تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 15 الأولىالأولى 1234567891011121314 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 100 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب الحظر والاباحة]
    صـــــ 3 الى صــــــــ
    16
    الحلقة (81)

    [الجزء الثاني]
    [مقدمة الكتاب [الجزء الثاني]ـ]
    بسم الله الرحمن الرحيمأحمد الله تعالى حمداً كثيراً، وأصلي وأسلم على نبيه محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين."وبعد": فإنني لما وفقني الله لصوغ الجزء الأول من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة "قسم العبادات" بالعبارة التي ظهر بها، رأيت من الجمهور إقبالاً عليه لسهولة وقوفهم على ما يريدونه من أحكام الفقه في مذاهبهم، وجمعه كثيراً من تلك الأحكام المبعثرة التي يستنفذ الوقوف عليها مجهود أهل العلم الأخصائيين، فضلاً عن غيرهم من عامة المسلمين، فبعثني ذلك الإقبال إلى التفكير في تأليف سائر أبواب الفقه الإسلامي على المذاهب الأربعة "قسم المعاملات، وقسم الأحوال الشخصية". وصوغه بمثل هذه العبارات أو أوضح منها، كي ينشط الناس إلى معرفة أحكام دينهم في المعاملات والأحوال الشخصية، ويعملوا بها إذا عرفوا أحكام دينهم الحنيف في بيعهم وشرائهم، وأقضيتهم، وأنكحتهم، وما يتعلق بذلك، واستبيان لهم سماحة الإسلام مع دقته في التشريع، وإحاطته بكل صغير وكبير مما يجري في المعاملات بين جميع طوائف البشر مما يتضاءل بإزائه تشريع المشرعين، وتقنين المقننين، من غربيين وشرقيين، فرنسيين ورومانيين، دعتهم عظمته، وحملتهم دقته وسماحته إلي الأخذ به، والتعويل عليه، فيعيشوا عيشة راضية مرضية، إذ ترتفع من بينهم أسباب الشقاق المفضية إلى ضياعالأموال والأنفس، وتوفر عليهم ما ينفقونه من الأموال في المواضع التي نهاهم الله عن الإنفاق فيها،
    كالإنفاق في الخصومات الباطلة وما إليها قال تعالى:
    {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} الآية.ذلك بعض ما ينتجه العلم بأحكام الدين والعمل بها في دار الدنيا، أما في الآخرة فان الله قد وعد العامل بدينه نعيماً خالداً وملكاً مقيماً، على أنني رأيت في أول الأمر أن ذلك العمل خطير بالنسبة لرجل ضعيف مثلي، قد تطغي عليه مظاهر الحياة وتفتنه شواغلها، ولكن ثقتي بالله الذي هداني إلى إتمام العمل في الجزء الأول وأعانني عليه، جعلني أقدم على تنفيذ ما فكرت فيه لا أهاب صعوبة ولا أخشى مللاً، لأنني لا أريد غير مرضاة ربي الذي بيده ملكوت كل شيء واليه يرجع كل شيء، ولا أبتغي إلا أن أكون مقبولاً لديه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ومن استعان بربه وحده فإن الله كفيل بمعونته. وهونعم المولى ونعم النصير، فهووحده المسؤول أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يقيني شر الافتنان بمظاهر الحياة الدنيا، وأن يحفظني من شر السعي وراء المغانم الدنيوية بوسائل الآخرة، وأن ينفع به المسلمين كما نفع بالجزء الأول منه.هذا،
    وقد قسمت ما بقي من الأحكام إلى ثلاثة أجزاء منها:
    جزآن في المعاملات، وجزء في الأحوال الشخصية والفرائض، وستظهر كلها في زمن قريب إن شاء الله. وهذا هو الجزء الثاني نموذجاً للجزء الثالث والرابع في ترتيبه وعباراته، فإن كنت قد هديت إلى ما أردت، فإنني أكرر الثناء على ربي الذي هداني، وان كانت الأخرى فإنني إنسان ضعيف قد فعلت ما أقدرني عليه العليم القدير."وبعد": فقد كنت عزمت على أن أذكر حكمة التشريع بإزاء أحكامهم، كما أذكر أدلة الأئمة، ولكني أعرضت عن ذلك لأنني رأيت في مناقشة الأدلة دقة لا تتناسب مع ما أردته من تسهيل للعبارات، ورأيت في ذكر حكم التشريع تطويلاً قد يعوق عن الحصول على الأحكام فوضعت حكمة التشريع في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.
    أما الأدلة: فلقد أفردها كثير من علماء المسلمين بالذكر وكتبوا فيها أسفاراً مطولة، ولكن مما لاشك فيه أن الحاجة ماسة إلى وضع كتاب فيها يبين فيه اختلاف وجهة نظر كل واحد منهم بعبارة سهلة، وترتيب يقرب إدراك معانيها، فلهذا قد عزمت على وضع كتاب في ذلك مستعيناً بالله وحده، وبذلك تتم الفائدة من جميع جهاتها، ويعلم الناس أن أئمة المسلمين قد فهموا الشريعة الإسلامية السمحة حق الفهم، ويدرك الباحثون في التشريع أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بما فيه مصلحة الناس جميعاً، وأنها لم تترك صغيرة ولا كبيرة من دقائق التشريع وعجائب الأحكام إلا وقد أشارت إليه، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، فهي خالدة قائمة مدى الدهور والأزمان، لأنها من لدن حكيم عليم.
    [كتاب الحظر والإباحة]
    [مبحث ما يمنع أكله وما يباح أو ما يحل، وما لا يحل]
    يحرم (1) من الطير أكل كل ذي مخلب "ظفر" يصطاد به، كالصقر والباز والشاهين والنسر والعقاب ونحوها، بخلاف ماله ظفر لا يصطاد به كالحمام فإنه حلال.ويحرم (2) أكل كل ذي ناب من سباع البهائم، يسطوبه على غيره، كالأسد والنمر والذئب والدب والفيل والقرد والفهد والنمس "ويسمى ابن آوى" والهرة أهلية كانت أو وحشية فخرج ما له ناب لا يسطوعلى غيره) .ومن الطير (3) . المحرم الهدهد والخطاف "طائر أسود معروف" والصرد بفتح الراء "طائر عظيم الرأس يصطاد الطيور، ولا يأكل إلا اللحم" والبوم والخفاش "الوطواط" والرخم والعقعق (4) . "وهو غراب فيه بياض وسواد تتشاءم العرب منه" والأبقع "وهوغراب فيه سواد وبياض ولا يأكل إلا الجيف" أما غراب الزرع فحلال "وهوأسود له منقار أحمر ورجلاه أحمران" ويحرم أيضاً الغداف "وهوغراب كبير وافي الجناحين" ويسمى غراب القيظ، بالقاف، لأنه يجيء في زمن الحر.
    ويحرم من البهائم أكل الحمر (5) الأهلية بخلاف حمر الوحش فإنها حلال، وكذا يحرم أكل البغل الذي أمه بقرة أو أبوه حمار وحشي وأمه فرس فأكله حلال، لتولده من مأكولين. وكذلك يحرم (6) . أكل ابن عرس "العرسة"، ويحل منها أكل الخيل (7) . والزرافة (8) ، والظبي، وبقر الوحش بأنواعه، والقنفذ (9) صغيره وكبيره، والأرنب واليربوع (10) وتسمية العامة الجربوع، "وهوحيوان صغير مثل الفأر" إلا أن ذنبه وأذنيه أطول ورجلاه أطول من يده عكس الزرافة والضب (11) والضبع (12) والثعلب (13) والسمور والسنجاب (14) وهما نوعان من ثعالب الترك، والفنك "وهوحيوان يؤخذ من جلده الفرو لنعومته" ويحل من الطير أكل العصافير بأنواعها والسمان والقنبر والزرزور والقطا والقطا والكروان والبلبل والببغاء (15) والنعامة والطاووس (16) والكركي والبط والأوز وغير ذلك من الطيور المعروفة، والجراد (17) حلال أكله، وأكل الفاكهة بدودها والجبن بدونه ومثله المش، ونحو ذلك. وكذا يحل أكل الفول والبر الذي به سوس بدون أن يخرج منه السوس، وفي ذلك تفصيل في المذاهب(18)
    ويحرم (19) أكل حشرات الأرض "صغار دوابها" كعقرب وثعبان وفأرة وضفدع ونمل، ونحو ذلك.ويحرم (20) أكل السلحفاة برية كانت أو بحرية وهي المعروفة بالترسة لأنها تعيش في البر والبحر.ويحرم أكل الخنزير والكلب (21) والميتة وهي التي زالت حياتها بغير ذبح شرعي، والدم
    ما
    عدا الكبد والطحال: والمنخنقة وهي التي ماتت بالخنق: والموقوذة وهي المضروبة بآلة أماتتها والمتردية وهي الواقعة من علوفتموت. والنطيحة وهي التي نطحها حيوان آخر فماتت الا اذا ذبحت هذه الأشياء كلها وفيها حياة، وفي بيانها تفصيل في المذاهب (22) .
    ويحرم تعاطي كل ما يضر بالبدن والعقل حرمة شديدة كالأفيون والحشيش والكوكايين وجميع أنواع المخدرات الضارة والسموم.ويحل (23) أكل حيوان البحر الذي يعيش فيه ولولم يكن على صورة السمك كأن كان على صورة خنزير أوآدمي كما يحل أكل الجريث "وهو السمك الذي على صورة (24) الثعبان" وسائر أنواع السمك ما عدا التمساح فإنه حرام.ويحل (25) أكل الحيوان الذي يتغذى بالنجاسة "ويسمى الجلالة" ولكن يكره أكله إذا أنتنت رائحته بالنجاسة تغذى بها أو تغير طعم لحمه بها، ومثل اللحم اللبن والبيض ويسن أن تحبس حتى تزول رائحة نتنها قبل ذبحها. وتزول الكراهة بحبسها وعلفها أربعين يوماً في الإبل، وثلاثين في البقر، وسبعة في الشياه، وثلاثة في الدجاج لحديث ابن عمر في الإبل، وغيره في غير الإبل.
    [مبحث ما يحرم شربه وما يحل]
    يحرم شرب الخمر حرمة مغلظة فهومن أخبث الكبائر وأشد الجرائم في نظر الشريعة الإسلامية لما فيه من المضار الخلقية والبدنية والاجتماعية، وقد ثبت تحريمه بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
    وإجماع المسلمين: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟} وفي هذه الآية الكريمة عشر دلائل على حرمة الخمر، فهي من أبلغ الزواجر وأشدها وإليك بيانها،
    أولاً:
    قد نظمت في سلك الميسر والأنصاب والأزلام فتكون مثلها في الحرمة.
    ثانياً:
    سميت رجساً والرجس معناه المحرم.
    ثالثاً:
    عدها من عمل الشيطان.
    رابعاً:
    أمر باجتنابها.
    خامساً:
    علق الفلاح باجتنابها.
    سادساً:
    إرادة الشيطان إيقاع العداوة بها.
    سابعاً:
    إرادته إيقاع البغضاء.
    ثامناً:
    إرادته إيقاع الصد عن ذكر الله.
    تاسعاً: إرادته إيقاع الصد عن الصلاة.
    عاشراً:
    النهي البليغ بصورة الاستفهام في قوله: {فهل أنتم منتهون} وهومؤذن بالتهديد.
    أما السنة فهي مملوءة بالأحاديث الدالة على تحريم شرب الخمر والتنفير من القرب منه وكفى فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزنى الزاني حين يزني وهومؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهومؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهومؤمن" وقد أجمع المسلمون وائمتهم على تحريم الخمر وأنها من أرذل الكبائر وأشد الجرائم.
    والخمر: ما خامر العقل أي خالطه فأكشره وغيبه فكل ما غيب العقل فهوخمر، سواء كان مأخوذاً من العنب المغلي على النار، أو من التمر، أو من العسل أو الحنطة أو الشعير، حتى ولو كان مأخوذاً من اللبن أو الطعام أو أي شيء وصل إلى حد الإسكار. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن كل ما أسكر كثيره فقليله حرام ولولم يسكر، ولفظ الحديث "ما أسكر كثيره فقليله حرام" رواه أبوداود والترمذي وابن ماجة والبيهقي.
    والمسكر المأخوذ من العنب يطلق على أنواع،
    النوع الأول:
    الخمر وهو المأخوذ من عصير العنب إذا إلا واشتد وصار مسكراً.
    النوع الثاني: الباذق، وهوأن يطبخ العنب حتى يذهب أقل من ثلثيه ويصير مسكراً.
    الثالث: المنصف، وهوأن يطبخ العنب حتى يذهب نصفه ويشتد ويصير مسكراً.
    الرابع: المثلث، وهوأن يطبخ العنب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ويشتد ويسكر كثيره لا قليله.
    وكذلك المأخوذ من التمر فإنه على أنواع:

    الأول:
    السكر - بفتحتين - وهوأن يوضع التمر الرطب في الماء حتى تذهب حلاوته ويشتد ويسكر بدون غلي على النار.
    الثاني: الفضيخ - بالضاد والخاء المعجمتين بينهما ياء ساكنة - وهوأن يوضع التمر اليابس في الماء حتى تذهب حلاوته ويشتد ويسكر،
    والفضخ: الكسر، لأنهم كانوا يكسرون التمر ويضعونه في الماء.
    الثالث: نبيذ التمر، وهوما يطبخ يسيراً ويشتد ويسكر كثيره لا قليله.وجميع هذه الأنواع محرمة كثيرها وقليلها، ولوقطرة واحدة منها. وكذلك نقيع الزبيب إذا غلا واشتد وصار مسكراً، وكذلك الخليطان من الزبيب والتمر "الخشاف" إذا اشتد وصار مسكراً، ونبيذ العسل والتين والشعير فكلها حرام إذا وصلت إلى حد الإسكار، وقليلها (26) مثل كثيرها، وإنما تحرم على المكلف العاقل غير المكره والمضطر.
    وكما يحرم شرب الخمر يحرم بيعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها"،
    وفي حديث آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
    "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشترى له" رواه ابن ماجة والترمذي.
    وكذلك يحرم التداوي بها على المعتمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال له: إن الخمر دواء "ليست بدواء، إنما هي داء" رواه مسلم.
    وقال صلى الله عليه وسلم:
    "إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، ولا تتداووا بحرام (27) .
    أما ما يحل شرابه ففيه تفصيل المذاهب(28) .
    ومما يحل:
    الانتباذ في الدباء وهو القرع، والمزفت وهو الإناء المطلي بالزفت، والنقير وهو الخشبة المنقورة، أو هو أصل النخلة، أي ما بقي منها بعد قطعها، ينقر ويوضع فيه التمر والعنب والزبيب أو نحو ذلك.
    وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ فيها أولاً، ثم نسخ (29) هذا النهي.
    [مبحث ما يحل لبسه أواستعماله وما لا يحل]
    يحرم أن يلبس أحد ثوباً من مال حرام أو مأخوذاً بطريق الغش أو الخيانة أو الغصب،
    فقد قال صلى الله عليه وسلم:
    "لا يقبل الله صلاة أو صيام من يلبس جلباباً "قميصاً" من حرام حتى ينحي "يبعد ذلك الجلباب عنه". وكذلك يحرم اللباس بقصد الفخر والعجب، وفي الأنواع التي يحل لباسها والتي لا يحل تفصيل المذاهب (30) .

    (1) المالكية - قالوا: يحل أكل كل حيوان طاهر غير ضار لم يتعلق به حق الغير، فيجوز أكل الطير الذي له مخلب كالباز والنسر، الخ ما ذكر
    (2) المالكية - قالوا: يكره أكل سباع البهائم المفترسة كالأسد والنمر، الخ ماذكر، ألا ان في القرد قولين: قول بالحرمة، وقول بالكراهة، والمعتمد الكراهة، ومثل القرد النسناس عندهم
    (3) المالكية - قالوا: يحل أكل الهدهد مع الكراهة، وكذلك يحل أكل الخطاف والرخم وسائر الطيور إلا الوطواط فإنه مكروه، وقيل حرام، والقولان مشهوران
    الحنفية - قالوا: يحل أكل الخطاف والبوم، ويكره في الصرد والهدهد، وفي الخفاش قولان: الكراهة والحرمة
    (4) الحنفية - قالوا: إن أكل العقعق مكروه فقط، لأنه يأكل الحب تارة، والجيف تارة أخرى.
    المالكية - قالوا: يحل أكل الغراب بجميع أنواعه
    (5) المالكية - قالوا: في الحمر الأهلية والخيل والبغال قولان، المشهور بينهما التحريم، والثاني الكراهة في البغال والحمير، والكراهة والإباحة في الخيل.
    (6) الشافعية - قالوا: يحل أكل العرسة
    (7) الحنفية - قالوا: أكل الخيل مكروه كراهة تنزيه على المفتى به
    (8) الشافعية - قالوا: يحرم أكل الزرافة على المعتمد
    (9) الحنفية والحنابلة - قالوا: يحرم أكل القنفذ صغيره وكبيره
    (10) الحنفية قالوا: - يحرم أكل اليربوع.
    (11) الحنفية قالوا: - يحرم أكل الضب لأنه من الخبائث، وما ورد من حله فهومحمول على أنه كان قبل نزول الآية {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}
    (12) الحنفية - قالوا: يحرم أكل الضبع لأنه ذوناب يفترس به
    (13) الحنابلة والحنفية - قالوا: يحرم أكل الثعلب
    (14) الحنابلة والحنفية - قالوا: يحرم أكل السنجاب والسمور والفنك "بفتح الفاء والنون"
    (15) الشافعية - قالوا: لا يحل أكل الببغاء
    (16) الشافعية - قالوا: لا يحل أكل الطاووس
    (17) المالكية - قالوا: لا يحل أكل الجراد إلا إذا نوى ذكاته، وقد تقدم أن ذكاة مثله فعل ما يميته مع النية، فإذا وجد جرادة ميتة لا يحل له أكلها.
    (18) الحنفية - قالوا: يباح أكل الدود الذي لا ينفخ فيه الروح سواء كان مستقلاً أو مع غيره، وأما الدود الذي تنفخ فيه الروح فإن أكله لا يجوز سواء كان حياً أو ميتاً، مستقلاً أو مع غيره، ومثله السوس.
    الشافعية - قالوا: دون الجبن أو الفاكهة ان كان منشؤه منها يباح أكله معها، بخلاف النحل إذا اختلط بالعسل، فانه لا يجوز أكله مع العسل الا اذا تهرى" تقطع بشدة"، ولافرق في جواز أكله بين الحي منه والميت، وبين ما يعسر تمييزه ومالايعسر. نعم، اذا تنحى عن موضع أو نحاه غيره عنه ثم عاد بعد امكان صونه عنه فانه في هذه الحالة لا يجوز أكله، كما لا يجوز أكله على أي حال.
    الحنابلة - قالوا: يباح أكل الدود والسوس تبعاً لما يؤكل؛ فيجوز أكل الفاكهة بدودها وكذلك الجبن والخل بما فيه، ولا يباح أكل دود وسوس استقلالاً.
    المالكية - قالوا: الدود المتولد من الطعام كدود الفاكهة والمش يؤكل مطلقاً بلاتفصيل، سواء كان حياً أو ميتاً، وان كان غير متولد من الطعام فان كان حياً وجبت نية ذكاته بما يموت به، وان كان ميتاً فان تميز يطرح من الطعام، وان لم يتميز يؤكل ان كان الطعام أكثر منه، فان كان الطعام أقل أو مساوياً، لا يجوز أكله، فان شك في الأغلب منهما يؤكل لأن الطعام لا يطرح بالشك ومحل ذلك كله مالم يضر وقبلته النفس، والا فلا يجوز أكله كما يأتي.
    (19) المالكية - لا نزاع عندهم في تحريم كل ما يضر، فلا يجوز أكل الحشرات الضارة قولاً واحداً أما اذا اعتاد قوم أكلها ولم تضرهم وقبلتها أنفسهم فالمشهوم عتدهم أنها لاتحرم، فاذا أمكن مثلاً تذكية الثعبان مثلاً بقطع جزء من عند رأسه ومثله من عند ذنبه بحالة لا يبقى معها سم وقبلت النفس أكله من دون أن يلحق منه ضرر حل أكله، ومثله سائر الحشرات. ونقل عن بعض المالكية تحريم الحشرات مطلقاً لأنها من الخبائث، وهووجيه.
    وعلى القول المشهور من حلها فلا تحل إلا إذا قصدت تذكيتها، وتذكيتها فعل ما يميتها بالنار أو بالماء الساخن أو بالأسنان، أو غير ذلك كما تقدم.
    (20) الحنابلة والمالكية - قالوا: ايحل أكل السلحفاة البحرية "الترسة" بعد ذبحا أما السلحفاة البرية فالراجح عند الحنابلة حرمتها.
    (21) المالكية - لهم في الكلب قولان: قول بالكراهة وقول بالتحريم، والثاني هو المشهور ولم يقل يحل أكله أحد،
    وقالوا: يؤدب من نسب حله إلى مالك.
    (22) المالكية - قالوا: يشترط في حل المنخنقة والموقوذة وما معها أن لا يصل إلى حال لا ترجى لها الحياة بعدها وذلك بأن ينفذ الخنق أو التردي مقتلها بأن يقطع نخاعها، "وهو المخ في عظام الظهر أو العنق" فإن كسر العظم ولم يقطع النخاع تحل بالذبح لأنه يمكن حياتها: وكذا إذا نثر دماغها بأن خرج شيء من المخ أو مما تحويه الجمجمة، فإنها في هذه الحالة لا ترجى لها حياة وكذا إذا نثرت حشوتها بأن خرج شيء مما حوته البطن من كبد وقلب وطحال ونحو ذلك بحيث لا يمكن إعادته إلى موضعه، وكذا إذا خرج أحد الأمعاء أوقطع فإنها في هذه الحالة تكون كالميتة لا تعمل فيها الذكاة وإن بقيت فيها حركة.
    وإذا ذبح غير هذه الأشياء من الحيوانات التي تؤكل فلا يخلو، إما أن يكون مريضاً أو صحيحاً فإن كان مريضاً مرضاً لا يرجى منه برء صحت ذكاته بشرطين:
    الأول: أن لا يكون منفوذ المقاتل بأن نثر دماغه أوقطع نخاعه الخ ما تقدم.
    الثاني: أن يتحرك بعد الذبح حركة قوية أو يشخب دماً وعلى كل حال لا يحل أكله إلا إذا كان غير ضار. أما إذا كان صحيحاً فلا يشترط فيه شخب الدم بل يكفي سيلانه مع الحركة القوية، كمد رجل وضمها أما مدها فقط فإنه لا يكفي ارتعاش أو فتح بمين أو ضمها أو نحو ذلك.
    الحنفية - قالوا: المنخنقة وما معها إذا ذبحت وفيها حياة ولوخفية حل أكلها وإذا ذبح شاة مريضة فلا يخلو، إما أن تعلم حياتها قبل الذبح أولا، فإذا علمت حياتها حلت مطلقاً ولولم تتحرك أو يخرج الدم، وإذا لم تعلم حياتها وقت الذبح تحل إن تحركت أو خرج منها الدم. فإن لم تتحرك أو يخرج الدم، فإن فتحت فاها لا تؤكل، وإن ضمته أكلت، وإن فتحت عينها لا تؤكل، وإن ضمتها أكلت، وإن مدت رجلها لا تؤكل، وإن قبضتها أكلت، وإن نام شعرها لا تؤكل، وإن قام أكلت، وإنما يحل أكلها إذا كانت لا تضر، وإلا حرم على أي حال.
    الشافعية - قالوا: الشرط لحل الحيوان وجود الحياة المستقرة ولوظناً قبل الذبح وقد تقدم تفصيل مذهبهم في الشرط الثالث من شروط الذكاة في الجزء الأول.
    الحنابلة - قالوا: المنخنقة وما معها يحل أكلها إذا ذبحت وفيها حياة مستقرة، ولووصلت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه إن تحركت بيد أو برجل أو طرف عين، أو حركت ذنبها ولوحركة يسيرة بشرط أن تكون هذه الحركة زائدة عن حركة المذبوح، فإن وصلت إلى حركة المذبوح فإن ذكاتها لا تنفع حينئذ وكذا إذا قطع حلقومها أوانفصلت حشوة ما في داخل بطنها من كبد أو طحال ونحوهما لأنها في هذه الحالة تكون في حكم الميتة
    (23) الحنفية - قالوا: لا يحل أكل حيوان البحر الذي ليس على صورة السمك، فلا يحل أكل إنسان البحر وخنزيره وفرسه ونحوها إلا الجريث والمارما هي "سمك في صورة الحية" فإنه يحل، وكذا جميع أنواع السمك إلا الطافي "وهو الذي مات حتف أنفه في الماء ثم انقلب بأن صارت بطنه من فوق وظهره من تحت" فإنه لا يحل أكله.
    المالكية - قالوا: جميع حيوانات البحر يباح أكلها ولم يستثنوا منها شيئاً أبداً
    (24) الحنابلة - قالوا: لا يحل أكل حية السمك لأنها من الخبائث عندهم
    (25) الحنابلة - قالوا: تحرم الجلالة وهي التي أكثر علفها النجاسة، يحرم لبنها ويكره ركوبها لأجل عرقها، وتحبس ثلاثة أيام بلياليها لا تطعم فيها إلا الطاهر حتى يحل أكلها.
    المالكية - المشهور عندهم إباحة أكل الحيوان الذي يتعذى بالنجاسة بخلاف لبنه فإنه مكروه
    (26) الحنفية - يظن بعض شاربي البيرة ونحوها أن قليلها في مذهب الحنفية، والواقع أن قليلها وكثرها حرام في مذهب الحنفية كسائر المذاهب على الصحيح المفتى به، بل هي حرام عند الحنفية بإجماع آرائهم، وذلك لأن الخلاف وقع في ثلاثة أمور،
    أولاً: المثلث، وهوما يطبخ من العنب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، ويسكر كثيره لا قليله ويسمى "طلاً".
    ثانياً: نبيذ التمر، وهوما يطبخ طبخاً يسيراً ويسكر كثيره لا قليله.
    ثالثاً: ما يؤخذ من الشعير والحنطة ونحوهما مما ذكر إذا أسكر كثيره لا قليله.
    فأبوحنيفة وأبويوسف يقولون: إن الذي يحرم هوكثير هذا لا قليله. ومحمد يقول: إن كثير هذا وقليله حرام كغيره، وهوقول الأئمة الثلاثة، وقول محمد هو الصحيح المفتى به في المذهب، فمذهب الحنفية هومذهب محمد حينئذ، على أنهم أجمعوا على أن القليل الذي لا يسكر إذا كان يؤخذ للهو والتسلية، كما يفعل هؤلاء الشاربون، لا لتقوية البدن الضعيف فهو حرام كالكثير تماماً ولوقطرة واحدة.
    فالبيرة وجميع أنواع الخمور محرمة، قليلها وكثيرها، على الوجه المشروع عند جميع أئمة الدين وجميع المسلمين
    (27) الشافعية - قالوا: يحرم التداوي بالخمر إذا كانت صرفاً غير ممزوجة بشيء آخر تستهلك فيه كالترياق الكبير ونحوه، وكذا إذا كانت صرفاً قليلة غير مسكرة، فيجوز بمرجوحية التداوي بها بشرط أن تتعين للدواء ولا يوجد ما يقوم مقامها من الطاهرات بشرط أن يكون ذلك بوصف الطبيب المسلم العدل، وكذا يجوز في مواضع أخرى كإساغة اللقمة، وقد تجب في هذه الحالة، وكذا التداوي بغير الخمر من الأشياء النجسة، فإنه يجوز إذا خلط بشيء غيره يستهلك فيه، ولم يوجد شيء طاهر يقوم مقامه، وإلا حرم التداوي به
    (28) المالكية - قالوا: يباح شرب ماء العنب المعصور أول عصرة دون أن يشتد أو يسكر وكذا شرب الفقاع - بضم الفاء وتشديد القاف - وهوشراب يتخذ من قمح وتمر، وقيل: ماء جعل فيه زبيب ونحوه حتى انحل فيه.
    كما يباح شراب السوبيا، وهي ما يتخذ من الأرز بطبخه شديداً حتى يذوب في الماء، ويصفى ويوضع في السكر ليحلوبه، وعقيده وهوماء العنب المغلي حتى يعقد ويهذب إسكاره الذي حصل في ابتداء غليانه، ويسمى الرب الصامت "المربة" ولا يحد غليانه بذهاب ثلثيه مثلاً وإنما المعتبر زوال إسكاره.
    ولا تباح هذه الأشياء إلا إذا أمن سكرها، فإذا لم يأمن حرم الأخذ منها.
    الحنابلة - قالوا: يباح شرب عصير العنب ونحوه بشرط أن لا يشتد ويسكر وأن لا تمضي عليه ثلاثة أيام وإن لم يشتد ويغلي "يفور" فإذا قذف بزبده "وفار" قبل ثلاثة أيام حرم ولولم يسكر، فإذا طبخ قبل التحريم حل إن ذهب ثلثاه بشرط أن لا يسكر، فإن أسكر فكثيره وقليله حرام كما تقدم، وقال بعضهم: ذهاب الثلثين ليس بشرط بل المعول على ذهاب الاسكار.
    ويباح الخشاف، ويسمى النبيذ، وهوما يلقى من التمر أو الزبيب في الماء ليحلو. بشرط أن لا يمضي عليه ثلاثة أيام ولولم يشتد ويغلي، أو يغلي ويشتد قبل ذلك وإلا حرم إن مضت عليه ثلاث وإن لم يسكر، فإذا طبخ قبل أن يفور ويغلي أو تمضي عليه ثلاثة أيام حتى صار غير مسكر كشراب الخروب وغيره والمربة فلا بأس به وإن لم يذهب بالطبخ ثلثاه.
    وإذا اشتد العنب قبل عصيره وغلا لم يسكر ولم يضر فيحل أكله.
    الحنفية - قالوا: تباح هذه الأشياء المذكورة عند المالكية والحنابلة بشرط عدم الإسكار وقد علمت أن المعتمد قول محمد في تحريم قليل المسكر وكثيره.
    الشافعية - قالوا: ويباح من الأشربة ما أخذ من التمر أو الرطب أو الشعير أو الذرة أو غيرها ذلك إذا أمن سكره ولم تكن فيه شدة مطربة، فإن كان فيه شدة مطربة، بأن أرغة وأزبد ولو"الكشك" المعروف فإنه يحرم ويحد به ويصير نجساً
    (29) المالكية - قالوا: لم ينسخ النهي عن الانتباذ في هذه الأشياء، إلا أن المعتمد عندهم أنه نهي كراهة فيكره الانتباذ فيها سواء كان الانتباذ فيها بصنف واحد، أو بصنفين كوضع الزبيب مع التمر، أما في غيرها من الأواني فكيره انتباذ شيئين فيها ويسمى بالخليطين، وذلك أن يكسر التمر والعنب مثلاً وبعد هرسهما أو دقهما معاً يصب عليهما الماء، ومحل النهي عن ذلك إذا طال زمن الانتباذ لا إن قصر بحيث لا يتصور وقوع إسكار منهما، وإلا جاز بلا كراهة، ويدخل فيه ما ينبذ للمريض من الزبيب والقراصية والمشمش في إناء واحد فإنه لا كراهة فيه ما لم يطل حتى يتوقع منه إسكار
    (30) الشافعية - قالوا: يحرم على الرجال لباس الحرير وهونوعان نوع يسمى إبريسماً وهو الحرير الذي يخرج من الدودة بعد أن تموت فيه. ونوع يسمى قزاً وهوما يؤخذ من الدودة وتخرج منه حية فالحرير يعم الاثنين وهما محرمان على الرجال لبساً واستعمالاً إلا في أحوال ستذكر بعد، فلا يجوز للرجال أن يجلسوا على الحرير ولا أن يسندوا إليه من غير حائل، أما إذا كان بحائل كأن فرش فوق الحرير ملاءة من قطن ونحوه فإنه يحل الجلوس عليه ولولم تخلط به، أما لبسه إذا كان مبطناً بقطن أو صوف ونحوهما فإنه يحل إذا كانت البطانة محيطة به، وكذلك إذا كان الحرير بطانة لغيره فإنه يحل لبسه إذا كان مخيطاً به، وإنما جاز ذلك لأن الحرير في هذه الحالة حشواً لغيره وحسوالحرير جائز.
    ولا يحل أن يلبس حريراً لأجل أن يدفأ به أو يجلس عليه أو يستند إليه إلا إذا كان ببطانة مخيطة في الأول وحائل ولوغير مخيط في الثاني، ويحرم أيضاً على الرجل أن ينام في "ناموسية" مأخوذة من الحرير بدون بطانة ولو مع امرأته، كما يحرم عليه أن يدخل تحت خيمة مأخوذة من الحرير، وأن يدخل مع امرأته في ثوبها الحرير، أما مخالطتها وهي لابسة ثوبها الحرير فجائزة، ويحرم أن يكتب الرجل على الحرير أو يرسم عليه أي نقش، كما يحرم ستر الجدران به في أيام الفرح والزينة إلا لعذر، نعم يحل ستر الكعبة بالحرير إن خلا عن الذهب والفضة، ولا يحل على الراجح إلباس الدواب الحرير كما يجوز إلباسه للصبي والمجنون قولاً واحداً.
    ويحرم على الرجل أن يتخذ منديلاً من الحرير ويستعمله، أما إذا استعملته امرأة في مسح شيء على بدنه فإنه يجوز.
    ويستثنى من استعمال الحرير أمور: منها كيس المصحف بخلاف كيس الدراهم فإنه يحرم على المعتمد ومنها علاقة المصحف "وهي ما يعلق به" وعلاقة السكين والسيف. وخيط الميزان والمفتاح وخيط السبحة وشراريبها إن كان من أصل خيطها وإلا حرمت الشرابة إن كانت خارجة عن الخيط على المعتمد، ومنها غطاء القلل والأباريق والكيزان فإن اتخاذها من الحرير جائز، وأما غطاء عمامة الرجل فإنه لا يجوز اتخاذه من الحرير لكن إذا استعملته المرأة جاز ومنها ليقة الدواة، ومنها تكة اللباس، ومنها زر الطربوش.
    ويحل للرجل أن يلبس الحرير للضرورة أو الحاجة، فيجوز لبسه لدفع جرب ودفع قمل وستر عورة في الصلاة وستر عورة عن أعين الناس ونحو ذلك إذا لم يجد غيره، وكذلك في الخلوة إذا لم يجد غيره، فإن وجد غيره حرم عليه استعماله. ويحل للرجل أن يلبس ثوباً بعضه حرير وبعضه قطن أو كتان أو صوف أو نحو ذلك، بشرط أن يكون الحرير مساوياً أو أقل أما إن كان كثر فلا يحل، وكذا يحل للرجل السجاف وهو التطريف والطراز من الحرير على ألا يزيد الطراز عرضاً عن أربعة أصابع وأن لا يزيد التطريف عن العادة لحديثين رواهما مسلم بالإباحة واستعماله النبيّ صلى الله عليه وسلم اللباس المشتمل عليهما، أما النساء فيحل لهن لبس الحرير وفرشه واستعماله بسائر أوجه الاستعمال. وكذلك الصبي الذي لم يبلغ والمجنون، أما الخنثى المشكل فهوملحق بالرجل.
    وأيضاً يحرم لبس مصبوغ بالزعفران بشرط أن يكون مصبوغاً كله أو جزءاً كبيراً منه بحيث يصح إطلاق المزعفر عليه عرفاً، بخلاف ما فيه نقط الزعفران فإنه يحل، ويكره الثوب المعصفر وهو المصبوغ بالعصفر "نبت أصفر معروف" بشرط أن يكون مصبوغاً به كله أو جزءاً منه بالقيد المتقدم بخلاف ما فيه نقط من العصر فإنه لا يكره، وما بعد ذلك من الألوان لا يحرم ولا يكره. سواء كان أسود أو أبيض أو أصفر أو أحمر أو مخططاً أو غير ذلك.
    ويحرم أيضاً لبس نجس أو متنجس بغير معفوعنه في الصلاة ونحوها من كل عبادة يشترط لها طهارة الثوب.
    الحنابلة - قالوا: يحرم على الرجل استعمال الحرير من لبس وغيره ولو كان الحرير بطانة لغيره أو مبطناً بغيره، وكذا يحرم اتخاذه تكة سراويل أو خيط سبحة أو نحو ذلك إلا الزر أو الشرابة التي تكون تابعة لغيرها فإنها تحل.
    وكذا يحرم الجلوس عليه والاستناد إليه وتوسده وتعليقه وستر الجدران به إلا الكعبة فإنه لا يحرم سترها بالحرير.
    ويحل للرجل أن يلبس ثوباً بعضه حرير وبعضه صوف أوقطن أو كتان أو غير ذلك بشرط أن يكون الحرير أقل أو مساوياً، أما إذا كان غالباً فإنه لا يحل إلا إذا كان الحرير أكثر وزناً وغيره أكثر ظهوراً منه في الثوب فإنه يحل حينئذ، وأما إذا كانت السدوة حريراً واللحام غيره فالمشهور أنه حرام عندهم أيضاً وأجازه بعضهم، ومثل الحرير الديباج.
    ومثل الرجل في ذلك الخنثى وكذلك الصبي والمجنون فيحرم إلباسهما الحرير، ويباح لبس الحرير للرجل لحاجة كإزالة القمل ولمرض ينفع فيه لبس الحرير، وفي حرب مباح ولولغير حاجة ولبطانة خوذة ودرع، ويباح لبسه لاتقاء حر أو برد أو تحصن من عدوونحو ذلك ويباح للرجل أن يكون طراز ثوبه حريراً بشرط أن لا يزيد عن أربع أصابع ويباح له أن يرقع ثوبه بالحرير إذا كانت الرقعة لا تتجاوز أربع أصابع معتدلة مضمومة لا متفرقة "أربعة قراريط" وكذلك لبة الطوق الذي يخرج منه العنق. واللبة هي الزيق المحيط بالعنق فإن اتخاذها من الحرير جائز إذا كانت لا تتجاوز أربع أصابع. وكذلك يباح اتخاذ كيس المصحف من الحرير وأن يخاط بالحرير واتخاذ الأزرار منه.
    ويباح حشو الجباب به وكذا حشو الفرش، لأنه ليس لبساً له ولا فرشاً وهو بالحشو يكون خفياً عن الأعين فلا فخر فيه ولا خيلاء.
    ويكره للرجل لبس المزعفر والأحمر المصمت "الخالص الحمرة" أما الأحمر الذي يخالطه لون آخر فلا كراهية فيه ولو كان الأحمر المصمت بطانة، ويكره له أيضاً لبس المعصفر والطيلسان وهو المقور الذي على شكل الطرحة ويرسل من فوق الرأس، أما المرأة فيباح لها لبس الحرير واستعماله بجميع أنواع الاستعمال، وكذا لبس المصبوغ بأي لون بدون كراهة.
    الحنفية - قالوا: يحرم على الرجال لبس الحرير المأخوذ من الدودة إلا لضرورة، أما فرشه والنوم عليه واتخاذه وسادة أي مخدة فالمشهور أنه جائز كما يجوز أن يستعمل من الحرير قدر أربع أصابع عرضاً وإن كان أطول من الأصابع فيحل أن يكون طراز الثوب من الحرير وزر الطربوش من الحرير إذا لم يزد عرضه على أربع أصابع، وكذا يجوز وضع قدر عرض أربع أصابع في أطراف الثوب ويسمى بالطرف. وكذا ما يجعل في طوق الجبة أو ذيل القفطان فإنه يحل إذا لم يزد عن أربع أصابع، ومثله بيت تكة السراويل إذا صنعت من الحرير وكانت لا تتجاوز أربع أصابع فإنها تحل، أما التكة فإنه يحل أخذها من الحرير مع الكراهة على الصحيح وإذا جعل الحرير حشواً للرداء فلا بأس به ولوجعل بطانة فهومكروه.
    والمشهور من المذهب أن الحرير حرام على الرجال ولولبسوه بحائل على البدن، ونقل عن أبي حنيفة أنه إنما يحرم إذا لامس البدن، أما إن كان بحائل فإنه لا يحرم وهذه رخصة عظيمة. ويحل للرجل اتخاذ الناموسية من الحرير الخالص ويسمى الديباج فيحل النوم فيها.
    ويكره اتخاذ القلنسوة "وهي ما يلبس على الرأس" وكذلك "الطاقية" المأخوذة من الحرير أو المنقوش عليها أكثر من أربع فإنها مكروهة.
    ويحل اتخاذ كيس النقود من الحرير، أما كيس التمائم ونحوها الذي يعلقه الرجل فإنه يكره اتخاذ من الحرير.
    وتحل الصلاة على سجادة مصنوعة من الحرير بلا كراهة كما يحل خيط السبحة وخيط الساعة الذي تعلق به وخيط الميزان والمفاتيح وليقة الدواة فإن كل هذا جائز.
    وكذا تحل الكتابة في ورق الحرير وأن يتخذ منه كيس المصحف، وكذا يحل اتخاذ الستر التي توضع على الأبواب والنوافذ من الحرير على المشهور وكذا لا يكره وضع ملاءة الحرير على سرير الصبي أو محل نومه، أما اتخاذ اللحاف من الحرير فإنه مكروه.
    المالكية - قالوا: يحرم على الذكور البالغين الحرير أما الصغار فقيل: يحل إلباسهم الحرير وقيل يحرم، وقيل يكره.
    ولا يباح عندهم لبس الحرير للجرب أوللقمل أو الحكة ونحو ذلك. كما لا يباح في الحرب، وكذلك يحرم الجلوس عليه على المعتمد ولو كان زوجاً جالساً على فرش امرأته تبعاً له وهي معه، وقيل: يجوز للزوج أن يجلس تبعاً لزوجه وهي معه، ولا ترفع حرمة الجلوس على الحرير فرش ملاءة ونحوها عليه.
    ولا يحل لبس المبطن بالحرير والمحشو بالحرير ولا المرقوم بالحرير إلا إذا كان يسيراً أقل من قدر الأصبع، فإن زاد على ذلك بأن كان في عرض أصبع إلى أصابع كان مكروها وقيل بجوز إلى الأربع، وما زاد على عرض الأربع أصابع فهو حرام. ويحل تعليق الحرير بدون جلوس كالستارة التي توضع على الأبواب والنوافذ بدون كراهة.
    ويحل كتابة المصحف على الحرير بدون كراهة.
    أما ما سداه حرير ولحمته قطن أو صوف أو كتان فالتحقيق أنه مكروه.
    أما النساء فيحل لهن لباس الحرير واستعماله.
    ويحل اتخاذ الخرقة التي يمسح بها أعضاؤه من الحرير "المنديل" بلا تكبر، أما "البشكير" الخرقة التي توضع على الحجر عند الأكل فيكره اتخاذها من الحرير.
    ويحل لبس ما سداه حرير ولحمته قطن أو كتان أو صوف أو غير ذلك، أما ما لحمته حرير وسداه قطن فإنه يحل في حالة الحرب فقط، وكذا ما لحمته وسداه حرير فإنه يحل في حالة الحرب إلا أنه لا يصلي فيه إلا إذا خاف هجوم العدو، وإنما يحل لبس الحرير في الحرب لأمرين: الأول أن يكون صفيقاً "تخيناً" يدفع مضرة السلاح. الثاني أن يوجب الهيبة في نفس العدوفإن لم يتحقق شرط من هذين لا يحل لبسه في حال الحرب كما لا يحل في حال السلم.
    ويكره للرجل أن يلبس الثوب المزعفر الأحمر والأصفر على المشهور، وقيل: لا كراهة في الأحمر والأصفر كما لا كراهة في سائر الألوان.
    أما النساء فيحل لهن لباس الحرير واستعماله بجميع أنواع الاستعمال كما يحل لهن لباس أي لون


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب الحظر والاباحة]
    صـــــ 17 الى صــــــــ29
    الحلقة (82)

    [مبحث ما يحل لبسه واستعماله من الذهب والفضة وما لا يحل]
    يحرم (1) على الرجل والمرأة استعمال الذهب والفضة، وعلة النهي عن استعمال الذهب والفضة للرجال والنساء واضحة، لأن في استعمالها تقليلاً لما يتعامل الناس به من النقدين، وكسراً لقلوب الفقراء الذين لا يجدون منهما ما يحصلون به على قوتهم الضروري إلا بجهد عظيم بينما يرون غيرهم يسرف فيها غاية الأسراف ويحبسها عنده بدون مبالاة فيشعر ذلك قلوبهم ويترك في أنفسهم أسوأ الأثر، لذلك حرمت الشريعة الإسلامية استعمالها على الرجال والنساء إلا في أحوال تقتضيها، فإباحت للنساء ما تتزين به منها، لأن المرأة في حاجة ضرورية إلى الزينة، فلها أن تتحلى بما شاءت من الذهب والفضة، وكذلك أباحت للرجال التختم بالفضة لأنه قد يحتاج إلى أن ينقش عليه اسمه، فيسهل عليه استعماله ويكون آمناً عليه بلبسه في يده كذلك أباحت اليسير الذي لا يضيق النقدين مما سيأتي بيانه.
    فيحرم اتخاذ الآنية من الذهب والفضة،
    فلا يحل لرجل أوامرأة أن يأكل أو يشرب فيها لقوله صلى الله عليه وسلم:
    "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"، وكذلك لا يحل التطيب أو الادهان أو غير ذلك. وكما يحرم استعمالها يحرم اقتناؤها بدون استعمال، ويستثنى ما إذا قصد باقتنائها تأجيرها لمن يباح له استعمالها وكذلك يحرم الأكل بملعقة الذهب والفضة واتخاذ ميل المكحلة منهما والمرآة وقلم الدواة والمشط والمبخرة والقمقم، وكذا يحرم اتخاذ فنجان القهوة من الذهب والفضة وظرف الساعة وقدرة التمباك "الشيشة" ونحوها. أما ما يباح من ذلك ففيه تفصيل المذاهب.
    [مباحث الصيد والذبائح]
    ومن الحلال الطيب الذي أباح الله لنا أكله:
    الصيد، وهوما يصطاد من يوان مأكول اللحم بالشرائط الآتي بيانها، وهومباح إذا لم يترتب عليه ضرر الناس بإتلاف مزارعهم أو إزعاجهم في منازلهم أو كان الغرض منه اللهو واللعب، وإلا فيحرم.[دليله]وقد ثبت أكله بالكتاب والسنة والإجماع.
    فأما الكتاب فقول الله تعالى:
    {يسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} ،
    وقوله تعالى:
    {وإذا حللتم فاصطادوا} فالأمر في الآية الكريمة بالاصطياد يفيد حل الصيد.وأما السنة فكثيرة، منها ما رواه البخاري ومسلم أن أبا ثعلبة قال: يا رسول الله، أنا بأرض صيد، أصيد بقوسي أو بكلبي الذي ليس بمعلم أو بكلبي المعلم، فما يصلح لي؟
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    "ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل".
    وروى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال:
    سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض - والمعراض "كمحراب" سهم لا ريش له دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده - قال: "إذا أصبت بحده فكل، وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل، فإنه وقيذ".
    وروى مسلم عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    "إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فإذا وجدته ميتاً فكل، إلا أن تجده قد وقع في الماء فمات، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك"، ذلك بعض ما ورد في السنة الكريمة في شأن الصيد. وهوكما ترى يشتمل على معظم أحكام الصيد الآتي بيانها.وقد أجمع المسلمون على حل أكل الصيد بالشرائط الآتية.
    [شروطه]
    يشترط لحل أكل ما يصطاد من الحيوان شروط، بعضها يتعلق بالحيوان الذي يحل صيده وبعضها يتعلق بالصائد، وبعضها يتعلق بآلة الصيد من كلب ونحوه، أو سهم ونحوه.
    [الشروط المتعلقة بالحيوان الذي يحل صيده وأكله بالصيد]
    الحيوان الذي يحل صيده إما أن يكون مأكول اللحم أو غير مأكول، فإن كان غير مأكول اللحم فإن صيده دفعاً لشره كما يحل قتله لذلك، وكذلك يحل صيده للانتفاع بما يباح الانتفاح به كالسن والشعر.
    وإن كان مأكول اللحم فيحل صيده بشروط:منها: أن يكون متوحشاً بطبيعته لا يألف الناس ليلاً ولا نهاراً كالظباء وحمر الوحش وبقره وأرنبه ونحوها فيحل صيدها ولوتأنست إذا عادت لتوحشها، فإن استمرت متأنسة فإنها لا تحل إلا بالذبح؛ أما الحيوانات المتأنسة بطبيعتها كالجمال والبقر والغنم (2) ونحوها فلا تحل بالصيد، بل لا بد في حل أكلها من ذكاتها الذكاة الشرعية، ولوتوحش واحد منها كأن نفر البعير أو الثور، أو شردت الشاة وعجز عن إمساكه فإنه يحل (3) بالعقر، وهو الجرح بالسهم ونحوه في أي موضع من بدنه شرط أن يريق دمه، وأن يقتله بهذا الجرح، وأن يقصد تذكيته، وأن يكون أهلاً للتذكية، ومثل هذا ما إذا سقط حيوان في بئر ونحوها ولم يمكن ذبحه في محل الذبح، فإنه يحل برميه في أي موضع من بدنه كما ذكر، ويسمى هذا ذكاة الضرورة.
    ومنها: أن يكون ممتنعاً غير مقدورة عليه، فلا يحل الحيوان المقدور عليه بالصيد كالدجاج والبط الأهلي والأوز والحمام لأنه مستأنس مقدور عليه، بخلاف الحمام الجبلي لأنه متوحش غير مقدور عليه فيحل بالصيد.
    ومنها: ألا يكون مملوكاً للغير، فيحرم صيد المملوك للغير ولا يحل بالصيد.
    ومنها: أن لا يكون متقوياً بنابه أو مخلبه كالذئب والسبع والنسر وغير ذلك مما لا يحل أكله.
    ومنها: أن لا يدلكه وهوحي فإن أدركه وفيه حياة فإنه لا يباح إلا بالذبح، على تفصيل في المذاهب (4) .
    وزاد بعضهم على ذلك شرطاً آخر (5)
    [الشروط المتعلقة بالصائد]
    وأما الصائد فيشترط له شروط،
    منها: أن يكون مسلماً أو كتابياً، فلا يحل صيد المجوسي، والوثني، والمرتد، وكل من لا يدين بكتاب، كما لا تحل ذبيحتهم، وإنما يحل صيد الكتابي وذبيحته بشروط مفصلة في المذاهب(6) .
    يحل (7) صيد الصبي الذي لا يميز، ومثله المجنون والسكران كما لا يحل ذبيحتهم. ومنها أن يذكر (8) اسم الله عند إرسال ما يصيد به من كلب ونحوه، فإذا ترك التسمية عمداً أو جهلاً فإن صيده لا يحل وكذلك ذبيحته. أما إذا ترك التسمية ناسياً فإن صيده يؤكل كذبيحته، ويشترك للتسمية شروط مبينة في المذاهب (9) .
    ومنها: أن يرسل الكلب ونحوه ليصيد له بكيفية مفصله في المذاهب (10) ومنها أن ينوي الصائد أو الذابح حل الحيوان؛ فإذا لم ينوكأن ضرب حيواناً بآلة فأصابت منحره فمات فإنه لا يحل. لأنه لم يقصد حله بهذه الضربة، وفي ذلك تفصيل المذاهب (11) .



    (1) الحنفية - قالوا: يجوز له أن يجمل بيته بأواني الذهب والفضة بدون استعمالها بشرط عدم التفاخر، كما يجوز له أن يجلس على الحرير ويتوسد به إذا لم يكن للتفاخر كما تقدم.
    المالكية - قالوا: لا بأس بتحلية سيف الرجل بالفضة والذهب، سواء اتصلت الحلية به كأن جعلت قبضة له أوانفصلت عنه كغمده. أما سيف المرأة فيحرم تحليته إذ لا يباح للمرأة إلا الملبوس من الذهب والفضة، وكذلك يحرم تحلية باقي آلات الحرب.
    ولا بأس بتحلية جلد المصحف بالذهب أو الفضة تعظيماً له بشرط أن تكون من الخارج، أما تحليته من الداخل أو كتابته أو تجزئته فمكروهة، وأما سائر الكتب سوى المصحف فيحرم تحليتها بهما مطلقاً.
    ويجوز لمن سقطت أسنانه أن يتخذ بدلها من الذهب والفضة. وكذلك يجوز لمن قطعت أنفه أن يتخذ بدلها من الفضة والذهب.
    ويجوز للرجل أن يلبس خاتماً من الفضة زنة درهمين لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من فضة وزن درهمين، فيجوز لنا اتخاذه بشرط قصد الاقتداء به عليه الصلاة والسلام، وبشرط أن يكون واحداً فلا يجوز تعدده وإن كان الجميع درهمين. أما ما زاد عن الدرهمين فإنه محرم. وكذلك ما كان بعضه ذهباً وبعضه فضة ولو كان الذهب قليلاً. ويستحب وضعه في خنصر اليسار ويكره في اليمين. وأما المموه وهو المتخذ من معدن غير الذهب والفضة ثم يطلى بهما ففيه قولان: قول بالمنع، وقول بالإباحة. والقولان متساويان. وأما المغشى وهوما صنع من فضة أو ذهب ثم طلي بالنحاس أو الرصاص عكس المموه ففيه قولان أيضاً: قول بالمنع وقول بالإباحة، والمعتمد المنع. وأما المطبب وهوإناء مأخوذ من خشب ونحوه يكسر فيلحم بسلك من فضة أو ذهب ففيه قولان: قول بالمنع وقول بالكراهة، والقولان متساويان.
    ومثله ذوالحلقة - بسكون اللام - إناء يوضع له حلقة ليعلق بها. وأما الآنية المتخذة من الجوهر كالدر والياقوت ففيها قولان أيضاً المنع والجواز، والقولان متساويان. فإذا طلي السرج أو السكين أو الخنجر أو اللجام أو نحوها بالذهب أو الفضة ففيها الخلاف المتقدم أما صنع يد السكين ونحوها من الذهب أو الفضة فحرام قولاً واحداً.
    ويكره التختم بالحديد والرصاص والنحاس للرجل والمرأة، ويجوز التختم بالعقيق وغيره.
    الشافعية - قالوا: يحل للرجل والمرأة اتخاذ أنف من ذهب أو فضة وكذا يجوز لمن سقطت أسنانه أن يتخذ بدلها من الذهب أو الفضة واتخاذ أنملة من الذهب، ويجوز تحلية المصحف بالفضة للرجل والمرأة. وأما بالذهب فلا يجوز إلا للمرأة. والتحلية وضع قطع رقيقة، أما تمويهه بالذهب والفضة فلا يجوز، والتمويه هو الطلي بهما بعد إذابتهما، ويجوز كتابة المصحف بالذهب والفضة للرجل والمرأة بلا فرق على المعتمد. ويجوز استعمال إناء الذهب والفضة المطلي بنحاس ونحوه طلاء سميكاً بحيث لا يحصل بعرضه على النار شيء منه. وكذا يجوز تحلية آلة الحرب للرجل دون المرأة بفضة وكذا طلاؤها بها، ويجوز إصلاح الإناء بسلسلة أو صفيحة من فضة بشرط أن تكون صغيرة، أما الكبيرة فكروهة إذا كان استعمالها للضرورة، وإلا حرمت، والكبيرة ما تستوعب جانباً من الإناء، والصغيرة ما كانت دون ذلك، وقيل المرجع في الصغر والكبر للعرف، ويجوز للرجل اقتناء حلي الذهب والفضة لتأجيرها لمن تحل له بلا خلاف في المذهب.
    ويحل للرجل التختم بالفضة بل يسن ما لم يسرف فيه عرفاً مع اعتبار عادة أمثاله وزناً وعداً ومحلاً، فإذا زاد على عادة أمثاله حرم، والأفضل أن يلبسه في خنصر يده اليمنى ويسن أن يكون فصه من داخل كفه.
    أما التختم بالذهب فحرام مطلقاً، وأما خاتم الحديد والنحاس والرصاص فجائز بلا كراهة على الأصح.
    الحنفية - قالوا: إذا وضع الطعام ونحوه في آنية الذهب والفضة فلا بأس أن يضع الأكل يده مباشرة أو بملعقة فيه لتناول اللقمة ونحوها. وإنما المكروه تحريماً هوأن يمسك الإناء المأخوذ من الذهب والفضة بيده ثم يستعمله، كما إذا استعمل كوزاً مأخوذاً من الفضة مثلاً في الحمام بأن يعرف به الماء ويصبه على رأسه، ولا بأس بالأكل والشرب من إناء مذهب أو مفضض كالآنية المطعمة بالذهب والفضة، بشرط أن يضع الجزء الذي فيه ذهب أو فضة على فيه وكذلك لا بأس باستعمال المضبب من الأواني والكراسي والأسرة ونحوها بالذهب والفضة إذا لم يباشر الجزء الموضوع فيه الذهب والفضة، والمضبب: هو المكسور الذي يجبر بالذهب والفضة كاللحام، ولا بأس أيضاً باتخاذ حلقة المرأة ونحوها من الذهب والفضة، ولا بأس أيضاً أن يوضع في لجام الفرس ونحوها أو سرجها فضة أو ذهب بشرط أن لا يجلس على الجزء الذي فيه الذهب والفضة.
    ويجوز لبس الثياب المنقوشة بالذهب والفضة، وكذلك استعمال كل مموه "مطلي" بالذهب والفضة إذا كان بعد ذوبانه لا يخلص منه شيء له قيمة. ولا يكره وضع الذهب والفضة في نصل السكين أوقبضة السيف بشرط أن لا يضع يده عند استعمالها على موضع الذهب والفضة. ولا بأس بحلية السيف وحمائله "العلاقة التي يعلق بها" ومثله المنطقة، ولكن بالفضة فقط، فيكره تحريماً تحلية ذلك بالذهب. أما تحلية السكين والمقراض "المقص" والمقلمة والدواة والمرآة بالذهب فإنه يكره تحريماً، أما بالفضة ففيه وجهان. ولا بأس باتخاذ مسامير الساعة والباب ونحوهما من الذهب والفضة، اما اتخاذ الباب من الذهب أو الفضة فمكروه تحريماً. ولا بأس بوضع الذهب والفضة في آلة الحرب، وكذا لا بأس بتمويه السلاح "طليه" بالذهب والفضة. وكذلك لا بأس بالانتفاع بالأواني المموهة بالذهب والفضة، ولا بأس باتخاذ الآنية من العقيق والبلور والزجاج والزبرجد والرصاص وباستعمالها أيضاً.
    ويجوز للرجل أن يلبس خاتماً من فضة بشرط أن يصنع على الصفة التي اعتاد أن يلبسه عليها الرجال. أما إذا صنع على هيئة خواتم النساء كأن يكون له فصان ونحو ذلك فإنه يكره تحريماً، ويكره أيضاً التختم بما سوى الفضة كالتختم بالحديد والنحاس والرصاص، وهومكروه للرجال والنساء جميعاً. وأما التختم بالعقيق ففيه خلاف، والأصح أنه يجوز. ولا بأس بسد ثقب فص الخاتم بمسمار من الذهب. ولا يصح أن يزيد الخاتم من الفضة على مثقال، ويسن التختم بها للرجل إذا كانت الحاجة ماسة لذلك كالقاضي والحاكم الذي يجعل خاتمه منقوشاً فيه اسمه "ختم" ويلبس خاتمه في خنصر يده اليسرى، ويجوز أن يلبسه في يده اليمنى. ويجوز شد الأسنان بالفضة بلا خوف، أما بالذهب ففي جوازه خلاف. وكذا يجوز إعادة السن إذا خلعت من فضة أو ذهب على الخلاف المذكور.
    الحنابلة - قالوا: يباح اتخاذ الآنية من المعادن الطاهرة كما يباح استعمالها ولو كانت ثمينة كالجواهر والبلور والياقوت والزمرد، وكذلك إذا كانت غير ثمينة كالآنية المأخوذة من الخشب والحديد والنحاس، وإنما الذي يحرم من ذلك اتخاذ الآنية من الذهب والفضة. وكذلك يحرم استعمالها إن كانت مأخوذة منهما، ويحرم أيضاً استعمال الآنية المضببة بالذهب والفضة على الذكر والأنثى، وكذا اتخاذ ميل المكحلة منهما، ويحرم استعمال الإناء المموه بالذهب والفضة "المطلي"، وكذا استعمال المطعم بهما، واستعمال الآنية المنقوشة بهما، ويحرم استعمال الذهب ولويسيراً في الثياب وغيرها، وإنما الذي يجوز من ذلك فص الخاتم من الذهب
    (2) الحنفية - قالوا: إذا نفرت الشاة في الصحراء يكون حكمها ما ذكر في غيرها من الجمال والبقر، أما إذا نفرت في المصر فإنها لا تحل بالعقر، لأنها لا يتعسر إمساكها بخلافهما، ولا يلزمه الاستعانة في إمساك المتوحش بجماعة، بل متى ند البعير ونحوه ولم يقدر عليه إلا بجماعة فله أن يرميه
    (3) المالكية - قالوا: الحيوان المتأنس أصالة لا يؤكل إلا بالذبح، سواء توحش ثم عاد فتأنس أواستمر على توحشه، فلوند بعير أو ثور أو نحوهما فرماه أحد بسهم فعقره بأن جرحه فقتله بذلك فإنه لا يحل، وكذلك لوتردى حيوان في بئر فإنه لا يحل إلا بالذكاة الشرعية، وبعضهم يستثني البقر إذا توحش فيقول: إنه يحل بالعقر لأن له نظيراً يحل صيده هوبقر الوحش، فإذا توحش البقر الأهلي فعقر فإنه يحل أكله نظير البقر الوحشي الذي يحل صيده، ولوتوحش الحمام البيتي فقيل: يحل بالصيد وقيل لا يحل، والمعتمد أنه لا يحل
    (4) الحنفية - قالوا: إذا أدرك الصيد وفيه حياة غير مستقرة بل وجده متحركاً حركة المذبوح فقط فإنه لا يحتاج إلى تذكية، لأن عقره تذكية له، فيحل أكله بشرائط الصيد، وكذا لوأدركه وفيه حياة مستقرة زيادة على حركة المذبوح ولكن لم يتسع الوقت لذبحه، فإنه يحل بالشروط أيضاً. أما إذا أدركه وفيه حياة مستقرة واتسع الوقت لذبحه فإنه لا يحل إلا بالذبح لأنه يكون في هذه الحالة مقدوراً عليه، فهوكغيره من الحيوانات المقدور عليها، وإذا لم يجد معه آلة لذبحه ومات فإنه لا يحل لأنه أصبح كغيره من الحيوانات التي لا تباح إلا بالتذكية، ولو كان معه كلب فأرسله عليه في هذه الحالة فأجهز عليه وقتله فإنه يحل.
    الحنفية - قالوا: إذا أدرك الصيد وفيه حياة فوق حركة المذبوح بأن يعيش يوماً أو بعض يوم فإنه لا يحل إلا إذا ضبحه، أما لوأدركه وليس فيه غير حركة المذبوح كأن أخرج الطلب بطنه أو أصمى السهم قلبه فإنه يحل بلا ذبح، حتى ولووقع في الماء بعد هذه الحالة فإنه يحل، لأنه لا يمكن أن يضاف قتله إلى الماء بعد أن يبق فيه غير حركة المذبوح كما يأتي، ولا فرق أن يكون متمكناً من ذبحه في هذه الحالة أولا، بخلاف المتردية فإنها لوذبحت وفيها حركة المذبوح فإنها تحل لأن الحياة فيها لا يشترط أن تكون بينة بل يكتفي فيها بمطلق الحياة، وبعضهم يقول: إن الصيد كذلك لا بد من تذكيته ولو كانت فيه الحياة خفية بحيث لم يبق فيها غير حركة المذبوح، وهذا كله إذا أدركه وأخذه، أما إذا أدركه ولم يأخذه فإن تركه وقتاً يمكنه فيها غير حركة المذبوح، وهذا كله إذا أدركه وأخذه، أما إذا أدركه ولم يأخذه فإن تركه وقتاً يمكنه أن يذبحه فيه ومات فإنه لا يؤكل وإن لا فإنه يؤكل.
    الشافعية - قالوا: إذا أدرك صيده حياً فإن لم يجد فيه غير حركة المذبوح بأن قطع حلقومه أو خرجت أمعاؤه فإنه يحل بدون ذبح، ويكون موته بآلة الصيد تذكية له، ولكن يندب إمرار السكين على حلقه ليريحه، أما لوأدركه وفيه حياة مستقرة فوق حركة المذبوح فإنه لا يخلوإما أن لا يتعذر ذبحه فيتركه حتى يموت أو يتعذر بسبب إهماله وتقصيره فيموت فإنه لا يحل، مثال ما يتعذر بغير تقصير أن يشغل بأخذ الآلة ليذبحه بها فيموت قبل إمكان ذبحه، أو يفر الصيد من بين يديه مما فيه من قوة باقية فيموت قبل أن يتمكن من ذبحه، وكذا لولم يجد من الزمن ما يمكن أن يذبح فيه. ومثال ما يتعذر بسبب تقصيره أن لا يكون معه آلة الذبح أو تضيع منه، فإنه في هذه الحالة لا يحل، وكذا إذا اشتغل بتحديد السكين حتى مات الصيد لأنه أهمل تحديدها أولاً، ولووجده منكساً فعدله ليذبحه فمات فإنه يحل، كما إذا أراد أن يوجهه إلى القبلة فمات قبل ذبحه.
    المالكية - قالوا: إذا أدرك الصيد حياً فإن كان قد نفذ من مقاتله كأن خرجت حشوته من كبد أو كلية أو طحال، أو ثقبت أمعاؤه. أو خرج شيء من مخه ونحو ذلك مما يفضي إلى الموت حتماً فإنه يؤكل بدون تذكية، أما لوأدركه ولم ينفذ مقتل من مقاتله فإنه لا يباح أكله إلا بالذكاة فلوأهمل في تذكيته كأن وضع السكين في المخرج واشتغل بإخراجها فمات الصيد قبل أن يدرك تذكيته فإنه يحرم، وكذا إذا أعطاها لغيره ليسبقه بها فجاء ولم يجده، ومات الصيد قبل تذكيته، وأيضاً لوأطلق كلباً وتراخى في اتباعه ثم وجد الصيد ميتاً فيحرم لاحتمال أنه لوجد في طلبه لوجده حياً فيذكيه إلا إذا تحقق أنه إذا جد لا يلحقه حياً.
    (5) الحنفية - زادوا شرطاً خامساً وهوأن لا يكون من دواب الماء، كإنسان البحر وفرسه وخنزيره ونحوه مما ليس على صورة المسك. فإن ذلك يحرم أكله عندهم، فلا يجوز صيده للأكل إلا ثعبان الماء، فإنه وإن كان على صورة الثعبان البري غير أنه حلال صيده وأكله، فالشروط المتعلقة بالحيوان الذي يحل أكله بالصيد خمسة: أن لا يكون من الحشرات، وأن يكون ممتنعاً بأن يكون له قوائم أن جناحان يمنع نفسه بهما. وأن يكون ذا ناب أو مخلب، وأن يموت بالجارحة أو السهم قبل أن يدركه حياً وإلا وجب ذبحه
    (6) المالكية - قالوا: يحل أكل ذبيحة الكتابي، أما صيده فإنه لا يباح إذا مات الصيد من جرحه أو أصابه إصابة أنفذت مقتله. أما إذا أصابه إصابة جرحته ولم تنفذ مقتله ثم أدرك حياً وذكي فإنه يؤكل ولو بذكاة كتابي، وبعضهم يقول: يحل صيد الكتابي كذبحه سواء أماته أولم يمته، وإنما تحل ذبيحة الكتابي بشروط ثلاثة،
    الشرط الأول: أن لا يهل بها لغير الله فإذا أهل بها لغير الله بأن ذكر اسم معبود من دون الله كالصليب والصنم وعيسى وجعل ذلك محللاً كاسم الله أو تبرك بذكره كما يتبرك بذكر الإله فإنها لا تؤكل، سواء ذبحها قرباناً للآلهة أو ذبحها ليأكلها، أما إذا ذكر اسم الله عليها وقصد إهداء ثوابها للصنم كما يذبح بعض المسلمين للأولياء فإنها تؤكل مع الكراهة. وإذا ذبحها ولم يذكر عليها اسم الله ولا غيره فإنها تؤكل بدون كراهة، لأن التسمية ليست شرطاً في الكتابي. وبعضهم يقول: إن الذي يحرم أكله من ذبيحة الكتابي هوما ذبح قرباناً للآلهة، وهذا ليس من طعامهم المباح لنا بالآية الكريمة: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} لأنهم لا يأكلونه بل يتركونه لآلهتهم، أما الذي يذبحونه ليأكلوا منه فإنه يحل لنا أكله ولوذكر عليه اسم غير الله تعالى ولكن مع الكراهة.
    الشرط الثاني: أن يذبح الكتابي ما يملكه لنفسه. فإذا ذبح حيواناً يمكله مسلم فإنه وإن كان يحل لكن مع الكراهة، على الراجح.
    الشرط الثالث: أن لا يذبح ما ثبت تحريمه عليه في شريعتنا، فلا يحل أكل ذي ظفر ذبحه اليهودي كالأبل والبط والأوز والزرافة ونحوها من كل ما ليس بمنفرج الأصابع لأنهم يحرمون أكله، وقد أخبر القرآن بأن الله حرمه عليهم.
    أما الذي لم يثبت تحريمه عليهم في شريعتنا كالحمام والدجاج ونحوهما فإنه يحل لنا أكله إذا ذبحوه، وإذا أخبروا بأن هذا الحيوان محرم عليهم ولم يخبرنا شرعنا بتحريمه عليهم فإنه يحل مع الكراهة، فإذا كان الكتابي يستحل أكل الميتة وذبح حيواناً فإنه يحل أكله إذا كان بحضرة مسلم عارف بأحكام الذبح، أما إذا ذبحه وحده فإنه لا يحل أكله، ويستثنى من حل ذبيحه الكتابي المستكملة لشروط الأضحية فإنه يشترط فيها أن يكون الذابح مسلماً تصح منه القربة، فإن استناب عنه رجلاً لا يعرفه ثم تبين له أنه غير مسلم فإنها لا تجزئه، والشرط أن يتولى المسلم الذبح، أما السلخ والقطع ونحوهما فإنه لا يشترط له ذلك، هذا ومما يجمل ذكره هنا أن الذين لا تحل ذبيحتهم عند المالكية يمكن حصرهم في ستة: وهم الصبي الذي لا يميز، والمجنون حال جنونه، والسكران غير المميز، والمجوسي، والمرتد الزنديق. وكذا من تحل ذبيحتهم مع الكراهة فإنهم ستة أيضاً وهم: الصبي المميز، والخنثى، والمرأة، والخصي، والأغلف، والفاسق. وهناك ستة مختلف فيهم، بعضهم يقول بالكراهة، وبعضهم يقول بعدمها وهم: تارك الصلاة، والسكران الذي يخطئ ويصيب، والبدعي المختلف في كفره، والعربي النصراني، والنصراني يذبح للمسلم بإذنه، والأعجمي يجيب للإسلام قبل بلوغه. ولكن المشهور في ذبيحة الصبي المميز والمرأة عدم الكراهة، وما يكره ذبيحته يكره صيده على الظاهر.
    الحنفية - قالوا: يشترط لحل ذبيحة الكتابي يهودياً أو نصرانياً أن لا يهل بها لغير الله بأن يذكر عليها اسم المسيح أو الصليب أو العزيز أو نحو ذلك، فإذا حضره المسلم وقت الذبح وسمع منه ذكر المسيح وحده أو ذكره مع اسم الله فإنه يحرم عليه أن يأكل منها، وإذا لم يسمع منه شيئاً فإنه يحل له الأكل على تقدير أن الكتابي ذكر اسم الله في سره تحسيناً للظن له، أما إذا لم يحضره ولم يسمع منه شيئاً؛ فإن التحقيق أن ذبيحته تحل، سواء كان يقول الله ثالث ثلاثة أولا، يعتقد أن العزيز ابن الله أولا. ولكن يستحسن عدم الأكل لغير ضرورة. ولا فرق في النصراني بين أن يكون عربياً أو تغلبياً أو إفرنجياً أو أرمينياً أو صابئياً إذا كان يقر بعيسى عليه السلام، ولا فرق في اليهودي بين أن يكون سامرياً أو غيره. ويكره أكل ما يذبحونه لكنائسهم.
    الشافعية - قالوا: ذبيحة أهل الكتاب حلال، سواء ذكروا اسم الله عليها أولا بشرط أن لا يذكروا عليها اسم غير الله كاسم الصليب أو المسيح أو العزيز أو غير ذلك فإنها لا تحل حينئذ ويحرم أكل ما ذبح لكنائسهم.
    الحنابلة - قالوا: يشترط في حل ذبيحة الكتابي أن يذكر اسم الله تعالى عليها كالمسلم، فإذا تعمد ترك التسمية أو ذكر اسم غير الله تعالى كالمسيح فإن ذبيحته لا تؤكل، وإذا لم يعلم أنه سمى أولا فإن ذبيحته تحل، ذبح، لعيده أولكنيسته فإن ذبحها مسلم وذكر اسم الله عليها فإنها تحل مع الكراهة، وكذا إن ذبحها كتابي وذكر اسم الله، أما إذا ذكر غيره أو ترك التسمية عمداً فإنها لا تحل
    (7) الحنفية والشافعية - قالوا: يحل صيد الصبي غير المميز والمجنون والسكران بشرط أن يكون للجميع نوع قصد كما تحل ذبيحتهم إذا كانوا يعرفون الذبح، إلا أن الحنفية اشترطوا أن يعرف هؤلاء التسمية. وإن لم يعرفوا أنها شرط في حل الذبح فلم يذكروها، ويجوز ذبح الأعمى مع الكراهة دون صيده.
    أما الشافعية فإنهم لم يشترطوا ذلك، لأن التسمية ليست بشرط عندهم وقالوا: إن ذبيحتهم مكروهة
    (8) الشافعية - قالوا: التسمية ليست شرطاً عند إرسال الجارحة أو إرسال السهم، كما أنها ليست شرطاً في الذبيحة، وإنما تستحب التسمية عند ذلك استحباباً مؤكداً، فإن ترك التسمية عمداً أو سهواً حل الصيد والذبح بلا خلاف عندهم.
    الحنفية - قالوا: يشترط للتسمية في الحنفية قالوا: الصبي والمجنون والسكران
    (9) الحنفية - قالوا: يشترط للتسمية شروط بعضها يتعلق بالصيد وبعضها يتعلق بالذبح، فيشترط لها في الصيد ثلاثة شروط: أحدها أن تكون من نفس الصائد؛ فإذا سمى غيره فإن صيده لا يحل. ثانيها: أن تكون مقترنة بإرسال الجارحة أو رمي السهم وما أشبه، فإذا ترك التسمية عامداً عند الإرسال فإن صيده لا يؤكل، ولو سمى بعد ذلك وزجره مع السهم فانزجر، ومتى سمى عند رمي السهم أو إرسال الجارحة فقد حل له ما أصابه من صيد، سواء أصاب ما قصد صيده أو أصاب غيره لأن التسمية في الصيد إنما تكون على الآلة وقد وجدت، فالذي تصيبه بعد ذلك يكون حلالاص، فإذا أرسل كلبه وسمى عليه ليصيد له غزالاً فاصطاد له أرنباً فإنه يحل له أكله بخلاف الذبح فإن التسمية فيه إنما تكون على الحيوان المذبوح، فإذا أضجع شاة ليذبحها وسمى ثم أطلقها وأضطجع شاة أخرى فإنها لا تحل بالتسمية الأولى، بل لا بد من أن يسمي عليها، وإذا سمى وألقى السكين التي بيده وأخذ غيرها فإن ذبيحته تحل بدون تسمية، لأن التسمية على الحيوان لا على الآلة أما إذا سمى على سهم فتركه وأخذ سهماً غيره ولم يسم فإن صيده لا يحل. ثالثها أن تكون من نفس الصائد فلوسمى غيره لا يحل صيده، ويشترط للتسمية في الذبح أن تكون من نفس الذابح، ويجزئ التسبيح والتهليل، وأن تكون ذكراً خالصاً بأن تكون بأي اسم من أسمائه سواء كان مقروناً بصفة نحو: الله أكبر، الله أعظم، أو غير مقرون بصفة نحو: الله الرحمن.
    ويستحب أن يقول: بسم الله الله أكبر، وأن تكون التسمية من نفس الذابح حال الذبح وأن يكون الذبح عقب التسمية قبل تبدل المجلس، فإن اشتغلوا بأكل أو شراب فإن طال لم يحل الذبح، "وحد الطول ما يستكثره الناظر"، وأن لا يقصد بالتسمية شيئاً آخر كالتبرك في ابتداء الفعل، فإن فعل ذلك فإن ذبيحته لاتحل، وقد تقدم ذلك في كتاب الذكاة.
    الشافعية - قالوا: إن التسمية ليست شرطاً كما تقدم وإنما هي سنة، ويشترط أن يذكر مع اسم الله تعالى بدون أن يقرن به اسم غيره، فإن قال: بسم الله واسم محمد مثلاً فإن أراد أن يشرك مع الله غيره فقد كفر وحرمت ذبيحته، وإن لم يرد أن يشرك مع الله غيره حلت الذبيحة ولكن يكره إن قصد التبرك بذكر غير الله، ويحرم إن أطلق ولم يقصد شيئاً لإيهام التشريك بالله كما تقدم في باب الذكاة.
    المالكية - قالوا: يشترط التسمية عند إرسال الجارحة ونحوها، وعند تذكية الحيوان والنحر، وإنما تشترط في حَق المسلم؛ أما الكتابي فلا تشترط التسمية في حقه، والمراد بالتسمية ذكر الله تعالى لا خصوص بسم الله، ولكن الأفضل أن يقول: بسم الله الله أكبر.
    الحنابلة - قالوا: يشترط أن يقول: بسم الله عند إرسال السهم والجارحة، وعند حركة يده بالذبح أو النحر أو العقر، ولا يقوم مقام التسمية شيء بل لا بد من ذكرها بخصوصها، والأفضل أن يقول: بسم الله والله أكبر كما تقدم، ولا يضر أن يقدمها أو يؤخرها بزمن يسير، وإذا أرسل الجارحة ولم يسم عند إرسالها وتأخر كثيراً ثم سمى وزجر الجارحة فانزجرت؛ فإن صيده يحل، ولا يضر هذا التأخر، وإذا ترك التسمية عمداً حرم صيده وذبيحته، أما إذا تركها سهواً أو جهلاً فإن ذبيحته تحل دون صيده، لأن الذبيحة تكثر ويكثر فيها النسيان، بخلاف الصيد فإنه لا يتسامح فيه، وإذا سمى على صيد وأصاب غيره حل، أما إذا ترك رمي السهم عليه ورمى سهماً آخر لم يسم عليه فإن صيده لا يؤكل؛ لأن التسمية في الذبيحة على الحيوان، وفي الصيد على الآلة
    (10) المالكية - لهم رأيان قويان في كيفية إرسال الجارحة للصيد. أحدهما أن يكون الصائد ماسكاً لها بيده أو متعلقة به؛ كأن كانت تحت قدمه أو في حزامه أما إذا لم تكن معلقة به بل مفلوتة فأرسلها فإن صيدها لا يؤكل. ثانيهما أنه لا يشترط ذلك بل لوكانت الجارحة مفلوتة فأرسلها فإن صيدها يؤكل وإذا كانت الجارحة في يد خادمه فأمره بإرسالها فأرسلها فإن صيدها يؤكل لأن يد الخادم كيد سيده في ذلك، وتكفي نية الآمر وتسميته في ذلك، ولا يشترط في الخادم أن يكون مسلماً حينئذ لأن نيته غير لازمة اكتفاء بنية الآمر وهوسيده، فالإرسال منه حكماً، وسيأتي الكلام على النية قريباً.
    الحنفية - قالوا: يشترط أن يوجد الإرسال للجارحة من الصائد ولو كانت مفلوتة، فإذا انفلت الكلب ونحوه من صاحبه بدون أن يرسله فأخذ صيداً أوقتله فإنه لا يؤكل، أما إذا انفلت منه فزجره بصوته فانزجر به بأن اشتد عدوه وطلبه للصيد فإن صيده يؤكل. أما إذا لم يزجره أو زجره فلم ينزجر فإن صيده لا يؤكل لعدم تحقق شرط الإرسال؛ وكذا إذا انبعث وحده ولم يزجره صاحبه بل زجره مسلم فانزجر بصوته فإن صيده يحل استحساناً؛ أما إذا لم ينزجر أو زجره مجوسي فإن صيده لا يحل.
    الحنابلة - قالوا: يشترط أن يوجد الإرسال من الصائد؛ فإذا انبعث الكلب ونحوه بنفسه فقتل صيداً لم يحل.
    الشافعية - قالوا: إذا انبعثت الجارحة وحدها بدون أن يرسلها صاحبها فقتلت صيداً فإنه لا يحل؛ وإذا انبعثت وحدها فزجرها ليستوقفها فوقفت ثم أغراها بعد الوقوف فانطلقت وقتلت صيداً فإنه يحل بلا خلاف، أما إذا استرسلت ولم تقف فإن صيدها لا يؤكل؛ سواء زاد عدوها بزجره أولا؛ وكذا إذا لم يزجرها لتقف بل أغراها فإن لم يزد عدوها بإغرائه فإن صيدها لا يحل قطعاً؛ وإن زاد عدوها بإغرائه فقولان: والصحيح أنه لا يحل؛ وإذا زجرها لتقف فلم تطعه فأغراها فإنه لا يحل
    (11) المالكية - قالوا: إن كان الصائد أو الذابح مسلماً فإنه يشترط في حقه أن ينوي حل أكل الحيوان الذي يذبحه أو يصيده إما حقيقة وإما حكماً، والنية الحكمية: هي أن يقصد الذكاة الشرعية وإن لم يلاحظ حل الأكل؛ فإن هذا القصد في حكم قصد حل الأكل؛ إذ لا معنى لكون الذكاة شرعية إلا كونها سبباً لحل أكل الحيوان، وهذا كاف في الجزم بنية التحليل حتى لوشك في إباحة الصيد فإنه لا يحل. أما إذا كان كتابياً فإنه يكفي منه قصد الفعل وإن لم ينو التحليل في قلبه، لأنه إذا اعتقد حل الميتة أكلت ذبيحته إذا كانت بحضرة مسلم عارف بأحكام الذبح كما تقدم، وذلك لأن النية بمعنى اعتقاد الحل بالذبح لا تشترط في الكتابي. ويحرم على المكلف أن يصطاد بغير نية الذكاة كأن لم ينو شيئاً أصلاً أو ينو اللهو واللعب، أما إذا نوى اقتناء الصيد لغرض شرعي كتعليمه إرسال الكلب أو الاتجار فيه توسعة على نفسه وعياله ولوفي الأمور الكمالية كأكل الفاكهة فإنه جائز. أما صيد الحيوان للفرجة عليه واتخاذ ذلك حرفة يعيش منها فقولان: فبعضهم يقول بالجواز، وبعضهم يقول بالمنع.
    الحنفية - قالوا: التسمية شرط بالنص، وإنما تتحقق بالقصد فلا بد من النية. ولذا لا تصح ذكاة المجنون المستغرق الذي لا قصد له، أما المعتوه الذي يتأتى منه القصد ويعقل لفظ التسمية ويضبط فعل الذبح الشرعي فإن ذبيحته تحل ولولم يأت بالتسمية لعدم علمه بشرطيتها، فإن الجاهل بها كالناسي، ومثل المعتوه الصبي والسكران في ذلك، وإذا قال: بسم الله ولم تحضره النية فإن ذبيحته تحل حملاً على ظاهر حاله من أنه قصد التسمية على الذبيحة، أما إذا قال: الحمد لله أو سبحان الله أولا إله إلا الله فإنه لا بد من قصد التسمية، لأن هذا كنى به عن التسمية، والكناية لا بد فيها من النية.
    الشافعية - قالوا: يشترط أن يقصد الصائد أو الذابح إيقاع الفعل على العين التي يريدها وإن أخطأ في ظنه أو يقصد إيقاع الفعل على واحد من الجنس وإن أخطأ الإصابة، مثال الأول أن يرمى شيئاً يظنه جماداً فيظهر أنه حيوان مات برميته فإنه يؤكل، لأنه كان يقصد عيناً وإن أخطأ في ظنه. ومثال الثاني أن يرمي قطيع ظباء فيصيب واحدة فإن أكلها يحل، لأن قصد الجنس فأخطأ الإصابة، وكذا إذا قصد واحدة فأصاب غيرها، فإذا لم يقصد العين أو الجنس لا يحل الحيوان، كما إذا وقعت منه السكين فأصابت حيواناً فذبح فإنه لا يحل، ولا يشترط قصد الذبح بل الشرط قصد الفعل كما ذكر، فإذا صال حيوان على شخص فضربه بسيفه فقتله فإنه يحل، وإن لم يقصد ذبحه لأن المعتبر قصد الفعل وقد حصل.

    الحنابلة - قالوا:
    يجب قصد التذكية، فإذا وقع سيف على مذبح حيوان فأماته لا يؤكل لعدم القصد، ولا تشترط إرادة الأكل اكتفاء بإرادة التذكية.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #83
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب الحظر والاباحة]
    صـــــ 29 الى صــــــــ39
    الحلقة (83)


    [الشروط المتعلقة بآلة الصيد]
    تنقسم آلة الصيد إلى قسمين: جماد، وحيوان. فالأولى كالسهم يرمي به الصائد صيده والثاني الجوارح وهي كلاب الصيد ونحوها من الحيوانات المفترسة كالنمر والفهد والأسد إذا تعلمت الصيد، ومثلها سباع الطير كالشواهين.
    فأما القسم الأول فإنه يشترط له شروط: منها أن يصيب الحيوان بحده أو بنصله، فإذا رماه بسكين أو سيف أو حربة أو سهم فأصابه بحدها أو نصلها فقتله فإنه يحل، أما إذا أصابه بعرضها فقتله ثقلها ولم يدركه حياً ويذبحه فإنه لا يحل، ومثل ذلك ما إذا رماه بعصا أو خشبة أو حجر لاحد له فأماته فإنه لا يحل، وكذلك إذا نصب له شبكة أو شركاً فاختنق بها ومات قبل أن يذبحه فإنه لا يحل، وكذا إذا رماه برصاص البنادق أو رشها فأماته فإنه لا يحل (1) فإذا احتمل الحيوان الرمية كأن كان كبيراً وأدركه وفيه حياة مستقرة وذبحه فإنه يحل. فالاصطياد بالبنادق جائز إذا كان الرامي حاذقاً وكان الحيوان يحتمل الضربة فيقع بها حياً.ومنها أن تجرح آلة الصيد الحيوان وتريق دمه (2) في أي موضع من بدنه ولوأذنه. ومنها أن يتحقق من أن السهم ونحوه هو الذي قتل الحيوان وحده بدون أن يشترك معه سبب آخر فإذا رخى الصيد بسهم فأصابه إصابة يمكن أن يعيش بعدها ثم وقع وهوحي في ماء يغرقه ويميته عادة ومات فإنه لا يحل لاحتمال أن يكون قد مات بسبب الماء،
    فقد اجتمع على قتله سببان:
    مبيح لأكله وهو الجراحة بالسهم، ومانع وهو الغرق بالماء، فيقدم السبب المانع احتياطاً، ومثل ذلك ما إذا رماه فوقع على جبل أو ربوة ثم تردى من فوقها وكان يقتل مثله بذلك عادة فإنه لا يحل، أما إذا نفذ السهم في عضوعن أعضائه الرئيسية ومزقه وثبت قتله بهذه الرمية بحيث لم يبق فيه بعدها سوى حركة المذبوح ثم سقط بعذ ذلك في الماء، أو تردى من مرتفع يميته عادة فإنه يحل (3) .ويستثنى من ذلك ما لا يمكن الاحتراز عنه إذا رماه وهو يطير في الهواء فسقط على الأرض أو على آجرة مطروحة على الأرض فإنه يحل بدون نظر إلى احتمال أن سقوطه كان سبباً في قتله، إذ لواعتبر ذلك لما حل صيد أبداً، ومثل ذلك ما كان يطير في هواء البحر أو على وجه الماء ورمي فوقع في الماء فإنه يحل (4) ما لم يغمس في الماء وتكون الرمية غير قاضية على حياته وحدها لاحتمال أن يكون قد مات بالغرق حينئذ.
    وإذا رمى صيداً فقطعه نصفين فإنه يؤكل بجميع أجزائه، وكذا لورماه فقطع رأسه وحدها أوقطع نصفها أوقطعها مع جزء من جسمه لا يتصور أن يعيش معه الحيوان فإنه يحل أكله وأكل ما قطع منه، أما إذا قطع منه عضواً يتصور أن يعيش بدونه كاليد والرجل والفخذ والثلث الذي يلي العجز ثم مات الحيوان (5) بذلك أو أدركه حياً وذكاه فإنه يحل اكل الحيوان ويحرم أكل ذلك العضوالذي قطع منه لأن الجزء الذي ينفصل من الحي ميتة إلاّ أن يكون قد قطع ولكنه لم ينفصل منه تمام الانفصال، بأن كان متعلقاً بلحمه بحيث يمكن التئامه ورجوعه إلى حالته لوكان حياً فإنه في هذه الحالة تصبح تذكية الحيوان تذكية لذلك العضو المتصل به، بخلاف ما إذا كان متعلقاً به تعلقاً يسيراً، كأن يكون متصلاً بجلده (6) أو بعرق منه بحيث لا يتصور التئامه ورجوعه إلى هيئته الأولى.وأما الشروط المتعلقة بالجوارح فهي مفصلة في المذاهب (7) .
    [الوليمة]
    تعريفها في اللغة: اسم لطعام العرس خاصة فلا تطلق على غيره حقيقة، والعرس - بضم العين - يطلق على العقد وعلى الدخول، ولكن الفقهاء يريدون منه الدخول، فالمراد بوليمة العرس عندهم الدعوة إلى الطعام الذي يعمل عند الدخول على المرأة والبناء بها، أما الأطعمة الأخرى التي تصنع عند حادث السرور ويدعى إليها الناس عادة فلها أسماء أخرى غير الوليمة، فلا تسمى وليمة تسمية حقيقية.وأنواعها كثيرة،
    منه:
    الطعام الذي يصنع عند العقد على الزوجة ويسمى طعام الإملاك - بكسر الهمزة -
    والإملاك:
    التزويج، ويقال له أيضاً شندخ - بضم الشين المعجمة وسكون النون وفتح الدال -
    مأخوذ من قولهم:
    فرس مشندخ، أي يتقدم غيره، فسمي بذلك هذا الطعام لأنه يتقدم على العقد وعلى الدخول،
    ومنها:
    الطعام الذي يصنع عند الختان ويسمى إعذاراً - بكسر الهمزة -،
    ومنها:
    الطعام الذي يعمل لسلامة المرأة من الطلق والولادة ويسمى خرساً - بضم الخاء وسكون الراء،
    ومنها:
    الطعام الذي يصنع للقدوم من السفر ويسمى نقيعة، مأخوذة من النقع، وهو الغبار،
    ومنها:
    الطعام الذي يصنع للصبي عند ختم القرآن ونحوه، ويسمى حذاقاً - بكسر الخاء وتخفيف الذال - مشتق من الحذق لأنه يشير إلى حدق الصبي،
    ومنها:
    الطعام الذي يصنع للمآتم ويسمى وضيمة،
    ومنها:
    الطعام الذي يصنع لبناء الدار ويسمى وكيرة،
    ومنها:
    طعام العقيقة.
    [حكم الوليمة وغيرها]
    أما الوليمة، وهي طعام العرس الذي يدعى إليه الناس كما عرفت، فإنه سنة (8) مؤكدة، فيسن عند الدخول بالمرأة أن يولم الزوج بما تطيب به نفسه ويقدر عليه مثله، فإذا كان يقدر على أن يذبح لهم،
    فيسن أن لا ينقص عن شاة لأنها أقل ما يطلب من القادر لقوله عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن عوف:
    "أولم ولو بشاة" من حديث رواه البخاري، أما إذا لم يقدر فإنه يكتفي منه بما يستطيع، فقد روى البخاري أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم "أولم على بعض نسائه بمدين من شعير".
    أما غير الوليمة من الأطعمة التي تصنع عند حادث السرور وهي التي ذكرت أسماؤها آنفاً فإن في حكمها تفصيلاً في المذاهب (9) .
    [وقتها]
    وفي وقت وليمة العرس المذكور تفصيل في المذاهب (10) .
    [إجابة الدعوة إلى الوليمة وغيرها]
    إجابة الدعوة إلى الوليمة وهي "طعام العرس خاصة" كما تقدم فرض (11) ، فلا يحل لمن دعي إليها أن يتخلف عنها، أما إجابة الدعوة إلى غير الوليمة من الأطعمة التي ذكرت آنفاً كطعام الختان، والقدوم من السفر وغيرهما فإنها (12) سنة.
    وإنما تجب الإجابة أو تسن بشروط:
    منها أن لا يكون الداعي فاسقاً مجاهراً أو ظالماً وله غرض فاسد كالمباهاة والمفاخرة أو التأثير على المدعو ليستخدمه في معصية كدعوة القاضي ليحول بينه وبين الحكم بالحق. ومنها أن يكون المدعو معذوراً بعذر شرعي يتيح له التخلف عن الجماعة كمرض ونحوه، وأن يكون معيناً بالدعوة،
    فلوقال الداعي للناس:
    هلموا إلى الطعام بدون تعيين فإن الإجابة لا تجب. ومنها أن لا تكون الوليمة مشتملة على محرم أو مكروه؛ فإذا لم تستوف الشروط فإن الإجابة لا تفرض ولا تسن، وفي شروط الإجابة تفصيل في المذاهب(13) .
    ومتى أجاب الدعوة فقد أدى الفرض أو السنة، فلا يكلف بالأكل من الطعام، وإنما الأكل مستحب (14) فإذا دعي وهوصائم فعليه أن يذهب إلى محل الوليمة ويخبر الداعي بأنه صائم ويدعوله ثم ينصرف، فإن كان يشق ذلك على صاحب الوليمة ويؤلمه عدم الأكل، فإن كان الصيام نفلاً فإنه يستحب للمدعوأن يفطر (15) ، لأن ثواب إدخال السرور على أخيه المسلم وعدم كسر قلبه أكبر من صيام التطوع، أما إن كان الصيام فرضاً فإنه لا يصح له الفطر على أي حال، هذا ومن الأدب أن يقبل الداعي عذره ولا يلح عليه في الأكل.





    (1) المالكية - قالوا: إنه لم يوجد نص من المتقدمين في الصيد برصاص البنادق ولكن كثيراً من المتأخرين يوثق بهم قالوا: يحل أكل ما يصطاد به ويميته لأنه يريق الدم ويسرع في القتل أكثر من غيره، والغرض من الذكاة الشرعية إنما هو الإجهاز السريع على الحيوان كي يستريح من التعذيب فكلما كان أسرع في الإجهاز عليه كان استعماله أحسن، ولا يشترط أن يكون الجرح بالشق بل يصح أن يكون بالخرق أيضاً.
    الحنفية - قالوا: إن الأصل في ذلك أن يكون شك، شك في أن موت الصيد كان بسبب الجرح لا بسبب الثقل فإذا تحقق أنه مات بالثقل أو شك في ذلك، فإنه لا يحل أكله ما لم يدركه وفيه حياة مستقرة ويذبحه كما تقدم بيانه.
    فالصيد الذي يرمى برصاص البنادق فإنه وإن كان الرصاص يريق ويخرق الجسم ولكنه يشك في أن الحيوان هل مات بثقل اندفاع الرصاص أو بالجرح الناشئ من الإصابة؟ فإذا وجد هذا الشك فإنه لا يحل، أما إذا تحقق أنه مات بالجرح لا بالثقل فإنه يحل.
    ومثل الرصاص الرش، فإنه إذا رمي به حيوان كبير لا يتصور أن يموت بثقل اندفاع الرش فإنه يحل، لأن موته بسبب الجرح من غير شك، أما إذا رمي به حيوان صغير ضعيف كالعصافير الضعيفة التي يتصور أن تموت بثقل اندفاع الرش فإنها لا تحل إلا بتحقق أنها ماتت بسبب الجرح لا بسبب الثقل
    (2) الحنفية - قالوا: اختلفوا في إراقة دم الصيد فقال بعضهم: إنها تشترط مطلقاً سواء أكان الجرح صغيراً أم كبيراً، وقال بعضهم: إن إراقة الدم لا تشترط مطلقاً ويكفي الجرح ولوصغيراً، وفصل بعضهم فقال: إن كان الجرح كبيراً لا تشترط إراقة الدم، وإن كان صغيراً فلا بد من الإراقة
    (3) المالكية - قالوا: إن إراقة الدم شرط في حل الصيد حتى ولولم يشق الجلد إلا إذا كان الحيوان مريضاً، فإن إراقة الدم لا تشترط، وإنما الذي يشترط فيه هو الشافعية قالوا: الجلد، فإذا لم يشق جلده فإنه لا يحل
    (4) الحنابلة - قالوا: إذا رمي الصيد فوقع في ماء يغرقه ويميته عادة ثم مات فإنه لا يحل على أي حال، ولو كانت الرمية قد مزقت أعضاءه الرئيسية إلا إذا كان يطير على الماء فإنه يعفى عن سقوطه حينئذ كما يعفى عن سقوطه على الأرض من الهواء، وكذا إذا سقط في الماء بجسمه وكان رأسه خارج الماء فإنه يحل على أي حال
    (5) الشافعية - قالوا: إذا قطع يده أو رجله أو جزءاً منه يمكنه أن يعيش بدونه ولكنه قد مات الحيوان بهذه الرمية فإنه يؤكل هووما انفصل منه من يد أو رجل بشرط أن يكون الجرح مسرعاً للموت ولم يدركه وبه حياة مستقرة ولم يجرحه جرحاً آخر مات بسببه الخ - أما إذا لم يمت بهذه الرمية فقتله برمية أخرى أكل ما بقي ثابتاً من أعضائه، ولم يؤكل العضوالذي انفصل منه وفيه الحياة وكذا لوأدركه وفيه حياة مستقرة وذبحه
    (6) الحنابلة - قالوا: إذا بقي العضو متعلقاً بجلده فيباح أكله بإباحة أكل الحيوان الذي تعلق به، ويصبح كسائر أجزائه
    (7) الحنابلة - قالوا: الجوارح نوعان، أحدهما: ما يصيد بنابه كالكلب والفهد وكل ما أمكن الاصطياد به. ثانيهما: ذوالمخلب - بكسر الميم - كالبازي والصقر والعقاب والشاهين وغيرها، ويشترط في إباحة الصيد بالنوعين كونها متعلمة، كما قال تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم} وتعليم النوع الأول منها أي الكلب وغيره يكون بثلاثة أشياء،
    الأول: أن يطيع صاحبه إذا أرسله،
    والثاني: أن ينزجر إذا زجره صاحبه، سواء في حال مشاهدته الصيد أولا،
    الثالث: أن لا يأكل مما يصيد. على أن هذه الشروط إنما هي في الكلب خاصة، أما الفهد وغيره فيكفي فيه ترك الأكل لتعذر انزجاره بزجر صاحبه، ولا يلزم تكرار ترك الأكل، بل يجزئ تركه مرة واحدة، فإذا تناول من صيد فيحرم أكل هذا الصيد الذي تناول منه، ولا يخرج بذلك عن كونه متعلماً، فلواصطاد بعدها ولم يأكل حل صيده. وإن شرب الكلب دم الصيد ولم يأكل منه فلا يحرم. أما تعليم النوع الثاني فهوبأمرين،
    أحدهما: أن يطيع إذا أرسل، ويرجع إذا دعي؛ أما ترك الأكل فليس شرطاً في حقه، فما اصطاده حلال ولوأكل منه، ويشترط في ذي المخلب أن يجرح الصيد فلوقتله بعد رميه أو خنقه لم يبح.
    وهم يقولون بحرمة صيد الكلب الأسود البهيم كما يحرم اقتناؤه لحديث صحيح عملوا بظاهره كما لا يحل صيد الخنزير.
    الشافعية - قالوا: يشترط لتحقق كونه معلماً أربعة شروط،
    أحدها: أن ينزجر بزجر صاحبه في ابتداء إرساله، فلوزجره فلم يطعه فلا يعد معلماً، وكذا زجره بعد أن يعدوويشتد عدوه فلولم يطعه فلا يعد معلماً على الصحيح.
    الثاني: أن يسترسل بإرساله بأن يهيج لوأغراه بالصيد. أن يمسك الصيد فيحبسه على صاحبه ولا يخليه.
    الرابع: أن لا يأكل منه. وهذه الشروط الأربعة في الطلب وما في معناه من جوارح السباع. وأما جوارح الطير فيشترط فيها أن تهيج لوأغراها بالصيد، وأن تترك الأكل من الصيد على المعتمد، أما انزجارها بعد أن تطير فليس بشرط، وكذلك منعها عن الطيران في ابتداء أمرها فليس بشرط، ويشترط تكرار حصول هذه الشروط حتى يغلب على الظن أن الجارحة صارت معلمة، ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح، فمتى قالوا: إنها صارت معلمة فإن صيدها يؤكل، فلا يقدر حصولها بمرة أو مرتين على المعتمد، فلوفقد شرط من هذه الشروط فإن الصيد يحرم إلا إذا أدركه حياً فذبحه فيحل حينئذ، ولا يشترط في الجارحة أن تجرح الصيد الذي تضطاده، فلوقتلته بثقلها عليه، أو ضربته في جدار فأماتته، أو صدمته في حجر، أو ضربته بالأرض ونحو ذلك فيحل؛ ولوظهر كون الكلب معلماً ثم أكل صيداً لم يحل ذلك الصيد على أظهر قولي الشافعي، ويشترط تعليم جديد، ولا يضر في كونها معلمة لعق الدم، ومحل عض الكلب يجب غسله بماء وتراب - على الراجح - كجميع النجاسات الكلبية، وقيل يجب تقويره وطرحه، وقيل يعفى عنه فلا يجب غسله، وقيل بطهارته.
    الحنفية - قالوا: يشترط لتحقق كون الجارح معلماً أن يمسك الصيد ويحبسه على المالك، وأن يترك الأكل منه، وأن يجيبه إذا دعاه، وأن يجيبه إذا أرسله إلى الصيد، ولا يصبح معلماً إلا إذا حصل ذلك منه ثلاث مرات على الصحيح، ثم يباح الأكل في الرابعة، وقيل يباح في الثالثة أيضاً، هذا في الكلب ونحوه من جوارح السباع. وأما جوارح الطير كالشاهين والصقر والبازي فلا يشترط فيه ترك الأكل، وإنما يعتبر معلماً إذا أجاب صاحبه عند دعوته، فمتى أجابه عند الدعوة الثالثة من غير أن يطمع في اللحم صار معلماً. أما إذا أجابه طمعاً في اللحم فلا يعتبر معلماً، ولا يضر إذا دعاه فلم يجبه في المرة الأولى والثانية، أما لودعاه في الثالثة فلم يجبه فلا يعتبر معلماً.
    ويشترط في الجوارح أن تجرح الصيد على المعتمد، فلوخنقت الجارحة الطير أوقتلته بثقلها ونحو ذلك فلا يؤكل. ويستثنى من الجارحة البازي والصقر فإنهما لا يشترط فيهما أن يجرحا الصيد، ويباح أكله لوقتلاه خنقاً أو بثقلهما باتفاق. وفي إراقة الدم الخلاف المتقدم في الصيد بالآلة.
    المالكية - قالوا: الجارحة المعلمة هي التي متى أرسلت أطاعت، ومتى زجرت انزجرت، إلا البازي فإنه لا ينزجر، وعصيان المعلم مرة لا يخرجه عن كونه معلماً كما يكون المعلم معلماً بطاعته مرة، إنما المعتبر في التعليم وعدمه العرف.
    ويشترط في الجارحة أن تجرح الصيد وتريق دمه، إلا أن يكون المصيد مريضاً فإنه يكتفى بشق جلده وإن لم يرق دمه كما تقدم، فلوقتل الصيد بجسمه أو بضربه بالأرض أو نحو ذلك فلا يحل

    (8) المالكية - قالوا: الوليمة مندوبة لا واجبة ولا سنة على الصحيح
    (9) الشافعية - قالوا: يسن صنع الطعام والدعوة إليه عند كل حادث سرور، سواء كان للعرس أوللختان أوللقدوم من السفر إلى غير ذلك مما ذكر، فليست السنة خاصة بوليمة الطعام وكما أن الوليمة تصدق على طعام العرس، فكذلك تصدق على غيره، ولكن صدقها على وليمة العرس أكثر. وإنما يسن عمل الطعام عند القدوم من السفر إذا كان السفر طويلاً عرفاً في بعض النواحي البعيدة، فإن كان يسيراً أو كان في ناحية قريبة فإنه لا يسن. أما الوضيمة وهي الطعام الذي يعمل عند الموت فإنه يسن أن يكون من جيران الميت.
    الحنفية - قالوا: السنة هي وليمة العرس، وهي أن الرجل إذا بنى بامرأته فإنه يسن أن يدعو الأقارب والجيران والأصدقاء ويصنع لهم طعاماً ويذبح لهم. أما الدعوة إلى طعام غير العرس كالدعوة إلى طعام الختان ونحوه مما ذكر، فإنها جائزة متى كانت خالية من محظور ديني، أما الطعام الذي يصنع للمأتم فإنه يجوز أن يصنعه لأهل الميت غيرهم ويحمله إليهم ويأكل معهم في اليوم الأول لأنهم مشغولون، أما في اليوم الثاني وما بعده فإنه مكروه. ولا تباح الضيافة ثلاثة أيام في أيام المصيبة، وإذا فعل فلا بأس من الأكل منه. وإن عمل طعام للفقراء كان حسناً بشرط أن لا يكون من مال القاصر.
    المالكية - قالوا: إن المندوب هووليمة العرس فقط كما تقدم، وأما غيره كطعام الختان فإنه جائز ليس بواجب ولا مستحب.
    الحنابلة - قالوا: إن المسنون هو الدعوة إلى طعام العرس خاصة، أما غيرها من الأنواع التي ذكرت فإن الدعوة إليه جائزة ما عدا الدعوة إلى طعام المأتم فإنها مكروهة، وفي الدعوة إلى الختان قولان: فقيل مكروهة، وقيل جائزة. أما الدعوة إلى طعام العقيقة فإنها سنة
    (10) المالكية - قالوا: وقت وليمة العرس عند الدخول بالزوجة سواء كان قبله أو بعده، واستحب بعضهم أن تكون قبل الدخول، لأن الغرض منها إشهار النكاح، فيناسب إشهاره قبل الدخول، وما روي عن مالك من أنها تكون بعد البناء، فإن المراد منه ما إذا فاتته قبل البناء. وتكرارها، فالمندوب هو الدعوة إلى أكلة واحدة، ويصح تكرار المائدة في أوقات مختلفة إذا كان المدعو أولاً غير المدعو ثانياً.
    الحنفية - قالوا: وقت وليمة العرس حين البناء، وتستمر الدعوة إلى الطعام بعد البناء واليوم الذي بعده ثم ينقطع العرس والوليمة.
    الحنابلة - قالوا: وقت استحباب وليمة الطعام موسع فإنه يكون من بعد حصول عقد النكاح إلى انتهاء العرس بدون تقرير، فلا مانع مما جرت به العادة من أن تكون الوليمة قبل الدخول بزمن يسير.
    فإذا شرع في الوليمة فإنها تستمر يومين، اليوم الأول واليوم الثاني، أما اليوم الثالث فإنها تكون مكروهة لقوله عليه الصلاة والسلام: "الوليمة أول يوم حَق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة". رواه أبوداود وابن ماجة وغيرهما.
    الشافعية - قالوا: وقت وليمة العرس سدخل بالعقد ولا يفوت بطول الزمن، وقال بعضهم: تستمر الوليمة إلى سبعة أيام في البكر، وثلاثة في الثيب، وبعدها تكون قضاء، والأفضل فعلَها بعد الدخول

    (11) الحنفية - قالوا: لهم رأيان في ذلك:
    "أحدهما" أن الإجابة سنة مؤكدة، سواء كانت الدعوة إلى وليمة أو غيرها متى استكملت الشروط.
    "ثانيهما" أن الإجابة سنة مؤكدة قريبة من الواجب في وليمة النكاح وهو المشهور. أما الإجابة إلى غير الوليمة فهي أفضل من عدم الإجابة. وبعضهم يقول: إن الإجابة إلى وليمة النكاح واجبة لا يجوز تركها
    (12) المالكية - قالوا: إجابة الدعوة إلى الطعام تنقسم إلى خمسة أقسام،
    الأول: واجبة وهي إجابة الدعوة إلى طعام وليمة النكاح،
    والثاني: مستحبة وهي الإجابة إلى المأدبة "بضم الدال وفتحها" وهي الطعام الذي يصنع للوداد.
    الثالث: مباحة وهي الإجابة إلى الطعام الذي يصنع بقصد حسن غير مذموم كالعقيقة للمولود، والنقيعة للقادم من السفر، والولكيرة لبناء الدار، والخرس للنفاس، والإعذار للختان ونحو ذلك.
    الرابع: مكروهة وهي الإجابة إلى طعام يعمل بقصد الفخر والمحمدة.
    الخامس: محرمة وهي الإجابة إلى طعام يفعله الرجل لمن يحرم عليه هديته كأحد الخصمين للقاضي
    (13) الحنابلة - قالوا: يشترط لإجابة الدعوة شروط:
    أحدها: أن يكون المدعو معيناً بشخصه فلودعي ضمن أناس كأن قال الداعي لجماعة يا أيها الناس هلموا إلى الطعام فإنه لا تجب الإجابة على واحد منهم، كما إذا قال لرسوله: ادع من شئت أو من لقيته؛ فإن الإجابة لا تجب في هذه الحالة.
    ثانياً: أن يكون الداعي مسلماً يحرم هجره، فإذا دعاه ذمي فإن إجابته تكره، وكذا إذا دعاه ظالم أو فاسق أو مبتدع أو متفاخر بها، فإن إجابته لا تلزم بل تكره.
    ثالثاً: أن يكون كسب الداعي طيباً، فإن كان كسبه كله خبيثاً فإنه لا تلزم الإجابة بل تحرم وإن كان بعض ماله حلالاً والبعض حراماً ففي إجابة الدعوة والأكل منه أقوال: أحدها الكراهة ورجحه بعضهم. ثانيها الحرمة. ثالثها التفصيل، وهو: إن كان الحرام أكثر حرم الأكل وإلا فلا.
    رابعها أن لا يكون المدعوغير قادر على الحضور كأن كان مريضاً أو ممرضاً لغيره أو مشغولاً بحفظ مال نفسه أو غيره، أو كان في شدة حر أو برد أو مطر يبل الثياب أو وحل، فإن الإجابة في كل هذه الأحوال لا تجب، لأنها أعذار تبيح ترك الجماعة، فكذلك تبيح ترك إجابة الدعوة للوليمة.
    خامساً: أن لا تكون الوليمة مشتملة على منكر كأن يكون فيها مضحك بفحش أو كلام كاذب، أو يكون فيها مومسات يتهتكن بالرقص ونحوه، أو كانت المائدة مشتملة على خمر أوآنية من ذهب أو فضة أو عود أو مزمار ونحوها، فإن الإجابة في كل ذلك لا تجب بل تحرم، إلا إذا كان قادراً على إزالة المنكر فإنه يجب عليه الحضور والإنكار وبذلك يؤدي واجبين: واجب إزالة المنكر، وواجب إجابة الدعوة، فإذا لم يعلم بهذه المحظورات وحضر وشاهد المنكر فإنه يجب عليه إزالته إن قدر، فإن لم يقدر فإنه يجب عليه الانصراف. أما إذا علم بالمنكر ولم يره بعينه فإن له الجلوس والأكل، وله الانصراف.
    سادساً: أن يدعوه في اليوم الأول، فإذا دعاه في اليوم الثاني فإن الإجابة لا تجب بل تستحب وإذا دعاه في اليوم الثالث فإن الإجابة تكره.
    المالكية - قالوا: تفترض إجابة الدعوة إلى وليمة النكاح بشرط:
    أولاً: أن يكون المدعو معيناً بشخصه صريحاً أو ضمناً،
    ومثال الأول: أن يدعوه صاحب الوليمة بنفسه أو برسوله ولو كان غلاماً،
    ومثال الثاني: أن يرسل رسولاً ليدعو أهل محل كذا وهم محصورون، فإن كان كل واحد منهم يكون معيناً ضمناً، أما إذا لم يعين المدعو لا صراحة ولا ضمناً كأن يقول لرسوله: ادع من لقيت أوادع الفقراء وهم غير محصورين فإنه لا تجب الدعوة بذلك.
    ثانياً: أن يكون في الوليمة من يتأذى بالاجتماع معه من الأرذال والسفلة، كأن يخاف على مروءته ودينه، أو يخشى أن يلحقه أذى منهم، أما إذا كان يتأذى بمجرد رؤية أحد يكرهه لحظ نفسي فإن الإجابة لا تسقط عنه بذلك.
    ثالثاً: أن لا تكون الوليمة مشتملة على منكر شرعاً، كفرش حرير يجلس هوعليه أو يرى من يجلس عليه ولو فوق حائل، أو تكون مشتملة على آنية من ذهب أو فضة أو مشتملة على ما يحرم سماعه من الأغاني المشتملة على ما لا يجوز، فإن كان المنكر في محل آخر ولم يسمعه أو يره فإنه لا يبيح له التخلف وإلا أباحه. لأن سماع المعصية حرام كرؤيتها.
    رابعاً: أن لا يكون منصوباً في مكان الوليمة صورة حيوان أو إنسان مجسدة كاملة الأعضاء الظاهرة التي لا يمكن أن يعيش بدونها ولها ظلّ، فإن لم تكن كاملة الأعضاء التي لا يعيش بدونها ولا ظل لها كأن كانت مبنية في وسط الحائط فإنها لا تضر، لأن الذي يحرم تصويره من الحيوان العاقل وغيره: وهوما استوفى هذه الشروط، وسيأتي الكلام في ذلك مفصلاً، هذا وقد رخص بعضهم في حضور الوليمة المشتملة على محرم شرعاً إذا كان صاحبها ذا سطوة وسلطان يخشى من شره.
    خامساً: أن لا يكون هناك زحام كثير.
    سادساً: أن لا يغلق الباب دونه ولو للمشاورة عليه، أما إذا أغلق الباب لمنع الطفيلية أولحفظ النظام فإن إغلاقه لا يبيح له التخلف.
    سابعاً: أن يكون الداعي مسلماً وأن لا يكون المدعو معذوراً بعذر شرعي مبيح له التخلف كمرض ونحوه، وأن لا يكون الداعي فاسقاً أو شريراً أو مفاخراً أو تكون امرأة غير حرم أو من تخشى من إجابته ريبة.
    الحنفية - قالوا: لا يسن إجابة الدعوة إلا بشروط:
    أولاً: أن لا يكون الداعي فاسقاً مجاهراً بالفسق، فلا تسن إجابة الفاسق والظالم بل تكون خلاف الأولى، لأنه ينبغي أن يتورع عن أكل طعام الظلمة وإن كان يحل.
    ثانياً: أن لا يكون غالب ماله حراماً فإن علم بذلك فإنه لا تجب عليه الإجابة؛ ولا يأكل ما لم يخبره بأن المال الذي صنع منه الطعام حلال أصابه بالوراثة ونحوها، فإن كان غالب ماله حلالاً فإنه لا بأس بالإجابة والأكل.
    ثالثاً: أن لا تكون الوليمة مشتملة على معصية كخمر ونحوه.
    فمن دعي إلى وليمة فإن الإجابة لا تسن في حقه إذا علم أنها مشتملة على معصية؛ فإن لم يعلم بها فإن الإجابة لا تسقط عنه؛ فإذا ذهب وهو يعلم ووجد المعصية كشرب الخمر والتماثيل؛ فإن كانت على المائدة فإنه يجب عليه أن لا يجلس بليخرج معرضاً، أما إذا كانت المعصية في مكان بعيد عن المائدة وهو يسمعها أو يراها، فإن قدر على إزالتها وجب عليه أن يفعل، وإن لم يقدر فإن كان ممن يقتدى به فإنه يجب عليه أن يخرج أيضاً؛ وإلا فلا بأس بأن يقعد ويأكل؛ أما إذا كان عالماً قبل أن يذهب فإنه لا يحل له الذهاب إلا إذا كان له تأثير على أنفسهم فيتركون المنكر من أجله، فإنه في هذه الحالة تجب عليه الإجابة، ويجب عليه الذهاب لإزالة المنكر، ولا بأس بإجابة دعوة النصارى واليهود، لأنه لا بأس بالأكل من طعامهم كله، سواء أكان ذبيحة أم غيرها أما المجوس فإنه يحل أكل طعامهم ما عدا الذبيحة فإنها حرام.
    رابعاً: أن لا يكون المدعو معذوراً بعذر شرعي كمرض ونحوه.
    خامساً: أن يعينه الداعي بشخصه صريحاً أو ضمناً.
    سادساً: أن تكون الدعوة في وقت الوليمة المشروع.
    الشافعية - قالوا: يشترط لوجوب إجابة الدعوة في وليمة النكاح وسنيتها في غيرها شروط:
    أولاً: أن لا يخص الداعي الأغنياء بدعوته بل يدعوهم والفقراء، وليس الغرض من هذا أن يدعوالناس جميعاً، بل الغرض أن لا يقصر دعوته على الأغنياء ملقاً ونفاقاً ومفاخرة ورياء لأن هذه حالة لا يقرها الدين فمن قامت به لا يكون له الحنفية قالوا: على غيره، أما إذا دعا الأغنياء صدفة واتفاقاً كأن كانوا جيراناً له أو أهل حرفته فإنه لا يضر.
    ثانياً: أن تكون الدعوة في اليوم الأول من أيام الوليمة، فإن أولم ثلاثة أيام أو أكثر كسبعة لم تجب الإجابة إلا في اليوم الأول وتكون مستحبة في اليوم الثاني، وتكره فيما بعد ذلك.
    ثالثاً: أن يكون الداعي مسلماً، فإن كان كافراً فإن الإجابة لا تجب، ولكن تسن إجابة الذمي سنة غير موكدة.
    رابعاً: أن يكون الداعي له مطلق التصرف، فإن كان محجوراً عليه تحرم الإجابة إن كانت الوليمة من ماله، أما إذا فعلها وليه من مال نفسه فإن الإجابة إليها تكون واجبة.
    خامساً: أن يعين الداعي من يدعوه بنفسه أو برسوله.
    سادساً: أن لا يدعوه لخوف منه أولطمع في جاهه أو إعانته على باطل.
    سابعاً: أن لا يعتذر المدعو للداعي ويرضى بتخلفه عن طيب نفس لا عن حياء ويعرف ذلك بالقرائن.
    ثامناً: أن لا يكون الداعي فاسقاً أو شريراً أو مفاخراً.
    تاسعاً: أن لا يكون أكثر مال الداعي حراماً فإن كان كذلك فإن إجابته تكره فلوعلم أن عين الطعام الذي يأكل منه مال حرام يحرم أن يأكل منه، لأن المال المحرم يحرم الأكل منه إلا إذا عم فإنه يجوز استعمال ما يحتاج إليه منه بدون أن يتوقف ذلك على ضرورة فإذا لم يكن أكثر مال الداعي حراماً لكن فيه شبهة لم تجب الإجابة ولم تسن بل تكون مباحة.
    عاشراً: أن لا يكون الداعي امرأة أجنبية من غير حصور محرم لها خشية من الخلوة المحرمة وإن لم تقع الخلوة بالفعل.
    الحادي عشر: أن تكون الدعوة في وقت الوليمة وهو من حين العقد كما تقدم.
    الثاني عشر: أن لا يكون المدعو قاضياً أو ما في معناه من كل ذي ولاية فإنه لا تجب عليه الدعوة في محل ولايته خصوصاً إذا كان الداعي له خصومة ينظر فيها فإن إجابته تحرم.
    الثالث عشر: أن لا يكون المدعو معذوراً بعذر يبيح له ترك الجماعة كمرض.
    الرابع عشر: أن لا يكون المدعوة امرأة أوغلاماً أمرد يخشى منهما الفتنة أو الطعن على الداعي في عرضه.
    الخامس عشر: أن لا يتعدد الداعي، فإن تعدد قدم الأسبق ثم الأقرب رحماً ثم الأقرب داراً، هذا عند المقارنة في الدعوة، وعند الاستواء يقرع بين الداعين
    (14) المالكية - قالوا: لهم في ذلك قولان:
    أحدهما أن الأكل من الطعام ليس بواجب، وإنما الواجب هو الإجابة وهو الراجح.
    ثانيهما: أن الأكل واجب لغير الصائم
    (15) الحنفية - قالوا: إن كان يثق من نفسه بقضاء اليوم يفطر دفعاً للأذى عن أخيه المسلم، وإن كان لا يثق من نفسه بالقضاء فإنه لا يفطر وإن كان فيه أذى للداعي، وهذا إذا كان الإفطار قبل الزوال فإنه لا يحل الفطر إلا إذا ترتب على الصيام عقوق الوالدين.
    المالكية - قالوا: لا يجوز الفطر ولو كان الصيام تطوعاً، إلا إذا طلب ذلك والد. أب أو أم، حتى ولوحلف عليه بالطلاق الثلاث، إلا إذا ترتب على الحنث فتنة شرعية كأن يكون قلب الحالف معلقاً بامرأته ويخشى من الاتصال بها وهي طالق منه، فإن المدعوفي هذه الحالة يفطر ولا قضاء عليه



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #84
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب الحظر والاباحة]
    صـــــ 39 الى صــــــــ50
    الحلقة (84)

    [أحكام التصوير]
    ويتعلق بإجابة الدعوى إلى الوليمة مسألة التصوير، فهل تسقط الإجابة إذا علم المدعوأنها مشتملة على صورة أولا تسقط؟ والجواب أنها لا تسقط إلا إذا كانت الصورة محرمة لا يباح التفرج عليها شرعاً، أما إذا كانت جائزة لا تسقط بوجودها في محل الوليمة.وذلك لأن الصورة إما أن تكون صورة لغير حيوان كشمس وقمر وشجر ومسجد، أو تكون صورة حيوان عاقل أو غير عاقل والقسم الأول جائز لا كلام فيه. وأما القسم الثاني فإن فيه تفصيل المذاهب (1) ، على أن المحرم منه إنما حرم في نظر الشارع إذا كان لغرض فاسد كالتماثيل التي تصنع لتعبد من دون الله. فإن فاعل هذا له أسوأ الجزاء. وكذلك إذا ترتب عليها تشبه بالتماثيل أو تذكر لشهوات فاسدة، فإنها في هذه الحالة تكون كبيرة من الكبائر، فلا يحل عملها ولا بقاءها ولا التفرج عليها. أما إذا كانت لغرض صحيح كتعلم وتعليم فإنها تكون مباحة لا إثم فيها، ولهذا استثنى بعض المذاهب لعب البنات "العرائس" الصغيرة الدمى، فإن صنعها جائز، وكذلك بيعها وشراؤها. لأن الغرض من ذلك إنما هو تدريب البنات الصغار على تربية الأولاد، وهذا الغرض كافٍ في إباحتها. وكذلك إذا كانت الصورة مرسومة على ثوب مفروش أو بساط أو مخدة فإنها جائزة، لأنها في هذه الحالة تكون ممتهنة فتكون بعيدة الشبه بالأصنام، وبالجملة فإن غرض الشريعة الإسلامية إنما هو القضاء على الوثنية ومحوآثارها من جميع الجهات، فكل ما يدني منها أو يثير ذكراها فهومحرم، وما عدا ذلك فهوجائز يرشدك إلى ذلك ما ذكرناه لك في أسفل الصحيفة من تفاصيل المذاهب (2) .
    [حكم الغناء]
    مقدمة: ومما يتعلق بالوليمة الغناء "بكسر الغين والمد" والسماع. فهل تسقط إجابة الدعوى إلى الوليمة إذا كانت مشتملة على غناء ولعب مما جرت به عادة الناس؟ والجواب أن الإجابة لا تسقط إلا إذا كان الغناء أو اللعب غير مباح شرعاً، أما اللعب الخفيف والغناء المباح فإنهما لا يسقطان الإجابة.وذلك لأن أغراض الشريعة السمحة ومقاصدها في تشريعها تنحصر في تهذيب الأخلاق وتطهير النفوس من أدران الشهوات الفاسدة وأوزارها، فأي عمل من الأعمال يترتب عليه اقتراف منكر فهو حرام مهما كان في ذاته حسناً، فالتغني من حيث كونه ترديد الصوت بالألحان مباح لا شيء فيه، ولكن قد يعرض له ما يجعله حراماً أو مكروهاً ومثله اللعب، فيمتنع الغناء إذا ترتب عليه فتنة بامرأة لا تحل أو بغلام أمرد، كما يمتنع إذا ترتب عليه تهيج لشرب الخمر أو تضييع للوقت وانصراف عن أداء الواجبات، أما إذا لم يترتب عليه شيء من ذلك فإنه يكون مباحاً.فلا يحل التغني بالألفاظ التي تشتمل على وصف امرأة معينة باقية على قيد الحياة، لأن ذلك يهيج الشهوة إليها ويبعث على الافتنان بها، فإن كانت قد ماتت فإن وصفها لا يضر لليأس من لقائها ومثلها في ذلك الغلام الأمرد. ولا يحل التغني بالألفاظ الدالة على وصف الخمرة المرغبة فيها لأن ذلك يهيج إلى شرابها وحضور مجالسها، وذلك جريمة في نظر الشريعة. ولا يحل التغني بالألفاظ الدالة على هجاء الناس مسلمين كانوا أو ذميين، لأن ذلك محرم في نظر الدين فلا يحل التغني به ولا سماعه.أما التغني بالألفاظ المشتملة على الحكم والمواعظ، والمشتملة على وصف الأزهار والرياحين والخضر والألوان والماء ونحو ذلك، أو المشتملة على وصف جمال إنسان غير معين إذا لم يترتب عليه فتنة محرمة فإنه مباح لا ضرر فيه.وأما اللعب فإن المباح منه ما كان خالياً من التكلم بالفحش والكذب، وكشف العورة والاستهزاء بالناس، ورقص النساء بحضرة رجال لا يحلون لهن كما جرت عادة بعض السفهاء من إحضار المومسات ليرقصن في ولائمهم، فإن كان مشتملاً على شيء من ذلك كان محرماً لا يحل التفرج عليه ولا إجابة الدعوة للوليمة المشتملة عليه، هذا الذي ذكرناه لك هوما تقتضيه قواعد الدين، ويؤخذ من عبارات كثير من العلماء المفكرين الذين أولوا عبارات الأئمة بذلك التأويل، فلنذكر لك نصوصهم في أسفل الصحيفة (3) .
    [[الشعر]]
    [حكم إزالة الشعر وقص الأظافر]
    في حكم إزالة الشعر وقص الأظافر تفصيل المذاهب (4)
    [حكم صباغة الشعر]
    في حكم صباغة الشعر تفصيل المذاهب (5) .
    [مبحث المسابقة بالخيل وغيرها والرمي بالسهم ونحوه]
    نهت الشريعة الإسلامية عن تعذيب الحيوان بغير الذبح للأكل، فلا يحل إرهاق الحيوان بالأحمال الثقيلة التي لا يطيقها، ولا يحل تعذيبه بدفعه إلى السير الزائد عن قدرته، ولكن يستثنى من هذه القاعدة إباحة المسابقة بين الخيل بعضها مع بعض، أو بينها وبين الجمال، أو بين الجمال بعضها مع بعض، لأن المسابقة عليها مران على الجهاد،
    ولذا قال بعض الأئمة:
    إنها تكون فرضاً إذا كانت طريقاً للجهاد والدفاع عن البلاد كما هومفصل في المذاهب (6) .وكذلك نهت الشريعة نهياً شديداً عن الميسر "القمار" فُحرمته بجميع أنواعه، وسددت في وجه المسلمين سبله ونوافذه، وحذرتهم من الدنو من أي ناحية من نواحيه، ولكنها أباحت أخذ الجعل في المسابقة "الرهان" تغليباً لمنفعتها العامة التي تقتضيها الضرورة في كثير من الأحيان، ذلك لأن الشريعة الإسلامية الكريمة لا غرض لها من التشريع إلا جلب المصلحة ودرء المفسدة على الدوام، وإنما يصح عقد الجعل "الرهان" بشروط مفصلة في المذاهب (7) .
    ولا تصح (8) المسابقة بجعل "رهان" في غير الخيل والجمال والرمي، أما بغير رهان فتصح كالسفن والجري على الأقدام وغير ذلك مما هو مفصل في المذاهب(9) .
    ويحرم نطاح الكباش وصراع البقر ومهارشة الديكة "مضاربتها" ونحو ذلك مما فيه تعذيب للحيوان وضياع للوقت بدون فائدة تعود على الإنسان، ومن اتخذ ذلك وسيلة لكسب المال من ضعاف العقول، وفاسدي الأمزجة كان كسبه خبيثاً.وكل ما يحل فإن الفرجة عليه تحل، أما ما لا يحل فإنه يحرم مشاهدته والتفرج عليه.


    (1) المالكية - قالوا: إنما يحرم التصوير بشروط أربعة:
    أحدها: أن تكون الصورة لحيوان سواء كان عاقلاً أو غير عاقل، أما تصوير غير الحيوان كسفينة وجامع ومئذنة فإنه مباح مطلقاً.
    ثانيها: أن تكون مجسدة سواء كانت مأخوذة من مادة تبقى كالخشب والحديد والعجين والسكر أولا كقشر البطيخ مثلاً فإنه إذا ترك يذبل ويجف ولا يبقى. وقال بعضهم: إذا صنعت من مادة لا تبقى فإنها تجوز، أما إذا لم تكن مجسدة كصورة الحيوان والإنسان التي ترسم على الورق والثياب والحيطان والسقف ونحو ذلك ففيها خلاف. فبعضهم يقول: إنها مباحة مطلقاً بلا تفصيل وبعضهم يقول: إنها مباحة إذا كانت على الثياب والبسط ونحوهما، وممتنعة إذا كانت على الجدران وبعضهم يرى إباحتها إذا كانت على الثياب التي تستعمل فرشاً، وامتناعها إذا كانت على غيرها وعلى كل حال فالأمر فيها سهل.
    ثالثها: أن تكون كاملة الأعضاء الظاهرة التي لا يمكن أن يعيش الحيوان أو الإنسان بدونها فإن ثقبت بطنها أو رأسها أو نحو ذلك فإنها لا تحرم. رابعها: أن يكون لها ظل، فإن كانت مجسدة ولكن لا ظل لها بأن بنيت في الحائط ولم يظهر منها سوى شيء لا ظل له فإنها لا تحرم، ويستثنى من ذلك كله لعب البنات الصغار "العرائس" الصغيرة الدمى، فإنه يجوز تصويرها وبيعها ولو كانت مجسدة، لأن الغرض منها إنما هو تدريب البنات وتعليمهن تربية الأولاد، ومن هذا تعلم أن الغرض من التحريم إنما هو القضاء على ما يشبه الوثنية في جميع الأحوال
    (2) الشافعية - قالوا: يجوز تصوير غير الحيوان كالأشجار والسفن والشمس والقمر، أما الحيوان فإنه لا يحل تصويره سواء كان عاقلاً أو غير عاقل ولكن إذا صوره أحد فلا يخلو إما أن يكون غير مجسد أو مجسد فإن كان غير مجسد فإنه يحل التفرج عليه إذا كان مصوراً على أرض أو بساط يداس عليه أو مصوراً على وسادة "مخدة" يتكأ عليها لما في ذلك من الإشعار بتعظيم الصور المقربة من الشبة بالوثنية. وإن كان مجسداً فإنه يحل التفرج عليه إذا كان على هيئة لا يعيش بها، كأن كان مقطوع الرأس أو الوسط أو ببطنه ثقب، ومن هذا يعلم جواز التفرج على خيال الظل "السينما" إذا لم يشتمل على محرم آخر لأنها صورة ناقصة. ويستثنى من ذلك لعب البنات فإنه يجوز تصويرها وشراؤها، وقيده بعضهم بما إذا كانت ناقصة.
    الحنابلة - قالوا: يجوز تصوير غير الحيوان من أشجار ونحوها، أما تصوير الحيوان فإنه لا يحل سواء كان عاقلاً أو غير عاقل، إلا إذا كان موضوعاً على ثوب يفرش ويداس عليه، أو موضوعاً على مخدة يتكأ عليهأ، فإذا كان مجسداً ولكن أزيل منه ما لا تبقى معه الحياة كالرأس ونحوها فإنه مباح.
    الحنفية - قالوا: تصوير غير الحيوان من شجر ونحوه جائز. أما تصوير الحيوان فإن كان على بساط أو وسادة أو ثوب مفروش أو ورق فإنه جائز لأن الصورة في هذه الحالة تكون ممتهنة، وكذلك يجوز إذا كانت الصورة ناقصة عضواً لا يمكن أن تعيش بدونه كالرأس ونحوها أما إذا كانت موضوعه في مكان محترم أو كانت كاملة الأعضاء فإنها لا تحل
    (3) الشافعية - قالوا: قال الإمام الغزالي في الإحياء: النصوص تدل على إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب بالدرق والحراب، والنظر إلى رقص الحبشة والزنوج في أوقات السرور قياساً على يوم العيد فإنه وقت سرور. وفي معناه العرس، والوليمة، والعقيقة، والختان، ويوم القدوم من السفر، وسائر أسباب الفرح، وهوكل ما يجوز به الفرح شرعاً، ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهوأيضاً مظنة السماع انتهى. على أنه قسم الغناء إلى أقسام كثيرة فذكر منها ما يترتب عليه فتنة أو محظور ديني، أو كان بألفاظ مستهجنة في نظر الدين وقال: إن القسم وهو الحرام، فمراده بالرقص الحركات التي يفعلها الرجال الذين لا يتصور فيهم شهوة أمام مثلهم، أما رقص النساء أمام من لا يحل لهن فإنه حرام بالإجماع لما يترتب عليه من إثارة الشهوة والافتتنان وما فيه من التهتك والمجون، ومثلهن الغلمان المرد أمام من يشتهيهم ويفتن بهم، وقد استدل الاستاذ الغزالي على إباحة الرقص: برقص الحبشة والزنوج في المسجد النبوي يوم عيد حيث أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأباح لزوجه السيدة عائشة رضي الله عنه أن تتفرج عليهم وهي مستترة به صلى الله عليه وسلم، وهوكما تعلم لا يثير أي شهوة، فالنوع المباح من الرقص هو الذي لا يثير شهوة فاسدة.
    ونقل في الإحياء أيضاً أن الشافعي قال: لا أعلم أحداً من علماء الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف، فأما الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الأشعار فمباح. وقال إن الذي نقل عن الإمام الشافعي: من أن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل لا ينافي إباحته، لأنه إنما يريد القسم الممنوع منه، على أن مراده باللهو العبث، والعبث ليس بحرام إلا إذا ترتب عليه محظور شرعي، وكذلك ما يشبه الباطل، وقد أطال في الاستدلال على إباحة الغناء فارجع إليه إن شئت.
    الحنفية - قالوا: التغني المحرم ما كان مشتملاً على ألفاظ لا تحل كوصف الغلمان، والمرأة المعينة التي على قيد الحياة، ووصف الخمر المهيج لها، ووصف الحانات، وهجاء المسلم أو الذمي إذا كان غرض المتكلم الهجاء، أما إذا كان غرضه الاستشهاد أو معرفة ما فيه من الفصاحة والبلاغة فإنه ليس بحرام، وكذا إذا اشتمل على وصف الزهريات المتضمنة وصف الرياحين والأزهار، أواشتمل على وصف المياه والجبال والسحاب ونحو ذلك فإنه لا وجه لمنعه، انتهى من شهادات فتح القدير.
    فما نقل عن أبي حنيفة من أنه كان يكره الغناء ويجعل سماعه من الذنوب، فهومحمول على النوع المحرم منه، ويكره تحريماً عند الحنفية اللعب بالنرد والشطرنج وضرب الأوتار من الطنبور والرباب والقانون والمزمار والبوق ونحو ذلك كما يأتي في المسابقة.
    المالكية - قالوا: إن آلات اللهو المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه خاصة كالدف "الطبل" والغربال "الطار" إذا لم تكن فيه صلاصل، والزمارة والبوق إذا لم يترتب عليهما لهوكثير؛ ويباح ذلك للرجال والنساء. وقال بعضهم: إنه يباح خاصة، وبعضهم يقول: إنه يجوز ذلك في العرص وعند العقد وفي كل سرور حادث فلايختص بوليمة النكاح. أما الغناء فإن الذي يجوز منه هو الرجز الذي يشبه ما جاء في غناء جواري الأنصار:
    أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
    ولولا الحبة السمرا لم نحلل بواديكم
    الحنابلة - قالوا: لا يحل شيء من العود والزمر والطبل والرباب ونحو ذلك كما لا يحل النرد والشطرنج ونحوهما، إذا اشتملت الوليمة على شيء منه فإنه لا يحل الإجابة إليها، أما الغناء فإن تحسين الصوت والترنم في ذاته مباح، بل قالوا: إنه مستحب عند تلاوة القرآن إذا لم يفض إلى تغيير حرف منه أو إلى زيادة لفظه، وإلا حرم. فالترنم وتحسين الصوت بعبارات الوعظ والحكم ونحوها كذلك. وقالوا: إن قراءة القرآن باللحان مكروهة، وإن السماع مكروه
    (4) (الشافعية - قالوا: من السنن المطلوبة يوم الجمعة قص الشارب حتى تظهر حمرة الشفة، ومعنى ذلك أنه يبالغ في قصه إلى أن يخف شعره ويظهر ما تحته، ولكنه يكره استئصاله بالقص كما يكره حلقه جميعه، وإذا قص بعضه وحلق بعضه فإنه جائز، أما اللحية فإنه يكره حلقها والمبالغة في قصها، فإذا زادت على القبضة فإن الأمر فيه سهل خصوصاً إذا ترتب عليه تسوية للخفة أو تعريض به ونحو ذلك. ومن السنن المطلوبة يوم الجمعة نتف شعر الابطين، ويكره للقادر على النتف أن يحلقه، أما الذي يتألم من النتف فإنه لا يكره له الحلق. وكذلك من السنن المطلوبة يوم الجمعة حلق شعر العانة للرجل ونتفها للمرأة، ويتعين على المرأة إزالتها عند أمر الزوج لها. ويكره نتف شعر الأنف، بل يسن قصه إن طال، وأن يتركه لما فيه من المنفعة الصحية، أما شعر الرأس فإن حلقه مباح، ولا بأس بتركه لمن يتعهده بالنظافة، إلا إذا كان الغرض من تركه التشبه بفئة مخصوصة لِيُلَبّس على الناس، فإن تركه لا يجوز حينئذ.
    ومن السنن المطلوبة يوم الجمعة قص الأظافير لغير المحرم متى طالت. ومثل يوم الجمعة الخميس والاثنين. والمعتمد في كيفية قص الأظافير أن يبدأ في اليدين بسبابة يمينه إلى خنصرها، ثم إبهامها ثم خنصر يساره إلى إبهامها، ويبدأ في الرجلين بخنصر الرجل اليمنى إلى خنصر الرجل اليسرى على التوالي.
    الحنفية - قالوا: يحرم حلق لحية الرجل، ويسن ألا تزيد في طولها على القبضة، فما زاد على القبضة يقص، ولا بأس بأخذ أطراف اللحية وحلق الشعر الذي تحت الإبطين ونتف الشيب، وتسن المبالغة في قص الشارب حتى يوازي الحرف الأعلى من الشفة العليا. وقال بعضهم: إن السنة حلق الشارب، ونسب ذلك إلى أبي حنيفة وصاحبيه. ويستحب إزالة شعر عانة الرجل بالحلق أو بالنورة. أما عانة المرأة فتسن إزالتها بالنتف. وتسن إزالة شعر الإبطين بالحلق والنتف، والنتف أولى، وأما حلق شعر الظهر والصدر فهوخلاف الأدب.
    ويكره تحريماً ترك قص الأظافير وقص الشارب ونتف الإبط أكثر من أربعين ليلة.
    واختلف في شعر رأس الرجل، فقيل: يسن حلقها لغير المحرم كل جمعة، وقيل: يجوز حلقها وتركها، وإذا تركها فالسنة أن يفرقها، ولا بأس أن يحلق وسط الرأس ويترك الباقي من غير أن يفتله، لأن فتله مكروه، أما شعر المرأة فيحرم حلقه لغير ضرورة ولو أذن الزوج في ذلك، لأنه لا يحل أن تتمثل المرأة بالرجل، كما لا يحل للرجل أن يتمثل بالمرأة، ولهذا حرم عليه حلق لحيته.
    ويستحب قلم أظافيره بغير أسنانه إذا لم يكن محرماً، ولم يثبت في كيفيته شيء ولا في تعيين يوم له، ويستحب أن يدفن الظفر والشعر والدم وخرقة الحيض، ولا يخفى ما في هذا كله من الأدب والنظافة.
    المالكية - قالوا: يحرم حلق اللحية. ويسن قص الشارب؛ وليس المراد قصه جميعه، بل السنة أن يقص منه طرف الشعر المستدير النازل على الشفة العليا، فيؤخذ منه حتى يظهر طرف الشفة، وما عدا ذلك فهومكروه، ويسن نتف شعر الإبطين وهو أحسن من الحلق ومن الإزالة بالنورة ونحوها، ويبدأ بالإبط الأيمن، ويسن أن يغسل يديه بعد نتفهما. ويسن حلق شعر العانة أو إزالته بالنورة للرجال والنساء، ويكره نتفه للرجال والنساء، ويباح حلق جميع الشعر الذي على البدن كشعر الصدر واليدين والألية والشعر الذي على حلقة الدبر، أما شعر الرأس فإنه يكره لغير المتعمم، ويباح للمتعمم على المشهور، ويجب على المرأة أن تزيل كل ما ينافي الجمال، فيجب عليها إزالة ما على بدنها من الشعر إن كان لا يرغب فيه الزوج. كما يجب عليها حلق شعر اللحية إن نبتت لها لحية، وكذلك يجب عليها ترك ما فيه الجمال من الشعر، فيحرم عليها إزالة شعر الرأس.
    ويسن للرجل والمرأة قص الأظافير إلا في زمن الإحرام. وأقل زمن قصه الجمعة، ويكره قطعها بالأسنان ولا يتعين فيه زمن خاص، كما لا يتعين فيه كيفية مخصوصة.
    الحنابلة - قالوا: يحرم حلق اللحية. ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة، فلا يكره قصه كما لا يكره تركه، وكذا لا يكره أخذ ما تحت حلقة الدبر من الشعر، ويكره نتف الشيب.
    وتسن المبالغة في قص الشارب. ويسن ترك شعر الراس إذا أمكن أن يتعهده بالنظافة، فإذا تركه فإنه يسن له أن يتعهده بالغسل والتسريح مبتدئاً بشقه الأيمن وبفرقه، فإذا طال حتى نزل عن منكبيه فإنه يجعله ضفيرة، ويكره حلق رأس المرأة أو قصه من غير عذر كقروح برأسها أما حلق رأسها لمصيبة فإنه حرام، ويسن إزالة شعر العانة بالحلق أو القص أو النورة، ويسن نتف الإبط فإن الشافعية قالوا: عليه حلقه. ولا يكره أخذ شيء من شعر عارضه وحاجبيه.
    ويسن تقليم الأظفار لغيره بأي حال، ولم يثبت ما ورد من كونها على كيفية مخصوصة، ويكره ترك تقليم الأظفار وحلق العانة أكثر من أربعين يوماً) .

    (5) المالكية - قالوا: يكره تنزيهاً للرجل صباغة شيبه بالسواد، ومحل الكراهة إذا لم يكن ذلك لغرض شرعي كإرهاب عدوفإنه لا حرج فيه، بل يثاب عليه، وأما إذا كان لغرض فاسد كأن يغش امرأة يريد زواجها فإنه يحرم، ولا يكره صباغة الشعر بما يجعله أصفر وذلك كالحناء، فإنه يجوز للرجل صباغة شعر رأسه ولحيته بالحناء ونحوها، ولا يجوز له استعمالها في يديه أو رجليه بدون ضرورة، لأن النساء يستعملنها للزينة، ولا يجوز للرجال أن يتشبهوا بالنساء.
    الحنفية - قالوا: يستحب للرجل أن يخضب لحيته ورأسه، ويكره له أن يخضب يديه ورجليه لما فيه من التشبة بالنساء، وكذا يكره له صباغة شعره بالسواد لغير غرض شرعي، فإن كان لغرض شرعي كأن يكون أهيب في نظر العدوفإنه محمود، فإن فعل للتزين للنساء فقيل: مكروه، وقيل: لا. وقال أبويوسف: كما يعجبها أن أتزين لها.
    الحنابلة - قالوا: يسن الخضاب الحناء ونحوها كالزعفران، أما الصباغة بالسواد فإنه مكروه ما لم يكن لغرض شرعي فإنه لا يكره، أما إذا كان لغرض فاسد كالتدليس على امرأة يريد زواجها فإنه يحرم.
    الشافعية - قالوا: يكره صباغة اللحية والشعر بالسواد، إلا الخضاب بالصفرة والحمرة فإنه جائز إذا كان لغرض شرعي كالظهور بمظهر الشجاع أمام الأعداء في الغزو ونحوه. فإذا كان لغرض فاسد كالتشبه بأهل الدين فهومذموم، وكذلك يكره صبغها بالبياض كي يظهر بمظهر الشيب ليتوصل بذلك إلى الأغراض المذمومة كتوقيره والاحتفاء به وقبول شهادته وغير ذلك وكما يكره تبييض اللحية بالصبغ فإنه يكره نتف شيبها
    (6) المالكية - قالوا: المسابقة تارة تكون واجبة إن توقف عليها الجهاد والدفاع عن البلاد، وتارة تكون مندوبة إن توقفت البراعة في الجهاد عليها، وتارة تكون مباحة إن لم يتوقف عليها شيء.
    الشافعية - قالوا: تسن المسابقة للرجال، وإذا توقف عليها الجهاد كانت فرضاً، أما إذا قصد بها عمل محرم فإنها تكون حراماً كقطع الطريق مثلاً، وكذا إذا قصد بها عمل مكروه فإنها تكون مكروهة أما إذا لم يقصد بها شيء أوقصد بها مباح فإنها تكون مباحة.
    الحنفية - قالوا: المسابقة مندوبة إذا قصد بها الرياضة والتمرين على الجهاد، وإذا لم يقصد بها شيء فهي مباحة.
    الحنابلة - قالوا: تجوز المسابقة بعوض وبغير عوض على التفصيل الآتي بعد
    (7) المالكية - قالوا: يشترط لصحة عقد المسابقة أمور:
    أولاً: أن يعين المكان الذي يبدأ منه والمكان الذي ينتهي إليه، ولا يشترط المساواة في المسافة، بل يصح أن تكون إحدى المسافتين أقصر من الأخرى.
    ثانياً: أن يعين المركب من خيل أو إبل، ولا يكفي الوصف بل لا بد من تعيين ما به السبق.
    ثالثاً: أن يكون الجعل معلوماً فلا يصح بالجعل المجهول أو بالجعل الذي لا يصح بيعه كالخمر والخنزير والميتة، ويصح بخياطة ثوب، أو عمل معروف، أو عفوعن جناية ونحو ذلك مما فيه معاوضة.
    رابعاً: إن كانت المسابقة بالرمي يشترط أن يعين الرامي، وأن يعين عدد إصابة الغرض، وأن يعين نوع الإصابة إن كانت تثقب الهدف وإن لم يثبت فيه السهم أو تثقبه مع ثبوت السهم فيه ونحو ذلك. ولا يشترط تعيين السهم الذي يرمى به رؤية أو وصف، ولا تعيين الوتر، وهوعقد لازم ليس لأحد العاقدين حله، ويشترط فيه ما يشترط في عقد الإجارة من تكليف العاقد ورشده. ولا يشترط تعيين السهام فلكل واحد أن يرمي بما يشاء.
    ويشترط أن يجهل كل منهما جري فرس صاحبه، ويشترط أن يكون الجعل من شخص آخر متبرع غير المتسابقين، فإذا عين شخص مالاً أو غيره مكافأة لمن يسبق بفرسه أو جمله فإنه يحل للسابق أخذه، أما الجعل الذي يخرجه أحد المتسابقين دون الآخر كأن يعين أحد المتسابقين مالاً أو غيره ليأخذه الآخر إن سبق ولم يعين الآخر شيئاً، فإن سبق الذي لم يعين شيئاً حل له أخذ الجعل، وإن سبق مخرج الجعل فلا يحل له أخذ ماله الذي أخرجه، بل يأخذه الحاضرون، أما إذا أخرج كل واحد منهما مالاً معيناً يأخذه الثاني إن سبق فإنه لا يصح، لأنه يكون قماراً في هذه الحالة، وإذا أخرج كل من المتسابقين مالاً ليأخذه السابق وكان معهما ثالث لم يخرج شيئاً فلا يخلو: إما أن تكون حالة جري فرسه معلومة وأنه يسبق الاثنين اللذين أخرجا "الرهان" أولم يسبقهما. فإن كان الأول: فلا يصح له أخذ الرهان لحديث: "من أدخل فرساً بين فرسين وهو يعلم أنه يسبقهما فهوقمار، وإن كان الثاني فقد صار مسبوقاً. وأصبح السابق أحد الاثنين اللذين أخرجا الجعل فلايحل له أن يأخذه.
    الشافعية - قالوا: يشترط لصحة عقد المسابقة بالعوض "الرهان" شروط عشرة،
    أولاً: أن تكون المسافة معلومة. وأن يتساويا فيها وفي المبدأ. فلا يجوز تقدم أحدهما في المبدأ، أو تقدم الغرض لأحدهما عين الغرض للآخر إذا كانت المسابقة بالدواب.
    ثانياً: أن تكون صفة المناضلة معلومة إذا كانت بالسهام، كأن يبين المتناضلان كيفية الرمي الذي يصيب الهدف من كون السهم يثبت فيه أولا يثبت أو يثبت أو يمرق من الجانب الآخر وهكذا.
    ثالثاً: أن يكون المعقود على المسافة به عدة قتال، وهي الخيل والبغال والجمال والحمير والفيلة، ومحل الحكم بالسبق في الإبل الكتفان لا الأعناق، لأنها ترفعها عند الجري، فلا يمكن تمييز السبق بها، وفي الخيل الأعناق، فالتي يسبق عنقها الأخرى عند وصول الغرض يحكم بسبقها، وهذا في المتلاحقين، أما إذا كان بينهما مسافة واسعة فالأمر واضح.
    رابعاً: أن يعينا المركوبين في العقد عيناً كأن يقولا: تسابقنا على هذين الفرسين.
    خامساً: أن يعينا المركوبين صفة في الموصوف في الذمة كأن يقولا: تسابقنا على فرسين صفتهما كذا.
    سادساً: أن يكون سبق كل منهما للآخر ممكناً، فلوكان أحدهما ضعيفاً بحيث يقطع بتخلفه وكان أحدهما قوياً بحيث يقطع بسبقه لا يصح.
    سابعاً: أن يركب المتسابقان فإن أرسلاهما بدون ركوب لا يصح.
    ثامناً: أن تكون المسافة معقولة بحيث يمكن قطعها بلا انقطاع ولا تعب.
    تاسعاً: أن يكون العوض "الرهان" معيناً جنساً وقدراً وصفة، فلا يصح أن يكون الرهان مالاً مجهولاً كأن يقولا: تسابقنا على شيء من المال فإنه لا يصح.
    عاشراً: أن لا يذكر شرطاً مفسداً كأن يقول: إن سبقتني فلك هذا المال بشرط أن تطعمه لأصحابك، ولا يشترط تعيين السهمين أو القوسين في الرمي، فإن عين شيء من ذلك جاز إبداله بمثله من نوعه، ولوشرطا عدم إبداله فسد العقد.
    وعقد المسابقة إذا استكمل الشروط لازم يجبر على تنفيذه، وإنما يصح أخذ الجعل "الرهان" إذا كان من جانب واحد بأن يقول
    أحدهما: لك كذا من المال إن سبقتني، أما إن سبقتك لم آخذ منك شيئاً، فإن سبق الذي لم يخرج المال أخذ ما شرط له، وإن سبق الذي أخرجه استرد ماله، فإذا أخرج كل منهما مالاً على أن يأخذه من يسبق فإنه لا يحل إلا إذا دخل معهما شخص آخر في المسابقة ويسمى محللاً، فإن سبق المحلل أخذ العوض الذي أخرجاه، أما إذا سبقاه فإنه لا يعطهما شيئاً، ثم إن سبقاه وجاءا معاً فلا شيء لأحدهما وتوسط المحلل بينهما فمال الأول لنفسه ويأخذ مال المتأخر، ولا شيء للمحلل، وكذا إذا جاء المحلل مع المتأخر.
    الحنفية - قالوا: عقد المسابقة بالعوض ليس من العقود اللازمة على المشهور؛ وإنما يبيح أخذ المال إذا استكمل الشروط، وإذا امتنع عن الدفع لا يجبر. وقيل هوعقد لازم يجبر على تنفيذه.
    ويشترط لحل أخذ رهان المسابقة أن يخرج المال أحد المتسابقين فقط بأن يقول أحدهما: إن سبقتني أعطيتك كذا، وإن سبقتك لم آخذ منك شيئاً، أو يتبرع أجنبي عنهما بأن يقول: من يسبق صاحبه أعطيه كذا، أما إذا أخرج المال كل واحد منهما فإنه لا يحل، لأنه يكون قماراً حينئذ، نعم إذا دخل بينهما ثالث ويسمى محللاً جاز ذلك بشرطين:
    أولاً: أن يكون فرسه كفئاً لفرسيهما بحيث يتوهم أن يسبقهما.
    ثانياً: أن يقولا له: إن سبق هويأخذ مال الاثنين، وإن سبقاه لا يأخذان منه شيئاً، وفيما بينهما أيهما سبق بأخذ من صاحبه، فإن سبقهما يأخذ منهما ما اشترطاه، وإن لم يسبق لم يعطهما شيئاً، وإن سبق كل منهما الآخر أخذ من صاحبه ما شرطه، وإن سبقاه وجاء معاً فلا شيء لأحدهما على صاحبه، وإن سبق المحلل مع أحدهما ثم جاء الآخر فلا شيء على من جاء مع المحلل، بل له ما شرطه الآخر له، وكذا إذا سبق أحدهما ثم جاء الآخر، فإن الأخير يدفع للسابق، ولا شيء للمحلل، ويشترط في غاية المسافة أن تكون مما تحتمله الفرس، وأن يكون في كل من الفرسين احتمال السبق. وإن كانت المسابقة في الإبل، فالاعتبار في السبق بالكتف، وإن كانت في الخيل فبالعنق.
    الحنابلة - قالوا: تصح المسابقة بالعوض "الرهان" وهي عقد جائز لكل واحد من المتعاقدين فسخه ولو بعد الشروع فيها إلا إذا ظهر لأحدهما فضل على صاحبه، مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهامه أكثر منه، فإنه في هذه الحالة لا يجوز للمفضول فسخ العقد وإنما يجوز فسخه للذي فضل، ويشترط لصحة العقد شروط خمسة
    أولاً: تعيين المركوبين بالرؤية وتساويهما في ابتداء العدو وانتهائه وتعيين الرماة،
    ثانياً: أن يكون المركوبان والفرسان من نوع واحد، فلا تصح المسابقة بين فرس عربي وهجين وهوما أبوه عربي فقط، ولا تصح المناضلة بين قوس عربية وهي النبل وبين قوس فارسية وهي النشاب.
    ثالثاً: تحديد المسافة والغاية بأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيها، لأن أحدهما قد يكون متأخراً في ابتداء عدوه سريعاً في آخره، فلا بد من تحديد المسافة في الرمي، ويعرف بالعادة أو يقدر بالأذرع، ولا تصح المناضلة على أن يكون السبق لأبعدهما رمياً.
    رابعاً: كون العوض معلوماً بالمشاهدة أو بالقدر أو بالصفة، ويجوز أن يكون العوض حالاً ومؤجلاً بشرط أن يكون مباحاً، فلا تصح المسابقة أو المناضلة على خمر أو خنزير.
    خامساً: الخروج عن شبه القمار بأن لا يخرج المال جميع المتسابقين بل يخرجه أحدهم، فإن أخرج الجعل الحاكم من بيت المال جاز، لأن فيه مصلحة وحثاً على تعليم الجهاد ونفعاً للمسلمين، وكذا إذا تبرع به أجنبي فإنه يصح، فإذا أخرج المال جميع المتسابقين فإنه لا يحل إلا إذا دخل معهم شخص آخر لم يخرج شيئاً ويسمى محللاً. وحينئذ لأحد المتسابقين أخذ المال وإنما ينفع المحلل بشروط: أن يكون كفئاً لهما في الرمي إن كانت المسابقة فيه، أو فرسه كفئاً لفرسيهما أو بعيره كذلك إن كانت المسابقة في الحيوان.
    فإن سبق المحلل أخذ ما أخرجاه من الرهان. وإن سبقاه معاً لم يدفع أحدهما لصاحبه شيئاً ولا شيء للمحلل لأنه لم يسبق ولا شيء عليه أيضاً.
    وإن سبق أحد المخرجين للرهان أخذ السبقين ولا شيء للمحلل، وإن سبق المحلل مع أحدهما لا يخرج السابق شيئاً ويدفع المسبوق ما شرط، بحيث يقسم بين المحلل والسابق، لأنهما قد اشتركا في السبق فيشتركان في "الرهان" وإن وصلوا جميعاً ولم يسبق منهم أحد لا يأخذ واحد منهم شيئاً.
    ويشترط أيضاً إرسال الفرسين والبعيرين دفعة واحدة. ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما ويرتبهما، وعند الغاية من يضبط السابق منهما لئلا يختلف في ذلك، ويحصل السبق بالرأس في متماثل العنق كالخيل، وأما في مختلف العنق كالمسابقة بين الخيل والجمال فإنها تحصل بالكتف وإن شرط أحد المتسابقين السبق بأقدام معلومة لم يصح ويحرم أن يجنب أحد المتسابقين مع فرسه فرساً أخرى أو يرسل فرساً خلف فرسه تحرضه على سرعة العدو، ويحرم أن يصيح وقت سباقه
    (8) الشافعية - قالوا: تصح المسابقة بالرهان أيضاً على البغال والحمير والفيلة على المعتمد
    (9) المالكية - قالوا: تحل المسابقة بالسفن ونحوها، وكذا تحل بالجري على الأقدام وبالطير لإيصال الأخبار بسرعة، وكذا تحل المصارعة وحمل الأثقال ونحو ذلك. وكل ذلك مشروط بشرطين:
    الأول أن يكون مجاناً بلا "رهان".
    الثاني: أن يكون الغرض منه تمرين البدن على الرياضة وتقويته على أداء الواجب والجهاد، أما إذا كان الغرض منه المغالبة والتلهي فإنه حرام، ويحرم اللعب بالنرد والشطرنج ولو بغير عوض.
    الشافعية - قالوا: يجوز المسابقة بغير عوض بالبقر والكلاب والطيور، ولا يجوز في السفن الشراعين، وأما غيرها من السفن البخارية والسيارات والغواصات والطائرات فإنه تجوز المسابقة بها إذ القاعدة عند الشافعية جواز المسابقة بكل نافع في الحرب. وتحل المصارعة والمسابقة في السباحة "العوم في الماء". والمشي بالأقدام. والوقوف على رجل واحدة. ولعب الشطرنج والكرة. وحمل الأثقال. والمشابكة بالأصابع. فكل هذا يحل بدون عوض.
    وتحل المسابقة بعوض في بندق الرصاص فإنه كالرمي بالسهام.
    الحنفية - قالوا: تحل المسابقة بدون عوض في كل ما ذكر عند الشافعية إلا الشطرنج فإنه حرام عندهم، لأنه يشغل صاحبه بالانكباب عليه. وفي المسابقة بالطير عندهم خلاف أما الرمي بالبندق والحجر فهوكالرمي بالسهم عند الحنفية أيضاً. وإنما يجوز كل ذلك بشرط قصد الرياضة وتقوية البدن، لا بقصد التسلية وقطع الوقت.
    الحنابلة - قالوا: تجوز المسابقة بلا عوض "رهان" بالمشي على الأقدام. وبين سائر الحيوانات من إبل وخيل وبغال وحمير وفيلة، وتجوز أيضاً بالطيور حتى بالحمام على الصحيح، وتجوز بين السفن برمي الأحجار باليد والمقاليع، وتجوز المصارعة ورفع الأحجار لمعرفة الأشد، وكل ما فيه رياضة للبدن وتقوية على الجهاد لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} وصح من حديث ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "سابق بين الخيل المضمرة" والمضمرة هي المعلوفة القوت بعد السمن.
    ويكره الرقص ومجالس الشعر وكل ما يسمى لعباً كاللعب بالطاب والنقيلة "المنقلة" والنرد والشطرنج، وكل ما أفضى إلى محرم فهو حرام إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #85
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 51 الى صــــــــ60
    الحلقة (85)

    [[السلام]]
    [إفشاء السلام]
    السلام معناه السلامة.
    فالذي يلقي السلام على غيره كأنه يقول:
    ألقيت إليك سلامة وأماناً من كل ما يضيرك. وبديهي أن إفشاء السلام من السنن الإسلامية الجليلة، لما فيه من إعلان الأمن بين الناس. والأمن من ضروريات الإنسان ومميزاته التي يمتاز بها عن الحيوان المفترس الذي لاهم له إلا قضاء شهوته والفتك لفريسته. فالسلام عهد إسلامي يعاهد به الناس بعضهم بعضاً على أن يكف كل واحد منهم عن التعرض لدم أخيه وعرضه وماله بدون حَق. وفي إفشائه بين الناس إيذان بأن الأشرار خارجون على ما تقتضيه قواعد الإسلام، وتتطلبه أحكامه الكريمة من المودة والإخاء والتحابب والتآزر، وضرورة استقرار الأمن بينهم. والسلامة من شرور بعهم بعضاً.فلهذا حث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث.
    فمن ذلك ما رواه عبد الله بن عمروبن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟
    قال:
    "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" رواه البخاري ومسلم وغيرهما،
    وقال عليه الصلاة والسلام:
    "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتمون تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم وغيره.
    [حكم البدء بالسلام ورده]
    البدء بالسلام (1) سنة عين للمنفرد، وسنة كفاية للجماعة، فإذا سلم واحد منهم سقط عن الباقين، ولكن الأفضل أن يكون السلام منهم جميعاً ليحصل لكل واحد ثواب السنة.
    وللبدء بالسلام صيغتان: إحداهما السلام عليكم، والأخرى سلام عليكم، والأفضل أن يكون بالصيغة الأولى، ويكره أن يبدأ بقوله عليك السلام، أو سلام الله عليك، لأن ذلك تحية الأموات لا الأحياء، فالسنة في إقراء السلام لا تحصل إلا بقول السلام عليكم (2) وسلام عليكم. سواء كان المسلم عليه واحداً أو جماعة.أما رد السلام فهوفرد عين على المنفرد، وفرض كفاية على الجماعة؛ فإذا رد واحد منهم أجزأ عن الباقين، ويجب أن يكون الرد فوراً. فلوأخره لغير عذر يأثم. وأن يكون مسموعاً لمن ألقى السلام، فإذا لم يسمعه لا يسقط الفرض. فإن كان أصم فإنه يجب أن يرد عليه بما يفهم من إشارة وتحريك شفة ونحو ذلك، والأفضل في صيغة الرد أن يقول وعليكم السلام، فيأتي بالواو وميم الجماعة.
    ويصح أن يقول:
    سلام عليكم.
    ويسن للمسلم أن يبدأ من لقيه بالسلام قبل كل كلام. فإذا التقى اثنان ونطق كل منهما بالسلام وجب الرد على كل واحد منهما لصاحبه، وأن يرفع صوته به حتى يسمعه من سلم عليهم سماعاً محققاً. ويسن أن يسلم الرجل على أهل بيته كلما دخل عليهم،
    وإذا دخل داراً خالياً من الناس فإنه يقول:
    السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ويسن أن يسلم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والقليل على الكثير، وإذا حصل عكس ذلك حصلت سنة السلام ووجب الرد، ولكن تفوت أفضلية الترتيب.وإذا أرسل غائب سلامه لآخر فإنه يجب عليه أن يرد السلام،
    ويستحب أن يبدأ في رده بالرسول المبلغ فيقول:
    وعليك وعليه السلام، وكذا يجب الرد إذا أرسل له سلاماً في كتاب، ويكره (3) للرجل أن يسلم على امرأة أجنبية إلا إذا كانت عجوزاً أو شابة دميمة لا تشتهى، أما المحارم فإنه يسن له أن يسلم عليهن كما يسلم على أهله. ويكره السلام في الحمام، وعلى العاري. وعلى كل مشغول بأمر قد يصرفه عن الإجابة حتى لا يقع في الإثم بترك الرد. فيكره السلام عند تلاوة القرآن جهراً (4) وعند استذكار العلم، وحال الأذان (5) والإقامة، وعلى القاضي في مجلس القضاء، وعلى الواعظ حال إلقاء عظته، ولا يجب عليهم الرد إذا سلم عليهم أحد.
    وإذا خص واحداً بعينه بالسلام من بين الجماعة كأن يقول: السلام عليك يامحمد مثلاً، فإن وقع ذلك فإنه يفترض على محمد المسلم عليه أن يرد السلام بنفسه، فلورد أحد الحاضرين لم يسقط عنه الفرض.
    أما إذا قال: السلام عليك وأشار إلى محمد بدون تسميته فرد أحد الحاضرين فإن الفرض يسقط لأن الإشارة تحتمل أن تكون لهم جميعاً وكذا إذا قال: السلام عليك بدون إشارة. فإنه إذا رد واحد سقط عن الباقين، لأنه يصح أن يخاطب الجماعة بخطاب الواحد، ويكره أن يسلم على المشتغل بالتدريس أواستماع العلم. وإذا وجد قوماً يأكلون فإنه يسلم عليهم على تفصيل المذاهب (6) .ولا يكره السلام على الصبيان، بل الأفضل أن يسلم عليهم ليعلمهم الأدب، ولا يجب عليهم الرد؛ لأنهم غير مكلفين، أما إذا سلم صبي على مكلف فإنه يجب عليه الرد إذا كان الصبي مميزاً وإذا سلم على مكلفين بينهم صبي فإنه لا يجزئ على الصحيح، بل لا بد من رد أحد المكلفين.ويكره السلام على المجنون والسكران والنائم ومن يلبي، ونهاية السلام عند قوله وبركاته. فيكره للمسلم والمجيب أن يزيد عليها.
    [تشميت العاطس]
    التشميت بالشين والسين معناه الدعاء بالخير والبركة، وهوأن يقال للعاطس "يرحمك الله" ولا يخفى ما في ذلك من الحكم الإسلامية الجليلة، لأن الغرض من ذلك إنما هوإعلان المودة بين الناس، وتثبيت علائق الألفة والإخاء، وإظهار حرض كل واحد على إيصال الخير لأخيه، وتجنب العداوة والبغضاء والحقد والحسد إلى غير ذلك من المكارم التي يحث عليها الإسلام في عظائم الأمور وصغائرها.أما حكم تشميت العاطس فهوأنه فرض كفاية (7) كرد السلام،
    وإنما يفترض بشروط ثلاثة:
    الشرط الأول: أن يقول العاطس الحمد لله، أو الحمد لله رب العالمين. أو الحمد لله على كل حال، فإذا لم يقل ذلك فإنه لا يستحق التشميت، ويندب للعاطس أن يحمد الله. الشرط الثاني: أن يسمعه يحمد الله، فإذا لم يسمعه فإنه لا يجب عليه تشميته.
    وكما يجب على السامع أن يشمت العاطس فإنه يجب على العاطس أن يرد بقوله: "يغفر الله لي ولكم" أو بقوله: "يهديكم الله ويصلح بالكم". وإذا تكرر العطاس فإنه يشمت في الأولى والثانية والثالثة، وما زاد على ذلك فلا يجب فيه التشميت. وحكم المرأة في العطاس كحكمها في السلام، فإن كانت أجنبية أو شابة تشتهى فلا تشمت، كما لا يرد سلامها. وإن كانت عجوزاً أو شابة فلا تشتهى فإنها تشمت أما النساء المحارم فإنهن يشمتن كالرجال وكذا يشمت بعضهن بعضاً.
    [كتاب اليمين]
    [تعريفه]
    يطلق اليمين في اللغة على اليد اليمنى، وعلى القوة، وعلى القسم، فهومشترك بين هذه الثلاثة ثم استعمل في الحلف، لأنهم كانوا في الجاهلية إذا تحالفوا أخذ كل واحد بيد صاحبه اليمنى أولأن الحالف يتقوى بقسمه، كما أن اليد اليمنى أقوى من اليد اليسرى.
    [حكمه]
    يختلف حكم الحلف باختلاف الأحوال، فتارة يكون واجباً إذا توقف عليه واجب، كما إذا توقف عليه انقاذ إنسان بريء مصون الدم من الهلاك، وقد يكون حراماً كما إذا حلف على ارتكاب محرم أو حلف بما لا يباح الحلف به، وقد يكون غير ذلك مما هو مفصل بالمذاهب (8) .
    [دليله]
    فالحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته مشروع، وحكمة مشروعيته الحث على الوفاء بالعقد مع ما فيه من تعظيم الله تعالى. ودليله الكتاب والسنة والإجماع.
    أما الكتاب فقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغوفي أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} .
    وأما السنة فكثيرة منها ما رواه أبوداود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    "والله لأغزون قريشاً" قال ذلك ثلاث مرات، ثم قال في الثالثة "إن شاء الله".
    ومنها ما روي في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلف بقوله:
    "لا ومقلب القلوب"، وربما يحلف بقوله: "والذي نفسي بيده" أي بقدرته يصرفها كيف شاء؛ وقد أجمع المسلمون على أن اليمين مشروعة.
    [أقسام اليمين]
    تنقسم اليمين إلى لغو لا إثم فيه ولا كفارة عليه، والى منعقدة وهي ما لها كفارة إذا حنث فيها، وغموس (9) وهي ما فيها إثم ولا تنفع فيها الكفارة. وفي كل ذلك تفصيل في المذاهب.

    (1) الحنفية - قالوا: قد يكون البدء بالسلام فرضاً وذلك فيما إذا التقى راكب بماش في مفازة فإنه يفترض على الراكب أن يبدأ بالسلام للأمان
    (2) المالكية - قالوا: سنة السلام تحصل إلا بقول السلام عليكم، فلوقال: في البدء بالسلام وسلام عليكم لم يكن مسلماً على المعتمد.
    الحنابلة - قالوا: تحصل سنة السلام أيضاً بقول السلام عليكم
    (3) الشافعية - قالوا: إذا كانت الشابة منفردة في مكان وحدها فإنه يكره أن يلقي عليها الرجل سلاماً كما يحرم عليها أن تجيب أو تلقي سلاماً، سواء كانت دميمة تشتهي أولا، وإنما العجوز هي التي في حكم الرجل، أما إذا كانت المرأة مع غيرها رجالاً أو نساء فإن حكمها كحكم الرجل في السلام والرد
    (4) الشافعية والمالكية - قالوا: لا يسن السلام على قارئ القرآن مطلقاً، وكذا المشتغل بالذكر والدعاء والصلاة والأكل والشرب
    (5) الشافعية - قالوا: لا يكره السلام حال الأذان والإقامة، ولا على القاضي في مجلس القضاء، ولا غيرهم ممن ذكروا، ولم يستثنوا أحداً من الذين يسن في حقهم البدء بالسلام سوى ما تقدم من الشابة المنفردة، فإنه يحرم السلام منها وعليها، وكما يحرم على الرجل وكذلك الفاسق المجاهر؛ فإنه يحرم بدؤه بالسلام؛ ومثل الشابة: الخنثى المعروف؛ ومن يسمع الخطيب فإن السلام يكره عليه؛ وإذا سلم عليه، فإنه يجب عليه الرد
    (6) الحنفية - قالوا: إذا وجد من يأكل فإن كان محتاجاً للأكل معه وعلم أنه يدعوه إذا سلم فإنه يسلم، وإلا فلا يسلم.
    الشافعية - قالوا: إنه يسلم ولا تجب الإجابة إذا كان الآكل لا يستطيع الإجابة لوجود اللقمة في فيه.
    المالكية - قالوا: يسلم على الآكل مطلقاً كما تقدم.
    الحنابلة - قالوا في المسألة قولان:
    أحدهما الكراهة لأنه مشغول بالأكل، والمشغول لا يبدأ بالسلام عندهم.
    ثانيهما عدم الكراهة.
    الشافعية - قالوا: لا يكره السلام على هؤلاء ولا على غيرهم إلا ما استثني فيما تقدم

    (7) الشافعية - قالوا: تشميت العاطس سنة
    (8) المالكية - قالوا: الأصل في اليمين أن يكون جائزاً متى كان بأسم الله تعالى أو بصفة من صفاته ولولم يطلب منه الحلف، وقد يستحب إذا كان فيه تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفيرٌ من محذور، على أن تكثير الحلف من غير ضرورة من البدع الحادثة بعد السلف، ومتى كان اليمين مباحاً كان الحنث مباحاً وعليه الكفارة، إلا أن يكون الخير في الحنث فإنه حينئذ يتبع ذلك في الحكم، فإن حلف على ترك الواجب وجب الحنث، وإن حلف على فعل معصية وجب الحنث، وينعكس الحكم إذا حلف على فعل وجب أو ترك معصية وهكذا.
    الحنابلة - قالوا: الحلف يكون واجباً وحراماً كما ذكر، ويكون مكروهاً إذا كان على فعل مكروه أو على ترك مندوب. ومن الحلف المكروه: الحلف على البيع والشراء لحديث: "الحلف منفق للسلعة ممحق للبركة". رواه ابن ماجة.
    ويكون مندوباً إذا تعلقت به مصلحة كإصلاح بين متخاصمين ولو كان الحالف أحد المتخاصمين، أو إزالة حقد من قلب مسلم أو دفع شر عنه أو عن غيره. أما الحلف على فعل الطاعة وترك المعصية فليس بمندوب.
    ويكون مباحاً كالحلف على فعل المباح أو تركه، أو على الخبر بشيء هو صادق فيه أو يظن أنه صادق فيه، ومنه الحلف على فعل الطاعة وترك المعصية.
    ثم إذا كان الحلف على ارتكاب معصية أو ترك واجب وجب أن يحنث فيه، ولا يرتكب المعصية ولا يترك الواجب، وإن كان بالعكس بأن حلف وهو الصلاة، ويترك الزنا وهو المحرم وكذلك إذا حلف على فعل مندوب وترك مكروه فإنه يندب له البر، وإن كان بالعكس بأن حلف على ترك مندوب وفعل مكروه فإنه يكره له البر باليمين ويندب له الحنث.
    أما إذا حلف على فعل مباح أو تركه فيباح له الحنث وعدمه: والبر أولى من الحنث، لأن حفظ اليمين فيه أولى.
    الشافعية - قالوا: الأصل في الحلف الكراهة لقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} وقد يكون مباحاً غير مكروه كما إذا حلف على فعل طاعة أو ترك مكروه، أو في دعوى عند حاكم مع الصدق، أو كان لتأكيد أمر في حاجة إلى التأكيد كقوله صلى الله عليه وسلم: "فوالله لا يمل حتى تملوا"، أو كان لتعظيم شأن أمر كقوله عليه الصلاة والسلام "والله لوتعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً".
    ويكون مندوباً إذا توقف عليه فعل مندوب أو ترك مكوره، أما الحنث فتعتريه الأحكام الخمسة، فتارة يكون واجباً كما إذا حلف على معصية أو ترك واجب، فمن حلق ليشربن الخمر أولا يصلي فإنه يفترض عليه أن يحنث وعليه الكفارة. وتارة يكون حراماً إذا كان بالعكس، كما إذا حلف أن يقيم الصلاة المفروضة أولا يزني فإنه يفترض عليه البر باليمين ويحرم عليه الحنث وتارة يكون مندوباً كما إذا حلف على ترك مندوب وفعل مكروه. وتارة يكون خلاف الأولى كما إذا حلف على فعل مباح أو تركه كالأكل والشرب، فالولى أن يبر باليمين صوناً لاسم الله تعالى وهوفي جميع الأحوال تجب عليه الكفارة إذا حنث.
    الحنفية - قالوا: الأصل في اليمين بالله أو بصفة من صفاته أن يكون جائزاً، ولكن الأولى أن لا يكثر منه. ثم إن كان الحلف على معصية كأن حلف بأن لا يكلم والديه اليوم أو شهراً فإنه يفترض عليه أن يحنث، وإن كان على ترك معصية كأن حلف بأن لا يشرب الخمر فإنه يفترض عليه أن يبر وأن لا يحنث، وكذا إن كان الحلف على فعل واجب فإنه يفترض بر اليمين. وإن كان على ترك واجب فإنه يفترض الحنث ولا يترك الواجب. أما إن حلف على أمر الأولى عدمه، كأن حلف ليأكلن البصل اليوم، أو حلف على أمر فعله أولى من تركه، كأن حلف ليصلين الضحى اليوم أو حلف على أمر فعله وتركه يستويان، كأنحلف بأن لا يأكل هذا الخبز مثلاً، فقد اختلف في ذلك على قولين: الأول: أن يكون الحنث أولى في المثال الأول، وهو الحلف بأن يأكل البصل، والبر أولى في المثال الثاني وهوحلفه بأن يصلي الضحى، وكذلك البر أولى في المثال الثالث في حالتي الفعل والترك. والقول الثاني: أن البر واجب على أي حال لقوله تعالى: {واحفظوا أيمانكم} فالحنث أو البر يجبان أو يحرمان في الواجب المحرم، أما في غيرهما فالبر واجب على القول الثاني وهو وجيه.
    ولا يتصور الحنث إلا إذا قيد اليمين بوقت معين كأن يقول: أفعل كذا، أول اليوم أو الشهر، أما إذا لم يقيد فإنه لا يحنث إلا في آخر حياته، فيوصي بالكفارة بموته، وإذا هلك المحلوف عليه قبل ذلك وجبت عليه الكفارة
    (9) الحنفية - قالوا: اليمين الغموس هوأن يحلف بالله تعالى كاذباً متعمداً الكذب، ولا يلزم أن يكون المحلوف عليه فعلاً ماضياً في الحال، بل يكون كذلك كقوله: والله ما ضربت محمداً عالماً بأنه ضربه، وقد يكون غير فعل في الحال كقوله: والله إنه ذهب الآن، وهوعالم بأنه فضة، وكقوله: والله ما له علي ألف، وهوعالم بأن له عليه ذلك، ولكن الأكثر في اليمين الغموس أن يكون المحلوف عليه فعلاً ماضياً، فإن الذي يتعمد الكذب يحدث غالباً عن الماضي بقوله فعلت وتركت، ولا يتصور اليمين الغموس في غير الحلف بالله تعالى، لأنه هو الذي لا كفارة له، ويكون صاحبه آثماً تلزمه التوبة، أما الحلف بغير الله تعالى كالحلف بالطلاق كاذباً متعمداً فإنه ينعقد ويقع به الطلاق، وكذلك اللغوفإنه يقع به الطلاق، واختلف في كون اليمين الغموس كبيرة من الكبائر على قولين: أحدهما أنها كبيرة مطلقاً لأن فيها امتهاناً لاسم الله تعالى، وثانيهما أنها تكون كبيرة إذا ترتب عليها قطع حَق أو إيذاء من لا يستحق الإيذاء، أو إدانة بريء أو نحو ذلك، فإن لم يترتب عليها شيء من ذلك تكون صغيرة لا كبيرة.
    أما اللغوفي اليمين فإنه يشمل أمرين: الأول: أن يحلف على شيء وهو يعتقد أو يظن أنه صادق ثم يظهر أنه كاذب، كما إذا حلف أنه ما دخل دار فلان أمس معتقداً أو ظاناً صدق نفسه مع أنه دخلها، أو يحلف بأنه لا نقود معه الآن ظاناً أنها ليست معه وهي معه، ولم يفرقوا في ذلك بين الظن القوي والضعيف. الثاني: أن يسبق لسانه إلى الحلف بدون قصد أصلاً أوقصد شيئاً وجرى لسانه إلى غيره كقوله: لا والله؛ وبلى والله.
    ولا يكون اللغوعندهم إلا في الماضي أو الحال كما مثل، أما الحلف على المستقبل كقوله: والله لأسافرن غداً فإنه يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيه، سواء قصد أولم يقصد، بخلاف الغموس فإنه يكون في المستقبل، لأن المدار فيه على تعمد الكذب، فإذا حلف بأنه لا يدخل دار فلان غدارً وهومصمم على دخولها فقد تعمد الكذب وكانت يمينه غموساً.
    وحكم اللغوأن الحالف لا يؤاخذ به في الآخرة، ولا في الدنيا فلا كفارة عليه ولا إثم فيه.
    ولا يكون اللغوإلا في اليمين بالله تعالى، أما اليمين بغير الله تعالى فإن أثره يبقى، كما إذا حلف بالطلاق لغواً أو بالعتاق، أو نذر صدقة فإنه يقع به الطلاق، ويلزم العتق والنذر كما تقدم قريباً.
    أما المنعقدة فهي الحلف بالله أو صفاته كما يأتي.
    المالكية - قالوا: اليمين الغموس تشمل أمرين:
    الأول: أن يحلف كاذباً متعمداً الكذب وهذه تغمس صاحبها في النار أو الإثم الذي هوسبب في النار، وليست لها كفارة لأنها أعظم من أن تنفع فيها الكفارة، بل الحالف بها يتوب ويقرب إلى الله تعالى بما قدر عليه من صيام أو صدقة أو نحوهما.
    الثاني: أن يحلف على شك أو ظن ضعيف كأن يقول: والله ما لقيت فلاناً أمس وهولا يدري ألقيه أم لا؟، وفي هذه الحالة لا يخلو: إما أن يظهر صدقه بعد ذلك، أو يظهر كذبه، أولم يظهر شيء، فإن ظهر كذبه أولم يظهر شيء وبقي على شكه أو ظنه الضعيف فإنه يكون آثماً كتعمد الكذب تماماً، أما إن ظهر صدقه فقد اختلف فيه قولين:
    الأول: أنه يكون حينئذ باراً في يمينه ولا إثم عليه.
    الثاني: أنه لم يرتفع عنه الإثم لأن الإثم مترتب على الجرأة والإقدام على الحلف بدون يقين، وهذا لا يكفره إلا التوبة، وإن ظهر أنه مطابق للواقع. على أن إثم الحالف على الشك أو الظن الضعيف أهون من إثم متعمد الكذب. أما إذا حلف جازماً أو على ظن قوية وظهر خلافه فإنه لا يكون غموساً بل يكون لغواً كما يأتي.
    ثم إن كان المحلوف عليه ماضياً فإنه لا كفارة فيه اتفاقاً كقوله: والله ما فعلت كذا وهوجازم بأنه فعل، وكذا إذا كان شاكاً أو ظاناً كما تقدم.
    أما إذا تعلقت كما إذا حلف على أمر لا يمكن وقوعه، أو على أمر علم أنه لا يوجد فالأول كقوله: والله لأطلعن السماء، والثاني كقوله: والله لأقتلن فلاناً، وهو يعلم أنه ميت، أو والله لا تطلع الشمس غداً أو نحو ذلك، ففيه خلاف، فبعضهم يرى أنه من الغموس الذي لا كفارة له، وبعضهم يرى أن فيه الكفارة، وأن الغموس تتعلق بالماضي، فإذا تعلقت بمستقبل أو حال لم تكن من الغموس وهو المعتمد. والغموس تكون بالطلاق، فإذا حلف بالطلاق متعمداً الكذب يأثم ويقع به الطلاق.
    واليمين اللغو هي أن يحلف على شيء يجزم به حال الحلف، أو يظنه ظناً قوياً ثم يظهر أنه خلاف ذلك، كأن يقول: والله لا دراهم معي وهو يجزم بذلك ويظن ظناً قوياً ثم يظهر بعد ذلك أنه معه دراهم، وحكمها أنه لا يؤخر عليها، ثم إن كان المحلوف عليه ماضياً فلا كفارة فيها اتفاقاً كقوله: والله ما جاء محمد، وهو يعتقد أنه لم يجئ حقاً ولكن الواقع أنه يكون قد جاء وإن كان مستقبلاً كقوله: والله ما جاء محمد غداً، وهو يعتقد أنه لا يجيء حقاً، فقد اختلف فيها أيضاً، فبعضهم يرى أن اللغولا يكون في المستقبل، لأن الذي يحلف على المستقبل وهوغيب ذوجرأة يكون جزاؤها الكفارة، بخلاف الذي يحلف على الماضي، لأنه حلف بناء على ما يعلم في الماضي أما المستقبل فلا يتعلق به علم، وبعضهم يرى أنه لا كفارة عليها كالماضي والحال.
    ولا يفيد لغو اليمين في الحلف بغير الله تعالى، فإذا حلف بالطلاق أو بالعتق أو نذر صدقة أو نحوها أو كانت يمينه لغواً فإنها تنعقد في هذه الأشياء، ويقع بها الطلاق ويلزم بها العتق والنذر، حتى ولو كان النذر مبهماً.
    الشافعية - قالوا: تنقسم اليمين إلى قسمين: لغو، ومنعقدة. فاللغوتشمل أموراً ثلاثة:
    الأول: أن يسبق لسانه إلى ما لم يقصده باليمين، كما إذا أراد أن يقول: والله لآكلن غداً فسبق لسانه إلى قول: والله لأضربن محمداً، ويصدق ظاهراً من يدعي عدم قصد اليمين إذا لم تقم قرينة على كذبه إلا في ثلاث، الطلاق والعتاق والإيلاء، فإنه لا يصدق ظاهراً على أي حال لتعلق حَق الغير بذلك،
    الثاني: يسبق لسانه إلى لفظ اليمين بدون أن يقصد شيئاً، كما إذا كان غضباناً وسبق لسانه إلى اليمين بأن قال: لا والله. وبلى والله، وهولا يريد سوى هذا اللفظ.
    الثالث: أن يكون اليمين زيادة لكلام كأن يقول عقب كلامه: لا والله تارة، وبلى والله تارة أخرى، أو يجمع بين العبارتين فيقول: لا والله وبلى والله، فإنه يكون لغواً على المعتمد.
    الثاني: المنعقدة، وهي الحلف باسم من أسمائه تعالى أو بصفة من صفاته لتحقيق المحلوف عليه بالشرائط الآتية، فالمنعقدة لا بد فيها من قصد تحقيق المحلوف عليه بخلاف اللغوكما علمت.
    ولا فرق عندهم في اليمين سواء كانت لغواً أو منعقدة بين أن تكون على الماضي أو على المستقبل، فاللغويصح أن تكون في المستقبل كأن يقول: والله لأسافرن غداً وهو يقصد أن يقول: لأدخلن دار محمد، كما يكون في الماضي كقوله: والله ما أكلت التفاح أمس وهو يقصد الرمان مثلاً.
    وكذلك المنعقدة تصح على الماضي والمستقبل كقوله: والله إني فعلت كذا أو ما فعلته، وكقوله: والله لأفلعن كذا أولا أفعله، فإذا لم يبر في يمينه تجب عليه الكفارة فيها على أي حال. فاليمين الذي يسميه غيرهم غموساً تجب فيه الكفارة عندهم، سواء تعلق بالماضي أو المستقبل؛ أما اللغوفلا كفارة له، ولا يؤاخذ الحالف به، سواء تعلق بالماضي أو المستقبل.
    الحنابلة - قالوا: تنقسم اليمين إلى أقسام ثلاثة: منعقدة، ولغو، وغموس. فالمنعقدة هي الحلف على فعل شيء في المستقبل أو تركه كقوله: والله لأعتكفن غداً، ووالله لا أزني أبداً، وتنعقد اليمين على المستقبل ولو كان المحلوف عليه مستحيلاً كما يأتي.
    اللغويشمل أمور ثلاثة:
    الأول: أن يسبق اليمين على لسانه من غير قصد كأن يقول في أثناء كلامه: لا والله وبلى والله، ولو كان حلفه كذلك على شيء في المستقبل.
    الثاني: أن يحلف على شيء يظن نفسه صادقاً فيه ثم يظهر خلافه، وهذا يكون لغواً في اليمين بالله، والنذر، والظهار. أما الطلاق والعتاق فإنه ينعقد فيهما.
    الثالث: أن يحلف على شيء في المستقبل يظن صدقه فلم يحصل، كما إذا حلف على غيره وهو يظن أن يطيعه فلم يطعه، أو فعل ما يقصده الحالف لعدم معرفته غرضه؛ فكل ذلك من لغواليمين، فلا مؤاخذة عليه ولا كفارة.
    والغموس وهي التي يحلف بها على شيء مضى متعمداً الكذب عالماً بأنه كاذب وهذه لا كفارة لها، وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #86
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 61 الى صــــــــ71
    الحلقة (86)


    [شروط اليمين]
    يشترط لانعقاد اليمين شروط منها أن يكون الحالف مكلفاً، فلا ينعقد يمين الصبي والمجنون. ومنها أن يكون مختاراً، فلا ينعقد يمين المكره (1) ولا يحنث إذا أكره على فعل المحلوف عليه، ومثله الناسي والمخطيء فإنهما لا شيء عليهماز ومنها أن يكون قاصداً، فلا ينعقد يمين يسبق بها اللسان بدون قصد. ومنها أن يكون المحلوف به اسماً من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته على التفصيل الآتي في مبحث صيغ الأيمان.
    ومنها أن لا يكون المحلوف عليه واجباً في العقل والعادة، أو في العادة فقط، فإن كان كذلك فإن اليمين لا تنعقد بل تكون لغواً.
    فمثال الأول أن يقول:
    والله هذا الجرم متحيز، فهذا ليس يميناً لأن تحيز الجرم واجب عقلاً وعادة.
    ومثال الثاني أن يقول:
    والله إن الشمس تطلع من المشرق، أو والله لأموتن، فهذا ليس بيمين أيضاً. لأن طلوع الشمس من المشرق واجب عادة وكذلك الموت،
    ومثل هذا ما إذا قال:
    والله لا أصعد السماء، أولا أقلب هذا الحجر ذهباً، أولا أرد أمس، لأن عدم صعود السماء وعدم قلب الحجر ذهباً وعدم ردم أمس واجب عادة فلا تنعقد به اليمين،
    وينعقد اليمين فيما عدا ذلك وهوأمور أربعة:
    الأول: أن يكون ممكناً عقلاً وعادة كقوله والله لأدخلن الدار في حالة الاثبات. أولا أدخل الدار في حالة النفي، فهذا يمين منعقدة، لأن دخول الدار ممكن عقلاً وعادة.
    الثاني:
    أن يكون مستحيلاً عادة فقط كقوله: والله لأصعدن السماء أولأحملن الجبل، ويحنث في هذا بمجرد الحلف،
    وكذا إذا قال:
    والله لأقتلن فلاناً وهوميت على تفصيل في المذاهب (2) الثالث: أن يكون ممتنعاً في العقل والعادة كقوله: والله لأجمعن بين حياة فلان وموته، فإن الجمع بين الضدين مستحيل عقلاً وعادة. ويحنث فيه بمجرد الحلف.
    الرابع:
    أن يكون واجباً شرعاً أو ممتنعاً شرعاً؛
    فالأول كقوله:
    والله لأصلين الظهر.
    والثاني كقوله:
    والله لأشربن الخمر، وهذه يمين منعقدة أيضاً.
    ومنها خلو اليمين من الاستثناء فلا ينعقد إذا قال: والله لا أفعل كذا إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله، وفي أحكام الاستثناء وشروطه تفصيل في المذاهب (3) . ومنها أن يتلفظ باليمين، فإذا جرى اليمين على قلبه بدون تلفظ لا ينعقد. وقد زاد بعض المذاهب شروطاً أخرى (4)
    [وقد زاد بعض المذاهب شروطاً أخرى (5) ]
    [مبحث الصيغ التي تنعقد بها اليمين]
    تنعقد اليمين باسم الله تعالى كقوله: والله وبالله وتالله. وتنعقد بصفة من صفاته، وفي ذلك تفصيل المذاهب(6) .




    (1) الحنفية - قالوا: تنعقد يمين المكره، وتجب عليه الكفارة إذا فعل المحلوف عليه ولوأكره على فعله، أما إذا فعل المحلوف عليه غيره بإكراهه كما إذا حلف لا يشرب هذا الماءفصبه له غيره في حلقه كرهاً فإنه لا يحنث أيضاً إذا فعل المحلوف عليه ناسياً كما إذا حلف لا يحلف ثم نسي وحلف فإنه تلزمه الكفارة في ذلكوكذلك يحنث إذا فعل المحلوف عليه وهومجنون أو مغمى عليه، أما إذا حلف وهومجنون أو مغمى عليه فلا تنعقد يمينه. لأن شرط انعقاد اليمين العقل. وكذلك يقع يمين المخطىئ وهو من حنث ذاهلاً عن اليمين.
    المالكية - قالوا: لا تنعقد اليمين بالإكراه، فإذا انعقدت من غير إكراه فلا يخلو:
    أما إن تكون على فعل شيء كقوله: والله لآكلن الرغيف ويسمى يمين حنث، أو تكون على ترك شيء كقوله: والله لا أدخل الداروتسمى يمين بر، فإذا أكره على الحنث في صيغة البر كأن أدخل الدار قهراً عنه لا تلزمه الكفارة ولوأكره من غير عاقل كأن كان راكباً على دابة ثم جمحت به وأدخلته الدار قهراً عنه إذا لم يتمكن من النزول عنها أو إمساكها. أما إذا تمكن من النزول عنها بدون ضرورة، أو من إمساك رأسها أو بانشاء رجله عليها ولم يفعل فإنه يحنث وتلزمه الكفارة وكذلك إذا أدخله الدار غيره كرهاً وتمكن من الخروج منها بدون ضرر ولم يفعل فإنه يحنث وتلزمه الكفارة.
    أما إذا أكره على الحنث في صيغة الحنث وهي الحلف على الفعل بأن منعه من الفعل مانع قسري ففيه خلاف؛ فقيل: يحنث وتلزمه الكفارة وهو المشهور، وقيل: لا يحنث وهو القياس وإنما لم يحنث إذا أكره في صيغة البر وهي لا أفعل اتفاقاً. لأن الحنث فيها يكون بالفعل لأن من حلف لا يدخل الدار يحنث بدخولها، بخلاف صيغة الحنث، فإن البر فيها يكون بترك الفعل، وأساب الترك كثيرة فضيق فيها، أما أسباب الفعل فهي قليلة فوسع فيها.
    ويشترط في عدم الحنث بالإكراه ستة شروط: الأول أن لا يعلم حال اليمين أنه على الفعل. الثاين أن لا يأمر غيره بإكراهه. الثالث أن لا يكون الحالف على شخص هو المكره له، فلوحلف على زوجه أن لا تدخل الدار ثم أكرهها على دخولها حنيث، بخلاف ما إذا أكرهها غيره. الرابع أن لا يكون الإكراه شرعياً، كما إذا حلف لا يدخل السجن ثم حبس فيه لدعوى شرعية فإنه يحنث، وكذا إذا حلف لا يدفع هذا الدين في هذا الشهر فأكرهه القاضي فإنه يحنث. الخامس أن لا تكون يمينه لا أفعله طائعاً ولا مكرهاً، أما إذا حلف بأن لا يدخل دار فلان طائعاً ولا مكرهاً ثم أكره على الدخول فإنه يحنث، السادس أن لا يفعله بعد زوال إكراهه، فإذا أدخل الدار مكرهاً ثم زال الإكراه فدخلها طائعاً حنث وتلزمه الكفارة، ويحنث بالنسيان، فمن حلف لا يأكل كذا ثم نسي فأكله فإنه يحنث ما لم يقيد يمينه بالنسيان كأن يقول: والله لا آكله ناسياً أو ما لم أنس، فإنه إذا أكله في هذه الحالة لا يحنث، لأنه قيد يمينه، ومثل النسيان الخطأ والجهل فمثال الخطأ أن يحلف لا يدخل دار فلان فدخلها معتقداً أنها غيرها فإنه يحنث بذلك، ومثال الجهل أن يحلف ليدخلن هذه الدار الليلة وهو يعتقد جهلاً أنه لا يلزم بالدخول الليلة، فلم يدخل حتى مضت الليلة فإنه يحنث ولا يعذر بجهله
    (2) الحنفية - قالوا: إذا كان المحلوف عليه مستحيلاً عادة فإنه يحنث بمجرد الحلف إذا لم يوقت اليمين بوقت، أما إذا وقته بوقت فإنه لا يحنث إذا مضى ذلك الوقت، فلوقال: والله لأصعدن السماء بعد سنة مثلاً لا يحكم بحنثه إلا إذا مضت السنة.
    الحنفية - قالوا: إذا حلف ليقتلن فلاناً وهوميت فلا يخلو: إما أن يكون عالماً بموته وقت الحلف أولم يكن عالماً، فإذا لم يكن عالماً بموته وتبين له أنه ميت فإنه لا يحنث، لأنه عقد يمينه على حياة كانت موجودة فيه وهو يعتقد وجودها، أما إذا كان عالماً بموته فإنه يحنث لأنه المحلوف عليه وإن كان مستحيلاً عادة ولكنه ممكن في ذاته يصح وقوعه لجواز أن يعيد الله له الحياة، بخلاف مسألة الكوز، وهي إذا ما حلف ليشربن ماء هذا الكوز بدون أن يقيد بوقت وكان فيه ماء فأراقه الحالف أو غيره، أو سقط الإناء وحده فأريق ماؤه فإنه يحنث، والفرق بين المسألتين: أن الماء في الصورة الثانية لا يمكن إعادته بعينه أصلاً، فإن من الممكن عقلاً إعادة ماء آخر في الكوز، أما الماء الذي اريق وذهب فإنه لا يمكن إعادته عقلاً، فإذا خلق الله ماء في الكوز ثانياً لم يكن هو المحلوف عليه، بل المحلوف عليه ماء مظروف في الكوز وقت الحلف وقد أريق، أما الصورة الأولى فإن الحياة إذا عادت فإن ذات الإنسان لم تتغير، بل تكون هي الأولى بعينها، واعلم أن في مسألة الكوز أربعة أوجه: الأول أن تكون يمينه مؤقتة بوقت ولا ماء فيه كما إذا قال: والله لشربن ماء هذا الكوز اليوم وليس فيه ماء، الثاني أن تكون مؤقتة بوقت وفيه ماء ثم صب وهولا يحنث في هذين الوجهين لعدم انعقاد اليمين أصلاً
    في الوجه الأول، ولبطلانها بعد الانعقاد
    في الوجه الثاني، لأن اليمين وإن كانت صادفت وجود الماء في الكوز فانعقدت، ولكن بإراقة الماء بطل انعقادها.
    الثالث: أن تكون اليمين غير مؤقتة بوقت ولا ماء في الكوز كما إذا قال: والله لأشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه، وفي هذه الصورة لا يحنث أيضاً، لأن يمينه لم تنعقد أصلاً لعدم وجود الماء، ولا يحنث في الصور الثلاث، سواء علم أن في الكوز ماء أولم يعلم.
    الرابع أن تكون اليمين غير مؤقتة بوقت وكان في الكوز ماء كما إذا قال: والله لأشربن ماء هذا الكوز بدون أن يوقت بوقت وكان ف يه ماء كما ذكره في أول المسألة فإنه يحنث، سواء علم بوجود الماء أولم يعلم، وسواء أريق الماء وحده أو أراقه هو أو غيره ويتفرع على هذا مسائل:
    منها أنه إذا حلف ليقضين حَق فلان غداً فمات أحدهما قبل الغد فإنه لا يحنث لبطلان اليمين بعد انعقادها، ومنها إذا قال لامرأته: إن لم تصلي غداً فأنت طالق، فجاءها الحيض في الغد قبل أن يمضي وقت يمكن أداء الصلاة فيه، أو بعدما صلت ركعة فإنه يحنث على الأصح؛ وذلك لأن المحلوف عليه وهي الصلاة يمكن وقوعها مع وجود الدم، فحصول الدم لا يبطل اليمين. ألا ترى أن المستحاضة تصح منها الصلاة مع وجود الدم، فلا مانع من أن الشارع يمكن أن يشرع الصلاة مع الحيض، بخلاف مسألة الكوز، فإن المحلوف عليه غير ممكن أصلاً؛ فلذا حكم بحنثه. وكذا إذا قال: والله لأصومن من اليوم بعد أن أكل في النهار؛ فإن يمينه ينعقد ويحنث، لأن الصيام ممكن مع الأكل كما في حالة النسيان. فإن من أكل ناسياً يعد صائماً فيمكن أن يشرع الصيام مع الأكل حينئذ.
    ومنها إذا قال لزوجه بعدما اصبح الصباح: إن لم أجامعك الليلة فأنت كذا، فإن لم تكن له نية انصرفت إلى الليلة المقبلة، وإن نوى الليلة الفائتة فإن يمينه لا تنعقد ولا يحنث، وكذا إذا قال بعد طلوع الفجر: والله لا أنام الليلة وهولا يعلم أن الفجر قد طلع فإنه لا يحنث.
    ومنهاما إذا قال لامرأته: إن لم تردي المال الذي أخذتيه من مكان كذا فأنت طالق وهي لم تأخذه، بل هوباق في مكانه فإنه لا يحنث لأن المحلوف عليه غير ممكن، فإن رد المال مع عدم أخذه مستحيل.
    ومنها أنه إذا حلف لا يعطي فلاناً شيئاً إلا بإذن من زيد فمات زيد فإنه لا يحنث إذا أعطاه، وإذا حلف ليقضين دينه غداً فقضاه اليوم فإنه لا يحنث. وكذا إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غداً فأكله اليوم فإنه لا يحنث، أو حلف ليقتلنه غداً فمات اليوم فإنه لا يحنث؛ ولوجن الحالف في يومه فإنه يحنث.
    المالكية - قالوا: إذا منع مانع من فعل المحلوف عليه فلا يخلو: إما أن يكون عقلياً، كما إذا حلف ليقتلن فلاناً فإذا هوميت. أوليذبحن حمامه فوجده مسروقاً. وإما أن يكون المانع شرعياً كما إذا حلف ليطأن امرأته الليلة فوجدها حائضاً، فالمانع ثلاثة أقسام: عقلي، وعادي، وشرعي فإن كان عقلياً فإن الحالف لا يحنث إلا إذا حصل بعد اليمين ولم يوقت بوقت ولم يفرط في الفعل فإذا قال: والله لأذبحن الحمام فمات الحمام بعد الحلف وفرط في ذبحه فإنه يحنث. أما إذا قال: والله لأذبحنه غداً وجاء فبادر إلى ذبحه فوجده ميتاً فإنه لا يحنث. أما إذا حصل الموت قبل اليمين كأن قال: والله لأذبحنه وكان ميتاً قبل ذلك فإنه لا يحنث مطلقاً، سواء وقت أولم يوقت، فرط أولم يفرط.
    وإن كان المانع عادياً كما إذا وجد الحمام مسروقاً. فإن كانت السرقة حصلت قبل اليمين فإنه لا يحنث، سواء فرط في الذبح أولم يفرط، وسواء وقت بوقت أولم يوقت، أما إن كانت السرقة حصلت بعد اليمين فإنه يحنث مطلقاً، سواء وقت أولم يوقت، فرط أولم يفرط وإن كان المانع شرعياً كما إذا حلف وهي طاهرة ثم طرأ عليها الحيض بعد اليمين واستمر الليلة كلها؛ أو حلف اليمين وهي حائض قبل حلفه. فالمانع الشرعي يوجب الحنث، سواء تقدم على اليمين أو تأخر، أما إذا حلف ليطأنها ولم يقيد بالليلة ثم وجدها حائضاً فإنه ينتظر رفع الحيض ويفعل المحلوف عليه فلا يحنث. فإذا وطئها وهي حائض ففي بره خلاف: فبعضهم يقول: إنه لا يحنث لأنه فعل المحلوف عليه وهو المدلول اللغوي،وبعضهم يقول: يحنث لمخالفته للمدلول الشرعي. ومحل هذا الخلاف إذا كانت اليمين بعد الحيض، أما إذا كانت قبله وفرط حتى حاضت، فإن القياس الاتفاق على حنثه.
    الحنابلة - قالوا: إذا حلف ليقتلن فلاناً فإذا هوميت فإنه يحنث مطلقاً، سواء علم بموته قبل الحلف أولم يعلم، وكذا إذا قال: والله لأشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه، سواء علم بأن فيه ماء أولم يعلم، وكذا إذا حلف ليضربن هذا الحيوان غداً فمات قبل أن يضربه فإنه يحنث ولولم يمض وقت يتمكن فيه من ضربه، وكذا إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غداً فتلف قبل الغد فإنه يحنث، سواء تلف باختياره أو بغير اختياره، وكذا إذا حلف ليشربن هذا الماء اليوم، أوليضربن هذا الغلام فتلف الماء ومات الغلام قبل فعل المحلوف عليه، فإنه يحنث عند موت الغلام وتلف الماء، وكذا إذا أطلق يمينه ولم يقيدها بوقت كما إذا قال. والله لآكلن هذا الرغيف فتلف الرغيف قبل أن يأكله فإنه يحنث عند تلفه، وإذا قال: والله لأضربنه غداً فضربه قبل الغد فإنه لا يبر، كما إذا حلف ليصومن يوم الجمعة فصام يوم الخميس، وإذا مات الحالف قبل الغد أو جن حتى خرج الغد فإنه لا يحنث.
    الشافعية - قالوا: إذا حلف ليقتلن فلاناً وهوميت فإنه يحنث مطلقاً، وإذا قال: والله ليأكلن هذا الطعام غداً فتلف الطعام بنفسه أو أتلفه أحد غيره وتمكن منعه عن إتلافه ولم يمنعه فإنه يحنث من الغد إذا مضى زمن يتمكن فيه من الأكل ولم يأكل، فمتى مضى ذلك الزمن حكم بحنثه ولوفسد الطعام في آخر يوم، وكذا إذا مات من الغد فإنه يحنث متى مضى زمن يتمكن فيه من الفعل قبل موته. فيحكم بحنثه عقب مضي ذلك الزمن، وإن مات في آخر النهار. وكذا إذا أتلف الطعام بنفسه قبل الغد فإنه لا يحكم بحنثه وقت الإتلاف، وإنما يحكم بحنثه بعد مضي زمن من الغد يتمكن فيه من الفعل، وإذا قدم فعل المحلوف عليه أو أخره مع تمكنه من الفعل في الوقت المحدد في يمينه فإنه يحنث، فإذا حلف ليقضين حَق فلان عند غروب الشمس فقضاه قبل ذلك مع تمكنه من القضاء في ذلك الوقت فإنه يحنث، وإذا شرع في مقدمة القضاء من وزن أو كيل ونحوهما قبل الوقت فتأخر القضاء عن الوقت فإنه لا يحنث.
    الحنفية - قالوا: إذا كان المحلوف عليه مستحيلاً عقلاً وعادة فإن اليمين لا تنعقد ولا تبقى منعقدة
    (3) المالكية - قالوا: الاستثناء إما أن يكون المشيئة أو يكون بإلا أو أحد أخواتها، فالاستثناء بالمشيئة لا يفيد إلا في اليمين بالله والنذر المبهم "هوالذي لم يعين فيه المنذور" فإن قال: والله لا أفعل كذا إن شاء الله، أن إلا أن يشاء الله، وفعله لا كفارة عليه بالشروط الآتية وكذا إذا قال: علي نذر لا أفعل كذا إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله. أما إن قال عليه الطلاق إن فعل كذا أولم يفعل كذا إن شاء وبعضهم يقول: يحنث لمخالفته للمدلول الشرعي. ومحل هذا الخلاف إذا كانت اليمين بعد الحيض، أما إذا كانت قبله وفرط حتى حاضت، فإن القياس الاتفاق على حنثه.
    الحنابلة - قالوا: إذا حلف ليقتلن فلاناً فإذا هوميت فإنه يحنث مطلقاً، سواء علم بموته قبل الحلف أولم يعلم، وكذا إذا قال: والله لأشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه، سواء علم بأن فيه ماء أولم يعلم، وكذا إذا حلف ليضربن هذا الحيوان غداً فمات قبل أن يضربه فإنه يحنث ولولم يمض وقت يتمكن فيه من ضربه، وكذا إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غداً فتلف قبل الغد فإنه يحنث، سواء تلف باختياره أو بغير اختياره، وكذا إذا حلف ليشربن هذا الماء اليوم، أوليضربن هذا الغلام فتلف الماء ومات الغلام قبل فعل المحلوف عليه، فإنه يحنث عند موت الغلام وتلف الماء، وكذا إذا أطلق يمينه ولم يقيدها بوقت كما إذا قال. والله لآكلن هذا الرغيف فتلف الرغيف قبل أن يأكله فإنه يحنث عند تلفه، وإذا قال: والله لأضربنه غداً فضربه قبل الغد فإنه لا يبر، كما إذا حلف ليصومن يوم الجمعة فصام يوم الخميس، وإذا مات الحالف قبل الغد أو جن حتى خرج الغد فإنه لا يحنث.
    الشافعية - قالوا: إذا حلف ليقتلن فلاناً وهوميت فإنه يحنث مطلقاً، وإذا قال: والله ليأكلن هذا الطعام غداً فتلف الطعام بنفسه أو أتلفه أحد غيره وتمكن منعه عن إتلافه ولم يمنعه فإنه يحنث من الغد إذا مضى زمن يتمكن فيه من الأكل ولم يأكل، فمتى مضى ذلك الزمن حكم بحنثه ولوفسد الطعام في آخر يوم، وكذا إذا مات من الغد فإنه يحنث متى مضى زمن يتمكن فيه من الفعل قبل موته. فيحكم بحنثه عقب مضي ذلك الزمن، وإن مات في آخر النهار. وكذا إذا أتلف الطعام بنفسه قبل الغد فإنه لا يحكم بحنثه وقت الإتلاف، وإنما يحكم بحنثه بعد مضي زمن من الغد يتمكن فيه من الفعل، وإذا قدم فعل المحلوف عليه أو أخره مع تمكنه من الفعل في الوقت المحدد في يمينه فإنه يحنث، فإذا حلف ليقضين حَق فلان عند غروب الشمس فقضاه قبل ذلك مع تمكنه من القضاء في ذلك الوقت فإنه يحنث، وإذا شرع في مقدمة القضاء من وزن أو كيل ونحوهما قبل الوقت فتأخر القضاء عن الوقت فإنه لا يحنث.
    الحنفية - قالوا: إذا كان المحلوف عليه مستحيلاً عقلاً وعادة فإن اليمين لا تنعقد ولا تبقى منعقدة
    (4) المالكية - قالوا: الاستثناء إما أن يكون المشيئة أو يكون بإلا أو أحد أخواتها، فالاستثناء بالمشيئة لا يفيد إلا في اليمين بالله والنذر المبهم "هوالذي لم يعين فيه المنذور" فإن قال: والله لا أفعل كذا إن شاء الله، أن إلا أن يشاء الله، وفعله لا كفارة عليه بالشروط الآتية وكذا إذا قال: علي نذر لا أفعل كذا إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله. أما إن قال عليه الطلاق إن فعل كذا أولم يفعل كذا إن شاء الله وحنث فإنه يلزمه ولا تنفعه المشيئة. واختلف في الاستثناء بإرادة الله وقضاء الله وقدره، وهل هومثل الاستثناء بمشيئة الله أولا؟ فقال بعضهم: إنه مثل الاستثناء بالمشيئة، فلوقال: والله لا أفعل كذا إن أراد الله، أو إن قدر الله، أو إن قضى الله وحنث لا كفارة عليه وهو الأظهر. وقال بعضهم: إن الذي ينفع هو الاستثناء بالمشيئة فقط.
    أما الاستثناء بإلا أو أحد أخواتها فهوينفع في جميع الأيمان، فإذا قال: والله لا أكلم زيداً إلا يوم الخميس، أو ما خلا يوم قدومه، أو ما حاشا يوم عرسه، أو ما عدا يوم حزنه، أو ليس يوم مرضه، أو يكون يوم موته، فإنه يفيده فيما استثناه. وكذا إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إن دخلت الدار إلا واحدة نفعه الاستثناء بالشروط الآتية.
    وينفع الاستثناء في جميع متعلقات اليمين، أي سواء كانت مستقبلة أو ماضية، منعقدة أو غموسا ومعنى نفعه في الغموس أنه يرفع الإثم. فمن حلف أنه يشرب البحر، أو يحمل الجبل، أو يميت الميت، استثنى بالمشيئة أو بإلا أو أحد أخواتها فلا إثم عليه، ومثل الاستثناء بإلا أو أحد أخواتها التقييد بشرط أو صفة أو غاية، فإذا قال: لا أدخل دار زيد إن كان فيها، أولا أدخل داره الكبيرة مثلاً، أولا أدخل داره إلى وقت كذا، أو مدة غيبته أو مرضه، أو في الشهر فإنه يفيده ذلك، ويشترط في صحة الاستثناء خمسة شروط،
    الأول: أن يتصل الاستثناء بالمستثنى منه، سواء كان بالمشيئة أو بغيرها إلا لعارض لا يمكن رفعه، كالسعال أو العطاس أوانقطاع النفس أو التثاؤب. أما إذا سكت لتذكر شيء أو رد سلام ونحو ذلك فإن الاستثناء لا ينفع.
    الشرط الثاني: أن ينوي النطق بالاستثناء أما إن جرى على لسانه سهواً بدون نية فإنه لا يفيد سواء كان بالمشيئة أو بإلا أو أحد أخواتها.
    الثالث: أن يقصد بالاستثناء إبطال اليمين سواء كان القصد من أول التلفظ باليمين؛ أو في أثناء التلفظ به وهذا يفيد باتفاق، أما قصد ذلك بعد الفراغ من التلفظ به فإنه يفيد على المشهور إذا كان الاستثناء متصلاً على الوجه المتقدم، وهو يفيد ولو كان بتذكير الغير كأن يقول للحالف شخص آخر: قل إن شاء الله، فقالها عقب الفراغ من المحلوف عليه امتثالاً بدون فصل قاصداً حل اليمين فإنها تنفع. أما إذا لم يقصد حل اليمين بأن قصد التبرك بإن شاء الله أولم يقصد. فإن الاستثناء لا يفيد.
    الرابع: أن ينطق بالاستثناء ولو سراً بحركة لسانه، ومحل كون النطق به سراً يفيد إذا لم يحلف على حَق الغير كبيع أو إجازة أو نحو ذلك لأن اليمين يكون حينئذ على نية المحلف وهولا يرضى بالاستثناء.
    الشرط الخامس: أن لا ينوي أولاً ما أخرجه ثانياً بالاستثناء فإذا نوى إدخاله أولاً ثم أخرجه ثانياً لا ينفعه الاستثناء، بل ينبغي أن ينوي إخراجه قبل أن يحلف، فلوقال: كل حلال عليّ حرام لا أفعل كذا ونوى قبل أن يقول ذلك إخراج الزوجة ثم فعل المحلوف عليه لا شيء في الزوجة. أما إذا نوى إدخالها ثم أخرجها بالاستثناء فإنه لا ينفع، ويسمون هذه المسألة بالمحاشاة، لأنه حاشى الزوجة أولاً أي أخرجها من يمينه ومتى خرجت الزوجة كان اليمين لغواً، لأن تحريم الحلال في غير الزوجة والأمة لغو
    (5) الشافعية - قالوا: الاستثناء يفيد في جميع الأيمان والعقود بشروط خمسة:
    الأول: أن يتصل المستثنى بالمستثنى منه اتصالاً عرفياًبحيث يعد في العرف كلاماً واحداً، فلا يضر الفصل بسكتة التنفس والعي وانقطاع الصوت والسعال اليسير، بخلاف السعال الطويل فإنه يضر. وكذا يضر الفصل بالكلام الأجنبي ولويسيراً، والسكوت الزائد على سكتة التنفس والعي وانقطاع الصوت.
    الثاني: أن يقصد به رفع حكم اليمين، فإن لم يقصد به ذلك لا يفيد.
    الثالث: أن ينوي الاستثناء قبل الفراغ من النطق باليمين.
    الرابع: أن لا يستغرق المستثنى منه فلوقال: عليه الطلاق ثلاثاً إلا ثلاثاً لا يفيد، لأن المستثنى استغرق جميع المستثنى منه. الخامس: أن يتلفظ به بحيث يسمع نفسه عند اعتدال سمعه حيثلا يكون لغط.
    الحنفية - قالوا: يشترط خلواليمين من الاستثناء سواء كان بالمشيئة أو بغيرها. فلوقال: لا أفعل كذا إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله، أو ما شاء الله، أو إلا أن يبدولي غيرهذا، أو إلا أن أرى. أو إلا أن أحب غير هذا، ثم فعله لا يحنث. وكذا إن قال: لا أفعل كذا إن أعانني الله، أو يسر الله، أوقال: بمعونة الله، أو بتيسيره ونحو ذلك ثم قعله لا يحنث ولا كفارة عليه. والاستثناء يفيد عندهم في اليمين بالله تعالى وغيره، إلا أنه إن قال في الطلاق: إن أعانني الله أو بمعونة الله وأراد به الاستثناء فإنه ينفع فيما بينه وبين الله ولا ينفع قضاء.
    ويشترط لصحة الاستثناء شروط: الأول: أن يتكلم بالحروف بحيث يسمع نفسه، فإذا لم يسمع نفسه لا يصح الاستثناء على الصحيح إلا إذا كان أصم فإنه يصح استثناءه.
    الثاني: أن يكون متصلاً فإذا فصل بين الاستثناء وبين المستثنى منه فاصل من غير ضرورة لا ينفع الاستثناء. أما إذا كان الفصل لضرورة تنفس أو عطاس أو جشاء أو كان بلسانه ثقل فطال تردده ثم قال: إن شاء الله فإنه يصح ولا يشترط قصد الاستثناء، فلوقال لامرأته: أنت طالق فجرى الاستثناء على لسانه بدون قصد لا يقع الطلاق، وهذا هوظاهر المذاهب.
    الثالث: أن يزيد المستثنى على المستثنى منه كأن يقول: هي طالق ثلاثاً إلا أربعاً.
    الرابع: أن يكون مساوياً كأن يقول: هي طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً، فإذا استثنى الكل من الكل بغير لفظه صح الاستثناء كما إذا قال: نسائي طوالق إلا زينب وفاطمة وسلمى وليس له غيرهن. فإنه استثناء الكل من الكل بغير لفظه فيصح.
    الحنابلة - قالوا: يفيد الاستثناء في كل يمين تدخلها الكفارة، كاليمين بالله تعالى، والظهار، والنذر، فلا يفيد في الطلاق، فإذا قال: والله لا أفعل كذا إن شاء الله، أو علي نذر إن فعلت كذا إلا أن يشاء الله، فإن يمينه لا تنعقد، ومثل مشيئة الله إرادة الله إن قصد بها المشيئة؛ أما إن قصد بإرادة الله محبة الله أوامره فإنها لا تفيده. وكذلك إذا أراد بالمشيئة أو الإرادة تحقيق المحلوف عليه لا التعليق، فإن الاستثناء حينئذ لا يفيد. ويشترط لصحة الاستثناء شروط:
    الأول: أن يكون متصلاً بالمستثنى منه، فلا ينفع إذا انقطع عنه إلا إذا كان الانقطاع يسيراً كانقطاعه بتنفس أو سعال أو عطاس أوقيء أو تثاؤب فإنه في هذه الحالة يكون متصلاً حكماً.
    الثاني: أن ينطق الحالف بالاستثناء بأن يتلفظ به، فلا ينفع أن يتكلم به في نفسه إلا إذا كان مظلوماً.
    الثالث: أن يقصد الاستثناء قبل تمام النطق بالمستثنى منه، فلوحلف غير قاصد الاستثناء ثم عرض له الاستثناء بعد فراغه من اليمين لم ينفعه كذلك إذا أراد الجزم بيمينه فسبق لسانه إلى الاستثناء من غير قصد، أو كانت عادته جارية بالاستثناء فجرى على لسانه من غير قصد فإنه لا ينفعه.
    الحنفية - زادوا في شروط اليمين: أن لا يفصل بينه وبين المحلوف عليه فاصل من سكوت ونحوه، فإذا أراد شخص أن يحلف آخر فقال: قل والله فقال مثله، ثم قال له: قل ما فعلت كذا فقال مثله، فإنه لا يكون ذلك يميناً منعقدة، لأنه حكى كلام غيره، والسكوت فاصل بين اسم الله وبين المحلوف عليه. وكذا لوقال عليّ عهد الله وعهد الرسول لأفعلن كذا ولم يفعل فإنه لا يحنث لأن عهد الرسول فاصل بين القسم وهوعهد الله، وبين المحلوف عليه، وعهد الرسول غير قسم.
    وزاوا أيضاً الإسلام، وهوشرط اليمين الموجبة للعبادة من كفارة أو صلاة أو صيام
    (6) الحنفية - قالوا: ينعقد اليمين بنوعين:
    النوع الأول: أن يحلف بذكر اسم الله الكريم كأن يقول: والله وبالله، وينقسم هذا إلى قسمين: مختص به تعالى فلا يسمى به غيره كالله والرحمن والحكم هذا أن اليمين ينعقد به مطلقاً أي بدون نية أو حاجة إلى نظر إلى عرف، وغير مختص به بل يطلق عليه وعلى غيره كالعليم والحليم والمالك ونحو ذلك، وحكم هذا أن الحالف به إما أن يقصد اليمين، أو يقصد غير اليمين، أو لا يقصد شيئاً، فإن قصد اليمين انعقد يمينه بلا خلاف، وإن قصد غير اليمين لا ينعقد يمينه، لأنه نوى ما يحتمله كلامه، ويصدق في قوله إلا فيما يتعلق به حَق الغير، كالطلاق والإيلاء، فلو قال: إن حلفت يميناً فامرأتي طالق، أو لا أقرب زوجتي فوق أربعة أشهر ثم حلف بهذا وقال لم أقصد اليمين: لا يصدق قضاء ويصدق فيما بينه وبين الله، أما إذا لم يقصد شيئاً فإنه ينعقد على الراجح، لأن دلالة القسم تعين اليمين، وإذا قال: بسم الله لا أقوم، أو قال: واسم الله أعطيك درهماً كما يحلف به بعض النصارى، فقيل: ليس بيمين لعدم تعارض الحلف به واختاره بعضهم، وقيل إنه يمين لأن الاسم والمسمى واحد ورجحه بعضهم.
    النوع الثاني: أن يحلف بصفة من صفاته تعالى، والمراد بالصفة هنا الصفة المحضة، كقدرة الله وعزته وعظمته. أما التي تدل على ذات وصفة كالعليم ونحوه فقد تقدم حكمها في النوع الأول، ولا فرق بين أن تكون الصفة صفة ذات أو صفة فعل، ولكن يشترط في انعقاد اليمين بالصفة أن يتعارف الناس الحلف بها، فإن الأيمان مبنية على العرف وهذا هو الصحيح.
    والحلف بالقرآن وبكلام الله ينعقد به اليمين؛ لأنه صفة من صفات الله تعالى كعزة الله وجلاله وقد تعورف الحلف به بقطع النظر عن كونه النفسي أو اللفظي، أما الحلف بالمصحف كما يفعله العامة من وضع أيديهم على المصحف وقولهم: وحق هذا المصحف فإنه ليس بيمين، أما إذا قال: أقسم بما في هذا المصحف فإنه يكون يميناً. ولا ينعقد اليمين بصفة لم يتعارف الحلف بها كرحمة الله وعلمه ورضائه وغضبه وسخطه وعذابه ونفسه وشريعته ودينه وحدوده وصفته وسبحان الله ونحو ذلك.
    الشافعية - قالوا: الصيغ التي تنعقد بها اليمين أربعة أنواع:
    النوع الأول: أن يحلف بما اختص الله تعالى به بحيث لا يجوز إطلاقه على غيره. سواء كان مشتقاً كرب العالمين، أو غير مشتق كلفظ الله وسواء كان من أسماء الله الحسنى كالرحمن الرحيم، أو من غيرها كخالق الخلق، ومن نفسي بيده.
    النوع الثاني: أن يحلف بما يطلق على الله تعالى وعلى غيره، ولكن الغالب فيه إطلاقه على الله كالرحيم والرازق والرب والخالق بدون إضافة إلى الخلق، فإن هذه تستعمل في غيره تعالى مقيدة فيقال: خالق الإفك ورحيم القلب ورازق الجيش ورب الدار ونحو ذلك.
    النوع الثالث: أن يحلف بما يطلق على الله وعلى غيره بالتساوي كالموجود والعالم والحي، فإن هذه الأشياء تطلق على غير الله تعالى بلا قيد، وإنما ينعقد اليمين بهذه الأنواع الثلاثة إذا أراد اليمين، أما إذا لم يرد اليمين فإنها لا تنعقد، وفي ذلك ثلاث صور، لأنه لا يخلو: إما أن يقصد اليمين أو يقصد عدم اليمين، أو لا يقصد شيئاً بل يطلق، فإن اراد اليمين أو أطلقه تنعقد يميناً في الأنواع الثلاثة. أما إذا أراد عدم اليمين فإنها لا تنعقد في جميعها، ويقبل منه ذلك، فإذا قال: والله ما فعلت كذا وهو يريد أن يقول: وهو الله لم ينعقد يميناً، ويقبل قوله في ذلك إلا في الطلاق والعتاق والإيلاء ظاهراً، فلو قال: إن حلفت بالله فأنت طالق أو لا أطأ زوجي فوق أربعة أشهر، ثم حلف بعد ذلك بالله وقال: لم أرد اليمين لا يصدق ظاهراً وإن لم يكن آثماً باطناً، وهناك ثلاث صور أخرى وهي: أن يقصد بالصيغة الله تعالى، أو يقصد غيره. أو لم يقصد شيئاً، فإذا قصد بها الله تعالى انعقد اليمين في جميع الأنواع، وإن قصد غيره انعقد في
    النوع الأول دون الأخيرين، لأن ما يختص بالله تعالى ينصرف إليه ولو قصد به غيره بخلاف المشترك بينه وبين غيره، فإن اليمين لا ينعقد إلا إذا قصد به الله تعالى. أما إذا لم يقصد شيئاً فإن اليمين تنعقد في النوعين الأولين، وهما ما يطلق على الله فقط، وما يطلق عليه وعلى غيره، ولكن الغالب إطلاقه على الله،
    أما النوع الثالث، وهو ما يطلق عليه وعلى غيره بالتساوي، فإنه لا ينعقد إلا إذا قصد به الله تعالى فقط. لأنه لما أطلق عليهما بالتساوي أشبه الكناية فلا ينعقد إلا بالنية.
    النوع الرابع: أن يحلف بصفة من صفاته الذاتية كعلمه وقدرته وعزته وكلامه ومشيئته وحقه وعظمته، أما صفات الأفعال كالخلق والرزق فليست بيمين، أما الصفات السلبية ففيها خلاف.
    وإذا أراد بالصفة معنى آخر يحتمله اللفظ لا ينعقد اليمين كأن يريد بالعلم المعلوم. وبالقدرة المقدور، وبالباقي ظهور آثارها، فأثر العظمة والكبرياء هلاك الجبابرة، وأثر العزة العجز عن إيصال مكروه إليه، وأثر الكلام الحروف والأصوات وما أشبه ذلك.
    وتنعقد اليمين بقوله: وكتاب الله ويمين الله والقرآن والمصحف والتوراة والإنجيل، إلا إذا أراد بالقرآن الخطبة والصلاة. فإنه يطلق عليهما لقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له} فإن المراد به الخطبة، وقوله تعالى: {وقرآن الفجر} فإن المراد به صلاة الفجر فإنه في هذه الحالة لا ينعقد به اليمين، وكذلك لا ينعقد إذا أراد بالمصحف الورق أو الجلد، كما لا ينعقد إذا أراد بكلام الله الحروف والأصوات، أو بالقرآن الألفاظ أو النقوش.
    وتنعقد بقوله: أقسم بالله، أو أحلف بالله، أو أقسمت بالله، أو حلفت بالله. إلا إذا أراد الإخبار بأنه فعل ذلك في الماضي وسيفعل في المستقبل فإنه لا ينعقد وهذا هو الراجح، وبعضهم يرى أنه إذا صرح بلفظ أحلف أو بأقسم فإنه لا يكون يميناً.
    المالكية - قالوا: صيغة اليمين المنعقدة يلزم أن تكون بذكر اسم من أسماء الله الحسنى سواء كان موضوعاً للذات فقط كالله، أو موضوعاً لها ولصفة من الصفات كالرحمن الرحيم. وكذلك تنعقد بذكر صفة من صفاته، سواء كانت تلك الصفة نفسية وهي الوجود، أو كانت من صفات المعاني كقدرة الله وحياته وعلمه، أما الصفة السلبية كقدمه وبقائه ووحدانيته ففيها خلاف عندهم، فمن يرى أنها صفة حقيقة يقول: إنها يمين. ومن يرى أنها أمر اعتباري يقول: إنها ليست بيمين وأما صفات الأفعال كالخلق والرزق والإماتة ونحوها فإن الحلف بها لا ينعقد اتفاقاً، ولا بد من ذكر اللفظ، فلا ينعقد اليمين بالكلام النفسي على الراجح، ويكفي ذكره حكماً كما إذا قال: أحلف أو أقسم أو أشهد ولم يذكر الاسم الكريم فإنه يكتفي بتقدير لفظ بالله إذا نوى اليمين، وينعقد اليمين بقول الله وها الله وايم الله وحق الله وعظمته وجلاله وإرادته وكفالته بمعنى كلامه القديم، وكلامه والقرآن والمصحف إذا نوى به الكلام القديم، أما إذا نوى به الورق والكتابة، أو لم ينو شيئاً فإنه ليس بيمين، وكذا ينعقد بقوله: وعزة الله إن أراد به صفته تعالى وهي القوة والمنعة، أما إن أراد بها المعنى الذي يخلقه الله في عباده فإنها لا تكون يميناً، ولا يجوز الحلف بها.
    ومثلها وأمانة الله وعهده وعلى عهد الله، فإن أراد بالأمانة كلام الله تعالى وبالعهد كذلك فيمين، أما إن أراد بالأمانة الأمانة المعروفة المشار لها بقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة} وأراد بالعهد العهد المعروف، فإنه لا ينعقد بها اليمين، ولا يجوز الحلف بها حينئذ.
    وينعقد بقوله: أعزم بالله لأن معناه أقصد، فلا بد من ذكر الاسم بعده لفظاً بخلاف أحلف، أو أقسم، أو أشهد، فإنه يكفي فيها نية تقدير الاسم كما سبق. ولا تنعقد اليمين بقوله: لك عليّ عهد لا فعلت كذا أو لأفعلن كذا. وكذا لا تنعقد بقوله: أعطيك عهداً علي بأن أفعل كذا أو أتركه، ولا تنعقد بقوله: عزمت عليك بالله لا تقل كذا أو لا تفعلن كذا ولا تنعقد بقول: حاشا لله ما فعلت كذا ولا بقول: معاذ الله ما فعلت كذا أو لأفعلن كذا، ومعنى معاذ الله: الاعتصام والتحصن به تعالى: ويصح أن يكون بالدال أي معاد الله ومعناه العود والرجوع إليه تعالى.
    ولا تنعقد بقوله: الله راع أو كفيل إن قصد بذلك الإخبار، أما إن نوى بها اليمين فتنعقد وكذلك تنعقد إذا جر لفظ الجلالة ونوى تقدير حرف القسم فإنها تكون يميناً ولو لم يقصد اليمين ولا يضر الفصل بين القسم وهو الله وبين المحلوف عليه بكلمة كفيل أو راع لأن الفصل عندهم بهذا لا يضر في انعقاد اليمين.
    وإذا قال: يعلم الله إن قصد بها اليمين انعقدت وإلا فلا.
    الحنابلة - قالوا: تنعقد اليمين بأمرين: الأول باسم الله تعالى كقوله: والله وبالله وتالله، وهذا تنعقد به اليمين مطلقاً وإن نوى غيره، لأنه مختص به تعالى، وأما ما يسمى به غيره - ولكن إذا أطلق ينصرف إلى الله، كالعظيم والرحيم والرب والمولى؛ فإن نوى به الله تعالى أو لم ينو شيئاً انعقد يميناً، وإن نوى به غير الله تعالى لا ينعقد يميناً، وإن حلف بشيء لا نصرف إلى الله إذا أطلق ولكن يحتمل إطلاقه على الله، كالشيء الموجود والحي والعالم والمؤمن والواحد والمكرم والشاكر، فإنه ينعقد يميناً إذا نوى به الله تعالى لأنه نوى باللفظ ما يحتمله، أما إذا نوى غير الله تعالى أو لم ينو شيئاً فإنه لا ينعقد يميناً.
    وإذا حلف بشيء مضاف إلى اسم الله تعالى ينعقد يميناً كقوله: وحق الله وعهد الله واسم الله وأيمن الله "جمع يمين". وميثاق الله، وكبرياء الله، وجلال الله، ونحو ذلك، وتجب عليه الكفارة في ذلك إذا حنث. وكذا إذا قال: عليّ عهد الله وميثاقه فإنه ينعقد يميناً لإضافته إلى الله وينعقد اليمين بأمانة الله ولكن يكره، وقد اختلف في الكراهة فقيل: تحريمية وقيل: تنزيهية وإذا قال: والعهد والميثاق والأمانة ونحو ذلك بدون إضافة إلى اسم الله تعالى لا ينعقد بها اليمين إلا إذا أراد صفة الله تعالى. وينعقد اليمين بقوله: لعمر الله وإن لم ينوبه اليمين، ومعناه الحلف ببقاء الله تعالى وحياته.
    الثاني: الحلف بصفة من صفاته تعالى نحو والرحمن والقديم والأزلي وخالق الخلق ورازق العالمين، ورب العالمين، والعالم بكل شيء، ورب السموات والأرض، والحي الذي لا يموت، والأول الذي ليس قبله شيء، ومالك يوم الدين، وعظمة الله وقدرته وعزته وإرادته، وعلمه وجبروته ووجهه. فينعقد الخلف بهذه الصفات وإن لم ينو اليمين، أو نوى بها غير الله تعالى كأن نوى بالقدرة المقدور، وبالعلم المعلوم ونحو ذلك، لأنها صريحة في المقصود فلم تفتقر إلى نية.
    وينعقد الحلف بكلام الله لأنه صفة من صفاته تعالى: وينعقد بالمصحف بدون كراهة لأن الحالف إنما يقصد الحلف بالمكتوب فيه وهو القرآن. وكذلك الخلف بالقرآن أو بسورة منه أو بآية أو بحق القرآن فإنه ينعقد يميناً، وكذلك ينعقد الحلف بالتوراة أو الإنجيل أو الزبور أو الفرقان أو صحف إبراهيم وموسى، فهي كلام الله تعالى وينصرف اليمين إلى غير المبدل منها.
    وينعقد اليمين بقول: أحلف بالله، أو أشهد أو أقسم أو أعزم، كما ينعقد بقوله: أقسمت أو شهدت أو حلفت أو آليت أو عزمت بالله، وإذا لم يذكر اسم الله لم يكن يميناً إلا إذا نوى الإضافة إلى الله تعالى.
    وإن قال: نويت بقول أقسمت بالله ونحوه الخبر عن قسم ماضي يقبل قوله قضاء.
    ولا ينعقد اليمين بقول: أستعين بالله، أو أعتصم بالله، أو أتوكل على الله، أو علم الله، أو عز الله، أو تبارك الله، أو الحمد لله، أو سبحان الله، ونحوه ولو نوى به اليمين

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #87
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 71 الى صــــــــ80
    الحلقة (87)

    [مبحث الحلف بغير الله تعالى]

    لا ينعقد اليمين بغير الله تعالى كالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة، وجبريل، والولي وغير ذلك من كل معظم ولا كفارة على الحنث في الحلف به، وإذا قصد الحالف بذلك إشراك غير الله معه في التعظيم كان ذلك شركاً؛ وإذا قصد الاستهانة بالحلف بالنبي والرسول ونحو ذلك كفر. أما إذا لم يقصد شيئاً من ذلك بل قصد اليمين ففي حكمه تفصيل المذاهب (1) .
    [مبحث إذا حلف علي غيره أو سأله بالله]
    إذا قال لغيره: أقسم عليك بالله، أو أحلف عليك بالله لتفعلن كذا، أو لا تفعلن كذا ففيه تفصيل المذاهب (2) .
    [مباحث كفارة اليمين]
    [موجباتها]
    تجب كفارة اليمين بأمور مفصلة في المذاهب(3) .
    [مبحث في كيفية كفارة اليمين]
    كفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ولا ترتيب بين واحد منها، فهو مخير بين أن يفعل أيها شاء، فإن عجز عنها ولم يستطع أن يفعل واحداً منها فإنه يصوم ثلاثة أيام، ولا يجزي الصيام إلا بعد العجز عن فعل واحد من الأمور الثلاثة، فكفارة اليمين فيها تخيير. وترتيبن فالحالف مخير بين أن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يحرر رقبة، وليس مخيراً في الصيام، أما بيان كل واحد من الثلاث المذكورة وشروطها ففيه تفصيل المذاهب(4) .
    [مبحث في وقت كفارة اليمين]
    يصح إخراج كفارة اليمين قبل الحنث وبعده على تفصيل في المذاهب (5)


    (1) الحنفية - قالوا: الحلف بالتعليق نحو عليّ الطلاق لا أفعل كذا، أو إن فعلت كذا يلزمني الطلاق إن كان الغرض منه الوثيقة أي اتثاق الخصم بصدق الحالف جاز بدون كراهة، وإن لم يكن الغرض منه ذلك أو كان حلفاً على الماضي فإنه يكره، وكذلك الحلف بنحو وأبيك ولعمرك ونحو ذلك.
    الشافعية - قالوا: يكره الحلف بغير الله تعالى إذا لم يقصد شيئاً مما ذكر في أعلى الصحيفة ويكره الحلف بالطلاق.
    الحنابلة - قالوا: يحرم الحلف بغير الله تعالى وصفاته ولو بنبي أو ولي، فمن حلف بذلك يستغفر الله تعالى ويتوب ويندم على ما فرط منه ولا كفارة عليه. ويكره الحلف بالطلاق والعتاق.
    المالكية - قالوا: الحلف بمعظم شرعاً كالنبي والكعبة ونحوهما فيه قولان: الحرمة، والكراهة والمشهور: الحرمة، أما الحلف بما ليس بمعظم شرعاً كالحلف بالأنصاب والدماء التي كان يحلف بها في الجاهلية، أو بشيء من المعبودات دون الله تعالى فلا خلاف في تحريمه إذا لم يقصد تعظيمها، وإلا كفر كما ذكر في أعلى الصحيفة، وكذلك لا ينبغي الاختلاف في تحريم الحلف بالآباء والأشراف ورؤوس السلاطين وحياتهم وما شاكل ذلك (2) الحنفية - قالوا: إذا قال رجل لآخر: والله لتفعلن كذا وكذا، أو بالله لتفعلن كذا فإن أراد به استحلاف المخاطب ولم يرد أن يحلف هو فلا يكون يميناً ولا شيء عليهما، وأن أراد أن يحلف بذلك أو لم يرد شيئاً فإنه يكون يميناً، ويحنث إذا لم يطعه المخاطب.
    وإذا قال له: أقسمت لتفعلن كذا، أو قال: أقسمت بالله، أو أشهد بالله، أو أحلف بالله أو أعزم بالله لتفعلن كذا، سواء قال عليك أو لم يقل فإنه ينعقد يميناً يلزم به الحالف، ولا شيء على المخاطب إلا إذا أراد به الاستفهام فإنه لا يكون يميناً حينئذ.
    المالكية - قالوا: إذا حلف على رجل بأن قال له: حلفت عليك بالله لتفعلن كذا، أو لا تفعل كذا فلم يطعه حنث الحالف وعليه الكفارة، ولا شيء على الآخر: وكذلك إذا قال: أقسمت عليك فإنه إن لم يطعه وجبت الكفارة على من أقسم إلا إذا قصد بذلك غير اليمين، فإنه في هذه الحالة فيه خلاف، والمشهور أنه لا شيء عليه، وكذا إذا لم يقصد شيئاً.
    ولو قال: حلفت عليك ولم يقل بالله ولم ينوه فلا كفارة عليه. وكذا لو قال: أعزم عليك بالله، أو عزمت عليك بالله أو سألتك بالله ولم يقصد به اليمين، فالأصح أنه لا يكون يميناً.
    ويندب لمن سأله أحد بالله أو أقسم عليه به أن يبر قسمه، وأن يجيبه إلى طلبه إذا لم يكن هناك مانع شرعي ولم يتذرع السائل بذلك إلى الإلحاف ومضايقة الناس، ويتأكد الندب فيما تجب فيه الكفارة.
    الشافعية - قالوا: إذا قال لغيره: أقسم عليك بالله أو أسألك بالله لتفعلن كذا، فإنه يكون يميناً إذا قصد به يمين نفس، أما إذا قصد به يمين المخاطب، أو قصد الشفاعة عنده، أو لم يقصد شيئاً فإنه لا يكون يميناً، فإذا حلف شخص على آخر أنه يأكل فإذا أراد تحقيق الأكل وأنه لا بد منه كان يميناً، وإن أراد أتشفع عندك بالله أنك تأكل، أو أراد يمين المخاطب كأن قصد جعله حالفاً بالله فلا يكون يميناً، لأنه لم يحلف حينئذ لا هو ولا المخاطب، ويحمل عند الإطلاق على الشفاعة، ويسن للمخاطب إبراره في القسم إذا أراد به يمين نفسه.
    الحنابلة - قالوا: إذا أقسم على غيره فإن قال: والله لتفعلن يا فلان كذا، أو لا تفعلن كذا فلم يطعه حنث الحالف وعليه الكفارة. لا على من لم يطعه على الراجح. وإن قال: أسألك بالله لتفعلن كذا، وأراد بذلك اليمين يكون يميناً، والكفارة على الحالف أيضاً. أما إذا أراد به الشفاعة فإنه لا يكون يميناً، ويسن إبرار القسم كما تسن إجابة السؤال بالله
    (3) الحنابلة - قالوا: تجب كفارة اليمين بأمور:
    أولاً: إذا حنث الحالف باليمين المنعقدة بشروطها المتقدمة،
    ثانياً: بالنذر المطلق وهو الذي لم يعين فيه المنذور كقوله: علي نذر، أو لله علي نذر، سواء قال: إن فعلت كذا أو لم يقل، وإنما تجب فيه كفارة اليمين إذا لم ينو الناذر شيئاً معيناً فإن نواه لزمه.
    ثالثاً: إذا حرم على نفسه شيئاً من الحلال غير زوجه كقوله: ما أحل الله علي حرام إذا لم يكن له زوج، فإن كانت حرمت، وإن لم تكن فعليه كفارة اليمين ولا يحرم عليه شيء، وكذا إذا قال هذا الطعام علي حرام، أو إن أكلته فهو حرام أو نحو ذلك، فإن فيه كفارة اليمين ولا يحرم عليه شيء.
    رابعاً: أن يقول: علي يمين إن فعلت كذا ولم يفعل، فإنه تلزمه الكفارة، كما إذا قال: مالي للمساكين إن فعلت كذا وقصد به اليمين، فإنه يكون يميناً إذا حنث.
    خامساً: إذا حلف على ملة غير الإسلام كما إذا قال: هو يهودي أو نصراني أو كافر أو مجوسي أو يكفر بالله أو يعبد الصليب إن فعل كذا، أو قال: هو بريء من الله أو من القرآن أو من الإسلام أو من رسول الله إن فعل كذا، أو قال: يستحل الزنا أو شرب الخمر أو ترك الصلاة أو الصيام إن فعل كذا فإنه في كل هذا تلزمه كفارة اليمين إن فعل المحلوف عليه. وقال بعضهم: لا كفارة فيه، ولا يكفر الحالف بذلك، ولكنه فعل محرماً تلزمه التوبة منه، سادساً: إذا قال: أيمان المسلمين تلزمني إذا فعلت كذا ولم يفعل، فإنه تلزمه كفارة اليمين ولكن بشرط أن ينوي به اليمين، فإن نوى به الصلاة أو الظهار أو النذر كان كما نواه، لأن أيمان المسلمين كناية يصح أن يراد بها اليمين بالله، والطلاق، والنذر، والظهار، والعتق.
    المالكية - قالوا: تجب الكفارة بأربعة أمور:
    الأول: النذر المبهم، وهو الذي لم يعين فيه المنذور كأن يقول: لله علي نذر، أو نذر لله علي إن فعلت كذا، أو إن لم أفعل كذا فإنه تجب فيه الكفارة إن حنث، وكذا إذا قال، إن شفى الله مريضي علي نذر، أو لله علي نذر فشفى الله مريضه، فإنه يجب عليه كفارة اليمين، أما النذر المعين وهو ما عين فيه المنذور كأن يقول: لله علي نذر أن أصوم أو أتصدق بكذا فإنه يلزمه ما عينه باللفظ أو النية.
    الثاني: صيغة اليمين كأن يقول: علي اليمين، أو لله علي يمين، أو إن فعلت كذا فعلي يمين فإنه تجب عليه الكفارة بالحنث في ذلك.
    الثالث: الحلف باليمين المنعقدة على بر وهي الحلف بالنفي كقوله: والله لا أدخل الدار، وسميت يمين بر لأن الحالف بها على البراءة ما لم يدخل الدار. الرابع: اليمين المنعقدة على حنث وهي الحلف بالإثبات كقوله: والله لأفعلن كذا، أو إن لم أفعل كذا، وسميت يمين حلف لأن الحالف بها يكون على حنث حتى يفعل المحلوف عليه، فإذا قال: والله لأسافر، فهو مطالب بالفعل ويكون على حنث حتى يسافر. وكذا إذا قال: إن لم أسافر فعلي كذا، ولكن يشترط في كون هاتين الصيغتين للحنث أن لا يقيدهما بوقت، فلو قال: والله لأسافر بعد شهر يكون صيغة بر حتى يمضي الشهر، فإذا مضى الأجل ولم يفعل حنث إذا لم يوجد مانع يمنع الفعل شرعي أو عادي، فإن وجد مانع شرعي أو عادي لا يحنث، أما المانع العقلي فلا يعتبر، ولا يحنث في الصيغة المطلقة إلا بالموت فلو قال: والله لأسافرن، أو والله لا أكلم فلاناً لا يحنث إلا بالموت، وكذا لو قال: لأطلقن امرأتي فإنه لا يحنث إلا بموتها، ولو قال: هو يهودي أو نصراني أو مرتد أو على غير ملة الإسلام ونحو ذلك إن فعل كذا ولم يفعله فلا كفارة عليه، ولكن يحرم عليه الحلف بذلك، فإن قال ذلك في غير يمين ارتد ولو كان هازلاً.
    الحنفية - قالوا: تجب كفارة اليمين بأمور: منها أن يحنث في اليمين المنعقدة بشروطها المتقدمة، أما إذا لم يحنث فلا تجب عليه الكفارة ولا تصح قبل الحنث.
    ومنها النذر غير المعين كما إذا قال: علي نذر لا أفعل كذا أو أفعله، فإذا حنث تلزمه كفارة يمين، لأنه إن كان لم يسم شيئاً ولكنه التزم بهذه العبارة الكفارة، فكأنه نذر الكفارة ومحل ذلك إذا لم ينو شيئاً معيناً، فإذا نوى شيئاً لزمه ومنها أن يقول: علي اليمين لأفعلن كذا وإن لم يذكر بالله فإنها تنعقد يميناً وعليه الكفارة إن حنث فيها ما لم يرد الإخبار بأن في ذمته يميناً. ومنه أن يحرم على نفسه شيئاً حلالاً كأن يقول: هذا الطعام علي حرام فإنه لا يحرم عليه؛ ولكن إن أكله تلزمه كفارة اليمين. أما إذا قال: إن أكلت هذا الطعام فهو علي حرام فأكله، فإنه لا يلزمه شيء، لأنه في الأول حرم طعاماً موجوداً بالفعل، أما في الثاني فإنه ما حرمه إلا بعد الأكل، فلم يكن موجوداً وقت التحريم. وكذا لو حرم على نفسه حراماً بأن قال: الخمر علي حرام فإنه إذا شربها كان عليه كفارة يمين بشرط أن ينوي به اليمين، أما إذا نوى به الإخبار أو لم ينو شيئاً فلا كفارة عليه، ومثله ما إذا قال: مال فلان علي حرام.
    وإذا قال: كل حل أو حلال الله أو حلال المسلمين علي حرام، فإن كانت له زوج فالمفتى به أنها تطلق منه بواحدة بائنة، وإن تعددت أزواجه بن جميعاً بواحدة، وإن نوى به الثلاث فثلاث وإن لم تكن له زوج وقت اليمين انعقد يميناً ويحنث بمجرد الأكل والشرب، وتلزمه كفارة اليمين إن حلف على مستقبل، وأما إن حلف على ماض كانت يمينه غموساً إن تعمد الكذب إذا قال: إنه بريء من الرسول، أو من القرآن أو من كتاب الله أو من آية من كتاب الله أو من كل آية فيه فإنه تلزمه الكفارة بالحنث. وكذا إن تبرأ من الكتب الأربعة؛ ولو كرر البراءة تعددت الأيمان بحسب التكرار؛ فإذا قال: هو بريء من الله، وبريء من الرسول لا يفعل كذا ففعل حنث في يمينين، وإذا زاد والله ورسوله بريئان منه فأربعة أيمان. وإذا برئ من الإسلام أو من القبلة أو من صوم رمضان أو من الصلاة أو من المؤمنين فإنه يمين تلزم به الكفارة. ومنها أن يقول: إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني أو فاشهدوا عليه بالنصرانية وهو شريك للكفار أو كافر، فإنه إن فعل تلزمه الكفارة إذا كان حلفه على مستقبل، أما إن كان على ماض وهو عالم بخلافه كان غموساً، والحالف بذلك إن كان يعتقد أن هذا يمين فالصحيح أنه لا يرتد عن الإسلام، وإن كان يعتقد أنه يرتد بذلك أو بمباشرة الشرط فإنه يرتد بالحلف بذلك لرضائه بالكفر، ومنها أن يقول: صيامي لليهود إن قلت كذا ونوى به القربة كان يميناً، أما إذا نوى به الثواب لم يكن، ولا كفارة بقوله: إن فعلت كذا فلا إله في السماء، ولا بقوله أشهد الله أو أشهد ملائكته، أو هو برئ من شفاعة المصطفى.
    الشافعية - قالوا: تلزم الكفارة في اليمين المنعقدة بشرائطها، وفي اليمين الغموس وهو ما إذا حلف أن له على فلان كذا وكرر الأيمان كاذباً، أما إذا قال: علي نذر كذا إن كلمت فلاناً وهو المسمى نذر اللجاج كما يأتي، فإنه عند وجود المعلق عليه فيه أقوال ثلاثة:
    الأول أن عليه كفارة يمين.
    الثاني أن يفعل ما سمى.
    الثالث أنه مخير بين الكفارة وفعل ما سماه وهو الأظهر. إذا التزم غير قربة كأن قال: علي نذر أكل كذا أو شرب كذا لزمته كفارة يمين. ولو قال: إن دخلت كذا فعلي كفارة يمين أو فعلي كفارة نذر لزمته كفارة يمين بالدخول. ولو قال: إن دخلت فعلي نذر ولم يعين كان مخيراً في فعل قربة من القرب وكفارة يمين. أما إذا قال: إن شفى الله مريضي فعلي نذر لزمته قربة من القرب وتعيينها إليه لأنه في الثاني نذر تبرر وهو لا تنفع فيه الكفارة بحال، ولو قال: علي اليمين كان قوله لغواً لا شيء فيه.
    وكذلك قوله: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو بريء من الإسلام أو من الله أو من القرآن أو من الرسول ونحو ذلك، فإنه ليس بيمين منعقدة، بل هو لغو لا شيء فيه، ثم إن قصد بالحلف به إبعاد نفسه عن الفعل، أو لم يقصد شيئاً لا يكفر، بل يكون آثماً فليستغفر الله وليقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله. أما إن قصد الرضا بذلك إذا فعله فإنه يكفر في الحال
    (4) الحنفية - قالوا: يشترط في الإطعام شروط:
    الأول: أن يعطي كل مسكين من العشرة نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير أو قيمة ذلك، ودقيق البر كحبه يجزئ منه نصف صاع،
    ودقيق الشعير كحبه يجزئ منه الصاع، وكل جنس من الطعام منصوص عليه لا يصلح أن يكون بدلاً عن جنس آخر منصوص عليه، ولو كان أكثر منه قيمة، فلو أدى نصف صاع من تمر جيد يساوي في القيمة أكثر من صاع من البر لا يجزئه، ونصف الصاع هو قدح وثلث، ومثل التمليك الإباحة بأن يغدي كل واحد من العشرة ويعيشهم.
    الثاني: أن لا يعطي الكفارة كلها لمسكين واحد في يوم دفعة واحدة أو متفرقة على عشر مرات، فلو أعطاه كل ساعة نصف صاع لم يجزئه، أما إذا أعطاه كل يوم نصف صاع بحيث يعطيه القيمة في عشرة ايام فإنه يجزئه، لأن تجدد الحاجة كل يوم يجعله كمسكين آخر، فكأنه صرف القيمة لعشرة مساكين.
    الثالث: يشترط أن يغدي كل مسكين من العشرة ويعشيه، أما إذا غدى واحداً وعشى واحداً آخر غيره وهكذا لم يجزئه، لأنه يكون قد فرق طعام العشرة على عشرين وهو لا يصح كما لا يصح أن يفرق طعام المسكين الواحد على مسكينين إلا إذا ألغى ما أعطاه لبعضهم وكمل للآخرين، ولو غدى مسكيناً وأعطاه قيمة العضاء أجزأه.
    الرابع: يشترط وجود الغداء والعشاء في يوم واحد، فلو غدى واحداً في يوم وعشاه في يوم آخر فإنه لا يجزئه، وقيل يجزئه، وعلى هذا فلو أخرج الكفارة في رمضان واستبدل الغداء بالعشاء في ليلة أخرى أجزاه.
    الخامس: يشترط الإدام في خبز الشعير والذرة ليمكنه أن يشبع، بخلاف خبر البر فإنه لا يشترط فيه ذلك ولكنه يستحب فيه الإدام.
    السادس: يشترط أن لا يكون في تلك العشرة طفل فطيم، وأن لا يكون فيهم واحد شبعان قبل الأكل.
    وأما الكسوة فيشترط فيها أمور: أحدها أن يكون الثوب مما يصلح للأوساط. ثانيها أن يكون قوياً بحيث يمكن الانتفاع به فوق ثلاثة أشهر، فلو كان قديماً أو جديداً رقيقاً لا ينتفع به هذه المدة فإنه لا يجزئ. ثالثها أن يستر البدن كله أو أكثره فيجزئ الملاءة والجبة والقميص والرداء والقباء والإزار إذا كان سابلاً يتوشح به، ولا تجزئ العمامة ولا السراويل على الصحيح. ولا بد للمرأة من خمار مع الثوب، وإذا أعطى لفقير كسوة لا تستر أكثر بدنه كالسراويل وكانت قيمتها تساوي قيمة الإطعام "نصف صاع من بر، أو صاع من تمر كما تقدم" فإنها تجزئ. ولا يشترط أن ينوي بالكسوة الإطعام على الظاهر من المذهب أما النية فإنها شرط لصحة التكفير في ذاته، وتصح في الإطعام بالتمليك والكسوة قبل الدفع وبعده ما دامت الصدقة باقية في يد الفقير، أما الإطعام بالإباحة بأن كانوا عنده فأكلوا ثم نوى ذلك التكفير فإنه لا يجزئه، لأن الطعام لم يبق في يد الفقير في هذه الحالة. وكذلك التكفير بالعتق فإنه لا يتصور فيه النية بعد التكفير، فإذا أعتق عبده ثم نوى التكفير بعد العتق فإنه لا يجزئ، ولا يصح أن يعطي من هذه الكفارة من لا يجزئه أن يعطيه من زكاة المال إلا فقراء أهل الذمة، فإنه يصلح أن يعطيهم من هذه الكفارة، وفقراء أهل الإسلام أحب.
    ويشترط لصحة الكفارة بالعتق: أن يعتق رقبة كاملة الرق، وأن تكون في ملكه. وأن يكون مقروناً بالنية كما ذكر، ولا يشترط في الرقبة الإيمان.
    أما الصيام فهو أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة، فلو حاضت المرأة أثناء صومها بطلت الكفارة ويشترط لصحة الكفارة به أن يعجز عن فعل واحد من الثلاثة كما مر، ويعتبر العجز وقت الأداء لا وقت الحنث، فلو كان معه مال وقت الحنث ثم ذهب وصام، ثم رجع له الماء فإن الصيام يجزئه، لأنه كان عاجزاً وقت الأداء، ويشترط أيضاً أن يستمر العجز إلى الفراغ من الصوم، فلو صام المعسر يومين ثم حصل على المال قبل صيام الثالث لم يجزئه الصيام، ويعد قادراً من يملك الكفارة زائدة على الكفاف. والكفاف هو م نزل يسكنه، وثوب يلبسه ويستر عورته وقوت يومه، وإذا كان له مال وعليه دين مثله فإن قضى به دينه قبل أن يكفر صام، وإن لم يقض به دينه فقيل: يكفر بالمال، وقيل: يصوم، وللزوج أن يمنع زوجه المعسرة من الصوم.
    المالكية - قالوا: يشترط في الإطعام شروط: أولاً: أن يملك المسكين أو الفقير مداً وهو ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، ويقدر بالكيل بثلث قدح مصري كما تقدم في كفارة الصيام. ويشترط أن يكون من الأنواع التي تخرج في زكاة الفطر وهي تسعة: القمح، والشعير، والسلت، والزبيب، والدخن، والذرة، والأرز، والأقط "وهو لبن يابس خال من الزبد". ويندب الزيادة على المد لغير سكان المدينة، أما هم فلا يندب لهم لقلة مالهم، أو بملكهم رطلين من الخبز بالرطل البغدادي وهو أصغر من الرطل المصري قليلاً، ويجزئ الخبز بلا إدام على الراجح لكن يندب الإدام. والتمر والبقل إدام، ويجزئ أيضاً أن يشبعهم مرتين غداء أو عشاء أو غداءين أو عشاءين، سواء توالت المرتين أو لا، فصل بينهما بطول أو لا، وسواء أطعم العشرة مجتمعين أو متفرقين، متساوين في الأكل أو لا، واشترط بعضهم تقاربهم في الأكل.
    ثانياً: يشترط في المساكين الحرية، والإسلام، وعدم لزوم نفقة على المخرج، فلا يجوز أن يدفع منها الرجل لزوجه أو ولده الفقير، ويجوز أن تدفع الزوج منها لزوجها وولدها الفقير، لأنها لا تلزمها نفقتهما.
    ثالثاً: يشترط أن لا يكرر الإعطاء فلا يجوز أن يطعم واحداً عشرة أمداد في عشرة أيام كما يقول الحنفية، وهذا شرط في الكسوة أيضاً.
    رابعاً: يشترط أن لا ينقص الحصص، بل لا بد أن يعطي كل مسكين حصة كاملة، فلا يجوز أن يعطي عشرين مسكيناً عشرة أمداد لكل واحد نصف مد، غلا أن يكمل لعشرة منهم ما نقص بأن يعطي لكل واحد منهم نصف مد آخر.
    خامساً: يشترط أن لا تكون ملفقة من نوعين فأكثر، فلا يجوز أن يخرج بعض الكفارة طعاماً والبعض الآخر كسوة، فلو أطعم خمسة وكسا خمسة لا يجزئه إلا إذا ألغى ما أعطاه لخمسة منهم، فإذا ألغى الكسوة وجب عليه أن يطعم خمسة آخرين وبالعكس: نعم يجوز التلفيق من صنف نوع واحد بأن يعطي بعضهم أمداداً والبعض الآخر أرطالاً، ولا يشترط بقاء الصدقة في يد الفقير في الملفقة، بل يكملها ولو ذهب ما أخذه الفقير من يده. ومثلها المكررة وهي التي صرفت لأقل من عشرة، أما تكميل الناقصة وهي التي صرفت لأكثر من عشرة، فبعضهم يشترط أن يبقى ما أخذ الفقير بيده، ولكن الراجح عدم اشتراط ذلك، ويشترط في الكسوة أن تكون في حَق الرجل ثوباً يستر جميع بدنه أو إزاراً يمكن أن يشتمل به في الصلاة فلا تجزئ العمامة ولا الإزار الذي لا يمكن الاشتمال به في الصلاة، وأن تكون في حَق المرأة قميصاً ساتراً وخماراً، ولا يشترط في الكسوة أن تكون من كسوة وسط أهل بلده، بل تكفي ولو كانت أقل من كسوة الوسد، أما الطعام فيشترط فيه أن يكون من عيش أهل البلد لا عيش المكفر على المعتمد، وإذا أراد أن يكسو صغيراً فإنه يلزم أن يعطيه ما يعطي الكبير على المعتمد، وكذلك إذا أراد أن يطعمه فإنه يعطيه ما يعطي الكبير، ولو كان يستغني به عن اللبن، فلا بد من أن يعطيه مداً أو رطلين من الخبز كالكبير وهذا هو المعتمد، ويشترط في العتق أن يعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب؛ فإذا عجز وقت الإخراج عن هذه الأمور الثلاثة: الإطعام والكسوة والكفارة، بأن لم يكن عنده ما يباع على المفلس صام ثلاثة أيام ولا يجب تتابعها بل يندب.
    الشافعية - قالوا: يشترط في الإطعام شروط:
    أولاً: أن يعطي كل مسكين من العشرة مداً من الطعام "وهو رطل وثلث" أو نصف قدح مصري وثمن كيلة، والرطل المعتبر مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم،
    ثانياً: يشترط أن يكون الطعام من قوت غالب أهل بلد حالف اليمين، سواء كفر عن نفسه أو كفر عنه غيره، وقيل: إذا كفر عنه غيره فالعبرة بقوت بلد المكفر، فلا يجزئ التمر والأقط "وهو لبن يابس أخرج زبده" ما لم يكن قوت غالب أهل البلد المبين في صدقة الفطر، وترتب في الأفضلية هكذا: البر، فالسلت "الشعير النبوي"، فالشعير فلذرة، فالأرز، فالحمص، فالعدس، فالفول، فالتمر، فالزبيب، فالأقط، فاللبن، فالجبن. وإذا اعتاد غالب أهل البلد أكل غير الأقوات المفصلة في صدقة الفطر كاللحم مثلاً، فإنه لا يجزئ في الكفارة.
    ثالثا: يشترط أن يعطي لكل واحد منهم مداً كاملاً، فلو أعطى العشرة أمداد لأحد عشر مسكيناً لم يكف. وكذا لا يكفي أن يعطي العشرة لخمسة ولا يكفي أن يعطي خمسة طعاماً، وخمسة كسوة ويشترط في الكسوة أن تكون شيئاً مما يسمى كسوة مما يعتاد لبسه كقميص أو عمامة أو خمار "طرحة" أو كساء "حرام" أو فوطة "منشفة". فلو اشترط عشرة منها وفرقها على عشرة مساكين تكفي. فلا يكفي - الخف ولا القفاز "وهو ما يلبس في اليد" ولا النعل، ولا المنطقة، ولا القلنسوة "وهي ما يغطى به الرأس كالطاقية"، ويشترط أن يكون قوياً يمكن الانتفاع به. ولا يشترط أن يكون جديداً بل يجزئ الملبوس ولو مغسولاً ما لم يكن بالياً ويشترط في العتق أن يكون المعتق رقبة مؤمنة سليمة من عيب يخل بعمل أو كسب، فإن عجز عن الثلاثة بأن لم يجد شيئاً زائدا على ما يكفي العمر الغالب له ولمن يمونه ولو كان مالكاً للنصاب، لأن النصاب قد لا يكفيه العمر الغالب له ولممونه، فإنه في هذه الحالة يكفر بالصوم وهو صيام ثلاثة أيام بشرط أن ينوي الكفارة ولا يشترط تتابعها على الأظهر.
    الحنابلة - قالوا: يشترط في الإطعام أن يطعم عشرة مساكين مسلمين أحراراً ولو صغاراً بأن يملكهم مداً من قمح "وهو رطل وثلث بالعراقي، والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهماً" أو نصف صاع من تمر، أو شعير، أو زبيب، أو اقط "وهو اللبن المجمد"، ونص الصاع بالكيل المصري: قدح، ولا يجوز أن يكعمهم خبرزاً أو يطعمهم حباً معيباً "مسوساً أو قديماً أو مبلولاً ونحو ذلك" ويشترط أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته كزوجه وأخته الي لا يعولها غيره، ولا من هو أصل أو فرع له كما تقدم بيانه في كفارة الصوم.
    ويشترط في الكسوة أن تستر العورة المشترط سترها في الصلاة، فيعطي للرجل ثوباً ولو قديماً ما لم تذهب قوته؛ فإنه بلي وذهبت قوته فإنه لا ينفع. أو قميصاً يصلي فيه الفرض بأن يزيد منه شيء على ستر العورة، فلا يجزئ مئزر واحد، لأن الفرض لا يصح فيه. وتجزئ السراويل ويعطي للمرأة قميصاً ساتراً وخمارً يجزئها أن تصلي فيه. فإذا أعطاها ثوباً واحداً يستر بدنها ورأسها أجزأه.
    ولا يشترط أن يتكون الكفارة من جنس واحد. فله أن يطعم بعضهم قمحاً والآخر تمراً كما يجوز أن يطعم البعض ويكسو البعض الآخر.
    ويشترط في العتق أن يعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فإن عجز عن الإطعام والكسوة والعتق فصيام ثلاثة أيام متتابعة إن لم يكن عذر يسقط به التتابع كالحيض، وإنما تجب الكفارة بغير الصوم فيما زاد عن حاجته الأصلية الصالحة لمثله، كدار يحتاج لسكناها، ودابة يحتاج لركوبها وخادم يحتاج لخدمته. فإن كان له شيء يحتاج إليه كتجارة تختل إذا أخرج منها الكفارة، أو أثاث يحتاج إليه أو حلي امرأة ونحو ذلك فإنه لا يلزم ببيع شيء منه ويكفر بالصوم
    (5) الحنفية - قالوا: لا يصح إخراج كفارة اليمين قبل الحنث مطلقاً، سواء أكانت بالصوم أم بغيره من الأنواع الثلاثة الإطعام والكسوة والعتق، لأن سبب الكفارة هو الحنث عندهم، ولا يصح تقديم الشيء على سببه. وإذا كفر قبل الحنث فأعطى الفقراء شيئاً لا يجوز له أخذه منهم لأنه فعله قربة لله مع شيء آخر وهو التكفير. وقد حصل التقرب بإعطائها الفقير وترتب الثواب فليس له أن ينقضه باسترداد ما تصدق به.
    وتجب بالحنث على الفور، فإذا أخرها يأثم، ولا تسقط بالموت.
    المالكية - قالوا: يصح إخراج الكفارة قبل الحنث، سواء كان حلفه بنذر مبهم أو باليمين أو بالكفارة، أو كان بالله سواء كانت الصيغة بر أو حنث. ولكن إذا كانت الصيغة صيغة بر فالأحب فيها عند مالك أن لا يكفر إلا بعد الحنث وإن أجزأ قبله. وكذلك إذا كانت صيغة حنث مقيدة بأجل، فإنه يستحب أن لا يكفر عنها حتى يمضي الأجل.
    وتجب الكفارة بالحنث على الفور فيما يظهر، فشرط وجوب الكفارة الحنث، ولكن سببها اليمين. وسبب الحكم إذا تقدم على شرطه جاز ترتب الحكم على ذلك السبب، أما تقديمها على اليمين وهو السبب فلا يجزئ اتفاقاً، وإنما تجب الكفارة بالشرائط المتقدمة ومنها عدم الإكراه.
    الشافعية - قالوا: كفارة اليمين لها سببان: اليمين، والحنث، ويجوز تقديمها على السببين وهو الحنث إن كانت غير صوم، أما الصوم فلا يجوز تقديمه لأنه عبادة بدنية فلا تقدم على وقت وجوبها بدون حاجة كصيام رمضان. فإنه لا يصح تقديمه على وقت وجوبه. أما تقديم العبادة البدنية لحاجة فإنه يجوز كالجمع بين الصلاتين تقديماً. أما الكفارة التي لها سبب واحد ككفارة الجماع في رمصان فإنه لا يجوز تقديمها عليه، وإذا قدم كفارة اليمين ولم يحنث فله أن يسترجعها إن شرط استرجاعها أو علم الفقير أنها معجلة، وإلا فلا يصح استرجاعها. ويجوز تقديم الكفارة على الحنث ولو كان حراماً، كالحنث بترك واجب أو فعل محرم.
    الحنابلة - قالوا: تجب كفارة اليمين والنذر على الفور بالحنث. وللحالف أن يكفر قبل الحنث فتكون مكفرة بعد الحنث ومحللة لليمين قبله لأن سبب الكفارة اليمين، وشرط وجوبها الحنث فصح تقديمها على الشرط، أما تقديمها على اليمين فلا يصح، لأنه لا يصح تقديم الشيء على سببه، ويصح تقديمها ولو كان الحنث حراماً كأن حلف لا يشرب الخمر، ولا فرق في جواز تقديمها بين أن تكون بالصيام أو بغيره



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #88
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 80 الى صــــــــ90
    الحلقة (88)

    [مبحث تعداد الكفارة بتعدد الأيمان]
    تتعدد الكفارة بتعدد الأيمان على تفصيل في المذاهب (1) .
    [مبحث الأصول التي تعتبر في الأيمان]
    الأصول التي تعتبر في بر الأيمان أو حنثها في الإفتاء والقضاء أمور:
    منها النية، ومنها العرف ومنها معنى اللفظ الغوي، أو الشرعي، ومنها السبب الباعث على حلف اليمين، وفي كل ذلك تفصيل في المذاهب(1) .


    (1) الحنفية - قالوا: في هذه المسألة رأيان: الأول تتعدد الكفارة بتعدد الأيمان، سواء حلف في مجلس واحد في مجالس متعددة، ولو قال: أردت باليمين الثاني عين اليمين الأول لا يقبل قوله. الثاني أنها لا تتعدد. فإذا كثرت الأيمان تداخلت ويخرج بالكفارة الواحدة عن عهدة الجميع وهو قول محمد، واختاره بعضهم.
    الحنابلة - قالوا: إذا كرر يميناً فلا يخلو: إما أن تكون كفارة اليمين الثاني من جنس كفارة اليمين الأول أو لا، فإن كانت كذلك كقوله: واللُه لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست، فعليه كفارة واحدة، لأن كفارة هذه الأيمان من جنس واحد فتتداخل، سواء حنث في الجميع أو حنث في البعض وتنحل في الباقي. ومثل ذلك ما إذا حلف بنذروكرر الحلف به ثانياً وثالثاً الخ، فإن كفاراتها تتداخل، لأنها من جنس واحد. أما إن كانت كفاراتها مختلفة كما إذا حلف بالله وبالظهار تعددت الكفارة لأنها من جنسين مختلفين فلا تتداخل.
    ومن كرر يميناً واحدة موجبها واحد على فعل واحد كقوله: والله لا أكلت. والله لا أكلت فعليه كفارة واحدة، لأن سببها واحد والظاهر منه التأكيد.
    المالكية - قالوا: تتعدد الكفارة بأمور: الأول: أن يقصد بيمينه تكرر الحنث كقوله: والله لا كلمت زيداً، ونوى أنه كلما كلمه لزمه الحنث، فتتكرر بتكرر المحلوف عليه، وتلزمه في كل مرة يكلمه.
    الثاني: أن يكون تكرر الحنث مستفاداً من العرف لا من مجرد اللفظ؛ فمن ترك الوتر مثلاً ثم عوتب على تركه فحلف أن لا يتركه فتلزمه الكفارة كلما تركه، لأن العرف يدل على أنه لا يتركه ولا مرة واحدة، فكأنه قال: كلما تركته فعلي كفارة.
    الثالث: أن يكرر اليمين على شيء واحد كقوله: والله لا أدخل، والله لا أدخل وينوي به تعدد الكفارات؛ فإذا دخل لزمه ثلاث كفارات بتعدد اليمين؛ أما إذا قصد بتعدد اليمين التأكيد دون الكفارات لم تتعدد الكفارة اتفاقاً؛ أما إذا نوى إنشاء اليمين ففيه خلاف، والمشهور أنها لا تتعدد، سواء اتحد المجلس أو تعدد، وكذا إذا حلف على أجناس مختلفة كقوله: والله لا أدخل، ولا آكل، ولا ألبس، فإن نوى بذلك تعدد الكفارات لزمته متعددة، أما إذا نوى الإنشاء ففيه الخلاف المذكور؛ والمشهور أنها لا تتعدد، ولا يتأتى التأكيد في هذا؛ لأنه لا يتأتى غلا إذا كان المحلوف عليه واحداً.
    الرابع: أنيحلف بصيغة يدل لفظها على التكرار بالجمع كأن يقول: إن فعلت كذا فعلي أيمان أو كفارات؛ فإنه يلزمه بذلك أقل الجمع وهو ثلاث كفارات ما لم ينو أكثر من ثلاثة، ولو قال: علي عشرة لزمه العشرة.
    الخامس: أن يدل لفظه على التكرار بالوضع كأن يقول: كلما أو مهما فعلت كذا فعلي يمين أو كفارة فتتكرر الكفارة كلما فعل، لأن كلما ومهما تدل على التكرار وضعاً. أما لو قال: متى ما فعلت كذا فإن الكفارة لا تتكرر، بل ينحل اليمين بالفعل الأول وهذا هو الراجح، ولا تتكرر أيضاً إذا قال: والله لا أكلمه غداً ولا بعد غد، ثم حلف ثانياً لا يكمله غداً وكلمه غداً فإن عليه كفارة واحدة؛ لأن متعلق اليمين الثانية جزء من متعلق اليمين الأولى، فإن الأولى تشمل أمرين: غداً وبعد غد، والثانية مقصورة على الغد فهي جزء متعلق بالأولى، أما إذا حلف لا يكلمه غداً ثم حلف لا يكلمه غداً ولا بعد بعد فكلمه غداً فعليه كفارتان، لأن اليمين الثانية ليست جزءاً من متعلق اليمين الأولى، ولا يلزمه شيء سوى الكفارتين عندما يكلمه بعده؛ أما إذا لم يكلمه غداً وكلمه بعد غد فعليه كفارة واحدة.
    الشافعية - قالوا: تتعدد الكفارة بتعدد أيمان القسامة وبتعدد الأيمان الربعة وفي اليمين الغموس: وهو ما إذا حلف أن له على فلان كذا كاذباً وكرر الحلف. وفيما إذا قال: والله كلما مررت عليك لأسلمن عليك، فإنه إذا لم يسلم عليه في كل مرة يحنث وتلزمه الكفارة. أما إذا قال: والله لا أدخل الدار، وكرر ذلك؛ فإنه تلزمه كفارة واحدة وإن فصل بينها فاصل، إلا إذا كفر عن الأولى
    (1) الحنفية - قالوا: هذه الأمور تعتبر في اليمين على التفصيل الآتي: الأول العرف، وهو الأصل العام الذي تبنى عليه الأيمان عندهم فيقدم على جميع الأصول المذكورة، وتوضيح ذلك أن اللفظ المذكور في اليمين ينظر إلى معناه المتعارف عند الناس، سواء كان عرفاً خاصاً أو عاماً بقطع النظر عن معناه اللغوي أو الشرعي، مثال ذلك أن يقول: والله لا آكل رأساً فيحنث إذا أكل رأساً من الرؤوس التي جرت العادة ببيعها في الأسواق كرؤوس الغنم والبقر وهكذا، وهو المعنى الذي يقصده الناس من لفظ الرؤوس التي تؤكل، فلا يحنث بأكل رأس الطير كالبط والأوز ولا بأكل رأس العصافير ولا بأكل رأس السمك إلا إذا اصطلح الناس على بيعها في الأسواق وحدها مع أن لفظ الرأس في اللغة يطلق عليها ويعمها ولكن هذا المعنى اللغوي لا يعتبر، بل المعتبر هو المعنى العرفي كما عرفت. وكذلك إذا قال: والله لا أركب وتداً فإنه لا يحنث إذا ركب الجبل مع أن الجبل سماه القرآن وتداً، ولكن الوتد في العرف غير الجبل، على أنه لا بد من ذكر اللفظ الذي يدل على المعنى العرفي المقصود؛ فإذا فهم المعنى العرفي من العبارة بدون لفظ يدل عليه فإنه لا يعتبر مثال ذلك أن يقول: والله لا أخرج من الباب فخرج من السطح فإنه لا يحنث، وإن كان المفهوم عرفاً من هذه العبارة أنه يريد أن لا يخرج مطلقاً لا من الباب ولا من السطح، ولكن لم يذكر في العبارة لفظ يدل على هذا الغرض فلا يعتبر؛ لأن العرف لا يجعل غير الملفوظ ملفوظاً، وكذا إذا حلف لا يضربه سوطاً فضربه بعصا فإنه لا يحنث، وإن كان المعنى المقصود عرفاً أنه لا يؤذيه بالضرب مطلقاً لابالسوط ولا بالعصا، ولكن لفظ العصا غير مذكور فلا يعتبر معناه.
    وكذا إذا حلف لا يبيع هذه السلعة بعشرة فباعها بتسعة فإنه لا يحنث لأنه وإن كان غرضه المفهوم عرفاً أنه يريد بيعها بأكثر من عشرة فلا يبيعها بتسعة فأقل، ولكن هذا الغرض غير مسمى في اللفظ، لأنه إنما سمى العشرة وهي لا تطلق على التسعة، والعرف لا يجعل غير الملفوظ ملفوظاً. وكذا إذا حلف أنه لا يبيعها بعشرة فباعها بأحد عشر فإنه لا يحنث، لأن غرضه الزيادة على العشرة فلا يبيعها بالعشرة وحدها، والعشرة تطلق على العشرة وحدها وتطلق على العشرة مقرونة بعدد آخر، فالعرف يخصها بالعشرة وحدها لأنها غرضه فلا يحنث، أما إذا حلف لا يشتري هذه السلعة بعشرة فاشتراها بأحد عشر فإنه يحنث، لأن غرضه المفهوم عرفاً أنه يريد أن يشتريها بأقل من عشرة لا بأكثر، واللفظ يدل على هذا لأن العشرة تطلق على العشرة مفردة ومقرونة بعدد آخر كما ذكرنا. فيحنث بالأحد عشر، لأن العشرة وجدت مقرونة بعدد آخر، والزيادة على شرط الحنث لا تمنع الحنث. وإذا حلف لا يشتريها بعشرة فاشتراها بسبعة فإنه لا يحنث، لأن العشرة لم توجد لا مفردة ولا مقرونة بعدد آخر، ويتضح من هذا أن الأيمان مبنية على الألفاظ العرفية والأغراض التي تدل عليها هذه الألفاظ، أما الأغراض العرفية الزائدة على الألفاظ فإنها غير معتبرة.
    أما إذا حلف لا يبيع هذه السلعة بعشرة فباعها بأحد عشر فإنه لا يحنث، لأنه غرضه في العرف أنه يريد بيعها بزيادة وقد حصلت واللفظ يدل على ذلك لأن العشرة تطلق على العشرة وحدها وتطلق على العشرة إذا قرنت بعدد آخر. وغرض البائع عرفاً أنه لا يبيعها بالعشرة وحدها فلا يحنث إذا باعها بأحد عشر، بخلاف ما إذا حلف لا يشتريها بعشرة فإن غرضه في العرف أنه لا يشتريها بالعشرة وحدها أو مقرونة بعدد آخر، لأنه يريد نقص ثمنها فيحنث بالزيادة كما تقدم.
    وإذا حلف لا يشتريها بعشرة فاشتراها بتسعة لا يحنث لأنه لم توجد العشرة لا مفردة ولا مقرونة. وكذا إذا حلف لا يبيعها بعشرة فباعها بتسعة.
    ومثال تعيين أحد معاني المشترك أن يقول: امرأته طالق إن خرج اليوم وأراد بالخروج السفر فإنه يصدق ديانة، وذلك لأن الخروج لفظ مشترك بين السفر والخروج من المنزل والخروج من المسجد وهكذا، فيصح أن ينوي به أحد أفراده فيصدق ديانة لا قضاء، وكذا إذا حلف لا يسكن مع فلان وأراد مساكنته في محل خاص فإنه يصدق ديانة، لأن المساكنة مشتركة بين المساكنة في دار خاصة والمساكنة في الدار مطلقاً؛ فإذا أراد بها داراً خاصة يصدق لأنه نوى ما يحتمله اللفظ المشترك، أما إذا نوى بالخروج السفر إلى الشام، وبالمساكنة أن يسكن معه في ملكه لا بالإجاره فإنه لا يصدق. لأن اللفظ لا يدل عليه ولا يحتمله. وإنما يعتبر المعنى العرفي اللفظ إذا لم يستعمله العرف في معنى آخر مجازاً، كما إذا حلف لا يضع قدم في هذه الدار فإن معنى هذه اللفظ إذا لم يستعمله العرف في معنى آخر مجازاً، كما إذا حلف لا يضع قدمه في هذه الدار فإن معنى هذا اللفظ وهو وضع القدم في الدار لم يقصده العرف من هذه العبارة. بل استعمل اللفظ في الدخول مطلقاً، فلو وضع قدمه في الدار لم يقصده العرف من هذه العبارة. بل استعمل اللفظ في الدخول مطلقاً، فلو وضع قدمه بدون دخول فإنه لا يحنث. وكذا إذا قال: والله لآكل من هذه الشجرة ولا ثمر لها فينصرف يمينه إلى الأكل من ثمنها فإذا أكل منها نفسها فإنه لاحنث لأن الأكل من خشبها لا يريده العرف فلا ينظر للفظ في هذه الحالة.
    الثانية: النية وهي تعمل في الملفوظ لتعين بعض ما يحتمله اللفظ ولو لم يكن متعارفاً. كما إذا حلف لا يهدم بيتاً ونوى بيت العنكبوت فإنه يحنث إذا هدمه؛ وإن لم يكن بيتاً في العرف ولكن الحالف نوى ما يحتمله اللفظ فيعمل بنيته. والنية تخصص العام، والعبرة بنية الحالف في اليمين بالله إن كان مظلوماً. فإذا حلفه شخص على فعل شيء ظلماً فحلف له ونوى بيمينه غير ما يريده المحلف لا يحنث. أما إن كان ظالماً فيعتبر نية المحلف. ومثله الحلف بالطلاق تعتبر نيته ديانة إن كان مظلوماً. وإلا فلا ترفع عنه الحنث ديانة كما لا ترفع عنه قضاء على أي حال بخلاف العرف فإنه يخصصه ديانة وقضاء. وكذلك تخصص الجنس بإرادة أحد أنواعه، وكذلك تعين أحد معاني المشترك المحتملة اللفظ. أما تعيم الخاص بالنية بأن يذكر لفظاً خاصاً ويريد منه العام كما إذا حلف لا يشرب لفلان ماء وأراد بذلك قطع علاقته معه في كل ما له فيه منه فإن نيته لا تنفع، لأن اللفظ لا يحتمله. فمثال تخصيص العام بالنية: أن يحلف بأن لا يأكل طعاماً أو يشرب شراباً وينوي بحلفه طعاماً خاصاً فإنه يصدق ديانة لا قضاء. أما إذاحلف أن لا يأكل بدون أن يقول طعاماً ونوى أن لا يأكل طعاماً خاصاً فإنه لا يصدق لا ديانة ولا قضاء. لأنه لم يذكر العام في عبارته. ومثله ما إذا قال: والله لأضربنه خمسين ونوى ضربه بسوط معين فإنه لا يحنث إذا ضربه بأي شيء؛ لأنه السوط لم يذكر حتى يصح تخصيصه، والنية إنما تعمل في الملفوظ. فلا تعتبر نيته في هذه الحالة. وإنما تنفع نية تخصيص العام إذا نوى قصره على بعض أفراده. أما إذا نوى قصره على بعض متعلقاته فإن النية لا تنفع. فإذا نوى بقوله: والله لا آكل طعاماً قصر الطعام على بعض أفراده كاللحم مثلاً تنفعه. لأن الطعام تحته أفراد كثيرة كاللحم والفاكهة والخبز الخ.
    فإذا أراد باللفظ العام فرداً من هذه الأفراد صح أما إذا نوى شيئاً متعلقاً بذلك العام خارجاً عن أفراده فإنه لا ينفع. كما إذا نوى أنه لا يأكل طعاماً في زمن معين أو مكان معين. لأن الزمان والمكان غير داخلين في أفراد الطعام فلا تنفع إرادتهما منه.
    ومثال تخصيص الجنس بإرادة أحد أنواعه أن يحلف بأن لا يتزوج امرأة وينوي بذلك نوعان خاصاً من النساء كعربية فإنه يصدق ديانة؛ لأن الإنسان يتنوع إلى عربي وحبشي وزنجي ورومي وتركي وهكذا، فيصح تخصيص الجنس بنوع من أنواعه، "إن شئت قلت تخصيص النوع بصنف من أصنافه"، أما إذا نوى تخصيصه بصفة من صفاته الضرورية كشخص المرأة بكونها مصرية أو عراقية أو شامية فإن نيته لا تنفع لا ديانة ولا قضاء، لأن الصفة ليست من مدلول لفظ المرأة بل هو تخصيص بالمكان فلا تنفع فيه النية.
    الثالث: المعنى اللغوي وهو لا يعتبر مع العرف إلا إذا وقع مشتركاً بين اللغة والعرف، فيعتبر المعنى اللغوي على أنه من العرف، ومثله المعنى الشرعي كما تقدم بيانه.
    الرابع: السبب الباعث على الحلف، فإذا حلف بسبب صفة في المحلوف عليه ثم زالت هذه الصفة فإنه لا يحنث بفعله. أما إذا لم تزل هذه الصفة أو لم تكن موجودة وقت الحلف أصلاً فإنه يحنث.
    فمثال ما فيه صفة زالت بأن يحلف أن لا يأكل هذا العنب وهو رطب فإذا زالت رطوبته واكله زبيباً فإنه لا يحنث أما إذا لم تزل منه صفة الرطوبة فإنه يحنث بأكله وهو ظاهر.
    ومثال الصفة التي لم تكن موجودة وقت الحلف أن يقول: والله لا أكلم هذا الصبي أو لا آكل من هذا الحمل "ولد الشاة الصغير" فإنه يحنث إذا كلمه وهو شيخ أو أكله وهو كبش، وذلك لأن صفة الصغر الموجودة في الصبي وفي الحمل تلغو مع الإشارة، ولا تعتبر إلا الذات المشار إليها وهي باقية في الصغر والكبر، فلم تكن موجودة وقت الحلف بهذا الاعتبار فلا ينظر إليها في اليمين فإذا كان الباعث له على اليمين سبباً آخر سوى الصغر فإن يمينه ينصر إليه. كما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي خوفاً على عرضه أو لكونه سفيهاً فكلمه وهو شيخ لزوال السبب فإنه لا يحنث، لأن الوصف كان موجوداً وقت الحلف وقد زال، والإشارة غير موجودة فلا يحنث؛ وهذا يشبه بساط اليمين عند المالكية.
    الخامس: الحلف على ما يصح امتداده زمناً كالقيام والقعود واللبس والسكن والركوب: فهذه الأشياء ونحوها لا يصح امتدادها زمناً مخصوصاً فيقال: قام ساعة وقعد يوماً وسكن شهراً ولبسه يومين وهكذا. فإذا حلف على ما يمتد وهو متلبس بالفعل كأن قال: والله لا أقوم وهو قائم أو قال: والله لا أقعد وهو جالس أو قال: والله لا أسكن وهو ساكن ففيه خلاف؛ فبعضهم يقول: إنه لا يحنث في يمينه على أي حال، وبعضهم يقول: يجب عليه أن يفعل المحلوف عليه فوراً ولا يغفر له غلا الزمن الذي يتمكن فيه من الفعل، فإذا حلف وهو راكب وجب عليه أن ينزل فوراً وإلا حنث في يمينه، وكذا إذا حلف وهو قائم فإنه يلزمه القعود حالاً وإلا حنث وهكذا، وإذا حلف وهو غير متلبس بالفعل كما إذا حلف لا يركب وهو غير راكب ثم ركب فإنه يحنث بابتداء الركوب واستمراره؛ فيلزمه بكل لحظة يتمكن فيها من النزول حنث، وبعضهم يقول: لا يحنث إلا في الإبداء على أي حال ورجحه بعضهم. والتحقيق أن المعتبر في كل هذا هو العرف، فإذا كان استمرار الركوب والقيام والقعود ونحوها يسمى ركوباً وقياماً وقعوداً في العرف حنث بالاستمرار وإلا فلا يحنث. أما الأشياء التي لا تقبل الامتداد كالدخول والخروج والتطهر والتزوج فإنه لا يحنث إذا حلف وهو متلبس بها باتفاق، فإذا حلف لا يتزوج وهو متزوج أو لا يتطهر وهو متطهر، أو لا يدخل هذه الدار وهو فيها، أو لا يخرج منها وهو خارج، فإنه لا يحنث بالاستمرار. وهناك قواعد أخرى تذكر لمناسباتها فيما يأتي.
    المالكية - قالوا: الأصول المعتبر في الأيمان خمسة: الأول النية وتقدم في الاعتبار على جميع الأصول، وهي تخصص لفظ العام وتقيد لفظ المطلق وتبين المجمل. فمثال العام "وهو اللفظ الذي يستغرق أفراده الصالحة له بدون حصر" أن يقول: والله لا آكل سمناً، فلفظ السمن عام يتناول جميع أفراده كسمن الضأن وسمن البقر والجاموس وسمن الجمال ونحو ذلك، فإن نوى بيمينه هذا تخصيص ذلك العام فلا يخلو: إما أن ينوي منع نفسه من أكل سمن الضأن فقط وإباحة أكل غيره من سمن البقر والجمال ونحوها، أو ينوي منع نفسه من أكل سمن الضأن ولم يلاحظ إباحة غيره، والنية تنفعه في الحالتين. فأما في الحالة الأولى فإن النية تنفع فيها بلا خلاف، لأنها قد خالفت ما يقتضيه لفظ العام حقيقة لأن لفظ العام يقتضي أنه حظر على نفسه أكل السمن بجميع أفراده، والنية تقتضي أنه أباح لنفسه أكل ما عدا سمن الضأن وبينهما منافاة حقيقية، وقد اشترط بعضهم وجود هذه المنافاة، وهذه الحالة تحقق فيها هذا الشرط فتنفع فيها النية بلا خلاف، وأما في الحالة الثانية فإن النية تنفع فيها على المعتمد، وذلك لأنها خصت لفظ العام بالمعنى الخاص، فعبر بالعام وهو لفظ السمن عن معنى الخاص وهو سمن الضأن، ولا منافاة بين العام وأفراده، لأن سمن الضأت وهو الخاص فرد من أفراد السمن وهو العام، ولا منافاة بين العام وأفراده، ولكن بينهما مغايرة وهي كافية فلا تشترط المافاة الحقيقية على المعتمد.
    ومثال المطلق كقوله: والله لا أكلم رجلاً ونوى رجلاً جاهلاً أو في المسجد أو في الليل، فإنه لا يحنث إذا كلم رجلاً عالماً أو في غير المسجد أو في النهار. وكذا من حلف ليكر من رجلاً ونرى به زيداً لا يبر بإكرام غيره، لأن رجلاً مطلق وقيده بخصوص زيد فصار معنى اليمين لأكر من زيداً، ومثال المجمل أن يقول، زينب طالق وله زوجتان اسم كل منهما زينب، فلفظه مجمل فإذا قال: أردت زينب بنت فلان فإنها هي التي تطلق، ثم إن كان الحلف بطلاق ونحوه يشترط أن يكون لفظ العام أو المطلق محتملاً لما نواه بالتساوي في العرف، كما إذا حلف بالطلاق لامرأته أنه لا يتزوج عليها مدة حياتها ونوى ما دامت في عصمته، فإذا طلقها بائناً وتزوج عليها وادعى أنه نوى بيمينه ما دامت في عصمته، فإنه يقبل قوله قضاء، لأن لفظ حياتها مفرد مضاف يعم كل وقت من أوقات حياتها، وهو يشمل الوقت الذي تكون معه في عصمته وغيره فإذا نوى وقت كونها في عصمته بخصوصه فإنه يكون قد قصر العام على بعض أفراده وهو تخصيص له، واللفظ محتمل لذلك الوقت الذي نواه وغير بالسواء، أما إذا لم يكن اللفظ محتملاً لهما بالسواء فلا يخلو: إما أن يكون ما نواه قريباً من ظاهر اللفظ أو مخالفاً له جد المخالفة. فإن كان قريباً فإن قوله يقبل عند المفتي مطلقاً، سواء كان الحلف بالله أو بالطلاق والعتاق. ويقبل عند القاضي إن كان الحلف بالله، أما في الطلاق والعتاق فإنه لا يقبل، وإن كانت المخالفة بعيدة فلا يصدق في شيء من دعواه لا في القضاء ولا في الفتوى.
    فمثال المخالفة القريبة من المساواة المثال المتقدم وهو: والله لا آكل سمنا ناوياً به سمن الضأن فلفظ السمن عام يتناول سمن الضأن الذي نواه وغيره، ولكن ظاهر اللفظ يغلب في غير الضأن وهو سمن الجاموس مثلاً، وسمن الضأن ليس بعيداً منه، فاستعمال اللفظ فيه بخصوصه بنية يصح سواء نوى إخراج غيره أو لم ينو على المعتمد كما تقدم، هذا إذا كان لفظ السمن غالب الاستعمال في سمن الجاموس أو البقر، أما إذا كان غالباً في سمن الضأن كان ما نواه مساوياً لظاهر اللفظ.
    ومثال المخالفة البعيدة من اللفظ أن يقول: زوجي طالق أو حرام وينوي طلاق زوجته التي ماتت أو ينوي أكلها مال اليتيم حراماً فإن إرادة هذا بعيدة من اللفظ، فلا يصدق لا في القضاء ولا في الفتوى إلا إذا قامت قرينة على صدق ما يريد.
    الثاني: بساط اليمين وهو السبب الحامل على اليمين. فإذا عدمت النية الصريحة أو لم تنضبط يعتبر سبب اليمين، لأنه في حكم النية فيخصص العام ويقيد المطلق كالنية مثاله: من وجد الزحام على الجزار فحلف أن لا يشتري لحماً في ليلته ثم اشترى بعد أن انقض الزحام أو من جزار آخر لا زحام عنده فإنه لا يحنث، لأن سبب اليمين يخصصه بالزحام. وكذا إذا سمع طبيباً يقول: أكل لحم الحيوان المريض ضار فحلف أن لا يأكل اللحم فلا يحنث بأكل لحم السليم، لأن سبب اليمين خاص بالمريض وكذا إذا حلف ليشترين دار فلان ولكن صاحبها أبى بيعها بثمن مثلها فإنه لا يحنث على الصحيح لأن يمينه مقيد بما إذا رضي صاحبها، وكذا إذا حلف ليبيعن فأعطي أقل من الثمن. وكذا إذا كان شخص يأخذ من الناس زكاة مالهم لينفقها على الفقراء فقيل له: أنت تفعل ذلك لتأخذ منه لنفسك، فحلف أنه لا يزكي ولم ينو شيئاً فإنه لا يحنث إذا أخرج زكاة ماله، وإنما يحنث بتزكيته للناس. وكذا إذا ضاع من شخص عقد من العقود ثم حلف للشهود بالطلاق أنه قد ضاع وأنه غير موجود في الدار ليكتبوا له غيره ثم وجده في الدار فإنه لا يحنث.
    الثالث: العرف وهو قسمان: عرف قولي، وعرف فعلي، فالعرف القولي هو الذي ينصرف إليه القول عند الإطلاق في العرف، كلفظ الدابة المختصة في العرف بالحمار. والمملوك المختص بالأبيض، والثوب المختص بالقميص، فمن حلف لا يشتري دابة لا يحنث بشراء الفرس، وإنما يحنث بشراء الحمار، وكذا من حلف لا يشتري مملوكاً فاشترى أسود، أو حلف لا يشتري ثوباً فاشترى عمامة فإنه لا يحنث، وأما العرف الفعلي فهو ما تعارف الناس على استعماله، فإذا حلف لا يأكل خبزاً وكان المتعارف عند أهل البلد أنهم لا يأكلون إلا الشعير ولفظ الخبز يتناول الشعير والقمح فإنه لا يحنث بأكل القمح، لأن العرف الفعلي يخصه بالشعير. وقيل إن العرف الفعلي لا يخصص فيحنث بأكل القمح: والظاهر الأول، وإنما يعتبر العرف إذا عدمت النية والبساط.
    الرابع: المدلول الشرعي، فمن حلف لا يصلي أو لا يتطهر أو لا يزكي حملت على الأركان الشرعية لا على اللغوية، فيحنث إذا صلى الظهر أو العصر وهكذا، ويقدم المدلول الشرعي على اللغوي على الراجح.
    الخامس: المدلول اللغوي، فمن حلف لا يركب دابة حنث بركوب أي حيوان يدب على وجه الأرض ولو التمساح، وكذا من حلف لا يلبس ثوباً فإنه يحنث بلبس العمامة، وإنما يعتبر المعنى اللغوي عند عدم وجود أصل من الأصول المتقدمة.
    الحنابلة - قالوا: اليمين تعتبر فيها أولاً النية فيرجع إلى نية الحالف بشرطين:
    الأول: أن يكون غير ظالم وإلا فلا تعتبر نيته إن كان ظالماً بل تعتبر نية المحلف.
    الثاني: أن يحتمل لفظه ما نواه، فإن احتمله احتمالاً قريباً أو متوسطاً يقبل قوله ديانة وقضاء وأما إذا احتمله احتمالاً بعيداً فإنه يقبل ديانة أي فيما بينه وبين الله، أما إذا لم يحتمل لفظه ما نواه كأن حلف أن لا يأكل خبزاً ونوى بذلك أن لا يدخل بيتاً فإن نيته لا تعتبر، وما تعتبر فيه النية أنواع:
    منها: أن ينوي بالعام الخاص، كأن يحلف لا يأكل لحماً واللحم تحته أفراد كثيرة: لحم الشاة ولحم البقر ولحم الجمل وهكذا، فإذا نوى باللفظ العام فرداً من هذه الأفراد تصخ نيته ويقبل منه قوله، ومنها أن يحلف على فعل شيء أو تركه وينوي في وقت معين مثل أن يقول: والله لا أتغدى وينوي اليوم، أو يقول: والله ما أكلت ويريد الساعة وهكذا، فإن نيته تعتبر ويخص يمينه بذلك الوقت الذي نواه. ومنها: أن ينوي ليمينه غير ما يفهمه السامع منه، كما إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً ونوى بقلبه طالق من وثاق أو من العمل الفلاني كالخياطة مثلاً فإنها لا تطلق فيما بينه وبين الله، وإن كان لا يصدق قضاء؛ لأن لفظ الطلاق يحتمل ما نواه احتمالاً بعيداً. ومنها أن يريد بالخاص العام كما إذا قال: والله لا شربت لفلان ماء من العطش ونوى بذلك أنه لا يتناول منه شيئاً فيه منة من أكل ولبس ونقود ونحوها، فاستعمال الخاص في العام صحيح ونيته في اليمين معتبرة، أما إذا جلس في ظل داره أو ضوء ناره لا يحنث لأن اللفظ لا يتناول مثل هذا، وكذا إذا حلف لا يسكن مع زوجه في الدار الفلانية ولكنه نوى بذلك جفاءها وعدم معاشرتها فله نيته؛ لأنه أراد بالخاص العام.
    ثانياً: يعتبر سبب اليمين، فإذا لم ينو بلفظه شيئاً لا ظاهر اللفظ ولا ما يحتمله يرجع في يمينه إلى السبب الذي حمله على الحلف، فإذا كان لشخص دين على آخر وطلبه منه بشدة فحلف له المدين أن يقضيه حقه غداً ثم قضاه قبل ذلك فإنه لا يحنث، لأن سبب اليمين يقتضي تعجيل الوفاء، والسبب يدل على النية. أما إذا لم تكن له نية وليس ليمينه سبب فإنه يحنث إذا قضاه قبل الموعد المضروب فإن قضاه حقه قبل الغد حنث كما لو أخره.
    ثالثاً: أن تتغير صفة المحلوف عليه بما يزيل اسمه ثم تعود له تلك الصفة
    ثانياً كغصن انكسر ثم أعيد، وقلم كسر ثم بري، ودار هدمت ثم بنيت، فلو حلف لا يستظل تحت هذا الغصن ثم انكسر وأعيد فإنه يحنث إذا استظل تحته، وإذا حلف لا يكتب لهذا القلم ثم كسره وبراه فإنه يحنث بالكتابة به، وإذا حلف لا يدخل هذه الدار فهدمت وبنيت فإنه يحنث بدخولها.
    رابعاً: أن تتغير الصفة بما لا يزيل الاسم كما إذا حلف لا يأكل لحماً مشوياً فأكله مطبوخاً فإنه يحنث. أما إذا حلف لا يلبس هذا الثوب وهو رداء ثم غيره عن كونه رداء ولبسه فإنه لا يحنث لأن الحال قيد في عاملها.
    خامساً: يعتبر بعد ذلك مدلول الاسم وهو ثلاثة أقسام:
    عرفي، وشرعي، ولغوي وهو الحقيقي فيقدم في الاعتبار المعنى الشرعي، فإذا حلف لا يصلي ولم ينو شيئاً انصرف يمينه إلى الصلاة الشرعية لا إلى اللغوية وهي الدعاء. ويحنث بصلاة الجنازة لأنها صلاة شرعاً، ويحنث بتكبيرة الإحرام لأنه يكون بها مصلياً، أما إذا قال: والله لا أصلي صلاة فإنه لا يحنث إلا إذا صلى ركعة لأنها هي التي يقع عليها اسم الصلاة، ولا يحنث إلا إذا صلى صلاة صحيحة، فلو صلى بدون طهارة أو بدون تكبيرة الإحرام فإنه لا يحنث، ومثلها سائر العقود فإنه لا يحنث بالفاسد منها ما عدا الحج فإنه يحنث بالفاسد منه ثم يقدم المعنى العرفي على المعنى اللغوي.
    وإذا حلف ليقضينه حقه غداً ونوى به مطله ثم قضاه قبل ذلك يحنث أيضاً، لأن اليمين انعقد على ما نواه وقد خالفه.
    وإذا حلف ليبيعن هذه السلعة بمائة فباعها بالمائة أو بأكثر منها لا يحنث، أما إذا باعها بأقل فإنه يحنث لأن قرينة الحال تدل على أنه يريد الكثرة: وإذا حلف لا يشتريه بمائة فاشتراه بها أو بأقل لا يحنث، وبأكثر يحنث عكس الأول لدلالة قرينة الحال على أنه يريد القلة. وإذاحلف لا يلبس هذا الثوب بسبب منة عليه فباعه واشترى بثمنه ثوباً آخر يحنث بلبسه، وإذا اشتراه على وجه لا منة فيه أو اشتراه وكساه به لا يحنث، لأن السبب قد زال وهو المنة.
    سادساً: التعيين بالإشارة، لم يكن للحالف نية ولم يكن لليمين سبب فإنه يرجع إلى الإشارة لأنها تعين المقصود وتدل على غرض الحالف أكثر من دلالة اللفظ على معناه، فإذا حلف على معين كما إذا قال: والله لا آكل هذه البيضة فإنه يحنث بأكلها إذا لم ينو شيئاً يحتمله اللفظ، أو يكون ليمينه سبب يرجع إليه. فإذا انعدمت صفة المحلوف عليه المعين كما إذا حلف لا يأكل هذه البيضة فصارت فرخاً فإن ذلك على ثلاثة أقسام: الأول: أن تنعدم الصفة وتستحيل الأجزاء بتغير الاسم كما في البيضة إذا صارت فرخاً. والحنطة إذا صارت زرعاً، والخمر إذا صار خلاً. وفي هذه الحالة يحنث بالأكل من الفرخ والزرع والشرب من الخل.
    الثاني: أن تنعدم صفته ويزول اسمه مع بقاء أجزائه كالرطب إذا صار تمراً أو دبساً أو عمل حلوى "مربة" فإن أجزاءه لم تنعدم بذلك وإن تغيرت صفته وزال اسمه، فإنه إذا حلف لا يأكل من هذا الرطب فإنه يحنث إذا أكل منه وهو تمر أو وهو "مربة" وكذا إذا حلف لا يكلم هذا الصبي فإنه يحنث إذا كلمه وهو شيخ، لأن الصفة انعدمت وزال الاسم مع بقاء الأجزاء، ومثله إذا حلف؟؟ من هذا الحمل "ولد الشاة الصغيرة" فأكل منه وهو كبش. وكذا إذا حلف لا يأكل هذه الحنطة فصارت دقيقاً أو هريسة يحنث بالأكل منها.
    الثالث: أن تتبدل الإضافة كما إذا قال: والله لا أدخل دار فلان فباعها لغيره أو قال: والله لا أكلم امرأته علي فطلقها فإنه يحنث إذا كلم المرأة بعد طلاقها أو دخل الدار بعد بيعها.
    الشافعية - قالوا: الأيمان إن كانت بالله تعالى فإنها تبنى على العرف فيحمل اللفظ فيها على معناه المتعارف ولو كان مجازاً، سواء كان مجازاً متعارفاً أو لا. أما إذا كان اليمين بالطلاق فإنه يبني اللفظ فيه على معناه اللغوي ولا ينظر فيه للعرف، فإذا قال: والله لا آكل من هذه الشجرة فإنه يحنث إذا أكل من ثمرها، مع أن مدلول لفظ الشجرة الحقيقي هو الشجرة والورق ولكن هذه العبارة استعملت عرفاً في ثمر الشجرة فصارت مدلولاً لها في العرف. وكذلك إذا حلف أمير لا يبني داره يحنث إذا بناها الغير، وكذلك إذا حلف لا يحلق رأسه فحلق له غيره بأمره فإنه يحنث على المعتمد نظراً للعرف ما لم ينو شيئاً آخر فيعمل بنيته.
    وكذا إذا حلف بالله لا يأكل هذه البيضة فبلعها بدون مضغ حنث، لأن البلغ أكل في العرف أما إذا حلف بالطلاق لا يأكلها فبلعها بدون مضغ لا يحنث لأن البلع بدون مضغ لا يسمى أكلاً في اللغة. واليمين بالطلاق يبنى على اللغة لا على العرف كما علمت.
    أما النية فإنها معتبرة في الأيمان ما لم ينو ما لا يحتمله اللفظ، وقد تقدم أنه إذا قال: والله ما فعلت كذا ونوى أن يقول: وهو الله، لا ينعقد يمينه. وكذا إذا قال: بالله فعلت كذا نوى الاستعانة بالله في فعله فإنه يقبل قوله ديانة لا قضاء، لأن التورية تصح في اليمين ما لم تكن بحضرة قاض. وإذا نوى مستحيلاً فإن النية لا تنفع كما إذا قال: والجناب الرفيع ونوى به اليمين بالله بإنه لا ينعقد لأن معنى الجناب فناء دار الإنسان وهو مستحيل في حقه تعالى، والنية لا تعمل في المستحيل.
    وإذا حلف لا يصلي فإنه لا يحنث بصلاة الجنازة، لأنها لا تسمى صلاة في العرف وإن كانت صلاة في الشرع، لكن العرف مقدم في اليمين، فلا يحنث إلا إذا صلى صلاة صحيحة ذات ركوع وسجود، ولا يحنث بالفاسدة، ومثلها سائر العقود فإذا حلف لا يفعلها فلا يحنث إلا بالصحيح منها ما عدا الحج، فإنه إذا حلف لا يحج حجاً فاسداً فإنه يحنث به


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #89
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 90 الى صــــــــ
    100
    الحلقة (89)

    [مبحث اليمين على الأكل والشرب]
    سنذكر في هذا المبحث وما بعده جملة من المسائل المبنية على الأصول المتقدمة، وقد تكون بعض هذه المسائل أصلاً لغيرها، وقد يكون بعضها مبنياً على أصل آخر، وفي هذه المسائل تفصيل المذاهب(1) .


    (1) المالكية - قالوا: إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل لقمة منه فإنه يحنث ولو قال: لا آكل هذا الرغيف كله على المشهور، وهذا إذا لم يكن له نية ولا بساط لليمين وإلا فيعمل بها كل تقدم، أما إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف فإنه يحنث إذا لم يأكله كله، فلو أكل لقمة منه لم يجزه ولو لم يقل كله، وبالجملة فإن إذا حلف على ترك شيء له أجزاء فإنه يحنث بفعل كل جزء منها سواء قال: كلها أو بعضها على المشهور ما لم ينو ذلك، وإذا حلف على فعل شيء له أجزاء فإنه يحنث بترك جزء منها ما لم ينو أو تقوم قرينة على ما يريد وإذا حلف لا يتعشى فإنه لا يحنث إذا أكل في آخر الليل "السحور" ما لم ينو ترك الأكل في الليلة كلها؛ وإذا حلف لا يأكل لحماً فإنه يحنث بأكل لحم السمك والطير، إلا إذا نوى أو كان ليمينه بساط، وإذا حلف لا يأكل بيضاً يحنث إذا أكل بيض السمك والطير "البطارخ" ولو بيض التمساح أو الترسة. وإذا حلف لا يأكل عسلاً فإنه يحنث بأكل العسل الناشيء من الفواكه الرطبة كالبلح والتين ما لم يقيد بأن يريد لحم النعم وبيض الدجاج وعسل القصب أو يكون ليمينه بساط، أو كان العرف على غير ذلك كما تقدم، والعرف الآن يخص اللحم بلحم النعم، والبيض ببيض الدجاج، والعسل بعسل القصب وعسل النحل والسكر، فلا يحنث على عرفنا الآن، إلا إذا أكل من هذه الأشياء بخصوصها، كما إذا حلف لا يأكل خبزاً فأكل شعرية أو مكرونة أو كعكاً فإنه لا يحنث على عرفنا الآن، لأنها لا تسمى خبزاً في عرفنا، وكذا لا يحنث إذا حلف لا يأكل شعرية أو كعكاً أو نحوهما من الأشياء الخاصة ثم أكل خبزاً فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يأكل لحم غنم فإنه يحنث بأكل لحم الضأن والمعز، وإذا حلف لا يأكل لحم دجاجة يحنث بأكل لحم الدجاجة والديك، وإذا حلف لا يأكل سمناً فإنه يحنث إذا أكل شيئاً عمل بالسمن كالكعك والطعام، سواء وجد طعم السمن في فمه أو لا على المشهور، كما إذا حلف لا يأكل زعفراناً فإنه يحنث بأكله مطبوخاً في شيء ولو استهلك فيه، أما إذا حلف لا يأكل خلاً أو ليموناً أو نارنجا أو نحو ذلك فإنه لا يحنث بأكلها مطبوخة في طعام مستهلكة فيه.
    أما إذا قال: لا آكل من هذا الخل أو من هذا النارنج مثلاً فإنه يحنث بأكله مطبوخاً مستهلكاً، وإذا حلف لا يأكل لحماً فإنه يحنث بأكل الشحم لأنه جزء اللحم، أما إذا حلف لا يأكل شحماً فإنه لا يحنث إذا أكل لحماً، لأن اللحم ليس جزء الشحم، ولأن الله حرم على بني إسرائيل الشحم فلم يتناول الشحم اللحم فلم يحرم عليهم أكله.
    وإذا حلف لا يأكل من هذا الطلع "هو أول أطوار ثمر النخل" فإنه يحنث بأكل بلحه رطباً كان أو يابساً أو عجوة، كما يحنث بأكل كل شيء ينشأ منه كالعسل ونحوه وكذا إذا حلف لا يأكل من هذا القمح فإنه يحنث بالأكل منه ومن كل ما يتفرع عنه كالدقيق "والرشدة"، "والعصيدة" "والشعرية" والكعك ونحو ذلك. وكذا إذا حلف لا يأكل من هذا اللبن فإنه يحنث بأكل كل ما يتفرع عنه كالزبد والسمن والجبن، فإذا قال: لا آكل من طلع هذه النخلة حنث بأكل كل فرع ينشأ من طلعها، متقدماً كان أو متأخراً كما إذا قال: لا آكل من لبن هذه الجاموسة، أما إذا قال: لا آكل هذا الطلع بحذف "من" فلم يقل من هذا ففيه خلاف. فبعضهم يقول: إنه لا يحنث بأكل فرعه، وبعضهم يقول: يحنث. والذي يقول: يحنث يشترط أن يكون الفرع قريباً من الأصل جداً ومحل كونه يحنث بأكل الفرع من هذه الأشياء إذا لم تكن له نية أو ليمينه بساط وإلا عمل بهما كما تقدم، وإذا حلف لا يأكل طلعاً أو لا يأكل الطلع ولم يأت بكلمة هذا فإنه لا يحنث بأكل ما يتفرع عنه من بلح أو عسل أو نحو ذلك، وكذا إذا حلف لا يأكل اللبن أو لبناً فإنه لا يحنث بأكل ما يتفرع عنهما، إلا في خمس أمور فإنه يحنث فيها لقرب شبهها بالأصل:
    الأول: إذا حلف لا يأكل زبيباً أو الزبيب فإنه يحنث إذا شرب نبيذه.
    الثاني: إذا حلف لا يأكل لحماً أو اللحم فإنه يحنث بشرب مرقها.
    الثالث: إذا حلف لا يأكل لحماً أو اللحم فإنه يحنث بأكل الشحم كما تقدم.
    الرابع: إذا حلف لا يأكل قمحاً أو القمح فإنه يحنث إذا أكل خبز القمح.
    الخامس: إذا حلف لا يأكل عنباً أو العنب فإنه يحنث إذا شرب عصيره كالزبيب بل هو أقرب.
    فيحنث في الأمور الخمسة بتناول الفرع وغن لم يأت بمن أو هذا في الحلف على الأصل، وإذا حلف لا يأكل الحنطة فإنه يحنث بأكل القمح الذي ينبت منها، سواء أتى بكلمة من واسم الإشارة أو لم يأت بشيء منهما، أو أتى بأحدهما أو سقط الآخر، وسواء ذكرها معرفة أو منكرة، وكذا يحنث إذا باع شيئاً منها واشترى بثمنه حباً آخر، وإنما يحنث بذلك إذا نوى بيمينه أن يقطع منه له من غيره عليه بأن قال له آخر: لولا أنا أطعمك الحنطة لكنت تموت جوعاً فحلف بأن لا يأكلها لينقطع ذلك المن، أما إذا حلف لا يأكلها لرداءة فيها فإنه لا يحنث بأكل ما أنبتته ولا يأكل الحب الذي يشتري بثمنها، وكذا إذا حلف لا يأكلها لسوء صنعة الطعام فإنه لا يحنث بأكلها إذا صنعت له خبزاً جيداً مثلاً. وإذا حلف لا يأكل فشرب لبناً ونحوه مما يغذي فإنه يحنث إن قصد التضييق على نفسه بتجويعها، أما إن قصد الأكل فقط فإنه لا يحنث بالشرب كما لا يحنث إذا حلف لا آكل فشرب ماء زمزم إلا إذا قصد تجويع نفسه فإنه يحنث بشربه بنية الشبع.
    وإذا حلف لا يأكل كذا أو لا يشرب، فذاق الطعام أو الماء بلسانه ولم يصل الطعام أو الماء إلى جوفه لا يحنث، أما إذا وصل إلى جوفه فإنه يحنث، وإذا حلف لا يأكل من طعام فلان فمات فلان المحلوف عليه فإنه لا يحنث بالأكل من ماله بعد موته إن كان قد حلف لمنعه عليه كما إذا قال له: لولاي لما وجدت من يطعمك فحلف بأن لا يأكل من طعامه قطعاً لذلك اليمين، وكذلك لا يحنث بالأكل منه بعد موته وإن كان حلف لسبب جمع المال من معاملات فاسدة، فإن المال يزول عنه خبثه بإرثه، أما إن حلف لا يأكل طعام لغير هذين السببين فإنه لا يحنث إذا أكل منه بعد موته بشرطين:
    الأول: أن يكون مالخ خالياً من الدين، فإن كان مديناً وأكل منه قبل وفاء الدين وقبل قسمه بين مسحقيه فإنه يحنث، أما إذا أكل منه بعد وفاء الدين ولو قبل قسمته فإنه لا يحنث.
    الثاني: أن لا يكون قد أوصى بشيء من ماله معلوم غير معين يحتاج في إخراجه إلى بيع التركة كما إذا أوصى بمائة دينار مثلاً لا يمكن إخراجها إلا ببيع التركة، فإنه إذا أكل منه في هذه الحالة يحنث أما إذا أوصى بمعين كهذا المنزل مثلاً أو أوصى بشائع لا يحتاج في إخراجه إلى بيع التركة كما إذا أوصى بربع ماله مثلاً فإنه لا يحنث بالأكل منه في هذه الحالة.
    الحنفية - قالوا: إذا حلف لا يأكل شيئاً فإن كان ذلك الشيء مما يؤكل كالطعام والفاكهة فإنه يحنث إذا أوصله إلى جوفه، سواء مضغه أو لم يمضغه، ذاقه، أو لم يذقه. فإذا حلف لا يأكل بيضة حنث ببلعها مقشرة كانت أو غير مقشرة. أما إذا مضغه ولم يبتلعه في جوفه فإنه لا يحنث بذلك، وإن حلف لا يأكل شيئاً مما يشرب كاللبن ونحوه من المائعات فإنه لا يحنث بشربه وحده، فإذا قال: والله لا آكل اللبن فشربه وحده أو صب عليه مائعاً آخر كالشاي واللبن فإنه لا يحنث. أما إذا فت فيه الخبز أو وضع فيه التمر ونحوهما مما يؤكل فإنه يحنث.
    وإذا حلف لا يأكل سمناً فأكل طعاماً فيه سمن فإنه لا يحنث إلا إذا كان السمن ظاهراً فيه بحيث لو عصر ينعصر. أما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يحنث ولو وجد طعمه في فمه.
    وكذلك إذا حلف لا يأكل لبناً فطبخ فيه أرزاً فإنه لا يحنث بأكله إلا إذا كان بحيث لو عصر ينعصر منه اللبن، ومثله سائر المائعات كالخل والعسل، فإنه إذا حلف لا يأكل شيئاً منها فإنه لا يحنث بشربها وحدها. وإذا أكلها مع غيرها فإن استهلكت فيه على الوجه المتقدم بحيث إذا عصر لم ينعصر فلا يحنث، وإلا حنث.
    وإذا حلف لا يأكل عنباً فإنه لا يحنث بمصه لأن المص ليس بأكل. وكذا إذا حلف لا يشرب عنباً فإنه لا يحنث بمصه لأن المص ليس بشرب، وكذا إذا حلف لا يأكل رماناً وامتصه ورمى تفله فإنه لا يحنث، وإنما لم يسم هذا شراباً لأن الشرب يتناول المائع وقت إدخاله الفم. أما هذا فقد أدخل الفم جامداً، فلو عصر الفاكهة ثم أدخلها في فيه بعد عصرها فإنه يحنث إذا حلف أن لا يشربها ولو امتصها مصاً، وإذا حلف لا يأكل عنباً فعصره وأكل قشره فإنه يحنث لأن القشر يؤكل ولا يخرجه عصره عن كونه مأكولاً. وإذا حلف لا يأكل هذا السكر فإنه لا يحنث بمصه إلا إذا كان مصر السكر يعد أكلاً في العرف. وإذا حلف لا يذوق هذا الشيء فأكله يحنث إذا مضغه وتحلل منه شيء يستلزم ذوقه، أما إذا ابتلعه ولم يتحلل منه شيء يذاق فإنه لا يحنث، وإذا حلف لا يأكل هذا الشيء فذاقه فإنه لا يحنث لما علمت من أن الأكل إيصال الطعام إلى الجوف. والذوق هو مجرد معرفة طعم الشيء بالفم، وإذا حلف لا يأكل من هذه النخلة فإنه يحنث بالأكل من ثمرها وجمارها ومن كل ما يخرج منها إذا لم يتغير بصنعة جديدة كالعصير إذا أضاف إليه خبزاً أو شيئاً يؤكل فإنه يحنث بأكله على هذا الوجه. لأن العصير لم يطرأ عليه صنعة جديدة، وكذلك يحنث بالعسل الذي يسيل من الرطب لأنه من غير صنعة جديدة، أما إذا طبخ التمر فتغير بالطبخ فإنه لا يحنث بأكله، وكذلك النبيذ والخل والورق بعد طبخه ونحو ذلك مما يحتاج إلى صنعة جديدة فإنه لا يحنث بأكله. وإذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة وليس لها ثمر يحنث إذا أكل من شيء يشرى بثمنها.
    أما إذا حلف لا يأكل من هذه الشاة فأكل من سمنها أو لبنها فإنه لا يحنث. وكذا إذا حلف لا يأكل العنب فأكل زبيبه أو عصيره فإنه لا يحنث. وإذا حلف لا يأكل هذا الدقيق فإنه يحنث بأكل خبزه. والضابط في ذلك أنه إذا حلف على شيء تؤكل عينه ينصرف يمينه إلى ذلك الشيء والى ما يتولد منه، كما إذا حلف لا يأكل الشاة فإن عينها تؤكل فتنصرف يمينه إليها لا إلى لبنها وسمنها، وإذا حلف على شيء لا تؤكل عينه كالنخلة فإنها لا تؤكل ينصرف يمينه إلى ما يتفرع عنها بشرط أن لا يتغير بصنعة جديدة، وإذا لم يكن له فرع ينصرف يمينه إلى ثمنه، وإذا أكل من عين ما لا يؤكل كما إذا ابتلع شيئاً من أجزاء النخلة ففيه خلاف: فبعضهم يقول: إنه لا يحنث إذا نوى ذلك، وبعضهم يقول: يحنث مطلقاً لأن الحقيقة متعذرة فيجب تركها والعمل بالمجاز كما تقدم.
    وإذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة فقطع فرعاً منها ووصلة بشجرة أخرى "طعمة" فلا يخلو: إما أن تكون الشجرتان من نوع واحد أو من نوعين مختلفين، فإن كانتا من نوع واحد فإنه لا يحنث بالأكل من ثمر فرع الشجرة المحلوف عليها. لأنه أصبح فرعاً من الشجرة الأخرى في العرف. وإن كانتا من نوعين مختلفين كشجرة تفاح وكمثرى ثم حلف لا يأكل من شجرة التفاح وسمى التفاح ووصل فرعاً منه بشجرة الكمثرى فإنه لا يحنث إذا أكل من ثمر الفرع المسمى، أما إذا لم يسم التفاح بأن قال: لا آكل من هذه الشجرة فإنه لا يحنث بالأكل من ذلك الفرع المأخوذ من شجرة التفاح لشجر الكمثرى. لأنه أصبح من الشجرة الثانية في العرف. وإذا حلف لا يأكل لبناً فصار جبناً فإنه لا يحنث بالأكل منه بعد ذلك. وكذلك لا يحنث بأكله إذا صار رائباً لا يحنث إذا حلف لا يأكل من هذا العنب فصار زبيباً فأكل منه بعد ذلك. وأيضاً إذا حلف لا يأكل عنباً بالتنكير فأكل زبيباً فإنه لا يحنث، كما إذا حلف أن يأكل زبيباً فأكل عنباً وكذا إذا حلف لا يأكل من هذه البيضة فأكل من فراريجها فإنه لا يحنث. وإذا حلف لا يذوق من هذا الخمر فصار خلاً فتعاطاه فإنه لا يحنث. أو لا يأكل من زهرة هذه الشجرة فأكل بعد أن صارت لوزاً أو مشمشاً فإنه لا يحنث. وكذا إذا حلف لا يأكل من هذا البسر "اليابس من البلح" فإنه لا يحنث إذا كلم شيخاً أو أكل كبشاً لأن الكبش لا يسمى حملاً، والصغير لا يسمى شيخاً بخلاف ما إذا قال: والله لا أكلم هذا الصبي أو لا آكل من هذا الحمل بالتعريف، فإنه يحنث إذا كلمه شيخاً أو أكله كبشاً. وقد تقدم في مبحث أصول اليمين الضابط المعتبر في هذا وأمثلته.
    وإذا حلف لا يأكل رطباً فأكل ما كان معظمه رطباً وطرفه غير رطب فإنه يحنث. وكذا إذا حلف لا يأكل بسراً فأكل ما كان طرفه رطباً فقط فإنه يحنث، وفي عكس المسألتين خلاف فإذا حلف لا يأكل رطباً فأكل ما كان طرفه رطباً وباقيه بسراً فقيل: يحنث وقيل لا يحنث. وكذا إذا حلف لا يأكل بسراً فأكل ما كان طرفه بسراً وباقيه رطباً.
    وإذا حلف لا يشتري رطباً فاشترى عرجوناً فيه رطب ويابس واليابس أكثر فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يأكل لحماً فإنه لا يحنث بأكل السمك إلا إذا نواه وكان العرف يسميه لحماً وكذلك لا يحنث بأكل المرق إلا إذا نواه أو وجد فيه طعم اللحم فإنه يحنث؛ ويشمل اللحم لحم الإبل والبقر والجاموس والغنم والطيور، سواء أكان مطبوخاً أم مشوياً أم قديداً، ولا يحنث بالنيء على الأظهر. كما إذا حلف لا يأكل لحماً فأكل لحم خنزير أو لحم إنسان فإنه لا يحنث لأنهما لا يؤكلان عرفاً، وإن كان اسم اللحم يطلق على النيء وعلى لحم الخنزير وعلى لحم الإنسان عرفاً ولكن لفظ أكل لا ينصرف إليهما في العرف فلا يحنث بهما، ولا يشمل اللحم الكرش والكبد والطحال إلا إذا كانت تسمى لحماً فلا يحنث بشرائهما. وإذا حلف لا يأكل لحماً فإنه يحنث بالأكل منهما على الأصح، لأنه في الأول لا يقال: اشتري لحماً في العرف بل اشتري رأساً وأكارع وفي الثاني يقال في العرف: إنه أكل لحماً لأن الرأس تشمل اللحم وغيره.
    وإذا حلف لا يأكل لحم بقر لا يحنث بأكل لحم الجاموس على الصحيح. وكذا إذا حلف لا يأكل لحم شاة فأكل لحم عنز فإنه لا يحنث، وإذا حلف لا يأكل شحماً "دهناً" فإنه يحنث بشحم البطن والأمعاء اتفاقاً. أما الشحم الذي على اللحم "وهو اللحم السمين" فإنه لا يحنث بأكله على الأظهر. وكذا لا يحنث بأكل الألية "اللية" لأنها لا تسمى شحماً كما لا تسمى لحماً، فإذا حلف لا يأكل لحماً لا يحنث بالأكل منها. وكذا إذا حلف لا يشتري لحماً فإنه لا يحنث بشرائها وإذا حلف لا يأكل حنطة ففي المسألة ثلاث صور. أحدها من يقول هذه الحنطة ويشير لصبرة من القمح فإنه لا يحنث إلا إذا أكلها بليلة أو مقلاة بالنار؛ أما إذا أكل دقيقها أو سويقها أو خبزها أو أكلها نيئة فإنه لا يحنث إلا إذا نواه فإنه يحنث بالنية. ثانيها أن يقول: هذه بدون لفظ حنطة فإنه يحنث بالأكل من عينها ولو نيئة كما يحنث بالأكل من خبزها، لأن الإشارة إذا وجدت بدون تسمية تعتبر فيها ذات المشار إليه، سواء بقيت على حالها أو حدث لها اسم آخر.
    ثالثها أن يقول: حنطة بالتنكير، وفي هذه الحالة يحنث بالأكل من عينها ولو نيئة، أما إذا أكل من خبزها أو دقيقها أو سويقها فإنه لا يحنث. وإذا زرعت فإنه يحنث بالأكل من الخارج من زرعها إذا قال حنطة بالتنكير، وأما إذا لم يقل ذلك فإنه لا يحنث بالأكل من الخارج منها. وإذا حلف لا يأكل من هذا الدقيق فإنه يحنث بأكل ما يتخذ منه كالخبز والشعرية والمكرونة والكسكسي والعصيدة ونحو ذلك. أما إذا سف الدقيق فإنه لا يحنث على الأصح. وإذا حلف لا يأكل خبزاً فإنه يحنث بأكل الخبز المتعارف عند أهل بلده. فإذا كانوا لا يأكلون إلا القمح حنث به بدون غيره، فلو أكل خبز الذرة أو الشعير فإنه لا يحنث، وبالعكس إذا كانوا لا يأكلون القمح، فإن العرف الخاص معتبر في الأيمان، ويشمل الخبز الرقاق "أما البقلاوة والسنبوسك والكعك والبقسماط والبغاشة والفطير والزلابية" فإن كل هذه الأمور لا تسمى خبزاً في العرف فلا يحنث بأكلها.
    وإذا حلف لا يأكل من خبز فلانة فإن أراد الخبز المملوك لها يحنث بالأكل منه ولو خبزه وعجنه غيرها، أما إذا أراد الصنعة فإنه لا يحنث إلا إذا أكل من الخبز الذي وضعته في التنور "الفرن" ليستوي، أما إذا عجنته وقطعته "أرغفة" ووضعه غيرها في التنور فإنه لا يسمى خبزها فلا يحنث بالأكل منه.
    وإذا حلف لا يأكل شواء فإن نوى به كل ما يشوى يعامل بنيته، وإن لم ينو ذلك فإن يمينه تنصرف إلى اللحم المشوي فلا يحنث بأكل الجزر "أو البطاطة" أو نحو ذلك. لأن العرف يخص الشواء باللحم المشوي، وإذا حلف لا يأكل طبيخاً تنصرف يمينه إلى اللحم المطبوخ بالماء فإنه يحنث بالأكل منه ومن مرقه، ولا يحنث بأكل غيره مما يطبخ بدون لحم، إلا إذا كان العرف يسمي ما يطبخ بدون لحم طبيخاً كما في عرف مصر فإنه يحنث بالأكل منه. وإذا حلف لا يأكل طعماً فإنه لا يحنث إلا إذا أكل مما يسمى طبخاً؛ فلا يحنث بالأكل من الجبن والفاكهة وإن كانت تسمى طعاماً لغة، لأن العرف خص الطعام بالطبيخ. وإذا حلف لا يأكل رأساً نظر إلى العرف، ففي عرف مصر الرؤوس التي تؤكل عادة هي التي تباع في الأسواق كرؤوس الضأن والجاموس والبقر فتنصرف اليمين إليها. فإذا أكل من رؤوس الخيل أو الطيور مما لا يباع نيئاً ومستوياً في الأسواق فإنه لا يحنث كما تقدم.
    أما في البلاد التي اعتادت بيع رؤوس الخيل وغيرها فإنه يحنث بالأكل منها، فالمعتبر العرف بدون نظر إلى الحقيقة اللغوية على المفتى به. وإذا حلف لا يأكل فاكهة ينصرف يمينه إلى كل ما يطلق عليه اسم الفاكهة في العرف، كالتين والعنب والتفاح والبطيخ والمشمش والرمان والرطب والبرتقال والخوخ والسفرجل والكمثرى، فإن هذه تسمى فاكهة في عرف أهل مصر، بخلاف "الجوز واللوز والبندق" ونحوها فإنها لا تسمى فاكهة في عرفهم بل تسمى "نقلاً".
    وإذا حلف لا يأكل حلواً فإنه يحنث بأكل كل ما يتحلى به من فاكهة وغيرها كتين وعنب وكنافة وقطايف ونحوها، لأن العرف جرى على أن مثل هذه الأشياء تؤخذ في نهاية الأكل وتسمى حلواً، أما الحلوى فإنها اسم لما يطبخ من السكر أو العسل بطحين أو نشاء.
    وإذا حلف لا يأكل إداماً أو لا يأتدم فإنه لا يحنث إلا بأكل ما لا ينفرد بالأكل وحده، كالملح والخل والزيت والعدس المطبوخ والخضر ونحو ذلك من كل ما يغمس فيه الخبز.
    أما إذا أكل ما ينفرد بالأكل وحده غالباً كاللحم والتمر والزبيب وسائر الفواكه فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يتغدى فإنه يحنث إذا أكل ما به نصف الشبع ولا بد أن يتابع الأكل، فلو أكل لقمتين وصبر زمناً يعد فاصلاً ثم أكل لقمتين وهكذا لا يكون غداء ويحنث إذا تغدى بما اعتاد أن يتغدى به أهل بلده غالباً، فلو كان بدوياً وشرب اللبن فإنه يحنث، لأن عادة أهل البدو التغدي به، أما إن كان حضرياً فإنه لا يحنث إلا إذا أكل الخبز، فلو أكل لحماً بدون خبز أو تمر أو أرز أو خضر فإنه لا يحنث، لأن هذه الأشياء لا يتغدى بها وحدها غالباً في العرف. ووقت الغداء يبتدئ من طلوع الشمس إلى الزوال في عرف بعضهم وفي عرف أهل مصر: الأكل من طلوع الشمس إلى الضحى يسمى فطوراً، والغداء من بعد ذلك إلى العصر، وكذلك أهل الشام، ووقت العشاء من بعد العصر إلى نصف الليل. والسحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر، والمدار في كل هذا على العرف.
    وإذا حلف لا يشربه من شيء يمكن الكرع فيه أي تناول الماء بفمه كالنهر والترعة والحوض فإنه لا يحنث إذا أخذ منه بكفه أو بإناء وشرب، وإنما يحنث إذا كرع فيه ما لم ينو عدم الشرب منه مطلقاً فإنه يحنث بالشرب منه على أي حال.
    الشافعية - قالوا: إذا حلف بالله لا يأكل رؤوساً فإنه لا يحنث إلا بأكل الرؤوس المعتاد بيعها كرؤوس النعم من البقر والغنم ونحوهما. أما رؤوس الطيور والسمك ونحو ذلك فإنه لا يحنث بأكلها إلا إذا اعتاد الناس بيعها. سواء كان ذلك اعتياد أهل بلده أو غيرهم على المعتمد، وإذا قال: رؤوساً "بالتنكير" فإنه لا يحنث إلا إذا أكل ثلاثاً منها لأنها أقل الجمع، أما إذا قال الرؤوس "بالتعريف". فإنه يحنث إذا أكل واحدة، أما إذا أكل بعض واحدة فإنه لا يخنث.
    وقال الخطيب وابن عبد الحق: يحنث ببعض واحدة، ونظير هذه المسألة ما إذا حلف بالله لا يتزوج نساء فإنه لا يحنث إلا إذا تزوج ثلاثاً.
    وإذا حلف بالله لا يتزوج النساء "بالتعريف" فإنه يحنث إذا تزوج واحدة، أما إذا حلف بالطلاق فإنه لا يحنث إلا إذا تزوج ثلاثاً وأكل ثلاثاً: سواء قال: نساء ورؤوساً بالتنكير، أو قال: النساء والرؤوس بالتعريف، وإذا حلف لا يتغدى فلا يحنث إلا إذا أكل قبل الزوال، لأن وقت الغداء من طلوع الفجر إلى الزوال، وقدر الأكل الذي يحنث به في الغداء بما كان فوق نصف الشبع. ولو حلف لا يتعشى لا يحنث إلا إذا أكل بعد الزوال فوق نصف الشبع، لأن وقت العشاء من الزوال إلى نصف الليل، ومن حلف لا يتسحر لا يحنث إلا إذا أكل بعد نصف الليل.
    وإذا حلف لا يأكل لحماً فإنه يحنث بأكل ما يحل أكله ولو أكله نيئاً، أما إذا أكل ما لا يحنث به كأن أكل حيواناً غير مذكى، أو أكل وحشاً لا يحنث أكله فإنه لا يحنث، ويتناول اللحم لحم الرأس واللسان على الراجح، والمرجوح لا يتناوله، ويقويه الآن العرف، أما الكرش والكبد والطحال والقلب والرئة فلا يطلق عليها اسم اللحم، لأنها لا تسمى لحماً في العرف وكذلك السمك والجراد فإنهما لا يسميان لحماً فلا يحنث إذا أكل منهما، وهذا كله إذا أطلق اللحم، أما إذا نوى به شيئاً خاصاً فإنه يعمل بنيته كما تقدم.
    ويتناول اللحم شحم الظهر والجنب لأنه لحم سمين أما شحم البطن والأمعاء وهو الدهن الذي فوقهما فإنه لا يحنث بأكله لأنه لا يسمى لحماً، فإذا حلف لا يأكل شحماً لا يحنث بأكل شحم الظهر والجنب وإنما يحنث بأكل شحم البطن والأمعاء، ولا يتناول الشحم واللحم الألية والسنام فإنهما لا يسميان لحماً ولا شحماً كما لا يتناول أحدهما الآخر، أما الدسم فإنه يتناولها.
    فإذا حلف لا يأكل دسماً يحنث بأكل الألية والسنام وشحم الظهر والبطن والجنب والأمعاء ودهن الحيوان الخالص من اللحم كالسمن، أما دهن غير الحيوان كدهن اللوز والجوز والسمسم فقيل: يشمله الدسم وقيل لا يشمله، وإذا حلف لا يأكل "زفراً" فإنه يحنث إذا أكل لحماً أو دهن حيوان أو بيضاً ولو "بطارخاً" ولا يحنث إذا أكل ميتة سمك أو جراد.
    وإذا حلف لا يأكل لحم بقر فإنه يحنث إذا أكله أو أكل لحم الجاموس أو بقر الوحش البقر بتناولها، إما إذا حلف لا يأكل لحم الجاموس فإنه لا يحنث بأكل لحم بقر، وإذا حلف لا يأكل ضأنا أحدهما لا يطلق على الآخر لا لغة ولا عرفاً وإن كان يشملهما اسم غنم المقتضي اتحادهما في الجنس، وإذا حلف لا يأكل خبزاً فإنه يحنث بأكل الخبز بجميع أنواعه. سواء كان مأخوذاً من قمح أو الشعير أو الذرة أو الأرز أو الباقلا أو البطاطس أو نحو ذلك ولو كان مصنوعاً من نوع غير معهود في بلده فلا يسمى خبزاً في عرفه لظهور المعنى اللغوي في الخبز، نعم إذا أكله على ظن أن اسم الخبز لا يتناوله فإن بعضهم يقول بعدم حنثه، وإنما لم يعمل بالعرف في هذه المسألة مع أنه قد تقدم أن اليمين بالله مبني على العرف، لأن العرف الذي ينظر إليه هو العرف المطرد كمسألة الرؤوس والبيض. أما العرف غير المطرد كمسألة الخبز فإنه مختلف في عرف البلاد، فيأكل هذه ذره والأخرى قمحاً والأخرى بطاطس وهكذا، فتحكم فيه اللغة ولم ينظر للعرف. وإذا فت الخبز في مرق وأذابه فيه ثم شربه فإنه لا يحنث. وكذا إذا طبخ واختلطت أجزاؤه ببعضها فصار كالعصيدة وأكل منه فإنه لا يحنث، أما إذا بقيت "اللقم" متميزة بعضها عن بعض فإنه يحنث بالأكل منها.
    ويتناول الخبز كل ما يخبز أولاً ولو قلي بعد ذلك بالسمن والزيت كالكنافة والبقلاوة والقطايف والسنبوسك. أما إذا قليت أولاً وهي نيئة قبل أن تشوى قبل القلي فإنها لا تسمى خبزاً كالزلابية والقطايف ولقمة القاضي فلا يحنث بأكلها: ويشمل الخبز أيضاً البقسماط والرقاق دون البسيس ونحوه.
    وإذا حلف لا يأكل طبيخاً فإنه لا يحنث إلا إذا أكل ما فيه سمن أو زيت أو دهن.
    وإذا حلف لا يأكل هذا الشيء فبلعه من غير مضغ فإنه يحنث نظراً للعرف، لأن البلع أكل عرفاً، أما إذا حلف بالطلاق أنه لا يأكله فبلعه من غير مضغ فإنه لا يحنث، لأن الطلاق مبني على اللغة، ولا يسمى البلع بدون مضغ أكلاً في اللغة كما تقدم.
    وإذا حلف لا يأكل طعاماً فإنه يحنث إذا أكل قوتاً أو فاكهة لأن اسم الطعام يتناولها، وأما إذا أكل دواء فإنه لا يحنث. لأن اسم الطعام لا يتناوله في باب الأيمان لبنائها على العرف، أما في البيوع فإن الطعام يتناول الدواء لأنها مبنية على اللغة كما سيأتي.
    وإذا حلف لا يأكل فاكهة فإنه يحنث إذا أكل الفاكهة الرطبة واليابسة، فيحنث بأكل الرطب والعنب والرمان والزبيب والتمر والليمون والنبق والبطيخ والفستق والبندق، وتتناول الفاكهة أيضاً الحلوى وهي كل ما اتخذ من عسل وسكر من كل حلو ليس فيه حامض. أما العسل وحده أو السكر وحده فإنه لا يسمى حلوى، بل الحلوى هي المأخوذة من مجموعها. فمن حلف لا يأكل حلوى فإنه لا يحنث بأكل العسل المطبوخ وحده على النار، ولا بأكل النشا المطبوخ بالعسل، وإنما يحنث إذا أكل ما تركب من جنسين فأكثر.
    وإذا حلف لا يأكل تمراً فإنه لا يحنث إذا أكل اليابس. وإذا حلف لا يأكل رطباً فإنه لا يحنث إذا أكل تمراً وبالعكس. وإذا حلف لا يأكل عنباً فإنه لا يحنث إذا أكل زبيباً وبالعكس. وإذا حلف لا يأكل العنب أو الرمان لم يحنث بشرب عصيره ولا بامتصاصه ورمي ثفله لأنه لا يسمى أكلاً.
    وإذا حلف لا يأكل بيضاً فإنه يحنث إذا أكل بيض أي حيوان، سواء كان مأكول اللحم كالدجاج والنعام ونحوهما، أو غير مأكول اللحم كالرخم ونحوه ما لم يكن من ذوات السموم الضارة فإنه يحرم أكل بيضه لضرره وإنما يحنث بشرط أن يكون الشأن فيه أن يفارقه الحيوان الذي باضه وهو حي، وأن يؤكل البيض منفرداً سواء خرج من الحيوان وهو حي أو وهو ميت، فإذا لم يكن الشأن فيه ذلك كبيض السمك "البطارخ" فإنه لا يحنث بأكله، لأن البطارخ لا يبيضها السمك وهي حي خارج الماء بل تشق بطنه وتخرج منه، وكذا بيض الجراد فإنه لا يؤكل منفرداً بل يؤكل تبعاً للجراد فغذا أكله منفرداً لا يحنث، وكذلك البيض غير المتصلب الذي يخرج من الدجاج بعد ذبحها فإنه لا يحنث بأكله، لأنه لا يمكن أن يفارق الحيوان وهو حي، أما إذا تصلب وخرج من الدجاجة بعد ذبحها فإنه يحنث بأكله، لأن الشأن فيه أن يفارقها وهي حية.
    ولا تتناول الفاكهة القثاء والخيار والجزر والباذنجان، فمن حلف لا يأكل فاكهة فإنه لا يحنث بالأكل من هذه الأشياء. وإذا حلف لا يأكل هذا القمح فإنه يحنث إذا أكل منه على هيئته كأن يأكله نيئاً أو مطبوخاً "بليلة" أو مقلياً على النار "فشاراً" أما إذا أكله دقيقاً أو خبزاً أو نحوهما فإنه لا يحنث لزوال اسم القمح عنه حينئذ، أما إذا حلف لا يأكل هذا وأشار إلى قمح بدون أن يذكره فإنه يحنث إذا أكل منه على هيئته أو أكل من دقيقه أو خبزه أو أي شيء يتولد معه، وكذا إذا حلف لا يأكل هذا الرطب تمراً فإنه لا يحنث، ونظير هذا إذا حلف لا يكلم هذا الصبي فكلمه بعد البلوغ فإنه لا يحنث لزوال الاسم عنه.
    وإذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة فإنه يحنث بما يؤكل منها كثمرها وجمارها، فلا يحنث إذا أكل من ورقها وخشبها لأنه لا يؤكل عملاً بالعرف. وكذا إذا حلف لا يأكل من هذه البقرة فإنه لا يحنث بالأكل من ولدها ولبنها، وإنما يحنث بما يؤكل منها كاللحم والكرش ونحوهما: وإذا حلف لا يأكل معائعاً فأكله بخبز فإنه يحنث أما إذا شربه فإنه لا يحنث، وأما إذا حلف لا يشرب مائعاً فأكله بخبز فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يأكل سمناً فأكله في عصيدة ونحوها فإن كانت عينه ظاهرة فيها فإنه يحنث، أما إن استهلك ولم يكن ظاهراً فإنه لا يحنث، وأما إذا شربه فإنه لا يحنث.
    الحنابلة - قالوا: إذا حلف لا يأكل اللحم فإنه لا يحنث إذا أكل الشحم أو المخ الذي في العظام أو الكبد أو الطحال أو القلب أو الكرش أو المصران أو الألية أو الدماغ وهو المخ الذي في الرأس أو القانصة أو الكلية أو الكوارع أو لحم الرأس أو لحم خد الرأس أو اللسان ونحو ذلك من كل ما لا يطلق عليه اسم اللحم، وينفرد عنه باسمه وصفته إلا إذا أراد الحالف اجتناب الدسم فإنه يحنث بالأكل منها. وهذا إذا حلف لسبب يقتضي المنع من أكلها فإنه يحنث حينئذ.
    ومن حلف لا يأكل لحماً فإنه يحنث بأكل اللحم ولو كان محرماً كلحم خنزير وميتة ومغصوب كما يحنث بأكل لحم السمك ولحم الطير ولحم الصيد لأن كل ذلك يسمى لحماً.
    وإذا حلف لا يأكل شحماً فإنه يحنث بأكل ما يذوب في النار من حيوان، فيحنث بأكل الدهن على الظهر والجنب أو شحم الكلى أو أكل اللحم السمين أو اللية أو السنام أما إذا أكل اللحم الأحمر الذي لا يظهر فيه دهن فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يأكل لبناً فإنه يحنث بأكل لبن الإبل والبقر والغنم ولبن الصيد ولبن الآدمية. سواء كان اللبن مائعاً أو رائباً أو متجمداً، أما إذا كان زبداً أو سمناً أو كشكاً أو مصلاً أو جبناً فإنه لا يحنث إلا إذا ظهر فيه طعم اللبن فإنه يحنث. وإذا حلف لا يأكل زبداً فأكل سمناً أو لبناً لم يظهر فيه طعم الزبد فإنه لا يحنث، أما إذا ظهر فيه طعم الزبد فإنه يحنث. وكذا إذا حلف لا يأكل زبداً فأكل جبناً أو ما يصنع من اللبن كالكشك لم يحنث لأنه لا يسمى ذلك زبداً. وإذا حلف لا يأكل سمناً فأكل زبداً فإنه لا يحنث، وإنما يحنث إذا أكل السمن منفرداً أو في عصيدة وطبيخ ونحو ذلك إذا ظهر فيه طعمه، فإذا لم يظهر طعمه فإنه لا يحنث، وكذا إذا حلف لا يأكل لبناً فأكل طبيخاً فيه لبن فإنه يحنث إذا ظهر اللبن فيه.
    وإذا حلف لا يأكل فاكهة فإنه يحنث بأكل العنب والرطب والرمان والسفرجل والتفاح والكمثرى والخوخ والأترج والنبق والموز والبطيخ والجوافى والمنجا والتين والمشمش والعناب واللوز والبندق ونحو ذلك من كل ما يسمى فاكهة يابسة أو غيرها، ولا يحنث بأكل القثاء والخيار والخس والزيتون، ولا بأكل نبق البادية ويسمى زعروراً وهو أحمر يشبه النبق وفي طعمه حموضة، وخوخ الدب وكل ثمر شجر غير مستطاب، كما لا يحنث بأكل الجزر واللفت والفول والقلقاس وسائر الخضر التي لا تسمى فاكهة.
    وإذا حلف لا يأكل بسرا "البلح عند تلونه" فأكل ما كان طرفه رطباً وباقيه يابساً أو ما كان نصفه رطباً ونصفه يابساً فإنه يحنث، كما لو أكل نصفاً رطباً ونصفاً يابساً على حدة، أما إذا أكل اليابس فقط وترك الجزء الرطب فإنه لا يحنث - وهو ما يتخلل بين سعفها - ثم بلح، ثم بسر، والبسر هو البلح إذا أخذ في الطول والتلون إلى أحمر أو أصفر، ثم رطب، ثم تمر.
    إذا حلف لا يأكل عنباً فأكل زبيباً لم يحنث. وكذا إذا حلف لا يأكل جدياً فأكل تيساً لم يحنث وكذا إذا حلف لا يكلم شاباً وكلم شيخاً، وإذا حلف لا يأكل من هذه البقرة فإنه لا يحنث بالأكل من ولدها ولبنها، وإذا حلف لا يأكل من هذا الدقيق فإنه يحنث إذا أكله خبزاً وإذا حلف لا يأكل هذا الشيء ثم بلعه بدون مضغ فإنه لا يحنث لأنه حقيقة الأكل بلع الطعام بعد مضغه. وإذا حلف لا يتغدى فأكل بعد الزوال فإنه لا يحنث، لأن الغداء من طلوع الشمس للزوال، وما كان بعد ذلك يسمى عشاء، وإذا حلف لا يتعشى فأكل بعد نصف الليل فإنه لا يحنث لأن العشاء من بعد الزوال إلى نصف الليل، وإذا حلف لا يتسحر حنث إذا أكل بعد نصف الليل، وإنما يحنث إذا أكل أكثر من نصف ما به شبعه، أما إذا أكل النصف فأقل فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يأكل أدماً حنث بأكل ما جرت العادة بأكل الخبز مما يغمس الخبز كالطبيخ والمرق والزيتون والبيض والملح والتمر والزبيب ونحوه، وإذا حلف لا يقتات فإنه يحنث بأكل الخبز والحب من بر وشعير وذرة ودخن ودقيق وفاكهة كتمر وزبيب ومشمش وتين وتوت ولحم ولبن ونحو ذلك. ولا يحنث بالعنب والخل ونحوه، وإذا حلف لا يأكل طعاماً حنث بما يؤكل ويشرب من قوت وأدم وحلو وجامد ومائع وما جرت العادة بأكله من النبات ولا يحنث بالماء والدواء وورق الشجر ونشارة الخشب، وكل هذه المسائل ينبغي أن تراعى فيها الأصول المتقدمة



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #90
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 100 الى صــــــــ
    107
    الحلقة (90)

    [مبحث الحلف على الدخول والخروج والسكنى ونحو ذلك]
    في الحلف على الدخول والخروج والسكنى تفصيل في المذاهب(1)


    (1) الحنفية - قالوا: إذا حلف لا يدخل بيتاً فإنه لا يحنث بدخول الكعبة والمسجد وكنيسة اليهود وبيعة النصارى لأنها ليست للبيتوتة، وكذلك لا يحنث بدخول الدهليز والمظلة التي على الباب إذا لم تكن صالحة للبيتوتة، وكذا لا يحنث إذا حلف لا يدخل داراً "بالتنكير" ثم دخلها وهي خربة لا بناء فيها أما إذا حلف لا يدخل هذه الدار "بالتعريف" فإنه يحنث بدخولها خربة ولو صارت صحراء. وكذلك يحنث إذا دخل صفة البيت "إيوانه" إن لم يكن مسقوفاً لأنه صالح للبيتوتة في الصيف، ومن حلف لا يدخل داراً ثم وصل إلى سطحها من سطح آخر ووقف عليه فقيل يحنث لأن الدار عبارة عما أحاطت به الدائرة، سواء كان من أسفل أو من أعلى فيسمى داخلاً سواء كان للسطح ساتر من حيطان أو لا. وقيل: لا يحنث إلا إذا كان للسقف ساتر من حيطان "أو درابزين" لأن الدخول في العرف لا يتحقق إلا بذلك، أما إذا لم يكن له ساتر فيكون موجوداً في هواء الدار فلا يعد داخلاً، والظاهر أن المدار في نحو هذا العرف. فإذا تعورف أن الصعود إلى السطح أو الارتقاء إلى حائط أو شجرة يعد دخولاً وإن لم يدخل في جوف المنزل حنث به، وغلا فلا يحنث إلا بالدخول إلى جوف المنزل، والواقف بقدميه على عتبة الباب لا يحنث إذا كان بحيث إذا أغلق الباب يكون خارجاً، أما إذا أغلق بحيث يكون داخلاً فإنه يحنث.
    ومن حلف ليأتينه غداً إن استطاع فإنه يلزم أن يذهب إليه إذا لم يمنعه مرض أو حاكم أو نسيان أو جنون، فإذا لم يمنعه كهذا فإنه يحنث إذا لم يذهب إليه، وإن حلف على امرأته أن لا تخرج إلا بإذنه أو بأمره أو بعلمه أو رضائه يحنث إذا خرجت بدون إذنه أو أمره أو على علم منه أو رضائه ويلزم لكل مرة إذن ويشترط أن يكون الإذن مفهوماً لها. وأن لا تقوم قرينة على أنه لا يريد الإذن؛ فإذا قال لها: اخرجي فإن خرجت يخزيك الله أو يكون جزاؤك العذاب فإنه يحنث إذا خرجت، وكذا إذا قال لها: اخرجي يريد تهديدها، ولو قال: اشتر حاجة من خارج المنزل فهو إذن لها بالخروج، ولو استأذنت في الخروج إلى منزل أمها فذهبت إلى بيت أخيها لا يحنث، ولا يشترط في رضائه علمها بذلك. بخلاف الإذن والأمر فلا بد أن تعلم وتسمع منه أو من رسوله، وإذا حلف لا يكلم فلاناً إلا بإذن فلان فإنه لا يحتاج إلى الإذن إلا مرة واحدة، كما إذا حلف على شخص ألا يخرج من منزله إلا بإذنه: فإنه لا يحتاج إلى الإذن إلا مرة واحدة، وإذا قال لامرأته: لا تخرجي حتى آذن لك أو إلا أن آذن لك فإنه يكفي فيه الإذن مرة واحدة إلا إذا قال إنه نوى التعدد فإنه يصدق قضاء لأنه شدد على نفسه.
    وإذا حلف لا يسكن في هذا المصر أو في هذه البلدة أو القرية فإنه يبر إذا خرج بنفسه فقط، ومحل ذلك إذا خرج ولم ينو العودة وإلافإنه يعد ساكناً، وإذا حلف لا يسكن مع فلان فساكنه في دار كل منهما في حجرة يحنث إلا أن تكون داراً كبيرة كالحارة فإنه لا يحنث، وإن تقاسما بحائط يفصل بينهما فإن كانت الدار معينة كأن قال: لا أسكن معك في هذه الدار يحنث، وإن كان غير معينة لا يحنث، وإذا حلف لا يسكن معه شهراً فسكن معه ساعة حنث، لأن المساكنة وإن كان مما يصح امتداده فتقدر بمدة ولكن لا تكون المدة قيداً لها لصدقها على القليل والكثير، بل تكون المدة قيداً لمنع نفسه عن المساكنة في الشهر، فإذا سكن ساعة منه حنث، أما إذا حلف لا يقيم معه شهراً كانت المدة قيداً للإقامة، فلا يحنث إلا إذا أقام الشهر كاملاً. وإذا حلف لا يخرج من هذا المكان فحمله غيره وأخرجه مكرها لا يحنث، وإن حمله وأخرجه بإذنه حنث.
    وإذا حلف ليسافرن فإنه إذا خرج ناوياً السفر وجاوز العمران إلى مكان بينه وبينه مدة السفر ولو رجع. ومن حلف لا تحضر امرأته عرس فلان فذهبت قبل العرس ومكثت حتى جاء العرس وانتهى فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يسكن هذه الدار أو الحارة فخرج وترك أهله ومتاعه، فإن كان ما تركه في الدار يمكن أن يسد حاجته المنزلية فإنه يحنث، أما إن ترك شيئاً يشيراًلا تقوم به السكنى فإنه لا يحنث، وهذا القول هو الذي عليه الفتوى، ولو كان ساكناً تبعاً لغيره كالولد مع والده فإنه يبر بخروجه وحده، وكذا إذا أبت الزوجة الخروج معه وغلبته فإنه يبر بخروجه وحده. ويعذر إذا لم يمكنه لخروج لخوف لص أو نحوه، فلا يحنث إذا أمكث لذلك. وكذا إذا أغلق الباب ولم يمكنه فتحه، أو اشتغل بطلب دار أخرى، أو بقي أياماً ينقل أمتعته فإنه لا يحنث ولو أمكنه أن يكتري دابة ينقل عليها متاعه.
    وإذا حلف لا يدخل دار فلان وله دور متعددة فدخل في أحدها وهي غير مسكونة ففي ذلك روايتان: الأولى أنه يحنث مطلقاً لأنه دخل داراً مملوكة له فهي منسوبة له وإن كان لا يسكنها. الثانية أنه لا يحلف إذا كانت مستأجرة لغيره، لأن الإضافة تبطل بالإجارة والتسليم كما تبطل بالبيع عند من يقول ذلك، أما إذا لم تكن مسكونة لغيره فإنه يحنث بالدخول فيها على أي حال، لأن إضافتها إليه باقية. وإذا حلف لا يدخل دار زيد فمات فدخلها بعد موته فإنه لا يحنث، لأنها انتقلت للورثة فلم تعد مملوكة له ولو كان عليها دين مستغرق لها على المفتى به، لأنها وإن بقيت حكم ملك الميت بالدين ولكن لم تكن مملوكة له من كل وجه. وإذا تهيأت امرأته للخروج كأن لبست الثياب المعدة له فقال: إن خرجت فأنت طالق، فرجعت وجلست حتى مضت ساعة ثم خرجت بعد ذلك فإنه لا يحنث، سواء غيرت هيئتها التي أرادت الخروج عليها كأن خلعت ثياب الخروج أو لم تغيرها. أما إذا كانت في دار أبيها فقال لها: إن لم تقومي وتذهبي إلى دارنا الساعة فأنت طالق، فقامت لساعتها ولبست ثياب الخروج وخرجت ثم رجعت وجلست حتى خرج الزوج فخرجت بعده إلى دارها فإنه لا يحنث.
    والفرق بين الحالتين: أن المحلوف عليه في الحالة الأولى عدم الخروج وهو ترك فيتحقق ضده وهو البقاء في المنزل على وجه الإعراض عنه، فإذا جلست معرضة عن الخرجة التي حلف عليها لا يحنث لتحقق عدم الخروج، سواء غيرت الهيئة أو لا، بخلاف الحالة الثانية؛ فإن المحلوف عليه فيها الذهاب إلى الدار وهو مثبت لا يتحقق إلا بفعله، والمطلوب منه الفعل إذا تهيأ له وجلس منتظراً له عازماً عليه لا يكون معرضاً عنه بل هو فاعل حكماً، لكن بشرط أن تبقى الهيئة الدالة له وجلس منتظراً له عازماً عليه لا يكون معرضاً عنه بل هو فاعل حكماً، لكن بشرط أن تبقى الهيئة الدالة على أنه في حكم الفاعل وأنه لم يعرض الفاعل؛ وإذاغير هيئته فقد أعرض عن الفعل ظاهراً.
    وهذه اليمين تسمى يمين الفور، ويقدر الفور بساعة، فأقسام اليمين من حيث فعل المحلوف عليه وعدمه ثلاثة: مؤبدة "وتسمى مطلقة" لفظاً ومعنى مؤقتة كذلك. ومؤبدة لفظاً مؤقتة معنى وهي عين الفور، فيتقيد بالحال بناء على أمر حالي كما مثل، أو تقع جواباً لكلام يتعلق بالحال كما إذا قال له شخص: تعالى تغد معي، فقال له: إن تغديت فامرأتي طالق، فلفظ هذا اليمينمطلق غير مؤقت بوقت، ولكن معناه مقيد بالحال، لأنه واقع في جواب تغدو معي فلا يحنث إلا إذا تغدى معه. أما إذا تغدى منفرداً فإنه لا يحنث، سواء أكل الطعام الذي دعاه إليه أو أكل غيره، إلا إذا قال له: تغد معي طعام كذا فحلف لا يتغدى فيه يحنث إذا أكل من ذلك الطعام المدعو إليه، وإن قال: والله لا أتغدى اليوم فإنه يحنث في هذه الحالة بمطلق التغدي لأنه زاد في كلامه على الجواب، فيكون مبتدئاً لليمين إلا إذا نوى غير ذلك فإنه يصدق ديانة.
    وإذا لم تقم قرينة على الفور كما تقدم في الأمثلة جعلت إذاً للفور وإن للتراخي، فإذا قال: إذا فعلت كذا فعلي كذا فإنه يلزمه الفعل فوراً فيحنث إذا أخره، بخلاف ما إذا قال: إن فعلت فإن الفعل يكون مطلقاً وقد ذكر هذا المثال هنا لمناسبة يمين الفور وإن كان محله في اليمين على الأكل.
    المالكية - قالوا: إذا حلف لا يدخل بيتاً يحنث بدخول الحمام وبيت القهوة والوكالة والحانوت، والفرن والمعصرة والمجبسة ما لم يجر العرف بتخصيص البيت ببيت السكن بالزوجات كما هو في عرف مصر الآن. وعلى هذا لا يحنث إلا إذا دخل بيت السكن. وإذا حلف لا يدخل على فلان بيتاً فدخل الحالف في دار جار له فإذا فلان المحلوف عليه في بيت جاره، فإنه يحنث ما لم تكن له نية أو ليمينه بساط كما تقدم. وإذا حلف لا يدخل على فلان بيته فدخل بيت جاره فوجده فيها فإنه يحنث، لأن بيت جاره يشبه بيته لما للجار على جاره من الحقوق. ويشمل البيت بيت الشعر ما لم ينو بيت البناء بخصوصه، أو يكون ليمينه بساط كأن رأى بيتاً ينهدم على أهله فحلف بيتاً فإنه يخص حينئذ ببيت البناء.
    وإذا حلف لا يدخل على فلان بيتاً فأدخل عليه السجن كرهاً فإنه يحنث إذا سجن عنده بحق، أما إذا أدخل عليه السجن ظلماً فإنه لا يحنث. وإذا حلف لا يدخل دار فلان وهو داخل واستمر داخلاً فإنه يحنث، لأن استمراره على ذلك كالدخول ابتداء، أما إذا حلف لا يدخلها وهو ماكث فيها فإنه لا يحنث بالاستمرار.
    وإذا حلف لا يركب دابة وهو راكبها، أو لا يلبس ثوباً وهو لابسه، أو لا يسكن داراً وهو ساكنها، فإنه يحنث بالاستمرار على الركوب واللبس والكسب مع إمكان الترك. وإذا كان مسافراً مسافة يومين مثلاً وقال: والله لأركبن هذه الدابة وهو راكبها فإنه لا يبر إلا إذا ركبها المسافة بتمامها، ولا يضر نزوله ليلاً ولا في أوقات الضرورات. وكذا إذا حلف ليلبسن هذا الثوب وكان لابسه فإنه لا يبر إذا لبسه المدة التي يظن اللبس فيها. وإذا حلف على زوجه لا تخرج إلا بإذنه فإذا قال: لا تخرجي إلا بإذني فإنه يحنث إلا إذا أذنها وعلمت بالإذن، وإذا قال: لا تخرجي إلا إن أذنت فلا يشترط علمها بالإذن، فإذا أذن وخرجت بدون أن تعلم فإنه لا يحنث، ولا بد من الإذن الصريح، فلو خرجت وعلم بخروجها ولم يمنعها لا يعد علمه إذنا.
    وإذا حلف لا يأذن لزوجه في الخروج إلا إلى بيت مثلاً فأذن لها في ذلك فزادت عليه بأن ذهبت إلى بيت غيره، سواء ذهبت إليه قبل ذهابها إلى بيت أبيها أو بعده، أو اقتصرت على الذهاب إلى بيت غيره، فإنه إذا لم يعلم بهذه الزيارة أو علم بعد أن زادت فإنه لا يحنث. أما إذا علم حال زيادتها ولم يمنعها فإنه يحنث، لأن علمه في هذه الحالة يعتبر كإذنه، بخلاف المسألة الأولى، فإن علمه بخروجها لا يعتبر إذناً لها. وذلك لأن اليمين هناك في جانب البر فيحتاط فيه، واليمين في هذه المسألة في جانب الحنث فتقع بأدنى سبب.
    وإذا حلف على زوجه لا تخرج إلا بإذنه فأذن لها بالخروج إلى بيت أبيها فزادت عليه وذهبت إلى بيت أختها فإنه يحنث، سواء علم بالزيادة أو لم يعلم على المعتمد.
    وإذا حلف لا يسكن هذه الدار وهي ملكه ثم باعها لشخص آخر وسكن فيها بالأجرة أو الإعارة إنه يحنث، إلا إذا نوى أنه لا يسكنها وهي في ملكه، فإنه لا يحنث بسكناها وهي في ملك غيره. وكذا إذا حلف لا يسكن دار فلان هذه فباعها لغيره فسكنها بعد أن اشتراها الغير فإنه يحنث إلا إذا نوى لا يسكنها ما دامت ملكاً له، فإنه لا يحنث إذا سكنها وهي ملك لغيره. وإنما يحنث في هاتين المسألتين لأنه أتى فيهما باسم الإشارة وهي تفيد التعيين، ولا يزول التعيين بانتقال الملك. أما إذا حلف لا يسكن دار فلان بدون اسم الإشارة ثم خرجت عن ملك فلان فإنه لا يحنث إذا سكنها إن لم ينوعينها فيعامل بنيته. وإذا حلف لا أدخل بدخوله، أما إذا بنيت بيتاً ثانياً فإنه يحنث بدخوله. وإذا مر بخرابها فإنه يحنث مطلقاً. وإذا حلف لا يدخل على فلان بيتاً فإنه لا يحنث إذا دخل عليه مسجداً، لأن المسجد مطلوب دخوله شرعاً فأصبح لذلكك كأنه غير مراد للحالف، وإذا حلف لا يدخل على فلان فدخل فلان عليه فإن الحالف لا يحنث ولو استمر جالساً معه، لأن الحالف لم يدخل عليه في هذه الحالة.
    وإذا حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكن فيها فإنه يجب عليه أن ينتقل منها. ويحنث إذا بقي فيها مع إمكان الانتقال ولو ليلاً، فإذا كان لا يمكنه الانتقال لخوف من ظالم أو سارق فإنه لا يحنث، أما البقاء لعدم وجوب بيت يناسبه، أو لأنه وجد بيتاً أجرته كثيرة فإنه ليس بعذر، بل يجب الانتقال ولو إلى بيت من شعر وإلا حنث. وإذا أقام يومين أو أكثر ينقل متاعه مع عدم التأني في النقل عادة فإنه لا يحنث. وكذا لا يحنث إذا بقي لعدم وجود من ينقل له متاعه، وإذا خرج منها فإنه يحنث إذا عاد للسكنى فيها ثانياً لأن حلفه بهذه الصيغة على العموم، أما إذا حلف لينتقلن من هذه الدار، فإنه يجوز له العود للدار بعد الانتقال منها بعد نصف شهر. وكذا إذا حلف لا بقيت في هذه الدار أو حلف لا أقمت في هذه الدار على المعتمد. وإذا حلف بهذه الصيغ فإنه لا يحنث بالبقاء في الدار إلا إذا قيد بزمن فيعامل بحسبه، لأنه إذا قال: والله لأفعلن كذ فإن يمينه تكون على التراخي لا على الفور على المشهور.
    وإذا حلف لا يساكن فلاناً في هذه الدار وكان ساكناً معه فيها لا يبر إلا إذا انتقل أحدهما انتقالاً تزول معه اسم المساكنة عرفاً أو أقاما بينهما جداراً سواء كان ذلك الجدار قوياً كأن كان مبنياً بحجر أو آخر "طوب" أو نحوهما أو كان ضعيفاً كأن كان من جريد، وأولى إذا قال: لا أساكنه في دار. وإذا حلف لا يساكنه وكانا بحارة فلا بد من الانتقال من هذه الحارة، سواء كانت يمينه مطلقة أو قال: لا أساكنه في هذه الحارة.
    وإذا حلف لا يساكنه في هذه البلدة فيجب أن يسكن في مسكن يبعد عنه مسافة فرسخ، وإذا قصد بيمينه "لا يساكنه" البعد عنه فإنه يحنث بزيارته، أما إذا كانت يمينه بسبب نزاع قام بين النساء أو الصبيان فإنه لا يحنث بزيارته ما لم تكثر عرفاً فإنه يحنث بكثرتها.
    وإذا خرج من دار حلف لا يسكن فيها وترك بعض متاعه مخزوناً فإنه يحنث، أما إذا حلف لا يسكن داراً فخزن فيها شيئاً فإنه لا يحنث لأن الخزن ليس بسكنى.
    الشافعية - قالوا: من حلف لا يسكن هذه الدار فمكث فيها بدون عذر حنث، ثم إن كان مستوطناً فيها يلزمه أن يخرج منها حالاً بنية التحويل عنها، وإن لم يكن مستوطناً كأن دخل متفرجاً فإنه يلزمه أن يخرج منها حالاً ولا يحتاج لنية. ومتى خرج على هذا الوجه لم يحنث، سواء كان متاعه وأهله بها أو لا. وإن مكث بعذر كجمع متاعه وإخراج أهله ولبس ثيابه وإغلاق أبوابه وخوفه على نفسه وماله، أو منعه أحد من الخروج فإنه لا يحنث بالمكث لذلك، إلا إذا وجد من ينيبه عنه بأجر المثل، ولا تشترط القدرة على الإنابة في الأمتعة التي يجب إخفاؤها عن الغير، فهذه لا يحنث بمكثه إلا إذا اشتغل عقب حلف ببناء حائل فلا يحنث بمكثه لذلك على الراجح. وإذا حلف لا يساكنه بدون أن ينوي موضعاً حنث في مساكنته في أي موضع، إلا إذا كان البيتان في خان ولو كان صغيراً واتحد المرقى وتلاصق البيتان، وإذا سكن كل منهما في حجرة منفردة المرافق كالمطبخ والمستحم والمرقى لا يحنث.
    وإذا حلف لا يدخل هذه الدار وهو موجود فيها، أو لا يخرج منها وهو خارجها أو لا يتطهر وهو متطهر، أو لا يتطيب وهو متطيب فإنه لا يحنث، لأن استدامة هذه الأشياء لا تسمى فعلاً في العرف. والضابط في ذلك أن المحلوف عليه إذا كان يمتد زمناً يقدر بمدة كالقيام والعقود والسكن والركوب واللبس والمشاركة ونحوها فإنه يحنث بفعل المحلوف عليه، لأن هذه الأمور تقدر بمدة فيقال: قمت ساعة، وقعدت يوماً، وسكنت شهراً، وشاركته سنة. أما إذا كان المحلوف عليه لا يمتد زمناً فلا يقدر بمدة كالدخول والخروج إلى آخر ما ذكر، فإنه لا يحنث بفعله. وكذا إذا حلف لا يصوم أو لا يصلي وهو صائم متلبس بالصلاة فإنه لا يحنث باستدامتها، لأنهما وإن كانا يقدران بمدة فيقال: صمت شهراً، وصليت يوما، ولكن العبرة في مثلهما بالنية وهي لا تقدر بمدة، وإذا حنث باستدامة شيء ثم حلف أن لا يفعله وهو شركه فإنه يحنث باستدامة الشركة. وإذا حلف لا يشارك أخاه في ملك هذه الدار ومات أبوهما فانتقل الملك لهما بالإرث فإنه يحنث إذا قدر على قسمتها ولم يقسمها، أما إذا لم يقدر فإنه لا يحنث لقيام العذر. وإذا حلف لا يدخل دار فلان فدخلها وهو لا يعرفها فإنه لا يحنث، كما إذا حلف لا يسلم على فلان ثم سلم عليه في الظلمة وهو لا يعرفه فإنه لا يحنث لما تقدم من أن شرط المؤاخذة على اليمين أن يفعل المحلوف عليه عالماً عامداً مختاراً.
    الحنابلة - قالوا: إذا حلف لا يدخل داراً فإنه يحنث إذا دخلها على أي حالة يحنث بدخولها ماشياً أو راكباً أو محمولاً، كما يحنث إذا ألقى بنفسه في ماء متصل بها فجره إلى الدخول، أو تسور حائطاً أو نقبه أو دخل من طاقة فيها أو من باب أو غير ذلك، وإنما يحنث بالدخول إذا كان مختاراً، أما إذا كان مكرهاً كأن حمل علىدخولها بالضرب أو أخذ ماله أو هدد بالقتل أو نحو ذلك فإنه لا يحنث لما تقدم من أن الشرط في الحنث عدم الإكراه. وإذا حمله شخص بغير إذنه وأدخله الدار فإن كان يمكنه الامتناع ولم يمتنع حنث وإلا فلا يحنث. وإذا زال الإكراه واستمر باقياً فإنه يحنث.
    وإذا حلف لا يسكن داراً وهو ساكنها، أو لا يسكن مع فلان وهو ساكن معه فإنه يحنث إذا لم يخرج في الحال، إلا إذا خاف على نفسه من الخروج فإنه يبقى إلى أن يمكنه الخروج، لأن إقامته لدفع الضرر فلا ينهى عنها. ويكون خروجه بحسب العادة فلا يلزم بالخروج ليلاً. وإذا كان له أهل أو متاع في تلك الدار فإنه يحنث إذا خرج بدونهما، فيلزم أن يخرج بنفسه وأهله ومتاعه إلا إذا كانت له امرأة فأبت أن تخرج معه ولا يمكنه إكراهها على الخروج، أو كان له أهل أبوا الخروج معه ولا يستطيع جبرهم عليه فإنه لا يحنث إذا خرج وحده، كما لا يحنث إذا أكره على المقام، أو حلف في جوف الليل في وقت لا يجد فيه مسكناً، أو تعذر عليه وجود مسكن بالأجرة أو أغلقت الأبواب دونه ولم يستطع فتحها فأقام ناوياً الانتقال فإنه لا يحنث، وكذا لا يحنث بالإقامة لنقل أهله ومتاعه متى شرع في النقل حسب العادة بدون إمهال ولو مكث ينقله أياماً ولا يلزم بالنقل وقت الاستراحة المعتادة ولا في أوقات الصلاة، وإذا زار المنزل لعيادة مريض ونحوه لا يحنث، لأن الزيارة ليست سكنى.
    وإذا حلف لا يسكن مع فلان ثم أقام لبناء حاجز بينهما فإنه يحنث، وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها وأقام كل منهما في حجرة فإنه لا يحنث، وكل ذلك إذا لم تكن له نية ولم يكن لليمين سبب يرجع إليه كما تقدم. وإذا حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرح وحده دون أهله فإنه لا يحنث، بخلاف ما إذا حلف لا يخرج من هذه الدار كما تقدم، وإذا خرج من البلدة فله أن يعود ولا يحنث.
    وإذا حلف لا يدخل داراً وهو داخلها فإنه يحنث، ونظير هذا ما إذا حلف لا يركب وهو راكب، أو لا يلبس وهو لابس. أو لا يقوم ولا يقعد، أو لا يستتر، أو لا يستقبل القبلة وهو متلبس بذلك فإنه يحنث باستدامة ما حلف عليه من هذه الأفعال، وكذا إذا حلف لا يمسك شيئاً فدام، أو لا يشاركه فدام على مشاركته فإنه يحنث لأن للاستدامة حكم الابتداء. وإذا حلف لا يدخل على فلان بيتاً فدخل فلان عليه فأقام الحالف معه فإنه يحنث، لأن استدامة المقام كابتدائه في التحريم إلا إذا كان للحاف نية أو ليمينه سبب فيعمل بهما كما تقدم.
    وإذا حلف لا يدخل بيتاً فدخل مسجداً أو دخل الكعبة أو دخل حماماً أو بيت شعر أو بيت جلد أو خيمة حنث، سواء كان الحالف حضرياً أو بدوياً. أما إذا دخل دهليز الدار أو صفتها التي تكون وراء الباب فإنه لا يحنث، لأن ذلك لا يسمى بيتاً إلا إذا كانت له نية أو ليمينه سبب فيعمل لهما.
    وإذا حلف لا يدخل دار فلان فدخل داراً يملكها سواه كان ساكناً فيها أو مؤجرها لغيره فإنه يحنث. وكذا يحنث إذا دخل داراً لا يملكها ولكنه مستأجرها من غيره، أما إذا كانت الدار مستعارة له فإنه لا يحنث بدخولها، لأن الاستعمارة لا تملك بالمنافع فلا تكون داره في هذه الحالة. وإذا حلف لا يدخل مسكنه فإنه يحنث بدخول كل محل ساكن فيه، سواء كان مستأجراً أو مستعاراً أو مقطوباً، ولا يحنث بدخول ملك لا يسكن فيه، وإذا حلف لا يدخل ملكه لا يحنث بدخول مكان مستأجر له. وإذا حلف لا يدخل داراً فدخل سطحها حنث. أما إذا وقف على حائطها أو على طاق الباب فإنه لا يحنث إلا إذا كان ليمينه سبب فإنه يقدم على عموم اللفظ، فإن كان سبب اليمين ترك أهل الدار وعدم رؤيتهم ومر على السطح لكونها طريقاً فإنه لا يحنث. وقد تقدم أن سبب اليمين يقدم على عموم اللفظ، وكذا إذا نوى بيمينه أنه لا يدخل باطن الدار فإنه لا يحنث بالمرور على سطحها، لأن النية تخصص اللفظ العام كما تقدم. وإذا حلف لا يضع قدمه في الدار أو لا يطؤها أو لا يدخلها فدخلها راكباً أو ماشياً فإنه يحنث كما تقدم) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #91
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 107 الى صــــــــ
    114
    الحلقة (91)

    [مبحث إذا حلف لا يكلمه ونحو ذلك]
    في هذا المبحث مسائل مفصلة في المذاهب(1) .


    (1) المالكية - قالوا: إذا حلف لا يكلمه الأيام أو الشهور أو السنين فإنه يحنث إذا كلمه أبداً في جميع ما يستقبل من الزمان. هذا إذا لم يتكن له نية، فإذا نوى زمناً معيناً يصح. أما إذا حلف لا يكلمه أياماً أو شهوراً أو سنيناً "بالتنكير" فإنه لا يكلمه ثلاثة منها ويبر، فإذا كلمه في أقل من ثلاثة شهور أو ثلاث سنين فإنه يحنث. وإن كان حلفه في اليوم نهاراً فإنه لا يحسب من الأيام المحلوف عليها ولا يكلمه فيه، وإن كان حلفه ليلاً فإن اليوم التالي لليل يحسب من الأيام وإذا حلف لأهجرن فلاناً ولم يقيد بزمن أو نبه فإنه يحمل على ثلاثة أيام، فإذا كلمه بعد ذلك لا يحنث لأن الهجر الشرعي لا يزيد عن ثلاثة أيام فيعمل به وهو الرجح، وبعضهم يقول: يهجره شهراً عملاً بالعرف القولي.
    وإذا حلف لا يكلمه حيناً يلزمه أن لا يكلمه سنة من يوم الحلف، وكذا إذا قال: لا يكلمه الحين "بالتعريف". وإذا حلف زماناً أو عصراً أو دهراً فإنه يلزمه أن لا يكلمه سنة أيضاً، هذا إذا اشتهر استعمال هذه الألفاظ في السنة عرفاً وإلا فيلزمه أقل ما يصدق عليه اللفظ في اللغة.
    وإذا حلف لا يكلمه الزمان أو العصر أو الدهر "بالتعريف" فإنه يلزمه أن لا يكلمه أبداً، وإذا حلف لا يكلمه أحياناً أو زماناً أو عصراً أو دهوراً لزمه أن لا يكلمه ثلاث سنين.
    وإذا حلف لا يكلم فلاناً فإنه يحنث بالكتابة له، لا فرق بين أن يكتب له الكتاب بنفسه أو يمليه على غيره أو يأمر غيره أن يكتب وبعد أن كتبه بأمره قرأه عليه ففهمه. ويشترط للحنث بالكتابة شرطان:
    الشرط الأول: أن يصل الكتاب المحلوف عليه سواء قرأه أو لم يقرأه. وبعضهم يقول: لا بد أن يقرأه المحلوف عليه بعد وصوله أو يقرأه عليه غيره. فإذا لم يصله فإن الحالف لا يحنث ولو كتبه عازما على إرساله له.
    الشرط الثاني: أن يصل الكتاب المحلوف عليه بإذن الحالف ولو حكماً، كما إذا علم بأن الرسول أخذ الكتاب وذهب به إلى المحلوف عليه فسكت، أما إذا كتبه وأعطاه الرسول ليوصله ثم نهاه بعد ذلك عن الذهاب به فعصاه وذهب به وأوصله للمحلوف عليه فإن الحالف لا يحنث، وكذا إذا كتبه ثم رماه راجعاً عنه فعثر عليه المحلوف فقرأه فإن الحالف لا يحنث، بخلاف ما إذا أراد أن يطلق زوجه فكتب صيغة الطلاق فإنه يقع بمجرد الكتابة عازماً عليه. والفرق بين الأمرين: أن الزوج يستقل بالطلاق فلا يحتاج إلى مخاطب ومشافهته، أما المكالمة فإنه لا يستقل لها الحالف لا يكلمه فأرسل رسولاً له بكلام منه فإنه يحنث إذا بلغ الرسول المحلوف عليه، فلو لم يبلغه الرسول لم يحنث ولو وصل الرسول المحلوف عليه، وإذا سمعه المحلوف عليه حين أمره بالذهاب فإن الحالف يحنث.
    وإذا نوى الحالف أنه لا يكلمه مشافهة يقبل قوله في الفتوى في مسألة الكتاب ومسألة الرسول فلا يحنث في الصورتين، سواء كان اليمين بالطلاق أو بغيره، أما في القضاء فإنه لا يسمع قوله في مسألة إرسال الكتاب إذا كان اليمين بالطلاق والعتاق.
    وإذا نوى الحالف أن لا يكلمه مشافة فقط فإن قوله يقبل في الإفتاء في المسألتين: مسالة إرسال الكتاب، ومسألة إرسال الرسول، فلا يحنث غلا إذا كلمه مشافهة سواء كان اليمين بالطلاق أو بغيره. وكذا يقبل قوله قضاء في مسألة إرسال الرسول، سواء كان باليمين بالطلاق أو بغيره، أما في مسألة الكتاب فإنه لا يقبل قوله قضاء.
    وإذا أرسل المحلوف عليه كتاباً للحالف فوصله وقرأه لميحنث على الأصوب، لأنه لم يكلمه في هذه الحالة، بل الذي كلمه المحلوف عليه، وإذا حلف لا يقرأ الكتاب أو حلف لا يقرأ فقرأ بقلبه بدون حركة لسان فإنه لا يحنث. وإذا حلف لا يكلمه فأشار إليه بإشارة يفهمها فقيل: لا يحنث بالإشارة مطلقاً وقيل: يحنث.
    وإذا حلف لا يكلمه فكلمه وكان بعيداً عنه بحيث لا يسمعه عادة فإنه لا يحنث. أما إذا كان قريباً بحيث يسمعه عادة فإنه يحنث وإن لم يسمع لعارض اشتغال أو نوم أو صمم بحيث لو زال المانع لسمعه عادة.
    وإذا حلف لا يكلمه فإنه يحنث إذا فتح عليه "أي أرشده للقراءة إذا وقف" وانسدت عليه طرقها،سواء كان في غير الصلاة أو فيها، ولو كان الفتح واجباً بأن كان المحلوف عليه إماما وفتح الحالف عليه في الفاتحة فإن الفتح على الإمام في هذه الحالة يجب كما تقدم في كتاب الصلاة، أما إذا حلف لا يكلمه فصلى المحلوف عليه بقوم من جملتهم الحالف فرد عليه السلام في الصلاة فإن الحالف لا يحنث. وكذا إذا صلى الحالف إماماً بجماعة منهم المحلوف عليه وسلم الإمام قاصداً التحلل من الصلاة على من خلفه، لا فرق بين أن تكون التسليمة التي قصد بها الإمام الجماعة التي من جملتهم المحلوف عليه على اليمين أو على اليسار. أما إذا سلم عليه خارج الصلاة فإنه يحنث لأنه كلام عرفاً والفرق بين الفتح عليه وهو في الصلاة والسلام عليه وهو فيها: أن الفتح في قوة قوله قل كذا، بخلاف السلام فإنه ليس فيه هذا المعنى.
    الحنفية - قالوا: إذا حلف لا يكلم فلاناً الحين أو الزمان كأن قال: والله لا أكلم فلاناً الحين أو الزمان "بالتعريف" أو حيناً أو زماناً بالتنكير فإنه يحنث إذا كلمه قبل مضي ستة أشهر من وقت اليمين فإذا مضت ستة أشهر وكلمه بعدها فإنه لا يحنث وهذا مثال النفي، ومثال الإثبات أن يقول: والله لأصومن الحين أو حيناً أو زماناً فإنه يحنث إذا صام أقل من ستة أشهر، ولا يشترط أن يكون ابتداؤها في المثال الثاني من وقت اليمين، بل له أن يعين ستة أشهر من أي وقت يريد، وإذا نوى بالحين والزمان معرفاً أو منكراً زمناً مخصوصاً فإنه يصدق لأنه نوى حقيقة كلامه، فإن الحين والزمان يطلق على قليل الزمن وكثيره.
    وإذا حلف لا يكلمه الدهر "بالتعريف" فإنه يلزمه أن لا يكلمه أبداً طول عمره وإلا حنث وإذاحلف لا يكلمه دهراً بالتنكير فإنه يكون كالحين يلزمه أن لا يكلمه ستة أشهر من وقت اليمين وإذا حلف لا يكلمه الأبد أو أبداً بالتعريف أو النكير فإنه يحنث إذا كلمه طول عمره. وإذا حلف لا يكلمه العمر بالتعريف فيلزمه أن لا يكلمه طول حياته وإلا حنث. وإذا حلف لا يكلمه عمراً بالتنكير فإنه يحنث إذا كلمه قبل مضي ستة أشهر على الظاهر كالحين، وكل ذلك ما لم تكن له نية، فإن نوى زمناً مخصوصاً فإنه يعمل بنيته. وإذا قال: والله لا أكلم فلاناً أياماً كثيرة أو قال: لا أكلمه الأيام أو الشهور أو السنين أو الجمع أو الأزمنة فإن يمينه تنصرف إلى عشرة من كل نوع، فيحنث إذا كلمه قبل مضي عشرة أيام أو عشرة شهور، أو عشر سنين، أو عشر جمع، بمعنى أنه يصوم يوم الجمعة من كل أسبوع حتى يتم صيامم عشرة أيام من أيام الجمع، وكذا إذا قال: الأزمنة، فإنه يحنث إذا كلمه قبل مضي خمس سنين لما علمت من كل زمن ستة أشهر عند عدم النية. ومثل الأزمنة الأحايين والدهور، فإن كل حين ستة أشهر، وكل دهر ستة أشهر كما تقدم.
    وإذا قال: أياماً بالتنكير ولم يصفها بالكثرة. أو شهرواً أو سنيناً أو أزمنة بالتنكير كذلك، فإنها تقع على ثلاثة من كل صنف منها. فإذا حلف لا يكلمه أياماً يحنث إذا كلمه لأقل من ثلاثة أيام. وإذا حلف لا يكلمه جمعاً فإنه يلزمه أن لا يكلمه ثلاثة أيام من أيام الجمع من وقت اليمين، وكذا إذا حلف لا يكلمه أشهراً فإنه يلزمه أن لا يكلمه مدة ثلاثة أشهر، وإذا حلف لا يكلمه أزمنة فإنه يحنث إذا كلمه لأقل من ثمانية عشر شهراً وهكذا. وهذا إذا لم تكن له نية وإلا عمل بنيته كما تقدم.
    وإذا حلف لا يكلم الرجال أو النساء أو الفقراء أو المساكين ونحو ذلك من كل جمع معرف بالألف واللام، فإنه يحنث إذا كلم واحداً ما لم ينو الجمع، فإذا نوى أنه لا يكلم جميع الرجال أو جميع النساء يصدق ديانة وقضاء ولا يحنث أبداً، وإذا حلف لا يكلم رجالاً أو نساء أو فقراء أو مساكين وهكذا من كل جمع غير معرف بالألف واللام فإنه يحنث إذا كلم ما يصدق عليه أقل الجمع وهو ثلاثة. وإذا نوى بالزيادة على الثلاثة فإنه يصدق قضاء وله أن ينوي الواحد لجواز إرادته بلفظ الجمع. أما نية الاثنين فلا تجوز. وإذا حلف لا يكلم أزواج فلان أو إخوته أو أصدقاءه أو لا يركب دوابه أو لا يلبس ثيابه وهكذا من كل جمع مضاف يمكن حصر ما بعده ونحوه فإنه ينقسم إلى قسمين: قسم يكتفي فيه بأقل الجمع فيحنث بثلاثة، وهو ما إذا حلف لا يركب دوابه أو لا يلبس ثيابه فإنه يحنث إذا ركب ثلاث دواب أو لبس ثلاثة ثياب إن كان لفلان أكثر من ثلاثة فإن كان أقل لا يحنث، وقسم لا بد فيه من الجميع وهو ما إذا حلف لا يكلم زوجات فلان أو أصدقاءه أو إخوته فإنه لا يحنث إلا إذا كلم الجميع. والفرق بين القسمين: أن الإضافة في الأول إضافة ملك. والدواب والثياب لا تقصد بالهجر، وإنما المقصود مالكها فتناولت اليمين أعياناً منسوبة للمسالك وقد ذكرها بلفظ الجمع وأقله ثلاثة. أما الإضافة في الثاني فهي إضافة تعريف فتعلقت اليمين بكل عين من الأعيان فلا يحنث إلا إذا كلم الجميع، والتحقيق أن هذا مخالف للعرف، وأن المعروف مقاطعة الجميع فيحنث إذا كلم واحداً من أصدقائه، أو واحدة من زوجاته أو ركب دابة من دوابه.
    وإذا حلف لا يكلم بني آدم أو أهل مصر أو هؤلاء القوم، وهكذا من كل جمع مضاف غير محصور فإنه يحنث إذا كلم واحداً فهو كالجمع المعرف بالألف واللام.
    وإذا حلف لا يكلمه غرة الشهر أو رأس فإنه يلزمه أن لا يكلمه أول ليلة من الشهر مع يومها، وأول الشهر ينصرف إلى ما دون النصف "أربعة عشر يوماً" وآخر الشهر ما فوق نصفه "من السادس عشر" فإذا حلف ليصومن آخر يوم من أول الشهر فإنه يلزمه أن يصوم الخامس عشر، وإذا حلف ليصومن أول يوم من آخر الشهر فإنه يلزمه أن يصوم السادس عشر، وإذا حلف لا يكلمه في الصيف أو في الشتاء فإن كان أهل بلده لهم حساب متعارف فيهما حمل عليه، وإلا فالشتاء ما يلبس فيه اللباس الثخين كالفرو "والشال" ونحوهما، والصيف ما يستغنى فيه عن ذلك.
    وإذا حلف لا يكلم فلاناً فإنه يحنث إذا كلمه أبداً حتى ولو نوى به يوماً أو يومين، أو لا يكلمه في مكان خاص فإن نيته هذه لا تنفعه لا ديانة ولا قضاء لأنه نوى تخصيص ما ليس بملفوظ، والنية لا تعمل في غير اللفظ كما تقدم.
    وإذا حلف لا يكلمه فناداه وهو نائم فإن أيقظه من نومه حنث، وإن لم يوقظه لم يحنث على المختار، وإذا ناداه وهو مستيقظ فإن كان بعيداً عنه بحيث لا يسمعه فإنه لا يحنث، وإن كان قريباً بحيث يسمعه إذا أصغى إليه بأذنه ولو لم يسمعه لعارض كأن كان مشغولاً أو به صمم، أما إذا لم يسمع مع شدة الإصغاء للبعد فإنه لا يحنث، كما لا يحنث إذا كلمه بكلام موصول باليمين كما إذا قال لامرأته إن كلمتك فأنت طالق فاخرجي من هنا فإنه لا يحنث، لأنه كلمها بقوله: اخرجي من هنا موصولاً باليمين ما لم يرد استئناف الكلام فإنه يحنث، كذا يحنث إن قال لها: إن كلمتك فأنت طالق، اخرجي من هنا لأنه كلمها بقوله: اخرجي من هنا مفصولاً.
    وإذا خاطب شيئاً وقصد إسماع المحلوف عليه فإنه لا يحنث، كما لو قال يا حائط اسمع أو أصغ إلا إذا قصد خطاب المحلوف عليه مع الحائط فإنه يحنث. ولو سلم على قوم هو فيهم فإنه يحنث إلا إذا لم يقصده فيصدق ديانة لا قضاء. وإذا سلم في الصلاة فإنه لا يحنث ولو كان المحلوف عليه على يساره، ولو سبح له سهواً وفتح عليه القراءة وهو مقتد فإنه لا يحنث؛ أما إذا فعل ذلك خارج الصلاة فإنه يحنث.
    وإذا حلف لا يكمل فكتب له كتاباً أو أرسل له رسولاً بكلام فإنه لا يحنث، لأن هذا ليس بكلام عرفاً والأيمان مبنية على العرف. وكذا إذا حلف لا يحدثه فالتحديث والكلام لا يكون إلا باللسان، وأما إذا حلف لا يقول له كذا فكتب له به أو أرسل له رسولاً ففي حنثه وعدمه خلاف. وإذا أشار إليه إشارة يفهمها فإنه لا يحنث فإنها ليست بكلام في العرف. وإذا حلف لا يخبره بكذا، أو لا يقر له به، أو لا يبشره، فكتب له فإنه يحنث، كما يحنث إذا قال له بلسانه أما إذا أشار له بيده أو برأسه فإنه لا يحنث، أما إذا حلف لا يفشي سر فلان أو لا يظهره. أو لا يعلم أحد بكذا فإنه يحنث فيه باللسان والكناية والإشارة.
    وإذا حلف لا يكلمه شهراً فإنه يلزمه أن لا يكلمه ثلاثين يوماً من يوم حلفه، لأن دلالة حاله وهي غيظه توجب الفور، بخلاف ما إذا حلف ليصومن شهراً فإنه يلزمه أن يصوم شهراً غير معين إذ لا موجب للصرف بخلاف يمينه إلى الصوم في الحال. أما إذا حلف لا يكلمه الشهر بالتعريف فإنه يلزمه أن لا يكلمه الأيام الباقية من الشهر، وكذلك السنة واليوم والليلة. وإذا حلف بالليل لا يكلمه يوماً فإنه يلزمه أن لا يكلمه فيما بقي من لليلة وفي الغد. وإذا حلف بالنهار لا يكلمه يوماً فإنه يلزمه أن لا يكلمه من ساعة حلفه إلى مثلها من اليوم التالي، أعني أربعة وعشرون ساعة، وإذا حلف لا يكلمه اليوم ولا غداً ولا بعد غد فله أن يكلمه ليلاً لأنها أيمان ثلاثة ولو لم يكرر النفي فهي واحدة. وإذا حلف لا يتكلم فقرأ القرآن أو سبح فإن كان في الصلاة فإنه لا يحنث اتفاقاً، وإن كان خارج الصلاة فالتحقيق أن المعول عليه في ذلك العرف؛ فإن كانت قراءة القرآن والتسبيح ونحو ذلك يسمى كلاماً في العرف فإنه يحنث، وإلا فلا يحنث وهو في عرف مصر ليس بكلام.
    وإذا حلف لا يكلم فلاناً فاقتدى الحالف بالمحلوف عليه فسها المحلوف عليه في الصلاة فسبح له الحالف فإنه لا يحنث. وكذا إذا كان الحالف مقتدياً والمحلوف عليه إماماً ففتح الحالف عليه "أرشده للقراءة بعد أن سدت طرقها فوقف" فإنه لا يحنث. وإذا صلى الحالف إماماً بجماعة فيهم المحلوف عليه فسلم في آخر الصلاة فإنه لا يحنث لا بالتسليمة ولا بالتسليمة الثانية على المختار. وكذا إذا صلى المحلوف عليه إماماً بجماعة فيهم الحالف، فإن الحالف لا يحنث بالتسليم من الصلاة رداً على المحلوف عليه، أما إذا سلم الحالف على قوم خارج الصلاة فيهم المحلوف عليه فإنه يحنث ولو لم يعلم به، وسواء سمعه المحلوف عليه أو لم يسمعه، وإذا استثناه بلسانه كأن قال إلا فلاناً فإنه لا يحنث، وإذا قال إلا واحداً فإنه لا يصدق إذا قال أردته، وكذا إذا نوى القوم دونه بقلبه فإنه يصدق ديانة لا قضاء.
    وإذا حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر إليه وفهمه بدون قراءة فإنه لا يحنث، وقيليحنث وهو الموافق للعرف، ولو قال: يوم أكلم فلاناً فأنت طالق فيلزمه أن لا يكلمه الليل والنهار، وإن نوى النهار فقط صدق ديانة وقضاء. ولو قال: ليلة أكلم فلاناً فأنت طالق فيلزمه أن لا يكلمه الليل فقط.
    وإذا قال إن كلمت فلاناً إلا أن يقدم أبوه فامرأتي طالق فإنها تطلق إن كلمه قبل قدوم أبيه. لأنه جعل القدوم غاية لعدم الكلام، فإن كلمه بعد القدوم لا يحنث، أما إذا قال: امرأتي طالق إلا أن يقدم فلاناً فإنها لا تطلق بقدومه، وذلك لأن كلمة "إلا" إن جعلت في المثال الأول غاية لعدم الكلام فكأنه قال: لا أكلمه إلى أن يقدم وهي وإن كانت للاستثناء إلا أنه يصح أن تستعار للغاية وللشرط، بجامع أن حكم كل واحد منها يخالف ما بعده، ومتى كانت الغاية فإنه يحنث إن فعل المحلوف عليه قبلها، ولا يحنث إن فعله بعدها. أما في المثال الثاني فهي للشرط لا للغاية، وذلك لأنها جعلت قيداً للطلاق فكأنه قال: يقع الطلاق ويستمر إلى أن يقدم فلان فإنه يرتفع. والطلاق لا يحتمل التأقيت فلذا لا تطلق بقدومه بل تطلق بموته.
    وإذا حلف لا يكلمه حتى يأذن له فلان فمات قبل الإذن فإن اليمين تسقط، والضابط في ذلك أنه إذا جعل الحالف ليمينه غاية ففاتت الغاية بموت ونحوه بطل اليمين، لما علمت من أن شرط بقاء اليمين المؤقتة أن يكون البر متصوراً.
    وإذا حلف لا يكلم فلاناً وفلاناً أو قال: كلام فلان وفلان علي حرام فإنه لا يحنث في المسألتين إلا إذا كلم الاثنين، فإذا كلم واحداً فإنه لا يحنث إلا إذا نوى كلام أحدهما فإنه يحنث بكلامه لأنه شدد على نفسه، أما إذا قال: والله لا أكلم فلاناً ولا فلاناً بإعادة "لا" فإنه يحنث لكلام أحدهما، كما إذا حلف بالطلاق لا يذوق طعاماً ولا شراباً فذاق أحدهما فإنه يحنث لأنه مع تكرار لا يكون بمنزلة يمينين، فإذا لم يكررها لا يحنث إلا إذا ذاق الاثنين.
    وإذا حلف لا يكلم إخوة فلان وهو يعتقد أن له إخوة متعددة وليس له إلا أخ واحد فإنه لا يحنث إذا كلمه، لأنه لم يرد الواحد فبقيت اليمين على الجمع، أما إذا كان يعلم أن له أخاً واحداً فإنه يحنث لكلامه، لأنه يكون قد ذكر الجمع واراد منه الواحد وهو يصح.
    وكذا إذا حلف لا يأكل من هذا الخبز إلا ثلاثة أرغفة وليس منه سوى رغيف واحد فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يكلم فلاناً ما دام في الدار وكان ساكناً فيها فخرج منها على وجه تبطل به السكنى ثم كلمه وعاد إليها ثانياً تنحل اليمين، فإذا كلمه بعد ذلك لا يحنث، وكذا إذا حلف لا يقرب امرأته ما دامت في دار كذا وكانت ساكنة فإنها إذا خرجت منها على وجه تبطل السكنى بأن نقلت متاعها ثم عادت إليها تنحل اليمين.
    ومثل كلمة "ما دام" ما زال وما كان، في أنها غاية تنتهي اليمين بها، ويلحق بها قول العامة: "طول ما أنت ساكن في كذا" وكذا إذا حلف لا يأكل هذا الطعام ما دام في ملك فلان فباع فلان بعضه فلا يحنث إذا أكل من الباقي، لأن شرط الحنث بقاء الكل في ملكه ولم يوجد وكذا إذا حلف لا يكلم عرسه أو صديقه، أو لا يدخل داره، فطلقها أو زالت الصداقة أو باع الدار فإنه يحنث في العرس والصديق إن أشار غليهما بأن قال: صديق فلان هذا أو عرس فلان هذه، لأن الصفة تلغو مع الإشارة عند الحلف فزوالها كعدمه كما تقدم، وأما إذا لم يشر إليهما بهذا فإنه لا يحنث بكلامها إذا تبدلت الصداقة عداوة أو طلقت العرس. وأما في الجار ونحوها من كل ما يملك كالدواب والثياب فإنه لا يحنث باستعمالها، سواء أشار غليها بهذه بأن قال: دار فلان هذه أو لم يشر بأن قال: دار فلان فإنه في حال الإشارة يكون قد عقد يمينه على أمر معين مضاف إلى فلان إضافة ملك، أي على عين مملوكة لفلان فلا تبقى اليمين إذا زال الملك. وفي حالة عدم الإشارة والتعيين يكون قد عقد يمينه على فعل "وهو الدخول" واقع في محل وهي الدار مضاف إلى فلان فيحنث ما دامت الإضافة باقية، ولا يحنث بعد زوالها.
    الحنفية - قالوا: إذا حلف لا يكلم فلاناً فكتب له كتاباً أو أرسل له رسولاً، فإن نوى بقوله لا يكلمه مشافهة بالكلام فإنه لا يحنث بالكتاب والرسول بلا خلاف، وإن لم ينو ذلك ففيه خلاف؛ فبعضهم يقول: إنه يحنث، وصحح بعضهم عدم الحنث بشرط أن لا ينوي ترك مراسلته أيضاً، أو كان ليمينه سبب يقتضي هجرة فإنه يحنث في هذه الحالة بالكتاب والرسول، أما الإشارة فقيل يحنث بها وقيل لا يحنث.
    وإذا حلف لا يكلم إنساناً حنث بكلام كل إنسان من ذكر وأنثى، وصغير وكبير، وعاقل ومجنون وإذا حلف لا يكلم زيداً أو لا يسلم عليه فإن زجره فقال له: تنح أو اسكت حنث إلا إذا نوى كلاماً غير هذا فلا يحنث به، وإن صلى الحالف بالمحلوف عليه إماماً ثم سلم الحالف من الصلاة فإنه لا يحنث وكذا إذا فتح الحالف عليه في الصلاة فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يكلم فلاناً فناداه فإن كان منه بمكان يمكنه أن يسمعه حنث ولو لم لعارض كشغل أو غفلة، وإن كان بعيداً عنه بحيث لا يسمعه لم يحنث.
    وإذا حلف لا يكلمه فسلم عليه فإنه يحنث، وإذا سلم على قوم فيهم ولم يعلم به، فإن كان يمينه بالطلاق أو العتق حنيث، وإن كان بغيره لا يحنث فهو في هذا كالناسي، أما إن كان عالماً به ولم ينو إخراجه بقوله أو يستثنه بلسانه كأن يقول: السلام عليكم إلا فلاناً فإنه يحنث، سواء كان اليمين بالطلاق أو بغيره. وإذا حلف لا يبتدئه بكلام فتكلما معاً لم يحنث، وإذا حلف لا يكلمه حيناً فإنه يلزمه أن لا يكلمه ستة أشهر إذا لم ينو غير ذلك وإلا عومل بنيته. وكذا إذا حلف لا يكلمه الزمان بالتعريف فإنه يلزمه أن لا يكلمه ستة أشهر كالحين؛ أما إن قال زمناً أو دهراً أو بعيداً أو ملياً أو طويلاً أو وقتاً أو عمراً أو حقباً بالتنكير في الجميع فإنه ينصرف إلى أقل زمان. وإن قال لا أكلمه الأبد أو الدهر أو العمر "بالتعريف" فإنه يلزمه أن لا يكلمه في جميع الأزمنة لأن الألف واللام للاستغراق فشمل الزمان كله.
    وإذا حلف لا يكلمه أشهراً لزمه أن لا يكلمه ثلاثة أشهر، وكذلك الأيام، وإذا قال لا أكلمه إلى الحول يلزمه أن لا يكلمه مدة حول كامل من ابتداء اليمين حتى ولو حلف في أثناء الحول.
    وإذا حلف لا يتكلم ثلاثة أيام شملت الليالي فيلزمه أن لا يتكلم ثلاثة أيام بلياليها، كما إذا حلف لا يتكلم ثلاث ليال فإنها تشمل الأيام التي بين الليالي.
    الشافعية - قالوا: إذا حلف لا يتكلم فإنه لا يحنث بما لا تبطل به الصلاة، كقراءة قرآن وذكر ودعاء غير محرم بشرط أن لا يشتمل على خطاب لغير الله ورسوله وإلا حنث، وإذا نطق بحرف غير مفهم فإنه لا يحنث لأنه لا تبطل به الصلاة، أما إذا نطق بحرف مفهم فإنه يحنث بشرط أن يسمع نفسه أو كان بحيث يسمع ولكنه لم يسمع لعارض، فإن لم يكن كذلك فإنه لا يحنث. وكذا يحنث إذا فتح على المصلي إذا قصد الفتح فقط أو لم يقصد شيئاً، فإن قصد التلاوة فقط أو قصد التلاوة مع الفتح فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يكلم فلاناً فسلم عليه فإنه يحنث بشرط أن يسمعه السلام، أو يكون منه بمكان يمكن أن يسمعه ولكن لم يسمعه لعارض، وبشرط أن يفهم ما يسمع ولو بوجه، وإذا سلم عليه من صلاة فإن قصده بالسلام حنث، أما إذا لم يقصده بل قصد الخروج من الصلاة أو لم يقصد شيئاً فإنه لا يحنث، كما لا يحنث إذا كتب له كتاباً أو أرسل له رسولاً أو أشار إليه بيد أو غيرها وإذا أفهمه مراده بقراءة آية فإنه لا يحنث إذا نوى القراءة وحدها، أو نوى القراءة مع الإعلام.
    وإذا حلف لا يكلم زوج فلان أو عبده فطلقت أو عتق فكلمه لا يحنث، وكذا إذا حلف لا يدخل داره فباعها كلها أو بعضها فدخلها فإنه لا يحنث، أما إذا نطق باسم الإشارة كأن قال: لا يكلم زوج فلان هذه أو لا يدخل دار فلان هذه، فإن نوى ما دام في ملكه أو ما دامت زوجه ثم طلقت الزوج طلاقاً بائناً لا رجعياً وبيعت الدار لازم بدون خيار فإنه لا يحنث، أما إذا لم ينو ذلك فإنه يحنث



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #92
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 114 الى صــــــــ
    126
    الحلقة (92)

    [مبحث إذا حلف ليضربن غلامه أو لا يبيع أو لا يشتري ونحو ذلك من العقود]

    في هذا المبحث مسائل مختلفة في المذاهب(1) .


    (1) المالكية - قالوا: إذا حلف ليضربن غلامه عشرين سوطاً مثلاً ثم جمع السواط وضربه بها مرة واحدة فإنه لا يبر بذلك، بل لا بد في البر من ضربه بالسوط العدد متفرقاً على العادة؛ ثم إن الضربة التي حصلت بها إن حصل منها إيلام المنفردة حسبت واحد، وإن لم يحصل منها إيلام كلإيلام المنفردة فلا تحسب.
    وإذاحلف لا يقبل زوجه فقبلته هي فإن استرخى لها حنث، وإنما يحنث إذا قبلته في فمه، أما إذا قبلته في خده فإنه لا يحنث، وإذا حلف عليها أن لا تقبله فقبلته حنث مطلقاً سواء استرخى لها أو لا، وسواء قبلته في الفم أو غيره، وإذا حلف لا يقبلها فقبلها حنث، سواء قبلها في الفم أو في غيره.
    وإذا كان له عند آخر حق فحلف أنه لا يفارقه أو قال: لا تفارقني حتى آخذ منك حقي، أو حتى أستوفي حقي أو أقبض حقي ففر منه قبل أخذ حقه منه فإنه يحنث، سواء فرط بأن لم يقبض عليه حتى فر، أو لم يفرط بأن فر منه كرهاً أو استغفالاً.
    وإذا أحاله على شخص آخر وقبل الحوالة فقيل إنه لا يجزئه بل يحنث حتى ولو قبض الحق بحضرة الغريم، ولكن هذا إذا لم يكن العرف على خلافه، والعرف في مصر على الاكتفاء بالحوالة في مثل هذا، ومعلوم أن الأيمان مبنية على العرف.
    وإن حلف أنه علم بالأمر الفلاني فإنه يخبر به فلاناً أو يعلمه به، فعلم به، ولم يعلم فلاناً حتى علمه فلان من غير الحالف، فإن الحالف يطلب منه أن يعلمه ولم يبر بإعلامه مشافهة أو برسول، أو كتاب، فإن فعل بر في يمينه، فإذا علم الحالف أن المحلوف له علم بالخبر من غيره فقيل: يكفي هذا في بره ولا يطلب بإعلامه لحصول المقصود، وقيل: لا يكفي.
    وإذا كان لشخص ثوب مرهون فطلب شخص استعارته منه فحلف له أن ليس لي ثوب؛ فإن كان لا يقدر على فك الرهن لعسره، أو لكون الدين مما لا يجعل فلا يحنث اتفاقاً، وإن كان يقدر على فك الرهن فإن نوى أنه لا ثوب له غير المرهون فإنه لا يحنث اتفاقاً أيضاً، وإن برق لا ثوب له تمكن إعارته فإن كانت قيمته قدر الدين فإنه لا يحنث أيضاً، وكذا إن كانت قيمته تريد على الدين فإنه لا يحنث على المعتمد.
    وإذا حلف لا يعير فلاناً ثوبه أو داره فإنه يحنث بالصدقة عله بهما وبكل ما ينفعه من إسكان أو وقف أو غير ذلك. وإذا نوى بيمينه خصوص العارية فإنه يقبل قوله عند المفتي مطلقاً ولا يقبل قوله قضاء في الطلاق والعتق المعين.
    وإذا كان الأمر بالعكس بأن حلف لا يتصدق على فلان أو لا يهبه شيئاً فأعاره وادعى أنه قصد الهبة والصدقة حقيقة لا عدم نفعه مطلقاً فإنه لا يحنث بالعارية، ويصدق عند القاضي حتى في الطلاق والعتق المعين، وكذا إذا حلف لا يتصدق عليه بكذا فوهبه إياه وادعى أنه قصد حقيقة الصدقة لا عدم نفعه، فإنه يصدق عليه بكذا فوهبه إياه وادعى أنه قصد حقيقة الصدقة لا عدم نفعه فإنه يصدق عند القاضي أيضاً حتى في الطلاق والعتق المعين.
    وإذا كان الأمر بالعكس بأن حلف لا يهبه شيئاً فتصدق عليه به وادعى أنه قصد خصوص الهبة فإنه لا يصدق عند القاضي في الطلاق والعتق المعين، أما عند المفتي فإنه يصدق في الجميع.
    وإذا حلف ليسافرن ولم يكن له نية ولا ليمينه بساط فإنه يلزمه أن يسافر مسافة القصر حملاً له على المعنى الشرعي، لأنه يقدم على الراجح كما تقدم. ويلزمه أن يمكث في المعنى اللغوي على المحل الذي انتهى سفره إليه نصف شهر بمعنى أنه لا يرجع إلى بلده الذي سافر منه أو إلى غيره مما ليس بينه مسافة القصر، فإن رجع قبل نصف شهر فإنه لا يبر، أما إذا استمر مسافراً نصف شهر بعد مسافة القصر فإنه يبر إذ لا تلزمه الإقامة ويندب له أن يكمل الشهر وكذا إذا حلف لينتقلن من هذه البلدة فإنه يلزمه أن ينتقل إلى بلد أخرى بشرط أن يكون بينهما مسافة القصر، فإذا انتقل إلى بلد دون مسافة القصر فإنه لا يبر، ويلزمه أن يمكث نصف شهر بعد الانتقال ويندب كمال الشهر. أما إذا حلف لينتقلن من هذه الدار أو من هذه الحارة، فإنه يكفي أن ينتقل إلى دار أخرى أو إلى حارة أخرى، ولا يشترط أن يكون بينهما مسافة قصر ويمكث نصف شهر ويندب أن يكمل الشهر. هذا إذا قصد إرهاب جاره أما إذا كره جواره فحلف فإنه يحنث إذا رجع في أي وقت.
    وإذا أطلق اليمين كأن حلف لينتقلن ولم يقل من البلد أو الحارة أو الدار ولم ينو واحداً منها ولم يكن ليمينه بساط يعين مراده، فإنه يلزمه أن يسافر مسافة القصر ولا يعود "بعد أن ينتهي في سفره إلى تلك المسافة" إلا بعد نصف شهر كما تقدم في المثال الأول وإلا فلا يبر.
    وإذا حلف ليقضين فلاناً حقه بعد عشرة أيام فلما مضت تسعة منها عمد الحالف إلى مال غيره فأخذه بدون عمله وأعطاه المحلوف به قضاء لحقه. فإن في هذه المسألة تفصيلاً: وذلك لأنه إما أن يعلم صاحب المال بذلك قبل انقضاء الأجل أو بعده، فإن علم قبل انتقضاء الأجل فإن الحالف لا يحنث، أما إن علم صاحب المال بعد العشرة الأيام ففيها أقوال أقربها إلى الصواب أنه يحنث مطلقاً سواء أجازرب المال فعله أو لم يجزه وأخذ ماله. وكذا إذا عمد الحالف إلى سلعة من غير جنس الدين يستحق بعضها والبعض الآخر مستحق لغيره فقضى بها دينه فإنه يحنث، ولو كان البعض الذي يستحقه يفي بالدين، لأن المحلوف له ما رضي إلا بالكل، فلما ذهب البعض انفض الرضا. وكذا إذا قضاه بشيء وجد فيه عيباً كأن أعطاه فضة فوجد فيها نحاساً أو رصاصاً ولم يرض صاحب الحق به، أما إن رضي فإنه لا يحنث ما لم ينقص في العداد أو في الوزن في المتعامل به مكيلاً كان أو موزناً فإنه في هذه الحالة يحنث ولو رضي صاحب الدين.
    وإذا حلف لا يضمنه فضمن وكيله ففي المسألة تفصيل، وذلك لأنه لا يخلو: إما أن يعلم بأنه وكيله أو لا، فإن علم بأنه وكيله فإنه يحنث إذا ضمنه في شيء اشتراه أو اقترضه للمحلوف عليه مطلقاً، سواء كان ذلك الوكيل قريب المحلوف عليه أو نسيبه أو صديقه أو لم يكن كذلك، وسواء علم الضامن بقرابته أو لم يعلم. أما إذا ضمن الوكيل في شيء اشتراه أو اقترضه لنفسه فإنه لا يحنث ولو علم بأنه وكيل وقت الضمان، وإذا لم يعلم بأنه وكيله وضمنه في شيء اشتراه للمحلوف عليه فإنه يحنث إذا كان الوكيل قريب المحلوف عليه أو نسيبه أو صديقه، فإذا لم يعلم بقرابته أو نسبه أو صداقته أيضاً فقيل يحنث وقيل لا يحنث. فإذا كانت يمينه بالطلاق ونحوه وادعى أنه لا يعلم صلته بالمحلوف عليه فإنه يصدق قضاء إن كانت تلك الصلة غير مشهورة على القول الثاني، فإن كانت مشهورة فلا يقبل قوله قضاء، أما في الفتوى فإنه يقبل قوله، سواء كانت الصلة مشهورة أو غير مشهورة.
    وإذا حلف لا ببيع من زيد شيئاً أو لا يتولى له بيعاً بسمسرة ونحوها فإنه يحنث إذا باع لوكيله أو تولى لوكيله بيعاً إن كان ذلك الوكيل قريباً أو صديقاً لزيد ولو لم يعلم بأنه وكيل؛ وفي عمله بالقرابة الخلاف المتقدم في المسألة الأولى، أما إن علم بأنه وكيله فإنه يحنث، سواء كان الوكيل قريباً أو لا.
    وإذا قال البائع للوكيل: حلفت أن لا يبيع من زيد شيئاً وأخاف أن تكون وكيله فقال الوكيل: البيع لي لا له، ثم ثبت بالبينة أنه لزيد فإنه يلزم البيع ويحنث الحالف ما لم يقل الحالف إن كنت تشتري له فلا بيع بيني وبينك، فإنه لا يحنث ولا يلزم البيع على المعتمد.
    وإذا أسر محمد حديثاً لعلي ثم استحلفه على كتمانه بحيث لا يخبر به أحداً ثم إن محمداً أسر حديثه لخالد أيضاً فذهب خالد لعلي وقال له الحديث فقال على ما أظن أن محمداً يسر هذا الحديث لغيري فإنه يحنث بهذه الكلمة، لأنها تكون كالإخبار ولو لم يقصد بها ذلك.
    وإذا حلف لا يكلم زوجه حتى تفعل كذا ثم قال لها عقب يمينه: اذهبي أو انصرفي فإنه يحنث ولا يتوقف الحنث على كلام آخر. أما إذا حلف لا يكلم فلاناً حتى يبدأه بالكلام فقال له: فلان لا أبالي بك فإنه لا يعتبر بهذه العبارة بادئاً بالكلام فيحنث إذا كلمه عقبها أن يبدأه بكلام آخر.
    وإذا حلف ليقضين فلاناً حقه في وقت كذا فباع له سلعة بيعاً فاسداً "متفق على فساده" وجعل الثمن في نظير الحق الذي عليه، ففي هذه المسألة تفصيل: وذلك لأنه إما أن يسلم السلعة لصاحب الدين ويفوتها في يده قبل حلول الأجل المحلوف إليه أو لا يفوتها، فإن فاتها قبل الأجل فإنه لا يحنث بشرط أن تكون قيمتها تفي بالدين، فإن كانت أقل يحنث إلا إذا كمل له بقية الأجل، وإن لم يتركها في يده قبل الأجل بأن لا يفوتها له أصلاً أو يفوتها بعد الأجل ففي هذا الخلاف.
    والذي اختاره بعضهم أنه يحنث إن كانت القيمة لا تفي بالدين، ولا يحنث إن كانت تفي به.
    وإذا حلف ليقضينه حقه في وقت كذا فوهبه رب الدين له وقبل الحالف الهبة، فإنه يحنث إذا مضى الأجل ولم يقض الدين. أما إذا دفع الدين قبل مضي الأجل فإنه لا يحنث على التحقيق، لأن مجرد قبول الهبة لا يوجب الحنث.
    وإذا حلف ليقضينه حقه في وقت كذا فقضاه عنه قريب له بدون إذنه، فإن علم بذلك قبل حلول الأجل ورضي به فإنه يبر، أما إذا لم يعمل قبل حلول الأجل حتى مضى الأجل ولم يقض فإنه يحنث، سواء دفع قريبه من مال الحالف أو من ماله ما لم يكن الدافع وكيلاً مفوضاً للحالف أو وكيلاً في قضاء الدين فإنه في هذه الحالة لا يحنث، أما إذا دفعه عن وكيل له في بيع أو شراء أو وكيل ضيعة وهو الذي يوكله في قبض خراج العقار أو في شراء نفقات المنزل من لحم وخضار وصابون ونحو ذلك، أو وكيل تقاضي "أي وكيل في خصومات القضاء" فإنه يحنث. وكذلك إذا تذكر أنه دفع الحق لصاحبه وأبرأه، أو شهدت الشهود عند القاضي بأن صاحب الحق قد أخذ حقه، فإنه يلزمه أن يدفعه قبل حلول الأجل ثم يأخذه ثانياً.
    وإذا حلف ليتزوجن فإنه لا يبر إذا تزوج امرأة لا تليق لمثله لدناءتها. كما إذا تزوج مومساً أو فقيرة وكان موسراً ولو دخل بها. وكذا إذا تزوجها بعقد نكاح فاسد يفسخ قبل الدخول بها أو بعده كنكاح الشغار والمتعة ونكاح المحرم، فإن قيد يمينه بأجل كأن قال: لأتزوجن في شهر كذا فإنه يحنث إذا فات الأجل ولم يتزوج بعقد صحيح على امرأة يشبه التي حلف ليتزوجن عليها قدراً ورفعة، ولا يشترط في بر اليمين أن يكون الزواج لرغبة فيه ونسب، بل يكفي ولو قصد مجرد إبراز اليمين.
    ومن حلف لا يكفل أحداً في مال فضمن شخصاً ضمان وجه "أي ذات الشخص" فإنه يحنث، وذلك لأنه يؤول إلى ضمانه في المال عند العجز عن إحضار شخصه، إلا إذا اشترط في الضمان عدم الغرم للمال إذا عجز عن إحضاره. فإنه في هذه الحالة لا يحنث، لأن هذا يكون ضمان طلب حينئذ وهو لا يحنث به في حلفه لا يكفل في مال. وإذا حلف لا أتكفل وأطلق أي لم يقل في مال أو غيره، فإنه يحنث بجميع أنواع الضمان وهي ضمان الغرم للمال، وضمان الوجه، وضمان الطلب، وإذا حلف لا يضمن زيداً فضمن وكيل زيد في شيء اشتراه الوكيل لزيد لا لنفسه فإنه يحنث.
    وإذا باع شخص سلعة لآخر ولم يقبض البائع الثمن من المشتري. ثم إن المشتري طلب من البائع أن يحط عنه شيئاً من الثمن فحلف البائع أن لا يترك مر حقه شيئاً فأعاد له السلعة المبيعة ثانياً فقبلها المشتري واقاله من البيع، فعلى القول بأن الإقالة رد للبيع الأول فإنه لا يحنث مطلقاً، سواء كانت قيمة السلعة حين الإقالة تساوي قيمتها حين البيع، أو كانت أقل من الثمن الذي باع به، لأن بساط يمينه إن ثبت لي حق فلا أضع شيئاً منه، وحيث انحل البيع وردت السلعة فلم يثبت للبائع حق عند المشتري فلا يحنث. أما على القول بأن الإقالة بيع فإنه لا يحنث إذا كانت قيمة السلعة حين الإقالة تساوي الثمن الذي بيعت به فأكثر تحقيقاً. أما إذا كانت أقل منه فإنه يحنث إلا أن يدفع له المشتري ما نقصه فإنه لا يحنث، لأنه ما ترك شيئاً من حقه حينئذ. ويشترط في عدم الحنث أن لا يدفع له الناقص على سبيل الهبة، فإن وهبه إياه فإنه يحنث.
    وإذا حلف بطلاق أو غيره ليقضينه حقه في وقت كذا إلا إذا أخر له إلى وقت آخر فمات صاحب الحق قبل أن يؤخر له، فإذا كان له وارث رشيد وأخره أجلاً ثانياً فإنه لا يحنث إذا لم يدفع عند الأجل الأول. أما إذا لم يؤخره الوارث الرشيد أجلاً آخر فإنه إذا لم يدفع في الموعد الذي ضربه للقضاء فإنه يحنث، ولا ينفع تأخيره الوارث إذا كان على الميت دين يستغرق التركة.
    وإذا حلف ليقضينه حقه في وقت كذا إلا إذا أخره مدة أخرى فمات صاحب الحق قبل أن يؤخره وترك ورثة صغاراً أو محجوراً عليهم لسفه أو جنون فأخره الوصي مدة أخرى فإنه لا يحنث، سواء أخره لمصلحة الصبي أو المحجور عليه، كأن خاف إنكار الدين، أو خاف خصام الحالف، أو أخره لغير ذلك. إلا أنه يحرم على الوصي أن يؤخره مدة أخرى من غير نظر إلى مصلحة الصغير أو المحجور عليه.
    ويشترط لعدم الحنث بتأخير الوصي أن لا يكون على الميت دين يستغرق التركة فإن كان عليه دين يستغرق التركة فالكلام لأصحاب الدين فيجوز لهم أن يؤخروا الدين عند الحالف مدة أخرى بشرط أن يبرئوا ذمة الميت من القدر الذي تأخر قبضه عند الحالف. فإن لم يفعلوا ذلك فإن تأخيرهم الدين عند الحالف لا يجزئه. ولو تركوا له المبلغ، ويشترط أيضاً أن يقع التأخير من جميع الغرماء؛ فإن أخر بعضهم دون بعض فإنه يجب التعجيل لمن لم يؤخره.
    الحنفية - قالوا: إذا حلف ليضربن غلامه مائة سوط ولا نية له فضربه ضرباً خفيفاً فإنه يبر بشرط أن يتألم المضروب، أما إذا لم يتألم فإن الحالف لا يبر، وإذا ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة فإنه يجزئه في المائة ويبر في يمينه بشرط أن تقع الشعبتان على بدن المضروب في كل مرة. وغذا جمع المائة سوط وسوى رؤوسها قبل الضرب وضربه بها ضربة واحدة بحيث يصيب بكل رأس منها بدن المضروب فإنه يبر. أما إذا ضربه بعرض الأسواط أو لم يسو الرؤوس فاندس بعضها في بعض فلم تصب الرؤوس جميعها بدنه فإنه لا يحسب إلا ما أصاب بدنه. وغذا حلف ليضربن بنته الصغيرة عشرين سوطاً فإنه يبر إذا جمع عشرين شمراخاً من "شماريخ" النخل وضربها بها مرة واحدة.
    وغذا حلف لا يضرب امرأته فقرصها أو عضها أو خنقها أو نتف شيئاً من شعرها فآلمها ذلك؛ فإن كان قد فعله على وجه الغضب فإنه يحنث، أما إن كان قد فعله على وجه الملاعبة فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف لا يضرب امرأته فضرب بنته فأصابت الضربة امرأته فإنه لا يحنث على المعتمد. وكذا إذا حلف لا يضربها فنفض ثوبه فأصاب وجهها فأوجعها فإنه لا يحنث. وإذا حلف ليضربن غلامه حتى يموت فإنه يبر إذا ضربه ضرباً شديداً، لأن مثل هذه اليمين تنصرف إلى المبالغة.
    وإذا أراد أن يضرب ولده فحلف أن لا يمنعه أحد فضربه خشبة أو خشبتين ثم منعه إنسان عن ضربه وهو يريد أن يضربه أكثر من ذلك فإنه يحنث.
    وإذا كان له عند شخص حق فحلف أن لا يفارقه حتى يقضيه حقه أو يستوفي ما عليه فلزمه بأن قعد منه مقعداً بحيث يراه ويحفظه ولو حال بينهما سترة أو عموداً من أعمدة المسجد، أو جلس أحدهما خارج الحانوت والآخر داخلها بحيث ينظر إليه ويراه فإنه يكون غير مفارق له، وإذا نام الطالب أو غفل أو شغله إنسان فهرب المطلوب فإنه لا يحنث. أما إذا فر منه ولم يمنعه مع القدرة عليه فإنه يحنث. وإذا حلف ليقبضن أو ليأخذن من فلان حقه فأخذه بنفسه أو قبضه وكيله بدلاً منه فإنه يبر، وإن نوى أن يقبض بنفسه فإن يعامل بنيته ويصدق في قوله ديانة وقضاء، وكذلك يبر إذا قبض حقه من وكيل المحلوف عليه، أو قبض من كفيل بالمال إذا قبضه بأمر المديون، وكذا إذا أحاله المديون على رجل فقبض منه حقه فإنه يبر في يمينه، أما إذا قبض من شخص غير المحلوف عليه، أو كانت الكفالة أو الحوالة بغير أمره فإنه يحنث وإذا غضب شيئاً يساوي حقه فإنه يبر.
    وإذا حلف ليقبضن حقه ولم يوقت بوقت ثم أبرأ المدين من المال أو وهبه إياه فإنه يحنث وإذا حلف ليقبضن حقه في وقت كذا ثم أبرأه قبل حلول الوقت، فإن اليمين تسقط ولا يحنث إذا جاء ذلك الوقت.
    وإذا حلف ليقضين حقه من فلان في وقت كذا ففعل فإنه لا يحنث ولو كان به عيب كأن أعطاه نقوداً مغشوشة غشاً لا يمنع التعامل بها فيقبلها التجار تساهلاً وتسمى "زيوفاً"، أو أعطاه نقوداً مغشوشة غشاً أكثر من الأولى بحيث لا يقبلها إلا المتساهلون من التجار وتسمى "بنهرجة" أما إذا أعطاه نقوداً مغشوشة غشاً شديداً وتسمى "ستوقة" أي ثلاث طبقات، الوجهان فضة، والوسط نحاس أو رصاص، فإنه يحنث لأنها ليست من جنس الدراهم.
    وكذا لا يحنث إذا أعطاه مالاً مستحقاً للغير بأن أثبت حقه، ومتى ثبت البر في الأحوال الثلاثة، وهي ما إذا قضاه بنهرجة، أو زيوفاً. وأعطاه مالاً مستحقاً للغير، فإن البر لا يرتفع برد النقود للمحلوف عليه ثانياً.
    وإذا حلف ليقضينه حقه في وقت كذا فباعه سلعة واحتسب له ثمنها في مقابلة حقه فإنه لا يحنث، سواء استلم الحالف السلعة أو لم يستلمها، وإذا هلكت قبل أن يستلمها الحالف انفسخ البيع وعاد الدين ولكن لا ينتقض بر اليمين. وإذا باع المحلوف عليه السلعة للحالف بيعاً فاسداً واستلمها الحالف، فإن كانت قيمتها تساوي الدين فإنه لا يحنث، وإلا حنث.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #93
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 114 الى صــــــــ
    126
    الحلقة (93)


    وإذا حلف ليقضين دين فلان بدون أن يوقت فوهب له الدائن دينه فإنه لا يبر، لأن القضاء فعل المديون، والهبة فعل الدائن؛ فلم يقع منه القضاء. أما إذا حلف ليقضين دينه غداً فوهب له الدائن الدين قبل الغد فإنه لا يحنث، لأن الدين المحلوف على سداده سقط بالهبة فسقطت اليمين، لأن فعل المحلوف عليه أصبح غير ممكن، وقد تقدم أن إمكان فعل المحلوف عليه شرط في بقاء اليمين منعقدة كما هو شرط في انعقادها ابتداء.
    وإذا حلف لا يبيع كذا أو لا يشتريه فأمر غيره ببيعه أو شرائه لا يحنث، سواء كان المأمور وكيلاً، أو قريباً، أو صديقاً. أو لم يكن كذلك، ويشمل البيع والشراء السلم، فإذا حلف لا يبيع حنطة فأسلم غليه شخص عشرين جنيهاً ثم عشرة "أرادب" من القمح، بمعنى أنه يعطيه العشرين جنيهاً عاجلاً على أن يستلم منه القمح بعد حصاده آجلا فإنه يحنث، لأنه قد باع القمح وإن لم يقبضه المشتري. وكذلك إذا حلف لا يشتري فأسلم في ثوب أو غلة بأن دفع ثمنها عاجلاً على أن يقبضها آجلاً فإنه يحنث. لأنه لا يصدق عليه أنه اشترى غايته أنه أجل القبض. أما الإقالة فإنها إن كانت بلفظ البيع فإنه يحنث، بها اتفاقاً فإذا حلف لا يشتري السلعة التي باعها فأقال المشتري منها بلفظ البيع بأن قال له: بعني تلك السلعة فإنه يحنث اتفاقاً. أما إذا كانت لفظ المفاسخة بأن يتفقا على فسخ البيع، أو بلفظ المشاركة بأن يترك المشتري السلعة للبائع وهذا يترك له ثمنها، أو تراد بأن يرد المشتري السلعة والبائع الثمن فإنها لا تدخل في البيع والشراء اتفاقاً. أما إذا كانت بلفظ الإقالة بأن قال له: أقلني بيع هذه السلعة، فقال: أقلتك، فقال: قبلت، فإن كانت السلعة لم تقل عن ثمنها الأول فإنه لا يحنث، أما إن نقصت عن ثمنها الأول قدراً أو جنساً فإنه يحنث وقيل: لا يحنث لأنها إقالة على كل حال.
    وإذا حلف لا يبيع أو لا يشتري فإنه يحنث بالفاسد منهما ولو لم يقبضه، كما يحنث بالبيع الذي فيه هذا الخيار للبائع أو للمشتري، وبالبيع بطريق الفضول، ولا يحنث بالبيع الباطل.
    هذا وقد ذكروا ضابطاً لما يحنث فيه بفعل وكيله وما لا يحنث.
    وهو أن كل عقد ترجع حقوقه المترتبة عليه على من يباشره ويستغني الوكيل فيه عن نسبته للموكل، فإن الحالف لا يحنث فيه بفعل مأموره، وذلك كالبيع والشراء، والإيجار والاستئجار والصلح عن مال، والقسمة، وقد اختلف في المخاصمة أو الجواب على الدعوى فإنها من العقود التي لا يحنث الأمر فيها بفعل مأموره كالبيع ونحوه، وقيل: إنه يحنث لأنها من العقود التي لا يستغني فيها عن ذكر الموكل، لأن الوكيل يقول: أدعي لموكلي. ولكن المفتى به أن الآمر لا يحنث بفعل مأموره في المخاصمة. ومثل هذه العقود الفعل الذي تقتصر أصل الفائدة فيه على محله، كما إذا حلف لا يضرب ولده فأمر وكيله بضربه فإنه لا يحنث، لأنه فائدة الضرب مقصورة على فائدة الولد وهي تأديبه، ولكنه لا يحنث في مثل هذا إذا لم يكن العرف على خلافه، فإن كان العرف على أن ضرب المأمور ينسب إلى الآمر كما يقول الأب لابنه: غداً أعطيك "علقة" ثم يذهب لمؤدبه فيضربه بأمره فينسب الضرب للأب، ويقال: إن الأب ضرب ابنه، فإنه في هذه الحالة إذا حلف لا يضرب ابنه فأمر مؤدبه بضربه فإنه يحنث، لأن ضرب المؤدب منسوب إليه، وكذلك سائر العقود المذكورة إن كان الحالف بها ذا سلطان لا يباشر بنفسه فإنه يحنث إذا فعلها بنفسه أو بوكيله عملاً بالعرف.
    فهذه هي العقود التي لا يحنث فيها الآمر بفعل المأمور.
    أما العقود التي لا ترجع حقوقها المترتبة عليها على من يباشرها بل ترجع على الآمر بها يحنث بفعل وكيله كما يحنث بفعل نفسه، وهي ما عدا العقود التي ذكرت آنفاً. ومنها النكاح فإن الحقوق المترتبة عليه ترجع للآمر، فهو الذي يطالب بالمهر والنفقة والقسم وكل حقوق الزوجية المترتبة على العقد، ولهذا ينسب الشخص المباشر إلى الآمر به فيقول: زوجت موكلي من فلانة ولا يحنث إلا بالعقد "الصحيح" أما الفساد فلا يحنث به مطلقاً.
    ومنها الاستقراض "وهو أن يطلب شخص من آخر قرضاً" فإذا حلف لا يستقرض شيئاً ثم أرسل إلى رجل رسولاً يستقرض له منه كذا من الدراهم فقال له: إن فلاناً يشتقرض منك كذا فإنه يحنث ولو لم يقرضه. أما إذا قال له الرسول: أقرضني كذا فإنه لا يكون استقراضاً بل يكون قرضاً للرسول، ولهذا يصح التوكيل في القرض وفي قبضه كأن يقول له: أقرضني كذا ثم يوكل عنه من يقضيه. أما الاستقراض فإنه لا يصح التوكيل فيه، بل يكون الرسول معبراً فقط، لأنه يقول للمرسل إليه: إن فلاناً يستقرض منك كذا فلا بد في الاستقراض من نسبته إلى الآمر. وإذا أقرضه يكون المال للمرسل، فإذا ضاع من الرسول كان المرسل ضامناً له بخلاف القرض، فإنه يكون ملكاً للوكيل وله أن يمنعه عن الأمر فلهذا يحنث في صورة الاستقراض لا في صورة القرض.
    ومنها الهبة، فإنه إذا حلف لا يهب لفلان كذا، أو حلف لا يهب هذا الشي بخصوصه، أو حلف لا يهب وأطلق فإنه يحنث إذا وهب بنفسه. أو وكل عنه من يهب. سواء قبل الموهوب له أو لم يقبل، قبض أو لم يقبض، وسواء كانت الهبة صحيحة أو لا، وكذا إذا حلف ليهبن لفلان كذا فوهبه إياه فإنه يبر وإن لم يقبل الموهوب. ويشترط في الحنث في المثال الأول والبر في المثال الثاني: أن يكون الموهوب له حاضراً، فلو وهب الحالف لغائب لا يحنث على أي حال. وإذا لف لا يهب هذا الشيء لفلان ثم وهبه له على عوض فإنه يحنث، أما إذا وكل أحداً فوهبه له على عوض فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف إن وهب لفلان كذا فعليه طلاق فوهب له فإنه يحنث وإن لم يقبل، لما علمت من أن قبول الموهوب ليس شرطاً في بر الحالف أو حنثه، بخلاف ما إذا حلف لا يبيع لفلان كذا فباعه فلم يقبل فإنه لا يحنث. وكذا إذا حلف ليبيعنه كذا فلم يقبل فإنه لا يحنث. والفرق أن الهبة عقد تبرع يتم بالمتبرع به فيكفي فيها الإيجاب، بخلاف البيع فإنه عقد معاوضة لا بد فيه من فعل الجانبين البائع والمشتري، فلا بد فيه من الإيجاب والقبول.
    ومنها الصدقة، فإنه إذا حلف لا يتصدق فإنه يحنث إذا تصدق بنفسه أو بوكيله، سواء قبل المتصدق عليه أو لم يقبل، قبض أو لم يقبض، وكذا إذا حلف لا يقبل صدقة فوكل من يقبضها له فإنه يحنث. وإذا حلف لا يتصدق فوهب لفقير فإنه يحنث؛ لأن العبرة بالمعنى ما لم ينو خصوص الهبة فإنه لا يحنث. وإذا حلف لا يهب فتصدق على غني فإنه لا يحنث، لأن الصدقة على الغني ليست هبة إذ لا يملك الرجوع.
    ومنها الطلاق، فلو حلف أن لا يطلق ثم وكل رجلاً بأن يطلق عنه فإنه يحنث، وإذا قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق. ثم حلف بعد ذلك أنه لا يحلف بالطلاق، ثم دخلت امرأته الدار فإنه يحنث في اليمين الأولى دون الثانية، أما إذا حلف أولاً أنه لا يحلف بالطلاق ثم قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار فإنه يحنث في اليمينين، ومنها قضاء الدين وقبضه، فلو حلف لا يقبض الدين من غريمه اليوم حنث بقبض وكيله، أما إذا وكله بقبضه قبل اليمين ثم حلف فقبضها الوكيل بعد اليمين فقيل يحنث، وقيل لا يحنث.
    ومنها الذيح، فلو حلف لا يذبح شاة في ملكه فأمر وكيله بذبحها فإنه يحنث. ومنها الإيداع والإعارة، فلو حلف لا يودع عند فلان شيئاً أو يعيره ففعل وكيله فإنه يحنث، ومنها الاستعارة، فإذا حلف لا يستعير من فلا ثم أرسل له رسولاً يستعير منه فقال له: إن فلاناً يستعير منك كذا فإنه يحنث.
    أما إذا قال: أعرني فإنه لا يحنث، لأن ملك المنفعة يقع له لا للآمر، فلا يحنث كما تقدم في الاستقراض.
    ومنها الكسوة، فإذا حلف لا يلبس شيئاً أو لا يكسوه، سواء ذكر معيناً أو أطلق فإنه يحنث بفعل وكيله، وليس التكفين من الكسوة، فإذا حلف لا يكسوه فكفنه فإنه لا يحنث ومنها الحمل، فإذا حلف لا يحمل لزيد متاعاً أو غيره فإنه يحنث إذا حمله وكيله. ومثل العقود والأفعال التي لا يباشرها الإنسان بنفسه. بل يأمر غيره بفعلها كالبناء والخياطة ونحوهما، فإذا حلف لا يبني هذا الحائط، أو لا يخيطن هذا الثوب، أو لا يختتن، أو لا يحلق رأسه، أو لا يقلع ضرسه فأمر غيره بفعلها فإنه يحنث.
    الشافعية - قالوا: إذا حلف ليضربنه فإنه يبر إذا ضربه بيده، سواء كانت مفتوحة أو مضمومة، أو دفعه ولو بغير اليد ونحو ذلك مما يسمى ضرباً، أما إذا عضه أو خنقه أو قرصه أو نتف شعره أو وضع سوطاً عليه بدون ضرب فإنه لا يبر، ولا يشترط الإيلام بالفعل، بل الشرط أن يكون الضرب شديداً في نفسه وإن لم يتألم المضروب لمانع كحائل ثخين فوق جسمه، أما الضرب الخفيف فإنه لا يؤلم لا بالفعل ولا بالقوة، فلا يبر به بخلاف الحد والتعزير فإنه يشترط فيهما الإيلام بالفعل وإذا حلف ليضربنه ضرباَ شديداً ونحوه فإنه لا يبر إلا إذا آلمه بالفعل، وكذلك إذا نوى الضرب الشديد فإنه لا يبر إلا إذا ضربه ضرباً مؤلماً بالفعل. وإذا حلف ليضربنه "علقة" فإنه يبر إذا ضربه ضرباً يسمى علقة في العرف على الظاهر، لأن الأيمان بغير الطلاق مبنية على العرف كما تقدم.
    وإذا حلف ليضربنه مائة سوط أو خشبة فجمع مائة سوط أو خشبة وشدها وضربه بها ضربة واحدة فإنه يبر. وإذا حلف ليضربن مائة خشبة فضربه بعرجون عليه مائة غصن فإنه يبر أما إذا حلف ليضربنه مائة سوط فضربه بعرجون عليه مائة غصن فإنه لا يبر، لأن العرجون ليس من جنس السوط. وإذا شك في إصابة الكل لبدنه فإنه يعمل بالظاهر وهو إصابة الكل ويبر كذا إذا ترجح عدم إصابة الكل فإنه يبر أيضاً على المعتمد. لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة والإحالة على السبب الظاهر وهو الضرب، فإنه سبب ظاهر في انكباس الأسواط على البدن، والانكباس أمارة على إصابة الكل فيبر، ولو ترجح عدم إصابة الكل، أما إذا حلف ليضربنه مائة مرة فجمع مائة سوط وضربه بها مرة واحدة فإنه لا يبر لأنه في هذه الحالة لم يضربه إلا مرة وقد حلف ليضربنه مائة مرة فلا يبر.
    وإذا حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه منه ثم فارقه الحالف فإنه يحنث بشرطين الأول أن يكون مختاراً، فإنه أكره على مفارقته فإنه لا يحنث، الثاني أن يكون ذاكراً لليمين، فإذا نسي فإنه لا يحنث. أما إذا فارقه غريمه فإنه لا يحنث، وإن أذن له أو تمكن من اتباعه لأنه إنما حلف على فعل نفسه فلا يحنث بفعل غيره، ويحنث الحالف بمفارقته لغريمه على أي حال، فلو كان ماشيين ووقف الغريم وتركه الحالف وذهب فإنه يحنث، أو وقف الحالف فتركه الغريم وذهب فلم يتبعه فإنه يحنث. وكذا إذا فارقه بسبب ظهور فلسه أو فارقه بعد أن أحاله على من يسد عنه، وكذا يحنث إذا أبرأه من الحق ولو لم يفارقه. وكذا يحنث إذا عوضه عن حقه شيئاً أو ضمنه ضامن إذا كان عالماً بأن هذا لا يصح، أما إذا ضمنه ضامن أو عوضه عن حقه فظن صحة ذلك جهلاً منه فإنه لا يحنث، وإذا استوفى
    حقه وفارقه فوجده غير جنسه، كأن وجده مغشوشاً أو نحاساً ولم يعلم به فإنه لا يحنث لعذره، أما إذا علم به فإنه يحنث وكذا لا يحنث إذا وجده رديئاً لأن الرداءة لا تمنع استيفاء الحق.
    وإذا حلف لا يفعل كذا كأن حلف لا يبيع أو لا يشتري أو لا يرهن أو لا يتصدق إلى غير ذلك فوكل غيره ففعله فإن الحالف لا يحنث، لأنه إنما حلف على فعل نفسه لا فعل وكيله ما لم ينو أنه لا يفعله لا بنفسه ولا يفعل وكيل عنه فإنه يحنث إذا فعله وكيله حينئذ. ويستثنى من ذلك ما إذا حلف لا بتزوج، فإنه يحنث إذا قبل الزواج لنفسه أو قبله له وكيله، لأن الوكيل في الزواج لا لنفسه ولا لغيره فإنه يحنث إذا قبله لغيره، وكذا إذا حلف لا يراجع مطلقته فوكل من راجعها فإنه يحنث على المعتمد. وكذا إذا حلفت المرأة لا تتزوج فأذنت لوليها في زواجها فزوجها فإنها تحنث، أما لو زوجها مجبرها بدون إذنها فإنها لا تحنث.
    وإذا حلف لا يهب فإنه يحنث بالهدية وصدقة التطوع، وذلك لأن الهبة تطلق على معنيين: أحدهما عام يشمل الصدقة والهدية والهبة ذات الأركان "وهو تمليك عين تطوعاً حال الحياة، ثانيهما خاص بالهبة ذات الأركان، فلا يشمل الهدية والصدقة وهو "تمليك تطوع في حياة لا من أجل إكرام ولا من أجل ثواب أو احتياج بإيجاب وقبول" وهذا هو معنى الهبة ذات الأركان فإذا حلف لا يهب فتصدق أو أهدى فإنه يحنث نظراً لكون الهبة تطلق على الصدقة، أما إذا حلف لا يتصدق فوهب أو أهدى فإنه لا يحنث، لأن الصدقة لا تطلق على الهبة ذات الركان ولا على الهدية، ولهذا حلتا للنبي صلى الله عليه وسلم دون الصدقة.
    وإذا حلف لا يهب له فأعاره، أو وقف عليه فإنه لا يحنث، لأن الإعارة والوقف لا تمليك فيهما وكذلك الضيافة فإنه لا تمليك فيها فلا يحنث بها. وكذلك لا يحنث إذا وهب له عيناً ولم يقبضه الموهوب له لأنه وإن ملكه لكن الملك لم يكن تاماً وهو شرط في الحنث. وكذلك لا يحنث إذا ملكه ملكاً تاماً ولكن لم يكن تطوعاً، كما إذا ملكه زكاة ماله أو النذر أو الكفارة. وكذلك لا يحنث إذا أوصى له، لأنه وإن ملكه ملكاً تاماً ولكنه لم يكن حال الحياة بل بعد الموت. وإذا حلف لا يشتري أو لا يأكل طعاماً اشتراه زيد فإنه يحنث بما اشتراه زيد وحده. أما إذا اشتراه مع شريط له فإنه لا يحنث بالأكل منه، ولا فرق بين أن يشتريه سلماً بأن يدفع الثمن عاجلاً ويؤخر قبض الطعام، وبين أن يشتريه تولية بأن يأخذه برأس ماله بدون زيادة ربح، أو أن يشتريه مرابحة بأن يأخذه بربح معين لأنها من أنواع الشراء. وكذلك لا يحنث بالأكل مما اشتراه وكيله.
    وإذا حلف لا يدخل داراً اشتراها زيد فإنه لا يحنث إذا دخل داراً أخذها بشفعة الجوار بعد حكم الحنفي له بها، أو أخذ بعضها بشفعة وباقيها بشراء، لأن ذلك لا يسمى شراء عرفاً.
    الحنابلة - قالوا: إذا حلف ليضربنه مائة سوط أو مائة عصا، أو حلف ليضربنه مائة ضربة أو مائة مرة فجمع المائة وضربه بها ضربة واحدة لميبر، وإنما يبر إذا ضربه مائة ضربة مؤلمة. أما إذا قال:لأضربنه بمائة سوط وأتى بالباء ثم جمع المائة وضربه بها مرة واحدة فإنه يبر لأنه يكون ضربه بمائة سوط في هذه الحالة.
    وإذا حلف ليضربن امرأته فخنقها أو عضها أو قرصها أو نتف شعرها، فإن فعل ذلك مداعبة وتلذذاً فإنه لا يحنث وأما إذا فعله تأليماً فإنه يحنث. وإذا حلف لا يكفل فلاناً في مال فكفله ببدنه، فإن شرط البراءة عن المال إن عجز عن إحضاره فإنه لا يحنث. أما إذا لم يشترط البراءة عند العجز عن إحضاره فإنه يحنث، لأنه يضمن ما عليه إذا عجز عن إحضاره فترجع المسألة إلى الكفالة في المال، وقد حلف أن لا يكفل في المال، وإذا حلف من عليه حق لزيد ليقضينه حقه فأبرأه زيد فإنه يبر. وإذا مات زيد فقضى الحالف ورثته فإنه يبر، لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه. وإذا حلف ليقضينه غداً فأبرأه اليوم أو أبرأه قبل مضي الغد فإنه لا يحنث. وكذا إذا مات صاحب الحق فقضاه الحالف لورثته فإنه لا يحنث. وإذا حلف لا يفارق زيداً حتى يستوفي حقه منه فهرب زيد من الحالف بغير اختياره أو فارقه الحالف مكرهاً كأن هدد بالضرب ونحوه فإنه لا يحنث. وكذا إذا قضاه بدل حقه عرض تجارة ونحوه فإنه لا يحنث أما إذا فارقه باختياره كأن هرب منه وهو متمكن من ملازمته والمشي معه فإنه يحنث، سواء أبرأه من الحق أو لا. وكذا إذا أذن له في مفارقته فإنه يحنث. وإذا أحاله المدين على حكمه كحكم الناسي، فيحنث في الحلف بالطلاق والعتاق. ولا يحنث في اليمين بالله والنذر. وإذا وكل الحالف أحداً عنه أن لا يفارق زيداً حتى يستوفي حقه ففارقه المدين قبل أن يستوفي الوكيل منه حقه حنث. وإذا حلف لا افترقنا حتى أستوفي حقي فأكرههما غيرهما على الافتراق، أو أكره أحدهما فإنه لا يحنث، أما إذا افترقا باختيار الحالف فإنه يحنث.
    وإذا حلف لا يشتري هذا الجمل فشارك فيه بأن اشترى بعضه بقسط من الثمن فإنه يحنث، وكذلك إذا اشتراه بثمنه الأصلي بدون أن يعطي البائع ربحاً، واشتراه سلماً بأن دفع الثمن عاجلاً على أن يقبض المبيع فإنه يحنث وإذا حلف لا يبيع فباع بيعاً فاسداً فإنه لا يحنث. أما إذا حلف لا يبيع ما لا يصح بيعه، كما إذا حلف لا يبيع الخمر فباعها فإنه يحنث. وكذا إذا حلف لا يزوج فلاناً فزوجه زواجاً فاسداً فإنه لا يحنث، أما إذا حلف لا يحج فحج حجاً فاسداً فإنه يحنث كما تقدم. وإذا حلف لا يبيع فباع بيعاً فيه الخيار فإنه يحنث لأنه بيع شرعي، وإذا حلف لا أبيع كذا فباعه لرجل فلم يقبل فإنه لا يحنث، وكذا إذا حلف لا أزوج فلاناً فزوجه فلم يقبل فإنه لا يحنث.
    وكذا إذا حلف لا أؤجر هذا المنزل فأوجره لآخر فلم يقبل فإنه لا يحنث. أما إذا حلف لا يهب لزيد شيئاً ولا يوصي له ولا يتصدق عليه، أو حلف لا يعيره شيئاً ثم وهب له، أو أوصى أو تصدق أو أهدى أو أعاره ولم يقبل زيد فإن الحالف يحنث.
    وإذا حلف لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث، وإذا حلف لا يهبه شيئاً فأسقط عنه ديناً أو أعطاه من نذره أو كفارته أو صدقته الواجبة، أو أعاره أو أوصى له فإنه لا يحنث. أما إذا تصدق عليه صدقة تطوع فإنه يحنث، لأن صدقة التطوع من أنواع الهبة، وكذا إذا أهدى له أو وقف عليه فإنه يحنث. وكذلك إذا باع له شيئاً وحاباه في ثمنه، أو وهب له بعض الثمن فإنه يحنث، وإذا حلف لا يتصدق فأطعم عياله فإنه لا يحنث.
    وإذا حلف ليتزوجن فإنه يبر بعقد نكاح صحيح لا فاسد. وإذا حلف ليتزوجن على امرأته "ولا نية له ولا سبب ليمينه" فإنه لا يبر إلا بدخوله بنظيرتها أو بمن تتأذى بها وتغمها، فإن تزوج عجوزاً زنجية فإنه لم يبر.
    وإذا حلف لا أفارقك حتى أوفيك حقك وكان الحق ديناً فأبرأه صاحب الدين فإنه لا يحنث، أما إذا كان الحق عيناً من وديعة وعارية ونحوها فإنه إذا وهبها له مالكها منه فقبلها يحنث، لأن البر فاته باختياره لتوقفه على قبوله، لأنه إذا لم يقبل لا يحنث. وإذا قبضها مالكها منه ثم وهبها إياه فإنه لا يحنث. وإذا كانت يمينه لا أفارقك ولك في قبلي حق فأبرأه صاحب الدين أو وهب له العين، أو أحاله المدين بدينه فإنه لا يحنث، وما نواه بيمينه في ذلك مما يحتمله لفظه فهو على ما نواه. وإذا حلف لا يباشر لزيد بيع شيء فوكل زيد رجلاً غير الحالف في أن يباشر له بيع فرسه فأعطاها الوكيل للحالف ليباشر بيعها بدون أن يعلمه بأنها لزيد فباعها فإنه لا يحنث إلا في اليمين بالطلاق والعتاق. وإذا حلف لا يشتري شيئاً اشتراه زيد، فاشترى زيد سلعة بالشركة مع عمرو فإن الحالف يحنث بشرائها إلا إذا نوى أن لا يشتري ما انفرد زيد بشرائه فإنه يعمل بنيته وإذا حلف لا يأكل شيئاً مما اشتراه زيد فاشترى غير زيد وخلطه به ثم أكل الحالف منه، فإن كان القدر الذي أكله قدر ما اشتراه الآخر أو أقل منه فإنه لا يحنث. أما إذا كان أكثر فإنه يحنث. وإذا حلف لا يأكل مما اشتراه زيد فاشترى زيد من الحالف شيئاً مأكولاً كتمر أو زبيب ونحوهما ثم اقاله الحالف من الشراء وأكل منه لا يحنث، لأن الإقالة فسخ يبطل بها الشراء وإذا اشتراه زيد لغيره بوكالة ونحوها ثم أكل منه الحالف فإنه يحنث. وكذا إذا اشتراه زيد ثم باعه لغير الحالف فأكل منه الحالف بعد بيعه فإنه يحنث.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #94
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب اليمين]
    صـــــ 127 الى صــــــــ
    133
    الحلقة (94)

    [مباحث النذر]
    [تعريفه]
    النذر هو أن يوجب المكلف على نفسه أمراً لم يلزمه به الشارع.
    [حكمه ودليله]
    وحكمه وجوب الوفاء به متى كان صحيحاً مستكملاً للشرائط الآتي بيانها لقول الله تعالى: {وليوفوا نذورهم} وقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" وهذا الحكم إنما هو بعد وقوعه، لأن الناذر قد أوجبه على نفسه، أما الإقدام عليه قبل وقوعه ففي جوازه تفصيل في المذاهب (1)
    .ولا بد للناذر من أن ينذر لله تعالى، فلا يحل النذر لولي ولا لمقرب وإن وقع يكون باطلاً.
    [أقسام النذر]
    ينقسم النذر إلى أقسام في المذاهب(2) .

    (1) الحنابلة - قالوا: النذر مكروه ولو عبادة لنهيه عليه اصلاة والسلام عنه وقال: "إنه لم يأت بخير". وإنما يستخرد به من البخيل، والنذر لا يرد قضاء ولا يملك الناذر به شيئاً جديداً ولا يرفع واقعاً، فإذا وقع منه وجب الوفاء به على التفصيل الآتي.
    المالكية - قالوا: النذر المطلق مندوب وهو ما أوجبه على نفسه سكراً لله تعالى على ما حصل ووقع فعلاً من نعمة أو دفع نقمة كمن نجاه الله من كربة أو شفى مريضه أو رزقه مالاً أو علماً فنذر لله قربة يفعلها شكراً، فالإقدام على مثل هذا النذر مندوب والوفاء به فرض لازم. أما النذر المعلق وهو أن ينذر قربة معلقاً على شيء في المستقبل محبوب وليس للعبد فيه مدخل كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي كذا فاختلف فيه؛ فبعضهم يقول بالكراهة وبعضهم يقول بالجواز، ومحل هذا فيمن لا يعتقد أن مثل هذا النذر نافع في حصول غرضه، وغلا كان محرماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قضاء الله شيئاً" ورواه مسلم، والناذر الذي يعتقد أن نذره ينفع يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا ينفع فإذا وقع يجب الوفاء به وإذا علق النظر على أمر من فعل العبد كقوله: إن فعلت كذا فعلي كذا فإنه مكروه بلا خلاف وكذا إذا نذر نذراً مكروهاً كأن نذر أن يصوم كل يوم فإنه يثقل على النفس فعله فيكره ويجب الوفاء بهما بعد وقوعهما على أي حال. أما نذر ما لا طاقة له به فهو حرام.
    الحنفية - قالوا: النذر الصحيح المستكمل للشروط الآتية قربة مشروعة، أما كونه قربة فلما يلازمه من القرب كالصلاة والصوم والحج ونحوهما، وأما كونه مشروعاً فللأوامر الواردة بإيفائه.
    الشافعية - قالوا: الإقدام على النذر قربة في نذر التبرر، لأنه مناجاه لله تعالى، ولذلك لا يصح من الكافر. مكروه في نذر اللجاج لورود النهي عنه في قوله النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ولا تنذروا فإن النذر لا يرد قضاء" وسيأتي بيان نذر التبرر واللجاج في الأقسام الآتية

    (1) الشافعية - قالوا: ينقسم النذر إلى قسمين: الأول نذر التبرر وهو ما يقصد الناذر به فعل قربة من صلاة أو صيام ونحو ذلك، فالتبرر مأخوذ من البر، لأن الناذر يطلب به البر والتقرب إلى الله تعالى وينقسم نذر التبرر إلى قسمين:
    أحدهما أن يعلق النذر على حصول شيء مرغوب فيه كقوله: إن شفى الله مرضي فلله عليّ أن أصوم أو أصلّي، ويسمى هذا القسم نذر المجازاة لأنه وقع في نظير جزاء. ثانيهما: أن لا يعلق النذر على شيء كأن يقول ابتداء: فلله عليّ أن أصوم أو أصلي.
    الثاني: نذر اللجاج.
    فأما نذر اللجاج "وهو الخصام" فإنه يقع غالباً حال المخاصمة والغضب، فينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    أحدها أن يقصد به المنع عن شيء كقوله: إن كلمت فلاناً فلله علي كذا. يريد بذلك منع نفسه من كلام فلان، ومثله ما أراد منع غيره كقوله: إن فعل فلان كذا فلله علي كذا يريد بذلك منعه عن عمل. ثانيهما أن يقصد به الحنث على فعل أمر كقوله لنفسه: إن لم أدخل الدار فللَّه عليّ كذا أو حث غيره كقوله:
    إن لم يفعل فلان كذا فلله علي كذا، ثالثها أن يقصد به تحقيق خبر من الأخبار كقوله: إن لم يكن الأمر كما قلت أو قال فلان فللَّه عليّ كذا. فأقسام النذر خمسة: اثنان في نذر التبرر، وثلاثة في نذر اللجاج.
    فأما نذر التبرر فيفترض وفاءه بقسميه، وعلى الناذر أن يفعل ما التزمه عيناً لكن على التراخي إن لم يقيده بوقت معين في النذر غير المعلق، وأما في النذر المعلق فإنه يجب الوفاء به عند وجود المعلق عليه على التراخي لا على الفور أيضاً، ويشترط لصحة نذر التبرر شروط: منها ما يتعلق بالناذر وهي الإسلام فلا يصح من الكافر، لأنه مناجاة لله فأشبه العبادة، بخلاف نذر اللجاج فإنه لا يشترط فيه الإسلام والاختيار فلا يصح من المكره، وأن يكون نافذ التصرف فيما ينذر، فلا يصح من غيره كالصبي والمجنون بخلاف السكران فإنه نذره صحيح، ومثل الصبي والمجنون المحجور عليه لسفه، فإنه إذا نذر مالاً فإنه لا يصح. أما إذا نذر قربة بدنية كصلاة وصوم فإنها تصح، وكذلك المحجور عليه بفلس فإنه لا يصح نذره في القرب المالية العينية، أما القرب المالية التي في الذمة فإنه يصح نذره فيها.
    ومنها ما يتعلق بالمنذور فيشترط فيه كونه قربة لم تتعين بأصل الشرع، سواء كانت نفلاً أو فرض كفاية، فالأولى كقراءة سورة معينة وطول قراءة صلاة، والثانية كصلاة جنازة وجماعة في الفرائض.
    وكذا في النوافل التي تسن فيها الجماعة، فإن نذر هذه الأشياء صحيح، فخرج ما ليس قربة أصلاً كالحرام والمكروه والمباح.
    أما الحرام فإنه لا يصح نذره لكونه معصية، وفي الحديث الصحيح: "لا نذر في معصية الله. ولا فيما لا يملكه ابن آدم". ولا فرق في نذر المعصية بين أن يعلق النذر على المعصية وإن كان هو في ذاته طاعة كقوله: علي نذر كذا من الصلاة إن قتلت فلاناً، أو يكون المنذور نفسه معصية كقوله: لله علي أن أشرب الخمر، وكذا لا فرق المعصية بين أن تكون فعلاً كما ذكر، أو تكون تركاً كنذر ترك الصلوات الخمس، أو الزكاة ونحو ذلك. فإن النذر في كل ذلك لا ينعقد، وتشمل المعصية ما كانت لذاتها، أو كانت لعارض كالصلاة في الأرض المغصوبة فإنها تحرم، ونذرها لا ينعقد على الصحيح، وكذا نذر الصلاة في الأوقات المكروهة.
    وأما المكروه فإنه ينقسم إلى قسمين أيضاً: مكروه لذاته كالالتفات في الصلاة، ومكروه لعارض كصوم يوم السبت أو الجمعة أو الأحد، فالمكروه لعارض يصح نذره، وينعقد، أما المكروه لذاته، فقيل ينعقد نذره ويلزم الوفاء به، وقيل لا ينعقد نذره إلا إذا كان قادراً عليه، بحيث لا يخشى منه ضرراً أو فوت حق وغلا كان مكروهاً، فلا ينعقد، ولا يلزم الوفاء به.
    وأما المباح فإنه ينقسم إلى قسمين:
    الأول أن يقول: لا آكل لحماً أو أمشي ميلاً، أو أشرب لبناً، واختلف في هذا فقيل تلزمه كفارة يمين إن لم يفعل المنذور. وقيل لا يلزمه شيء وهو الراجح لأنه لم ينعقد نذره،
    الثاني أن يكون نذره مشتملاً على حث، أو منع، أو تحقيق خبر، أو كان فيه إضافة إلى الله تعالى كأن قال: إن لم أدخل الدار، أو إن كلمت زيداً، أو إن لم يكن الأمر كما قلت، فلله علي كذا، ويقول ابتداء:
    لله علي أن آكل الفطير مثلاً فإنه في هذه الحالة تلزمه كفارة يمين، أو فعل المنذور عليه بلا خلاف، أما نذر الفرض العيني فلا ينعقد كنذر صلاة الظهر مثلاً لأنه لازم بأصل الشرع، أما حكم نذر اللجاج فالناذر فيه مخير بين أن يفعل المنذور أو يفعل كفارة يمين.
    الحنابلة - قالوا: ينقسم النذر المنعقد إلى ستة أقسام:
    الأول النذر المطلق وهو أن يقول: علي نذر، أو لله علي نذر ولم ينو بنذره شيئاً معيناً سواء قال: إن فعلت كذا، أو لم يقل، فيلزمه بهذا كفارة يمين لحديث: "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" رواه ابن ماجة والترمذي.
    الثاني نذر اللجاج والغضب، وهو تعليق النذر بشرط يقصد منه الناذر المنع من المعلق عليه، أو الحث عليه، أو التصديق عليه إن كان خبراً كقول: إن كلمتك فعلي صوم كذا، يريد منع نفسه من كلامه وكقول: إن لم أضربك فعلي صلاة كذا، يريد حث نفسه على ضربه. وكقول: إن لم أكن صادقا فعلي صوم كذا يريد تحقيق الخبر وحكم هذا النذر أن الناذر مخير بين كفارة اليمين إذا وجد الشرط وبين فعل المنذور،
    والثالث نذر المباح كقوله: لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي، وحكم هذا أن الناذر مخير أيضاً بين فعل المنذور وكفارة اليمين. فنذر المباح كالحلف بفعله، فإنه إذا حلف أنه يأكل أو يشرب فإنه يكفر أو يفعل.
    الرابع نذر المكروه كالطلاق وأكل الثوم والبصل وترك السنة ونحو ذلك، وحكم هذا أنه يستحب للناذر أن يكفر كفارة اليمين، فإذا فعل المكروه فلا كفارة عليه لأنه وفى بنذره.
    الخامس نذر المعصية كشرب الخمر، وصوم يوم الحيض والنفاس، ويوم العيد، وأيام التشريق، وحكم هذا أنه لا يجوز الوفاء به ويقضي الصوم في ايام أخرى وعليه كفارة فإن وفى أثم ولا كفارة بنذره عليه.
    السادس نذر التبرر "التقرب" يقال: تبرر "تقرب" وهو نذر القرب كالصلاة، والصيام والصدقة، والاعتكاف، وعيادة المريض، والحج، والعمرة، وتجديد الوضوء، وغسل الجمعة، والعيدين ونحو ذلك، سواء كان فرضاً أو نفلاً، فإن كانت نفلاً فلا خلاف في صحة نذرها وانعقاده، سواء نذرت مطلقة كأن تقول ابتداء: لله علي أن أصوم كذا، أو نذرت معلقة على شيء كأن يقول: إن شفى الله مريضي، أو سلم مالي فللًّه علي كذا. فنذر التبرر على ثلاثة أقسام:
    أحدها ما كان في مقابلة نعمة يريد الحصول عليها أو نقمة يريد دفعها.
    ثانيها التزام طاعة من غير شرط كقوله ابتداء: لله علي صوم أو صلاة كذا. ثالثها نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب كعيادة المريض والإعتاق، كلها يلزم الوفاء بها.
    أما إذا كانت فرضاً كصلاة الظهر مثلاً، أو حجة العمر، أو صوم رمضان، فقد اختلف في صحة نذره، فقال قوم: لا ينعقد النذر في الواجب، لأن النذر التزام، ولا يصح التزام ما هو لازم، ومثل هذا ما لو نذر محالاً كقوله: لله عليّ أن أصوم أمس فإنه لا ينعقد أيضاً. وقال قوم: بل ينعقد نذرهما الواجب، فإن فعله فذاك، وإن تركه فعليه كفارة اليمين. وكفارة النذر واجبة على الفور.
    ويشترط لصحة النذر بأنواه شروط: أن يكون الناذر مكلفاً فلا يصح من الصبي. وأن يكون مختاراً فلا يصح من المكره. وأن يكون بالقول فلا تنفع فيه الإشارة إلا من الأخرس إذا كانت إشارته مفهومة.
    المالكية - قالوا: ينقسم النذر إلى أقسام: الأول نذر في معصية الله كأن ينذر فعل محرم من شرب خمر وأكل لحم خنزير، أو ينذر فعل طاعة نهى الشارع عن فعلها في وقت معين، كصيام يوم عيد الفطر، أو الأضحى، أو ينذر فعل مكروه. الثاني نذر في مباح. الثالث نذر في طاعة الله كنذر القرب من صيام وصلاة الخ.
    فأما نذر المعصية فهو حرام في المحرم، ومكروه في المكروه، ولا يفعل المنذور فيه إلا صوم رابع النحر والإحرام بالحج قبل زمانه أو مكانه فإنهما مكروهان، ولكن يلزمان بنذرهما، وتلغى الكراهة احتياطاً للنذر، إلا أن النذر المحرم لعارض كصيام يوم عيد الفطر أو الأضحى ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها أن يكون الناذر عالماً بتحريم ذلك، وفي هذه الحالة يستحب له أن يأتي بطاعة من جنس المنذور. ثانيها أن يكون جاهلاً بالتحريم فيظن أن في صوم هذا اليوم فضلاً على غيره لقهر نفسه ومنعها عن اللذات. وفي هذه الحالة لا يجب عليه القضاء ولا يستحب. ثالثها أن يظن أنه كغيره من الأيام في جواز الصيام. وفي هذه الحالة خلاف قيل يقضي وقيل لا يقضي.
    وأما نذر المباح فإنه مباح كنذر الأكل والشرب ونحوهما. ولا يلزم فيه فعل المنذور. أما نذر الطاعة فهو ينقسم إلى قسمين:
    الأول نذر في حالة الغضب، سواء كان الغرض منه فعل قربة، أو كان الغرض منه منع النفس من فعل شيء ومعاقبتها وإلزامها بالنذر، ويسمى نذر اللجاج كقوله: لله علي نذر إن كلمت فلاناً وهذا يجب الوفاء به، وبعضهم يرى في نذر اللجاج التخيير بين كفارة اليمين وفعل المنذور، والمشهور أنه يجب الوفاء به، وهذا النوع من النذر مكروه كما تقدم.
    الثاني النذر في حال الرضا، ولا يلزم به غلا ما كان طلب فعله غير جازم كالسنة والرغيبة والمندوب بشرط أن يقع قربة دائماً كالصلاة والصيام والصدقة ونحوها. أما ما يكون في قربة تارة، وغير قربة تارة أخرى، كالنكاح والهبة فإنه لا يلزم بالنذر. وكذلك الفرض لا يلزم بالنذر لأنه لازم في ذاته، ويستحب من هذا النوع النذر المطلق كما تقدم.
    وأما التزام النذر ابتداء من غير أن يكون شكراً على شيء وقع، كأن ينذر صوم كذا أو صدقة كذا فإنه يباح الإقدام عليه ويجب الوفاء به، وأما النذر المعلق على شيء لم يحصل كقوله: إن شفى الله مريضي، أو رزقني كذا: أو نجاني من كذا: فعلي صدقة كذا، فإنه يجب الوفاء به. واختلف في جواز الإقدام عليه كما تقدم.
    ويشترط لصحة النذر أن يكون الناذر مسلماً، ويندب للكافر فعله بعد إسلامه. وأن يكون مكلفاً فإذا نذر الصبي فإنه يستحب له الوفاء به بعد بلوغه. وأن يكون المنذور قربة غير واجبة بغير النذر، فلا يصح بالمحرم أو المكروه أو المباح كما تقدم.
    ولا يشترط للنذر صيغة خاصة، فيلزم بكل لفظ دال على الالتزام ولو لم يذكر فيه لفظ النذر وقد اختلفوا في أنه يلزم بالنية ولو لم يذكر لفظ أو لا يلزم، والمعتمد أنه لا يلزم إلا بلفظ فلا يلزم بالنية وحدها.
    الحنفية - قالوا: ينقسم النذر إلى قسمين:
    نذر معلق على شرط، ونذر مطلق. والنذر المعلق ينقسم إلى قسمين:
    الأول معلق على شيء يراد وقوعه كقوله: إن شفى الله مريضي فللَّه علي كذا فإنه معلق على شفاء المريض وهو مرغوب في حصوله للناذر، وحكم هذا لزوم الوفاء به عند تحقيق المعلق عليه متى استوفى الشروط الآتي بيانها.
    الثاني معلق على شيء لا يراد حصوله كقوله إذا دخلت الدار فعلي كذا نذر، أو إن كلمت فلاناً. وهذا القسم هو يسمى نذر اللجاج عند الشافعية، لأن المقصود منه المنع عن الفعل. وحكمه أن ناذره مخير بين فعل المنذور وبين كفارة اليمين، وهذا هو الصحيح. وبعضهم يقول: إنه يجب فيه فعل المنذور كغيره. ولا فرق فيه بين أن يكون المعلق عليه طاعة أو معصية كقوله: علي كذا إن زنيت أو شربت الخمر.
    ويشترط لصحة النذر سبعة شروط:
    الأول أن يكون من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي على الأصح كالصوم والصلاة والصدقة، فإذا نذر أن يصوم تطوعاً فإنه يجب عليه الوفاء لأن الصوم من جنسه فرض وهو صوم رمضان. وكذا إذا نذر أن يصلي نافلة فإنه يجب عليه الوفاء، لأن الصلاة من جنسها واجب وهو الصلوات الخمس. وكذا إذا نذر أن يتصدق فإن الصدقة من جنسها واجب وهو الزكاة إلا الاعتكاف فإنه يجب عليه الوفاء بنذره، مع أنه ليس من جنسه واجب على التحقيق، لأن الإجماع منعقد على وجوب الوفاء بنذره.
    وإذا لم يكن من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي فإنه لا يجب على الناذر الوفاء به. كعيادة المريض، ودخول المسجد ولو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو المسجد الأقصى، أو الحرم المكي، لأنه ليس من جنسه فرض؛ أما إذا نذر تكبيراً فإنه يجب الوفاء به، لأن التكبير من جنسه فرض وهي تكبيرة الإحرام. وكذا إذا نذر الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه يجب الوفاء به على الصحيح، لأنه من جنسها فرضاً وهو الصلاة عليه في العمر مرة.
    الثاني أن يكون المنذور عبادة مقصودة، فلا يصح النذر بما هو وسيلة كالوضوء، والاغتسال، ومس المصحف، والأذان، وتشييع الجنازة وعيادة المريض، وبناء المساجد وغير ذلك، فهذه الأمور وإن كانت قربة إلا أنها غير مقصودة لذاتها، بل المقصود هو ما يترتب عليها، فالضابط الكلي في صحة النذر: أن يكون المنذور عبادة مقصودة من جنسها فرض.
    الثالث: أن لا يكون المنذور معصية لذاته، فإذا نذر أن يقتل فلاناً أو يشرب الخمر أو يزني كان يميناً ولزمته الكفارة بالحنث. أما إذا نذر أن يصوم يوم عيد الفطر أو الأضحى فإنه يكون قد نذر محرماً لعارض لا لذاتها، فإن الصيام في ذاته طاعة، وتحريمه في هذا اليوم عارض بنهي الشارع، فيصح نذره ويلغو لأنه يوم العيد فيجب قضاءه في يوم آخر. ومثله ما إذا نذر أن يصلي ركعتين من غير وضوء، فإنه يصح نذره، لأن نذر الصلاة صحيح ويلغو قيد من غير وضوء، فيجب أن يصلي ركعتين بوضوء، لأن التزام المشروط وهو الصلاة التزام الشرط وهو الوضوء. وكذا إذا نذر أن يصلي ركعة واحدة فإنه يلزمه أن يصلي ركعتين. وكذا نذر أن يصلي ثلاثة فإنه يلزم بأربعة.
    الرابع: أن لا يكون فرضاً عليه قبل النذر، فلو نذر حجة الإسلام لم يلزمه شيء غيرها.
    الخامس: أن لا يكون ما التزمه أكثر مما يملكه، فلو نذر الفاً وهو لا يملك إلا مائة يلزم بالمائة فقط.
    السادس: أن يكون ممكن الوقوع، فلو نذر مستحيلاً كأن يصوم أمس فإنه لا يصح نذره.
    وكذا إذا نذرت الحائض أن تصوم أيام حيضها فهو باطل، لأن صوم أيام الحيض مستحيل شرعاً، وكذا إذا نذرت أن تصوم غداً ثم أصبحت حائضاً فإن نذرها باطل، وهذا عند محمد، وقال أبو يوسف: يجب عليها القضاء في الصورة الثانية.
    سابعاً: أن لا يكون ملكاً للغير.
    واعلم أن النذر المطلق لا يتقيد بزمان ولا مكان ولا دراهم ولا فقير. فإذا نذر أن يتصدق يوم الجمعة بهذا الدرهم على فلان فتصدق يوم الخميس أو يوم السبت بغير هذا الدرهم على شخص آخر جاز. وكذا لو عين شهراً للاعتكاف أو للصوم فعجل صح، وكذا إذا نذر أن يحج سنة كذا فج سنة قبلها وصح، أما النذر المعلق فإنه يتعين فيه الوقت فقط: إذ لا يصح تقديمه على وقوع المعلق عليه بخلاف تأخيره عنه فإنه جائز. أما تعيين الفقير والدرهم والمكان فيه فليس بلازم، فيصح أن يدفع غير الدرهم المنذور لفقير آخر غير الذي ذكره، فلو نذر لفقراء مكة جاز الصرف لفقراء غيرها، سواء كان النذر مطلقاً أو معلقاً.
    والنذر عمل اللسان، والقياس يقتضي أنه لا ينعقد إلا بلفظ: لله عليّ كذا، أو عليّ كذا، أما إذا قال: "إن عوفيت صمت كذا" فإنه لا ينعقد به النذر قياساً، وينعقد استحساناً


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #95
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
    صـــــ 134 الى صــــــــ
    139
    الحلقة (95)


    [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
    [[البيع]]
    [تعريفه]
    هو في اللغة مقابلة شيء بشيء فمقابلة السلعة بالسلعة تسمى بيعاً لغة كمقابلتها بالنقد، ويقال لأحد المتقابلين مبيع وللآخر ثمن، ولا فرق في اللغة بين أن يكون المبيع والثمن طاهرين أو نجسين يباح الانتفاع بهما شرعاً أو لا، كالخمر فإنه يصح أن يكون مبيعاً وثمناً في اللغة، أما في الشرع فإنه لا يصح كما ستعرفه، ثم إن مقابلة الشيء بالشيء تتناول نحو مقابلة السلام بالرد عليه، ومقابلة الزيادة بمثلها، ومقابلة الإحسان بمثله، فإن ذلك يسمى بيعاً وشراء على هذا التعريف، والظاهر أنه كذلك على طريق المجاز.وقال بعض الفقهاء إن معناه في اللغة تمليك المال بالمال وهو بمعنى التعريف الأول، إلا أنه مقصور على المعنى الحقيقي، فلا يشمل رد الزيادة ونحوها بمثلها ونقل بعضهم أنه في اللغة إخراج ذات عن الملك بعوض وهو بمعنى التعريف الثاني، لأن إخراج الذات عن الملك هو معنى تمليك الغير للمال، فتمليك المنفعة بالإجارة ونحوها كما يأتي لا يسمى بيعاً لغة.أما الشراء فإنه إدخال ذات في الملك بعوض. أو تملك المال بالمال، على أن اللغة تطلق كلاً من البيع والشراء على معنى الآخر،

    فيقال لفعل البائع: بيع وشراء،
    كما يقال ذلك لفعل المشتري ومنه قوله تعالى:{وشروه بثمن} فإن معنى شروه في الآية باعوه، وكذلك الاشتراء والابتياع فإنهما يطلقان على فعل البائع والمشتري لغة، إلا أن العرف قد خص البيع بفعل البائع وهو إخراج الذات في الملك، وخص الشراء والاشتراء والابتياع بفعل المشتري وهو إدخال الذات في الملك،
    ثم إن البيع يستعمل متعدياً لمفعولين بنفسه فيقال: بعتك الدار،
    وقد يستعمل متعدياً للمفعول الثاني بزيادة من وإلى وعلى للتأكيد فيقال:بعت الدار لك، ومنك، وباعها القاضي عليه.وأما تعريف شرعاً وأقسامه ففيها تفصيل المذاهب(1) .
    (1) الحنفية - قالوا: البيع يطلق في اصطلاح الفقهاء على معنيين:
    أحدهما: خاص، وهو بيع العين بالنقدين الذهب والفضة ونحوهما، فإذا أطلق لفظ بيع لا ينصرف إلا إلى هذا المعنى. ثانيهما عام وهو عشر قسماً من ضمنها هذا المعنى الخاص وذلك لأنه إما أن ينظر إلى معنى البيع من حيث ذاته وهو المال بالمال، وإما أن ينظر إليه باعتبار المبيع الذي يتعلق به، وإما أن ينظر إليه باعتبار الثمن، وفي كل حالة من هذه الأحوال ينقسم إلى أربعة أقسام:
    فمن حيث النظر إلى معناه ينقسم الى:
    نافذ، وموقوف، وفاسد، وباطل، وذلك لأنه إما أن يفيد الملك في الحال وهو البيع والنافذ، أو يفيده عند الإجازة وهو الموقوف، أو يفيده عند القبض وهو الفاسد، أو لا يفيده أصلاً وهو الباطل. ومن حيث النظر إليه باعتبار المبيع ينقسم إلى أربعة أقسام أيضاً:
    مقايضة، صرف، سلم، بيع مطلق، وذلك لأن المبيع إما أن يكون مبادلة عين بعين "سلعة بسلعة غير النقدين" ويسمى مقايضة، فالمقايضة هي بيع العين بالعين ويصدق كل واحدة من السلعتين أنها مبيع وثمن، ولكن نظر في التقسيم إليها من حيث كونها مبيعاً، وإما أن يكون المبيع نقداً بنقد ويسمى صرفاً، لأن الصرف هو بيع النقد من الذهب والفضة ونحوهما بمثله، ويقال له بيع الدين "النقد بالنقد" وإما أن يكون المبيع نقداً بعين ويسمى سلماً، لأن السلم هو بيع النقد بالعين كما سيأتي بيانه، وإما أن يكون المبيع عيناً بنقد عاجل أو آجل وهو البيع المطلق، وهو الغالب عند ذكر كلمة بيع كما ذكرناه لك أولاً، فإذا أريد غيره فإنه لا بدّ أن يسمّى باسم من هذه الأشياء وهي صرف، سلم ... إلخ.
    وأما إذا نظر إليه من حيث الثمن فإنه ينقسم إلى أربعة أقسام وهي: تولية، مرابحة، ضيعة، مساومة، وذلك لأنه إما أن ينظر فيه إلى ثمن السلعة التي اشتريت به في أول الأمر أو لا، فإن نظر إليه فإن بيعت به بدون زيادة ولا نقص فإن ذلك البيع يسمى بيع تولية، فالتولية هي البيع بالثمن الأول، وإن بيعت بزيادة على الثمن الأول فإن ذلك يسمى بيع المرابحة، وإن بيعت بأقل من الثمن الأول فذلك البيع يسمى بيع الضيعة، أما إذا قطع النظر عن الثمن الأول الذي اشتريت به السلعة فيبيعها على هذا الوجه يسمى بيع المساومة وهي البيع بالثمن الذي يتفقان عليه بغض النظر عن الثمن الأول.
    ومن هذا يتضح لك أن تعريف البيع بالمعنى الخاص: وهو مبادلة السلعة بالنقد على وجه مخصوص.
    وأما تعريفه بالمعنى العام:
    فهو مبادلة المال بالمال على وجه مخصوص، فالمال يشمل ما كان عيناً أو نقداً، فتدخل فيه جميع الأقسام التي ذكرناها، ثم إن المال هو ما يميل إليه الطبع ويدخر للانتفاع به وقت الحاجة ولا يكون له قيمة في نظر الشرع إلا إذا اجتمع فيه أمران: أحدهما أن يكون من شأنه الانتفاع به عند الحاجة. ثانيهما: أن يكون الانتفاع به مباحاً شرعاً. فإذا لم يكن من شأنه الانتفاع به كحبة من حنطة فإنه لا يكون مالاً معتبراً. وكذا إذا لم يكن مباحاً شرعاً كالخمر والخنزير فإنه وإن كان مما ينتفع به بعض الناس ولكنه غير مباح في نظر الشرع، فلا يكون مالاً عنده. فلو بيع الخمر لا ينعقد بيعه، ولكن لو اشترى سلعة طاهرة وجعل ثمنها خمراً فإن البيع ينعقد ولا ينفع كون الخمر ثمناً فيلزم المشتري بقيمة السلعة. وبهذا تعلم أن المراد بالمال في التعريف:
    المال الذي له قيمة في نظر الشرع سواء أكان سلعة أم عقداً، فيشمل الصرف، والسلم، والمرابحة، والتولية، والمقايضة ... الخ.
    ويشمل التعريف أيضاً الهبة بشرط العوض المالي، فلا يصح إخراجها من التعريف كما يظن بعضهم؛ لأنها وإن كانت هبة قبل القبض إلا أنها بيع بعد القبض، وصورتها مثلاً أن يقول: إنني وهبت هذه الدار من فلان بشرط أن يعوضني مائة جنيه فقبل أن يقبض المائة، فإن حكم هذه كحكم الهبة فيشترط لصحته ما يشترط للهبة، فلا يصح في الشارع الذي يحتمل القسمة، ولا يثبت به الملك قبل القبض، ولكل واحد من المتعاقدين أن يمتنع عن التسليم. أما بعد القبض فإنه حكمه كحكم البيع، فلا يكون لأحدهما حق الرجوع فيما كان له. ويثبت به حق الشفعة، ولكل واحد أن يرد ما أخذ إن كان فيه عيب وغير ذلك من أحكام البيع التي ستعرفها، فهي داخلة في البيع بلا خفاء، نعم إذا نظر إليها قبل القبض فإنها تكون هبة تخرج بقوله على وجه مخصوص.
    أما التبرع من الجانبين كأن يتبرع أحد لآخر بمال فيتبرع له الثاني كذلك فهو داخل في التعريف من حيث انه مبادلة في الجملة، لأن الأول وإن كان قد تبرع لا في نظير شيء ولكن الثاني تبرع في مقابلة تبرع الأول، ففيه مبادلة من جانب واحد فيخرجه قوله على وجه مخصوص. لأنه ليس بيعاً في الحقيقة بل هو هبة. لكل واحد منهما حق الرجوع في تبرعه كما سيأتي في الهبة.
    ويشمل التعريف بيع المكره، لأنه مبادلة مال بمال وهو كذلك، لأن بيع المكره قسم من أقسام البيع المنعقد إلا أنه بيع فاسد موقوف على إجازته بعد زوال الإكراه كما سيأتي ببيانه قريباً. فزيادة قيد التراضي في التعريف لإخراج بيع المكره ليست بشيء، لأن الرضا شرط بنفاذ البيع لا جزء من مفهومه الشرعي كما سيأتي في شرائطه قريباً.
    ومن هذا تعلم أيضاً أنه لا حاجة إلى زيادة قيد مفيد كما عرفه بعضهم بقوله مبادلة مال بمال على وجه مفيد مخصوص، وغرضه إخراج البيع غير المفيد كبيع نقد مسكوك بمساويه في الوزن والوصف، مثل أن يبيع قطعة من ذات القرشين بمثلها فإن ذلك لا فائدة فيه فلا يصح. أما إذا اختلفا في الوصف كما إذا كانت إحداهما مطلية بطلاء أصفر أو أسود فإنه يجوز لوجود الفائدة حينئذ، وإنما قلنا إن هذا القيد لا حاجة إليه، لأن البيع لا فائدة فيه منعقد داخل في تعريف البيع، لأنه مبادلة مال بمال ولكنه بيع فاسد، والتعريف يشمل الصحيح والفاسد كما ذكرناه لك آنفاً.
    وقوله على وجه مخصوص: المراد به الإيجاب والقبول وسيأتي بيانهما.
    المالكية - قالوا:
    للبيع في اصطلاح الفقهاء تعريفا: أحدهما تعريف لجميع أفراد البيع الشامل الصرف والسلم ونحوهما من الأقسام التي ستعرفها: ثانيها تعريف لفرد واحد من هذه الأفراد. وهو ما يفهم من لفظ البيع عن الإطلاق عرفاً. والأول يسمى تعريفاً للبيع بالمعنى الأخص. فأما تعريفه بالمعنى الأعم فهو عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة.
    فقوله عقد معاوضة معناه عقد محتو على عوض من الجانبين "البائع والمشتري" لأن كلاً منهما يدفع عوضاً للآخر. وقوله على غير منافع: معناه أن العقد يكون على الذوات والأعيان عن ثمن أو سلعة لا على استثمارها والانتفاع بها، وقوله ولا متعة لذة، معناه أن العقد لا يكون للانتفاع بلذة. فهذا التعريف يشمل جميع أقسام البيع فيدخل فيه الصرف وهو بيع الذهب والفضة، والعكس، والمبادلة، وهو بيع ذهب بذهب أو فضة بفضة متساويين في العدد.
    والمراطلة: وهي بيع ذهب بذهب أو فضة بفضة متساويين في الوزن.
    والسلم: وهو عقد على أن يدفع أحد الجانبين شيئاً مالياً معجلاً في نظير أن يأخذ شيئاً مالياً من غير جنس ما دفعه مؤجلاً. وتدخل أيضاً الهبة بشرط العوض وتسمى هبة الثواب أي هبة العوض المالي، كما تدخل التولية وهي البيع بالثمن الذي اشتريت به السلعة: والشركة، والإقالة، والشفعة، وسيأتي بيان ذلك موضحاً في محله، فكل هذه الأنواع يشملها هذا التعريف لأنها عبارة عن عقد على أن يدفع كل واحد من الجانبين عوضاً للآخر عيناً لا منقعة. ويخرج من التعريف الإجارة لأنها عقد على منفعة لا على ذات. وكذلك كراء الحيوان فإنه عقد على الانتفاع به لا على ذاته ويخرج عقد النكاح بقوله: ولا متعة لذة. لأنه عقد على الانتفاع باللذة.
    أما تعريفه بالمعنى الأخص: فهو عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة. ذو مكايسة، أحد عوضية غير ذهب ولا فضة، معين غير العين فيه، فهو التعريف الأول مع زيادة ثلاثة قيود:
    القيد الأول: ذو مكايسة، ومعنى ذو مكايسة: عقد صاحب مشاححة ومغالبة، لأن كل واحد من المتعاقدين يريد أن يغلب صاحبه. وخرج بهذا القيد هبة الثواب، لأن الواهب ملزم بقبول القيمة التي اشترطها متى دفعت له، فليس له أن يشاحح فيها، فإذا قال: وهبت هذه الدار لزيد بشرط أن يعوضني مائة دينار لزمه قبول المائة ولا يجاب لأزيد منها. وتخرج أيضاً المبادلة والتولية والأخذ بالشفعة لأنها لا مكايسة فيها. أما المبادلة:
    فهي بيع نقد بنقد من صنفه مس****ن "مضروبين" بشرائط مخصوصة وهو لا مغالبة فيه كما ستعرف. أما التولية:
    فهي بيع بعين الثمن الأول فلا مغالبة فيها. وأما الأخذ بالشفعة:
    فهو بيع بنفس الثمن الذي اشتريت به السلعة فلا مغالبة فيها أيضاً.
    القيد الثاني: أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة. ويخرج به الصرف والمراطلة لأن عوضا الصرف أحدهما ذهب والآخر فضة، وعوضى المراطلة والمبادلة ذهبان أو فضتان.
    القيد الثالث: معين غير العين فيه، ويخرج به السلم، ومعنى ذلك أن عقد البيع يلزم فيه أن يكون المبيع ليس ديناً في الذمة، بل ينبغي أن يكون غير دين، سواء كان حاضراً أمام المشتري أو غائباً، ولكنه معروف عنده بصفة أو رؤية سابقة، أو اشتراه بشرط أن يكون له خيار الرؤية أما عند السلم فعلى عكس ذلك، لأن المسلم فيه وهو السلعة دين في الذمة، فالمراد بالمعين ما ليس ديناً في الذمة، والسلم دين في الذمة. والمراد بالعين الذهب والفضة، ولا يلزم في عقد البيع يكون الذهب أو الفضة مقبوضين، بل يصح أن يكونا ديناً في الذمة، وبذلك يتم تعريف البيع الخاص أعني بيع السلعة بالنقد وهو الذي ينصرف إليه لفظ البيع عند الإطلاق.
    هذا وقد قسم المالكية البيع إلى أقسام كثيرة باعتبارات مختلفة فقالوا:
    إن البيع بالمعنى الأعم ينقسم أولاً إلى قسمين: بيع المنافع وبيع الأعيان. فأما بيع المنافع فإنه ينقسم إلى خمسة أقسام:
    الأول: بيع منافع الجماد ويعبرون عنه بأكرية الدور والأرضين.
    والثاني: بيع منافع الحيوان غير العاقل ويعبرون عنه بأكرية الدواب والرواحل.
    الثالث: بيع منافع الانسان المتعلقة بغير الفروج وهو النكاح والخلع.
    الرابع: بيع منافع الإنسان المتعلقة بغير الفروج كتأجيره.
    الخامس: بيع منافع العروض ويسمى إجارة غالباً.
    أما بيع الأعيان فإنه ينقسم إلى أقسام كثيرة لا عتبارات مختلفة، فينقسم من حيث تأجيل أحد عوضيه أو كليهما إلى أربعة أقسام:
    الأول: بيع النقد، وهو ما كان الثمن والمثمن فيه معجلين لا تأجيل فيهما ولا في واحد منهما.
    الثاني: بيع الدين بالدين، وهو ما كان الثمن والمثمن فيه مؤجلين معاً، وهو بيع منهي عنه كما سيأتي في البيوع المنهي عنها.
    الثالث: البيع لأجل وهو ما تأجل فيه الثمن فقط.
    الرابع: السلم وهو ما تأجل فيه المثمن فقط، وكلها جائزة ما عدا بيع الدين بالدين كما ذكرنا. وينقسم من حيث كون أحد عوضيه ذهباً أو فضة إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: بيع العين بالعين.
    الثاني: بيع العرض بالعرض.
    الثالث: بيع العرض بالعين. وينقسم بيع العين بالعين إلى ثلاثة أقسام: صرف، ومبادلة، ومراطلة. فالصرف: هو ما اختلف فيه جنس العوضين، بأن يكون أحدهما ذهباً والثاني فضة. وبالعكس. والمراطلة: هي ما اتحد فيها العوضان وكان البيع فيها بالوزن، كبيع ذهب بذهب وفضة بفضة وزناً. والمبادلة وهي ما اتحد فيها العوضان كذهب بذهب وفضة بفضة وكان البيع فيها بالعد لا بالوزن. وينقسم في رؤية المثمن وعدم رؤيته إلى قسمين:
    الأول بيع الحاضر، وهو ما كان المثمن فيه مرئياً أو في حكم المرئي.
    والثاني: بيع الغائب وهو ما ليس كذلك. وينقسم أيضاً باعتبار بت عقده وعدمه إلى قسمين:
    الأول بيع بت أي قطع: وهو ما لا خيار فيه لأحد المتعاقدين، وسمي بتاً لأن كل واحد قطع الخيار على صاحبه.
    الثاني بيع الخيار: وهو ما جعل أحدهما الخيار فيه لصاحبه.
    وينقسم باعتبار النظر إلى الثمن الذي اشتريت به السلعة أولاً وعدمه إلى أربعة أقسام:
    الأول:
    بيع المرابحة: وهو أن يشتري منه السلعة بزيادة على ثمنها الأول.
    الثاني: المساومة.
    الثالث: المزايدة.
    الرابع: الاستئمان وسيأتي بيانها.
    وينقسم باعتبار ما يعرض له إلى قسمين:
    صحيح وفاسد.
    الحنابلة - قالوا:
    معنى البيع في الشرع: مبادلة مال بمال، أو مبادلة منفعة مباحة بمنفعة مباحة على التأبيد غير ربا وقرض. فقوله: مبادلة مال بمال عقد صاحب عوض من الجانبين، وهو عبارة عن جعل شيء في مقابلة آخر، ويشمل المال النقد وغيره فيدخل فيه مقايضة سلعة بسلعة، ولا فرق في المال بين أن يكون معيناً حاضراً أو موصوفاً ولو كان ذلك المال ديناً في الذمة. وقوله:
    على التأبيد متعلق بمبادلة يخرج به الإجارة، والإعارة في نظير الإعارة. وقوله غير ربا وقرض: خرج بهما الربا والقرض.
    الشافعية - قالوا: البيع في الشرع مقابلة مال بمال على وجه مخصوص، أي عقد ذو مقابلة مال بمال الخ، والمراد بالمقابلة المعاوضة. وهي أن يدفع كل واحد من الجانبين عوضاً للآخر، فتخرج بذلك الهبة لأنها تمليك بلا عوض في الحياة، وقوله: مال بمال خرج به عقد النكاح لأنه مقابلة مال بغيره.
    وقوله على وجه مخصوص. الغرض منه أمران:
    الأول أن يكون ذلك العقد مفيداً لملك العين أو لملك المنفعة على التأبيد كحق المرور، وبذلك تخرج الإجارة لأنها تمليك منفعة مقدرة بمدة بعوض.
    الثاني: أن لا يكون ذلك العقد على وجه القربة فيخرج به القرض، لأنه تمليك للعين على أن يرد مثلها.
    وينقسم إلى قسمين:
    صحيح وهو ما توفرت فيه الشروط والأركان. وفاسد وهو ما اختل به بعض ذلك.
    وكل منهما ينقسم إلى محرم وجائز، فالصحيح المحرم كتلقي الركبان.
    والفاسد المحرم كبيع حبل الحبلة، وسيأتي بيان ذلك في البيع الفاسد.
    وينقسم الصحيح إلى أقسام:
    الأول: بيع أعيان مشاهدة. الثاني بيع أعيان موصوفة في الذمة ويسمى سلماً. والذمة تطلق في اصطلاح الفقهاء على معنيين:
    أحدهما الذات - ذات البائع هنا - وسميت ذمة لما يتعلق بها من العبد والأمان وهو المعنى اللغوي،
    ثانيهما أمر معنوي قائم بذات الشخص قابل للإلزام من جهة الشرع والالتزام من جهة المكلف، فذمة الشخص صفة معنوية قائمة به يلزمه الشارع بسببها بأداء ما التزم به.
    الثالث: بيع صرف وهو بيع أحد النقدين بالآخر من جنسه أو من غير جنسه، لكن إذا كان من جنسه اشترط للصحة ثلاثة شروط: أن يكون البيع حالاً لا مؤجلاً. وأن يكون يداً بيد "مقابضة". وأن يكون المبيع والثمن متماثلين، أما إن كان غير جنسه فإنه يشترط فيه الأولان فقط، وسيأتي بيان ذلك في بابه.
    الرابع: بيع مرابحة وهو بيع بالثمن الأصلي مع الربح كأن يقول: بعت بما اشتريت مع ربح درهم عن كل عشرة أو مع فائدة ردهم.
    الخامس: بيع إشراك كأن يقول: أشركتك معي في العقد بثلث ما اشتريت، فإن قال: أشركتك معي ولم يقل بثلث ولا غيره حمل علي المناصفة.
    السادس بيع المحاطة كأن يقول: بعت بما اشتريت وحط درهماً من كل عشرة.
    السابع: بيع التولية وهي البيع بنفس الثمن الأول كأن يقول له: وليتك بما اشتريت إذا كانا عالمين بالثمن.
    الثامن: بيع الحيوان بالحيوان - ويسميه غيرهم مقايضة - وهو صحيح، سواء اتحد جنسهما أو اختلف، وسواء كانا مأكولين أو غير مأكولين بشرط أن لا يشتمل بيعه على ربا، وذلك بأن يكونا مأكولين واتحد




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #96
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
    صـــــ 140 الى صــــــــ
    148
    الحلقة (96)

    [حكم البيع ودليله]
    حكم البيع من حيث هو الإباحة، وقد تعرض له الوجوب وذلك في حال الاضطرار إلى طعام أو شراب، فإنه يجب شراء ما فيه حفظ النفس من الهلاك، ويحرم عدم بيع ما فيه حفظها. وقد يكون مندوباً كما إذا حلف عليه إنسان أن يبيع سلعة لا ضرر عليه في بيعها، فإنه يندب أن يبر اليمين وقد يكون مكروهاً كبيع ما يكره بيعه، وقد يكون محرماً كبيع ما يحرم بيعه مما سيأتي بيانه.أما كونه مباحاً فهو معلوم من الدين بالضرورة، فلا يحتاج إلى دليل، ولكن الأدلة على ذلك كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله،
    فأما الكتاب فقوله تعالى:
    {وأحل الله البيع وحرم الربا} .
    وقوله تعالى:
    {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} وقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} فهذه الآيات صريحة في حل البيع وإن كانت مسوقة لأغراض أخرى غير إفادة الحل، لأنه الآية الأولى مسوقة لتحريم الربا. والثانية مسوقة لنهي الناس عن أكل أموال بعضهم بعضاً بالباطل. والثانية مسوقة للفت الناس إلى ما يرفع الخصومة ويحسم النزاع من الاستشهاد عند التبايع.
    وأما السنة فكيرة منهما قوله صلى الله عليه وسلم:

    "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" رواه البخاري، وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يجب على الإنسان من العمل في هذه الحياة، فلا يحل له أن يهمل طلب الرزق اعتماداً على سؤال الناس كما لا يحل له أن يستنكف عن العمل، سواء كان جليلاً أو حقيراً، بل عليه أن يعمل بما هو ميسر له،
    ومنها قوله عليه الصلاة والسلام:
    "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح سواء بسواء، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم" رواه مسلم، فقوله فبيعوا كيف شئتم صريح في إباحة البيع، وسيأتي بيان الحديث فيما ينهى عنه.
    ومنها قوله عليه الصلاة والسلام:
    "أفضل الكسب بيع مبرور، وعمل الرجل بيده" رواه أحمد والطبراني وغيرهما،
    والبيع المبرور:
    هو الذي يبر فيه صاحبه فلم يغش ولم يخن ولم يعص الله فيه، وحكمه حله ما يترتب عليه من تبادل المنافع بين الناس، وتحقيق التعاون بينهم، فينتظم بذلك معاشهم، وينبعث كل واحد إلى ما يستطيع الحصول عليه من وسائل العيش، فهذا يغرس الأرض بما منحه الله من قوة بدنية، وألهمه من علم بأحوال الزرع ويبيع ثمرها لمن لا يقدر على الزرع ولكنه يستطيع الحصول على الثمن من طريق أخرىن وهذا يحضر السلعة من الجهات النائية يبيعها لمن ينتفع بها، وهذا يجيد ما يحتاج إليه الناس من صناعة ليبيع عليهم مصنوعاته، فالبيع والشراء من أكبر الوسائل الباعثة على العمل في هذه الحياة الدنيا، وأجل أسباب الحضارة والعمران.
    [أركان البيع]
    أركان البيع ستة (1) :
    صيغة، وعاقد، ومعقود عليه،
    وكل منها قسمان:

    لأن العاقد إما أن يكون بائعاً أو مشترياً. والمعقود عليه إما أن يكون ثمناً أو مثمناً، والصيغة إما أن تكون إيجاباً أو قبولاً،
    فالأركان ستة:

    والمراد بالركن هنا ما يتوقف عليه وجود الشيء وإن كان غير داخل في حقيقته، وهذا مجرد اصطلاح، لأن ركن الشيء الحقيقي هو أصله الداخل فيه، وأصل البيع هو الصيغة التي لولاها ما اتصف العاقدان بالبائع والمشتري.
    ولكل ركن من الأركان أحكام وشروط سنذكرها لك على الترتيب الذي يلي:
    [الركن الأول: الصيغة]
    الصيغة في البيع هي كل ما يدل على رضاء الجانبين البائع والمشتري وهي أمران (2) :
    الأول:
    القول وما يقوم مقامه من رسول أو كتاب؛
    فإذا كتب لغائب يقول له:

    قد بعتك داري بكذا أو أرسل له رسولاً فقبل البيع في المجلس فإنه يصح، ولا يغتفر له الفصل إلا بما يغتفر في القول حال حضور المبيع.
    الثاني المعاطاة: وهي الأخذ والإعطاء بدون كلام كأن يشتري شيئاً ثمنه معلوم له فأخذه من البائع ويعطيه الثمن وهو يملك بالقبض، ولا فرق بين أن يكون المبيع يسيراً كالخبز والبيض ونحوهما مما جرت العادة بشرائه، متفرقاً أو كثيراً كالثياب القيمة.وأما القول فهو اللفظ الذي يدل على التمليك والتملك، كبعت واشتريت ويسمى ما يقع من البائع إيجاباً (3) ، وما يقع من المشتري قبولاً،
    وقد يتقدم القبول على الإيجاب كما إذا قال المشتري:
    بعني هذه السلعة بكذا. وفي بيان الإيجاب والقبول تفصيل المذاهب(4) .
    ويشترط للإيجاب والقبول شروط منها:
    أن يكون الإيجاب موافقاً للقبول في القدر، والوصف والنقد، والحلول، والأجل،
    فإذا قال البائع:

    بعن هذه الدار بألف فقال المشتري: قبلتها بخمسمائة لم ينعقد البيع،
    وكذا إذا قال:

    بعتها بألف جنيه ذهباً فقال الآخر: قبلتها بألف جنيه ورقاً، فإن البيع لا ينعقد، إلا إذا كانت الألف الثانية مثل الأولى في المعنى من جميع الوجوه فإن البيع ينعقد في هذه الحالة. ومنها أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد،
    فإن قال أحدهما:

    بعتك هذا بألف ثم تفرقا قبل أن يقبل الآخر فإن البيع لا ينعقد. ومنها أن يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض. أما الفاصل اليسير وهو الذي لا يدل على الإعراض بحسب العرف فإنه لا يضر (5) .ومنها سماع المتعاقدين كلام بعضهما، فإذا كانه البيع بحضرة شهود فإنه يكفي سماع الشهود بحيث لو أنكر أحدهما السماع لم يصدق. فإذا قال بعت هذه السلعة بكذا،
    وقال الآخر: قبلت. ثم تفرقا فادعى البائع أنه لم يسمع القبول، أو ادعى المشتري بأنه لم يسمع الثمن مثلاً فإن دعواهما لا تسمع إلا بالشهود.
    [الركن الثاني: العاقد]
    وأما العاقد سواء كان بائعاً أو مشترياً فإنه يشترط له شروط:

    منها أن يكون مميزاً فلا ينعقد بيع الصبي (6) الذي لا يميز، وكذلك المجنون، أما الصبي (3) المميز والمعتوه اللذان يعرفان البيع وما يترتب عليه من الأثر ويدركان مقاصد العقلاء من الكلام ويحسنان الإجابة عنها، فإن بيعهما وشراءهما ينعقد ولكنه لا ينفذ إلا إذا كان بإذن من الولي في هذا الشيء الذي باعه واشتراه بخصوصه. ولا يكفي الإذن العام، فإذا اشترى الصبي المميز السلعة التي أذنه وليه في شرائها انعقد البيع لازماً، وليس للولي رده. أما إذا لم يأذن وتصرف الصبي المميز من تلقاء نفسه فإن بيعه ينعقد، ولكن لا يلزم إلا إذا أجازه الولي، أما أجازه الصبي بعد البلوغ. ومنها أن يكون رشيداً. وهذا شرط لنفاذ البيع، فلا ينعقد بيع الصبي مميزاً كان أو غيره، ولا بيع المجنون والمعتوه والسفيه إلا إذا أجاز الولي بيع المميز منهم، أما بيع غير المميز فإنه يقع باطلاً، ولا فرق في المميز بين أن يكون أعمى أو مبصراً.
    ومنها أن يكون العاقد مختاراً فلا ينعقد بيع المكره ولا شراؤه لقوله تعالى:
    {إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} .
    وقوله صلى الله عليه وسلم:
    "إنما البيع عن تراضٍ" رواه ابن حبان وفي ذلك تفصيل المذاهب (7) .

    جنسهما وكان فيهما لبن أو بيض، بخلاف ما إذا كانا غير مأكولين وإن كان فيهما ما ذكر.
    التاسع:
    بيع بشرط الخيار وسيأتي بيان العقود التي يحص فيها شرط الخيار والتي لا يصح.
    العاشر:
    بيع شرط البراءة من العيب، وأما الفاسد فإنه ينقسم إلى أقسام كثيرة سنذكرها في بابه
    (1) الحنفية - قالوا:
    للبيع ركن واحد وهو الإيجاب والقبول الدالان على تبادل المكلين بين البائع والمشتري من قول أو فعل، وبعضهم يقول:
    إن له ركنين الإيجاب والقبول، والأخذ والإعطاء، وعلى كل حال فالحنفية قد نظروا في ذلك إلى الركن الحقيقي، وهو ما كان أصلاً للشيء داخلاً فيه

    (2) الشافعية - قالوا:
    لا ينعقد البيع إلا بالصيغة الكلامية أو ما يقوم مقامها من الكتاب والرسول، وإشارة الأخرس المعلومة، أما المعاطاة فإن البيع لا ينعقد بها، وقد مال صاحب الإحياء إلى جواز البيع في الأشياء اليسيرة بالمعاطاة لأن الإيجاب والقبول يشق في مثلها عادة
    (3) الحنفية - قالوا:
    الإيجاب هو ما صدر أولاً من أحد المتعاقدين، سواء كان بائعا كأن يقول: بعتك كذا، أو مشترياً كأن يقول:
    اشتريت منك كذا بألف فيقول:
    بعتك إياه، والقول هو ما صدر ثانياً
    (4) الحنفية - قالوا: ينعقد البيع والشراء بكل لفظين يدلان على معنى التمليك والتملك، كبعت، واشتريت، وأعطيت، وبذلت، وأخذت، ورضيت لك هذا الشيء بكذا، وأجزت ونحو ذلك، وينعقد بلفظ السلم والهبة والعوض كما إذا قال:
    أسلمت لك هذا بكذا ووهبته منك بكذا، أو قال:
    عوضت فرسي بفرسك، فأجابه بقوله:
    وأنا أيضاً، ثم إن كان الفعل ماضياً كبعتك هذا الشيء بكذا، أو كان مضارعاً لا يحتمل الحال والاستقبال كقوله: أبيعك الآن، فإن البيع ينعقد بهما بدون حاجة إلى نية، وبعضهم يقول:
    إن النية لازمة في كل حال، سواء كان الفعل ماضياً أو مستقبلاً.
    أما إن كان مضارعاً يحتمل الحال والاستقبال، أو كان متحمضاً للاستقبال بأن اقترن بالسين أو سوف كقوله: سأبيعك أو سوف أبيع فإنه لا ينعقد البيع إلا بنية الإيجاب في الحال بلا خلاف سواء كان الإيجاب والقبول كذلك، أو كان أحدهما ماضياً والآخر مستقبلاً، فإذا قال البائع:
    أبيعك هذا الثوب بكذا، وقال المشتري: أشتريه، فإن البيع لا ينعقد إلا إذا كان كل منهما ناوياً للإيجاب في الحال، وكذا إذا قال أحدهما: أبيع أو سوف أبيع، وقال الآخر:
    اشتريت، فإن كان الفعل أمراً كما إذا قال:
    بعني الثوب ونوى الإيجاب في الحال فلا ينعقد البيع إلا إذا قال له البائع:
    بعت ورد عليه المشتري بقوله:
    اشتريت فلا بد في نفاذ البيع بالأمر من ثلاثة ألفاظ لأن اللفظ الأول وهو بعني ملغى، لأن البيع لا ينعقد بالأمر أصلاً إلا إذا دل على الحال كقول البائع:
    خذ مني هذا الثوب بكذا، فيقول المشتري:
    أخذته، فإن البيع ينعقد بذلكن لأن خذ في معنى بعتك هذا الشيء فخذه، ولا ينعقد البيع إذا اقترن بالفعل استفهام ونحوه كقوله: هل تببعني، أو ليتك تببعني ونحو ذلك، ولكل واحد من البائع والمشتري حق الرجوع قبل قبول الآخر ما داما في المجلس، فإذا قال البائع: بعتك كذا ولم يجبه الآخر بالقبول فإن له أن يرجع، وكذا إذا قال له: اشتريت منك السلعة بكذا ولم يقل له:
    بعتك فإن له أن يرجع، وهذا يسمى خيار القبول في المجلس.
    المالكية - قالوا:
    ينعقد البيع بكل قول يدل على الرضا كبعت واشتريت وغيرهما من الأقوال، ثم إن كان الفعل ماضياً كأن يقول البائع:
    بعت هذه السلعة، والمشتري: اشتريت، فإن البيع ينعقد به ويكون لازماً، فليس لواحد منهما حق الرجوع فيه لا قبل رضاء الآخر ولا بعده، حتى ولو حلف أنه لا يقصد البيع أو الشراء. أما إن كان الفعل أمراً كقول المشتري: بعني هذا السلعة بكذا فيقول له البائع:
    بعت فإنه ينعقد به البيع، ولكن في لزومه خلاف، فبعضهم يقول: إن له حق الرجوع وعليه اليمين بأنه لم يقصد الشراء، وبعضهم يقول: إن يلزم بهذا كلزومه بالماضي وليس له حق الرجوع على المعتمد.
    فإن كان الفعل مضارعاً كأن يقول البائع:
    أبيع هذه السلعة بكذا فرضي المشتري بذلك، فإن البيع لا يلزم البائع إذا رجع وقال:
    إنني لم أرد البيع، وإنما أردت المساومة أو المزاح ولكن عليه اليمين، وإذا رجع بعد رضاء المشتري فإذا حلف فذاك وإلا فيلزمه البيع، وإذا قامت قرينة على أنه يقصد البيع فإنه يلزمه ولو حلف. وذلك كأن يقول له المشتري: يا فلان بعني سلعتك بعشرة فيقول: لا، فيقول بأحد عشر فيقول:
    لا، ثم يقول البائع: أبيعها باثني عشر فيقول المشتري:
    قبلت. فإن البيع يلزم في هذه الحالة وليس له حق الرجوع، ولا ينفعه اليمين لأن تردد الكلام بينهما قرينة على عدم المزاح واللعب. وكذا لو قال المشتري:
    أشتري هذه السلعة بكذا فرضي البائع ثم رجع المشتري فإن له حق الرجوع، وعليه اليمين ما لم تقم قرينة على ا، هـ جاد في شرائه فإنه يلزمه الشراء، والحاصل أن البادئ بالماضارع سواء أكان بائعاً أم مشترياً فإنه لا يلزمه البيع، وله حق الرجوع وعليه اليمين إن رجع بعد رضاء الآخر، أما إذا رجع قبل رضائه فإن له ذلك الحق ولا يمين عليه، ومحل ذلك كله ما لم تقم قرينة على البيع والشراء أو عدمها وإلا عمل بها.
    وإذا قال شخص لآخر:
    بكم تبيع هذه السلعة: فقال له: بعشرة، فقال السائل: أخذتها بذلك، فأبى البائع أن يبيعها وقال:
    إنني أريد أن أعرف قيمتها أو أريد المزاح فالمعتمد في ذلك أن يرجع إلى القرائن، فإن قامت قرينة بأن حصل تماكس وتردد في الكلام كما ذكر في الصورة المتقدمة فإن البائع يلزم بالبيع، وإن قامت قرينة على عدمة فإنه لا يلزمه ولا يمين على البائع، وإن لم تقم قرينة على أحدهما فللبائع حق الرجوع وعليه اليمين إن رجع بعد رضاء الآخر.
    الشافعية - قالوا:
    ينعقد البيع والشراء بكل لفظ يدل على التمليك مفهم للمقصود، وهو قسمان: صريح. وكناية. فالصريح ما لا يحتمل غير البيع مما يدل على البيع والشراء كبعتك هذه السلعة بكذا، واشتريتها منك بكذا. وأما الكناية فهي اللفظ المحتمل لمعنى آخر غير البيع كقول البائع:
    أعطيتك هذا الثوب بذلك الثوب، أو أعطيتك تلك الدابة بتلك، فإن ذلك يحتمل البيع ويحتمل الإعارة. فإذا نوى بذلك البيع والشراء صح، فإن قرن اللفظ المحتمل بذكر الثمن يكون صريحاً كوهبتك هذه الدار بمائة دينار، فإن لفظ الهبة إن لم تكن مقترنة بذكر الثمن تكون هبة، فإن اقترنت بالثمن تكون بيعاً. وكذا كل لفظ يدل على التمليك إذا قرن بذكر الثمن كجعلت لك هذه الدار بثمن كذا، أو عوضتك هذا بكذا، أو صارفتك ذا بكذا، فكل هذا ظاهر الدلالة في البيع لذكر الثمن، ومثل ذلك ما إذا قال المشتري:
    اشتريت وقبلت فإن في ذلك دلالة ظاهرة على الشراء، بخلاف ما إذا قال:
    تملكت فقط، فإن ذلك كناية تحتمل التملك بالشراء وتحتمل التملك بالهبة وغيرهما. وكما ينعقد البيع بالصريح ويحل فكذلك ينعقد بالكناية ويحل، إلا أن الصريح أقطع للنزاع وأحسن في رفع الخصومات. ومن الكناية أن يأتي البائع بالمضارع في الإيجاب كأن يقول: أبيعك أو يأتي المشتري بالمضارع في القبول، كأن يقول: أقبل فإن البيع يصح فيهما بالنية، وإن كانت النية لازمة في كل صيغة كما يأتي في الشروط. وللشافعية فرق بين النية وقصد اللفظ لمعناه.
    ويصح أن يتقدم القول على الإيجاب كأن يقول المشتري: بعني كذا بكذا، فلفظ بعني معناه طلب الإيجاب وهو قائم مقام القبول، فيصح جعله من أفراده إذا كان بصيغة الأمر أما إذا كان بصيغة الاستفهام كقوله: هل تببعني كذا؟ فإنه لا يصح ولا يضر تقييد اللفظ بالمشيئة كقوله:
    اشتر مني كذا إن شئت ولكن بشروط أربعة:
    الأول أن يذكرها المبتدي سواء كان بائعاً أو مشترياً.
    الثاني أن يخاطب بها مفرداً، فإن خاطب بها جماعة فإنها لا تنفع.
    الثالث أن يفتح تاء المخاطب إن كان نحوياً.
    الرابع أن يؤخرها عن الصيغة سواء كانت إيجاباً أو قبولاً، فإن فقد شرط من هذه الشروط بطل العقد. أما إذا علق الصيغة بقول إن شاء الله، أو بأي تعليق لا يقتضيه العقد كقوله:
    إن شاء فلان؛ فإن ذلك يبطل العقد.
    الحنابلة - قالوا:
    كل لفظ يؤدي معنى البيع والشراء ينعقد به، فلا تنحصر الصيغة القولية في لفظ معين، فينعقد بالإيجاب من البائع بقول:
    بعتك، أو ملكتك، أو وليتك، أو أشركتك في كذا، أو وهبتكه بكذا، أو أعطيتك كذا بكذا ونحو ذلك.
    ومن المشتري بقول قبلت، أو رضيت، أو اشتريت، أو تملكت، أو أخذت، أو استبدلت ونحو ذلك، وهل يصح البيع بلفظ السلم والسلف أو لا؟ كأن يقول:
    سلفتك أو أسلمت لك كذا بكذا: خلاف، فقيل يصح، وقيل لا. ويجوز أن يتقدم القبول على الإيجاب ولكن يلمزم أن يكون بلفظ الأمر كأن يقول: بعني كذا بكذا، فإن كان بلفظ الماضي أو المضارع فإنه يجب أن يكون مجرداً عن الاستفهام والتمني والترجي فيقول:
    تببعني كذا، أو تببعني كذا بكذا، فإن قال: بعت صح. أما إن قال:
    هل بعتني أو هل تببعني؟ أو ليتك بعتني، أو لعلك بعتني فإنه لا يصح. ولا يضر تقييد البيع والشراء بالمشيئة، فلو قال البائع:
    بعت إن شاء الله، أو قال المشتري:
    اشتريت إن شاء الله صح البيع، ولكل من البائع والمشتري حق الرجوع ما داما في المجلس ولو بعد تمام العقد، لأن لهما خيار المجلس كما يأتي بيانه ولا ينعقد بيع الصبي ولو أذن له الولي. أما العبد فإن أذن له سيده فإن بيعه يصح وكذا شراؤه وإذا كان مكلفاً عاقلاً
    (1) الحنابلة - قالوا: يشترط في البيع أن يكون العاقدان مختارين ظاهراً أو باطناً، فإذا كانا مختارين في الظاهر فقط، كأن اتفقا على بيع عين لأحدهما فوراً من ظالم يريد اغتصابه، أو اتقاء شرجار حتى إذا ما أمن ذلك رد إليه ما باعه ورد هو ما أخذ من ثمن، فإن هذا البيع يقع باطلاً ولا ينعقد، لأنهما وإن تعاقدا باختيارهما ظاهراً ولكنهما في الباطن لا يريدان هذا البيع ويسمى هذا بيع التلجئة والأمان. ولا يشترط أن يقولا في العقد: إن هذا بيع تلجئة، فإذا سلمه العين على أن ينتفع بها من سكنى وإجارة وركوب وحلب في نظير ما أخذه من الثمن كان ذلك ربا، لأنه يكون عبارة عن إعطاء دراهم إلى أجل في نظير منفعة وهي الريح فهو في المعنى فرض بعوض، وعلى هذا يكون باطلاً من جميع الوجوه.
    ومثل بيع التلجئة بيع الهازل فإنه لم يرد حقيقته فهو غير مختار في المعنى. وتقبل دعوى بيع التلجئة والهزل بالقرينة الدالة عليهما مع اليمين لاحتمال كذبه، فإن لم توجد قرينة لم تقبل دعواه إلا ببينة.
    أما إذا باع شيئاً فراراً من ظالم ونحوه من غير أن يتفق مع المشتري على أن هذا بيع تلجئة وأمانة؛ فإن البيع يقع صحيحاً لأنه صدر من غير إكراه في هذه الحالة. وكذا لو أكره على أن يستحضر مالاً فباع ملكه في ذلك صح البيع، لأنه لم يكره على البيع، وإنما أكره على سبب البيع، إنما يكره الشراء منه لأنه بيع بدون ثمن مثله.
    ومن استولى على ملك رجل بلا حق فطلبه فجحده وقال: إنه لا يعترف له به إلا إذا باعه فاضطر لبيعه وقع البيع باطلاً لأنه مكره في هذه الحالة.
    وليس من الإكراه أن يلزمه الحاكم بالبيع وفاء لدين ونحوه، لأن هذا إكراه بحق، والذي يبطل البيع هو الإكراه بالباطل.
    الحنفية - قالوا: إن كل عقد يكره عليه الشخص ينعقد لأن القاعدة عندهم في المكره: أن كل ما يكره على النطق به ينعقد، ولكن أقواله التي يكره عليه منها ما يحتمل فسخ، ومنها ما لا يحتمل. فالذي يحتمل الفسخ كالبيع والإجارة، والذي لا يحتمل الفسخ كالطلاق والعتاق والنكاح والنذر. فإذا أكرهه ظالم على بيع ملكه فإن البيع ينعقد فاسداً ويملكه المشتري ملكاً فاسداً وللمكره أن يجيز البيع بعد زوال إكراهه، وله أن يسترد العين حيث وجدها، أما إذا أكرهه على طلاق ونكاح ونذر ونحوها، ثم تصرف فيما يترتب على ذلك كأن تزوج مطلقة فليس له أن ينقض تصرفه.
    وإذا أكرهه القاضي على بيع ماله لوفاء دينه بغبن فاحش كان البيع فاسداً.
    ويشترط لتحقيق الإكراه في البيع أن يكون مكرهاً على البيع، وعلى تسليم العين، وعلى قبض الثمن، فإن أكره على البيع فقط ثم سلم العين باختياره فإنه لا يكون مكرهاً لأن تسليم العين بالاختيار إجازة للبيع. وكذا إذا قبض الثمن باختياره فإنه لا يكون مكرها، وكذلك إذا اضطره إلى أمر يكون سبباً في إكراهه على البيع، كأن يلزمه بمال لا يقدر عليه فاضطر إلى بيع ملكه ليعطيه ذلك المال فإنه في هذه الحالة لا يكون مكرهاً على البيع فيقع العقد نافذاً، وإذا استرد العين التي أكره على بيعها فإن عليه رد الثمن إن كان باقياً في يده لأن العقد فاسد، أما إن هلك الثمن فلا يؤخذ منه شيء.
    ومثل عقد المكره في الفساد عقد الهازل وعقد التلجئة. فالهازل وإن كان يتكلم بصيغة العقد باختياره، ولكنه لا يرضى ثبوت الحكم ولا يستحسنه ولا يلزم من الاختيار الرضا، فإن الاختيار وهو قصد الشيء وإرادته وأما الرضا فهو استحسانه. فالهازل مكره في الحقيقة، لأن المكره على شيء يختاره ولكنه لا يرضاه. وأما عقد التلجئة فهو أن يأتي أمراً باطنه خلاف ظاهره وصورته أن يقول البائع:
    ألجئ إليك داري مثلاً لأتمكن بجاهك من صيانتها؛ ومعناه:
    ألتجئ إليك فراراً من ظلم، فإذا اتفقا على ذلك ثم تبايعا على ذلك الاتفاق فإن البيع فاسد.
    المالكية - قالوا:
    الإكراه الذي يمنع نفاذ البيع هو الإكراه بغير حق، وهو ينقسم إلى قسمين،
    الأول: إكراه على نفس البيع.
    وذلك كأن يكرهه ظالم على بيع كل ملكه أو بعضه.
    والثاني إكراه على شيء يجبره على البيع كأن يكرهه ذلك الظالم على أن يعطيه مالاً غير قادر عليه، فيضطر لبيع ملكه ليحصل له ذلك المال فهو لم يكرهه على نفس البيع وإنما أكرهه على سبب البيع، وحكم الأول أنه بيع غير لازم، فللبائع أن يرد ما باعه متى أمكنه، وعليه أن يرد الثمن الذي أخذه ما لم يكن قد تلف منه بدون أن يفرط في حفظه فإذا أقام البينة على أنه تلف منه على هذا الوجه فإنه لا يلزم برده، بل يسترد سلعته بدون أن يرد ثمنها.
    وأما الإكراه على سبب البيع ففيه خلاف:
    فبعضهم يقول:
    إنه بيع غير لازم أيضاً، وبعضهم يقول: إنه بيع لازم. والأول هو المشهور في المذهب، ولكن الثاني هو الذي عليه العمل، وذلك لأن فيه مصلحة البائع، إذ لو فرض أن ظالماً طلب من شخص مالاً لم يكن قادراً عليه فسجنه لذلك وعنده عين إذا باعها يحصل على ذلك المال ويخلص من عذاب السجن، فإذا قلنا إن بيعها غير لازم لم يقدم أحد على شرائها وفي ذلك ضرر بالمسجون فلذا أفتى كثير من أئمة المالكية بلزوم البيع للمصلحة. وعلى القول بعدم لزومه، فإذا استرده البائع فعليه أن يرد ما أخذه من الثمن على المعتمد.
    أما الإكراه بحق فإنه لا يمنع نفاذ البيع. بل قد يكون واجباً وذلك كما إذا أجبر السلطان عاملاً من عماله على بيع ما في يده ليعطي للناس ما أخذه من أموالهم ظلماً، فإن هذا الإكراه مطلوب إلا إذا كان ذلك العامل قد اغتصب منهم عيناً باقية في يده فإنه يردها لهم بدون أن يجبر على بيع ما عنده. وكذلك إذا حكم القاضي ببيع ملك المدين لإيفاء الغرماء حقوقهم، فإنه إكراه بحق لا يمنع نفاذ البيع.
    الشافعية - قالوا: بيع المره لا ينعقد رأساً إلا إذا قصد إيقاع العقد ونواه حال الإكراه، فإنه في هذه الحالة لا يكون مكرهاً، وينقسم الإكراه إلى قسمين: إكراه بغير حق وهو الذي لا ينعقد معه البيع، سواء أكرهه على التسليم وقبض الثمن أو لم يكرهه، لأنه إذا سلم باختياره أو قبض الثمن باختياره مع بطلان صيغة العقد فإنه لا يعتبر هذا بيعاً، إذ لا ينعقد البيع إلا بصيغة صحيحة. وإذا أكرهه على أمر يضطره إلى البيع كما إذا طلب منه ظالم مالاً غير موجود معه فجبره ذلك على بيع ملكه فإن البيع في هذه الحالة صحيح على الصحيح، لأنه لم يكره على البيع، وإنما أكره على سببه.
    وعلى المكره أن يرد ما أخذه من ثمن إلا إذا هلك في يده بدون تفريط فإنه لا يضمنه. أما الإكراه بحق فهو كأن يكرهه الحاكم أو من له شوكة على بيع ملكه وفاء لدين عليه وهذا الإكراه لا يضر العقد فيقع معه صحيحاً نافذاً. وبيع الهازل فيه وجهان: أصحهما انعقاد البيع نظراً للفظ

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #97
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
    صـــــ 149 الى صــــــــ
    158
    الحلقة (97)

    [الركن الثالث: المعقود عليه]
    يشترط في المعقود ثمنا عليه كان أو مثمنا شروط: منها أن يكون طاهرا فلا يصح أن يكون النجس مبيعا ولا ثمنا، فإذا باع شيئا نجسا أو متنجسا (1) لا يمكن تطهيره فإن بيعه لا ينعقد. وكذلك لا يصح أن يكون النجس أو المتنجس الذي لا يمكن تطهيره ثمنا، فإذا اشترى أحد عينا طاهرة وجعل ثمنها خمرا أو خنزيرا مثلا فإن بيعه لا ينعقد. ومنها أن يكون منتفعا به انتفاعا شرعيا فلا ينعقد بيع الحشرات التي لا نفع فيها. ومنها أن يكون المبيع مملوكا للبائع حال البيع، فلا ينعقد بيع ما ليس مملوكا إلا في السلم، فإنه ينعقد بيع العين التي ستملك بعد كما يأتي. ومنها أن يكون مقدورا على تسليمه، إلا إذا كان المشتري قادرا على نزعه في المذاهب (2) .ومنها أن يكون المبيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة،
    فبيع المجهول جهالة تفضي إلى المنازعة غير صحيح كما إذا قال للمشتري:
    اشتر شاة من قطيع الغنم التي أملكها أو اشتر مني هذا الشيء بقيمته أو اشتر مني هذه السلعة بالثمن الذي يحكم به فلان، فإن البيع في كل هذا لا يصح، وسيأتي تفصيل المذاهب في هذا في مبحث خيار الرؤية،
    ومنها أن لا يكون العقد مؤقتا كأن يقول له:
    بعتك هذا البعير بكذا لمدة سنة، ومنها غير ذلك مما هو مفصل في المذاهب (3) .
    [مباحث الخيار]
    معنى الخيار في البيع وغيره: طلب خير الأمرين منهما، والأمران في البيع الفسخ والإمضاء فالعاقد مخير بين هذين الأمرين.والأصل في عقد البيع أن يكون لازما متى استكمل شرائطه، ولكن قد عدل عن تلك في مسائل الخيار لحكمه جليلة وهي مصلحة العاقدين. فقد أباح الشارع الخيار استيفاء للمودة بين الناس. ودفعا للضغائن والأحقاد من أنفسهمن إذ قد يشتري الواحد السلعة أو يبيعها لظرف خاص يحيط به بحيث لو ذهب ذلك الظرف لندم على بيعها أو شرائها، ويعقب ذلك الندم غيظ فضغينة وحقد وتخاصم وتنازع إلى غير ذلك من الشرور والمفاسد التي يحذر منها الدين ويمقتها كل المقت.فمن أجل ذلك جعل الشارع للعاقد فرصة يحتاط فيها لنفسه، ويزن فيها سلعته في جو هادئ كي لا يكون له عذر في الندم بعد ذلك، على أنه قيد ذلك بشروط تحفظ للعقد قيمته،
    فلا يكون عرضة للنقض والإبطال بدون سبب صحيح فقال:
    إن الخيار في العقد لا يصح إلا بأمرين: (4) .



    (1) الحنفية - قالوا:
    يجوز بيع الدهن المتنجس والانتفاع به في غير الأكل، كما يجوز بيع العذرة المخلوطة بالتراب والانتفاع بها. وبيع الزبل وإن كان نجس العين، وإنما الذي يمنعونه بيع الميتة وجلدها قبل الدبغ، وبيع الخنزير، وبيع الخمر ويقولون:
    من الميتة والخمر والخنزير إذا جعلت ثمنا لا يبطل البيع، وإنما ينعقد فاسدا يملك بقبض المبيع، وعلى المشتري أن يدفع الثمن كما سيأتي
    (2) المالكية - قالوا:
    لا ينعقد بيع المغصوب إلا إذا باعه المالك الأصلي لمن يقدر على أخذه من الغاصب. أما إذا كان الغاصب ممن يخضع لحكم الحاكم فلا يستطيع أحد أن يأخذ منه ما تحت يده، أو كان من يخضع ولكنه منكر ولو عليه بينة، فإن بيع المالك في هذه الحالة لا ينعقد لمنع بيع ما فيه خصومة. وكذا يصح أن يبيعه المالك لنفس الغاصب بشرط أن يكون الغاصب عازما على رد المغصوب لمالكه، أما إن كان عازما على عدم الرد فإنه لا ينعقد البيع له. وكذا إذا لم يعرف إن كان عازما على الرد أو لا فإنه يصح البيع له.
    الشافعية - قالوا:
    لا ينعقد بيع المغصوب مطلقا لا للغاصب ولا لغيره، ولا من المالك ولا من غيره إلا إذا كان مقدورا على تسليمه.
    الحنفية - قالوا:
    لا ينعقد بيع المغصوب إلا إذا باعه الغاصب وضمنه المالك. أو باعه المالك وأقر الغاصب هذا البيع، فإن لم يقر الغاصب وكان للمالك بينة ثم باعه فإن البيع ينعقد ويلزم المشتري، أما إذا لم تكن له بينة وهلك المبيع قبل أن يسلمه انتقض البيع.
    الحنابلة - قالوا:
    لا يصح بيع المغصوب لأن البائع إن كان هو المالك فلا يقدر على تسليمه لأنه ليس تحت يده وإن كان الغاصب فإنه غير مالك له. ويصح أن يبيعه المالك لغاصبه، لأن المانع وهو عدم القدرة على التسليم منتف، وكذلك يصح أن يبيعه لقادر على أخذه من الغاصب لإمكان قبضه في هذه الحالة، فإن عجز بعد البيع عن تحصيل المغصوب فله الفسخ، وإذا اشتراه ظانا أنه قادر على أخذه من الغاصب ثم تبين عجزه فإنه يصح
    (3) الشافعية - قالوا:
    يشترط لصحة البيع اثنان وعشرون شرطا: منها في الصيغة ثلاثة عشر، ومنها في العاقد أربعة، ومنها في المعقود عليه خمسة.
    فأما شرائط الصيغة فهي:
    -1 - الخطاب بأن يخطب كل من العاقدين صاحبه، فلو قال أحدهما: بعت لزيد فلا يصح.
    -2 - أن يكون الخطاب واقعا على جملة المخاطب كأن يقول له: بعتك، أما لو قال: بعت يدك مثلا فإنه لا يصح.
    3 - أن يذكر المبتدي منها بالكلام الثمن والمثمن كأن يقول: بعتك هذه السلعة بثمن كذا، أو اشتريت منك هذه السلعة بكذا.
    4 - أن يقصد البائع والمشتري معنى اللفظ الذي ينطق به، فإذا جرى على لسانه بعت أو اشتريت بدون أن يقصد معنى البيع والشراء وهو التمليك والتملك. فإنه لا يصح.
    5 - أن لا يتخلل الإيجاب والقبول كلام أجنبي.
    6 - أن لا يتخلل الإيجاب والقبول سكوت طويل وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول.
    7 - أن لا يتغير الأول قبل الثاني بمعنى أن المتكلم بالإيجاب مثلا لا يغير كلامه قبل قبول الآخر، فإذا قال له:
    بعتك بخمسة ثم قال: بل بعشرة قبل أن يقبل فلا يصح العقد.
    8 - أن يكون كلام كل واحد منهما مسموعا لصاحبه ولمن يقرب من الحاضرين، فإن لم يسمعه من كان قريبا لا يكفي وإن سمعه العاقد.
    9 - أن يتوافق الإيجاب والقبول معنى فلو قال:
    بعتك كأن يقول: بعتك هذه الدار إن شاء فلان أو إن شاء الله، بخلاف ما إذا قال:
    إن شئت لأن هذا التعليق لا ينافي العقد بالشروط المتقدمة.
    11 - أن لا يؤقت كلامه بوقت فإذا قال:
    بعتك هذا البعير مدة شهر فإنه لا يصح.
    12 - أن يكون القبول من الذي صدر معه الخطاب فلو قال له:
    بعتك هذه السلعة ثم قبل آخر موكل عن المخاطب فإن البيع لا يصح.
    13 - أن تستمر أهلية المتكلمين بالصيغة إلى أن يتم القبول فإذا قال: بعتك كذا ثم جن قبل أن يقول الآخر قبلتبطل العقد.
    وأما شرائط العاقد فهي:
    -1 - إطلاق تصرف فلا يصح بيع الصبي والمجنون والمحجور عليه بسفه.
    -2 - عدم الإكراه بغير حق، فلا يصح بيع المكره كما تقدم.
    -3 - إسلام من يشتري له مصحف أو نحوه.
    -4 - أن لا يكون محاربا إذا أراد أن يشتري آلة الحرب.
    وأما شرائط المعقود عليه فهي:
    -1 - طهارة المعقود عليه، فلا يصح بيع النجس كما تقدم.
    -2 - وأن يكون منتفعا به شرعا، فلا يصح بيع الحشرات التي لا ينتفع بها شرعا.
    -3 - وأن يكون مقدورا على تسليمه فلا يصح بيع الطير في الهواء، ولا السمك في الماء، ولا المغصوب.
    -4 - أن يكون للعاقد عليه ولاية، فلا يصح بيع الفضولي.
    -5 - أن يكون معلوما للعاقدين عينا وقدرا وصفة وسيأتي بيان كل ذلك مفصلا.
    الحنفية - قالوا: تنقسم شروط البيع إلى أربعة أقسام: الأول شروط الانعقاد، فلا ينعقد البيع رأسا إلا إذا تحققت. الثاني شروط النفاذ، فلا ينفذ البيع إلا إذا وجدت، الثالث شروط الصحة فلا يصح البيع إلا بها، الرابع شروط للزوم، فلا يلزم البيع إلا بها، فأما شروط الانعقاد فهي خمسة أنواع: النوع الأول يتعلق بالعاقد، سواء كان بائعا أو مشتريا وهو ثلاثة،
    الشرط الأول:
    أن يكون عاقلا فلا ينعقد بيع المجنون ولا شراؤه وأما المعتوه الذي يعرف معنى البيع ويدرك ما يترتب عليه من الأثر فإنه ينعقد بيعه وشراؤه،
    الشرط الثاني:
    أن يكون مميزا فلا ينعقد بيع الصبي الذي لا يميز، أما الصبي المميز الذي يعرف معنى البيع وما يترتب عليه من الأثر فإنه ينعقد بيعه وشراؤه، ويتوقف نفاذه على إجازة الولي أو الوصي أو إجازة نفسه بعد البلوغ، الشرط الثالث: أن يكون العاقد متعددا فلا ينعقد البيع بشخص واحد، بل يلزم أن يكون الإيجاب من شخص والقبول من شخص آخر، إلا إذا كان أبا يريد أن يشتري أو يبيع لولده الصغير، فإنه يكون بائعا ومشتريا بنفسه، ومثله الوصي والقاضي، ويشترط في الوصي أن يكون في بيعه وشرائه نفع ظاهر للصبي، وكذا الرسول إذا كان من جانب البائع والمشتري فإنه ينعقد بيعه وشراءه لنفسه. النوع الثاني يتعلق بالعقد، فيشترط لانعقاد عقد البيع شرط واحد وهو أن يكون الإيجاب موافقا للقبول بأن يقبل المشتري بكل ما أوجبه البائع، فإذا قال البائع:
    بعت هذه الدار بمائة جنيه مصري فإن البيع لا ينعقد إلا إذا قال المشتري:
    قبلت شرائها بهذا الثمن، أما إذا قال:
    قبلت شرائها بخمسة وتسعين مثلا فإن البيع لا ينعقد، النوع الثالث يتعلق بالمبيع وهو خمسة شروط الأول أن يكون المبيع موجودا فلا ينعقد بيع المعدوم ولا بيع ما هو في حكم المعدوم كبيع الحمل.
    الشرط الثاني:
    أن يكون مما يتعلق به الملك. فلا ينعقد بيع العشب المباح ولو نبت في أرض مملوكة. الشرط الثالث:
    أن يكون مملوكا للبائع إذا كان يريد أن يبيع لنفسه، أو مملوكا لموكله ونحوه كما يأتي، فلا ينعقد بيع ما ليس بمملوك ولو ملكه بعد البيع إلا في السلم فإنه ينعقد فيه بيع ما سيملكه بعد العقد، وكذلك المغصوب إذا باته الغاصب ثم ضمنه المالك فإن بيعه ينعقد. الشرط الرابع: أن يكون المبيع مالا متقوما شرعا، فلا ينعقد بيع الخمر ونحوه من كل ما لا يباح الانتفاع به شرعا. وكذلك لا ينعقد بيع اليسير من المال كحبة من حنطة لأنها ليست مالا متقوما. الشرط الخامس أن يكون البائع قادرا على تسليمه في الحال أو قريبا من الحال.
    النوع الثالث:
    يتعلق بالبدلين الثمن والسلعة، فيشترط في كل واحد منهما أن يكون مالا قائما، فإذا عدم أحدهما لا ينعقد البيع.
    النوع الرابع:
    يتعلق بسماع الصيغة، فلا ينعقد البيع إلا إذا سمع كل واحد من العاقدين كلام صاحبه. فإذا كان البيع في المجلس وسمع الناس كلام أحدهما ثم أنكر وقال:
    إن في أذنه وقرا فإنه لا يصدق قضاء.
    النوع الخامس:
    يتعلق بالمكان فيشترط أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، فإن اختلف المجلس فإن البيع لا ينعقد، والمراد بالمجلس ما حصل فيه العقد، ولو كانا واقفين أو سائرين، فهذه شروط انعقاد البيع وهي اثنا عشر شرطا: ثلاثة في العاقد سواء أكان أم مشتريا، وواحد في العقد وخمسة في المبيع، وواحد في سماع الكلام. وواحد في المكان.
    وأما شروط النفاذ فهي شيئان:
    الأول:
    أن يكون المبيع مملوكا للبائع، أو له عليه ولاية، فنفذ بيع غير المملوك كما لا ينعقد.
    الثاني:
    أن لا يكون في المبيع حق لغير البائع، فلا ينفذ بيع المرهون والمستأجر، لأنه وإن كان محبوسا في يده ولكن للغير حق فيه فلا ينفذ بيعه.
    وأما شرائط صحة البيع فتنقسم إلى قسمين:
    عامة تتعلق بجميع أفراد البيع. وخاصة تتعلق أيضا ولا ينعكس، فإن الفاسد ينعقد وينفذ إذا اتصل به القبض، ويزاد عليها أمور: منها أن لا يكون البيع مؤقتا، فإن أقته بوقت فإنه لا يصح. ومنها أن يكون المبيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة، فإن باع شيئا مجهولا جهالة يترتب عليها النزاع فإن البيع لا يصح وذلك كأن يبيع شاة من قطيع غنم أو يبيع شيئا بقيمته من غير أن يعين الثمن. ومنها أن يكون البيع فيه فائدة. فلا يصح بيع الدرهم بالدرهم المساوي له من كل الوجوه كما تقدم.
    ومنها الخلو عن الشرط الفاسد، كأن يشتري الناقة بشرط أن تكون حاملا.
    وأما الخاصة: فمنها القبض في الصرف قبل الافتراق: ومنها أن يكون الثمن الأول معلوما في بيع المرابحة والتولية والوضعية. وأما شرط اللزوم فهو خلو البيع عن الخيار، فإن البيع بشرط الخيار لا يلزم.
    المالكية - قالوا:
    شروط البيع منها ما يتعلق بالصيغة، ومنها ما يتعلق بالعاقد بائعا كان أو مشتريا، ومنها ما يتعلق بالمعقود عليه ثمنا كان أو مثمنا.
    فيشترط في الصيغة أمران:
    الأول أن يكون القبول في المجلس. فلو قال البائع:
    بعتك الدار بكذا فلم يجبه ثم تفرقا من المجلس فليس للمشتري أن يقبل بعد ذلك.
    الثاني:
    أن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض عن البيع عرفا. فإن وجد فاصل يدل على الإعراض عرفا لم يلزم البيع ولو لم يتفرق المجلس. ومتى تحقق الشرطان فليس للبائع أن يرجع عن البيع إذا قال للمشتري:
    بعتك قبل قبوله على المذهب.
    أما شروط العاقد فهي نوعان:
    شروط انعقاد، وشروط لزوم، فيشترط لانعقاد البيع شروط واحد وهو العقل بائعا كان أو مشتريا، فلا ينعقد البيع إذا كان العاقد صبيا غير مميز، أو مجنونا أو مغمى عليه، أو سكران إذا كان على حالة لا يميز معها شيئا، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السكر بحلال أو حرام. ويشترط للزومه اربعة شروط.
    الثاني:
    أن يكون غير محجور عليه، فلا يلزم المحجور عليه لسفه ونحوه وينفذ بيع الصبي المميز والمحجور عليه بإذن وليهما كما تقدم.
    الثالث:
    أن يكون غير مكره، فلا يلزم بيع المكره على التفصيل المتقدم.
    الرابع:
    أن يكون العاقد مالكا أو وكيلا عن مالك فلا يلزم بيع الفضولي.
    ويشترط في المعقود عليه خمسة شروط: أحدهما أن يكون طاهرا، فلا يصح بيع نجس ولا متنجس لا يمكن تطهيره. ثانيهما أن يكون منتفعا به شرعا، فلا يصح بيع آلة اللهو. ثالثها أن يكون غير منهي عن بيعه، فلا يصح بيع كلب الصيد ونحوه. الرابع أن يكون مقدورا على تسليمه، فلا يصح بيع الطير في الهواء، ولا الوحش في الفلاة. الخامس أن يكون المبيع والثمن معلومين للمتعاقد، فلا يصح بيع المجهول سواء جهلت ذاته أو صفته، أو جهل قدره. فجملة شروط البيع اثنا عشر.
    ومن هذا تعلم أن كل عقد لازم فهو صحيح وليس كل صحيح لازما كما في بيع الصبي فإنه صحيح غير لازم، وكل صحيح منعقد وبالعكس.
    الحنابلة - قالوا:
    يشترط للبيع شروط بعضها يتعلق بالصيغة، وبعضها يتعلق بالعاقد، وبعضها يعلق بالمعقود عليه.
    فيشترط في الصيغة أمران:
    أن يكون القبول في المجلس، فإذا قال البائع: بعتك ثم تفرقا قبل القبول من المجلس لم ينعقد البيع. وأن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض عن البيع عرفا.
    ويشترط في العاقد سواء كان بائعا أو مشتريا أن يكون مختارا، فلا يصح بيع المكره على التفصيل المتقدم. وأن يكون بالغا رشيدا، فلا يصح بيع الصبي المجنون والسكران والسفيه إلا في الصبي المميز والسفيه المميز على التفصيل المتقدم.
    ويشترط في المعقود عليه سواء كان مبيعا أو ثمنا أن يكون فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة، فلا يصح بيع ما لا نفع فيه أصلا كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة كالخمر وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب، وما فيه منفعة مباحة للضرورة كالميتة حال الاضطرار.
    ويشترط في المعقود عليه أن يكون المبيع مملوكا لبائعه وقت العقد ملكا تاما، وأن يكون مقدورا على تسليمه حال العقد، فلا يصح بيع جمل شارد، ولا بيع نحل، ولا طير في الهواء، سواء كان الطير مما يألف الرجوع أو لا. وكذا لا يصح بيع سمك في لجة ماء إلا إذا كان في بركة ماؤها صاف يشاهد فيه السمك، وكان غير متصل بنهر، ويمكن أخذ السمك منه، فإن بيعه يصح في هذه الحالة. وأن يكون المعقود عليه من مبيع وثمن معلوما للمتعاقدين. وكل ما لا يصح أن يكون مبيعا كذلك لا يصح أن يكون ثمنا
    (4) الشافعية - قالوا:
    يثبت خيار المجلس بعد تمام العقد بدون شروط الخيار، بل لو اشترط العاقد عدم الخيار بطل البيع لأنه شرط يقتضي العقد عدمه، لأن الخيار في المجلس ثبت بالنص لا بالاجتهاد فأصبح من مقتضى العقد، وكل شرط لا يقتضيه العقد فهو باطل، والخيار إما أن يكون لدفع الضرورة وهو خيار النقض، وإما أن يكون للتروية وله سببان:
    المجلس والشرط فأقسامه ثلاثة.
    ويثبت خيار المجلس عندهم في كل عقد توفرت فيه خمسة قيود:
    الأول:
    أن يكون عقد معاوضة أي محتو على عوض من المتعاقدين، فخرج بذلك الهبة بدون عوض لأنها ليست عقد معاوضة كما هو ظاهر. فلا خيار فيها بعد.
    أما قبله فللواهب الرجوع وكذا بعده، أو كان أصلا فيما وهببه لفرعه. وكذلك خرج صلح الحطيطة وهو الصلح من الشيء على بعضه، كأن يصطلح معه على أن يحط له شيئا مما عليه فإنه لا معاوضة فيه فلا خيار فيه.
    الثاني:
    أن يفسد العقد بفساد العوض. وذلك كأن يبيع له عنيا ليست مملوكة له، فإن أحد العوضين وهو المبيع في هذه الحالة فاسد، فالبيع فاسد بفساد العوض فيصح الخيار في كل عقد يفسد بفساد عوضه فإنه لا خيار فيه وذلك كالنكاح والخلع فلو تزوجها على مال مملوك للغير لم يفسد العقد وعليه مهر المثل، وكذا لو خالعته على مال ليس مملوكا لها فإن الخلع لا يفسد وعليها القيمة.
    الثالث:
    أن تكون المعاوضة واقعة على عين لازمة من الجانبين أو على منفعة مؤبدة بلفظ البيع والأول كالثمن والمثمن من البائع والمشتري. والثاني كأن يبيع لجاره حق وضع الخشب على حائطه، فإنه بيع منفعة مؤبدة.
    وخرج بقوله:
    عين لازمة من الجانبين الشركة والقراض. لأن كلا منهما جائز من الجانبين. وكذلك خرج الرهن لأن العين فيه وإن كانت لازمة ولكن من جانب واحد، أما الجانب الآخر فله أن يسترد العين المرهونة بسداد ما عليه، وكذا خرج به ما كانت لمعاوضة فيه واقعة على منفعة غير لازمة كالإجارة والمساقاة. فكل هذه لا خيار فيها.
    الرابع: أن لا يكون في المعاوضة تملك قهري خرج به الشفعة، لأن التملك فيها بالقهر والإجبار فلا معنى للخيار فيها، وبعضهم يقول:
    إن الخيار ثابت في الشفعة للشفيع، بمعنى أن له الخيار في رد العين التي ملكها بالشفعة أو إمساكها.
    الخامس:
    أن تكون المعاوضة غير جارية مجرى الرخص كالحوالة والقسمة لعدم ظهور البيع فيهما.
    وبهذا الضابط يتيسر عد العقود التي يقبت فيها خيار المجلس كالآتي:
    عقد البيع المطلق، والسلم، والهبة بشرط العوض، وبيع الطعام يسمى بيعا ربويا.
    والتولية: أو صلح المعاوضة على غير منفعة كأن يصطلحا على أن كلا منهما يدفع لصاحبه مالا بدون أن يشترط منفعة مقابلة.
    أما إذا اشترط منفعة فإن العقد يكون إجارة لا بيعا، وذلك كأن يقول له:
    صالحتك من الدراهم التي لي عليك على أن أسكن في دارك سنة مثلا فمثل هذا إجارة لا خيار فيه على الصحيح، وهكذا كل عقد معاوضة توفرت فيه القيود التي ذكرت فإنه يثبت فيه خيار المجلس، أما العقود التي لم تتوفر فيها الشروط فيمكن عدها كالآتي أيضا:
    النكاح، والخلع، والإجارة، والهبة بلا عوض، صلح الحطيطة، الشفعة، المساقاة، الشركة، القراض، الرهن، الإجارة. وهكذا كل عقد لم تتوفر فيه القيود التي ذكرت.
    ويسقط خيار المجلس بأمرين:
    الأول: ذكر ما يدل صريحا على أنهما قد التزما عقد البيع كأن يقولا: اخترنا لزوم العقد، أو أمضيناه، أو أجزناه، أو أبطلنا الخيار. أو أفسدنا الخيار اختيارا لا كرها. أما إذا لم تكن صيغة إبطال الخيار صريحة كما إذا قالا:
    تخايرنا ولم يذكرا عقد البيع فإن ذلك يحتمل الفسخ والإمضاء فيصدق من ادعى أنه أراد تخايرنا فسخه على أن يحلف اليمين. وكما أن الخيار يسقط بذكر الصيغة التي تدل على نفاذ العقد يسقط كذلك بالتصرف في البيع في المجلس، فلو باع المشتري السلعة التي اشتراها للبائع بغير ثمنها كان ذلك إجارة تسقط الخيار. وإذا قال أحد المتعاقدين: اخترت لزم العقد ولم يقل الآخر، بطل خيار القائل فقط، وإذا اختار أحدهما لزوم العقد واختار الآخر فسخه قدم الفسخ.
    الأمر الثاني:
    أن يتفرقا عن المجلس بأبدانهما، فمتى ترك المجلس واحد منهما وانصرف بطل الخيار، والمراد بالتفرق ما يعده الناس فرقة في عرفهم.
    ويشترط في التفرق أن يكون بالاختيار، فإذا فرق بينهما كرها بسبب من الأسباب يبقى الخيار.
    ومدة خيار المجلس غير محددة، فلو مكثا مكانهما أياما كثيرة لم ينقطع الخيار، وإذا مات أحدهما أو جن انتقل الخيار لوراثة.
    الحنابلة - قالوا:
    يثبت خيار المجلس للمتعاقدين، ولو لم يشترطاه ولو بعد تمام العقد، فلكل واحد منهما إمضاء العقد وفسخه ما داما في المجلس، ولو أقام شهرا أو أكثر إلا إذا تفرقا كرها. كما إذا حملهما على التفرق سبع ونحوه، أو ظالم طلع عليهما، ونحو ذلك، فإن التفرق في هذه الحالة لا يسقط الخيار، ومتى تم العقد وتفرقا لزم البيع. فليس لواحد منهما الفسخ إلا بعيب أو خيار شرط.
    ويثبت خيار المجلس في أمور:
    الأول الشركة في ملكه في نظير أن يدفع له قسطا من ثمنه المعلوم لأنها صورة من صور البيع، أما الشركة في غير ذلك فلا خيار فيها.
    الثاني الصلح على مال سواء كان عينا أو نقدا لأنه بيع أيضا. الثالث الإجارة على عين كدار أو حيوان. أو الإجارة على نفع في الذمة بأن استأجره لبناء حائط أو خياطة ثوب، لأن الإجارة نوع من البيع. الرابع الهبة بشرط العوض. الخامس كل عقد بيع قبضه شرط في صحته، فيثبت في الصرف لأنه يشترط في صحته القبض، والسلم، وبيع المكيل والموزون بمثلهما. ولا خيار في قسمة الإجبار لأنهما إفراز حق لا بيع، كما لا خيار في المجلس في بقية العقود كالمساقاة، والمزارعة، والحوالة، والإقالة، والشفعة، والجعالة، والشركة، والوكالة، والمضاربة، والعارية، والهبة بغير عوض، والوصية قبل الموت، والوديعة، والنكاح، والخلع، والرهن، والضمان، والكفالة، فلا يثبت خيار المجلس في شيء من ذلك، وشرط عدم الخيار لا يبطل العقد وإنما يسقط الخيار فقط.
    ويسقط الخيار المجلس بأربعة أمور:
    الأول أن يشترطا عدم الخيار قبل تمام العقد كأن يقولا: تبايعنا على أن لا خيار بيننا، أو يقول أحدهما:
    بعتك على أن لا خيار بيننا فيقول الآخر:
    قبلت ولو لم يزد على ذلك فإنه في هذه الحالة يسقط الخيار.
    والثاني: أن يسقطا الخيار بعد تمام العقد كأن يقول كل منهما:
    اخترت إمضاء العقد أو التزامه، وإذا أسقطه أحدهما أو قال لصاحبه: اختر، سقط خياره وبقي خيار صاحبه.
    الثالث: أن يتفرقا عن المجلس بأبدانهما عرفا، فإذا فارق احدهما صاحبه لزم، سواء قصد بالمفارقة لزوم البيع أو قصد حاجة أخرى، ولكن تحرم الفرقة بغير إذن صاحبه بقصد لزوم البيع وعدم فسخه، لما في الحديث من أنه: "لا يحل لأحد المتبايعين أن يفارق صاحبه خشية أن يستقبله" رواه النسائي.
    والرابع: موت أحد المتعاقدين فإنه يبطل خيارهما لأنه أعظم فرقة. وكذا يبطل خيارهما إذا هرب أحدهما من صاحبه، أما إذا جن إحدهما أو أغمي عليه فلا يسقط خياره.
    الحنفية - قالوا: خيار المجلس لا يثبت للعاقد إلا بالشروط، فإذا تم العقد بينهما من غير شرط الخيار أصبح لازما سواء أقاما بالمجلس أو تفرقا، وإنما الذي للعاقد في المجلس بدون شرط هو خيار القول، فإذا قال للبائع:
    بعتك، فله أن يرجع قبل أن يجيبه المشتري كما تقدم.
    ويحملون الحديث على هذا فيقولون: إن معنى الحديث أن لهما خيار المجلس بالشرط.
    المالكية - قالوا:
    لا خيار في المجلس أصلا بل الخيار ينقسم إلى قسمين:
    الأول: خيار الشرط ويسمى الخيار الشرطي، وخيار التروي "النظر والتفكر في إمضاء العقد ورده" وهذا القسم هو الذي ينصرف إليه الخيار عند الإطلاق في عرف الفقهاء.
    الثاني: خيار النقيصة ويسمى الخيار الحكمي، وسببه ظهور عيب في المبيع أو استحقاق للغير فيه.
    أما حديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فهو وإن كانت روايته صحيحة إلا أن عمل أهل المدينة كان على خلافه، وعمل أهل المدينة مقدم على الحديث وإن كان صحيحا، لأنه في حكم المتواتر الموجب للقطع، بخلاف الحديث فإنه وإن كان صحيحا لكنه خبر آحاد يفيد الظن، فالأول مقدم عليه.
    وإذا شرط العاقد خيار المجلس في البيع فسد العقد، ومن هذا تعلم أن الحنفية والمالكية متفقون على أن لا خيار في المجلس:
    إلا أن الحنفية يقولون:
    إنه يثبت بالشرط
    والمالكية يقولون:
    إن شرطه يفسد البيع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #98
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
    صـــــ 158 الى صــــــــ
    167
    الحلقة (98)

    [خيار الشرط]
    هو عبارة عن كون العاقد يبيع السلعة أو يشتريها بشرط أن يكون له الخيار في إمضاء العقد أو فسخه.
    فمعنى قولهم خيار الشرط:
    الخيار الثابت بالشرط، فيصح للمتبايعين أن يشترطا الخيار كما يصح لأحدهم.
    وكذلك يصح أن يشترطاه لأجنبي عنهما كأن يقول:
    اشتريت منك هذه السلعة على أن يكون الخيار لفلان، وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
    [مدة خيار الشرط]
    في مدة الخيار الشرط اختلاف المذاهب (2) .
    [مبحث هل يخرج المبيع عن ملك البائع في زمن الخيار؟]
    لا يخرج المبيع في زمن الخيار عن ملك البائع عند بعض الأئمة، ويخرج عند البعض الآخر، لكن في كل ذلك تفصيل مبين في هامش الصحيفة (3) .

    (1) الشافعية - قالوا:
    خيار الشرط إما أن يكون للمتبايعين أو يكون لواحد منهما، أو يكون لأجنبي عنهما، فأما الأول فهو أن يتلفظ به كأن يقول المبتدي منهما:
    بعتك كذا بكذا بشرط أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام، فيقول الثاني: اشتريت بذلك بشرط الخيار لك ثلاثة أيام فالشرط وقع في هذه الحالة من المتبايعين، وأما الثاني فهو أن يتلفظ المبتدي منهما بالشرط كأن يقول: بعتك كذا بكذا بشرط أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام، فيقول الآخر:
    اشتريت على ذلك ولم يتلفظ بشرط الخيار، ولكن لا بد من أن يوافق عليه ولو بالسكوت، ويشترط في ذلك أن يكون المبتدي بالإيجاب أو القبول هو الذي يتلفظ بالشرط كأن يقول له بعتك كذا بشرط الخيار أو يقول المشتري: بعني كذا بشرط الخيار. أما إذا تلفظ به الثاني كما إذا قال البائع:
    بعتك كذا فقال:
    قبلت بشرط أن يكون لي الخيار، فإن العقد يبطل لعدم موافقة القبول للإيجاب. فإن الإيجاب في هذه الحالة مطلق والقبول مقيد بالإيجاب.
    وأما الثالث فهو أن يشترطاه أو يشترطه أحدهما لأجنبي عنهما بشرط أن يكون مكلفا كأن يقول: بعت هذه السلعة بكذا بشرط أن يكون الخيار لوالدي مثلا، على أنه لا بد من تعيين المشروط له في الصور الثلاث، فلو قال:
    على أن يكون الخيار لأحدنا مثلا فسد العقد لأنه لم يعين.
    ومن شرط له الخيار كان له حق فسخ العقد وإمضائه، سواء كان البائع، أو المشتري، أو هما معا، أو الأجنبي، فلا يصح أن يشترط الخيار له ثم يفسخ العقد غيره على المعتمد.
    وإذا شرط الخيار لأجنبي عنه سقط خياره هو إلا أن يموت ذلك الأجنبي في زمن الخيار.
    وإذا وكل أحد المتعاقدين شخصا عنه فليس للوكيل أن يشترط الخيار للطرف الآخر إلا بأذن موكله فإن شرط ذلك بغير إذن موكله بطل العقد، أما بإذن موكله فله أن يشترط لموكله ولنفسه.
    المالكية - قالوا:
    يصح الخيار بالشرط للبائع، وللمشتري، وللأجنبي عنهما، فإذا شرط الخيار لأجنبي كان هو صاحب القول في فسخ العقد وإمضائه، ولا كلام لمن شرط له الخيار، ومثل الخيار الرضا فمن اشترى سلعة أو باعها لفلان على أن يكون الخيار لغيره في فسخ العقد، وإمضائه لزمه ذلك ولا كلام له في الخيار، وكذا إذا علق البيع على رضاء الغير كأن قال: بعته لك أو اشتريته منك بكذا إن رضي فلان فإنه يصبح الكلام في الرضا لفلان دون العاقد، وهذا هو المعتمد. أما إذا علقه على مشورة فلان كأن يقول: بعت كذا أو اشتريته على مشورة فلان فإن الخيار في هذه الحالة يكون للعاقد، فله أن يستبد بإمضاء العقد أو فسخه بدون رأي من علق المشورة عليه، والفرق بين الصيغتين: أن من شرط لغير الاختيار أو الرضا فقد تنازل عن اختيار نفسه ورضاه، أما من علق المشورة فإنه جعل لنفسه حق التكلم مع الاعتضاد برأي غيره فله أن يستقل بالرأي.
    وإذا وكل العاقد غيره فاشترى له سلعة بشرط الخيار كان شريكا له في الخيار. وينفذ تصرف السابق منهما إلا إذا قبض الثاني، ويشترط لصحة الخيار أن لا يقبض البائع الثمن على المعتمد كما سيأتي.
    الحنفية - قالوا:
    يصح خيار الشرط للمتبايعين، ولأحدهما، وللأجنبي عنهما.
    فإذا شرط أحد المتعاقدين - البائع والمشتري - الخيار لأجنبي لم يسقط خياره هو بل يكون شريكا للأجنبي في الخيار، فإذا أجاز الأجنبي العقد أو نقضه ووافقه العاقد الذي أنابه صح ذلك بلا نزاع، أما إذا لم يوافقه كأن أجاز النائب وفسخ الأصيل فإنه يعمل برأي الذي سبق أولا، وإن كان الفسخ أقوى من اجازة في ذاته، لأن تصرفه وقع بدون أن يزاحمه أحد أما إذا تكلما معا ولم يعلم أيهما أسبق بالكلام؛ فالفسخ مقدم على الإمضاء في هذه الحالة على الصحيح.
    ويصح شرط الخيار من الوكيل، فإذا وكل شخص آخر في أن يشتري له سلعة بدون أن يأمره باشتراط الخيار فاشتراها بشرط الخيار لموكله، أو له هو، أو لأجنبي منهما صح الشرط أما إذا أمره بأن يشتري له بشرط الخيار للآمر فشرطه لنفسه فلا يصح الشرط. وإذا اشتراه في هذه الحالة بدون خيار أصلا نفذ البيع على الوكيل لا على الآمر، وإذا أمره، أن يبيع بخيار فباع بدونه فإن البيع يبطل رأسا في هذه الحالة.
    ويصح شرط الخيار عند الحنفية في كل عقد لازم يحتمل الفسخ، سواء كان لازما من جانب واحد أو من الجانبين. فخرج بقوله لازم الوصية فإنها عقد غير لازم لأن للموصي الرجوع فيها ما دام حيا، وللموصى له القبول وعدمه فلا معنى للخيار فيها. ومثل الوصية العارية، والوديعة. وخرج بقوله يحتمل الفسخ العقود اللازمة التي لا تحتمل الفسخ. كالنكاح والطلاق والخلع بلا مال وقد يقال إن النكاح أيضا يحتمل الفسخ، لأنه يفسخ بعدم الكفاءة والبلوغ والعتق والردة والجواب أن فسخه بعدم الكفاءة والبلوغ والعتق إنما هو قبل تمام العقد. أما بعد تمام العقد فإن النكاح لازم لا يحتمل الفسخ. وأما فسخه بالردة فهو وإن كان بعد التمام ولكنه لم يكن برضا العاقدين، والكلام فيما يحتمل الفسخ برضاهما لا فيما يثبت تبعا، ويمكن حصر العقود التي يصح فيها خيار الشرط في ستة عشر:
    الأول الإجارة، فإنه عقد لازم يحتمل الفسخ.
    الثاني المزارعة.
    الثالث المساقاة لأنهما إجارة.
    الرابع القسمة لأنها بيع من وجه كما ستعرفه في بابها إن شاء الله.
    الخامس الصلح عن مال. السادس الخلع على مال إذا شرطت الخيار الزوجة، لأن الخلع في هذه الحالة عقد لازم من جانب الزوج لا من جانبها هي، فإن العوض من جانب الزوج اليمين وهو لا حتمل الفسخ، أما العوض من جانب الزوجة فهو المال، وهو يحتمل الفسخ، فصح اشتراط الخيار لها، السابع الرهن إذا شرطه الراهن لأنه وإن كان عقدا لازما يحتمل الفسخ ولكنه لازم من جانب الراهن، أما المرتهن فليس بلازم من جانبه أصلا، لأن له أن يسترد المرهون متى شاء فلا معنى لاشتراط الخيار من جانبه. الثامن الكفالة بنفس أو مال، ويصح الخيار فيها للمكفول له وللكفيل. التاسع الحوالة ويصح للمحتال أو المحال عليه، لأن الحوالة تتوقف على رضاء المحال عليه فله شرط الخيار، ويصح شرط الخيار في الكفالة والحوالة أكثر من ثلاثة أيام عند أبي حنيفة، لأنه قد استثناهما من المدة المقررة عنده. العاشر الإبراء من الدين، فلو قال: أبرأتك على أني بالخيار صح، ونقل بعضهم أن شرط الخيار في الإبراء باطل، الحادي عشر الشفعة، الثاني عشر الوقف عن أبي يوسف، أما عند أبي حنيفة فإنه غير لازم فلا معنى لاشتراط الخيار فيه، وعند محمد فهو وإن كان يقول بلزومه لكنه اشترط أن لا يكون فيه خيار شرط وسيأتي بيان ذلك في بابه، الثالث عشر الكتابة على مال، الرابع عشر العتق على مال، الخامس عشر الإقالة، السادس عشر البيع.
    وأما العقود التي لا يصح فيها خيار الشرط فهي عشرة وهي:
    -1 - النكاح.
    2 - الطلاق على مال ومثله بلا مال أيضا.
    3 - اليمين.
    4 - النذر.
    5 - الصرف.
    6 - السلم.
    7 - الإقرار، فإذا أقر بشيء لا يقبل الخيار على أنه كان له الخيار فيه فإنه يلزم بإقراره بدون خيار، سواء صدقه المقرر له في الخيار أو لا، أما إذا أقر بشيء يقبل شرط الخيار كما إذا أقر بعقد بيع وقع له الخيار فإنه يصح باعتبار العقد لا باعتبار الإقرار، لأن الإقرار في ذاته لا يقبل الخيار، وإنما يصح إذا صدقه الطرف الثاني، أو برهن على قوله.
    8 - الوكالة.
    9 - الوصية.
    10 - الهبة بلا عوض.
    الحنابلة - قالوا:
    يثبت خيار الشرط في صلب العقد قبل أن يصبح لازما كأن يتفرقا من المجلس بعد تمام العقد بدون شرط، فإذا أصبح العقد لازما سقط خيار الشرط.
    ويصح شرط الخيار للمتبايعين، أو لأحدهما، أو لأجنبي عنهما فيصح أن يشترط أحد العاقدين الخيار لنفسه أو لغيره بشرط أن لا يخرج نفسه، فلو قال: جعلت الخيار لزيد دوني لم يصح الشرط، لأن الخيار شرع لمنفعة العاقدين ولاحظ للأجنبي فيه، فلا يصح أن ينفرد بالشرط، فإن قال:
    جعلت الخيار لزيد ولم يقل دوني فإنه يصح، وكذا إذا شرطه لنفسه ولزيد كأن قال:
    اشتريت أو بعت على أن يكون الخيار لي ولزيد فإنه يصح:
    ويكون اشتراطا لنفسه أصالة وتوكيلا لزيد فيه، فيكون لكل واحد من الأصيل أو الوكيل فسخ العقد وإمضاءه.
    وإذا وكل شخص آخر في أن يشتري له سلعة فاشتراها بشرط الخيار ثبت الخيار للموكل، فإذا شرط الوكيل الخيار لنفسه ثبت له ولموكله، وإذا شرطه لنفسه دون موكله لم يصح الشرط، وكذا لو شرطه لأجنبي فإنه لا يصح، لأن الوكيل ليس له أن يوكل في مثل ذلك
    (2) الحنفية - قالوا:
    ينقسم خيار الشرط بالنسبة للمدة إلى ثلاثة أقسام:
    الأول فاسد باتفاق، وهو نوعان: النوع الأول أن يذكر مدة مجهولة كأن يقول اشتريت على أني بالخيار أياما أو أبدا. النوع الثاني أن يطلق الخيار بأن لم يقيده بمدة أصلا كأن يقول:
    اشتريت على أني بالخيار ولم يذكر مدة ما، على ان إطلاق الخيار مفسده إذا كان مقارنا للعقد كما في المثال، أما إذا لم يكن مقارنا بأن باع له سلعة بدون خيار ثم لقيه بعد مدة وقال له: أنت بالخيار ولم يعين زمنا فله الخيار ما دام في المجلس الذي خيره فيه ومن هذا تلعم أنه لا يشترط عندهم اتصال شرط الخيار بالعقد، بل ينفع بعده ولو بمدة طويلة، أما قبله كأن يقول البائع:
    جعلتك بالخيار في البيع الذي نعقده ثم اشترى منه بعد ذلك بدون خيار اكتفاء بالشرط الأول، فإنه لا يثبت له شرط الخيار.
    الثاني:
    جائز باتفاق، وهو أن يذكر مدة ثلاثة ايام فما دونها.
    الثالث:
    مختلف فيه وهو أن يقول: على أنني بالخيار شهرا أو شهرين، فأبو حنيفة يقول: إنه شرط فاسد، وأبو يوسف ومحمد يقولان إنه جائز.
    فإذا شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام فإنه يصح عندهما إذا عين مدة معلومة، ولا يصح عند أبي حنيفة ويصير العقد فاسدا أو موقوفا، فلكل من البائع والمشتري أن يفسخه غلا إذا أجاز العقد من له الخيار أثناء الأيام الثلاثة ولو في الليلة الرابعة؛ فإنه في هذه الحالة ينقلب صحيحا.
    ومثل خيار الشرط في هذا خيار النقد، وهو أن يشتري سلعة على أن يردها إن لم يدفع ثمنها إلى ثلاثة أيام فإن هذا الشرط صحيح، فإن لم يدفع ثمنها فسد البيع. وعليه رد السلعة إن بقيت على حالها، أما إذا تصرف فيها كأن باعها ولم يدفع ثمنها في الموعد فإن البيع الأول ينفذ وعليه الثمن، وإذا نقصت قيمة السلعة عنده كان بائعها مخيرا بين أخذها من النقصان ولا شيء له من الثمن وبين أخذ الثمن. أما إذا اشترى السلعة على أنه لم يدفع ثمنها إلى أربعة أيام ينحل البيع فإنه لا يصح عند أبي حنيفة، ويقع العقد فاسدا أو موقوفا لكل منهما حق فسخه إلا إذا دفع الثمن أثناء الأيام الثلاثة فإن العقد ينقلب صحيحا. وللبائع خيار النقد كالمشتري، فإذا باع سلعة وقبض ثمنها على أنه إن رده إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما صح الشرط، أما إلى أربعة أيام فلا، كما ذكر أولا.
    المالكية - قالوا:
    تنقسم مدة خيار الشرط بالنسبة للمبيع إلى أربعة أقسام:
    الأول:
    الخيار في بيع العقار وهي الأرض وما يتصل بها من بناء أو شجر، والخيار في هذا يمتد إلى ستة وثلاثين يوما. أو ثمانية وثلاثين يوما على الأكثر، فإن زاد على ذلك فسد العقد، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخيار لاختيار حال المبيع أو للتروي في الثمن. وذلك هو رأي جمهور أهل المذاهب خلافا لمن قال: إن الخيار إذا كان للتروي فهو ثلاثة أيام.
    الثاني:
    الخيار في عروض التجارة كالثياب ونحوها. والخيار في هذه من ثلاثة أيام إلى خمسة، فإذا زاد عليها فسد العقد.
    الثالث:
    الدواب وفيها تفصيل:
    لأنها إما أن تكون من الدواب التي ليس من شأنها أن تركب كالبقر والغنم والطيور، والخيار في هذه من ثلاثة أيام إلى خمسة كالخيار في عروض التجارة، أما الدواب التي من شأنها أن تركب فإن كان الخيار فيها لمعرفة رخصها وغلائها وسمنها مع معرفة ركوبها أيضا ونحو ذلك فهو من ثلاثة أيام إلى خمسة أيضا، وإن كان الخيار فيها لمعرفة حال ركوبها فلا يخلو:
    إما أن يكون ذلك في البلد أو خارج البلد، فإن كان في البلد فالخيار فيها يومان لا أكير.
    وإن كان خارج البلد فالخيار فيها مسافة بريدين لا أكثر، وبعضهم يقول:
    إن الخيار في الدواب ثلاثة أيام وما يقرب من الثلاثة مطلقا، سواء كان الخيار للركوب أو لغيره. أما اليوم والبريد فهو مخصوص بالركوب.
    الرابع:
    الخيار في الرقيق وهو من ثمانية أيام إلى عشرة.
    وكما يفسد البيع بشرط الخيار أكثر من المدة المقررة في كل ما ذكر. فإنه يفسد أيضا بشرط مدة مجهولة كما إذا قال: أبيعك على أن لي الخيار إلى أن تمطر السماء، أو إلى أن يقدم زيد المسافر ولم يعلم أمد قدومه.
    ويصح شرط الخيار بعد تمام عقد البيع "بتة" كما يصح ابتداء قبل البت، فإذا باع شخص لآخر سلعة وبعد تمام البيع جعل البائع الخيار للمشتري في هذا البيع أو جعل المشتري الخيار للبائع كأن قال له: أنت بالخيار في إمضاء هذا البيع ورده، فإن ذلك يصح ويكون بيعا جديدا مستأنفا، فكأن البائع قال للمشتري: بعتك هذه السلعة على أن يكون الخيار لك إذا كان الخيار من قبل البائع وكأن المشتري قال للبائع: اشتر مني هذه السلعة على أنك بالخيار إذا كان الخيار من قبل المشتري، ولكن يشترط في صحة بيع الخيار بعت بت العقد أن يكون المشتري قد دفع الثمن للبائع على المعتمد، أما إذا لم يكن قد دفع له الثمن فإنه لا يصح، لأن الثمن يكون حينئذ دينا في ذمة المشتري فأخذ في نظيره سلعة بخيار، وهذه السلعة يحتمل ردها إذا فسخ العقد، فيكون البائع حينئذ قد فسخ ما وجب له في نظير مؤخر غير ثابت وهو غير جائز، ويكون ضمان المبيع في حالة الخيار بعد تمام العقد على المشتري، لأنه بيع جديد كما علمت، فمال يوجد في المبيع يكون المشتري مسؤولا عنه، سواء جعل المشتري الخيار للبائع أو العكس.
    الشافعية - قالوا:
    مدة الخيار ثلاثة أيام فأقل بشرط أن تكون متصلة بشرط الخيار، وأن تكون متوالية، فإذا اشترط مدة مجهولة كأن قال: لي الخيار أياما أو أبدا بطل العقد، وكذا إذا لم تتصل المدة بالشرط كأن قال:
    بعتك الآن على أن يكون لي الخيار من الغد مثلا بطل العقد، وكذلك إذا اتصل يوم من الثلاثة بالعقد كيوم الخميس مثلا ثم اشترط اليومان من يوم السبت فإن العقد يبطل، ولا تدخل الليالي في الأيام، فإذا قال:
    لي الخيار ثلاثة أيام تنتهي المدة في نهاية اليوم الثالث ولا تدخل ليلته، وإنما احتسبت ليلتا اليوم الأول والثاني لضرورة الحساب إذ لا يمكن الوصول إلى اليوم الثاني إلا بعد أن تمضي ليلة اليوم الأول، فلو اشترط دخول الليلة الثالثة في الحساب بطل العقد.
    الحنابلة - قالوا:
    يشترط في مدة الخيار أن تكون معلومة ولا حد لها، فلهما أن يشترطاه شهرا وسنة وغير ذلك، إنما الذي لا يصح هو أن يشترطاه مدة مجهولة كبعتك بالخيار متى شئت، أو شاء فلان، أو نزل المطر، أو هبت الريح:
    أو قال أحدهما:
    لي الخيار ولم يذكر مدة، أو شرطاه إلى الحصاد ونحو ذلك، وفي هذه الحالة يلغو الشرط ويصح البيع مع فساد الشرط، وإن شرطاه مدة غير متوالية كأن شرطاه عشرة أيام على أن يثبت يوما ولا يثبت يوما صح في اليوم الأول فقط، وابتداء المدة في شرط الخيار من حيث العقد، فإن شرطاه على أن يكون من حين التفرق لم يصح الشرط لجهالته لأن وقت تفرقهما مجهول
    (3) الحنابلة - قالوا:
    ينتقل الملك في زمن الخيارين: خيار الشرط، وخيار المجلس إلى المشتري ويخرج عن ملك البائع، سواء كان الخيار للمتعاقدين أو لأحدهما بائعا أو مشتريا، فإذا تلف المبيع في زمن الخيارين أو نقصت قيمته بعيب فلا يخلو: إما أن يكون قد بيع بكيل أو وزن أو عدد أو ذرع أو لا، فإن كان الأول فإن ضمانه يكون على المشتري إذا قبضه واستلمه، لأنه ملكه وقد وضع عليه يده فيكون مسؤولا عنه، أما إذا لم يقبضه فإن ضمانه يكون على البائع. وإن كان الثاني فإن ضمانه يكون على المشتري في حالتين: الأولى أن يستلمه ويقبضه بالفعل. الثاني: أن لا يستلمه ولكن لم يمنعه البيع من استلامه وقبضه، وأما إذا أراد استلامه فمنعه البائع فإن البائع يكون مسؤولا عنه.
    وإذا تلف المبيع في يد المشتري بطل خياره واستقر الثمن في ذمته.
    ويترتب على انتقال الملك إلى المشتري آثار الملك الأخرى، فيكون مكلفا بمؤونة الحيوان الذي اشتراه ونحوه. وإذا حلف لا يبيع أو لا يشتري فباع أو اشترى بشرط الخيار فإنه يحنث لوجود صفة البيع والشراء. وكما ينتقل ملك المبيع للمشتري، فكذلك ينتقل الملك في الثمن للبائع وليس للشفيع الأخذ بالشفعة في مدة الخيار وإن كان الملك قد انتقل للمشتري لأن شرط الخيار منعه من التصرف فيه باختياره، فأصبح بذلك ملكه قاصرا. فإذا اشترى شخص دارا من آخر أن يكون له الخيار، فليس للشفيع أن يأخذها بالشفعة حتى تمضي مدة الخيار.
    وما ينتج عن المبيع فيه تفصيل:
    لأنه إما أن يكون منفصلا عنه أو متصلا به، فإن كان منفصلا عنه كثمرة وولد ولبن فإنه يكون للمشتري ولو كان في يد البائع، وإذا تلف عند البائع بدون تعد ولا تفريط لا يضمنه للمشتري، لأنه أمانة عند البائع لا يضمنها إلا إذا فرط فيها أو تعدى عليها.
    الشافعية - قالوا:
    يخرج المبيع من ملك البائع إذا انفرد أحد المتبايعين بالخيار، فإن كان الخيار للبائع لم يخرج المبيع عن ملكه، وإن كان للمشتري خرج المبيع عن ملكه للمشتري وإن كان الخيار لهما معا كان الملك موقوفا، فإن تم البيع ظهر أن الملك للمشتري، من حين العقدن وإن فسخ اعتبر كأنه لم يخرج عن ملك البائع، لا فرق في ذلك بين خيار الشرط وخيار المجلس.
    ثم إن الفوائد المتحصلة من المبيع سواء كانت منفصلة كاللبن، أو متصلة كالحمل الحادث في زمن الخيار تكون لمن انفرد بالخيار من بائع أو مشتر، وتكون موقوفة إذا كان الخيار لهما معا يستحقها من يظهر له الملك. أما الحمل الموجود قبل الخيار فهو مبيع مع أمه فحكمه حكمها، والفوائد المتحصلة غير الحمل تتبع الأصل في رد المبيع وإمضائه.
    وإذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار فلا يخلو: إما أن يكون التلف قبل القبض أو بعده فإن كان قبل القبض انفسخ البيع على أي حال، سواء كان الخيار لهما أو لواحد منهما، وإن كان القبض فلا يخلو: إما أن يكون الخيار للبائع، أو للمشتري أو لهما، فإن كان الخيار للبائع انفسخ البيع أيضا ويسترد المشتري الثمن، ويرجع عليه البائع بالقيمة بأن يأخذ منه فرق الثمن إذا كان الثمن زائدا على القيمة، وإن كان للمشتري أو لهما يبقى الخيار، فإن تم العقد بأن أجازه المشتري الثمن، وإن لم يجزه لزمته القيمة.
    الحنفية - قالوا: الخيار إما أن يكون للبائع، أو للمشتري، أو لهما.
    فالأول وهو ما إذا كان الخيار للبائع، فإن المبيع لا يخرج ملك البائع باتفاق. أما الثمن فإنه يخرج عن ملك المشتري باتفاق، وهل يدخل في ملك البائع خلاف:
    وفي هذه الحالة إما أن يقبضه المشتري أو يتركه في يد البائع، فإن قبضه وهلك في يده فإنه يكون ملزما بقيمته للبائع، وتعتبر قيمته من يوم قبضه لا من يوم هلاكه، فعلى المشتري في هذه الحالة أن يدفع المبيع للبائع سواء زادت عنه أو نقصت. ولا فرق في ذلك بين أن يهلك من بقاء البيع أو فسخه، فلو فسخ البائع البيع في مدة الخيار وبقي المبيع في يد المشتري ثم هلك، كان المشتري ملزما بقيمته أيا كانت. أما إذا مضت مدة الخيار ولم يفسخ البيع ثم هلك المبيع فيكون ملزما بثمنه لا قيمته لسقوط الخيار بانتهاء المدة واستقرار البيع وإذا طرأ على المبيع عيب وهو في يد البائع فنقصت قيمته فإن خياره لا يفسد، لأن ذلك العيب لم يكن بفعله فلا يكون مسؤولا عنه. وللمشتري الخيار في هذه الحالة، فإن شاء أخذ المبيع بثمنه، وإن شاء فسخ البيع. أما إذا كان النقص بفعل البائع فإنه يكون مسؤولا عنه، فيقبض من ثمنه بقدر ما أصابه من النقص. وإذا هلك المبيع في يد البائع من كون الخيار له انفسخ البيع، ولا شيء على البائع ولا على المشتري.
    الثاني: وهو ما كان الخيار فيه للمشتري أو لأجنبي، وحكمه أن الثمن لا يخرج عن ملك المشتري باتفاق. والمبيع يخرج عن ملك البائع باتفاق ولكن هل يدخل المبيع في ملك المشتري بعد خروجه من ملك البائع أو لا؟ خلاف. فأبو حنيفة يقول:
    إنه لا يدخل في ملك المشتري، لأنه لو دخل في ملكه من كون الثمن مملوكا له أيضا للزم عليه اجتماع البدلين في ملك أحد المتعاقدين، وذلك لا أصل له في الشرع في المعاوضة، لأنها تقتضي المساواة بين المتعاقدين في تبادل ملك المبيع والثمن. والصاحبان يقولان: إنه يدخل في ملك المشتري، لأنه لو لم يدخل لكان سائبة غير مملوك لحد، وأجيب بأنها ليست سائبة لأنه ملك البائع لا يزال متعلقا به.
    على أن عدم دخوله في ملك المشتري لا يمنع ترتب بعض آثار الملك عليه، فإن نفقته تجب على المشتري بالإجماع، وإذا تصرف المشتري فيه مدة الخيار جاز تصرفه ويكون ذلك إجازة منه. وسواء دخل في ملك المشتري أو لم يدخل، فإنه إذا قبضه وهلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزما بثمنه لا بقيمته عكس ما لو كان الخيار للبائع، لأنه إذا هلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزما بالقيمة كما ذكر آنفا، والفرق بين الحالتين: أنه هلك في يد المشتري فإنه لا بد أن يتقدم هلاكه عيب من مرض ونحوه، وهذا العيب يمنع رده في هذه الحالة فينفذ ويهلك بعد أن يتقرر الثمن فيذمة المشتري. بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع، فإن العيب الذي يتقدم هلاكه عادة لا يمنع البائع أن يسترده في زمن الخيار، فيبطل العقد بهلاكه فلم يتقرر الثمن فتثبت القيمة والفرق بين الثمن والقيمة: أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان، سواء كان أكثر من قيمته أو أقل.
    أما القيمة فهي ما قوم به الشيء من غير زيادة ونقصان.
    وكذلك إذا طرأ عليه عيب، فإن كان مما يمكن زواله كالمرض ونحوه فإن زال في مدة الخيار فهو على خياره وإن لم يزل لزوم العقد، وإن كان مما لا يمكن زواله وكان في يد المشتري وكان له الخيار فإنه يلزم بثمنه لا بقيمته، بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع فإنه يلزم بقيمته كما تقدم، ولا فرق بين أن يكون العيب حاصلا بآفة سماوية، أو بفعل المشتري، أو بفعل أجنبي. واختلف فيما إذا كان بفعل البائع وكان الخيار للمشتري.
    فقال محمد:
    إن خيار المشتري يبقى على حاله، إن شاء أجاز البيع ويأخذ قيمة ما نقص وإن شاء رده.
    وقالا:
    إن البيع يلزم ويرجع المشتري على البائع بالقيمة إذا كان المبيع قيميا كالحيوان والمتاع والأرض ونحو ذلك، فإن كان مثليا كالفضة مثلا وأحدث به البائع أو المشتري عيبا فإنه لا يحل له أخذ قيمة ما نقص منه لأنه يكون ربا، مثلا إذا كان المبيع أسورة من فضة قبضها المشتري الذي له الخيار ثم كسرها البائع فإنه في هذه الحالة لا يحل للمشتري أن يأخذ قيمة ما نقص من ثمنها نقودا، ولكن له الخيار في أن يمسك العين بلا مطالبة بالنقصان، أو يسلمها ويطالب بمثلها أو قيمتها كلها.
    الثالث:
    وهو ما كان الخيار فيه لهما، وحكمه أنه لا يخرج شيء من المبيع والثمن عن ملك البائع والمشتري باتفاق، فإذا فسخ البيع واحد منهما في المدة انفسخ، وإذا أجازه أحدهما أصبح العقد لازما بالنسبة له مع بقاء الآخر على خياره، وإذا لم يوجد إجازة ولا فسخ بل سكتا حتى انقضت مدة الخيار لزم البيع. وإذا أجاز أحدهما وفسخ الآخر البيع بينهما، سواء كان السابق الفسخأو الإجازة، وإذا هلك المبيع قبل أن يقبضه المشتري بطل البيع. وكذلك إذا هلك الثمن قبل أن يقبضه البائع إذا كان عينا، ويبطل البيع أيضا إذا هلك المبيع أو الثمن بعد القبض، ولكن يكون على من قبضه قيمته. ثم إن الزيادة الناشئة عن المبيع تكون موقوفة في مدة الخيار، فإن تم البيع كانت للمشتري، وإن لم يتم كانت للبائع. وسيأتي بيان ما يفسخ البيع فيها ولا يفسخ في مباحث خيار العيب.
    المالكية - قالوا:
    لا يخرج المبيع عن ملك البائع في زمن الخيار على المعتمد، سواء كان الخيار للبائع، أو للمشتري، أو لهما معا، أو لأجنبي. فإمضاء العقد ينقل المبيع من ملك البائع لملك المشتري، ثم لا يخلو:
    إما أن يكون الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما، فإن كان الخيار للبائع وقبض المشتري المبيع وادعى أي مما يمكن إخفاءه مع وجوده سالما كالثياب والحلي، فإنه يمكن إخفاؤها مع بقائها سالمة، وفي هذه الحالة إذا ادعى المشتري ضياع المبيع المقبوض له ولم يقم بينة على صدقة فإنه يكون ملزما به. أما إذا أقام البينة على صدق دعواه فإنه لا ضمان عليه بل على البائع.
    الحالة الثانية:
    أن يكون المبيع مما لا يعاب عليه أي مما لا يمكن إخفاءه مع بقائه سالما كالحيوان فإنه لا يمكن إخفاؤه عن الأعين إلا بإتلافه أو أكله، فإذا ادعى المشتري ضياعه في هذه الحالة ولكن قامت البينة على كذبه كأن ادعى بأنه ضاع في يوم كذا فشهدت الشهود بأنهم رأوه عنده بعد ذلك اليوم، أو شهدت بأنه أكله أو أتلفه فإنه في هذه الحالة يكون عليه الضمان لا على البائع.
    الحالة الثالثة:
    أن يكون مما لا يمكن إخفاءه أيضا وادعى المشتري ضياعه بعد قبضه بدون بينة تصدقه أو تكذبه فإن عليه اليمين للبائع، سواء كان متهما بالكذب أو لا، إلا أنه إن كان متهما يحلف بأن المبيع قد ضاع وما فرط، وإن كان غير متهم يحلف بأنه ما فرط، فإن أبى أن يحلف كان عليه الضمان. ومن هذا يتضح أن الضمان على المشتري البينة على ضياعه، فإن الضمان حينئذ يكون على البائع.
    الثانية إذا كان مما لا يمكن إخفاءه ولم تقم بينة على كذب المشتري وحلف اليمين، فإن الضمان يكون في هذه الحالة على البائع.
    ويعتبر في الضمان ما هو الأكثر، فإن كان الثمن أكثر من القيمة يلزم به من عليه الضمان، وإذا كانت القيمة أكثر يلزم بها إلا في الحالة الأولى، وهي ما إذا ادعى ضياع ما يمكن إخفاءه ولم تقم بينة على صدقه، ولكنه حلف اليمين بأنه ما فرط فإنه يكون ملزما بالثمن فقط إذا كان أقل من القيمة، لأنه إذا كان أكثر أو مساو فلا يتوجه عليه يمين إذ لا فائدة.
    أما إذا كان الخيار للمشتري وادعى ضياع المبيع، فإنه يلزم بالثمن الذي وقع عليه البيع على كل حال، سواء كان الثمن أقل من القيمة أو أكثر، وقال بعضهم:
    إذا حلف أنه لم يكن يقصد الشراء فإنه يلزم بالقيمة إن كانت أقل.
    وإذا كان الخيار لهما معا فإنه يكون حكمه كحكم ما إذا كان الخيار للبائع تغليبا له لأنه المالك. وإذا لم يقبض المشتري المبيع فادعى البائع أنه ضاع فإنه يلزم برد الثمن إن كان قد قبضه، وإلا فلا شيء له.
    وفوائد المبيع في زمن الخيار إن كانت منفصلة عنه كالغلة والبيض واللبن للبائع، أما إن كانت متصلة به كالصوف والولد، فإنها للمشتري لأنها كالجزء من المبيع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #99
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
    صـــــ 167 الى صــــــــ
    177
    الحلقة (99)



    [مبحث هل للبائع المطالبة بالثمن في زمن الخيار؟]
    إذا باع شخص سلعة على أن يكون له أو للمشتري الخيار والعكس مدة معينة فهل للبائع أن يطلب الثمن من المشتري؟ وهي للمشتري أن يطلب قبض المبيع من البائع أو لا؟ في ذلك اختلاف المذاهب (1) .
    [مبحث إذا اشترى شخص غير معين من أشياء متعددة]
    إذا اشترى شخص شيئا غير معين من أمرين كثوبين ثم قبضهما معا ليختار منهما ما يعجبه ففي ذلك تفصيل المذاهب (2) .
    [مباحث خيار العيب]
    للمشتري الخيار في إلغاء عقد البيع وفسخه إذا وجد في المبيع عيبا ولو لم يشترط ذلك، وهذا يسمى خيار العيب.
    ثم هو ينقسم أولا إلى قسمين:
    أحدهما: أن يكون بفعل البائع كخلط اللبن بالماء والسمن بالزيت، وصر ضرع الحيوان ليحبس اللبن فيه فيكبر ضرعه فيغتر المشتري.
    ثانيهما: أن يكون عيبا طبيعيا وينقسم إلى قسمين: ظاهر كجموع الدابة وعرجها وعجزها عن حمل ما يحمله مثلها عادة. وباطن كفساد الجوز واللوز من داخل غلافه وفساد البطيخ ونحوه.
    [تعريف العيب الذي يرد به المبيع]
    العيب الذي يجعل للمشتري الحق في رد المبيع: هو الذي (3) تنقص به قيمة المبيع، أو يفوت به على المشتري غرض صحيح، فمثال ما تنقص به قيمة المبيع جماح الدابة عند ركوبها وعدم انقيادها لصاحبها، وكذا إذا كانت تعض أو ترفس فإن ذلك عيب ينقص قيمتها، بخلاف ما إذا كان لا ينقص القيمة كقطع صغير في فخذها أو رجلها فإن ذلك لا يضرها فلا ترد به.
    ومثال ما يفوت به غرض صحيح على المشتري: أن يشتري شاة ليضحي بها فيجد في أذنها قطعا يمنع صحة الأضحية بها، فإن ذلك القطع وإن لم ينقص قيمة الشاة ولكن يفوت على المشتري غرضا صحيحا فله ردها، وكذا إذا اشترى خفا أو ثوبا ليلبسه فوجده ضيقا لا يكفيه، فإن ذلك عيب ينافي استعماله فيفوت على المشتري غرضه من شرائه فيرد به.
    [شروط رد المبيع بالعيب]
    يشترط لرد المبيع بالعيب شروط:
    منها أن يكون الغالب (4) في مثله أن يكون سليما من ذلك العيب. فخرج ما إذا كان الغالب في مثله وجود ذلك العيب، ومثال الأول ما إذا اشترى حمارا أو حصانا فوجده مخصيا فإن الخصاء يكون عيبا فيه، لأن الغالب في الحمير والخيل سلامتها من الخصاء وهو عب قد يفوت به غرض المشتري من شرائها، فإنه قد يشتري ليستولد به أنثى من جنسه فله رده بذلك العيب.
    ومثال الثاني: ما إذا اشترى حيوانا مأكول اللحم يغلب خصاؤه كالغنم والمعز فإن الخصاء فيها ليس عيبا يوجب الرد. لأن الغالب فيها الخصاء إذ هو يزيدها سمنا، ومنها أن لا يمكن زوال ذلك العيب إلا بمشقة، فإذا أمكن إزالته بغير مشقة فإن المبيع لا يرد به. وذلك كما إذا اشترى ثوبا متنجسا لا تنقص قيمته بالغسل فإن النحاسة حينئذ لا تكون عيبا (5) يرد به الثوب لأنه يمكن إزالتها بلا مشقة، وكذا إذا اشترى سيفا معوجا يمكن إزالة اعوجاجه بسهولة. فإن العوج لا يكون عيبا يرد به حينئذ.ومنها أن يكون العيب موجودا في المبيع وهو عند البائع على تفصيل المذاهب(6) .



    (1) المالكية - قالوا:
    ليس للبائع أن يطلب الثمن من المشتري في مدة الخيار.
    وإذا اشترط البائع على المشتري أن ينقده الثمن كأن يقول له: أبيعك هذه السلعة بشرط أن تنقدني ثمنها فسد البيع ولو لم ينقده الثمن بالفعل؛ لأنه شرط النقد ينزل منزلة النقد بالفعل، لأن المشروط يتحقق بالشرط عادة. وكذا إذا اتفقا على ذلك قبل العقد ولو لم يذكراه في العقد وذلك لأن الثمن لا يعرف حينئذ إن كان ثمنا للسلعة أو سلفا، لأنه في حالة فسخ البيع يرد للمشتري فيكون سلفا مردودا، وقد أخذه في نظير سلعة فيكون ربا غيرجائز، نعم إن لم يشترط البائع ذلك ولم يتكلم فيه مع المشتري قبل العقد ثم تطوع المشتري بدفع الثمن فإنه يجوز لانتفاء التهمة حينئذ. ومثل ذلك ما إذا باع له سلعة بشرط أن يقرضه كذا، فإن ذلك الشرط يفسد البيع، فإذا تنازل البائع عن شرط نقد الثمن في بيع الخيار وقال: أسقطت هذا الشرط ليتم البيع فإنه لا ينفعه ذلك لأن الشرط واقع في حقيقة العقد وماهيته وهو شرط فاسد فأفسد العقد رأسا، بخلاف ما إذا تنازل عن اشتراط القرض ولم يقبضه فإنه يصح البيع؛ لأن القرض خارج عن ماهية العقد.
    أما طلب المشتري لقبض المبيع في زمن الخيار ففيه تفصيل. وذلك لأن الخيار يكون لثلاثة أمور:أحدها: أن يكون الثمن غير معلوم للمشتري، فيشتري بشرط الخيار ليتروى في الثمن حتى يتبين غلاءه ورخصه، ثانيها أن يكون الثمن معلوما عنده ولكنه يشتري بشرط الخيار ليتدبر في المبيع ويعيد نظره فيه، ثالثها اختيار المبيع وتجربته، فإذا كان الخيار للتروي في الثمن فليس له قبض المبيع لأنه يمكنه معرفة ذلك والمبيع في يد صاحبه، أما إذا كان الخيار من أجل أن يعيد النظر فيه أو يختبره فله قبضه، ولكن لا يجبر البائع بتسليمه إلا إذا اشترط المشتري ذلك.
    الحنفية - قالوا:
    إذا اشترى سلعة بشرط الخيار فليس للبائع المطالبة بالثمن إلا بعد انقضاء مدة الخيار، كما أنه ليس للمشتري أن يطالب بالمبيع في هذه المدة، فلا جبر لأحدهما على الآخر في ذلك.
    فإذا دفع المشتري الثمن فإن البائع يجبر على تسليم المبيع، فإذا كان الخيار للبائع وقبض الثمن ولم يرض أن يسلم المبيع فإن له ذلك، ولكنه يجبر على رد الثمن. وإذا قبض المشتري المبيع فلا يصح له أن يتصرف فيه، فإذا تصرف فيه في زمن الخيار كان تصرفه باطلا. وكذلك إذا قبض البائع الثمن وكان عينا فإنه لا يصح له أن يتصرف فيه في زمن الخيار، وإن تصرف فيقع تصرفه باطلا.
    أما إذا تصرف البائع في المبيع قبل أن يقبضه المشتري، أو تصرف المشتري في الثمن قبل أن يقبضه البائع، فإنه يجوز ويكون فسخا للعقد. وسيأتي حكم التصرف في المبيع فيغير زمن الخيار في المذاهب.
    الشافعية - قالوا:
    الثمن في مدة الخيار يتبع الملك، فإذا حكم بملك المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر، مثلا إذا كان الخيار للبائع كان المبيع مملوكا له أي لم يخرج عن ملكه في مدة الخيار، فيكون الثمن في هذه الحالة ملكا للمشتري، فليس للبائع المطالبة بالثمن، كما أنه ليس للمشتري المطالبة بالمبيع. أما إذا كان الخيار للمشتري فإن المبيع يكون مملوكا له، فيكون الثمن حينئذ ملكا للبائع، فيكون للبائع الحق في طلب الثمن، وللمشتري الحق في طلب المبيع.
    الحنابلة - قالوا:
    إن كان الثمن معينا فللبائع قبضه في زمن الخيار إن كان له الخيار. سواء كان خيار مجلس أو خيار شرط. أما إن كان في الذمة سواء كان نقدا أو عروض تجارة فإن البائع ليس له حق في المطالبة، وكذلك لا يملك المشتري قبض المبيع في مدة الخيار إن كان الخيار له إلا بإذن صريح من البائع، فإذا كان الثمن معينا ولم يقبضه البائع فإنه يحرم على المشتري أن يتصرف فيه، لأنه ليس ملكا له، كما يحرم على البائع أن يتصرف فيه أيضا إذا قبضه لأن علاقة المشتري لم تنقطع عنه. أما إذا قبض المشتري المبيع وكان له الخيار فإنه يحل له التصرف فيه ويكون تصرفه مبطلا الخيار كما تقدم بيانه
    (2) المالكية - قالوا:
    إذا اشترى شخص من آخرواحدا غير معين من شيئين كثوبين مثلا ثم قبضهما معا ليختار منهما ما يعجبه. فإن هذا البيع على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: بيع خيار فقط وهو البيع الذي جعل فيه الخيار "التروي" لأحد المتبايعين في أخذ المبيع ورده كأن يقول البائع: بعتك أحد هذين الثوبين بكذا على الخيار في الأخذ والرد مدة ثلاث أيام، وفي هذا الوجه ثلاث صور:
    الصورة الأولى:
    أن يدعي ضياعهما معا. الثانية: أن يدعي ضياع أحدهما،
    الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر أحدهما. وحكم هذا: أن المشتري إذا قبضهما كان عليه ضمانهما، فإذا ضاعا معا أو ضاع واحد منهما كان عليه دفع الثمن الذي اشتراهما به للبائع. وإذا مضت مدة الخيار ولم يختر لزماه معا.
    الوجه الثاني: بيع اختيار فقط، وبيع الاختيار: هو البيع البات الذي لا خيار فيه، ولكن البائع يجعل للمشتري التعيين لما اشتراه كأن يقول له: أبيعك أحد هذين الثوبين بيعا باتا بعشرة على أن تختار واحدا منهما في يوم أو يومين.
    وفي ذلك الوجه ثلاث صور كالوجه الأول:
    الصورة الأولى: أن يدعي ضياعهما معا.
    الثانية: أن يدعي ضياع أحدهما.
    الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر.
    وفي كل صورة من الصور الثلاث يكون المشتري ملزما بدفع نصف كل الثمن بأن يضم ثمن الثوبين إلى بعضه ويدفع المشتري نصفه، فإذا ضاع أحد الثوبين وكان يساوي عشرة وكان الثوب الباقي يساوي خمسة كان مجموع الثمن خمسة عشر، فيلزم بدفع نصفها. الوجه الثالث: بيع خيار واختيار وهو البيع الذي جعل فيه البائع للمشتري الخيار في التعيين، وبعد أن يعين واحدا يكون له الخيار في أخذه ورده ثلاثة أيام. وفي ذلك الوجه ثلاث صور أيضا:
    الصورة الأولى: أن يكون الخيار للمشتري، ويدعي ضياع الثوبين معا ولا بينة له على ضياعهما، وفي هذه الحالة يكو المشتري ملزما بثمن واحد منهما، أما الثوب الثاني فيضيع على البائع.
    الصورة الثانية: أن يكون الخيار للمشتري أيضا ويدعي ضياع ثوب واحد ولا بينة على ذلك.
    وفي هذه الحالة يكون المشتري ملزما بنصف ثمن الثوب الضائع، وله أن يختار الثوب الثاني إذا كانت مدة الخيار باقية.
    الصورة الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر شيئا منهما وفي هذه الحالة لا يلزمه شيء، هذا إذا كان الخيار للمشتري كما ذكرنا، فإن كان الخيار للبائع كأن يبيعه واحدا غير معين من ثوبين على أن يكون للبائع الخيار في إمضاء البيع وفسخه، فإن المشتري إن ادعى ضياعهما معا فإن عليه أن يدفع للبائع الأكثر من الثمن والقيمة في واحد. وكذا إن ادعى ضياع واحد فإن عليه أن يدفع للبائع الأكثر من الثمن والقيمة في نصف ثمن واحد، إلا أن يحلف بأنه قد ضاع وما فرط فإنه حينئذ يضمن الثمن لا القيمة. ومحل ذلك إذا لم تكن للمشتري بينة، فإن شهدت له بينة بضياع الثوبين أو أحدهما فلا شيء عليه للبائع.
    الحنفية - قالوا: إذا طلب المشتري من البائع ثوبا فأعطاه ثلاثة وبين له ثمن كل واحد منهما كأن قال له: هذا بعشرة، وهذا بعشرين، وهذا بثلاثين. ثم قال له: الثوب الذي يعجبك منها بعته لك، فاستلمها المشتري على ذلك فضاعت عنده فإن في ذلك أربع صور: الصورة الأولى: أن تضيع كلها دفعة واحدة، أو تضيع كلها متعاقبة ولكنه لا يعلم في الحالتين أي الأثواب ضاع أولا، وحكم هذه الصورة:
    أن المشتري يلزم بدفع قيمة ثلث الجميع.
    الصورة الثانية:
    أن تضيع كلها دفعة أو متعاقبة ولكن المشتري يعرف الثوب الذي ضاع أولا، وحكم هذه الصورة:
    أن المشتري يلزم بقيمة الثوب الذي ضاع أولا، والثوبان الآخران يكونان أمانة لا شيء عليه في ضياعهما.
    الصورة الثالثة:
    أن يهلك اثنان فقط ويبقى الثالث، وفي هذه الحالة يلزم المشتري بنصف ثمن كل من الاثنين الضائعين، ورد الثالث لأنه يكون أمانة يجب ردها. وإذا حصل نقص في الثوب الثالث لا يلزم المشتري به.
    الصرة الرابعة:
    أن يضيع ثوب واحد فقط ويبقى اثنان، وفي هذه الحالة يلزم المشتري بدفع قيمة الثوب الضائع ورد الثوبين الباقيين.
    ويسمى مثل هذه المسألة بالمقبوض على سوم الشراء، وحاصله أن كل مبيع قبضه المشتري ليشتريه على أن يكون له الخيار فيه بعد أن عرف ثمنه ولم يعارض فيه، فإنه يضمنه إذا هلك في يده بقيمته. أما إذا استهلكه هو فإنه يضمنه بثمنه على التحقيق وتعتبر القيمة من يوم قبضه. أما إذاقبضه لا على وجه الشراء بل على وجه النظر كأن قال البائع: هذا الثوب بعشرة فقال له: هاته حتى أنظر فيه، أو حتى ينظر فيه رفيقي ثم ضاع الثوب فإنه يضيع على البائع، ولا شيء على المشتري لأنه أخذه على سوم النظر لا على سوم الشراء، أما إذا قال له: هاته فإن أعجبني أخذته ثم ضاع منه فإنه يلزم بقيمته، لأنه أخذه على سوم الشراء في هذه الحالة
    (3) الحنابلة - قالوا:
    شرط الخيار لا يصح في واحد غيرمعين مطلقا، فإذا اشترى ثوبين معا، أو اشترى جملا وحمارا وشرط الخيار في واحد معين صح، أما إذا اشتراهما على أن يكون له الخيار في أحدهما فإن شرط الخيار لا يصح، ويكون البيع صحيحا إذاعين المبيعين وعين ثمن كل منهما، كما إذا بين أن هذا الثوب ثمنه كذا وذلك الثوب ثمنه كذا. أما إذا لم يبين فإن البيع يكون فاسدا لجهالة الثمن.
    الشافعية - قالوا:
    إذا قال له بعتك هذا الثوب بعشرة وذلك بعشرين وهكذا، فإنه يكون عقودا متعددة لا عقدا واحدا، لأن العقد يتعدد بتفصيل الثمن، ويشترط في صحة البيع بذلك أن يقبل المشتري الثوبين جميعا، فإذا قبل واحدا منهما لا يصح البيع، وإنما يتعدد العقد بتفصيل الثمن إذا فصل البادئ من المتعاقدين، سواء كان البادئ أو المشتري. أما إذا أجمل البادئ وفصل القابل فإن العقد يكون واحدا لا متعددا.
    فإذا كان متعددا فللمشتري أن يشترط الخيار في واحد منهما ويرد أحدهما بالعيب ويأخذ أحكام الخيار المتقدمة.
    المالكية - قالوا:
    ضابط العيب الذي يرد بن المبيع هو ما كان منقصا للثمن كجماح الدابة وعدم انقيادها، أو منقصا لذات المبيع كخصاء الحيوان إذا كان الخصاء ينقصه عرفا. أو يكون منقصا للتصرف كما إذا كانت يده اليمنى ضعيفة ويسمى أعسر أو "أشول" أو كان مخوف العاقبة كما إذا كان مصابا بمرض معد.
    ولا يخرج هذا عما ذكر في أعلى الصحيفة السابقة وهو ما عليه الحنفية والشافعية

    (4) الحنابلة - قالوا:
    ضابط العيب الذي يرد به البيع هو نقص عينه كخصاء الحيوان ولو نقصت به القيمة أو نقصت قيمته عادة في عرف التجار. وبعضهم عرفه بأنه نقيصة يقتضي العرف سلامة المبيع عنها غالبا فلا فرق بين أن يكون النقص في عين المبيع أو قيمته، فخصاء الحيوان على هذا لا يكون عيبا إلا إذا عده العرف عيبا.
    المالكية - قالوا: الشرط أن يكون المبيع سليما من ذلك العيب في العادة والعرف، فالخصاء يكون عينا يرد به الحيوان ولو زادت قيمته في الثمن إلا إذا كان فحل بقر معد للعمل. فإن العادة أنه لا يستعمل منه إلا الخصي، وكذا فحل الغنم فإن الخصاء ليس عيبا يرد به. وبعضهم يقول: يرد به لأن لحم الفحل أطيب من لحم الخصي، والحق الرجوع في ذلك إلى العرف.
    الحنابلة - قالوا:
    الشرط أن يكون ذات المبيع سليمة من النقص، فالخصاء نقص فيه مطلقا، وأن تكون قيمته سليمة من النقص في عرف التجار كما يؤخذ من الضابط الأول للعيب، أما الضابط الثاني فإن الخصاء لا يكون عيبا إلا إذا عده العرف عيبا
    (5) الحنابلة - قالوا:
    المعول في ذلك على قوة العيب وضعفه، فإن كان يسيرا كصداع وحمى يسيرة فإنه لا يرد المبيع، بخلاف ما إذا كان شديدا فإنه يرد به، وعلى هذا فالثوب المتنجس الذي لا يمكن إزالة نجاسته بدون مشقة وبدون نقص في قيمة الثوب لا تكون نجاسته عيبا يرد به لأنها يسيرة في هذه الحالة.
    المالكية - قالوا: نجاسة الثوب عيب تجعل للمشتري الحق في الرد، سواء كان الثوب يضره الغسل أو لا إن لم يتبينه البائع
    (6) المالكية - قالوا:
    إذا اشترى فوجد به عيبا تنقص به قيمته ولم يعلم به وقت الشراء أو قبله فلا يخلو: إما يكون ذلك العيب قد حصل وهو في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري، أو حصل بعد أن قبضه المشتري: فأما الأول فهو على خمسة أوجه:
    أحدها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بعد العقد بفعل البائع وهو في يده: وفي هذه الحالة يكون المشتري بالخيار في تركه أو أخذه مع طرح حصة من الثمن تعادل النقص الذي حصل بسبب ذلك العيب، سواء وجد فيه عيبا آخر قديما حدث قبل العقد أو لا.
    ثانيها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بفعل المشتري، وفي هذه الحالة يكون المشتري ملزما بدفع كل الثمن، ولو كان البائع هو الذي منعه من استلامه بسبب عدم دفع الثمن، فإذا وجد فيه عيبا قديما حدث عند البائع بغير فعل المشتري في هذه الحالة فللمشتري رده بالعيب القديم ويسقط عنه الثمن، ولكن عليه أن يدفع تعويض ما أحدثه بفعله من العيب.
    ثالثها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بفعل أجنبي عن البائع والمشتري والمبيع، وفي هذه الحالة يكون المشتري بالخيار: إن شار رضي به بجميع الثمن وله على الأجنبي تعويض ما أحدثه من النقص في المبيع، وإن شاء رد المبيع وسقط عنه الثمن.
    رابعها: أن يكون العيب قد حصل بآفة طبيعية فللمشتري أن يرده ويأخذ كل الثمن، وإن شاء أن يأخذه ويطرح من الثمن بقدر ما حدث فيه من العيب، فإن اطلع مع ذلك على عيب قديم حدث فيه وهو عند البائع ففي هذه الحالة لا يصح رده بالعيب القديم، لأنه يرده حينئذ وهو معيب بعيبين وهو لا يصح رده إلا بالعيب القديم فقط.
    خامسها: أن يكون العيب قد حدث بفعل المبيع، كما إذا اشترى عبدا ففعل في نفسه ما يعيبه، وحكمه كحكم الوجه الرابع. وأما الثاني وهو أن يحدث فيه العيب بعد أن يقبضه المشتري فهو على خمسة أوجه أيضا:
    -1 - أن يكون العيب بفعل المشتري.
    -2 - أن يكون بآفة سماوية.
    -3 - أن يكون بفعل المعقود عليه.
    -4 - أن يكون بفعل البائع.
    -5 - أن يكون بفعل أجنبي، وحكم الأول والثاني والثالث:
    أنه إذا كان في المبيع عيب قديم سوى ذلك العيب الذي حدث عند المشتري فإنه لا يرد به، لأن العيب الجديد تعارض مع العيب القديم، وللمشتري أن يطالب بتعويض ما نقص من المبيع بسبب العيب القديم، إلا إذا رضي أن يأخذ المبيع مع نقصه بالعيب الجديد.
    وحكم الرابع والخامس وهما ما إذا كان العيب بفعل البائع أو بفعل أجنبي بعد أن يقبضه المشتري: أن المبيع إذا كان به عيب قديم سوى ذلك العيب الذي حدث بفعل البائع أو الأجنبي فإنه لا يرد به، وعلى كل واحد منهما تعويض ما أحدثه في المبيع من النقص بجنايته عليه.
    ثم إن حصة النقص التي يلزم دفعها بسبب العيب هي الفرق بين قيمة المبيع صحيحا ومعيبا منسوبا إلى ثمنه. مثلا:
    إذا اشترى سلعة بأربعين جنيها وقيمتها في الواقع مائة ثم حدث فيها عيب فأنقص قيمتها عشرة، ففي هذه الحالة تكون قيمتها قد نقصت العشر، فينقص بقدره من الثمن وهو عشر الأربعين وهو أربعة، وعلى هذا القياس.
    ويشترط فيمن يقوم السلعة أن يكونا اثنان يخبران بلفظ الشهادة بحضرة البائع والمشتري. وأن يكون كل واحد منهما له خبرة بما يقومه.
    ويتضح لك مما تقدم أن المشتري إذا وجد عيبا بالمبيع يرد به فليس له أن يمسكه ويطالب بالعوض عن النقص الحاصل بسبب العيب، وإنما له أن يرده كله ويأخذ الثمن كاملا. إلا إذا تعذر الرد بحدوثعيب جديد ثان حدث على التفصيل المتقدم. ومن ذلك ما إذا اشترى ثوبا ثم قطعه "فصله" ليخيطه ثم اطلع على عيب ينقص قيمته بعد ذلك، فله في هذه الحالة أن يأخذ العوض عن العيب لتعذر رد الثوب بعد تقطيعه، وكذا إذا اشترى وارث من مورثه شيئا ثم مات المشتري وورثه البائع فيما اشتراه فوجد به عيبا فإنه ليس له رده لوارث آخر إن وجد، فإن لم يوجد وارث آخر فإن رده يتعذر وتسقط قيمة النقص في هذه الحالة أيضا. وكذلك إذا اشترى جملا فنحره فوجد أمعاءه فاسدة فإنه يتعذر رده بعد نحره، وللمشتري أن يرجع بعوض العيب الذي به، ومنه إذا اشترى ثوبا من الحرير فبله بالماء ثم وجد به عيبا فإنه ليس له رده، بل له أخذ العوض، لأن البل أنقص قيمة النوب، وهكذا كل ما تنقص قيمته بحدوث عيب جديد زيادة على العيب القديم فإنه يمتنع رده، وفيه العوض عن العيب بحسب التفصيل الذي تقدم.
    المالكية - قالوا:
    إذا اشترى شيئا فوجد به عيبا فإن له رده إذا علم بذلك العيب، ويمتنع الرد بأمور:
    الأمر الأول
    تلف المبيع بعد العقدن سواء كان تحت يد البائع أو تحت يد المشتري قبل أن يعلم بالعيب، وسواء كان التلف باختيار المشتري كما إذا اشترى حيوانا فذبحه، أو بغير اختياره كما إذا أماته غيره، أو مات حتف أنفه، فإنه إذا اطلع على عيب فيه بعد ذلك لا يصح له رده لتعذر الرد حينئذ، ومثل ذلك ما إذا كان في حكم التالف، كما إذا اشترى شيئا ثم تصدق بهواطلع على عيب فيه بعد ذلك فإنه ليس له أن يرده بذلك العيب، لأنه وإن لم يتلف بالفعل ولكنه في حكم التالف وكذا إذا وهبه. وفي هذه الحالة يكون للمشتري تعويض ما أحدثه العيب في المبيع من النقص. وذلك بأن يقوم المبيع سالما ومعيبا ويؤخذ من الثمن نسبة نقص قيمته معيبا إلى قيمته سليما، فإذا اشترى عينا سليمة من العيون بمائة ثم ظهر بها عيب أنقص قيمته إلى ثمانين، استحق المشتري الرجوع على البائع بعشرين وهو خمس المائة وهكذا.
    الأمر الثاني:
    أن يظهر من المشتري ما يدل على رضائه بالمبيع بعد الاطلاع على العيب.
    وينقسم ما يدل على الرضا إلى قسمين:
    أحدهما:
    ما يدل على الرضا مطلقا، سواء كان في زمن مخاصمة البائع والمشتري وتنازعهما في الرد وعدمه أو لا، وذلك كاستعمال الثوب وإجارة الدابة ونحو ذلك من كل ما ينقص استعماله المبيع، فإذا اشترى شيئا من ذلك واطلع على عيب فيه يرد به ثم استعمله على هذا الوجه، فإنه لا يصح له الرد بعد ذلك.
    ثانيهما:
    ما يدل على الرضا قبل زمن المخاصمة فقط، أما بعدها فلا. وذلك كسكنى الدار والحانوت أو إسكانهما لغيره في زمن الخصام، إذا اشترى دارا سكن فيها ثم وجد بها عيبا كصدع جدار ينقص قيمتها. أو سببا يقلل منافعها فإن له ردها، ولو سكن فيها بعد علمه بالعيب، لأن هذا السكنى لا تنقص قيمتها، وكذا كل ما لا ينقص القيمة.
    أما إذا علم بالعيب ولم يعلن المشتري به ولم يخاصمه في ردها ثم سكن فيها فإن هذه السكنى تكون دليلا على رضائه، فلا يكون له الحق في ردها ذلك. وهناك قسم ثالث لا يدل على الرضا مطلقا وهو أن ينتفع المشتري بالثمرة الناشئة عن البيع بدون استخدامه كالانتفاع باللبن والصوف، وسواء كان ذلك في زمن الخصام أو غيره.
    ويستثنى من ذلك مسألتان:
    إحداهما:
    ما إذا اشترى دابة وهو في سفر فاطلع على عيب فيها فإنه إذا ركبها بعد ذلك وسافر عليها فله ردها بعد ذلك، ولا فرق في ذلك بين أن يكون مضطرا لركوبها أو لا على المعتمد، فإذا وصلت على حالها بدون هزال ونحوه بسبب استعمالها فلا شيء على المشتري وإن هزلت فعليه أن يردها ويدفع قيمة ما أصابها من الهزال، أو يمسكها ويأخذ عوض العيب الذي بها، ولا يلزم بردها حال السفر لبائعها إلا إذا كان قريبا منه ولا يكلفه ردها مؤونة ثقيلة.
    ثانيهما:
    أن يشتريها وهو حاضر ببلده من بائع حاضر كذلك ثم اطلع على عيب فيها ثم ركبها ليردها. فإن ذلك الركوب لا يمنع الرد، وكذا إذا ركبها ليذهب بها إلى محله إذا كان من ذوي الهيئات.
    الأمر الثالث:
    أن يكون المبيع رقيقا فقط وأن يكون البائع حاكما أو وارثا، فإذا باع القاضي رقيقا مملوكا لشخص عليه دين ليقضي به دينه، أو باع رقيقا غائبا به عيب علم به القاضي وبينه للمشتري، أو علم به المشتري وإن لم يعلم به القاضي فإنه في هذه الحالة لا يحق للمشتري فلا يحق له الرد بعد ذلك. أما بيع غير الرقيق فإنه لا ينفع فيه البراءة من العيب، فإذا باع شخص حيوانا أو عرض تجارة على شرط أنه بريء من العيوب ثم اطلع المشتري على عيب قديم فيه فإن له رده ولا ينفعه شرط البراءة، سواء كان عاما أو خاصا فهو شرط باطل، ولكنه لا يبطل عقد البيع.
    الأمر الرابع: أن يزول العيب قبل الرد إلا أن يكون محتمل العود إذا قال أهل الكب: إنه يحتمل عوده فإن له رده بذلك العيب.
    الحنابلة - قالوا:
    إذا اشترى شيئا فوجد به عيبا فإن له حالتين:
    الحالة الأولى: أن يكون ذلك العيب قد حدث قبل القبض، فإذا كان قد حدث قبل القبض فللمشتري رده بذلك العيب، سواء كان العيب قبل عقد البيع أو بعده، علمه المشتري أو جهله، إلا إذا كان ضمانه على المشتري وهو ما إذا كان قد بيع بغير كيل ولا وزن ولا ذرع ولم يقبضه المشتري ولكن لم يمنعه البائع من استلامه كما تقدم قريبا، فإن العيب إذا حدث بعد البيع في هذه الحالة يكون قد حدث وهو في ملك المشتري فلا يكون البائع مسؤولا عنه.
    وإذا رد المشتري المبيع بعيب كان عليه نفقة الرد، وعلى البائع أن يرد الثمن كاملا، فإذا وهب البائع الثمن للمشتري كله أو بعضه أو أبرأه بالعيب منه ثم رد المبيع كان البائع مطالبا بجميع الثمن ولم يحسب له ما وهبه أو أبرأه منه، وللمشتري أن يمسك المبيع بعد اطلاعه على العيب ويأخذ قيمة النقص الحاصل في المبيع بسبب العيب ولو لم يتعذر رد المبيع بإتلافه أو بأكله أو غير ذلك، فإذا اشترى ثوبا وقطعه ليخيطه "فصله" ثم وجد فيه عيبا فإن له أن يأخذ قيمة النقص الذي وجد في الثوب بسبب ذلك العيب. وإن كان تعذر في هذه الحالة رد الثوب لأن المشتري والبائع قد اتفقا أن يكون المبيع في مقابلة الثمن، فكل جزء من المبيع يقابله جزء من الثمن، فإذا نقص المبيع جزءا بسبب العيب نقص ما يقابله من الثمن، فللمشتري الحق في ذلك سواء رضي البائع أو سخط، إلا إذا ترتب على أخذ ذلك الجزء من ربا فإنه لا يصح له أخذه.
    وذلك كما إذا اشترى فضة مصنوعة حليا بزنتها من الدراهم ثم وجد بها عيبا. فإنه في هذه الحالة لا يحل له أخذ قيمة النقص الحاصل بسبب ذلك العيب، لأنه يؤدي إلى ربا الفضل، وإنما يكون له الحق في رد المبيع جميعه وأخذ الثمن جميعه. أو يمسكه بدون أن يأخذ قيمة ما أحدثه العيب من النقص.
    الحالة الثانية:
    أن يحدث العيب عند المشتري بعد أن يقبضه بالفعل، أو لم يقبضه ولم يمنعه البائع من قبضه ولم يكن مكيلا إلخ، وفي هذه الحالة يكون البائع مسؤولا عنه ولا يصح رده له بعد ذلك، فإن كان بالمبيع عيب وهو عند البائع ثم حدث به عيب آخر وهو عند المشتري، فإن رضي المشتري بإمساكه فذاك، وإن لم يرض بذلك رفع الأمر إلى الحاكم وهو يفسخ البيع ويكون على البائع أن يرد الثمن للمشتري، وعلى المشتري أن يرد قيمة المبيع المعيب بعيبه الأول الذي حدث عند البائع، ثم إن قيمة النقص الذي يحصل بسبب عيب المبيع هي الفرق بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا منسوبا إلى ثمنه، ولك بأن يقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا وينسب الفرق بينهما إلى أصل الثمن فيأخذه من له الحق فيه، مثال ذلك أن يشتري عينا بمائة وخمسين ولكن نزلت قيمتها إلى مائة ثم حدث بها عيب فنزلت قيمتها إلى تسعين. فيكون الفرق بين قيمتها صحيحة وقيمتها معيبة عشرة وهي عشر المائة، فإذا نسبت إلى الثمن الذي اشتريت به كانت خمس عشرة وهي عشر الثمن.
    الشافعية - قالوا:
    إذا اشترى شيئا فوجده معيبا فإن له الحق في رده إذا حدث العيب قبل أن يقبض المشتري المبيع، سواء حدث قبل عقد البيع أو حدث بعده وقبل أن يقبضه المشتري.
    أما إذا حدث بعد القبض:
    فإن كان سبب العيب قديما كان له الحق في رده أيضا وإلا فلا يرد، وذلك كما إذا اشترى عبدا واستلمه ولكنه كان قد ارتكب جناية سرقة قبل أن يشتريه وثبتت عليه بعد أن استلمه فقطعت يده، فإن ذلك العيب يكون مسؤولا عنه البائع.
    وإذا حدث في المبيع عيب وهو عند المشتري ثم وجد فيه عيبا قديما حدث وهو عند البائع، وكان ذلك العيب الجديد لم يكن سببه قديما ولم يزل من المبيع قبل علم المشتري بالقديم ولم تتوقف عليه معرفة العيب القديم، فإنه يسقط به حق المشتري في رده بدون رضا البائع، حتى ولو كان هذا العيب قد حصل بفعل البائع. ثم تكون المسألة بعد ذلك على ثلاثة أوجه:
    أحدها أن يرضى البائع بالفسخ بدون عوض يأخذه من المشتري، ويرضى المشتري بإمساك المبيع بدون المطالبة بعوض يأخذه عن العيب القديم.
    ثانيها:
    أن يتفقا على فسخ العقد أو إجازته مع دفع التعويض، فإن فسخ العقد كان على المشتري دفع تعويض العيب الذي حدث عنده. وإن لم يفسخ كان على البائع دفع تعويض العيب الذي حدث عنده.
    ثالثها:
    أن لا يتفقا كأن يطلب أحدهما الفسخ، ففي حالتي الاتفاق الأمر ظاهر، لأن لهما ذلك الاتفاق، وفي حالة عدم الاتفاق ينفذ رأي من طلب إجازة العقد، سواء كان الطالب المشتري أو البائع، وعلى البائع أن يدفع للمشتري تعويض العيب.
    وإذا كان المبيع قد بيع بجنسه كالحنطة بالحنطة، فإنه يتعين فيه فسخ العقد وإلزام المشتري بدفع العوض عن العيب الحادث على كل حال

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #100
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثانى
    [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
    صـــــ 178 الى صــــــــ
    185
    الحلقة (100)

    ومنها أن يشترط البائع البراءة من العيب على تفصيل المذاهب. (1)ومنها أن لا يزول ذلك العيب قبل الفسخ، فإذا اشترى حيوانا مريضا ولم يفسخ البيع ثم زال المرض فليس له الفسخ بسبب ذلك المرض، لأنه قد زال قبل أن يرده.
    [مبحث هل يرد المبيع بالعيوب على الفور أو لا]
    هل يرد المبيع بعد العلم بالعيب فورا أو على التراخي، في ذلك اختلاف في المذاهب (2) .
    [مبحث في حكم صر لبن الحيوان قبل بيعه "المصراة"]
    مسألة المصراة هي التي أشرنا إليها في أول مبحث الرد بالعيب، وهي مأخوذة من التصرية. ومعناها: جمع اللبن وحبسه في ضرع الحيوان بفعل البائع ليكبر الضرع، فيغتر المشتري بذلك ويشتريها ظنا منه أن عظم الضرع لسبب كثرة اللبن طبيعية، ويسمى هذا وهو منهي عنه شرعا. فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تصروا الإبل والغنم. فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن تحليها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر" متفق عليه.وتصروا - بضم التاء وفتح الصاد - على وزان تركوا معناه: لا تجمعوا اللبن وتحبسوه في ضرع الناقة أو الشاة. وقوله ابتاعها معناه: اشتراها وقوله: فهو بخير النظرين معناه: أنه مخير بين إمساكها وردها.وفي حكم المصراة من حيث الرد وعدمه اختلاف المذاهب (3) .
    [مبحث إذا كان في المبيع عيب باطني]
    إذا اشترى شخص سلعة فوجدها معيبة بعيب باطني لا يظهر للمشتري إلا بإحداث نقص في ذات المبيع من كسر أو شق، وذلك كالبطيخ والجوز واللوز والبيض ونحو ذلك، فإن كان باطنه فاسدا بحيث لا ينتفع به أصلا فإن البيع في هذه الحالة يكون باطلا، فعلى البائع أن يرد الثمن (4) كله إن كان قد قبضه، وليس على المشتري شيء لأن المبيع لا قيمة له. أما إن كان ينتفع به فإن فيه تفصيل المذاهب (5) .

    (1) الحنفية - قالوا:
    تصح البراءة مما يظهر في المبيع من العيوب على أي حال، سواء كان الشرط عاما أو خاصا. وسواء شرط براءة نفسه "أي شرط كونه غير مسؤول عن العيوب التي تظهر في المبيع" أو شرط براءة المبيع "سلامته عن العيوب". ومثال الأول أن يقول: بعتك هذه الدار على أني بريء من كل عيب، أو على أنها كوم تراب، أو بعتك هذه الدابة على أنها محكمة مكسرة ونحو ذلك فإن الشرط صحيح، فلو اشتراها على ذلك وظهر فيها عيب لا يصح له ردها، لأنه قبلها بكل عيب يظهر فيها فلا خيار له، وكذا لو شرط البراءة من عيب خاص من باب أولى كأن قال له:
    بعتك هذه الفرس على أنها جموح وقبلها على ذلك، فإنه ليس له ردها بهذا العيب ومثال الثاني أن يقول:
    بعتك هذا الحيوان على أنه لا عيب فيه، ولم يبين عيبا خاصا واشتراه منه على ذلك، فإن له أن يرده بظهور عيب قديم فيه، وإذا قال: بعتك هذا الحيوان على أنه بريء من كل داء ينظر في ذلك العرف والعادة في استعمال الداء، فإن كان العرف يخصه بالأدواء الباطنة عمل به، فلو ظهر به داء باطن كان للمشتري رده، وإن كان العرف يعمم الداء كان له رده بأي مرض قديم فيه، وعرف زماننا يعمم الداء فيطلقه على الظاهر منه والباطن، وهو موافق للغة أيضا، ثم إن اشتراط البراءة من العيوب يشمل العيوب الموجودة قبل عقد البيع. والعيوب الحادثة بعده قبل أن يقبضه المشتري.
    فلو باع له حيوانا بشرط أن لا يكون مسؤولا عن أي عيب فيه، أو عيب معين ولم يكن به عيب حال العقد ثم حدث فيه عيب بعد العقد وقبل أن يستلمه المشتري فإنه لا يرد بذلك العيب الحادث، كما لا يرد بذلك العيب القديم لأن شرط البراءعة يشمله، وبعضهم يقول: ان اشتراط السلامة لا يشمل سوى العيوب الموجودة حال العقد، فله رده بالعيب الحادث بعد العقد وقبل القبض كما يقول الشافعية.
    أما إذا اشترط البراءة من كل عيب موجود فيه فإنه لا يتناول العيب الحادث بالإجماع.
    وإذا قال: بعتك هذا بشرط أنني بريء من كل عيب موجود، ومن كل عيب يحدث بعد العقد قبل القبض فإنه يكون شرطا فاسدا يفسد البيع على المعتمد، وبعضهم يقول: إنه فاسد بالإجماع.
    المالكية - قالوا:
    شرط البراءة من العيب الذي يوجد في المبيع لا يفيد، فلو باع حيوانا أو عرض تجارة بشرط أنه بريء من أي عيب يظهر في المبيع، أو بريء من عيب خاص بحيث لا يكون مسؤولا إذا ظهر فيه ذلك العيب فإن هذا لا ينفعه، وللمشتري رده بظهور عيب فيه وهو عند البائع، نعم ينفع شرط البراءة في بيع الرقيق فقط إذا باعه بشرط البراءة من عيب لم يعلم به ومكث عنده زمنا لم يتمكن فيه من اختباره بحيث يستطيع أن يعرف ما به من العيوب، فإنه إذا باعه بشرط أنه لا يكون مسؤولا عن عيب يظهر فيه بعد بيعه ثم ظهر فيه عيب فإنه لا يرد حينئذ. وكذا إذا باع الرقيق حاكم أو وارث كما تقدم فينا يمنع الرد.
    الشافعية - قالوا: إذا باع شيئا بشرط البراءة من العيوب الموجودة فيه حال العقد فلا يخلو إما أن يشترط البراءة لنفسه، أو يشترط براءة المبيع وسلامته من كل العيوب، ومثال الأول: أن يقول: بعتك كذا على أنني بريء من كل عيب يظهر فيه بحيث لا أكون مسؤولا عنه، وحكم هذا أنه لا يبرأ إلا إذا كان المبيع حيوانا وظهر فيه عيب باطن موجود حال العقد يجهله البائع، وقيل يبرأ عن كل عيب، أما إذا تبين أن به عيبا ظاهرا أو كان المبيع غير حيوان فإن شرط براءته لا ينفع في هذه الحالة. ويكون البائع مسؤولا عما يظهر من العيوب، ومثال الثاني أن يقول: بعتك هذا بشرط براءته "سلامته" من العيوب. وحكمه كحكم الأول، فإنه يكون مسؤولا، لأنه شرط على نفسه سلامة المبيع من كل العيوب، فيعامل بشرطه في هذه الحالة دفعا للنزاع. أما اشتراط البراءة من عيوب تحدث بعد العقد قبل القبض فإنه شرط فاسد لأنه إسقاط لشيء لم يوجد. ولكنه لا يفسد البيع على المعتمد، ويتضح من هذا أن شرط البراءة إذا كان عاما فإنه لا يفيد لا في حالة واحدة وهي أن يكون المبيع حيوانا والعيب باطن والبائع يجهله كما ذكر آنفا. أما إذا كان الشرط خاصا بأن عين العيب فإن فيه تفصيلا، وهو إذا كان العيب مما يرى كالأمراض الجلدية التي توجد في الحيوان فإنه يشترط أن يطلع المشتري عليها بعد تعيينها ويريه إياها. أما إذا كان من العيوب التي لا ترى. فإنه يكفي فيها التعيين ولا يلزم رؤيتها. وذلك كما إذا باع ثورا بشرط أن ينام في المحراث، أو فرسا بشرط أنه جموح وتبين أنه كذلك، فليس للمشتري رده وإن لم يشاهد ذلك العيب عند الشراء.
    الحنابلة - قالوا:
    إذا باع سلعة وشرط على المشتري أنه يبرأ من جميع العيوب التي بها، أو التي تحدث فيها قبل قبضها بعد العقد فإن الشرط يكون فاسدا، ومتى ظهر للمشتري عيب كان له رده المبيع سواء كان ذلك العيب ظاهرا أو باطنا، في حيوان أو غيره. علمه المشتري أو جهله، وكذلك إذا اشترط البراءة من شرط خاص كأن قال له: بعتك هذه الدابة على أنني بريء من جموحها، أو بعتك هذه الناقة على أنني بريء من عصيانها فإن الشرط فاسد. وللمشتري ردها بذلك العيب.
    وإذا سمى البائع العيب ووافق المشتري عليه وأبرأه منه. فليس للمشتري رده بعد ذلك. لأنه قد علم العيب ورضي به. هذا ويحرم على البائع أن يكتم عيبا يعلمه بالمبيع لقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم أخو المسلم. ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له". رواه أحمد وأبو داود
    (2) الشافعية - قالوا:
    يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم على الفور. فلو علم بالعيب ثم أخر رده بلا عذر سقط حقه في الرد. والمراد بالفور مالا يعد تراخيا في العادة، فلو اشتغل بصلاة دخل وقتها أو بأكل أو نحو ذلك لا يكون تراخيا في العادة فلا يمنع الرد. وكذا لو علم بالعيب ثم تراخى لعذر كمرض أو خوف لص أو حيوان مفترس أو نحو ذلك فإن حقه لا يسقط.
    فإن كان البائع غائبا فعلى المشتري أن يرفع أمره إلى الحاكم وجوبا. وعلى المشتري أيضا أن يشهد وهو سائر في طريقه لرد المبيع بأنه فسخ البيع، سواء كان ذاهبا ليرده للبائع أو للحاكم وإنما يكون له حق الرد بعد العلم بالعيب وإذا لم يفعل ما يدل على الرضا. كاستعمال الحيوان ولبس الثوب والإجارة والرهن ونحو ذلك.
    الحنفية - قالوا: لا يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم على الفور. فلو أعلن البائع بالعيب وخاصمه في رده المبيع ثم ترك المخاصمة وبعد ذلك رجع إليها وطلب الرد فإن له ذلك، ويمتنع الرد بعد العلم بالعيب إذا فعل ما يدل على الرضا كلبس الثوب وركوب الدابة، وإجارة المبيع ورهنه، وبيعه كله أو بعضه، وهبته ولو بلا تسليم، ودفع باقي ثمنه وعرضه على البيع ولو بأمر البائع بأن قال له: اعرضه على البيع فإن لم يشتره منك أحد رده علي. وكذا إذا عرضه على التأجير أو طالب بغلته ويدل على الرضا أيضا حلب اللبن وشربه، وكذلك سكنى الدار ابتداء بأن علم بالعيب وهو غير ساكن ثم سكن بعد ذلك، فإن ذلك يسقط حقه في الرد، أما إذا كان ساكنا قبل العلم بالعيب ثم استمر بعد العلم فإن ذلك لا يسقط حقه.
    ويدل على الرضا أيضا سقي الأرض وزراعتها وجمع غلة الزرع، أما الأكل من ثمر الشجرة فإنه لا يدل على الرضا، وكذا عرض الثوب على الخياط لينظر أيكفيه أم لا. وعرضه على المقومين ليعلم حاله. وكذا لا يدل على الرضا ركوب الدابة لردها على البائع، أو لشراء العلف لها لا لدابة أخرى، وإنما يصح له ركوبها لذلك بشرط أن لا يكون قادرا على المشي إلا بصعوبة. وإذا كان البائع غائبا فلم يجده ليرد إليه المبيع فإنه يمسك المبيع عنده حتى يحضر البائع فيرده له. وإذا هلك وهو في يد المشتري قبل حضور البائع لم يكن مسؤولا عن ثمنه، وإنما يكون مسؤولا عن النقصان الحاصل بسبب العيب.
    المالكية - قالوا: يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم بالعيب على الفور، ويقدر الفور عندهم بمدة يومين وما زاد عليها يكون تراخيا يسقط حق الخيار في الرد بالعيب، إلا إذا كان معذورا بعذر يمنعه من الرد بعد العلم، كمرض أو سجن أو خوف من ظالم أو نحو ذلك. ثم إن له الرد في أقل من يوم بدون أن يطالب بيمين.
    أما اليوم واليومان فإن له الرد فيهما مع الحلف بأنه لم يرض بالعيب وأنه رد المبيع.
    ويمتنع الرد إذا فعل ما يدل على الرضا مما تقدم بيانه.
    وإذا كان البائع غائبا فيستحب أن يشهد على عدم الرضا، ثم إن كانت غيبته قريبة فإنه يرده على وكيله إن كان له وكيل، فإن لم يكن له وكيل، فإن شاء انتظر حضوره ليرد عليه وإن شاء رفع الأمر للقاضي. والقاضي يعلنه بالحضور أو الحكم عليه بالرد وهو غائب، وإن كانت غيبته بعيدة وعجز المشتري عن رده فإما أن ينتظره أو يرفع الأمر للقاضي، والقاضي إن كان يعلم محله أو يرجو عودته ينتظره مدة عشرة أيام في حال الأمن، ويومين في حال الخوف. ثم يحكم بالرد وإلا حكم بالرد ابتداء من غير انتظار.
    الحنابلة - قالوا: لا يشترط الفور في رد المبيع بالعيب، بل يصح أن يكون على التراخي لأنه شرع له لدفع ضرر متحقق، فلم يبطل بالتأخير إلا إذا كان مقترنا بما يدل على الرضا. كما إذا اتسعمل الثوب بعد العلم بعيبه، أو أجر العين، أو ركب الدابة ونحو ذلك، إلا إذا كان قد ركبها ليختبرها أو ركبها ليقطع بها الطريق ليردها إلى البائع، فإن هذا لا يدل على الرضا. ولا يفتقر الرد إلى رضا البائع، ولا إلى حضوره، ولا إلى حكم حاكم سواء كان الرد قبل القبض أو بعده، فمتى أعلن فسخ العقد أصبح غير مسؤول عن البيع خيار التغرير الفعلي
    (3) الشافعية - قالوا: إذا اشترى المصراة فحلبها فإن له ردها مع رد صاع من تمر معها. وكذا إذا استهلك لبنها بغير الحلب كأن ترك ولدها يرضعها. وإذا علم أنها مصراة قبل أن يتلف لبنها فإن له ردها بدون أن يكون ملزما برد شيء معها: كما لا يلزم برد صاع التمر بخصوصه إذا اتفق المتعاقدان على غيره فيصح أن يرد بدل اللبن نقودا أو برا أو غيرهما مع الاتفاق. واللبن الذي يجب معه الرد هو لبن مأكول اللحم، أما لبن غيره كالأتان فإنه لا يرد بدله. وإن كانت التصرية عيبا فيه يرد به. وكذا لا يرد بدل القليل التافه، وإذا كرر حلبها فإنه لا يلزم إلا برد صاع واحد، نعم إذا كانت الناقة أو الشاة ملكا لشركاء متعددين، أو اشتراها شركاء فإن لكل واحد من البائعين صاعا، وعلى كل واحد من الشارين صاعا.
    المالكية - قالوا:
    إذا اشترى المصراة فحلبها فإن له ردها بشرك أن يرد معها صاعا من غالب قوت بلده، ولا يشترط رد صاع التمر بخصوصه، ويحرم أن يرد اللبن فقط، إنما له رده مع رد الصاع. وكذا يحرم رد بدل الصاع من نفوذ أو غيرها. وإذا لم يحلبها ثم علم بأنها مصراة فله ردها بدون أن يلزم بالصاع. واللبن الذي يجب معه الرد هو لبن مأكول اللحم، أما غير مأكول اللحم فإنه لا يجب معه رد الصاع وإن كان يرد نفس الحيوان بالتصرية لأنها عيب فيه. وإذا كرر حلبها فلا يرد إلا صاعا واحدا ما لم يدل تكرار الحلب على الرضا، وذلك كأن يحلبها لينتفع بلبنها.
    أما إذا حلبها لاختبارها مرة أخرى فإنه لا يدل على الرضا، وإذا حلبها مرة ثالثة فإنها تدل على الرضا إلا إذا ادعى أنه حلبها الثالثة ليختبرها، لأنه الحلبة الثانية لم تكف في اختبارها ولكن عليه اليمين. فإذا حلبها بعد الثالثة كان ذلك رضا قولا واحدا. وإنما يعتبر تكرر الحلبات ثلاثة أو أقل إذا حلبها في مواعيد حلبها، فإذا حلبها في يوم واحد ثلاث مرات وكانت عادتها حلبتين حسب له اثنان فقط. وإذا اشترى من بائع واحد شياها متعددة في عقد فوجدها مصراة كلها فإن له ردها، وعليه أن يدفع على كل واحدة حلبها صاعا على الأرجح.
    الحنفية - قالوا:
    إذا اشترى المصراة فليس له ردها بذلك العيب مطلقا، وإنما له المطالبة بالتعويض عما نقص من قيمتها بذلك العيب. ويقولون:
    إن الحديث الوارد في ذلك وإن كان صحيحا في ذاته ولكن يعارضه شيء واحد آخر، وهو أن القياس الثابت بالكتاب والسنة والإجماع قد دل على أن ضمان العدوان يكون بالمثل أو القيمة، وفي مسألة المصراة قد تعدى البائع بالتصرية تغريرا بالمشتري فعليه أن يضمن قيمة النقص الحاصل بالعيب. أما المشتري فلم يتعد بالحلب، وعلى فرض أنه تعدى فإنه يلزم بقيمة اللبن أو مثله، والتمر ليس واحدا منهما، فكان الحديث مخالفا للقياس فلم يعمل به. وقال أبو يوسف: إنها ترد ويرد معها قيمة اللبن.
    الحنابلة - قالوا:
    إذا اشترى المصراة فإن له ردها بذلك العيب وعليه أن يرد معها صاعا من تمر عملا بالحديث المذكور، ويسمون هذا خيار التدليس

    (4) المالكية - لهم تفصيل في ذلك مذكور فيما سيأتي قريبا

    (5) الشافعية - قالوا:
    إن كان بعض المبيع فاسدا لا ينتفع به وبعضه غير فاسد ينتفع به، كان للمشتري الحق في رده وأخذ ثمنه كاملا بدون أن يلزم بشيء عما أحدثه فيه من التغير، لأن له العذر في ذلك حيث لا يمكنه معرفته إلا بكسره. وكذا إذا اشترى حيوانا فذبحه فوجد لحمه منتنا فإن له الحق في رده إذ كان لا يمكنه معرفته قبل ذبحه. أما إذا كان يمكنه ذلك بأن كان الحيوان مما يأكل النجاسة ويسمى "جلالا" فإنه يسقط في الرد حينئذ.
    وإذا كانت معرفة ما في باطن المبيع لا تتوقف على كسره فكسره، أو كانت تتوقف على كسر يسير فكسره كسر كبيرا فإنه في هذه الحالة لا يكون له حق في الرد، لأنه أحدث فيه عيبا ممكن اختيار المبيع بدونه.
    وإذا اشترى شيئا لبه فاسد وقشره ينتفع به كبيض النعام، فإن على المشتري أن يرده على بائعه ويأخذ ثمنه، بخلاف ما إذا اشترى شيئا لا ينتفع بقشره فوجده فاسدا جميعه كبيض الدجاج والبطيخ، فإنه لا يلزم برده لكونه لا قيمة له، وعلى البائع أن يدفع له كل الثمن كما تقدم.
    المالكية - قالوا: إذا اشترى شيئا لا يعرف عيبه إلا بإحداث تغيير في ذات المبيع كالبطيخ والجوز والخشب المسوس إذا كان السوس غير ظاهر فإنه لا يعرف إلا بشقه أو كسره، فليس للمشتري أن يرده بعد أن يحدث فيه التغيير إلا إذا اشترط رده بذلك. أو جرى العرف على رد المبيع بمثل هذا العيب، لأن العرف كالشرط في هذا، وكما أن المشتري ليس له الحق في رده، كذلك ليس له الحق في المطالبة بتعويض عما نقص بسبب العيب.
    وإذا كان في المبيع عيب باطني ولكن يمكن معرفته بدون إحداث تغيير في ذاته كالبيض "فإنه يمكن معرفته بعلامات خاصة بدون حاجة إلى كسره"، فإن له أحوالا يختلف الحكم فيه باختلافها، وذلك لأنه إما أن يتبين أنه منتن ويسمى مذرا، وإما أن يتبين أن صفاره مخلوط ببياضه ولكنه لم ينتن ويسمى "ممروقا" وعلى كل من الحالتين: إما أن يكون البائع مدلسا أي كتم العيب والذي به أو غير مدلس، فإن تبين أنه مذر فإن البيع يكون فاسدا، سواء كان البائع مدلسا أو غير مدلس، وسواء شواه المشتري بعد شرائه أو كسره ولم يشوه، أو عرفه قبل أن يفعل به شيئا، وفي هذه الحالة يرد المشتري المبيع ويلزم البائع برد الثمن جميعه. أما إن تبين إنه ممروق والبائع غير مدلس، فإن كان المشتري قد عرفه قبل أن يكسره أو يشويه، فإنه يكون مخيرا بين أن يمسكه وبين أن يرده من غير أن يكون له أو عليه شيء، أو الشق، وبين إمساكه وأخذ العوض عن العيب القديم من البائع بأن يقوم وهو سالم ويقوم وهو معيب، فإن كان يساوي وهو سالم عشرة ويساوي وهو معيب ثمانية، فيرجع بنسبة ذلك من الثمن وهو اثنان أعني خمس الثمن.
    وإذا تبين أنه ممروق والبائع مدلس، فإن كان المشتري قد كسره أو لم يفعل به شيئا فإنه يكون مخيرا بين أن يمسكه ولا شيء له، أو يرده ويأخذ جميع الثمن ولا شيء عليه. أما إذا كان قد شواه فإنه لا يكون له الحق في رده، بل له الحق في أخذ العوض عن النقص بالطريق التي ذكرت.
    ويشترط في ذلك كله أن يكسره في زمن قريب لا يتصور أن يتغير فيه البيض. أما إذا كسره بعد أيام يصح أن يتغير فيها فلا يكون له الحق في شيء. لأنه في هذه الحالة لا يعلم إن كان العيب قد حدث عند البائع أم عند المشتري.
    الحنفية - قالوا:
    المبيع الذي لا يعرف عيبه إلا بإحداث تغيير في ذاته من كسر أو شق أو غيرهما كالبيض والبطيخ والجوز واللوز لا يخلو حاله: إما أن يكون جميعه فاسدا لا ينتفع به أصلا كما إذا اشترى بيضا فوجده منتنا، أو قثاء فوجده مرا، أو جوزا فوجده خاويا، ففي هذه الحالة يقع بيعه باطلا، ويلزم البائع برد جميع ثمنه ولا شيء على المشتري. وكذلك إذا اشترى جوزا فوجده خاويا لا لب فيه فإن بيعه على هذه الحالة يكون باطلا، ولا اعتبار بالانتفاع بقشره لأنه لا يعد مالا مقدما إلا باعتبار لبه على الراجح، بخلاف بيض النعام فإن لقشره قيمة، فإذا وجد باطنه فاسدا لم يكن بيعه باطلا للانتفاع بقشره، فليس للمشتري رده، وإنما الرجوع بنقصان العيب. أما إذا كان يمكن الانتفاع به من بعض الوجوه ولو بجعله علفا للدواب، فإنه لا يكون للمشتري في هذه الحالة الحق في رده، ولن يكون له الحق في الرجوع على البائع بعوض النقصان بحيث يقوم صحيحه وفاسده ويأخذ فرق ثمنه كما تقدم، الحق في العوض. وكذا إذا علم بالعيب قبل كسره ثم كسره سقط حقه في الرد وفي العوض لأن كسره بعد العلم بالعيب دليل على رضاه به.
    وإذا اشترى شيئا فوجد بعضه صحيحا وبعضه فاسدا كان له الحق في الرجوع على البائع بحصة الفاسد من الثمن، إلا إذا كان الفاسد قليلا لا يمكن الاحتراز عنه، أو لا يخلو المبيع عنه في العادة كالجوز واللوز فإنه يغتفر فيه إلى ستة فاسدة من كل مائة، وكذلك التراب القليل الذي لا يخلو عنه القمح في العادة فإنه يغتفر فيه ذلك.
    الحنابلة - قالوا: إذا كان بعض المبيع فاسدا وبعضه صحيحا فإن للمشتري الحق في أخذ قسط الفاسد من الثمن، فإن كان نصفه فاسدا رجع بنصف الثمن وهكذا، وإذا اشترى شيئا فوجد باطنه جميعه فاسدا ولكن له قيمة بعد الكسر كبيض النعام والجوز ونحو ذلك، فإن المشتري يكون مخيرا بين رده للبائع ودفع تعويض ما أحدثه من الكسر فيه، وبين إمساكه وأخذ تعويض فساده من البائع، فإن كان قد كسره كسرا لا يبقى معه له قيمة أصلا كان للمشتري الحق في أخذ تعويض فساده من البائع. فإن كان قد كسره كسرا لا يبقى معه له قيمة أصلا كان للمشتري الحق في أخذ التعويض عن الفساد فقط




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •