلمة تحركت الواو وانفتح ما قبلها قبلت أفا فصارت عارية فالألف أصيلة لأنها منقلية عن الواو التي هي عين الكلمة.ومثلها المأخوذة من عار يعور إذا ذهب وجاء أما المأخوذ من عراه يعروه إذا قصده فإذا كانت العارية مشددة الياء يكون أصلها عاوورة بواوين على وزان فاعولة قلبت الواو ياء لوقوعها متطرفة فصارت عاروية اجتمعت الواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وإذا كانت مخففة يكون أصلها عاروية اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون الخ وعلى كلتا الحالتين تكون الألف زائدة لأن العين فاء الكلمة والراء عينها ويصح أن تكون الألف اصلية إذا دخل الكلمة القلب بأن تؤخر عين الكلمة وهي الراء على لازمها والراء عينها فتحركت الواو التي هي لام الكلمة وانفتح قبلت أفا فصارت عارية وعلى هذا تكون الألف أصلية لنها منقلبة عن الواو التي هي لام الكلمة.
    ذلك هو الصحيح في معنى العارية واشتقاقها وبعضهم يقول إنها منسوبة إلى العار وذلك لأن ردها لصاحبها بعدما منحها للمستعير عار لا ينبغي وقوعه وذلك خطأ من وجهين:
    أحدهما أن رد العارية ليس بعار ولو كان ذلك لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أنه فعله. ثانيهما إن العار ياتي أما العارية فهي واوي ولذا قالوا إن القوم يعتبرون بمعنى يعير بعضهم بعضا ولم يقولوا يتعاورون نعم نقل أنهم يتعيرون العواري وهي جمع العواري وهي جمع عارية كما عرفت ولكنه ضعيف وقد تستعمل الياء بدل الواو فما ورد من ذلك لا يكون حقيقة بأصل وضعه.وأما معناها في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب (1) .
    [حكم العارية وركنها وشرطها]
    -العارية في ذاتها من أعمال البر التي تقتضيا الإنسانية لأن الناس لا غنى لهم عن الاستعانة ببعضهم بعضا فهي منودبة بحسب ذاتها.وقد يعرض لها الوجوب كما إذا احتاج شخص من آخر مظلة في الصحراء وقت الحر الشديد توقفت عليها حياته أو إنقاذه من مرض فإنه يجب على صاحبها في هذه الحالة أن يعيرها إياه.وقد يعرض لها الحرمة كما إذا كان عند شخص جارية أو خادمة تشتهى وطلب غعارتها منه شخص يختلي بها أو يتمكن من قضاء إربه منها فإنه في هذه الحالة لا يحل له أن يعيرها إياه.وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار فرسا من أبي طلحة فركبه واستعار درعا من صفوان بن أمية يوم حنين فقال له صفوان أغصب يامحمد في هذه الحالة أو عارية فقال له بل عارية مضمونة.
    وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها على أنها داخلة في قوله تعالى:
    {وتعاونوا على البر التقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} .إذا لا شك أن سد حاجات الناس بعضا بعضا والإحسان إليهم من أنواع البر التي توثق بها الشروط وتنمو بها الألفة وتتأكد وذلك المودة ممدوح في نظر الشريعة الإسلامية كل المدح.
    وأركان العارية أربعة: (2) .
    معير وهو الذي يمنح العارية.ومستعير وهو الذي يأخذها.ومعار وهو الذي تمنح.وصيغة. ولكل ركن من الأركان شروط مفصلة في المذاهب (3) .

    (1) (المالكية - قالوا: تعرف العارية على أنها مصدر. وتعرف على أنها اسم للشيء المستعار فعلى الأول يقال إنها تمليك منفعته مؤقتة لا بعوض.
    فإذا ملك شخص غيره منفعة الدابة ليسافر أياما معلومة بدون اجر أو جملة لينقل عليه جرته أو محراثه ليحرث له أرضه في زمن معين أو غير ذلك التمليك عارية ولا فرق بين أن يكون الوقت طويلا أو كثيرا فيدخل في العريف تكليك المنفعة طول حياة المستعير ويقال له (العمري) بضم العين وسكون الميم وكذلك يدخل فيه وهو تمليك منفعته الخادم طول حياة المستعير ولا يدخل فيه حبس منفعة العين (الوقف) إلا على القول بأنه يصح ان يكون مؤقتا. وعلى أنها اسم للشيء المستعار يقال لها (مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بلا عوض) .
    ولكن يرد على التعريفين أنه يدخل فيهما ما ليس منهما في بعض الأحوال وهو إرث المنفعة ومثاله أن يستأجر شخص أرضا أو دارا، أو أثاث منزل مدة معينة ثم يموت قبل أن يستوفي منفعتها ففي هذه الحالة تنقل المنفعة إلى الورثة بدون عوض منهم، وهنا ينطبق عليه تعريف العارية لأنه يملك منفعة بدون عوض أو مال بدون عوض مع أنه ليس بعارية.
    والجواب أن العارية ليس لها عوض مطلقا اما هذه الصورة فإن المستأجر المنوفي إنما أجرهم بعوض فهي في الحقيقة تكليك بعوض من المستأجر الأول وإن انقلت إلى الورثة بدون عوض منهم.
    الحنفية - قالوا: العارية هي تمليك المنافع مجانا وبعضهم يقول إنها إباحةلا تمليك وهو مردود من وجهتين:
    الأول: أن العارية تنعقد بلفظ التمليك الشيء الذي استعاره لغيره إذا كان ذلك الشيء بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه على المتبرع.
    فإن ملك دابة أو كتابا أو ثيابا أو غيرها مما يحل الانتفاع به وكان أهلا للتبرع فإنه يصح له أن يعيرها لغيره بان يبيح الانتفاع بها مع بقاء العين ليردها إليه ثانيا سواء حدد لها مدة ويقال لها العارية النقيدة أو ويقال لها المطلقة.
    الحنابلة - قالوا: العارية معناها العين المعارة وهي المأخوذة من مالكها سواء حدد لها أو مالكها أو مالك منفعتها للانتفاع بها زمنا أو مطلاق بلا عوض وتطلق العارية مجازا، واغعارة هب إباحة نفع العين عوض من المستعير أو غيره.
    والإباحة معناها رفع الحرج عن تناول ما ليس مملوكا له فيصح له أن بنتفع به كما يجب) .
    (2) (الحنفية - قالوا: للعارية ركن واحد وهو الإيجاب والقبول فلا بد في العارية من الإيجاب والقبول لأنها تمليك وهو لا يتحقق إلا بذلك ولا يشترط الللفظ بل يكفي التعاطي وهو أن يعطي المعير العارية للمستعير والمعير يأخذها ويكون معروفا بينهما أنها عارية تصح بلفظ أعرتك وأطعمتك غلة أرضي ومنحك هذا الثوب.
    وحملتك على دابتي هذه. بشرط أن لا يريد بلفظ منحط وحملتك الهبة. وكذا تنعقد بقوله:
    آجرتك داري شهرا مجانا. وداري لك سكني عمرى (بسكون الميم وفتح الراء) .
    (3) الشافعية - قالوا: يشترط في المعير أن يكون أهلا للتبرع ما اجتمع فيه أمور:
    أحدها: أن يكون بالغا، فلا تصح العارية من الصبي.
    ثانيهما: أن يكون عاقلا، فلا تصح من مجنون.
    ثالثهما: أن يكون غير محجور عليه لسفه فلا تصح من محجور عليه، وهل يجوز لكل من الصبي والمحجور عليه أن يعير بنفسه كأن يخدم شخصا في عمل من الأعمال مجانا أو لا؟ الجواب أنه يجوز بشرطين:
    الأول: أن لا يكون العمل الذي يعمله مجانا لا يؤخذ عليه أجر في العادة. أما إذا كان يؤخذ عليه أجر فإنه لا يصح للصبي أو المحجور عليه أن يعير ليعمل ذلك العمل مجانا.
    الثاني: أن لا يكون ذلك العمل متعاقا بصناعته التي يكسب بها عيشه. كما إذا كان صبي نجار فأعار نفسه لشخص مجانا ليصلح له صنودقا مجانا.
    أو يصنع له (دولابا) كذلك، أو كان صبي حداد فأعار نفسه لشخص مجانا ليصلح له قفلا أو كان خياط فأعار نفسه لشخص ليخيط له ثيابا وهكذا فإن هذه الإعارة لا تجوز.
    ومن هنا يتضح انه إذا قال شخص لولد غيره. اعمل لي كذا فإن كان العمل مما لا يؤخذ عليه أجر في العادة كأن يكلف غلام بإحضار أمر من الأمور، فإنه يصح وإلا فلا.
    وأما المحجور عليه لفلس فإنه يجوز له أن يعير نفسه بشرط أن لا يشغله العمل الذي يعمله له عن كسبه كما يصح أن يعير شيئا من ملكه غير منقول كما إذا أعار جاره دارا يوما.
    رابعها: أن يكون المعير مالكا للمنفعة التي يريد إعارتها ولا يشترط أن يكون مالكا للعين لأن الإعارة إنما ترد على المنفعة دون العين.
    فتصح إعارة المكتري والموصي له بالمنفعة والموقوف عليه بإذن الناظر لأنهم وإن كانوا لا يملكون العين إلا أنهم يملكون المنفعة وهي التي يباح للمستعير أن ينتفع بها.
    أما الذي لا يملك العين ولا يملك كالمساعير فإنه لا تصح إعارته فمن استعار دابة غيره لا يصح أن يعيرها لغيره إلا بإذن مالكها كان كل منهما ضامنا فإن تلفت عند الثاني كان عليه ضمانها إلا أنه يشترط لضمان الأول أن لا يسمى مستعيرا خاصا فإن قال له: ائذن لي أن اعيرها فأذن أصبح مستعير بل هو وكيل وبرئ من الضمان.
    هذه شروط المعير، أما المستعير فيشترط له أمران:
    أحدهما: تعيينه فلا تصح الإعارة لمجهول فإذا فرش لمن يجلس عليه لم يكن عارية بل يكون مجرد إباحة وكذا إذا قال لزيد وعمرو: أعرت أحدكما فرسي ولم يعينه إن كان زيدا أو عمرا.
    ثانيها: أن يكون المستعير مطلق التصرف فلا يصح أن يعير فرسه لصبي مجنون إلا إذا تعاقد على ذلك مع وليهما. وأما السفيه جواز فإن الراجح جواز قبوله الإعارة فلا تتوقف على قبول الولي.
    وأما (المعار) فيشترط له أمور: أحدها الانتفاع به حالا أو مالا ومثال ما ينتفع به مالا الجحش الصغير فإنه يصح إعارته إعارة مطلقة أو مقيدة بمدة يمكن الانتفاع به فيها أما ما لا يمكن الانتفاع به أصلا كاحيوان المعقد المريض فإن إعارته. والمراد بالمنفعة ما يسيتفيده المستعير.
    وهي قسمان: قسم منفعة محضة ليست بعين كسكنى الدار وركوب الدابة واستظلال بالمظلة ونحو ذلك، وقسم عين من العين المستعارة كلبن الشاة وثمر الشجر فإذا استعار شاة لآخذ لبنها أو نسلها أو شجرة لأخذ ثمرها فإن العارية تصح إن كان اللبن تؤخذ من الشاة المستعارة والثمر عينا تؤخذ من الشجرة المستاعرة فتصح غعارة الشاة لآخذ لبنها أو نسلها وإعارة الشجر لأخذ ثمرها ونحو ذلك على المعتمد.
    وبعضهم يقول: إن اللبن والنسل والثمر لم يستفيدها المستعير بطريق الإعارة وإنما استفادها بطريق إباحتها، وقد استعيرت الشاة والشجر للوصول إلى ما أبيح له وذلك كما اسيتعار شخص قناة في أرض غيره ليوصل منها ماءه إلى أرضه. فالماء المملوك له لا يمكنه الوصول إليه باستعارة القناة، فمنفعة القناة هي الإيصال إلى الاستفادة بالماء ولا فرق في ذلك بين أن تكون بلفظ العارية أو بلفظ الإباحة.
    ثانيهما أن يكون المستعير مباحا فلا تصح إعارة ما يحرم الانتفاع به كإعارة خادمة مشتهاة لمن لا يؤمن عليها إذا كانت الخدمة تتضمن خلوة أو نظرا محرما فإذا كانت غير مشتهاة لصغر أو قبح منظر أو كانت الخدمة للأولاد الصغار ولا تختلط بها والدهم فإن العارية تصح.
    ومن الأشياء التي يحرم الانتفاع بها آلات الهو المحرمة كالمزمار.
    أما غير المحرمة كالطبل والشطرنج فإن إعارتها تجوز كما تجوز إجارتها.
    ومنها: إعارة السلاح لحربي يستعين به قتال المسلمين فإنه يحرم.
    ثالثها: أن ينتفع بالمستعار مع بقاء عينه أما إذا استهلكت العين فإن العارية لا تصح لعدم وجود حقيقتها إذا العارية هي ما ينتفع مع بقائه ليرد لصاحبه وعلى هذا فلا تصح إعارة المطعومات لاستهلاكها بتناولها.
    وأما الصيغة فيشترط فيها أن تكون لفظا يشعر بالإذن في الانتفاع سواء كان اللفظ صادرا من المستعير. كأن يقول: اعرني كذا أو صادرا من المعير كقوله: اعرتك فلا بد من لفظ أحدهما.
    أما الآخر فلا يشترط لفظه بل يكفي فعله كما لا يشترط الفور بل لو قال له: أعرتك دابتي ولم يرد عليه فورا فإن الإعارة تصح ويقوم مقام اللفظ الصريح الكناية مع النية وكذا إشارة الأخرس المفهمة.
    الحنفية - قالوا: يشترط للعارية شروط بعضها يتعلق بالمعير والمستعير فيشترط فيه أن يكون عاقلا فلا تصح إعارة المجنون وأن يكون مميزا فلا تصح إعارة الصبي الذي لا يعقل.
    أما البلوغ فليس بشرط فتصح إعارة من الصبي المأذون بالتصرف ويعضهما يتعلق بالمعار فيشترط فيه أن يكون الانتفاع به ممكنا بدون استهلاكه. فإذا لم يكن الانتفاع به ممكنا أصلا كالحيوان المريض فإنه لاتصح غعارته، وكذا إذا كان يمكن الانتفاع به مع الاستهلاكه كالمطعوم والشمع الذي لا ينتفع به بدون حرقه، وكذا يشترط في المعار أن يقبضه المستعير فإذا لم يقبضه لا تصح الإعارة.
    وأما الشروط المتعلقة بالصيغة فقد تقدمت في بيان الركن قريبا.
    المالكية - قالوا: يشترط للعارية شروط، بعضها يتعلق بالمعير: وبعضها يتعلق بالمستعير وبعضها يتعلق بالمستعار، فيشترط في المعير شروط منها أن يكون مالك المنفعة بسبب ملك الذات المنتفع بها أو استئجاره لها أو استعارته لها فلا يشترط فيه أن يكون مالكا لذاتها بل الشرط ملك المنفعة سواء كان مالكا للذات أو فيصح لمن استأجر دارا مثلا ان يعير لغيره، وكذا من استعارها فإن له أن يعيرها بشرط أن لا يمنعه المالك المعير من الإعارة لغيرها صريحا أو ضمنا والمنع الضمني:
    لولا أبوك أو أخوك ما أعرتك، لأن هذا يتضمن قصر الإعارة عليه فلا يصح أن يعيرها لغيره فإذا أعار شخص ما لا يملكه بسبب من الأسباب المذكورة كان فضوليا فلا تنعقد إعارته أصلا لأنها بغير عوض بأخذه من المستعير ومثلها الهبة والوقف وسائر ما يخرجه الفضولي بغير عوض.
    أما ما يخرجه بعوض كما إذا باع شخص ملك غيره بدون إذنه فإن البيع ينعقد موقوفا على إجازة المالك فإذا أجاز البيع نفذ.
    ومنها أن لا يكون المعير محجوزا عليه لصغر أو سفه فلا تصح إعارة الصبي والسفيه والرقيق ولو كان مأذونا له في التجارة لأنه مأذون له في التصرف بعوض لا أن يعير بدون عوض. نعم يصح له أن يعير ما به اسئلاف الناس منه تجارته (الزباين) .
    ومنها: أن لا يكون المعير مالك الانتفاع فقط وهو من ملك أن ينتفع دون غيره.
    والفرق بينه وبين المنفعة أن مالك المنفعة جعل الشارع له الانتفاع بنفسه كما جعل له أن يتنازل عن الانتفاع لغيره كالمالك والمستأجر والمستعير فلكل منهم أن يؤاجر وأن يهب وأن يعير، كما له أن ينتفع بنفسه أما مالك الانتفاع فقد قصره الشارع على ان ينتفع بنفسه فقط وذلك مثل الأماكن الموقوفة على المجاورين وأبناء السبيل ونحوهم فإنها إذا استحق السكنى فيها شخص بعنوان كونه مجاورا مثلا فإنه لا يملك منها إلا حق الانتفاع فقط فلا يصح ان يعيرها لغيره أو يهبها أو غيره ذلك. نعم يجوز له أن يتنازل عن حقه في الانتفاع بها مجانا وفي مقابلة دارهم مدة معينة أو دائما.
    وهنا مسألة يعبرون عنها بملك الخلو وهي من قبيل ملك المنفعة. والخلو (هو اسم لما يملكه دافع الجنيهات من المنفعة التي وقعت الجنيهات من مقابلتها) توضيح ذلك ان توجد دار خربه موقوفة على جهة أو أرض فضاء لا بناء عليها موقوفة كذلك وليس للوقف ريع يعمر به فيدفع شخص مبلغا لجهة الوقف لبناء الذي أنفق عليه ماله، وهذه المنفعة تسمى بالخلو فإذا كانت أجرة الوقف بعد بنائه تساوي عشرة فاتفق الباني على ان يدفع منها ثلاثة حكرا والسبعة الباقية في مقابلة ما أنفق على البناء فإنه يصح ويصير المبلغ الذي أنفقه على البناء مالكا بذلك المكان فيجوز له ان يعيرها لغيره وأن يهبها له وتورث عنه إذا مات إلى غير ذلك.
    وكذلك الخلو المعروف بمصر الان وهو أن يستأجر شخص دكانا مثلا بأجرة شهرية ثم يريد إخلاءها لغيره على أن يأخذ منه مبلغا في نظير الإخلاء فإنه جائز عملا بعرف الناس ويكون من قبيل ملك المنفعة.
    واما المستعير فيشترط فيه ان يكون أهلا للتبرع عليه بالمستعار فلا يصح أن يعطي الإنسان غعارة لمن ليس أهلا لها كإعارة المصحف لكافر لأنه لا يصح التبرع عليه به.
    وأما المعار فيشترط فيه أن يكون عينا ذات منفعة، وأن يكون استعمالها مباحا وإن لم يكن بيعها مباحا ككلب الصيد وجلد الأضحية فإنه يجوز استعمالها لا بيعها فتصح إعارتهما بناء على ذلك.
    زكذا لا تصح إعارة جارية لمن لا يؤمن عليها، وإعطاء مالا لا يمكن استعماله إلا باستهلاك عينه كالطعام والنقود لا يسمى عارية بل هو قرض وإن وقع بلفظ العارية لأن المقصود من العارية الانتفاع بها مع ردها لصاحبها.
    وأما الصيغة فهي كل ما دل على تمليك المنفعة بدون عوض سواء كانت بلفظ كأعرابي وأعرتك أو نعم جوابا لأعرابي أو كانت بإشارة أو غير ذلك.
    الحنابلة - قالوا: يشترط في العين المستعارة أن تكون مما ينتفع به مع بقاء عينه كالدور والثاب والدواب ونحوها فلا تصح غعارة ما لا ينتفع به إلا إذا استهلمكت ذاته كالأطعمة والأشربة ونحوها كن إن اعطاها أحد لآخر بلفظ إعارة كان محتملا لإباحة الانتفاع بها على وجه إتلافها واستهلاكها.
    ويشترط في المعير أن يكون اهلا لأن يتبرع لغيره فلا تصح إعارة المحجور عليه ولا ناظر الوقف ولا ولي يتيم من مال اليتيم.
    ويشترط في المستعير أن يكون اهلا لقبول الاستعارة فلا تصح غعارة المصحف للكافر لأنه ليس أهلا لقبوله.
    أما الصيغة فلا يشترط فيها أن تكون بلفظ يكفي كل ما دل على الرضا من قول أو فعل لأنها إباحة لا عقد فإذا قال له: أبحتك بكذا كان ذلك عارية كما إذا قال له: أعرتك أو قال: أعرتني فأعطاه أو نحو ذلك.
    ومثل ذلك ما إذا دفع إليه الدابة ليركلها عند تعبه فأخذها بدون قول ذلك عارية) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #154
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث العارية]
    صـــــ 244 الى صــــــــ
    253
    الحلقة (154)

    [أقسام العارية وما يتعلق بها من الأحكام]
    -تنقسم العارية إلى أقسام وتتعلق بها أحكام مفصلة في المذاهب (1) .
    [مبحث ما تضمن به العارية وما لاتضمن]

    -المستعير أمين في نظر الشريعة الإسلامية، لأن العارية التعاون الموجب للتواد ولا معنى لهذا إلا أن يكون كل واحد منهم ذا غيره على مال أخيه، خصوصا المستعير فإنه ينبغي له أن يبالغ في المحافظة على العارية التي بذلها له أخوه لمجرد المعونة تقديرا لفضله واعترفا بما له من جميل إذ لا يليق به أن ينسى منه مالك العارية وسماحته فيستهين بماله ويخونه فيما أباحه له من منفعة فيؤديه بذلك، ومن يفعل ذلك يكون ذئبا ضاريا لا يصح أن يكون فردا من أفراد النوع الانساني الذي لا بد من التعاون والتواد.من أجل ذلك كان الشأن في المستعير المانة والحرص على العارية فإذا أصابها تلف أو هلاك فإن المستعير لا يكون مسؤولا عنها يكون بمنزلة صاحبها.أما إذا خرج عن طبيعته واستهان بها فهلكت أو تلفت كان مسؤولا عنها، وذلك في أمور مفصلة في المذاهب (2) .


    (1) (الحنفية - قالوا: تنقسم العارية إلى أربعة أقسام:
    أحدها: أن تكون مطلقة في الوقت والانتفاع كما إذا قال له: أعرتك داري أو دابتي أن يفيده بزمن أو يبين كيفية الانتفاع.
    حكم هذا القسم أن للمستعير الحق في أن ينتفع بالعارية بدون شرط ولا قيد.
    وثانيها: ان تكون مقيدة بالوقت والانتفاع كما إذا قال له: أعرتك داري شهرا لتخزن فيها متاعك، وفي هذه الحالة لا يجوز للمستعير أن ينتفع بها أكثر من شهر ولا ينتفع بها بغير خزن متاعه وله أن يستعملها فيما هو أحسن مما أبيح له كما إذا أباح خزن الحديد والأحجار فاستعملها في خزن القماش.
    ثالثها: أن تكون مقيدة بالوقت مطلقة كما إذا قال له: اعرتك دابتي ثلاثة أيام ولم يبين له كيف يستعملها.
    رابعها: ان تكون مقيدة بالانتفاع مطلقة في الوقت. وفي الحالتين لا يجوز له أن يتعدى ما أمره به صاحبها.
    وعلى أي حال فهي غير لازمة فلصاحبها أن يستردها متى شاء إلا إذا ترتب على استردادها ضرر بالمستعير؛ فإن العارية في هذه الحالة تبطل وتبقى العين المستعارة بيد المستعير بأجر المثل مثال ذلك أن يعيره حائطه ليضيع عليه خشب سقفه، فإذا فعل وبنى فليس لصاحب الحائط أن يستردها في هذه الحالة لما يترتب على ذلك من هدم السقف الضار بالمستعير فتبقى الحائط بأجر مثلها إن كان مثلها له أجرة.
    ومثل ذلك ما إذا أعاره فرسا ليسافر بها إلى جهة وسافر معه فليس له أن يستردها في مكان لا يقدر فيه المستعير على الركوب بالأجرة او بالشراء فتبقى مع المستعير بأجر المثل.

    ومثل ذلك ما إذا أعاره أرضا ليزرعها فليس له أن يستردها حتى يحصد زرعه ولصاحبها أجر المثل.
    وإذا أعار حائط منزله فوضع عليها السقف ثم باع المنزل فللمشتري أن يسترد الحائط ويرفع اليقف إلا إذا شرط ابائع عليه عدم استردادها وقت البيع فيعمل بالشرط.
    ومثل المشتري الوارث - إلا أن الوارث له استرداد العارية على أي حال -
    فإذا استعار شخص حائطا، ووضع عليها خشب سقفه وبنى، ثم مات المعير فإن للوارث استرجاع الحائط على أي حال حتى ولو كان المستعير من ضمن الورثة إلا قسمت التركة وقعت تلك الحائط في نصيب المستعير.
    وإذا استعار أرضا ليقيم عليها بناء أو يغرس فيها شجرا فإنه يصح وللمالك أن يسترد أرضه متى شاء لما تقرر من أن العارية غير لازمة، ثم إن كانت العارية مؤقتة بوقت ورجع المالك قبل حلول الوقت فإن له تكليف المستعير إزالة البناء وقلع الشجر على أن يضمن المالك ما نقص من قيمة البناء والشجر بأن يقوم الشجر وهو مغروس إلى المدة المضروبة للعارية، فإن كان يساوي وقت استردادها أربعة ويساوي وقت انتهاء أجل العارية عشرة كطان المالك أن يدفع الستة التي نقصت، أما إذا رجع المالك بعد حلول الوقت المالك يسترد أرضه من غير أنن يضمن شيئا فعلى المستعير أن يقلع غرسه ويزيل بناءه إلا إذا كان ذلك يضر بالأرض، فإذا كان المستعير قد زرع أشجارا للفاكهة ومضت مدة الاستعارة، واسترد المالك أرضه، وكان قلع الشجر يضر بالأرض، فإن المستعير يكلف بترك الأشجار قائمة على الأرض بدون قلع، وله الحق في أخذ قيمتها بحيث لو فرض وقلعت في ذلك الوقت وبيعت احتسابا كانت قيمنتها هي التي يستحقها المستعير ملكا لصاحب الأرض، ومثل ذلك ما لو بنى على الأرض ومضت مدة العارية وكان الهدم يضر بالأرض فإن المستعير يكلف ترك البناء قائما بون هدم وله الحق في أخذ قيمته أنقاضا ويكون ملكا لصاحب الأرض، وإذا كانت العارية مطلقا واسترد المالك أرضه، فإن المستعير يخبر في هذه الحالة بين أن قيمة الشجر أو البناء قائمين ويصيران ملكا لصاحب الأرض بعد أن يدفع قيمتها، وبين أن يقلعها ويأخذهما خشبا وأنقاضا إلا إذا كان القلع يضر بالأرض، فإن الخيار في هذه الحالة يكون للمالك، فله أن يكلف
    المستعير بإزالة ما أحدثه على الأرض من شجر وبناء شيئا ويحتمل ما لحق أرضه من ضرر، وله أن يستبقي الشجر والبناء ويدفع للمستعير بنسبة ما إذا كانا للمستعير ما إذا كان مقلوعين لا قائمين.
    وإذا أعاره ليزرعها لا يصح له أن يستردها قبل حصاد الزرع سواء كانت العارية مؤقتة أو لا؛ ولكن للمالك الحق التي أنفقها المستعير إذا كان الزرع لم ينبت لأن بيع الزرع قبل نباته؛ أما بعد نباته فإنه يجوز على المختار فإذا لم يرض المستعير بأن يدفع أجر المثل وأبى القلع يضمن له صاحب الأرض ما انفقه فقيل ذلك وقيل لا.
    الحنابلة - قالوا: تنقسم العارية إلى مطلقة ومؤقتة بوقت أو عمل وهي غير لازمة على حال،فللمستعير أن يرد عاريته متى شاء لأن المنافع لم تحصل في يد المستعير دفعة واحدة. حتى يملكها بل هي تستوفي شيئا فشيئا؛ فما يستوفيه منها فقد وما لم يستوفيه لم يقبضه؛ فيصح لصاحبه الرجوع فيه كالهبة قبل القبض إلا إذا ترتب على ردها ضرر المستعير؛ كما إذا أعار إذا أعار سفيه لحمل متاعه فليس له أن يستردها في وسط البحر لا يتمكن من غيرها؛ وإنما له استرداد بعد أن ترسو على الشاطئ.
    وكذا إذا أعار حائطا ليضع عليها خشب سقفه فليس لضاحبها مرجوع إذا وضع سقفه وبنى لأن استردادها يترتب عليه الإضرار بالمستعير فإذا سقط السقف من تلقاء نفسه فليس له حق إعادته على الحائط ثايا إلا بإذن صاحبها أو عند الضرورة بحيث لا يجد وسيلة للسقف إى بإنكار على هذا الحاشئط؛ فإن الإعارة في هذه الحالة تكون لازمة. وكذا إذا أعار أرضا ليزرعها فليس له الرجوع قبل الحصاد.
    وإذا أراد أن يدفع قيمة الزرع ليملكه ويسترد عاريته فإنه لا يجاب إى ذلك إلا إذا رضي المستعير. نعم له أن يأخذ أجرة مثل الأرض إذا كان الزرع يمكن حصاده وقت طلب العارية من حين رجوعه إلى حين الحصاد وليس له أن يأخذ أجرا فيما عدا ذلك من الأمثلة التي ذكرت قبل كأجرة على سفينة أو حائط أو نحوهما.
    وإذا أعار أرضا ليغرس أو بيني فيما حجرة. فإن في ذلك تفصيلا وهو إما أن يشترط صاحب الأرض على المستعير أن يقلع شجره أو يهدم بناءه في وقت كذا أو متى رجع المالك عن إعارته أو لا يشترط فإن عومل المستعير بهذا الشرط ولصاحب الأرض أن يطالبه بإزالة الشجر وهدم البناء في الوقت المعين أو عند رجوعه حسبما شرط بدون حق للمستعير في المطالبة بما ينقصه شجره بعد القطع أو بناه بعد الهدم لأن المؤمنين عند شروطهم. ويلزم المستعير أن يسوي الأرض إذا حصل فيها حفرة بقلع الشجر أو هدم البناء إلا إذا شرطه عليه صاحبها قبل أن يعيرها إياه.
    أما إذا أعاره الأرض بدون أن يشترط عليه شيئا فزرع فيها شجرا أو بنى فيها بناء ثم طلبها فإن المستعير لا يلزم بالقلع ولا بالهدم إلا ضمن له المستعير ما ينقص من قيمة بنائه وشجرة فإذا ضمن البناء أو الشجر فإن المستعير عليه. وأجرة القلع أو الهدم تكون على المستعير ولصاحب الأرض أن يأخذ الشجر أو البناء بقيمته ولو لم يرض المستعير. وليس للمستعير بقيمتها بدون رضا صاحبها متى رضي صاحبها بدفع النقص أو الشراء وإذا أبى صاحب الأرض أن يدفع بيع الأرض النقص أو يأخذ الشجر أو البناء فإنه لا يجبر على ذلك ولكن للمستعير في هذه الحالة أن يطلب بيع الأرض الأرض له ويجبر المعير على البيع دفعا للنزاع لأنه أبى قبول الزرع أو البناء بقيمته فعليه أن يبيع الأرض بقيمتها فإذا لم يرض المستعير ولم يرض بالشراء ولم يرض المالك النقص يترك الشجر والبناء قائمين يتفقا.
    المالكية - قالوا: تنقسم العارية إى ثلاثة أقسام:
    الأول: العارية المقيدة بالزمن كأن يقول له: اعرتك هذه الدار شهرا أو سنة أو نحو ذلك.
    الثاني: العارية المقيدة بالعمل كأن يقول له: اعرتك ثوري لتطحن عليه إربا أو لتحرث به فدانا أو اعرتك جملي لنتقل عليه جرنك أو نحو ذلك فإن العارية في هذه الأمثلة مقيدة بالعمل الذي استعيرت من أجله.
    الثالث: العارية المطلقة وهي ما لا تقيد بزمان أو عمل كان يقول له:
    اعرتك هذه الأرض أو هذه الدابة أو الدار أو هذا الثوب.
    وحكم المقيدة بقسمتها اللزوم إلى انتهاء القيد فليس لصاحبها الحق في استرجاعها قبل فراغ الأجل ونهاية العمل فلا يصح له ان بعيره ثورا ليحرث له فدانا ثم يأخذ منه قبل نهاية حرث الفدان وهكذا.
    وحكم المطلقة أن لصاحبها الحق في ردها متى شاء الراجح ما لم يترتب على ردها ضرر بالمستعير فإذا أعار أرضا مطلقة فله استراجاعها قبل أن يشغلها المستعير بالزرع متى أرد ولو بعد مضي الزمن الذي جرت العادة به مثل ذلك العادة يعمل بها كالشرط. وذلك هو الراجح.
    أما التعويض فهو قيمة ما بنى به من مواد وأجرة عمال إن كانت المواد مملومة له أما إن كان قد اشتراها بغبن فاحش أما إذا اشتراها بغبن فاحش فلا يلزم صاحب الأرض إلا يالقيمة. وكذلك يدفع النقات نفسها إن كان جديدا لم يستعمل ولم تتغير حاله أما إذا مضى عليه زمن كويل فإنه يلزم بدفع قيمته وقت استرداده.
    فإذا كانت استعارة الأرض مقيدة بزمن أو لم تكن مقيدة بزمن مضى المعتاد بالنسبة لها فإن صاحب الأرض بالخيار بين أن يأمر بهدم البناء وقلع الشجر وتسوية الأرض كما كانت وبين أن يدفع قيمته انقاضا بعد إسقاط أجرة من يهدم ويستوي الأرض إذا كان المستعير لا يتولى ذلك بنفسه، فإذا تولى المستعير ذلك بنفسه لا تحسب عليه أجرة الهدم.
    الشافعية - قالوا: العارية تنقسم قسمين: مطلقة، مؤقتة بوقت معين وهي عقد جائز من الطرفين فيجوز للمستعير أن يرد العارية كما يجوز لصاحبها أن يطلبها متى أراد إلا في أمور فإنها تكون لازمة.
    منها: ان يعيره سفينة لينقل عليها متاعه من شاطئ إلى شاطئ فإنه لا يجوز له ان يستردها في وسط البحر والمتاع موجود فيها، وإنما له أن يستردها قبل أن تقوم ولصاحبها في هذه الحالة أجرة المثل من وقت طلب ردها إلى أن تصل إلى الشاطئ.
    ومنها: ما إذا أعاره سترة يضعها أمامه في الصلاة فإنه لا يجوز أن يستردها حتى تنتهي الصلاة.
    ومنها: ما إذا أعاره أرضا لزرعها فإنه لا يجوز له أن يسترد العارية قبل الزرع حصاده.
    وإذا أعاره أرضا للبناء عليها أو لغرس الشجر فإن ذلك يكون على وجهين:
    الأول: أن يعيره الأرض للغرس عليها أو البناء بشرط أن بقلع ما غرسه أو يهدم ما بناه عندما يطلب منه العارية. وفي هذه الحالة يلزم المستعير أن يقوم بالشرط أيضا وإلا فلا، فإذا امتنع المستعير عن قلعه فللمعير أن يقلعه، وإذا احتاج القلع إلى نفقه صرفها بإذن القاضي فإن لم يجد صرفها بية الرجوع وأشهد على الصرف.
    الوجه الثاني: أن يعيره الأرض ليبني عليها أو يغرس فيها بدون أن يشترط عليه القلع او الهدم عند استرجاع العارية. وفي هذه الحالة إن أجابه المستعير وقلع غرسه وهدم بناءه باختبار فذاك، وعليه في هذه الحالة تسوية الأرض وإن لم يشترطها عليه صاحبها لأنه فعل باختياره. وإن امتنع من القلع أو الهدم فلا يجبر عليه وخبر بين ثلاث خصال:
    أحدهما: ان يشتري ما بناه المستعير أو رغسه بقيمته بعقد مستقل مشتمل على إيجاب وقبول وبذلك يكون البناء أو الشجر ملكا لصاحب الأرض.
    ثانيهما: أن يقلع الشجر أو يزيل البناء. وبشرط أن يدفع ما ينقصه ثمنه عند بيعه أنقاصا أو خشبا مقلوعا فإذا كان يساوي ثمن البناء او الشجر قائما عشرة وإذا قطع أو هدم بيع ثلاثة كان صاحب الأرض ملزما بدفع سبعة وأجرة القطع والهدم على المستعير. أما أجرة نقل النقاض فهي على المالك قطعا.
    ثالثهما: أن يبقى الشجر قائما بأجرة على أن تكون الإجارة مؤيدة لجهالة المدة، فإذا اختار الأجر، كان للمستعير الحق في أن يقلع الشجرة ويغرس بدلها في محلها، وسواء من جنسها أو من غير جنسها.
    وإن كان مستأجرا لجميع الأرض فإنه يصح له أن يؤجرها ما بين المغروس. ولا بد من عقد إجارة مستقل على المعتمد فإن لم يتعاقدا قدرت أجرة المثل.
    فإن امتنع المالك عن أن يختار واحدا من هذه الثلاث وامتنع المستعير عن أن يقلع باختباره تركا حتى يختار واحد منهما ما له الخيار فيه ويبقى قائما حتى تنتهي، ولكل منهما أن يدخل لملاحظة ما يخصه بشرط أن لا يترتب على دخوله ضرر وليس لصاحب الأرض حق في الأجرة مدة التوقف على الأوجه.
    ويشترط لتخيير المالك بين هذه الخصال ثلاثة شروط:
    الأول: أن يكون في قلع الشجر أو هدم البناء نقص في قيمتها، فإن لم يكن تعيين القلع أو الهدم بلا نزاع فإنه لا ضرر على المستعير حينئذ، وللمالك الحق في الاسيلاء على ملكه لا ضرر.
    الثاني: أن لا يكون المستعير شريكا تعيين بقاء الشجر أو البناء باجرة المثل فليس له القلع مع دفع نقص الثمن لأن معنى الأرض، وليس للمالك حق شرائها بدون رضا مالكها.
    الثالث: أن لا يكون ذلك قلع الشجر المملوك لغيرك أو المفروض أنه شريك في كل أجزاء الشجر فيه ثمر قد صلاحه، وفي هذه الحالة يجب انتظار المالك حتى يجنى ثمره ثم يكون له بعد ذلك الخيار.
    وإذا وقف صاحب الأرض أرضه كان الناظر مخيرا بين هذه الخصال المذكورة بشرط أن لا يختار دفع الثمن إلا إذا كان دفع الثمن إلا إذا كان فيه مصلحة للوقف أما إذا وقف المستعير بناءه أو شجره فإن للمالك الخيار أيضا، ولا يملكه بالقيمة، فإن الوقف لا يملك نعم شراؤه إذا تبرع به للجهة اللموقوف عليها، ولكل من المعير والمستعير أن يبيع ماله كغيره مما يملك) .

    (2) (الحنفية - قالوا: لا تضمن العارية من غير تعد، فإذا أعار شخص دابته لآخر فلم يرهقها ولم يفرط في حفظها ولم يتعد عليها، فماتت فإنها تضيع على صاحبها ولا يلزم المستعير بدفع شيء؛ وإذا أعاره الدابة وشرط عليه ضملنها كان الشرط باطلا لا يعمل به وإنما تضمن العارية ويلزم بها المستعير في أمور: منها أن تكون مستحقة للغير.
    فإذا استولى شخص على دابة مملومة لغيره، ثم أعارها فهلكت عند المستعير كان المستعير ملزما بها لأن صاحبها الأصلي لم يعره فعليه ان يدفع قيمتها، ولا رجوع له علىالمعير متبرع لم يأخذ شيئا ولصاحب الدابة أن يلزم لها المعير ولا رجوع على المستعير.
    ومنها: أن يؤجرها المستعير أو يرهنها، فإذا أعاره دابة ليقطع مسافة فأجرها المستعير فهلكت عند المستأجر فإن المستعير يلزم بها المستأجر على المعير إذا كان لا يعلم أنها عارية؛ أما إذا كان يعلم ما يدفعه يضيع؛
    وكذا رهن الدابة فهلكت في يد المرتهن فإن للمعير أن يلزم بها المستعير
    ويلزم بها المرتهن فإذا دفع قيمتها المرتهن ضاعت عليه ولا يرجع على المستعير بشيء سوى دينه الأول الذي من أجله ارتهن الدابة.
    ومنها: أن يعير العارية بدون إذن صاحبها إذا كانت من الأشياء التي تختلف باختلاف المستعمل؛ فإذا أعاره دابة ليركبها فليس له أن يعيرها لغيره بدون إذن صاحبها؛ لأن الدابة يختلف حالها باختلاف مستعملها؛ فإن قد يركبها رجل سمين لا تقولاى على حمله؛ ورجل نحيف لا يرهقها السير. وقد يستعملها بعض الأفارد برفق، وبعضهم بقسوة وعنف؛ إلى غير ذلك. فإذا أعار شخص دابته لمن يظن فيه الرفق وحسن الاستعمال؛ فلا يجوز له ان يعيرها لغيره إلا بإذن صاحبها. ومثل الدابة الثوب؛ فإن استعماله يختلف المستعمل، فإذا أعارها لشخص آخر وهلكت كان المستعمر الأول ضامنا أما إذا أذنه صاحبها بإعارتها صراحة قال أعرني
    هذه الدابة على أن أركبها وأركب من أشاء أو اعرني هذا الثوب لألبسه أنا وأعيره لغيري هذه الدابة على أن أركبها وأركب من أشاء أو أعني الثوب لألبسه لغيري كما أشاء فإنه في هذه الحالة يجوز له إعارتها وإذا هلكت لا يضمن ومن استعار دابة ونحوها على ان يركبها هو أو يركبها من يشاء بهذا الإطلاق ثم ركبها هو أول مرة فإنه لا يصح له أن يعطيها لغيره ليركبها بعد ذلك وكذا إذا اعطاها لغيره فركبها مرة ثانية فإنه لا يصح أن يستعملها هو فأي الأمرين فعل يعين ابتداء فلا يجوز له العدول عنه إلى غيره.
    ومثل ذلك ما إذا استعار ليحمل عليها متاعا أو ليركبها فإنه متى شاء فعل أحد المرين مرة تعين فلا يجوز العدول عنه إلى الأمر الثاني.
    هذا كله إذا كانت العارية تختلف باختلاف المستعمل كما بينا، أما إذا كانت لا تختلف كما إذا أعاره آلة (ميكانيكية) ليحرث بها أرضه، فأعار لجاره مع تساوي الأرضين وضروف العمل من كل وجه لا يضمن.
    وإذا قيد المعيرلا يوقت خاص فاستعملها في غير ما قيده فهلكت، فغن كانت مخالفة إلى شر فإنه يضمن وإلا فلا، مثلا إذا استعارها ليحمل عليها كيسا من الملح، فحمل عليها كيسا من الشعير فماتت فإنه لا يضمن لأن المعلوم أن الشعير أخف من الملح وأهون على الدابة، وكذلك لا يضمن إذا حمل كيسا يساوي وزنه كيس الملح من أي نوع من الأنواع، أما إذا حمل عليها كمية من الحديد يزيد وزنها عن كيس الملح فإنه يضمن.
    ومنها: أن تكون العارية مؤقتة بوقت فيمضي وقتها ولا يردها المستعير فتموت وهي تحت يد المستعير فإنه يضمنها وليس له أن يقول إن ربها تركها لأن نفقة الرد على المستعير فيجب عليه ردها عند نهاية الوقت وإلا ضمن بخلاف ما إذا استعار سلعة ليرهنها فإن نفة ردها على صاحبها أن يرجع على المستعير وذلك لأن صاحبها ينتفع برهنها لأنها تصير مضمونة ثم يمسكها المستعير بعد ذلك ثم يردها المستعير يالقيمة ومنها:
    أن تكون العارية مؤقتة ثم يمسكها المستعير بعد ذلك ثم يردها إلى صاحبها مع آخر فتموت أو تتلف فإن المستعير يضمنها، لأنه تعدى بإمساكها بعد المدة فعليه الضمان، أنا إذا أرسلها قبل مضي المدة فإنه لا يضمن، وذلك لأنه قبل مضي المدة فعليه الضمان، أما إذا أرسلها قبل المدة فإنه لا يضمن، وذلك لأنه قبل المدة يكون باقيا على وصف المستعير يصح له أن يودع على المختار، فإذا أعطاها لأجنبي كانت وديعة عند ذلك الأجنبي وذلك حق من حقوق المستعير، فإذا هلكت لا يضمن أما بعد مضي المدة فإن المستعير يكون وديعا وليس للوديع غيره فإذا أعطاها لغيره فهلكت ضمن.
    ومن هذا تعلم أنه إذا أرسلها قبل مضي المدة مع الغير فإنه لا يضمن سواء كان ذلك الغير أجنبيا أو خادما أو غيرهما لأن المستعير له أن يعير في بعض الأحوال فكذلك له الإيداع في باب أولى.
    أما بعد انقضاء المدة فإنه يضمن على أي حال سواء أرسلها مع أجنبي أو مع أجيره أو خادمه.
    ومنها: أن يستعير قلادة من ذهب ثم يلبسها الصبي لا يحفظ لباسه لعدم تمييزه فإذا سرقت ضمنها لأنه بذلك يكون مفرطا.
    ومنها: أن يضع العارية بين يديه ثم ينام مضطجعا فتضيع فإنه لتقصيره في حفظها.
    أما إذا أخذه النوم وهو جالس فضاعت فإنه لا يضمن لعدم تعمد التفريط في هذه الحالة.
    واعلم أن كل أمين ادعى إيصال الأمانة إلى صاحبها فإنه يقبل قوله بيمينه كالوديع إذ ادعى رد الوديعة والمستعير إذا دعى رد العارية وغيرهما.
    المالكية - قالوا: العارية إما أن تكون من الأشياء التي يمكن إخفاؤها كالثياب والحلي ونحوهما مما يمكن وضعه في صندوق أو (دولاب) أو نحو ذلك وتسمى (مما لا يغاب عليه) أس مما يمكن إخفاؤه.
    وإما أن تكون من الأشياء التي لا يمكن إخفاؤها كالعقار والحيوان ولو صغيرا كاطير فإن هذه الأشياء لا يخفيها الناس (مما لا يغاب عليه) أي وستره عن العين في العادة.
    فإن كانت من الأشياء الت يمكن إخفاؤها فإن المستعير يضمنها إذا تلفت أو هلكت إلا قامت البينة على أنها تلفت بغير سببه وأنه ما قصر في حفظها فإذا لم تشهد البينة له بذلك فإنه يلزم بضمان ما ضاع بسرقة أو حرق أو كسر وغيره. أما ما فسد فسادا فإنه يلزم بقيمة النقص الذي وإن كان الفساد كثيرا ضمن الكل.
    وإذا شرط المستعير نفي الضمان عن نفسه فهل يصح شرطه أو لا؟ خلاف: والأرجح أن شرطه لا يقبل، عليه ضمان ما ضاع أو فسد ولو شرط براءته من الضمان ابتداء، فيغرم المستعير قيمة العارية يوم ضياعها إن كان ذلك اليوم معروفا للشهود. فإذا شهد الشهود انهم رأوها عنده منذ خمسة أيام، وكانت تساوي في ذلك التاريخ عشرة يلزم بالعشرة، أما إذا لم يرها أحد ولم يعلم تاريخ فقدها فإنه يلزم بقيمتها يوم إعارتها فإن كانت تساوي يوم إعارتها عشرة وتساوي وقت ادعاء ثمانية يلزم المستعير يالعشرة، وإن كانت وقت إعارتها تساوي عشرة ووقت ادعاء ضياعها تساوي ثمانية يلزم بالأكثر فيغرم العشرة. على أنه إنما يدفع قيمتها كاملة إذا لم يكن استعماله إياها في مدة الاستعارة بما هو مأذون فيه غير منقص لقيمتها، أما إذا كان منقصا لقيمتها بعد إسقاط ذلك النقص لأنه مرخص له فيه فأصبح حقا من حقوقه.
    أما إذا كانت العارية من الأشياء التي لا يمكن غخفاؤها فإن المستعير لا يضمنها وإذا شرط عليه المعير الضمان. ويكون شرطه لغوا لا قيمة له ولكن يكون عليه الضمان إذا استعملها المأذون له فيه من صاحبها أو أقل منه مساويا له، فإذا أعاره دابة ليحمل عليها أردبا من البر مصر إلى القناطر الخيرية مثلا فحمل عليها ذلك الإردب بعينه فعطبت فإنه لا يضمن، وكذا إذا حمل عليها إردبا مثله في الثقل كإردب من العدس ومن باب أولى وإذا حمل إردبا أخف منه كإردب من الشعير فإنه في هذه الأحوال لا يضمن.
    أما إذا حمل ما هو أثقل من المباح له كأن حمل حجارة أو ملحا بدل الحنطة فعطبت به فإنه يضمن.
    ومثل ذلك ما إذا اكترى دابة لحمل أو ركوب فأكراها لغيره فإن مثل ما اكتراها له فعطبت فإنه لا يضمن، وإن في أثقل فإنه يضمن.
    الشافعية - قالوا: لا يضمن المستعير العارية إذا تلفت كلها أو بعضها إلا بعضها إلا إذا استعملها استعمالا غير مأذون فيه فإذا أعاره دابة فحجمل عليها متاعه وأزعجها بالسير فانطلقت تعدو حتى وقعت في حقفرة فماتت فإنه يضمنها لأن موتها تسبب عن استعمال غير مأذون فيه.
    أما إذا ماتت حال الاستعمال المأذون فيه كما إذا حمل عليها القدر الذي أذن له فيه صاحبها أو أقل منه أو مساويا ولم يزعجها بالضرب ونحوه ولكنها عطبت بسبب ذلك القدر المأذون فهلكت فإنه لا يضمن.
    أما إذا هلكت بسبب آخر المأذون باستعماله فإنه يضمن.
    كما إذا استعار لاستعماله في ساقيه الثور في الساقية فإنه يضمنه مات بسبب غير الاستعمال فإنه يضمنه لأنه مات بسبب غير الاستعمال المأذوم فيه.
    وإذا أعاره ثوبا فذاب من الاستعمال فإنه لا يضمنه.
    أما إذا نام به فبلي فإنه يضمنه لأنه لم يأذنه يالنوم فيه.
    وإذا اختلفا في كون التلف من الاستعمال المأذون فيه أو لاصدق المستعير بيمينه على المعتمد لأن الأصل براءة ذمته.
    ولا يشترط في الضمان أن تكون العارية في يد المستعير بل يضمن ولو كانت في يد صاحبها.
    مثال ذلك أن يطلب شخص من آخر أن يحمل متاعه على دابته وهو سائر وليس عليها شيء فيجيبه إلى طلبه ويسيرا معا. وبذلك تكون الدابة عارية لصاحب المتاع فإذا أزعجها بالسير فعطبت وماتت ضمنها المستعير.
    أما إذا ماتت بثقل الحمل فإنه لا يضمن.
    وإذا استعار عارية بشرط عدم الضمان يفسد العقد على النعتند.
    والضمان بالقيمة لا بالمثل وإن كانت العارية من المثليلت كالخشب والحجر. وبعضهم يقول بل الضمان بالمثل في المثليات. ولكن إليه وقت تلفه حتى لا يكلفه يدفع ما أذهبه بالاستعمال المأذون له فيه في الماضي.
    وإذا اكترى شخص دابة من آخر ثم أعارها لغيره فهلكت في يد المستعير فإنه لا يضمن لأنه أعار المنفعة التي يستحقها والرقبة غير مملوكة له.
    الحنابلة - قالوا: العارية متى قبضها المستعير في ضمانا كان الشرط فاسدا لا يعمل به.
    ويستثنى من ضمان العارية كتب العلم الموقوفة.
    فمن استعار كتابا موقوفا وتلف بغير تعد ولا تفريط لم يكن ملزما به لأن المستعير أحد الموقوف عليهم طبعا. فتلف الكتاب في يده بلا تعد ولا تفريط يرفع عنه الضمان.
    وبخلاف ما إذا كان الكتاب مملوكا أو موقوفا على معين فإذا تلف عنده ضمنه.
    وإذا تلفت العارية بالاستعمال أو بطول الزمن فإنه لا يضمنها لأن الأذن في الاستعمال الائق بالشيء إذن باستهلاكه.
    ولا يشترط في العارية تعيين نوع الانتفاع فإذا أعاره عارية مطلقة فله أن يستعملها بما جرت به العادة والعرف.
    وإذا استعمله في غير ما جرى به العرف كما إذا أعاره ثوبا فاستعمله في الاستظلال به من الشمس فإنه يضمن ما نقص من قيمته بسبب ذلك الاستعمال.
    وليس للمستعير أن يعير غيره أو يؤجر إلا بإذن مالك العارية فإذا فعل وتلفت العارية عند الثاني كان لصاحبها أن يلزم بها من شاء منهما. ولكن الرجوع على الثاني.
    وإذا أجر المستعير العارية بإذن صاحبها فالأجرة لصاحبها) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #155
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الهبة]
    صـــــ 254 الى صــــــــ
    265
    الحلقة (155)

    [مباحث الهبة]
    [تعريفها]
    -كل من شأنه أن يقرب من قلوب الناس فيها المحبة ويؤكد روابط الود مطلوب في نظر الشريعة الإسلامية ويتفاوت طلبه بتفاوت حاجة الناس إليه،
    فما كان لازما ضروريا لحياتهم كان القيام به فرضا لازما على كل فرد من الأفراد كزكاة الأموال التي فرضها الله تعالى بقوله:
    {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} لأن لا بد منه في هذه الحياة الدنيا أن يوجد أفراد بين الناس عاجزون عن سلزك سبل الحياة وتحصل الضروري من القوت.فمن المفروض إنقاظ هؤلاء وإعطائهم ما يدفع غائلة الجوع والعري.أما ما زاد على ذلك من إنفاق المال وبذله، فهو مندوب، لما فيه من إيجاد التألف والتحاب.فالهبة مندوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم "تهادوا تحابوا"فمن تصدق بهيبته التحبب إلى الناس روابط الأخوة الإسلامية التي قال الله تعالى في شأنها {إنما المؤمنون إخوة} وقصد امتثال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يثاب على هبته بقدر نيته.أما من وهب ماله أو اهاده لغرض خسيس لا يقره ورسوله فإنه يعاقب بقدر نيته. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات"
    ومعنى الهبة في اللغة التفضل على الغير ولو مال قال الله تعالى: (فهب لي من لدنك وليا) .أما معناها في اصطلاح الفقاء ففيه تفصيل المذاهب (1) .
    [مبحث أركان الهبة وشروطها]

    -أركان الهبة ثلاثة: عاقد وهو الواهب، والموهوب له، وموهب وهو المال، وصيغة. وكل ركن من هذه الأركان له شروط مفصلة في المذاهب (2) .

    (1) (الحنفية - قالوا: الهبة تمليك العين بلا شروط العوض في الحال.
    ومعنى ذلك ان الشخص الذي يملك عينا صحيحا يصح له أن يملكها غيره من غير أن يتوقف ذلك التمليك على عوض يأخذه صاحب العين المرهوب له.
    وهذا لا ينافي أن للمالك أن يهب تلك العين بشرط أن بأخذ عوضا وهي الهبة بشرط العوض.
    لأن الغرض نفى كون مشروطا في صحة الهبة.
    أما كونها قد لا يفعلها إلا الوض فذلك كما إذا قال له وهبتك هذه الدار بشرط أن تعطني مائة جنيه.
    فقوله تمليك جنس يشمل البيع والهبة وغيرهما.
    وقوله العين فصل يخرج تمليك المنافع من إجارة وعارية ونحوهما. ولكنه يخرج هبة الدين لغير المدين لأن الدين لا يسمى عينا.
    فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا على آخر فوهبها لشخص آخر وأمره بقبضها فإن الهبة تصح لأن الموهوب له أن بقبض المائة أولا بالنيابة عن صاحبها ثم يكون قابضا لها عن نفسه لأنها موهوبة له.
    نعم لا تصح الهبة إلا إذا امره بالقبض. ولا تلزم إلا بالقبض فإذا رجع الواهب قبل القبض بطلت الهبة.
    الجواب: ان الدين وغن كان لا يسمى عينا وهو دين إلا أنه يصير مالا بعد أن يأذنه بالقبض ثم يقبضه بالنيابة فإنه يصير بعد ذلك عينا لا دينا فتصح هبته فالمراد ما هو في الحال أو المآل.
    أما هبة الدين لمن عليه الدين فإنها ليست هبة حقيقة بل هي مجاز عن إبرائه من الدين فهي إسقاط وإن كانت بلفظ الهبة.
    وقوله بلا شرط العوض، فصل أخرج البيع ونحوه مما يشترط فيه العوض، ولكن تدخل فيه الصدقة لأنها تمليك العين بلا عوض.
    وأجاب بعضهم بأن التعريف هنا تعريف بالأعم وهو جائز في مثل هذه التعارف وقد يقال إن الصدقة ملاحظ فيها وجه الله تعالى فقط.
    أما الهبة فيلاحظ فيها خاطر الموهوب له سواء كان ذلك مع ملاحظة وجه الله أو لا كما يقول المالكية فإذا لوحظ ذلك في التعريف يكون حسنا.
    وقوله: في الحال فصل يخرج الوصية لأنها تمليك بلا عوض في المستقل.
    المالكية - قالوا: الهبة تمليك لذات بلا عوض لوجه الموهوب له وحده وتسمى هدية.
    ومعنى ذلك أن الشخص الذي عينا ملكا صحيحا له أن يملكها غيره بدون مقابل يأخذه مرضاة لذلك الشخص بقطع النظر عن الثواب الأخروي فالتمليك على هذا الوجه يسمى هبة.
    فقوله تمليك جنس يشمل الهبة والبيع ونحوهما.
    وقوله: لذات فصل يخرج المنافع كالعارية والوقف ونحوهما.
    وقوله: بلا عوض فصل يخرج ونحوه مما يشترط فيه العوض.
    وقوله: لوجه الموهوب له الخ فصل الصدقة لأنها تمليك لوجه الله تعالى وحده أو تمليك بقصد مرضاة الشخص ومرضاة الله على الراجح.
    وقيل الصدقة هي ما قصد بها ما قصد بها وجه الله وحده بدون ملاحظة المعطى (بالفتح) .
    الشافعية - قالوا: الهبة تطلق على معنين:
    أحدهما: عام يتناول الهدية والصدقة.
    ثانيهما: خاص بالهبة ويقال لها ذات الأركان.
    فالمعنى تمليك تطوع حال الحياة فالتمليك خرج عنه ما ليس فيه تمليك كالعارية والضيافة والوقف لأنها إباحة وخرج بالتطوع التمليك القهري كالحاصل بالبيع، هل الزكاة والنذر والكفارة كالبيع يقع فيها التمليك قهرا أو هي لا تمليك فيها بل هي من قبيل وفاء الدين؟
    والجواب: أن المستحقين في هذه الأشياء ملكهم قبل ان تدفع إليهم فإذا حال الحول على المال أصبح ملك المستحقين للزكاة متقررا في ذمة المكلف فإعطاؤها للذمة لا تمليك جديد ومثلها النذر والفارة. وقوله الحياة أخرج الوصية.
    فالمتطوع بتمليك ماله من غير عوض حال حياة يقال له: مصدق ومهدي وموهب أما المعنى الخاص فهو مقصور على الهبة وهو تمليك تطوع في حياة لا لإكرام ولا ثواب أو احتاج بإيجاب وقبول.
    فقوله: لا لأجل ثواب أو احتياج أخرج الصدقة لأن المقصود منها الثواب الأخروي أو سد حاجة الفقير.
    وكذلك قوله بإيجاب وقبول فإن الصدقة والهدية لا يشترط فيها الإيجاب والهبة بهذا المعنى هي مقصودة عند الإطلاق.
    ومن هذا تعلم أن الصدقة هي تمليك تطوع حال الحياة لأجل الثواب أو الاحتباج، وهذا المعنى يسمى هبة، والهدية تمليك تطوع كذلك لقصد الإكرام الخ. وهذا المعنى يسمى هبة أيضا فكل صدقة هبة، وكل هدية هبة.
    أما الهبة بالمعنى الخاص فلا تسمى صدقة ولا هدية. فإذا حلف لا يتصدق أو لا يهدي ثم وهب بالمعنى الخص فإنه لا يحنث.
    أما إذا حلف لا يهب ثم تصدق أو أهدى فإنه يحنث.
    ويمكن اجتماع الثلاثة فيما إذا أعطى له شيئا إكراما وقصد ثواب الآخرة تأتى بإيجاب وقبول فهذا يقال له هبة وصدقة وتنفرد فيما إذا يقصد الثواب أو الإكرام ويأتي بالإيجاب والقبول.
    أما الصدقة والهدية فإنهما لا ينفردان لأن الإعطاء مع الإكرام يسمى هدية وهبة وكذلك الإعطاء مع قصد الثواب.
    الحنابلة - قالوا: الهبة تمليك جائز التصرف مالا معلوما أو مجهولا تعذر علمه موجودا مقدورا على تسليمه غير واجب في هذه الحياة بلا عوض.
    فقوله: تمليك جائز التصرف معناه أن يكون لشخص مال مملوك فيملكه (يعطيه) لغيره بشرط أن يكون صاحب المال أهلا للتصرف (مكلف رشيد)
    وقوله: (مالا) يشمل العقار الثابت والمنقول فإنه يصح هبته.
    وقوله: (معلوما أو مجهولا تعذر علمه) معناه أن المال الذي يوهب لا بد أن يكون معلوما فلا تصح هبة المجهول إلا علمه كما إذا اختلط قمح شخص بقمح جازه فإنه يصح أن يهب أحدهما قمحه لصاحبه.
    وقوله: موجودا خرج المعدوم فلا يصح هبة قبل أن تحمل به.
    وقوله: مقدورا على تسليمه خرج ما ليس كذلك كالطير في الهواء فإن هبته لا تصح.
    وقوله: غير واحب خرج به المال الواجب بذله كمال الزكاة والنذر والكفارة فإنه ليس بهبته.
    وقوله: بلا عوض خرج به البيع ونحوه.
    والهبة والهدية والصدقة والعطيه بمعنى واحد وهو تمليك في الحياة بلا عوض إلا أنها تختلف بالنية.
    فإذا أرد بإعطائه ثواب الآخرة فقد كانت صدقة.
    وإن قصد إكراما وتوددا ومكافأة كانت هدية.
    وإن لم يقصد شيئا كانت هبة وعطية) .
    (2) (الحنفية قالوا: الهبة ركن واحد وهو الصيغة، وهل هي الإيجاب والقبول معا أو الركن الإيجاب فقط ليس ركنا، فإذا قال: وهبت داري لفلان صحت الهبة ولو لم يقبل الموهوب له؟ خلاف. فمنهم من يقول: إن الهبة تصح بمجرد الإيجاب والدليل على ذلك أنه لو حلف أن لا يهب شيئا من ماله، ثم وهب ولم يقبل الموهوب له فغن يحنث فلو لم تصح الهبة بمجرد الإيجاب لما حنث.

    ومنهم من يقول لا بد من القبول قولا فلا تصح الهبة إلا به، أما حنثه بمجرد الإيجاب المذكور فإنه مبني على أن غرض الحالف بقوله: والله لا أهب عدم إظهار الجود فإذا أظهره فقد حنث وقد أظهر بمجرد الهبة وإن لم تتحق ماهيتها.
    والدليل على ذلك أنه ألقى مالا في الطريق ليكون لمن يرفعه فإنه يصح ويكون هبة. وقد عرفت أنه لا يشترط أن يكون الإيجاب والقبول لفظا، فلو قال شخص لولديه وهبت هذه الدابة لأحدهما فأيكما أخذها تكون له فأخذها أحدهما صحت الهبة. وتنعقد الهبة بالتعاطي، فإذا كان معروفا بين اثنين أحدهما قد وهب دابته للآخر فأعطاها المالك فأخذها بدون أن يتلفظا بالإيجاب والقبول فإنه يصح.
    الحنفية - قالوا: شروط الهبة انواع:
    نوع يتعلق بالركن المذكور، ونوع بالموهوب وهو المال يتعلق بالواهب.
    فأما الذي يتعلق بالركن فهو أن لا يكون معلقا على شيء غير محقق الوقوع كقوله: وهبت لك هذه الدار متى حضر أخوك من السفر، أو إن أمطرت السماء أهب لك هذه الدابة أو نحو ذلك لأن الحضور من السفر ونزول المطر أمر محتمل. وأن لا يكون مضافا إلى وقت بأن يقول: وهبت لك هذا الشيء غدا أو أول الشهر أو نحو ذلك.
    ومن ذلك ما إذا قال له: داري لك رقبي (بضم الراء القاف) وعناه إن مت أنا فهي لك وإن مت أنت فهي لي فهي معلقة بموت صاحبها وهو يحتمل أن يموت قبل الموهوب له وبعده، فهي معلقة على أمر غير محقق، فلذا كانت غير صحيحة، وإذا كانت هبة غير صحيحة فتكون عارية، وسميت رقبى لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه، وقيل تكون هبة ويلغو الشرط، أما الألفاظ التي تنعقد بها الهبة فهي كل لفظ يدل على تمليك الرقبة كقوله: وهبت لك هذه الدار أو نحلت بمعنى أعطيت أو أعطيت أو أطعمتك هذه الغلة، ومثل ذلك ما إذا أضاف إلى جزء يعبر عنه الكل كقوله: وهبت لك رقبة هذه الدابة أما إذا أتى بلفظ يدل على تمليك المنفعة كانت عارية كقوله: أعرتك هذه الدار أو أطعمتك هذه الأرض لأن الأرض لا تطعم وإنما تطعم الغلة فتدل هذه العبارة على إعارة الأرض لا على تمليكها وإذا أتى يحتمل الأمرين ينظر إلى نية القائل مثل أن يقول: حملتك على هذه الدابة أو أعمرتك هذه الدار أي جعلتها لك طول عمرك فإن المحل يحتمل أن يراد به إعارتها مؤقتا ويحتمل أن يكون دائما.
    وأما قوله: جعلتها لك طول عمرك أو عمري فإنه يحتمل أن يريد جعل له منفعتها أو جعل له رقبتها. فإذا دفعها إليه ونوى الهبة وإلا كانت عارية.
    وإذا قال له: ملكتك هذه الدار أو هذا الثوب فإنه لا يكون هبة إلا إذا قامت قرينة على الهبة لأن التمليك يصدق على البيع والهبة والوصية، وبعضهم يقول إنها هبة.
    وإذا قال: جعلت هذا البستان باسم ابني، ولم يقل جعلته له، فقيل: يكون هبة وقيل لا يكون والظاهر أنه يكون هبة لأن العرف جار على ذلك.
    بل لو قال: غرسته باسم ابني فلان ولم يقل جعلته يكون هبة لأن العرف على انعقاد الهبة بمثل ذلك.
    وأما الشروط المتعلقة بالواهب فأمور:
    منها: أن يكون حرا فلا تصح هبة الرقيق.
    ومنها: أن يكون عاقلا محجور عليه فلا تصح هبة المجنون والمحجور عليه.
    ومنها: أن يكون بالغا فلا تصح هبة الصغير.
    ومنها: أن يكون بالغا فلا تصح الصغير.
    ومنها: أن يكون مالكا للموهوب، فلا تصح ما ليس بمملوك.
    أما الموهوب له فإنه لا يشترط فيه، وذلك الهبة للصغيرة ونحوه.
    نعم إن كان الواهب يعول الصبي كالأخ عدم الأب فإن الهبة تتم بالإيجاب وحده.
    أما إذا وهب له أجنبي فإن الهبة لا تتم إلا بقبض الولي وهو أربعة:
    الأب ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصي الجد.
    وعند عدم وجود أحدهم تتم بقبض من يعوله كعمه وامه وأجنبي. فإن كان الصبي مميزا فإنها تتم بقبضه هو ولو وجود أبيه لأنها من مصلحته.
    وأما الشروط التي تتعلق بالموهوب فأمور:
    منها: أن يكون موجودا وقت الهبة، فلا تصح ما ليس بموجود وقت العقد بان وهب له ثمر بستانه في العام المقبل أو ما تلد أغنامه بعد حملها.
    ومن ذلك ما يفعله العوام من هبة ما تلده الغنم أو البقر للولي أو للمسجد فإنها هبة باطلة.
    ومثل ذلك ما لو وهب له الزبد الذي يخرج من هذا اللبن أو الدهن الذي يخرج من هذا السمسم، أو الدقيق الذي يخرج من هذه الحنطة، فإن هبة كل ذلك لا تصح حتى ولو قال له: سلطتك على قبضها عند وجودها لأن المعدوم لا تصح هبته على أي حال.
    أما إذا كان موجودا فغن هبته تجوز ولو كان متعلقا بشيء آخر.
    كما إذا وهب له الصوف الذي على ظهر الغنم، ثم جزه وسلمه إياه فإنه يصح وتكون الهبة لازمة.
    ومنها: أن يكون الموهوب مالا فلا تصح هبة ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم والخنزير وصيد الحرم وغير ذلك، كما لا تصح هبة المال الذي لا قيمة له في نظر الشرع كالخمر.
    ومنها: أن يكون الموهوب مقبوضا، وهذا الشرط للزوم الهية وثبوت الملك للموهوب له فلا يثبت له الملك بالقبض.
    ومنها: أن يكون الموهوب مشاعا فيما يقبل القسمة. فإذا وهب له نصف دار غير مقسوم فإن الهبة لاتصح.
    فإذا أراد شخص أن يهب للآخر نصف دار فعليه أن يقسمها أولا، فإن تهسر عليه قسمتها فيمكنه أن يبيعه النصف بثمن معين ثم يبرئه من الثمن.
    أما الذي لا يمكن قسمته كالحمام والآلات البخارية ونحوها، فإنه تصح هبة المشاع فيها بشرط أن يكون قدره معلوما.
    وإذا وهب له مشاعا فيما يقبل القسمة وسلمه له قبل القسمة فإن الموهوب له لا يملكه بالقبض، وإذا تصرف فيه لا ينفذ تصرفه ويكون عليه ضمانه وإنما التصرف للمالك الأصلي
    وبعضهم يقول: إنها تملك بالقبض لأنها هبة فاسدة والفاسدة يملك بالقبض.
    وعلى كل فقد أجمعوا على أن لصاحبها الرجوع بعد القبض في هذه الحالة.
    وإذا مات الواهب كان لوارثه حق الرجوع، على أن الصحيح أن هبة المشاع قبل قسمته لاتفيد الملك بالقبض.
    ومنها: أن لا يكون الموهوب مشغورلا بملك الواهب، فإذا وهب لابيه بستانا على أن الثمر الذي عليه للمواهب فالهبة لاتصح.
    ومثل ذلك ما إذا وهب فيها متاع للواهب. فإنه لا يصح بل عليه أن يفرغها أولا من متاعه.
    ومنها: أن يكون الموهوب مملوكا للواهب فلا تجوز هبة الأشياء المباحة كالماء والعشب كما لا تجوز هبة ملك الغير بدون إذنه.
    المالكية - قالوا: يشترط في الواهب أن يكون أهلا للتبرع، وهو من اجتمعت فيه أمور:
    ثانهيما: أن لا يكون مدينا بدين يستغرق كل ماله وهبته وإن كانت تصح إلا أنها تقع موقوفة على إجازة رب الدين فإن أجازها فإنها تنفذ فهذا لنفاذها.
    ثالثهما: أن لا يكون مجنونا ولا سكرانا. فلا تصح هبتها.
    رابعهما: أن لا يكون مرتدا فلا تصح.
    خامسهما: أن لا يكون زوجة فيما زاد على ثلث مالها.
    فإذا وهبت المرأة من ثلث مالها الهبة موقوفة على إذن زوجها أما إذا وهبت الثلث فأقل فإنه يصح ويفذ بدون إذن الزوج فهذا شرط نفاذ أيضا.
    سادسها: أن لا يكون مريضا مرض الموت فيما زاد على الثلث فإذا وهب المريض زيادة عن ثلث ماله انعقدت هبته موقوفة على إذن الوارث.
    ويشترط في الموهوب شروط:
    منها: أن يكون مملوكا فلا تصح هبة ما لاتصح ملكه كالكلب الذي لم يؤذن في اقنائه، كما لا تصح هبة ملك الغير بدون إذنه.
    فإذا وهب شخص ملك غيره لم تنعقد الهبة بخلاف ما إذا باع ملك غيره فإنه يقع صحيحا موقوفا على إجازة المالك. وبعضهم
    يقول: إن هذه الأمور كالبيع فمتى أجازها المالك نفذت لأنها تكون في الحقيقة صادرة منه في هذه الحالة.
    ومنها: أن يكون الموهوب من الأشياء القابلة من ملك إلى ملك في نظر الشارع هبة الاستمتاع بالزوجة لأن نقل هذا الاستمتاع ممنوعا شرعا ومثل ذلك هبة أم الولد.
    وتصح هبة جلود الأضاحي لأنها وإن كانت لا يصح بيعها فلا تقبل النقل بالبيع ولكن يصح إهداؤها والتبرع بها فتصح هبتها.
    ولا يشترط في الموهوب أن يكون معلوما فيجوز أن يهب مجهول العين والقدر ولو كان يظن أنه يسير فظهر له أنه كثير وهب من عمه لشخص وكان لا يعرف قدره ويظن أنه يسير فاتضح أنه كثير فإن الهبة تصح.
    وكذا إذا وهبه ما في جيبه وهوز يظن أنهاعشرة قروش فيه جنيها أو جنيهين فإن الهبة تصح وليس للواهب الرجوع على المشهور.
    وأما الصيغة فهي كل ما يدل على التمليك من لفظ أو فعل ولا فرق بين أن تكون دلالة اللفظ صريحة أو لا. مثال اللفظ الصريح ملكت.
    ومثال اللفظ الذي يدل على التمليك فهما لا صراحة خذ هذه الدار مثلا.
    ومثال الفعل أن يمنح الأب أو الأم ولدهما حليا سواء كان الولد أو انثى أو صغيرا فإذا اشترى الأب لأحد أبنائه من ذهب أو خاتما من الماس أو حلى له مصحفا بالذهب أو اشترى لبنته حلقا ذهب أو أساور من الماس أو لبنة من ذهب أو غير ذلك كان مملوكا للابن بطريق الهبة فإذا مات الأب لا يصح للورثة أن ينازعوه فيه ومثل الأب في ذلك الأم ولا يطالب الولهب بالاشهاد على ذلك لأن الاستعمال الحلي المشتري في حال الوالد أو الوالدة قرينة على التمليك إلا إذا أشهد الواهب سواء كان أبا أو أما بأن هذا الحلي ليس نعطى للولد بطريق التمليك بل ليستمتع به فقط فإن في هذه الحالة لا يكون مملوكا.
    وعلى عكس ذلك الزوجة فإن زوجها إذا اشترى لها حليا ولبسته يحمل على أن الغرض من ذلك تزيينها لاتمليكها إلا إذا أشهد على أنه ملك لها، هذا إذا كانت عنده، أما ما جرت به العادة من إرسال متاع العروس وهي دار ألبها فإن سماه عارية كان كذلك وإن سماه هدية كان هبة وإن لم يسم شيئا يحما على الهدية.
    ومثل الحلي في ذلك ما اشترى لولده دابة ليركبها أو كتب علم يحضر فيها أو سلاحا يتزين به أو ثيابا فاخرة يلبسها أو نحو ذلك.
    وإذا قال بولده ابن هذه الخبرة لتكون دارا وقال: إن هذه الخبرة دار ابني فلان فإن ذلك لا ينعقد به الهبة لأن العرف ينسب ملك الأب للابن وأمره ببنائها لا يقتضي التمليك.
    ومثل ذلك ما إذا قالت المرأة لزوجها: ابن هذه التجربة لأنها دارك.
    أما إذا قال الأجنبي لغيره ذلك فإنه يحمل على التمليك.
    فإذا بنى الابن أو الزوج الخبرة من ماله ومات الأب أو الزوجة فإن للباني قيمة بنائة منقوضا لأنه يكون عارية وقد انقضت بموت الأب أو الزوجة.
    هذا وتملك الهبة بلإيجاب والقبول أما قبضها في تمليك الموهوب على المشهور.
    فإذا قال المالك: وهبت هذه الدار لفلان وقبلها أصبحت الدار مملوكة له بحيث لا يصح للواهب الرجزع فيها بعد ذلك واذا امتنع عن تسليمها ولو برفع الأمر للحاكم.
    وبعضهم يقول:
    يشترط في تمام الهبة القبض والحيازة فإن عدم القبض فإنها لا تلزم وإن كانت صحيحة.
    ويجوز تأخير القبول عن الإيجاب فإذا وهب دارا فسكت عن قبولها ثم قبلها بعد ذلك فإن له ذلك.
    وليست العمرى هبة وانما هي تمليك المنفعة مدة حياة المعطى - بالفتح - أو المعطي (بالكسر) - بلا عوض إنشاء والعمرى يضم العين وسكون الميم معناه مدة العمر وهي عند الإطلاق تحمل على عمر المعطي فإذا قال: عمرتك داري كان معناه أعطيك داري لتنتفع بها طوا عمرك.
    والعمرى مندوية لأنها إحسان فإذا كانت في نظير عوض كانت إجارة فاسدة لأن مدة عمره مجهولة فزمن الإجارة مجهولة. وهي من قبيل الوقف على زيد مدة حياته فيخرج بها الوقف المؤبد أو المؤقت بزمن معين.
    ولا يشترط فيها لفظ الإعمار بل كل ما يدل على تمليك المنفعة في عقار أو غيره مدة عمر المعطى - بالفتح - يكون عمرى.
    كقوله: أعرتك داري أو ضيعتي أو فرسي أو سلاحي. وأعطيت أو أيكنت ونحوه ولكن إذا قال له: أعطيت فإنه لا بد من قرينة تدل على الإعمار، بأن يقول:
    أعطيتك سكنى داري أو غلة أرضي مدة حياتك. فإن لم يفعل ذلك كانت هبة لا عمرى.
    فإذا مات المعطى - بالفتح - رجعت الدار ونحوها ملكا للمعطي - بكسر - إن كان حيا ولوارثه من بعده إن كان قد مات.
    أما الرقبى وهي أن يقول شخص لآخر: داري لك إن مت أنا قبلك تضعها إلى دارك ودارك لي إن مت أنت قبلي أضمها إلى داري، فهي باطلة، فإن وقع ذلك قبل موت أحدهما فسخ العقد وإن علم بعد الموت رجعت الدار للورثة ولا يعبأ بالعقد.
    الشافعية - قالوا: يشترط في الواهب شروط: منها أن يكون ملكا حقيقة أو حكما والملك الحكمي هو كملك صوف الأضحية الواجبة بالنذر فإنها وإن كانت عن ملكه بالنذر إلا أن اختصاصا فيصح له أن يهب صوفها.
    ومثل ذلك هبة الضرة ليلتها لضرتها فإنها مملوكة لها حكما. ومنها أن يكون مطلق التصرف في ماله فلا تصح الهبة من المحجور عليه لصغر أو سفه أو جنون. ومنها غير ذلك مما تقدم في البيع.
    ويشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتملك. وهل يكفي في ذلك التمييز بحيث لو أهدى رجل بالغ صبيا مميزا شيئا وقبله تصح الهبة ويملكه الصغير أو لا؟
    والجواب إن الصغير لا يملك بالقبول ولكن لا يحرم الدفع له إلا إذا قامت قرينة بأن الوالي لا يرضيه ذلك خوفا من تعويد الصبي على التسفل والدناءة كان كذلك فإنه إعطاء الصبي شيئا بدون رضاء وليه.
    وتصح الهبة للمحجور عليه ويقبض له أو الحاكم إن يكن له ولي وعلى الوالي أن يقبل وهب لمحجوره فإن لم يفعل انعزل سواء وصيا أو قيما.
    أما الأب فإنهما لا يعزلان عن الولاية بعدم قبول الهبة. ولابد لملك الهبة من القبض فإذا وهب الجد أو الأب ابنه شيئا لا يملكه إلا إذا قبضه عنه. وطريق قبضه أن ينقله من مكان إلى مكان.
    ولو مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض لا تنفسخ ويقوم الوارث مقام الأصل في ذلك. ويشترط في الصيغة الشروط التي تقدمت في البيع.
    ومنها أن يكون مطابقا للإيجاب على المعتمد فإذت وهب له نعجتين فقال أحدهما: لم تصح الهبة لعدم المطابقة بين الإيجاب والقبول.
    ومنها: أن يكون القبول عقب الإيجاب فورا وأنه الفصل إلا بالأجنبي فإذا قال له: وهبت لك وسلطتك على القبض فقال له: قبلت فإن الفصل بقوله وسلطتك لا يضر لتعلقه بالعقد ومنها: أن لا يعلق العقد فلا يصح أن يقول له: وهبت لك هذه الدار إن قدم فلان أو وهبت لك هذه الدابة أول الشهر وإذا وهبه شيئا على أن يرجع إذا احتاج إليه فإنه لا يصح.
    وتصح الهبة بعمرى ورقبى فالعمرى كأن يقول له: أعرتك هذا المنزل أي جعلته عمرك فإن مت رجع لي والرقبى كأرقبتك هذا أو جعلته لك رقبى على معنى إن مت قبلي عاد وإن مت قبلك كان لك فالهبة في هذا صحيحة والشرط لغو لا قيمة ولا تملك الهبة إلا بالقبض بإذن الواهب، فإذا قبض بغير إذنه بأن وضع يده على الموهوب كان عليه ضمانه ولو أذن له ورجع الإذان قبل أن يقبض بطل الإذن ومثل ذلك ما إذا مات أحدهما قبل القبض.
    ولا يطفي في القبض أن يضع الموهوب بين يدي الموهوب له بل لا بد من الإذن.
    الحنابلة - قالوا: اشترط في الواهب أن يكون جائز التصرف فلا تصح من سفيه ولا صغير ولا عبد ونحوهم كسائر التبرعات فإذا وهب الصغير أو السفيه فلا تصح هبتهما وإن أجاوها الولي أما العبد فتجوز هبته بإذن سيده.
    ويشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتصرف قبول الهبة من صغير ولو كان مميزا كما لا يصح قبضه للهبة ومثله المجنون؛ فيقبض ويقبل لهما وليهما.
    فالأب العدل ولو ظاهر يقوم مقامهما فإن لم يوجد لهما ولي أو وصي يقبل عنهما الحاكم أو من يقيمونه مقامهم وعند عدم الأوليلء يقبضهما
    أو من يليهم من قريب.
    ويشترط في الموهوب أن يكون معلوما فلا تصح هبة المجهول إلا إذا تعذر علمه كما تقدم فلا تصح الحمل في البطن واللبن في الضره والصرف على الظهر وإذا أذن صاحب الشاة في جز الصوف ولبن الشاة كان إباحة ومثل ذلك هبة الدهن في السمسم والزيت في الزيتون فإنه لا يصح هبتهما قبل عصره.
    ويشترط في الموهوب أيضا أن يكون موجودا فلا تصح هبة المعدوم كهبة الثمر قبل أن يبدو.
    وأن يكون مقدورا على تسليمه فلا تصح هبة ما لا يصح بيعه وبعضهم يقول: تصح هبة الكلب المأذون فيه والنجاسة التي يباح الانتفاع بها.
    واما الصيغة فالشرط فيها أن تكون بما يدل على الهبة عرفا من لفظ كوهبت وملكت ونحوهما أو فعل كتجهيز ابنته هبة بالفعل ويصح تعليقها على شرط مستقبل كقوله: إن جاء رأس الشهر وهبتك.
    وإذا علق على الموت كقوله: إن مت وصية.
    ولا يصح توقيت الهبة بوقت كقوله: وهبتك هذا الثوب شهرا. ويستثنى من ذلك العمرى والرقبى فإن الهبة بهما جائزة وقد تقدم بيانهما في المذاهب النتقدمة فارجع إليهما. وهل الهبة تصح ويملك الموهوب بالعقد أو لابد من القبض؟ رأيان الأحسن منهما أنهما لا تملك إلا بالقبض فإذا تصرف الموهوب له قبل القبض لا ينعقد تصرفه) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #156
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الهبة]
    صـــــ 265 الى صــــــــ
    273
    الحلقة (156)

    [مبحث في هبة الدين]
    -إذا كان لشخص دين عند آخر له هذا الدين أو وهبه لأجنبي فإنه لا يجوز على تفصيل في المذاهب (1) .
    [مبحث الرجوع في الهبة]
    -ليس للواهب أن يرجع في هبته في أمور مفصلة في المذاهب (2) .


    (1) (الحنفية - قالوا: هبة الدين جائزة.
    فإذا قال له: وهبت لك الدين الذي لي عليك فإنه يصح ولكن هبة حقيقية لأن الهبة يشترط فيها إن يكون عينا لادينا فهي مجاز عن إسقاط الدين عنه وإن كانت بلفظ الهبة كما تقدم.
    ويتم اسقاط الدبن بمجرد قول الواهب وهبت لك الدين فلا يشترط قبول المدين.
    فإذا لم يقبل المدين ورد الهبة فإنها ترتد ويبقى الدين عليه على المختار.
    هذا إذا كان كفيلا فوهب له صاحب الدين دينه الذي كفله فإن الهية تصح بشرط القيول.
    واذا رفض هذه المنحة فإن رفضه يصح.
    إما إذا أبرأه صاحب الدين من الكفالة فإن إبرأه يتم من غير قبول ولو رد إبراأه لا يقبل رده لأن صالحب الدين قد استغنى عن كفالته فلا يجبر على قبولها.
    وإذا أبرأ الأصيل عن الدين أو وهبه له فإن قبل فقد برئ الأصيل والكفيل. وإن لا يقبل لا يبرأ واحد منها.
    وإذا كان لشخص دين على آخر فمات الدين لوارثه فإنه يصح ولو رد الزارث الهبة فإنها ترتد ولو وهب الدين لبعض الورثة كانت الهبة للجميع.
    أما إذا أبرأ أحد الورثة فإن الإبراء يصح في نصيبه وحده.
    هذا كله في هبة الدين لمن عليه الدين.
    أما هبة الدين للأجنبي فهي صحيحة: وقد عرفت في تعريف الهبة أنه يشترط في صحة هبة الدين أن يأمر الدائن الموهوب له بالقبض فيقبضه بالنيابة عنه، وبذلك يصير الدين غينا فيقبضه عن تفسه.
    المالكية - قالوا: تصح هبة الدين لمن عليه الدين ولغيره، فإن كانت لمن عليه الدين كانت إبراء، ولإبراء يحتاج الى قبول على الراجع لأنه نقل للملك.
    فإذا لم يقبل المدين لاتصح هية الدين له، وبعضهم يقول: إن هبة الدين إيقاط لانقل للملك فلا يحتاج إلى قبول.

    أما إذا وهب الدين لغير من عليه الدين فإن الهبة تصح بشروط ثلاثة:
    الشرط الأول: أن يشهد على الهبة ولإشهاد شرط صحة.
    الشرط الثاتي: أن يدفع الواهب له سند الدين إن كان له سند.
    وهذا الشرط يختلف فيه فبعضهم يقول: إنه شرط صحة وبعضهم يقول: إنه شرط كمال.
    الشرط الثالث: أن يجمع بين الموهوب له وبين من عليه الدين إن كان حاضرا أما إن كان غائبا فلا يشترط الجمع، وهل شرط الجمع بينهما إن كان المدين حاضرا شرط صحة أو كمال؟ والراجع أنه شرط كمال.
    فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا عند آخر وأراد أن يهبها لأخيه مثلا فإن الأكمل في ذلك أن يشهد على الهبة، وأن يجمع بين أخيه وبين المدين إن كان حاضرا ويحيله، ويعطي أخاه سند الدين إن كان معه سند.
    وبذلك تتم الهبة اتفاقا فإن تعذر حضور المدين أو لم يكن للدين سند فإنه يكفي لصحة الهبة الإشهاد والقبول.
    وهل إذا كان تامدين حاضرا ولم يجمع بينهما أو كان للدين سند ولم يعطه للموهوب له يصح أو لا؟ خلاف ذكلرناه لك أولا.
    إن دفع المدين الدين للواهب بعد علمه بالهبة ضمنه الموهوب له.
    ونظير هذه المسألة رهن الدين فإنه لابد فيه من الإشهاد.
    وصورة رهن الدين أن يشتري سلعة من محمد بعشرين جنيها، وللمشتري دين عند خالد يسوي عشرين جنيها أو أكثر أو أقل فرهن دينه عند محمد في نظير سلعته فعليه في هذه الحالة أن يشهد بأنه رهن لمحمد دينه الذي له عند خالد وأن يعطي محمدا سند الدين إن كان له سند وأن يجمع بينه وبين اغلمدين على التفصيل الذي ذكرناه في الهبة.
    الشافعية - قالوا: هبة الدين للذي عليه الدين إبراء فلا تحتاج لقبول.
    أما هبته لغير من عليه الدين فمختلف فيها:
    فبعضهم يقول إنها هبة صحيحة وبعضهم يقول إنها باطلة.
    والثاني هو المعتمد لأن الدين غير مقدور على تسليمه وهو متصف بكونه دينا فإنه إذا قبض لا يكون دينا بل يكون عينا، أما بيع الدين، فإن المعتمد صحته.
    فإذا كان لشخص دين عند آخر فإنه يصح له أن يبيعه بثمن فيكون الدين في مقابله الثمن.
    وذلك التزام لتحصيل المبيع وهو التزام صحيح بخلاف الهبة فإنها لا مقابل لها فالتزام تحصيل الموهوب غير صحيح.
    الحنابلة - قالوا: هبة الدين صحيحة لمن عليه الدين.
    فإذا وهبه له صح، وإذا أبرأه منه صح، وإذا أسقط عنه صحيح، وإذا تركه له صح، وإذا ملكه له صح، وإذاىتصدق به عليه صح.
    كل ذلك صحيح سواء كلن الدين معلوما أو مجهولا.
    أما هبة الدين لغير من هو عليه فإنها لا تصح، لأن الهبة تقتضي وجود معين هنا) .

    (2) (الحنفية - قالوا: يصح للواهب أنة يرجع في هبته بعد أن يقبضها الموهوب له، ومن باب أولى له الرجوع قبل القبض لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض، وإن كان الرجوع في الهبة مكروها تحريما على الراجح أو تنزيها، وإذا أسقط الواهب حقه في الرجوع ثم رجع بعد ذلك صح رجوعه لأن حقه في الرجوع لا يسقط بإسقاطه.
    ويبطل حق الرجوع في الهبة بسبعة أمور:
    الأول: أن يزيد الموهوب له في العين زيادة متصلة بها كما إذا وهب له نعجة غجفاء فعلفها حتى سمنت فليس للواهب أن يرجع في هذه الحالة حتى ولو عادت عجفاء كما كانت، ومثل ذلك ما إذا أهدى له حيوانا صغيرا عنده، أو أهدى رقيقا جاهلا فعلمه، أو ثوبا فصبغه أو خاطه.
    أما إذا أهداه شاة فجعلت عنده، فإن كان الحبل يزيد في قيمتها فإنه يمنع الرجوع وإلا فله حق في الرجوع.
    وإذا أهداه أرضا فبنى فيها أة غرس أجشارا فإن كان البناء والغرس يزيد في قيمة الأرض كلها فإنه يمنع الرجوع منها كلها وإن كان يزيد في البقعة التي فيها امتنع الرجوع في تلك البقعة، ثم إذا هدم البناء او قلع الشجر كان له الرجوع في هذه الحالة لأن الزيادة ليست في نفس العين كما في سمن الحيوان وهزاله.
    فإذا وهب له عينا تساوي عشرة ثم زاد سعرها فإن الزيادة لا تمنع الرجوع، وإذا نقلها الموهوب له من مكان إلى مكان فارتفع سعرها بسبب ذلك النقل لم يكن له حق الرجوع لأن الزيادة التي طرأت عليها كانت بعمل الواهب واتفاقه يقول له الرجوع.
    أما الزيادة المنفصلة فإنها لا تمنع الرجوع في أصل العين، فإذا أهدى له بقرة فولدت كان له حق الرجوع في البقرة لا في الولد. وهل يرجع في البقرة مع احتياج ولدها للرضاع أو ينتظر؟ قولان.
    ومن الزيادة المنفصلة الثمر، فإذا أهدى له بستانا فأثمر كان له حق الرجوع في هبة البستان أما الثمر فهو من حق الموهوب له.
    الأمر الثاني من موانع الهبة: موت أحد العاقدين بعد القبض فإذا وهب شخص داره لأخيه ثم مات الموهوب له فلا حق للواهب في الرجوع وكذا إذا مات الواهب فلا حق لوارثه.
    الأمر الثالث: العوض فإذا وهب دارا بشرط عوضا فإنه يصح وضع الرجوع وسيأتي بيان ذلك في باب الهبة في مقابل العوض.
    ويشترط في الخروج عن الملك أن يكون تاما من كل وجه بقي له به اختصاص فإن الرجوع لا يسقط.
    مثال ذلك ما إذا وهب له شاة فضحى بها وصارت لحما فإن له أن يرجع ويأخذ اللحم فإنه في هذه الحالة لم يخرج من ملكه بالكلية.
    الأمر الخامس: الزوجية - فإذا وهب الزوج لزوجته شيئا فإنه لا يصح له الرجوع فيه، أما إذا وهب لها قبل أن يتزوج بها ثم تزوج فإن له الرجوع.
    الأمر السادس: القرابة، فلو وهب لذي رحم منه ولو كان ذميا أو مستأمنا فإنه لا يصح له الرجوع فإذا وهب لأبيه أو ابنه أو عمه أو غير
    ذلك من محارمه بالنسب فإن حقه في الرجوع يسقط. أما إذا وهب لمحارمح من الرضاع أو المصاهرة فإن له حق الرجوع.
    الأمر السابع: هلاك العين الموهوبة وذلك ظاهر فإذا ادعى الموهوب له الهلاك صدق بدون حلف.
    وإذا قال الواهب إن العين باقية وهي هذه وأنكر الموهوب له حلف المنكر أنها ليست هذه ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما.
    أو بحكم الحاكم وإذا رجع يالرضا أو القضاء كان ذلك فسخا لعقد الهبة من الأصل وغعادة لملكه القديم لا هبة للواهب، فلهذا لا يشترط فيه قبض الواهب ولو كان هبة جديدة لاشترط فيه القبض.
    المالكية - قالوا: ليس للواهب حق في الرجوع أن الهبة عقد لازم لكن بعضهم يقول: إنها تتم وتلزم بمجرد العقد فلا يشترط في إتمامها القبض وهذا المشهور، وبعضهم يقول: إنها لا تتم إلا بالقبض فالقبض شرط في تمامها فإن عدم لم تلزم وكان للواهب حق الرجوع، إلا الأب والأم فإن لهما حق الرجوع على التفصيل الآتي بعد.
    على أنهم أمورا بها الهبة منها أن يتأخر قبضها لثبوت دين على الواهب يستغرق كل ماله سواء كان ذلك الدين سابقا على عقد الهبة أو طرأ بعده، إلا أن بطلانها في الحالة الأولى نتفق عليه أما بطلانها في الحالة الثانية فهو على المشهور.
    ومنها:
    أن يهب لشخص آخر قبل الأول بشرط أن يقبضها الموهوب له الثاني قبل الأول لأنه يرجع على الأول بوضع يده على الموهوب ولا يلزم بدفع تعويض للموهوب له الأول لم يتهاون الأول في طلبها على المشهور.
    ومن ذلك هبة الدين فإذا كان لشخص عند آخر دين ثم وهبه من عليه الدين ولم يعمل الأشياء التي تقوم مقام القبض من استلام الدين إن كان.
    أما إذا عمل الأول الأشياء تقوم مقام القبض فإن الدين ولا يبرأ الثاني.
    ومنها
    : أن يعد شخص هدية لآخر، ثم بها هو أو رسوله ثم يموت الواهب تبطل في هذه الحالة لأنه لم يقبضها قبل المانع من القبض وهو موت الواهب، وكذلك إذا مات الموهوب له فإنها تبطل لعدم القبول إن لم يسهد بأن الهبة لفلان، فإذا أشهد لا تبطل بموت أحدهما لأن الوارث يقوم مقام المرسل إليه في القبول.
    ولا تبطل الهبة ببيع الواهب إياها فإذا وهب له عينا ولم يعلم له بالهبة ولم يقصر في طلبها ثم باعها فإن الموهوب له بخير في إجازة البيع وأخذ الثمن أو في فسخه وأخذ الهبة.
    أما إذا باع الهبة بعد علم الموهوب له بها وتفريطه في وضع يده عليها فإن البيع ينفذ والثمن مختلف في أمره هل يأخذه الواهب الموهوب والراجح أن الثمن للموهوب له.
    ومنها: أن يتأخر قبض الهبة حتى يمرض مرضا يموت به فإن الهبة في هذه الحالة تبطل حتى ولو قبضها حال مرضه لأن الشرط أن يقبضها حال فتبقى الهبة موقوفة حال المرض حتى يتبين الحال فإن بطلت الهبة ولا تؤخذ منى الثلث ولا من غيره لأن المفروض أنه وهبها حال الصحة لا في حال المرض تنفذ من الثلث كالوصية أما إذا برء فإنها لا تبطل.
    ومثل ذلك ما إذا جن الواهب فإنه وهب حال الصحة ثم تأخر الهبة توقف حتى يتبين حاله من الإفاقة أو الموت مجنونا.
    ومنها: ومنها: أن يهب الوديعة أو العارية لمن هي بيده وفي ذلك ثلاث صور:
    الصورة الأولى:
    أن يعلم الموهوب له ويقبل الهبة في حياة الواهب، فإذا مات الواهب بعد ذلك تمت الهبة اتفاقا.
    الصورة الثانية:
    أن يعلم الموهوب له بالهبة وفي هذه الصورة تبطل الهبة باتفاق لعدم تحقق القبول والصحيح القبول لا بد منه.
    وإذا قبض الموهوب له الهبة قبل أن يجزم بالقبول بل أخذها ها يقبل أو لا، ثم مات الواهب قبل ذلك وقبل الموهوب له الهبة بعد موته فإنه يصح.
    ومثل ذلك ما إذا قبل الهبة في حال حياته ثم طلب الهبة وألح في طلبها ولكن الواهب يسوقه حتى مرض ومات الواهب فإن الهبة لا تبطل بذلك.
    ومثل ذلك ما إذا باع الموهوب له الهبة أو وهبها قبل قبضها من الواهب ثم مات الواهب فإنها لا تبطل لأن تصرفه فيها بمنزلة قبضها وإن لم يقبضها المشتري أو الموهوب له الثاني، وكذلك إذا وهبه عينا ولم يعلم الموهوب له بها حتى مات الموهوب له فإنها لا تبطل ويأخذها وارثه.
    ومنها: ان يرجع الأب في هبته فإذا هبته بطلت فإذا رجع بطلت وعادت له وذلك للأب وحده دون غيره من الأقارب والأرحام إلا الأم على التفصيل الآتي:
    أما الأب فله حق الرجوع في هبته لودله الحر سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا غنيا أفقيرا بعد أن يقبضها الولد ويضع عليها يده وصيغة الرجوع أن يقول الأب: رجعت فيما وهبت أو أخذته منه أو اعتصرته (أي أخذته قهرا عنه) وبعضهم يقول: لا بد من أن يقول اعتصرته، والأول أظهر لأن العامة لا تعرف لفظ اعتصرته.
    والحديث الوارد في هذا الموضوع لا يشترط هذا اللفظ ولفظ الحديث (لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد) وبكن يشترط لصحة رجوع الأب في هبته شرطان:
    الشرط الأول: أن يريد بالهبة الصلة والعطف والحنان على الولد لكونه محتاجا أو خمىلا بين الماس أو نحو ذلك فغن أراد ذلك فإن الرجوع.
    الشرط الثاني: أن يريد بالهبة مجرد ثواب الآخرة لاذات الولد فإن أراد ذلك كان صدقة بلفظ الهبة فلا يصح له الرجوع. نعم إذا أراد العطف أو الصدقة ولكنه شرط الرجوع في هبته أو صدقته متى شاء فإن له ذلك ويعمل شرطه.
    ومنها:
    ان ترجع الأم في هبتها وللأم حق الرجوع بالشرطين المذكورين في الأب مع زيادة شرط ثالث:
    وهو أن لها حق الرجوع بشرط أن يكون ولدها كبيرا أو صغيرا له أب.
    أما إذا كان الولد يتيما ووهبت له فليس لها حق الرجوع. ولها حق الرجوع مع وجود الأب سواء كان الأب والابن موسرين أو معسرين حتى ولو كان الأب مجنونا.
    وإذا وهبت لابنها في حياة أبيه ثم مات أبوه بعد ذلك فإن لها حق الرجوع على المختار.
    ويمنع رجوع الأب والأم أمور:
    احدهما: أن يتصرف الموهوب له في الهبة ببيع أو رهن أو هبة أو يعمل ما يغير صفة الهبة كأن صوغ النقود حليا ونحو ذلك.
    ثانيها: أن يطرأ على ذات الهبة زيادة القيمة كتعليم صنعة أو كبر وسمن هزيل.
    ومثل ذلك النقص كهزال سمين، فذلك التغير يمنع الرجوع.
    ثالثها: أن تكون الهبة سببا في الثقة بالولد فيعطيه دينا أو يزوجه بنته أو يزوج الموهوب لها لابنه إن كانت أنثى في هذه الحالة لا يجوز للأب أن يرجع في هبته.
    أما إذا وهب له وهو متزوج أو عليه دين فإن له الرجوع لأن الهبة لم تكن في تغرير أحد.
    ومنها:
    أن يمرض الولد فإنه لا يصح للأب الرجزع عليه حال المرض لأنه إذا مات كانت الهبة حقا لورثته برئ كان لوالده حق الرجوع.
    الشافعية - قالوا: كتى تمت الهبة بالقبض بإذن الواهب أو تسليمه للشيء الموهوب فإن الهبة تلزم ولا يصح الرجوع فيها إلا الأب وإن علا فيصح للأب أن يرجع في هبته ومثله الجد وإن علا وكذلك الأم والجدة وهكذا.
    فللوالد أن يرجع في هبته على ولده سواء كان الولد ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا.
    ويشترط للرجوع شروط:
    أحدهما: أن يكون الولج حرا فإذا كان رقيقا فلا يصح الرجوع. لأن الهبة للرقيق هبة لسيده وهو أجنبي لا رجوع عليه.
    ثانيهما: أن يكون الموهوب شيئا عينا فإن كان دينا للولد فوهبه الوالد له فإنه لا يصح له الرجوع فيه.
    ثالثهما: أن يكون الموهوب في سلطة الولد بحيث يتصؤف فيه فلا رجوع إذا انقطعت سلطة الوالد على الموهوب كما إذا وهب العين الموهوبة له بغيره وقبضها الغير فإنه في هذه الحالة تنقطع سلكته وملكه فليس لوالده الرجوع. ومثل ذلك ما إذا رهن العين النوهوبة وقبضها المرتهن فإنه في هذه الحالة لا حق للوالد في الرجوع. وذلك لأن الولد لا سلطة له عبى العين حينئذ وإن كان ملكه باقيا.
    أما إذا اغتصب العين الموهونة من الولد فإن سلطته تبقى عليها للولد الرجوع.
    رابعها: أن لا يحج على الولد لسفه فإن حجر عليه امتنع الرجوع.
    خامسها: أن لا تكون العين اللمرهومة مستهلكة كبيض الدجاج والبذر إذا نبت في الأرض. ولا يمنع الرجوع زراعة الأرض وإجارتها لأن العين ياقية وإذا رجع الوالد لا تفسخ الإجارة بل تبقى على حالها ولا ينتفع بها مدة الإجارة.
    سادسها: أن لا يبيع الولد الموهوبة فإن باعها امتنع الرجوع.
    ومثل ذلك الوقف ونحوه من كل ما يزيل السلطة فإذا عاد ملكه بعد بيعه لم يعد الرجوع.
    ولا يمنع الرجوع الزيادة المتصلة بالعين من سمن ونحوها فللوالد أنة يأخذها مع تلك الزيادة.
    أما إذا زادت منفصلة كأن ولدت الدابة الموهوبة أو أثمر البستان فإن زسادة المنفصلة تكون للولد لأنها حدثت وهي في ملكه فللأب الرجوع في الأصل.
    وإذا أسقط حق الرجوع فإنه لا يسقط ويحصل الرجوع بقوله: رجعت فيما وهبت أو استرجعته أو رددته إلى ملكي الهبة أو أبطلتها أو فسختها ونحو ذلك، ولا يحصل الرجوع ببيع الواهب العين التي وهبها ولا بوقفها ولا بهبتها ولا بإعتاقها. ويكره الرجوع من غير سبب أما إذا كان لسببب كرجر الولد الإنفاق في الشهوات الفاسدة والمعاصي فإنه لا يكره، بل إذا كان الرجوع في الهبة وتجريد الولد من المال هو الطريق الوحيد منعه عن المعاصي فإنه يجب على الوالد أن يفعل.
    أما إذا كان الودل عاقا وكان الرجوع يزيد في عقوقه فإنه يكره.
    الحنابلة - قالوا: للواهب الرجوع في هبته قبل القبض لأن عقد الهبة لا يتم إلا بالقبض.
    وإذا باع الواهب الموهوب أو هبته قبل القبض لأن عقد الهبة لا يتم إلا بالقبض.
    وإذا باع الواهب الموهوب أو وهبه قبل بطلت الهبة لأن ذلك يعتبر رجوعا.
    أما بعد القبض فإن الهبة تتم للموهوب له، فلا حق للواهب في الرجوع إلا إذا كان أبا فقط، فإذا فضل الأب أبنائه بهبته فإن له الرجوع فيها، ويجب الرجوع إذا وهب له من غير إذن الباقي؛ لأن التسوية بين الأبناء بحسب حقوقهم الشرعية زاجبة على الأب والأم وغيرهما من الأقارب.
    وعلى أن الرجوع خاص بالأب المباشر فقط سواء أراد التسوية بين أولاده؛ فليس للأم ولا للجد ولا لغيرهما من الأقربين الرجوع في الهبة بعد تمامها بالقبض.
    الأول: أن تكون عينا لا دينا ولا منفعة؛ فإذا كان للأب على ابنه فوهبه له حق له في الرجوع في هبته؛ لأن هبة الدين إسقاط لا تمليك حتى يملك إليه.
    وكذلك ليس له الرجوع في إباحة منفعة بعد استيفائها فإذا أباح الأب لابنه سكنى دار سنة مثلا، وسكن الوالد بالفعل كا هذه المدة فليس لوالده أن يرجع في ملك المدة التي سكنها وله الرجوع من الآن.
    الثاني: أن تكون باقية في ملك الولد. فإن خرجت عن ملكه بأن باعها الوالد أو وهبها لغيره، أو وقفها ولو على نفسه ثم على غيره من بعده، أو دفعها صداقا لامرأة، أو عوضا في صلح أو نحو ذلك بطل حق رجوع الأب فيها. وإن عادت إلى الولد بسبب جديد كأن اشتراها ثانيا أو ورثها أو غير ذلك لم يعد حق الرجوع على الابن.
    أما إذا عادت بسبب فسخ البيع بعيب فيها أو لفلس المشتري فلم يقدر على دفع الثمن ونحو ذلك فإن للأب حق الرجوع.
    ومثل ذلك ما إذا تلفت العين فلا حق للأب في الرجوع في قيمتها.
    الثالث: أن لا تخرج العين عن سلطة كما غذا وهبها وقبضها المرتهن فليس للأب حق الرجوع بعد ذلك.
    ومثله ما إذا حجر على الابن لفلس، فإذا فك الرهن ورف الحجر عاد حق الرجوع.
    أما إذا لم تزل سلطة الابن وتصرفه في العين، فإن للأب الرجوع كالرهن والهبة قبل القبض والإجارة والمزارعة وجعلها مضاربة.
    وإذا رجع الأب في حال تعاقد على الهبة فإن كان العقد من العقود الازمة لا يملك الأب فسخه كالإجارة، وإن كان من العقود التي لا تلزم كالمضاربة والمزارعة والمشتركة فإن له فسخه.
    الرابع: أن لا تزيد العين الموهوبة عند الولد زيادة متصلة ترفع قيمتها كالسمن والكبر والحمل. ومن ذلك ما إذا وهب له حيوانا مريضا فبرئ عنده.
    أما الزيادة المنفصلة كولد وثمر الشجرة ونحوهما فلا تمنع الرجوع على العين وتكون الزيادة ملكا للولد، أما تلف بعض العين أو نقص قيمتها فإنه لا يمنع الرجوع.
    وصفة الرجوع من الأب فيما وهبه لابنه أن يقول:
    رجعت في الهبة له أو ارتجعتها أو رددتها أو عدت فيها أو أعدتها إلى ملكي وغير ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع.
    والأكمل أن بقول: رجعت فيما لك من كذا، ولا يحتاج الرجوع إلى حكم حاكم ولا إلى علم الولد.

    وإذا أسقط الأب حقه من الرجوع فإنه لا يسقط. وبعضهم يقول: إنه يسقط) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #157
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الهبة]
    صـــــ 273 الى صــــــــ
    276
    الحلقة (157)

    [مبحث في مقابل عوض مالي]
    -تصح الهبة في مقالبل عوض مالي، كما إذا قال شخص لآخر: وهبت لك داري هذه بشرط أن تعوضني عنها مائة جنيه أو نحو ذلك على تفصيل المذاهب (1) .

    (1) (المالكية - قالوا: للواهب أن يشترط العوض المالي على هبته، ويعبر عن العوض بالثواب، ويقال للهبة (هبة الثواب)
    وينبغي أن يكون شرط العوض مقارنا لصيغة الهبة كأن يقول وهبتك أو أعطيتك هذا الشيء على أن تعوضني أو تثيبني.
    وهل يشترط تعين جنس العوض وقدره أو لا؟
    والجواب أنه لا يشترط على الصحيح
    ففي ذلك صورتان، الصورة الأولى: أن لا يعين جنس العوض وقدره بأن يقول الواهب: وهبت لك كذا بشرط أن تعوضني فإذا قبل الموهوب له كان الحكم في هذه الصورة أن عقد الهبة بلزم الواهب إذا قبض الموهوب العين الموهوبة.
    أما قبل القبض فللواهب الرجوع فإذا قبضها الموهوب له لا يلزمه دفع العوض بالقبض بل له أن يردها على صاحبها أو يدفع له قيمتها على صاحبا قبولها أو قبول قيمتها.
    أما قبل القبض فله أن يمتنع عن قبول قيمتها ولو مضاعفة، هذا إذا لم يتصرف فيها الموهوب له تصرفا يزيد في قيمتها فإن زادت عنده بسمن أو كبر أو نقصت بمرضص فإنها تلزم الموهوب له في هذه الحالة وعليه دفع فقيمتها على المعتمد وليس له ردها.
    والحاصل أن الواهب يكون مخيرا قبل القبض، أما بعد القبض فإن الواهب يلزم بتنفيذ الهبة ويكون الخيار للموهوب له بين رد العين الموهوبة وبين دفع قيمتها يوم قبضها وهذا إذا لم يتصرف بما يغير حالها من زبادة فإن فعل كان ملزما بالقيمة.
    الصورة الثانية: أن يعين جنس العوض وقدره كأن يقول له وهبت لك هذه الدار بشرط ان تعوضني مائة أو تعوضني البستان الفلاني وحكم هذه الصورة أن العقد يلزم بمجرد القبول سواء قبض الموهوب له بالعوض سواء قبض أو لم يقبض فالعقد منهما برضى الموهوب له فإذا متنع عن دفع العوض يجبر عليه.
    والهبة في نظير العوض بيع في الحقيقة فلا تخالف إلا في أمور يسيرة منها أنها تجوز مع جهل العوض بخلاف البيع فإنه يشترط فيه الثمن وأنها تجوز الأجل بخلاف البيع.
    ولا يلزم أن يكون القبول فيها فورا كما في البيع، فهي تحل ما أحله البيع ما حرمه؟؟ فلا تصح هبتة ما لا يصح بيعه كالجنين في بطن أمه وثمر البستان الذي يظهر صلاحه.
    ويلاحظ في العوض أن يكون مما يصح دفعه في بيع السلم حتى لا يفضي إلى الربا فإذا وهب له عروض تجارة يجوز أن يعوضه عنها من فضة وذهب أو طعام من قمح وشعير إلى ونحوهما أو عروض تجارة من غير جنس العروض الوهوبة وهب له قماشا ساغ أن يعوضه عنها أو أصنافا عطرية ونحو ذلك.
    وإذا وهب له فضة فلا يصح أن يعوضه عنها دهبا إذا كان في المجلس قبل تفرقهما أما في المجلس فيجوز لأنه يكون من قبيل الصرف.
    وكذلك إذا وهب له ذهبا فإنه لا يجوز أن يعوضه فضة إلا في المجلس له خروفا مذبوحا (لحما) فإنه لا يجوز أو يعوضه خروفا حيا وبالعكس. وإذا وهب (حبوبا) فإنه يجوز أن يعوضه عنها عروض تجارة ونقودا ولا حبوبا لئلا يفضي ذلك بيع الطعام لأجل منع الزيادة ولو في الجملة.
    وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظا لا مبهما ولا معينا ولكنه ادعى أنه قصد العوض عند هبته بعد قبض العين الموهوبة فإنه يصدق مالم تقم قرينة أو يدل عرف عملي يشهد ضده فإذا كان مثل الواهب لا يطلب في هبته عوضا من مثل الموهوب لن القول للوهوب له قبل القبض فالقول للواهب مطلاق.
    وإذا كانت الهبة لعرس وكان العرف يقتضي معوض عليها فللواهب أن يأخذ قيمة هبته معجلا ولا ينتظر إلى عرس عنده كما هو المعتاد في بعض الجهات هدايا العرس مثلها إلى مهديها.
    وإذا أخذ المهدي قيمتها عاجلا فإن لصاحب العرس أن يحاسبه على ما أكله عنده وأتباعه من نساء ورجال.
    أما إذا كان العرف لا يقضتي الرد فلا حق للواهب في طلبها.
    وإذا وهب نقودا مسكونة ولم يشترط العوض فإنه لاحق له في المطالبة بالعوض بدعوى أنه كان ينوي العوض مطلقا ومثل التقود المسكوكة السبائك والحلي المكسر فإنه لا عوض فيه إلا بالشرط أما الحلي الصحيح فإن الواهب يصدق فيه.
    فإن وهب أحد الزوجين للآخر فإنه لا يصدق في دعوى العوض إلا إذا شرطه أو قامت قرينه تدل على نية العوض وهذا في غير النقود المسكوكة، أما هي فلا يصدق فيها إلا بالشرط ولا تكفي القرينة.
    وكذا إذا وهب شيئا لقادم من سفر، ولم يشترط العوض فإنه لا يصدق في دعوى العوض ولو كان فقيرا وتضيع الهبة مجانا.
    الحنفية - قالوا: الهبة بشرط العوض جائزة ويصح عقد الهبة والعوض لازما للواهب والموهوب له إذا قبض الواهب العوض أما إذا لم يقبضه كان لكل منهما الرجوع ولو قبض الموهوب الهبة كما عرفت.
    ويشترط في ذلك أن يذكر الموهوب له لفظا يعلم الواهب منه لأن العوض بدل عن كل هبته كأن يقول له: خذ هذا المال أو العقار عوض هبتك أو بدلها أو في مقابلها ونحو ذلك.
    فإذا لم يذكر ذلك كان للواهب حق الرجوع في هبته، وكان للموهوب له حق الرجوع في العوض الذي دفعه.
    وبعضهم يقول إنه لا يشترط أن يقول خذ بدل هديتك أو عوضها بل اللازم فعل ما يدل على ذلك بما هو متعارف بين الناس، فإذا دفع إليه المبلغ بقصد العوض وكان معروفا أنه لا يكون لهما حق الرجوع.
    ويشترط في العوض ما يشترط في الهبة فلا يتم إلا بالقبض، ولا بد أن يكون مقروزا غير شائع الخ ولا فرق فيه بين أن يكون موازيا للهبة أو أكثر أو أقل.
    وإذا وهب الأب لابنه الصغير فإنه لا يجوز له أن يأخذ في نظير هبته عوضا من مال الصغير، وإذا وهب الموهوب. وإذا وهب النصراني للمسلم عينا فإنه لا يجوز أن يعوضه بدلها خمرا أو خنزيرا.
    ويشترط أن لا يكون العوض بعض الموهوب. فإذا وهب له بقرتين فلا يصح أن يعطيه إحداهما عوضا، فإذا فعل كان للواهب حق الرجوع في الثانية.
    وهل يشترط في العرض أن يذكر في عقد الهبة أو يصح بعد تمامها بحيث إذا قبضها الموهوب له وأراد الواهب الرجوع فيها فأعطاه الموهوب له عوضا يصح ويمنع الرجوع؟ خلاف.
    وبعضهم يقول: إنه لا بد من ذكره في عقد الهبة.
    وبعضهم يقول: لا بل اللازم هو إضافة للهبة التي تمت كأن يقول: هذا عوض عن هبتك، فإذا قبضه لا يكون له حق الرجوع.
    أما إذا لم ينص على أنه عوض عن هبته فإن الوض يكون هبة جديدة، ويكون لكل منهما حق الرجوع.
    الشافعية - قالوا: الهبة بشرط العوض ويقال له الثواب صحيحة بشرط أن يكون العوض معلوما، وفي هذه الحالة تكون بيعا لها حكم البيع.
    أما إذا لم يشترط العوض ولا عدمه فإذا كانت قرينة على طلب العوض وجب دفعه أو رد الموهوب، وإذا لم تقم قرينة فلا عوض، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الواهب أعلى من الموهوب له أو نظيره أو أدنى منه.
    وإذا شرط عوضا غير معين كأن قال: وهبتك على أن تعوضني دابة مثلا فإن الهبة تبطل، فإذا قبضها كانت معاوضة بالشراء الفاسد؛ فيضمنها ضمان المغصوب.
    الحنابلة - قالوا: الهبة بشررط العوض تصح إن كان العوض معلوما حكم اليبع تثبت فيها الشفعة ونحوها مما يثبت في البيع.
    أما إن كان العوض مجهولا فإن الهبة لم تصح أصلا؛ ويكون حكمها في هذه الحالة حكم البيع الفاسد؛ فغن قبضها الموهوب له كان عليه ضمانها بمثلها وإن كانت مثلية، وقيمتها إن كانت متقومة، وإن كانت باقية وجب عليه ردها بزيادتها المتصلة والمفصلة.
    وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظا، وادعى أنه وهبها للعوض يسمح قوله - ولو قامت القرينة على ذلك أو كان العلاف مؤيدة في دعواه - لأن مدلول لفظ هبة العوض والقرائن لا تساوي اللفظ الصريح فلا يعمل بها) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #158
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوصية]
    صـــــ 277 الى صــــــــ
    287
    الحلقة (158)

    [مباحث الوصية]

    [تعريفها ودليليها]
    -الوصية تطلق في اللغة على معان، يقال إلى فلان بمال جعلته له وأوصيته بولده استعطفته عليه، وأوصيته بالصلاة أمرته بها. ويقال وصيت الشيء بالشيء إذا وصلته به وصلته به كأن الموصي لما أوصى بالمال وصل ما بعد الموت بما قبله في نفوذ التصرف.والاسم الوصاية، بكسر الواو وقد تفتح.وأما معناها في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب (1)
    وأما دليل مشروعيتها فالكتاب والسنة.
    أما الكتاب فقوله:
    {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية}وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: "وما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"ومعنى الحديث: ليس من الحزم والرأي السديد أن يمر على الإنسان زمن يملك فيه مالا يوصي به ولا يكتب وصيته فليس المراد خصوص الليلتين بل الحث على المبادرة بكتابة الوصية.
    [أركان الوصية وشروطها]
    -أركانها: موص، وموصى له، وموصى به، وصيغة. وأما شروطها ففيها شروط المذاهب (1) .
    (1) (الحنفية - قالوا: الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع.
    فقوله تمليك يشمل العقود التي تنقل ملكيتها كالبيع والهبة وغيرهما.
    وقوله مضاف لما بعد الموت يخرج ما عدا الوصية.
    وقوله بطريق التبرع يخرج الإقرار بالدين فلو أقر في حياته بدين لآخر ثم مات كان ذلك الإقرار تمليكا للدين بعد الموت.
    وقد يقال إن الإقرار بالدين ليس تمليكا، وإنما هو إظهار لما في ذمته فهو خارج بتمليكه وعلى هذا فلا حاجة إلى قيد بطريق التبرع.
    ولا فرق في الموصى به بين أن يكون عينا أو منفعة. ولا يشترط أن يضيف الوصية إلى الموت لفظا فلو قال أوصيت بكذا ولم يقل بعد موتي صح حتى ولو لم يصرح بالوصية بل ذكر على الوصية كقوله لفلان ألف قرش من ثلثي مالي أو ربعه فلا تصح إلا إذا ذكرت الوصية.
    المالكية - قالوا: الوصية في عرف الفقهاء عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بنوته، أو يوجب نيابة عنه بعده.
    ومعنى التعريف أن عقد الوصية يترتب عليه أحد أمرين:
    الأول: ملكية الموصى له ثلث مال العاقد (الموصي) بعد موته بحيث لا يكون العقد لازما إلا بعد الموت أما قبل الموت فلا يكون العقد لازما.
    الثاني: نيابة عن الموصي في التصرف فالموصي إما أن يوصي بالإقامة نائب عند موته (وصي) وإما أن يوصي بمال.
    وبعض المالكية عرف بالوصية بما عرفها به الحنفية. ولا يخفى أن الأول يشمل الوصية بمعنى إقامة الوصي بخلاف الثاني.
    الشافعية - قالوا: الوصية تبرع بحق مضاف إلى بعد الموت، سواء أضافة لفظا أولا فإذا قال أوصيت لزيد بكذا كان معناه بعد الموت.
    الحنابلة - قالوا: الوصية هي المر بالتصرف بعد الموت كأن يوصي شخصا بان يقوم على أولاده الصغار أو رزوج أو يفرق ثلث ماله ونحو ذلك.
    وهذا تعريف الوصية يمعنى الإيصاء أي إقامة وصي. وأما تعريفها بمعنى إعطاء الغير جزءا من المال فهو أن يقال الوصية "تبرع بالمال بعد الموت") .

    (1) (الحنفية - قالوا: إن للوصية ركنا واحدا وهو الإيجاب والقبول كما عرفت في نظائره.
    فأما الإيجاب فهو أن يقول أوصيت بكذا لفلان أو أوصيت إلى فلان. أو جعلت إلى فلان ثلث مالي بعد موتي ونحو ذلك من الألفاظ المستعملة في الوصية.
    وأما القبول فإنه شرط فادة الملك به فلا يملكه الموصى له قبل القبول فلا يشترط القبض في الوصية بخلاف الهبة.
    ويشترط في القبول أن يكون بعد الموت فإذا قبل الموصى له في حال حياة الموصي أو رد الوصية وقع ذلك باطلا وله القبول بعد الموت. وذلك لأن الوصية تمليك بعد الموت فهي معلقة على الموت حتى لو أروصى له بثلث غنمه الموجودة تحت يده ثم مات بعد أن انقرض نصفها لا يملك إلا ثلث الباقي وهكذا فالإيجاب لا يتحقق ثبوته إلا بعد الموت. فطذلك القبول أو الرد لا ينفع إلا بعد الموت.
    أما قبل الموت فلا إيجاب. وبعضهم يقول إن القبول بشرط لأن الوصية من باب الميراث.
    والقبول إما أن يكون صريحا كأن يقول قبلت الوصية. أو يكون دلالة.
    ومثاله أن يموت الموصى له من غير قبول سكوته دلالة على القبول ويأخذ وارثه الموصى به. ويقوم الفعل مقام القول، كما إذاى نفذ الموصى له الوصية فعلا فإن ذلك يعتبر قبولا.
    الحنفية - قالوا: يشترط في الموصي أن يكون أهلا للتمليك (رأي يفيده غيره الملك) وهو ما اجتمع فيه أمور:
    منها: أن يكون بالغا فلا تصح وصية الصغير واحد بتجهيزه ودفنه، وعلى ذلك يحمل ما ورد عن عمرر رضي الله عنه من إجازته صبي مراهق.
    ومنها أن يكون عاقلا فلا تصح وصية المجنون حال جنونه ولو أفاق ومات بعد إفاقته لن الأهلية كانت معدومة وقت الوصية.
    وإذا وصى حال إفاقته ثم جن فإن جنونه مطبقا واستمر ستة أشهر بطلت الوصية وإلا فلا.
    أما إذا وضى وهو سليم ثم طرأ عليه وسواس حتى صار معتوها واستمر كذلك حتى بطلت الوصية.
    ومنها أن لا يكون مدينا دينا يستغرق كل ماله فإن كان كذلك فإن الوصية لا تصح. وذلك لأن سداد الدين مقام على تنفيذ الوصية.
    ومنها: أن لا يكون هازلا ولا مخطئا ولا مكرها.
    ومنها أن لا يكون وارثا وقت الموت لا وقت الوصية.
    فإذا أوصى شخص لأخ وارث وقت الوصية ثم ولد يمنع الخ من الإرث صحت الوصية وعلى عكس ذلك ما إذا أوصى لأخ لا يرث لوجود ابن للموصي ثم مات الابن قبل موت أبيه وأصبح الأخ وارثا فإن الوصية تبطل.
    وإذا أجازت الورثة للوارث فإنها تنفذ.
    ويشترط في المجيز أن يكون عاقلا بالغا صحيحا لا مريضا فإذا أجاز المريض ومات في مرضه لا نتفذ إجازته إلا إذا أجازتها الورثة فيهم هذه الشروط.
    ومنها: أن لا يكون رقيقا -ولو مكانيا - إلا إذا علق ما بعد الغتق فإنه يصح، وتجوز وصية ابن السبيل وهو البعيد عن ماله.
    ومنها: أن لا يكون الموصي معتقل اللسان طرأ على لسانه مرض منعه من النطق فإن وصيته لا تصح إلا إذا استمر زمنا فصار كالأخرس بحيث يتكلم بالإشارة المعهودة وحينئذ تكون إشارته وكتابته كالنطق فإشارة الأخرس تقوم مقام نطقه لأنها أصبحت معهودة للناس.
    ومثله من طرأ على لسانه مرض وصارت له إشارة معهودة يخاطب بها الناس فإنها تقوم مقام نطقه في الوصية والطلاق والنكاح والشراء أما إذا كانم مرضه عارضا وليست له إشارة معهودة فإن هذه العقود لا تصح منه حتى يبرأ لسانه.
    ويشترط في الموصى له أمور:
    منها: ان يكون أهلا للتمليك فلا تصح الوصية لمن لا يملك كما إذا قال أوصيت بهذا التبن لدواب فلان هذه الصيغة تفيد أنه جعل التبن ملكا للدواب وهذا لا يصح ولو أراد إطعامها به لأن العبرة في مثل هذا اللفظ لا لنقد المتكلم. فإذا قال أوصيت بهذا التبن ليعلف به دواب فلان فإنه يصح، ولا يشترط القبول في مثل هذه الحالة لأن للوصية جهتين إذ هي تارة تشبه الهبة، وفي هذه الحالة يشترط لها القبول فمتى كان القول ممكنا بحيث ينأتى من الموصي له شرطا لنفاذها، وتارة تشبه الميراث فلا يشترط فيها القبول عند تعذره كالوقف على الفقراء والمساكين.
    وكذا تصح الوصية إذا قال أوصيت بكذا لللإنفاق على دابة فلان أو فرسه ويجب تنفيذ الوصية للإنفاق على الدواب ولا يصح بيعها وإذا مات بطلت الوصية. وإذا كان يملك دواب حال حياة الموصي ثم اشترى غيرها بعد موته فإنه ينفق على الذي اشترها بعد موته فقط لأنها هي المقصودة بالوصية.
    ومنها: أن يكون حيا وقت الوصية ولو تقديرا فيشمل الوصية للجنين في بطن أمه فإنه حي تقديرا فتصح الوصية للحمل كما تصبح به كقوله: أوصيت بحمل دابتي هذه لفلان أو أوصيت بهذه الدابة للحمل الذي في بطن فلانة، ولا يشترط القبول في هذه الحالة كما عرفت، وإنما تصح الوصية للحمل بشرط أن يكون موجودا حين الوصية، ويعرف حيا في مدة نقل عن ستة أشهر من تاريخ الوصية إذا كان لها زوج متمكن من قرباتها، فإذا مات الموصي ثم ولدت بعد موته في مدة تقل عن ستة أشهر علم أن الوالد كان موجودا وقت الوصية.
    أما إذا ولدته بعد مضي ستة أشهر كاملة لم يثبت عند الوصية لأن أقل الحمل ستة أشهر فيمكن أن تكون علقت به بعد الوصية فلا يكون موجودا عندها.
    أما إذا كان الزوج ميتا أو كانت مطلقة بائنا فإن الوصية تصح إذا ولدته لأقل من سنتين من وقت الموت أو الطلاق ولو كان لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية فإذا جاءت به لأقل من سنتين حيا فإنه يثبت وجوده عند الوصية حكما بدليل ان النسب ميثبت من الزوج باعتبار أنها به قبل موته أو قبل طلاقها.
    وبذلك نكون قد حكمنا بوجود الولد موت الموصي لأن المفروض أن الموصى مات بعد الزوج.
    ومتى حكمنا بذلك فقد حكمنا بوجود الولد عند الوصية كما لا يخفى.
    وكما تصح الوصية لحمل الإنسان كذلك تصح لحمل الحيوانت ليفق عليها من الموصى به كما عرفت.
    ومنها: أن لا يباشر قتل الموصي عمدا أو خطأ، فإذا أوصى شخص لآخر ثم قتله الموصى له بعد الوصية بطلت، وكذا إذا ضربه ضربة قاتلة ثم أوصى له بعد الضربة ومات فغن وصيته تبطل. وإذا أجازت الورثة، وإذا كان القاتل صبيا أو مجنونا نفذت الوصية ولو لم تجزها الورثة.
    ومنها: أن يكون الموصى له معلوما ويكفي علمه بالوصف كالمساكين والفقراء فتصح الوصية إذا قال: أوصيت للفقراء أو للمساكين.
    ولا يشترط في الموصى له أن يكون مسلما فتصح الوصية من المسلم للذمي إلا ان يكون حربيا في دار الحرب. فإذا خرج من دار الحرب وطلب أخذ الوصية فلا يأخذ الوصية منها شيئا ولو أجاز الورثة.
    أما المرتد فإن الوصية له لا تصح من المسلم، وتصح وصية الذمي المسلم، ويشترط في الموصى به أمور:
    منها: أن يكون قابلا للتملك بعقد سواء كان مالا أو منفعة فكل ما يصح تمليمه بعقد البيع ونحوه أو بعقد الإجارة كمنافع الدار والدواب ونحوهما فإنه يصح الوصية به. ولا يشترط أن يكون الموصى به موجودا في الحال فتصصح الوصية بالمعدوم المحتمل وجوده كالوصية بثمر لفلان ما دام حيا.
    ومثل ذلك ما إذا أوصى لزيد بثلث ماله ولم يكن له مال وقت الوصية ولكن ربح مالا قبل موته فإن زيدا يستحق ثلثه بعد موت الموصي.
    نعم إذا كان الموصي به معينا فإنه يشترط موجودا وقت الوصية.
    كما لإذا قالت: أوصيت لفلان بثلث غنمي فإنه يلزم أن تكون الغنم موجودة عند الوصية.
    ومثل ذلك ما إذا كان الموصى به شائعا في بعض ماله.
    كما إذا قال: أوصيت لفلان بالمعز من غنمي فإنه تكون المعز موجودة عند الوصية.
    أما إذا كان شائعا في كل المال، كما إذا قال: أوصيت له بمعز من مالى فإنه لا يشترط وجود المعز عند الوصية بل الشرط وجودها عند الموت.
    ومنها: أن يكون الموصى به ثلث المال فلا تنفذ الوصية فيما زاد على الثلث إلا أن يجيزه الورثة وهو كبار. ولا تنفع إجازتهم في حال حياته بل لا بد من الإجازة بعد موته. فإذا أجازوا حال حياته حال حياته كان لهم الرجوع.
    وإذا أوصى بجميع ماله لشخص وليس له وارث نفذت وصيته بدون إجازة بيت المال.
    وإذا أوصى الرجل لزوجته ببكل ماله وليس لها وارث سواه فإن الوصية تصح وتاخذ كل المال ومثله ما إذا أوصت المرأة لزوجها. أما غير الزوجين فإنه إذا لم يكن ثمة وارث سواه فإنه يأخذ الكل بدون وصية، إما برد أو رحم بخلاف الزوجين فإنهما لا يأخذان كل المال إلا بالوصية.
    المالكية - قالوا: أن يكون حرا فلا تصح وصية الرقيق ولو بشائبه رق.

    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #159
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوصية]
    صـــــ 277 الى صــــــــ
    287
    الحلقة (159)


    ثانيهما: أن يكون مميزا فلا تصح وصية المجنون والصغير والسكران إذا فقدوا التمييز وقت الإيضاح. فالبلوغ غير شرط.
    ومثل ذلك السلامة من السفه فإنهما ليست بشرط إذ للسفيه أن يوصي سواء كان له قيم مولى عليه أو لا.
    فإذا تداين السفيه ولي ثم مات الولي لا يلزم ورثته سداد ذلك الدين إذا
    أوصى به فإنه يسدد من ثلث ماله.
    وبعضهم يقول: يلزمه الدين بعد موته وإن لم يوص عليه.
    وهل تصح وصايا الصبي مطلقا أو تصح بشرط أن تكون وصايا بقربة؟ خلاف.
    فبعضهم يقول: إذا أوصى الصبي لسلطان مثلا فإن وصيته باطلة على رأي من يشترط لصحة وصيته أن تكون بقربة لأن الوصية لذي سلطان بقربة.
    وتكون صحيحة على رأي من لا يشترط ذلك.
    ولا يشترط في الموصي الإسلام فتصح وصية الكافر للمسلم. إلا إذا وصى بما يحرم على المسلم الانتفاع به كالخمر والخنزير.
    ويشترط في الموصى له أن يكون ممن يصح أن يملك ما اوصى له به إما حالا وإما مآلا فيصح الإيصاء للحمل الموجود أو الذي سيوجد.
    فإذا قال: اوصيت بكذا لمن سيوجد فللان من أولاده فإنه يشمل من كان حملا في بطن أمه ويشمل من لم يكن موجودا اصلا فيؤجر الموصى به للحمل إذا لم يكن حمل وللوضع إن كان حمل فإذا وضع الولد واستهل صارخا استحق الموصى به وإلا فلا، فنزول الولد مستهلا شرط استحقاقه للموصى به لا لصحة الوصية.
    فإذا ولدت أكثر من واحد وزرع الموصى به عليهم بنسبة واحدة الذكر مثل الأنثى ما لم ينص على غير ذلك فإن نص على تفصيل أحد عمل بنصه.
    ولا يشترط في الموصى له أن لا يكون قاتلا للموصي الوصية للقاتل بشرط أن تقع الضربة وأن يعرف المقتول قاتله فإذا ضرب شخص آخر ضربة قاتلة أو خطأ ثم اوصى له بعد الضربة بشيء من ماله ومات فإن الوصية تصح وتؤخذ الوصية من ثلث التركة وثلث مال الدية في القتل خطأ ومن أصل مال المتوفى في القتل عمدا.
    أما إذا أوصى له قبل أن يضربه فأماته فإن الوصية تبطل سواء عرف القاتل ولم يغير الوصية أو لا على الراجح لأن في ذلك شبهة استعجال الوصية كالميراث.
    ويشترط في الصيغة أن تكون بما يدل على الوصية من لفظ صريح كأوصيت أو غير صريح ولكن يفهم منه الوصية بالقرينة كاعطوا كذا لفلان بعد موتي ومثل اللفظ والإشارة المفهمة ولو كان الموصي قادرا على النطق.
    أما القبول فهو شرط لنفيذ الوصية بعد الوصية بعد الموت ولا بد أن يكون القبول بعد الموت فإذا حصل القبول قبل الموت فإنه لا ينفذ.
    ويشترط لصحة القبول أن يكون حاصلا من الشخص الذي عينه الموصي إذا كان بالغا رشيدا فإن لم يكن كذلك فإن وليه يقوم مقامه في القبول عنه.
    فلو مات الموصى له قبل القبول فإن وارثه يقوم في القبول.
    فإذا لم يكن الموصى له معينا كأن أوصى للفقراء والمساكين فإن الوصية تصح بدون قبول هذه الحالة.
    وإذا مات الموصي وتأخر القبول زمنا ارتفعت فيه قيمة الموصى به فهل الزيادة تكون حقا للموصى له اختلف في ذلك على أقوال ثلاثة:
    أحدهما - أنها كلها للموصى له.
    ثانيها - أنهما كلها للموصي.
    ثالثها - أن للموصى له ثلثها فقط. والقول الثالث هو أعدل الأقوال وأشهرها.
    فإذا أوصى له ببستان يساوي ألف جنيه وكان ذلك يعادل ثلث ماله، ثم مات الموصي وتأخر قبول الموصى له حتى أثمر البستان فزاد ثمنه مائتي جنيه فأصبح يساوي ألفا ومائتي جنيه ثم قبله الموصى له بعد ذلك. فعلى القول الأول يكون له خمسة أسداس فقط وهو ألف لأن السدس الذي زاد فيه قبل قبوله وهو المائتين يكون حقا لورثة الموصي
    وعلى القول الثاني: يكون البستان الذي يساوي ألفا مع المائتين الزائدتين حقا للموصى له لأنه ثبت له ملك البستان بوفاة الموصي، فما يحدث فيه يكون حقا له.
    وعلى القول الثلث يكون للموصى له الأصل وهو يساوي الألف وثلث الثمرة لأنه وغن كانت ثبت له الملك بموت الموصي ولكن المعتبر في تنفيذ الوصية القبول فمتى لم يحصل القبول كانت الزيادة الحادثة تركة يستحق الموصى له ثلثها والثلثين للورثة وذلك أعدل الأقوال وأشهرها فهو يستحق ألفا وستة وستين وثلثا. فإذا أخذ الألف فقط نقص عما يستحقه من ثلث مال المتوفى كله لأن المائتين اعتبرت تركة للمتوفى إذا لم تحدث في ملك الورثة.
    الشافعية - قالوا: يشترط في الموصي أن بالغا عاقلا حرا مختارا فلا تصح وصية الصبي والمجنون والمعنى عليه.
    أما السكران المتعدي بسكره فهو كالمكلف تصح منه سائر العقود وكذا لا يصح وصية الرقيق مكاتبا كان أو غيره كما لا تصح وصية المكره.
    ولا يشترط الإسلام فتصح الوصية من الكافر سواء كان حربيا أو لا، وكذا تصح وصية المرتد بشرط أن يعود للإسلام.
    أما إذا مات مرتدا فإن وصيته ولا يشترط في الموصي أن يكون محجورا عليه فتصح وصية المحجور عليه لسفه أو فلس لأن صحيحة وهو في حاجة إلى الثواب.
    أما الموصى له فيشترط فيه شروط:
    أحدهما: أن يكون ممن يتأتى له الملك بنفسه إن كان مكلفا أو بوليه إن كان صبيا أو مجنونا ونحوهما فتصح للعاقل والكبير والصغير حتى الجنين في بطن أمه ولو قبل انفصاله على المعتمد. نعم يصح أن يقول:
    أوصيت بكذا لأولاد زيد الموجودين، لمن سيحدث له من الأولاد، فإن الوصية تصح للجميع على أن يكون المعدوم تابعا للأولاد الموجودين وهذا بخلاف الوقف كما سيأتي لأن الوقف يصح في ذلك نظرا لكون المقصود منه الدوام ولكن يقبل عمن ليس أهلا كالصغير والمجنون لوليه.
    الملك فإن الوصية له لا تصح كالميت فإنه يصح لفلان حال موته
    أما الوصية لميت نغسله وتكفينه وتجهيزه فهي جائزة لأنها في الحقيقة وصية لمن يلي أمر تجهيزه أو يقال لجهة بر لا لشخص الميت.
    ومن ذلك الوصية على الدابة لأنها أهل للملك إلا إذا كان الغرض صاحبها أو علفها فإن كان الوقف على علف الدابة كان وقفا على جهة بر إطعام الحيوان والرفق به من جهات البر فيشترط لصحة الوصية أن يقبلها مالك الدابة لأنه بالوصية في هذه الحالة ولكن لا يسلم علفها المالك بل يصرفه الوصي إن كان وصي فإن لم يكن يسلم للقاضي أو نائبه.
    ولا يصح الإنفاق على غير الجهة التي عينها الموصي وهو علف الدابة. فإذا باع الدابة لغيره فإن كان ذلك حال حياة الموصي كانت الوصية باقية للبائع.
    وإذا باعها بعد موته انتقلت للمشتري على المعتمد على أنه يلزم لصرف به على علف الدابة إذا قامت قرينه أن المقصود مالك الدابة فإنه يملك الموصى به أي حال.
    ومن ذلك ما إذا أوصى على من سيحدث لزيد من الأولاد فإنه لا يصح لأن الشرط أن يكون الموصصى له ممن يتأنى له الملك والمعدوم لا يتأنى له الملك.
    ثانيها: أن يكون الموصى له معينا إن كلن غير جهة كزيد فإذا أوصى بثلث ماله لزيد ولم يعينه في العقد فلا تصح الوصية له.
    أما إن كان الموصى له جهة بر فإنه لا يشترط تعيينها فإذا قال أوصيت بثلث مالي للفقراء والمساكين فإنه يصح ولا يلزم تعيين فقراء مخصوصين بل
    لو قال: أوصيت بكذا من مالي ولم يذكر الموصى له أصلا فإنه يصح لأن الموصى له يكون مذكورا ضمنا وهو جهة البر.
    ثالثها: أن يكون مياحا قابلا بالاختيار، فلا تصح الوصية بحد قذف على غير من هو عليه، فإذا قال القاضي مثلا أوصيت بتنفيذ حد قذف فلانة على زيد، وكان زيد غير قاذف فإن الوصية لا تصح لأن حد القذف لا يقبل النقل ممن وجب عليه إلى غيره أما إذا كان زيد هو القاذف فإن الوصية تصح ومثل ذلك بالشفعة لشخص لا يستحقها.
    وتصح الوصية بالحمل لأنه لا يقبل النقل من اختصاص شخص إلى آخر فإذا أوصى شخص لآخر بالحمل الذي في بطن بقرته فإن الوصية تصح، وإذا كان الحمل موجودا في بطن أمه يشترط أن يكون وجوده معروفا عند الوصية، وأن ينفصل حيا ويرجع في معرفة مدة حمله إلى أهل الخبرة، وكما تصح للحمل فإذا قال: أوصيت لولد فلان الذي في بطن أمه بكذا فإن الوصية تصح له بشرط أن يكون موجودا عند الوصية، وأن ينفصل حيا حياة مستقرة. ويعرف وجوده إذا ولدته في مدة تقل عن ستة
    أشهر من وقت الوصية إذا كانت المرأة فراشا ينسب الحمل إليه كأن تكون متزوجة. اما إذا لم تكن كذلك فإن لم يكن لها فراش أصلا فلا تصح الوصية أما إذا كان لها زوج ومات عنها أو طبقها فإن الوصية تكون له إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر إلى أقل من أربع سنين وهي أكثر مدة الحمل.
    أما إذا كان الحمل معدوما رأسا فإن الوصية تصح به وله لأنه لا يشترط أن يكون الموصى به موجودا فتصح الوصية بثمر البستان ويحمل الدابة في هذا العام على الأصح. وكذا لا يشترط في الموصى به أن يكون طاهرا فتصح الوصية بالكلب المباح نفعه وبالزيل الذي ينتفع به أما الذي لا ينتفع به فلا تصح به الوصية.
    وأما الصيغة فيشترط لها أن تكون بلفظ يدل على الوصية سواء كان صريحا أو كتابة فالصريح كقوله أوصيت له بكذا أو أعطوه له أو هو هبة بعد موتي.
    والكناية كقوله هواه من مالي بشرط النية في الكناية. أما القبول فهو أن يقول: قبلت وهل يشترط أن يكون لفظا فلا يكفي فيه الفعل؟ قولان والأوجه أنه لا بد من اللفظ ولا بد أن يكون القبول بعد الموت إذ لا تلزم الوصية إلا بعد الموت.
    الحنابلة - قالوا: أن يكون عاقلا فلا تصح من المجنون مطبقا.
    أما الذي يغمى عليه أو يختنق (يتشمج) أحيانا ثم يقيق وصيته حال إفاقته.
    أما ضعيف العقل ضعفا لا يمنع رشده فإن وصيته في ماله فله أن يوصي بعد موته بثلث ماله كما يصح له أن يقيم وصيا على أولاده من بعد
    لأن رشده لم يذهب فله أن يتصرف لنفسه ولأولاده.
    فإذا كان ضعيف العقل تمنع رشده ويوجب الحجر عليه فإنه يصح له أن يوصي بماله فقط ولا يصح أن يقيم وصيا على أبنائه لأنه إذا كان لا يحسن التصرف على نفسه فلا يملك اختيار من يتصرف على غيره.
    ويلحق بالمجنون السكران فإن وصيته لا تصح.
    ومنها: أن يكون مميزا فلا تصح من طفل فاقد التمييز أما البلوغ فليس بشرط قتصح من الصغير المميز. منها أن يكون قادرا على النطق فإن اعتقل لسانه فلا تصح إشارته ولو كانت مفهومة إلا إذا كان ميؤسا من برئه، فإن إشارته المفهومة تكفي كالأخرس فإن وصيته تصح بإشارته المفهومة فإن لم تفهم إشارته فلا تصح وصيته.
    ومنها: أن لا يكون محجورا عليه لسفه إذا أراد الإيصال على أولاده فإذا قال المحجور عليه لسفه أوصيت على أولادي فلانا من بعدي فإن وصيته تبطل لأنه لم يحسن التصرف على نفسه فلا يحسن اختيار من يوصيه على غيره.
    أما وصيته بمال فإنها تصح لأن فيها نفعا كالصلاة والصيام ونحوهما من العبادات، ومثله المحجور عليه لفلس فإن وصيته ولا يشترط في الموصي أن يكون مسلما فتصح من الكافر كما تصح من الفاسق.
    ويشترط في الموصى له أن لا يكون قاتلا للموصي سواء كان القتل عمدا أو خطأ فإذا أوصى شخص لآخر فقتله بطلت الوصية وإذا ضربه فجرحه ثم أوصى له ومات من الجرح بطلت الوصية أيضا.
    ولا يشترط في الموصى له أن يكون مسلما فتصح للكافر ولو مرتدا أو حربيا بدار الحرب ما لم يكن مقاتلا فإن كان فلا تصح الوصية على الصحيح.
    وأن يكون موجودا عند الوصية فتصح الوصية على الحمل بشرط أن يكون موجودا حال الوصية بأن تضعه لأقل من ستة أشهر من حين الوصية وبشرط أن تكون فراشا لزوج أو سيد أو بائنا فإن لم تكن فراشا أو كان زوجها في بلد بعيد أو محبوسا فإن الوصية إذا وضعته لأقل من أربع سنين، كما ذكر عند الشافعية.
    وتصح الوصية لفرسس زيد ودابته ولو لم يقبل زيد الموصى به ويصرف الموصى به في علفه فغن مات الفرس قبل الإنفاق عليه كان الباقي لورثة الموصى، ويتولى الإنفاق عليه الوصي أو القاضي لا صاحب الفرس.
    ويشترط في الموصى به أن يكون في اختصاص الموصى فلا تصح الوصية بملك الغير ولو ملكه بعد الوصية، فإذا قال: أوصيت بمال فلان ثم ملكه بطلت الوصية.
    ولا يشترط في الموصى به ان يكون موجودا فتصح الوصية بالمعدوم كثمر البستان مدة معينة أو دائما كما تصح الوصية مما تحمل دوابه وأغنامه وبعضهم يقول: لا تصح بمثل ذلك، ولا يشترط فيه أن يكون طاهرا فتصح الوصية بالزيت المتنجس الذي ينتفع به بشرط أن لا يستعمل في مسجد، كما تصح الوصية بكلب الصيد بشرط أن لا يكون أسود بهيما ونحو ذلك مما فيه نفخ مباح.
    وكذا لا يشترط فيه أن يكون مقدروا على تسليمه فتصح الوصية بالطير في الهواء والحيوان الشارد ونحو لك وعلى الموصى له أن يسعى في الحصول عليه.
    أما الصيغة فيها أن تدل على معنى الوصية سواء كان إيجابا أو قبولا.
    فأما الإيجاب فهو كقوله: وصيت لك بكذا أو أوصيت لزيد بكذا أو أعطوه من مالي بعد موتي كذا أو جعلته له بعد موتي أو هو بعد موتي ونحو ذلك مما يؤدي إلى مما يؤدي إلى معنى الوصية كملكته له بعد موتي.
    وأما القبول فيشترط فيه أن يكون بعد الموت ولا عبرة بقبوله أو رده قبل الموت ويحصل القبول باللفظ كقبلت وبالفعل كأخذ الموصى به ونحو ذلك مما يدل على الرضا كبيع الموصى به وهبته.
    أما الرد فيحصل بقوله: رددت الوصية أو لا أقبلها ونحو ذلك ويجوز التصرف في الموصى به بعد ثبوت الملك بالقبول ولو لم يقبض.
    لا يشترط القبول إذا كان الموصى له جماعة غير محصورين كالمساكين والعلماء ونحوهم) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #160
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,447

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوصية]
    صـــــ 288 الى صــــــــ
    295
    الحلقة (160)

    [مبحث حكم الوصية]
    -حكم الوصية بالنسبة للوصي يختلف الأحوال.فتارة تكون الوصية واجبة، وتارة تكون مندوبة، وتارة تكون محرمة وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
    [مبحث الوصية بالحج والقراءة ونحوهما وبما يعمل في المآتم وغير ذلك.]
    -الوصية بالحج والقرآة على القبور وغيرهما، والوصية بالبهاليل (العتاقة) ونحوها، والوصية بما اعتاد الناس عمله في المآتم من أكل وشرب وغيرهما، والوصية بالدفن في مكان خاص وبناء القبر ذلك اختلاف المذاهب (2) .



    (1) (الحنفية - قالوا: ينقسم حكم الوصية بالنسبة للموصي إلى أربعة أقسام: الوجوب، الندب، الإباحة، الكراهة.
    فأما الوصية الواجبة فهي ما يترتب عليها إيصال الحقوق لأربابها كالوصية برد الودائع والديون المجهولة التي لا مستند لها فإنه بفترض عليه أن يوصصي بردها إلى أربابها لأنه إن لم يوص ببها ومات تضيع على أربابها فيأثم بذلك.
    وأما الوصية المستحبة فعي ما كانت بحقوق الله تعالى كالوصية بالكفارات والزكاة وفدية الصيام والصلاة والوصية بحجة الإسلام وغير ذلك من القرب.

    وبعضهم يقول: عن الوصية بحقوق الله المفروضة واجبة عليه أن يوصي بالزكاة والكفارات الواجبة ونحو ذلك، والظاهر الأول.
    وأما الوصية المكروهة فهي ماكانت لأهل الفسوق والمعاصي كالوصية لإخوان السوء والضلال.
    وأما الوصية المباحة فهي ماكانت للأغنياء من اهله وأقاربه أو من غيرهم فليست الوصية للأهل والأقربين مفروضة.
    وأما قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك الوصية للوالدين} الآية فهو حكم مؤقت للوالدين بإعطائهم جزءا من المال قبل نزول آيات المواريث، وتنظيم حقوق الوراثة، وقد انتهى بزول المواريث.
    وإذا أوصى بفرض كإخراج الزكاة، وكفارة القتل واليمين، وإخراج فدية الصيام والصلاة فإن كان الثلث يكفي لها جميعها فالأمر ظاهر. وإلا فيقدم حق العبد على حق الله تعالى، فتقدم الزكاة وكفارة القتل ونحوهما على فدية الصيام. ويقدم من حقوق من حقوق الله الفرض على الواجب، والواجب على المستحب.
    فإذا اجتمعت فرائض كالحج والزكاة قدم الحج وهما يقدمان على الكفارات، والكفارات تقدم على صدقة الفطر لأنها واجبة لا فرض.
    وصدقة الفطر على الأضحية للخلاف في وجوبها، والأضحية مقدمة على النوافل.
    وأما حكمها بالنسبة للموصى به فهو كون الموصى به ملكا جديدا للموصى له.
    والمراد بالحكم هنا الأثر المترتب على الشيء. فالأثر المترتب على الوصية كون الموصى به ملكا جديدا له.
    هذا والأفضل لمن له مال قليل أن لا يوصي إذا كانت لهع ورثة.
    والأفضل لمن له مال كثير أن لا يوصي بأكثر من الثلث.

    الشافعية - قالوا: الوصية باعتبار الأحكام الشرعية إلى خمسة أقسام:

    القسم الأول: الوصية الواجبة وهي الوصية بما عنده من ودائع وديون معلومة فيجب عليه أن يوصي بها ولو لم يكن مريضا حتى لا تضيع حقوق الناس بموته فجأة.
    القسم الثاني: الوصية المحرمة كما إذا أوصى مشاغب بحيث إذا جعل له حق في التركة أفسدها.
    القسم الثالث: الوصية المكروهة وهي ماكانت بأكثر من ثلث المال أو كانت لوارث.
    القسم الرابع: الوصية المستحبة استحبابا مؤكدا وهي ما استوفت الشرائط ولم تكن واجبة أو محرمة أو مكروهة كالوصية لغير الوارث المستقيم العقل والوصية للفقراء والمساكين ونحو ذلك.
    القسم الخامس: الوصية المباحة كالوصية للأغنياء.
    الحنابلة - قالوا: تنقسم الوصية إلى أقسام:

    القسم الأول: الواجبة وهي ما يترتب على عدمها ضياع حق الله أو العباد فتفترض الوصية على من كانت عنده ودائع أو عليه دين بدون بينة، كما تفترض على من عليه واجب من زكاة أو حج أو كفارة أو نذر.
    القسم الثاني: المستحبة وهي الوصية للقريب الفقير الذي لا يرث بشرط أن يكون الموصى ترك مالا كثيرا عرفا. وأن لا تزيد عن خمس المال كي لا يؤذي الورثة.
    فالوصية المستحبة هي ما اجتمعت فيها هذه الشروط فإن لم يكن له قريب ففقير فتسحب الوصية للفقراء والمساكين والعلماء ونحوهم.
    القسم الثالث: الوصية المكروهة وهي الصادرة لمن لم يترك مالا كثيرا إذا كان له وارث محتاج والاحتياج يختلف باختلاف باختلاف الناس.
    القسم الرابع: الوصية المحرمة وهي ماكانت بأكثر من الثلث فيحرم على من كان له وارث غير أحد الزوجين أن يوصي بأكثر من الثلث. ولكن التحقيق أن هذا مكروه فقط وعلى هذا يدخل في قسم المكروه.
    القسم الخامس: الوصية المباحة وهي فيما عدا ذلك.
    المالكية - قالوا: تنقسم الوصية إلى خمسة أقسام:
    الأول: الواجبة فتجب على من كان عليه دين أو عنده وديعة كي لا تضيع حقوق الناس أو كانت بقربة واجبة.
    الثاني: الوصية المندوبة وهي ماكانت بمحرم وواجبة.
    الرابع: الوصية المكروهة وهي ما كانت صادرة من شخص له مال قليل وله وارث.
    الخامس: الوصية المباحة وهي ما كانت بمباح.
    وبعض المالكية يقسمها إلى قسمين: واجبة وهي فيما إذا كان له أو عليه حق، ومستحقة وهي فيما عدا ذلك.
    هذه تفاصيل المذاهب في حكم الوصية وذكرناها كما هي ولا يخفى أن بعضها وإن لم يكن مذكورا في بعض المذاهب ولكن قواعدهم لا تأباه) .

    (2) (الحنفية - قالوا: الوصية بقراءة القرآن على القبور أو المنازل باطلة فإذا أوصى بجزء من ماله للقراءة على قبره لا تنفذ وصيته، وإذا عين بوصيته شخصا مخصوصا كأن قال: أوصيت لمحمد بكذا من مالي ليقرأ به القرآن على قبري: إن الوصية تصح على أن يأخذ مال الموصى به بطريق البر والصلة لا بطريق الأجرة على القراءة، وقيل: تبطل على أي حال وهذا مبني على كراهة أخذ الأجرة على الطاعات، وبعضهم يجيزها فيجيز الوصية بها.
    ومثل ذلك الوصية بالبهاليل (للعتاقة) ونحوها مما اعتاده كثير من الناس فإن الوصية به باطلة فإذا عين شخصا مخصوصا جرى فيها الخلاف المتقدم.
    أما الوصية بالعبادات فإنها مستحبة كما عرفت فيستحب لمن عليه حج أن يوصي به وبعضهم يرى وجوب ذلك فإذا أوصى بأن عنه حجة الفريضة فإذا كانت يكفي للإنفاق على رجل يسافر من بلده راكبا وجب عنه من بلده يبدأ السفر منها.
    أما إذا كان المال لا يكفي فينفق على من يحج عنه من الجهة التي يكفي منها المال، مثلا أوصى رجل من أسوان أن يحج عنه فإن كان المبلغ الذي أوصى به يكفي للسفر من أسوان وجب أن يكون الحج مبدئا منها، فإن كان المبلغ يكفي لأن يحج عنه من السويس وعلى هذا القياس، ولا يصح أن يحج عنه ماشيا ولو كان المبلغ للحج عنه ماشيا لأن الحج لا يجب إلا على من له قدرة على الركوب فيثبت في حق الغائب على هذا الوجه.
    وإذا مات حاج في طريقه وأوصى بأن يحج عنه فهل يبدأ عنه من المكان الذي مات فيه أو من بلده؟ خلاف فقيل عنه من بلده شخص راكيا لاماشيا وهو المعتمد. وقيل يحج من المكان الذي فيه، فإن لم يكف المبلغ من بلده يحج عنه من المكان الذي يكفي فيه المبلغ.
    وإذا أوصى بأن يحمل من الموضع الذي مات به إلى موضع آخر ليدفن فيه كأن أوصى بأن ينقل من جهة كذا إلى جهة كذا فإن الوصية تكون باطلة. وإذا نقله الوصي وأنفق عليه ملزما بما أنفقه من ماله لا من التركة إلا إذا أجازه الورثة.
    وإذا أوصى بأن يفرش تحته في قبرره مرتبة ونحوها فقيل: تصح لأن ذلك يشبه الزيادة في الكفن فلا بأس به، وقيل لأنه ضياع مال من غير جدوى.
    وإذا اوصى بعمارة قبره على وجه الزخرف والزينة والبناء المعروف في زماننا فالوصية به باطلة، أما إذا كان متهدما محتاجا للعمارة فالوصية به صحيحة.
    وإذا أوصى بأن تبنى على قبره قبة ونحوها كانت الوصية باطلة لأن هذا ممنوع باتفاق.
    أما إذا أوصى بأن يطلى قبره بالين (والجس) ونحوهما ففيه خلاف. فبعضهم يقول: إن كان لحاجة كتقوية بناء القبر كي لا تسطو عليه الوحوش أو الإخفاء الرائحة أو نحو ذلك فإنه يجوز بلا خلاف، وإذا فلا.
    وإذا أوصى بأن يدفن في داره فالوصية باطلة إلا أن يجعل داره مقبرة للمسلمين فتصح الوصية.
    وإذا أوصى بمبلغ كبير يشترى كفنه فإنه لا يعمل به ويكفل بطفن المثل بأن ينظر إلى ثيابه حال حياته لخرروج الجمعة أو العيدين أو الوليمة ويشترى له كفن من نوعها.
    وإذا اوصى بثلث ماله في اتخاذ مقابر لفقراء المسلمين أو في أكفانهم فإنها تصح بخلاف ما إذا لم يذكر الفقراء بل قال: في مقابر المسلمين فإن الوصية لا تصح.
    وإذا أوصى باتخاذ طعام في المآنم فإنه يصح بشرط أن يأكل منه المسافرون والبعيدون عن جهة المتوفى. أما الذي مسافته قريبة ومدة
    إقامته فإنه لا يجوز له الأكل منه ولا بأس بحمل الطعام إلى أهل الميت في أول يوم لاشتغالهم بالمصيبة أما اليوم الثالث فإنه يكوه لأن أهل الميت لا يشغلون بعد ذلك إلا بالنياحة بحمل الطعام إعانة على المعصية.
    وإذا اوصى بمصاحف توقف في المسجد يقرأ فإن الوصية باطلة عند الإمام وصحيحة عند محمد. وكذا إذا أوصى بان يجعل أرضه هذه مقبرة للمسلمين فإن الوصية تكون باطلة عند أبي حنفية أما إذا اوصى بان يجعل أرضه هذه مسجدا فالوصية صحيحة باتفاق.
    وإذا أوصى بأن ينفق ثلث ماله على المسجد فإنه يجوز ويصرف على عمارته والأدوات الازمة له وإنارته ونحو ذلك. وإذا أوصى بثلث ماله لبيت المقدس جاز وتنفق على عمارته وما يلزم لإقامة شعائره.
    المالكية - قالوا: الوصية لمن يقرأ على قبره تنفذ كالوصية بالحج عنه سواء عين الشخص الموصى له أو لم يعين. أما الوصية لمن يصلي عنه أو يصرم عنه فإنها باطلة، ومثل ذلك ما إذا أوصى بما فيه ضياع للأموال بدون جدوى كالوصية بقنديل من فضة يعلقه على قبر ولي نبي أو بمقصورة أو ثوب يوضع على المقصورة أو نحو ذلك مما لم بأمر الشارع به وللورثة أن يفعلوا به ما شاؤوا.
    ومثل ذلك الوصية بالنياحة عليه أو ضرب قبة على قبره مباهاة فكل ذلك تبطل الوصية به ولا تنفذ.
    ومن ذلك أيضا الوصية بالمال الذي بنفق في الموالد تقام عبى الوجه الذي يقع في هذه الأزمنة من اختلاط النساء بالرجال وسريان الفساد والعمل بما لم يأمر به الششرع ونحو ذلك من المنكرات فإن الوصية بكل هذا باطلة ولا تنفذ. وتصح الوصية بالكفن والحمل والدفن والغسل ونحو ذلك مما تصح الأجرة عليه. أما الأشياء المتمضحة للعباد كالصلاة عليه فإن الوصية بها لا تجوز. وتجوز الوصية لأي مسجد من المساجد وإن كان المسجد لا يتصور تملكه لأن الغرض بالوصية له الوصية بالإنفاق على مصالحه كوقوده وعمارته وذلك معروف للناس فلا يقصدون من الوصية للمسجد إلا هذا فإذا كان الغرض معنى آخر حملت الوصية عليه للجامع الأزهري فإن الغرض المعروف للناس من الوصية عليه الإنفاق على طلبته. وبالجملة فإن النظر في مثل للعرف فيعمل بما هو متعارف.
    ولا تصح الوصية ببناء مسجد أو مدرسة على أرض موقوفة على دفن الأموات كقرانة مصر فإنها لخصوص الدفن فلا يصح عمله شيء آخر عليها. ولا تصح الوصية بما لا يصح عمله في المآتم كالنياحة وإقامة السرادق في الطرق ونحو ذلك من المعاصي التي عنها الشرع لأن الوصية يالمعاصي باطلة. اما الأشياءء التي تجوز على الوجه المتقدم في ملاحث الجنائز فغن الوصية جائزة. وتستحب الوصية بالطاعات كما تقدم فإذا أوصى بأشياء متععدة من الطاعات من الطاعات كالزكاة وفدية الصيام وفك الأسير المسلم ونحو ذلك فإن كان الثلث يكفي لنفيذها ولم تجزها الورثة فإن بعضها يقدم على بعض بترتيب خاص على الوجه الآتي:
    أولا: تقدم الوصية بصداق امرأة تزوجها ودخل عليها وهو مريض مرضا مخوفا ومات بهذا المرض وفي هذه الحالة يلزمه إما صداق مثلها إن كان أقل من الصداق الذي سماه لها أو الصداق المسمى غن كان من صداق المثل فالذي تستحقه في هذه الحالة هو الأقل من الصداق المسمى أو صداق المثل.
    ثانيا: فك الأسير المسلم وقيل يقدم فك الأسير على الجميع ثم المدبر ثم صداق المريض ثم الزكاة التي فرط فيها في حال صحته وأصبحت دينا عليه فتخرج من الثلث إذا اوصى بها من غير أن يعترف بحلولها في ذمته.
    أما إذا اعترف بحلولها فإنها تصبح دينا يجب إخراجها من رأس المال سواء أوصى أو لم يوص.
    ومثل ذلك زكاة الماشية إذا حل الماشية إذا حل موعد إخراج زكاتها ومات عند ذلك فإن زكاتها من رأس المال سواء أوصى بإخراجها أو لم يوص.
    ومثل ذلك زكاة الماشية إذا حل موعد إخراج زكاتها ومات عند ذلك فإن ذلك فإن زكاتها تجب من رأس المال سواء أوصى بإخراجها أو لم يوص.
    ومثلها زكاة الزرع إذا أفرك حبه (صار فريكا) والبستان إذا تلون ثمره فإذا وقع ذلك عند موته فإن زكاته تجب زن رأس المال سواء أوصى بها أو لم يوص.
    ثالثا: زكاة الفطر إن كانت عليه زكاة فائتة، أما زكاة فطر رمضان الذي مات بعد وجوبها عليه مباشرة ولم يخرجها فإن إخراجها يجب من رأس المال إذا اوصى بها فإن لم يوص بها فإن الورثة يؤمرون بإخراجها (فإن امتنعوا) فلا يجبرون.
    رابعا: عتق كفارة ظهار وعتق كفارة قتل ورتبتهما واحدة.
    خامسا: كفارة يمين باسم الله تعالى أو بصفته من صفاته.
    سادسا: كفارة فطر رمضان متعمدا ثم كفارة التفريط في كفارة رمضان حتى دخل رمضان الثاني.
    سابعا: وفاء النذر سواء كان في صحة أو مرض وساء كان معلوما عند الناس من جهة الوصي فقط.
    ثامنا: المنجز عتقه في المرض.
    تاسعا: الرقيق الموصى بعتقه إذا كان معينا عند الموصي كعبدي فلان أو معينا عند غيره كسعيد عند زيد أو غير ذلك.
    عاشرا: المكاتب.
    حادي عشر: المعتق لسنة ويقدم المعتق لأكثر منها.
    ثاني عشر: عتق غير معين كأن قال: اعتقوا رقبة.
    ثالث عشر: حج عن الموصي بأجرة إلا إذا كانت حجة الفرض إلا إذا كانت حجة الفرض فإنها تكون في مرتبة العتق الغير المعين.
    ومثلهما الوصية بجزء من مال فإنها في مرتبة العتق المطلق وحج الفريضة فيأخذ كل واحد منها حصة حال اجتماعهما.
    الشافعية - قالوا: تصح الوصية بقراءة القرآن لأن ثواب القراءة يصل إلى الميت إذا وجد واحد من ثلاثة أمور: ان يقرأ قبره فإن لم يكن فليدع له عقب القراءة. فإذا لم يفعل فلينو حصول الثواب له فإذا وجد واحد من هذه الأمور فإن الثواب يصل إلى الميت.
    وبعضهم يقول: لا بد من الجمع بين الدعاء والنية.
    وإذا أسقط أجر القارئ دنيوية فإن أجر الميت لا يسقط كما تقدم في الإجارة وقيل: لا يصل ثواب القرآن إلى الميت وهو ضعيف.
    وتصح الوصية بالحج سواء كان فرضا أو نفلا وينفق من يحج ميقاته بالإحرام سواء قيد بذلك بأن قال: يحج عن محل ميقاتي أو أطلق يحمل على المعهود شرعا والنعهود شرعا هو أن يبدأ الحج من محل الميقات.
    أما إذا قيد بمكان أبعد من محل الميقات فيعمل ببما قيد به. ومحل ذلك ما إذا كان ثلث المال يسع الحج من الأمكنة المذكورة فإن لم يكف فإنه يحج عنه عن محل الميقات إذا أمكن فإن لم يمكن فيحج عنه من فوق الميقات ولو من مكة ولا تبطل الوصية. وإذا لم يكف الثلث لشيءء من ذلك فإنه يكمل من رأس المال. بمعنى أن يشترك الحج وغيره من الموصى لهم في الثل فإذا ضاق الثلث عنهما كمل رأس المال ولهم في بيان ذلك طريق خاص. وهو أنه إذا فرض وأوصى زيد بمائة جنيه من ماله لعمرو وأوصى بأن يحج عنه حجة الفريضة وكانت قيمة نفقاتها مائة جنيه وكانت التركة كلها ثلاثمائة جنيه والورثة لم يجيزوا الوصية إلا من الثلث وهو المائة وهي لاتكفي للوصيتبن كما هو ظاهر فيكمل للحج من رأس المال ولا يمكن معرفة الجزء الذي يكمل به إلا بعد معرفة ثلث الباقي بعد التكملة.
    ومعرفة ثلث الباقي تتوقف على معرفة الجزء الذي به التكملة فتتوقف معرفة كل منهما على الآخر. وهذا يسمى دورا. وكيفية حل هذا الدور أن يقرض الجزء الذي به التكملة شيئا مجهولا بأن يقال: التركة ثلاثمائة جنيه إلا شيئا ويقسم الباقي أثلاثا شيء ويقسم الثلث بين عمرو الموصى له وبين الحج فيخص كل واحد خمسين جنيها إلا سدس الشيء ثم يضاف الشيء الذي اقتطعناه من المبلغ إلى نصيب الحج خمسين جنيها وهمسة أسداس لأن المفروض أنه اختص بخمسين إلا سدسا ضم إليها واحد كامل أعني ستة أسداس فصار نصيبه خمسين وخمسة أسداس. وتكون المسألة من ستة على طريق حساب الفرائض قيضرب الخمسسون فيكون المجموع 300 تقسم على خمسة أسداس فيكون الخارج 60 وذلك هو الشيءء المجهول الذي أخذ من أصل التركة ليكمل به الحج فإذا طرح 60 من أصل التركة 300 كان الباقي 240 ثلثه 80 يقسم بين زيد وبين الحج فيخص زيدا 40 والحج 40 فإذا ضم إليها الستون وجد المائة المطلوبة للحج.
    هذا في الحج المفروض، أما إذا أوصى بالنقل ولم يكن الثلث للحج من الميقات فقيل: تبطل الوصية به وقيل لا تبطل.
    وتصح الوصية بعمارة المسجد ومصالحه بشرط أن يقبل الناظر فإذا قال الموصي: أرت أن يكون الموصى به ملكا للمسجد فإنه يصح بشؤط أن يقول أوصيت بهذا للمسجد أما إذا قال: هذا على المسجد فإنه يكون وقفا عليه.
    هذا وما عدا ذلك من الأمور المذكورة فإن ما جاز عمله بدون حرمة أو كراهة تجوز الوصية به وإلا فلا.
    الحنابلة - قالوا: تصح الوصية بكتابة العلم والقرآن قربة نافعة وتصح الوصية للمسجد على أن تصرف في مصالحه.
    وإذا أوصى بالحج عنه فإن لم يعين المبلغ الذي يحج به دفع إلى من يحج عنه قدر نفقة المثل فقط فإن ضاع المال في الطريق لا يضمنه الحاج وكذا إذا مرض أو منع من الحج. أما إذا توهم المرض أو خاف منه فإن عليه ما أنفقه أما إذا عين المبلغ كأن قال: حجوا عني بألف فعلى الوارث أن يصرف المبلغ من الثل إن كان الثلث يسعه ولكن ينفقه على قد ما ينفق على الحج فيحج به مرة بعد أخرى وهكذا. ويصح ان يبدأ بالحج عنه من الميقات أما ما قطع قبل الميقات من المسافة فليس من الحج وإذا عين الموصي من يحج لزمه تنفيذه للوارث فلا يصح أن يحج عنه وكذا إذا أطلق ولم يعين أحدا فإذا قال: يحج عني الوارث فإنه يصح.
    والوصية بالصدقة أفضل من وصبة بحج التطوع ولا تصح الوصية بما نهى عنه مما يعمل على القبور من بناء غير مأذون فيه وهوما زاد على شير محل القبر وغير ذلك مما تقدم النهي عنه في الجنائز) .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •