تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 15 الأولىالأولى 1234567891011121314 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 425 الى صــــــــ437
    الحلقة (61)

    [المواضع التي تطلب فيها سجدة التلاوة]
    تطلب في أربعة عشر موضعاً: وهي آخر آية في الأعراف: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته، ويسبحونه، وله يسجدون} ،
    وآية الرعد:
    {ولله يسجد ما في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، وظلالهم بالغدوّ والآصال} وآية النحل: {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة، والملائكة، وهم لا يستكبرون، يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} ،
    وآية الإسراء التي آخرها: {يزيدهم خشوعاً} ،
    وآية مريم التي آخرها:
    {خرُّوا سجداً وبكياً} ،
    وآيتان في سورة الحج:
    أولاهما {ويفعل ما يشاء} في آخر الربع {لعلكم تفلحون} ، عند الشافعية، والحنابلة، وخالف، المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) : وآية الفرقان وهي: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن، قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً} ،
    وآية النمل وهي:
    {أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، ويعلم ما تخفون وما تعلنون، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} ،
    وآية سورة السجدة وهي:
    {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً} إلى قوله تعالى: {وهم لا يستكبرون} وآية سورة فصلت وهي: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} وآية النجم وهي: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا} وآية سورة الانشقاق،
    وهي قوله تعالى:
    {وإذ ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .وأما آية "ص" وهي: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب} ، فليست من مواضع سجود التلاوة عند الشافعية، والحنابلة خلافاً للمالكية، والحنفية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية، والمالكية قالوا: إنها من مواضع سجود التلاوة،
    إلا أن المالكية قالوا:
    إن السجود عند قوله تعالى: {وأناب} والحنفية قالوا: الأولى أن يسجد عند قوله تعالى: {وحسن مآب} .
    ومن هذا يتضح أن عدد مواضع سجدة التلاوة عند الحنفية أربعة عشر موضعاً بنقص آية أخر الحج، وزيادة أية {ص} .
    وعند المالكية أحد عشر موضعاً بنقص آية النجم، والانشقاق، وسورة اقرأ، وزيادة آية ص) ، والسجود يكون عند آخر كل آية من آياتها المتقدمة باتفاق، إلا عند الحنفية في بعض المواضع، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    [سجدة الشكر]
    هي سجدة واحدة كسجود التلاوة عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، ولا تكون إلا خارج الصلاة، فلو أتي بها في الصلاة بطلت صلاته، ولو نواها ضمن ركوع الصلاة وسجودها لم تجزه، وهي مستحبة، وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، والحنفية.
    فانظر مذهبهم تحت الخط (4) .

    [مباحث قصر الصلاة الرباعية]
    [حكمها]
    يجوز للمسافر المجتمعة فيه الشروط الآتي بيانها أن يقصر الصلاة الرباعية - الظهر والعصر والعشاء - فيصليها ركعتين فقط، كما يجوز له أن يتم عند الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية،
    والحنفية قالوا: إن قصر الصلاة مطلوب من المسافر لا جائز، ولكنهم اختلفوا في حكمه،
    فقال الحنفية: إنه واجب، والواجب عندهم أقل من الفرض، ومساو للسنة المؤكدة، وعلى هذا فيكره للمسافر أن يتم الصلاة الرباعية، وإذا أتمها فإن صلاته تكون صحيحة إذا لم يترك الجلوس الأول، لأنه فرض في هذه الحالة، ولكنه يكون مسيئاً بترك الواجب، وهو وإن كان لا يعذب على تركه بالنار، ولكنه يحرم من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، كما تقدم.هذا هو رأي الحنفية،
    أما المالكية فقد قالوا:
    إن قصر الصلاة سنة مؤكدة آكد من صلاة الجماعة، وإذا تركه المسافر فلا يؤاخذ على تركه، ولكنه يحرم من ثواب السنة المؤكدة فقط، ولا يحرم من شفاعة النبي، كما يقول الحنفية، فالمالكية، والحنفية متفقون على أنه سنة مؤكدة ولكنهم مختلفون في الجزاء المترتب على تركه.هذا هو ملخص المذاهب في هذا الحكم، ولكن لكل مذهب تفصيل، فانظر تفصيل كل مذهب على حدة تحت الخط (5) .
    [دليل حكم قصر الصلاة]
    ثبت قصر الصلاة بالكتاب والسنة والإجماع.
    قال تعالى:
    {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ، فهذه الآية قد دلت على أن قصر الصلاة مشروع حال الخوف، وهي وإن لم تدل على أنه مشروع حال الأمن، ولكن الأحاديث الصحيحة والإجماع قد دلت على ذلك، فمن ذلك ما رواه يعلى بن أمية،
    قلت لعمر:
    ما لنا نقصر وقد أمنا؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته، رواه مسلم.
    وقال ابن عمر رضي الله عنه:
    صحبت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان كذلك؛ متفق عليه، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى إماماً بأهل مكة بعد الهجرة صلاة رباعية،
    فسلم على رأس ركعتين ثم التفت إلى القوم فقال: "أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر".هذا، وقد أجمعت الأمة على مشروعية القصر.
    [شروط صحة القصر: مسافة السفر التي يصح فيها القصر]
    يشترط لصحة قصر الصلاة شروط:
    منها أن يكون السفر مسافة تبلغ ستة عشر فرسخاً ذهاباً فقط، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع بذراع اليد، وهذه المسافة تساوي ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين متراً - مسيرة يوم وليلة بسير الإبل المحملة بالأثقال سيراً معتاداً - وتقدير المسافة بهذا متفق عليه بين الأئمة الثلاثة ما عدا الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، ويقدر الشافعية هذه المسافة بمرحلتين، والمرحلة عندهم ثمانية فراسخ، ولا يضر نقصان المسافة عن المقدار المبين بشيء قليل، كميل أو ميلين باتفاق الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية والشافعيةن فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) ، ولا يشترط أن يقطع هذه المسافة في المدة المذكورة - يوم وليلة - فلو قطعها في أقل منها ولو في لحظة صح القصر، كما إذا كان مسافراً بالطائرة ونحوها، وهذا متفق عليه.
    [نية السفر]
    لا يصح القصر إلا إذا نوى السفر، فنية السفر شرط لصحة القصر باتفاق،
    ولكن يشترط لنية السفر أمران:

    أحدهما: أن ينوي قطع تلك المسافة بتمامها من أول سفره، فلو خرج هائماً على وجهه لا يدري أين يتوجه لا يقصر، ولو طاف الأرض كلها، لأنه لم يقصد قطع المسافة،وهذا الحكم متفق عليه، وكذلك لا يقصر إذا نوى قطع المسافة، ولكنه نوى الإقامة أثناءها مدة قاطعة لحكم السفر وسيأتي بيانها، وخالف في هذا الحكم الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) ؛ ثانيهما: الاستقلال بالرأي، فلا تعتبر نية التابع بدون نية متبوعة، كالزوجة مع زوجها، والجندي مع أميره، والخادم مع سيده، فلو نوت الزوجة مسافة القصر دون زوجها لا يصخ لها أن تقصر، وكذلك الجندي والخادم ونحوهما، سواء نوى التابع التخلص من متبوعه عند سنوح الفرصة أو لا، باتفاق؛ وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) ، ولا يشترط في نية السفر البلوغ؛ فلو نوى الصبي مسافة القصر قصر الصلاة، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) .
    [حكم قصر الصلاة في السفر المحرم والمكروه]
    ومن الشروط أن يكون السفر مباحاً.
    فلو كان السفر حراماً كأن سافر لسرقة مال أو لقطع طريق أو نحو ذلك فلا يقصر، وإذا قصر لم تنعقد صلاته؛ باتفاق الشافعية، والحنابلة؛ وخالف الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (11) ، فإن كان السفر مكروهاً ففيه تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط (12) .
    وأما إذا كان السفر مباحاً، ولكن وقعت فيه المعصية فلا يمنع القصر.
    [المكان الذي يبدأ فيه المسافر صلاة القصر]
    لا يصح للمسافر أن يقصر الصلاة قبل أن يشرع في سفره ويفارق محل إقامته بمسافة مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (13) .
    [اقتداء المسافر بالمقيم]
    من شروط القصر أن لا يقتدي المسافر الذي يقصر الصلاة بمقيم أو مسافر يتم الصلاة فإن فعل ذلك وجب عليه الإتمام، سواء اقتدى به في الوقت أو بعد خروج الوقت، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) .ولا فرق في ذلك بين أن يدرك مع الإمام كل الصلاة أو بعضها حتى ولو أدرك التشهد الأخير، فإنه يتم، باتفاق، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (15) ، ولا يكره اقتداء المسافر بالمقيم إلا عند المالكية،
    فإنهم يقولون:
    يكره، إلا إذا كان الإمام أفضل أو به ميزة.
    [نية القصر]
    ومنها أن ينوي القصر عند كل صلاة تقصر على التفصيل المتقدم في مبحث "النية" باتفاق الشافعية، والحنابلة؛ وخالف المالكية، والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (16) .
    [ما يمنع القصر: نية الإقامة]
    يمتنع القصر بأمور: منها أن ينوي الإقامة مدة مفصلة في المذاهب (17) .

    [ما يبطل به القصر، وبيان الوطن الأصلي وغيره]
    يبطل القصر بالعودة إلى المكان الذي يباح له القصر عنده حين ابتدأ سفره، سواء كان ذلك المكان وطناً له أو لا؛ ومثل العودة بالفعل نية العودة، وفي ذلك كله تفصيل في المذاهب فانظره تحت الخط (18) .

    (1) المالكية، والحنفية لم يعدوا آية آخر الحج من المواضع التي يطلب فيها سجود التلاوة
    (2) المالكية قالوا: إن آية النجم، وآية الانشقاق، وآية اقرأ ليست من المواضع التي يطلب فيها سجود التلاوة
    (3) الحنفية قالوا: إن السجود في آية سورة فصلت عند قوله تعالى: {وهم لا يسأمون}
    (4) المالكية قالوا: سجدة الشكر مكروهة، وإنما المستحب عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة صلاة ركعتين، كما تقدم.
    الحنفية قالوا: سجدة الشكر مستحبة - على المفتى به -، وإذا نواها ضمن ركوع الصلاة أو سجودها أجزأته، ويكره الإتيان بها عقب الصلاة لئلا يتوهم العامة أنها سنة أو واجبة
    (5) الحنفية قالوا: قصر الصلاة واجب بالمعنى الذي فصلناه فوق الخط، فإذا أتم الصلاة فقد فعل مكروهاً بترك الواجب، على أن في الإتمام أيضاً تأخيراً للسلام الواجب عن محله، وذلك لأنه يجب على المصلي أن يسلم بعد الفراغ من القعود الأخير، والقعود الأخير في صلاة المسافر هو ما كان في نهاية الصلاة المطلوبة منه، وهي ركعتان، فإذا صلى ركعتين ولم يجلس في الركعة الثانية بطلت صلاته، لأنه هذا الجلوس فرض كالجلوس الأخير، وإذا لم يسلم بعد القعود وقام للركعة الثالثة فقد فعل مكروهاً، لأنه بذلك يكون قد أخر السلام المطلوب منه عن محله.
    المالكية قالوا: قصر الصلاة سنة مؤكدة، كما ذكرنا فوق الجدول، فمن تركه وأتم الصلاة فقد حرم من ثواب هذه السنة، وإذا لم يجد المسافر مسافراً مثله ليقتدي به صلى منفرداً صلاة قصر، ويكره له أن يقتدي بإمام مقيم، لأنه لو اقتدى بإمام مقيم لزمه أن يتم الصلاة معه فتفوته سنة القصر المؤكدة.
    الشافعية قالوا: يجوز للمسافر مسافة قصر أن يقصر الصلاة، كما يجوز له الإتمام، بلا خلاف،ولكن القصر أفضل من الإتمام، بشرط أن تبلغ مسافة سفره ثلاثة مراحل، وإلا لم يكن القصر أفضل، وذلك لأن أقل مسافة القصر عندهم مرحلتان، وسيأتي قريباً بيان معنى المرحلة عندهم، فإذا كانت مسافة سفره مرحلتين فقط، فإنه يجوز له أن يقصر، كما يجوز له أن يتم، أما إذا كانت ثلاث مراحل فأكثر فإن القصر يكون أفضل، وإنما يكون القصر في هذه الحالة أفضل إذا لم يكن المسافر ملاحاً، والملاح هو القائم بتسيير السفينة ومساعدوه، ويقال لهم: البحارة، فإذا كان هؤلاء مسافرين فإن إتمام الصلاة أفضل لهم، وإن كانت مسافة سفرهم تزيد على ثلاث مراحل.
    هذا، وإذا أخر المسافر الصلاة إلى آخر وقتها بحيث لم يبق من الوقت إلا ما يسع صلاة ركعتين فقط، فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يصلي قصراً، ولا يجوز له الإتمام بحال، لأنه في هذه الحالة يمكنه أن يوقع الصلاة كلها في الوقت، كما تقدم في المسح على الخف، فإنه إذا ضاق الوقت كانت المسح فرضاً لإدراك الصلاة في وقتها.
    الحنابلة قالوا: القصر جائز، وهو أفضل من الإتمام، فيجوز للمسافر مسافة قصر أن يتم الصلاة الرباعية وأن يقصرها بلا كراهة، وإن كان الأفضل له الإتمام، ويستثنى من ذلك أمور سنذكرها في شروط القصر، ومنها أن يكون المسافر ملاحاً - بحاراً - فإنه إذا كان معه أهله في السفينة فإنه في هذه الحالة لا يجوز له قصر الصلاة لكونه في حكم المقيم، وقد عرفت حكم هذا عند الشافعية، وهو أن إتمام الصلاة أفضل في حقهم فقط، أما الحنفية، والمالكية فلم يفرقوا بين الملاح وغيره في الحكم الذي تقدم بيانه عندهم
    (6) الحنفية قالوا: المسافة مقدرة بالزمن، وهو ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة، ويكفي أن يسافر في كل يوم منها من الصباح إلى الزوال، والمعتبر السير الوسط، أي سير الإبل، ومشي الأقدام، فلو بكر في اليوم الأول ومشى إلى الزوال، وبلغ المرحلة، ونزل وبات فيها، ثم بكر في اليوم الثاني، وفعل ذلك، ثم فعل ذلك في اليوم الثالث أيضاً فقد قطع مسافة القصر، ولا عبرة بتقديرها بالفراسخ على المعتمد، ولا يصح القصر في أقل من هذه المسافة وبعض الحنفية يقدرها بالفرسخ، ولكنه يقول: إنها أربعة وعشرون فرسخاً، فهي ثلاث مراحل لا مرحلتان
    (7) المالكية قالوا: إن نقصت المسافة عن القدر المبين بثمانية أميال وقصر الصلاة صحت صلاته، ولا إعادة عليه على المشهور، ويستثنى من اشتراط المسافة أهل مكة ومنى ومزدلفة والمحصب إذا خروجوا في موسم الحج للوقوف بعرفة، فإنه يسن لهم القصر في حال ذهابهم وكذا في حال إيابهم إذا بقي عليهم عمل من أعمال الحج التي تؤدي في غير وطنهم، وإلا أتموا.
    الشافعية قالوا: يضر نقصان المدة عن القدر المبين، فإذا نقصت ولو بشيء يسير فإن القصر لا يجوز، على أنهم اكتفوا في تقدير المسافة بالظن الراجح، ولم يشترطوا اليقين
    (8) الحنفية قالوا: نية إقامة المدة القاطعة لحكم السفر لا تبطل حكم القصر إلا إذا أقام بالفعل، فلو سافر من القاهرة مثلاً ناوياً الإقامة بأسيوط مدة خمسة عشر يوماً فأكثر يجب عليه القصر في طريقه إلى أن يقيم
    (9) الشافعية: زادوا حكماً آخر، وذلك أن التابع إذا نوى أنه متى تخلص من التبعية يرجع من سفره كالجندي إذا شطب اسمه، والخادم إذا انفصل من الخدمة. فلا يقصر في هذه الحالة حتى يقطع مسافة القصر وهي المرحلتان، فإن فاتته صلاة حين بلوغه المرحلتين قضاها مقصورة لأنها فائتة سفر
    (10) الحنفية قالوا: يشترط فينية السفر أن تكون من بالغ، فلا تصح نية الصبي، فشروط نية السفر عندهم ثلاثة: نية قطع المسافة بتمامها من أول السفر، والاستقلال بالرأي، والبلوغ

    (11) الحنفية، والمالكية قالوا: لم يشترطوا ذلك، فيجب القصر على كل مسافر، ولو كان محرماً.
    ويأثم بفعل المحرّم عند الحنفية،
    أما المالكية فقالوا: إذا كان السفر محرماً فإن القصر يصح الإثم
    (12) الحنفية قالوا: يجوز القصر في السفر المكروه أيضاً كغيره.
    الشافعية قالوا: يجوز القصر في السفر المكروه.
    المالكية قالوا: يكره القصر في السفر المكروه.
    الحنابلة قالوا: لا يجوز القصر في السفر المكروه، ولو قصر لا تنعقد صلاته كالسفر المحرم
    (13) الشافعية قالوا: لا بد أن يصل إلى محل يعد فيه مسافراً عرفاً، وابتداء السفر لساكن الأبنية يحصل بمجاوزة سور مختص بالمكان الذي سافر منه إذا كان ذلك السور صوب الجهة التي يقصدها المسافر، وإن كان داخله أماكن خربة ومزارع ودور، لأن كل هذا يعد من ضمن المكان الذي سافر منه، ولا عبرة بالخندق والقنطرة مع وجود السور، ومثل السور ما يقيمه أهل القرى من السجور، فإن لم يوجد السور المذكور، وكان هناك قنطرة أو خندق فلا بد من مجاوزته، فإن لم يوجد شيء من ذلك فالعبرة بمجاوزة العمران وإن تخلله خراب، ولا يشترط مجاوزة الخراب الذي في طرف العمران إذا ذهبت أصول حيطانه، ولا مجاوزة المزارع ولا البساتين، ولو بنيت بها قصور أو دور تسكن في بعض فصول السنة، ولا بد من مجاوزة المقابر المتصلة بالقرية التي لا سور لها، وإذا اتصل بالبلد عرفاً قرية أو قريتان مثلاً، فيشترط مجاوزتهما إن لم يكن بينهما سور، وإلا فالشرط مجاوزة السور، فإن لم تكونا متصلتين اكتفي بمجاوزة قرية المسافر عرفاً، أما القصور التي في البساتين المتصلة بالبلد، فإن كانت تضمن في كل السنة فحكمها كالقريتين المذكورتين، وإلا فلا، كما تقدم.
    وابتداء السفر لساكن الخيام يكون بمجاورة تلك الخيام ومرافقها، كمطرح الرماد وملعب الصبيان ومرابط الخيل، ولا بد أيضا من مجاوزة المهبط إن كان في ربوة، ومجاوزة المصعد إن كان في منخفض، ولا بد أيضاً من مجاوزة عرض الوادي إن سافر فيعرضه، وهذا إذا لم يخرج المهبط والمصعد والوادي عن الاعتدال، أما لو اتسع شيء منها جداً فيكتفي بمجاوزة الحلة، وهي البيوت التي يجتمع أهلها للسمر، ويستطيعون استعارة لوازمهم بعضهم من بعض، أما المسافر الذي سكن غير الأبنية وغير الخيام، فابتداء سفره يكون بمجاوزة محل رحله ومرافقه.
    هذا إذا كان السفر براً، أما لو كان في البحر المتصل ببلدة كالسويس وجدة، فابتداء سفره من أول تحرك السفينة للسفر ولا عبرة بالأسوار، ولو وجدت بالبلدة على المعتمد، وإذا كانت السفينة تجري محاذية للأبنية التي في البلدة، فلا يقصر حتى تجاوز تلك الأبنية.
    الحنابلة قالوا: يقصر المسافر إذا فارق بيوت محل إقامته العامرة بما يعد مفارقة عرفاً، سواء كانت داخل السور أو خارجه، وسواء اتصل بها بيوت خربة أو صحراء، أما إذا اتصل بالبيوت الخربة بيوت عامرة، فلا يقصر إلا إذا فارقهما معاً، وكذا لا يقصر إذا اتصل بالخراب بساتين يسكنها أصحابها للرياضة في الصيف مثلاً، إلا إذا جاوز تلك البساتين، أما إذا كان من سكان الخيام أو من سكان القصور أو البساتين، فلا يقصر حتى يفارق خيامه أو المكان الذي نسب إليه البساتين أو القصور عرفاً،وكذا إذا كان من سكان عزب مصنوعة من أعواد الذرة ونحوها، فإنه لا يقصر حتى يفارق محل إقامة قومه.
    الحنفية قالوا: من قصد سفر مسافة القصر المتقدم بيانه قصر الصلاة متى جاوز العمران من موضع إقامته، سواء كان مقيماً في المصر أو في غيره، فإذا خرج من المصر لا يقصر إلا إذا جاوز بيوته من الجهة التي خرج منها، وإن كان بإزائه بيوت من جهة أخرى، ويلزم أن يجاوز كل البيوت، ولو كانت متفرقة متى كان أصلها من المصر، فلو انفصلت عن المصر محلة كانت متصلة بها قبل ذلك الانفصال لا يقصر إلا إذا جاوزها، بشرط أن تكون عامرة، أما إذا كانت خربة لا سكان فيها، فلا يلزم مجاوزتها؛ ويشترط أيضاً أن يجاوز ما حول المصر من المساكن، وأن يجاوز القرى المتصلة بذلك. بخلاف القرى المتصلة بالفناء، فلا يشترط مجاوزتها، ولا يشترط أن تغيب البيوت عن بصره، وإذا خرج من الأخبية - الخيام - لا يكون مسافراً إلا إذا جاوزها، سواء كانت متصلة أو متفرقة، أما إذا كان مقيماً على ماء أو محتطب، فإنه يعتبر مسافراً إذا فراق الماء أو المحتطب ما لم يكن المحتطب واسعاً جداً، أو النهر بعيد المنبع أو المصب، وغلا فالعبرة بمجاوزة العمران، ويشترط أيضاً أن يجاوز الفناء المتصل بموضع إقامته، وهو المكان المعد لمصالح السكان، كركض الدواب، ودفن الموتى، وإلقاء التراب، فإن انفصل الفناء عن محل الإقامة بمزرعة أو بفضاء قدر أربعمائة ذراع، فإنه لا يشترط مجاوزته، كما لا يشترط مجاوزة البساتين، لأنها لا تعتبر من العمران. وإن كانت متصلة بالبناء، سواء سكنها أهل البلدة في كل السنة أو بعضها.
    المالكية قالوا: المسافر إما أن يكون مسافراً من أبنية أو من خيام - وهو البدوي - أو من محل لا بناء به ولا خيام، كساكن الجبل، فالمسافر من البلد لا يقصر إلا إذا جاوز بنيانها والفضاء الذي حواليها، والبساتين المسكونة بأهلها ولو في بعض العام، بشرط أن تكون متصلة بالبلد حقيقة أو حكماً، بأن كان ساكنوها ينتفعون بأهل البلد، فإن كانت غير مسكونة بالأهل في وقت من العام، فلا تشترط مجاوزتها كالمزارع، وكذا إذا كانت منفصلة عن البلد، ولا ينتفع ساكنوها باهلها، فلا تشترط مجاوزتها، ولا يشترط مجاوزة ثلاثة أميال من سور بلد الجمعة على المعتمد، بل العبرة بمجاوزة البساتين المذكورة فقط، ولو كان مسافراً من بلد تقام فيها الجمعة، ومثل البساتين القريبة المتصلة بالبلد التي سافر منها إذا كان أهلها ينتفعون بأهل البلد، فلا بد من مجاوزتها أيضاً، فالعزب المتجاورة متى كان بين سكانها ارتفاق، فهي كبلد واحد، فلا يقصر المسافر من عربة منها حتى يجاوز الجميع، وأما ساكن الخيام فلا يقصر إذا سافر حتى يجاوز جميع الخيام، التي يجمع سكانها اسم قبيلة ودار واحدة؛ أو اسم الدار فقط، فإن جمعهم اسم القبيلة فقط أو لم يجتمعوا في قبيلة ولا دار، فإن كان بينهما ارتفاق فلا بد من مجاوزة الكل، وإلا كفى أن يجاوز المسافر خيمته فقط، وأما المسافر من محله خال عن الخيام والبناء، فإنه يقصر متى انفصل عن محله
    (14) الحنفية قالوا: لا يجوز اقتداء المسافر بالمقيم إلا في الوقت، وعليه الإتمام حينئذ، لأن فرضه يتغير عند ذلك من اثنين لأربع، أما إذا خرج الوقت فلا يجوز له الاقتداء بالمقيم لأنه فرضه بعد خروج الوقت لا يتغير إلى أربع، لأنه استقر في ذمته ركعتين فقط، فلو اقتدى به بطلت صلاته، لأن القعدة الأولى حينئذ في حَق المسافر المقتدي فرض، وهي في حَق إمامه المقيم بالمسافر فيصح مطلقاً في الوقت وبعده، ويصلي معه ركعتين، فإذا سلم قام المأموم وكمل صلاته كالمسبوق بركعتين
    (15) المالكية قالوا: إذا لم يدرك المسافر مع الإمام المقيم ركعة كاملة، فلا يجب عليه الإتمام، بل يقصر لأن المأمومية لا تتحقق إلا بإدراك ركعة كاملة مع الإمام

    (16) المالكية قالوا: تكفي نية القصر في أول صلاة يقصرها في السفر، ولا يلزم تجديدها فيما بعدها من الصلوات، فهي كنية الصوم أول ليلة من رمضان، فإنها تكفي لباقي الشهر.
    الحنفية قالوا: إنه يلزمه نية السفر قبل الصلاة، ومتى نوى السفر كان فرضه ركعتين، وقد علمت أنه لا يلزمه في النية تعيين عدد الركعات، كما تقدم
    (17) الحنفية قالوا: يمتنع القصر إذا نوى الإقامة خمسة عشر يوماً متوالية كاملة، فلو نوى الإقامة أقل من ذلك، ولو بساعة لا يكون مقيماً، ولا يصح له قصر الصلاة بشروط أربعة:
    الأول: أن يترك السير بالفعل، فلو نوى الإقامة، وهو يسير لا يكون مقيماً، ويجب عليه القصر؛
    الثاني: أن يكون الموضع الذي الإقامة فيه صالحاً لها، فلو نوى الإقامة في صحراء ليس فيها سكان أو في جزيرة خربة أو في بحر فإنه يجب عليه القصر؛
    الثالث: أن يكون الموضع الذي نوى الإقامة فيه واحداً، فلو نوى الإقامة ببلدتين لم يعين إحداهما لم تصح نيته أيضاً؛
    الرابع: أن يكون مستقلاً بالرأي، فلو نوى التابع الإقامة لا تصح نيته، ولا يتم إلا علم نية متبوعة، كما تقدم، ومن نوى السفر مسافة ثلاثة أيام ثم رجع قبل إتمامها وجب عليه إتمام الصلاة بمجرد عزمه على الرجوع، وكذا إذا نوى الإقامة قبل إتمامها، فإنه يجب عليه الإتمام في الموضع الذي وصل إليه، وإن لم يكن صالحاً للإقامة فيه، كما يأتي، ومن نوى الإقامة أقل من خمسة عشر يوماً أو أقام بمحل منتظراً قافلة مثلاً وعلم أنها لا تحضر إلا بعد خمسة عشر يوماً، فإنه يعتبر ناوياً الإقامة، ويجب عليه إتمام الصلاة في هذه الحالة.
    الحنابلة قالوا: يمتنع القصر لو نوى المسافر إقامة مطلقة، ولو في مكان غير صالح للإقامة فيه أو نوى الإقامة مدة يجب عليه فيها أكثر من عشرين صلاة، وكذا إذا نوى الإقامة لحاجة يظن أنها لا تنقضي إلا في اربعة أيام، ويوم الدخول، ويوم الخروج يحسبان من المدة، ومن أقام في أثناء سفره لحاجة بلا نية إقامة، ولا يدري متى تنقضي فله القصر، ولو أقام سنين، سواء غلب على ظنه كثرة مدة الإقامة أو قلتها بعد أن يحتمل انقضاؤها في مدة لا ينقطع حكم السفر بها، وإذا رجع إلى المحل الذي سافر منه قبل قطع المسافة، فلا يقصر في عودته.
    المالكية قالوا: يقطع حكم السفر ويمنع القصر نية إقامة أربعة أيام بشرطين:
    أحدهما: أن تكون تامة لا يحتسب منها يوم الدخول إن دخل بعد طلوع الفجر ولا يوم الخروج إن خرج في أثنائه،
    وثانيهما: وجوب عشرين صلاة على الشخص في هذه الإقامة، فلو أقام أربعة أيام تامة، وخرج بعد غروب الشمس من اليوم الرابع، وكان ناوياً ذلك قبل الإقامة، فإنه يقصر حال إقامته لعدم وجوب عشرين صلاة، وكذا إذا دخل عند الزوال، وكان ينوي الارتحال بعد ثلاثة أيام، وبعض الرابع غير يوم الدخول، فإنه يقصر لعدم تمام الأيام الأربعة، ثم إن نية الإقامة إما أن تكون في ابتداء السير، وإما أن تكون في أثنائه، فإن كانت في ابتداء السير، فلا يخلو إما أن تكون المسافة بين محل النية، ومحل الإقامة مسافة قصر أو لا، فإن كانت مسافة قصر قصر الصلاة حتى يدخل محل الإقامة بالفعل، وإلا أتم من المسافة بينهما دون مسافة القصر على المعتمد؛ ولا يشترط في محل الإقامة المنوية أن يكون صالحاً للإقامة فيه، فلو نوى الإقامة المذكورة بمحل لا عمران به، فلا يقصر بمجرد دخوله على ما تقدم، ومثل نية الإقامة أن يعلم بالعادة أن مثله يقيم في جهة أربعة أيام فأكثر فإنه يتم، وإن لم ينو الإقامة، أما إن أراد أن يخالف العادة، ونوى أن لا يقيم فيها الأربعة أيام المعتادة، فإنه لا ينقطع حكم سفره، ويستثنى من نية الإقامة نية العسكر بمحل خوف، فإنها لا تقطع حكم السفر، أما إذا أقام بمحل في أثناء سفره بدون أن ينوي الإقامة به فإن إقامته به لا تمنع القصر ولو أقام مدة طويلة، بخلاف ما إذا أقام بدون نية في محل ينتهي إليه سفره، فإن هذه الإقامة تمنع من القصر، إذا علم أو ظن أنه يخرج منه قبل المدة القاطعة للسفر، ومن رجع بعد الشروع في السفر إلى المحل الذي سافر منه، سواء كان وطناً أو محل إقامة اعتبر
    الرجوع في حقه سفراً مستقلاً، فإن كان مسافة قصر قصر وإلا فلا، ولو لم يكن ناوياً الإقامة في ذلك المحل، وسواء كان رجوعه لحاجة نسيها أو لا.
    الشافعية قالوا: يمتنع القصر إذا نوى الإقامة أربعة أيام تامة غير يومي الدخول والخروج؛ فإذا نوى أقل من أربعة أيام أو لم ينو شيئاً، فله أن يقصر حتى يقيم أربعة أيام بالفعل.
    هذا إذا لم تكن له حاجة في البقاء، أما إذا كانت له حاجة، وجزم بأنها لا تقضي في أربعة أيام، فإن سفره ينتهي بمجرد المكث والاستقرار، سواء نوى الإقامة بعد الوصول له أولا، فإن توقع قضاءها من وقت لآخر بحيث لا يجزم بأنه يقيم أربعة أيام، فله القصر إلى ثمانية عشر يوماً
    (18) الحنفية قالوا: إذا عاد المسافر إلى المكان الذي خرج منه، فإن كان ذلك قبل أن يقطع مقدار مسافة القصر بطل سفره، وكذلك يبطل بمجرد نية العودة، وإن لم يعد، ويجب عليه في الحالتين إتمام الصلاة، أما إذا عاد بعد قطع مسافة القصر، فإنه لا يتم إلا إذا عاد بالفعل، فلا يبطل القصر بمجرد نية العودة، ولا بالشروع فيها، ثم إن الوطن عندهم ينقسم إلى قسمين: وطن أصلي، وهو الذي ولد فيه الإنسان، أو له فيه زوج في عصمته، أو قصد أن يرتزق فيه، وإن لم يولد به، ولم يكن له به زوج؛ ووطن إقامة، وهو المكان الصالح للإقامة فيه مدة خمسة عشر يوماً، فأكثر إذا نوى الإقامة، ثم إن الوطن الأصلي لا يبطل إلا بمثله، فإذا ولد شخص بأسيوط مثلاً كانت له وطناً أصلياً، فإن خرج منها إلى القاهرة، وتزوج بها أو مكث فيها بقصد الاستقرار والتعيش كانت له وطناً أصلياً كذلك، فإذا سافر من القاهرة إلى أسيوط التي ولد بها وجب عليه قصر الصلاة فيها ما لم ينو المدة التي تقطع القصر، لأن أسيوط، وإن كانت وطناً أصلياً له، إلا أنه بطل بمثله وهو القاهرة ولا يشترط في بطلان أحدهما بالآخر أن يكون بينهما مسافة القصر، فلو ولد في الواسطي مثلاً ثم انتقل إلى القاهرة قاصداً الاستقرار فيها، أو تزوج فيها ثم سافر إلى أسيوط، ومر في طريقه على الواسطي، أو دخل فيها، فإنه يقصر، لأنها - وإن كانت وطناً أصلياً - إلا أنه بطل بمثله، وهو القاهرة، وإن لم يكن بينهما مسافة القصر: فلا يبطل الوطن الأصلي بوطن الإقامة، فلو سافر من محل ولادته أو بلدة زوجه أو محل ارتزاقه إلى جهة ليست كذلك، وأقام بها خمسة عشر يوماً، ثم عاد إلى المحل الذي خرج منه، فإنه يجب عليه الإتمام وإن لم ينو الإقامة لأن وطن الإقامة لا يبطل الوطن الأصلي؛ أما وطن الإقامة فإنه يبطل بثلاثة أمور: أحدها: الوطن
    الأصلي، فإذا أقام شخص بمكة مثلاً خمسة عشر يوماً، ثم سافر منها إلى منى، فتزوج بها، ثم رجع إلى مكة، فإنه يتم الصلاة لبطلان وطن الإقامة، وهو مكة، بالوطن الأصلي، وهو منى، ثانيها: يبطل بمثله، فلو سافر مسافة قصر إلى مكان صالح للإقامة، وأقام به خمسة عشر يوماً ناوياً، ثم ارتحل عنه إلى مكان آخر وأقام به كذلك، ثم عاد إلى المكان الأول وجب عليه قصر الصلاة إن لم ينو الإقامة به خمسة عشر يوماً، لأن وطن الإقامة الأول بطل بوطن الإقامة الثاني، ولا يشترط في بطلان وطن الإقامة به خمسة عشر يوماً، لأن وطن الإقامة الأول بطل بوطن الإقامة الأصلي، ولا يشترط في بطلان وطن الإقامة بمثله أن يكون بينهما مسافة قصر، كما تقدم في الوطن الأصلي، ثالثها: إنشاء السفر من وطن الإقامة فلو أقام المسافر سفر قصر بمكان صالح خمسة عشر يوماً فأكثر، ثم نوى السفر بعد ذلك إلى مكان آخر بطل وطن الإقامة بإنشاء السفر منه، فلو عاد إليه ولو لحاجة لا يتم لبطلان كونه وطن إقامة له بإنشاء السفر منه، أما إنشاء السفر من غ يره، فإنه لا يبطله إلا بشرطين: أحدهما: أن لا يمر المسافر في طريقه على وطن إقامته، فإذا مر عليه لم يبطل كونه وطن إقامة، ثانيهما: أن يكون بين المكان الذي أنشأ منه السفر بين وطن الإقامة مسافة القصر، فلو كان أقل من ذلك لا يبطل كونه وطن إقامة، مثلاً إذا خرج تاجران، أحدهما من أسيوط، والآخر من جرحا، وأقام الأول بالقاهرة خمسة عشر يوماً ناوياً، وأقام الثاني بكفر الزيات كذلك، فصارت القاهرة وطن الإقامة للأول، وكفر الزيات وطن الإقامة للثاني، وبين القاهرة وكفر الزيات مسافة القصر، فإذا قام كل منهما إلى بنها، ففي هذه الحالة يتمان، لأن بين القاهرة وبنها دون مسافة القصر، وكذلك من كفر الزيات إلى بنها، فإذا أقاما ببنها خمسة عشر يوماً بطل
    وطن إقامة لهما، فإذا قاما من بنها إلى كفر الزيات بقصد إنشاء السفر من كفر الزيات إلى القاهرة؛ فأقاما بكفر الزيات يوماً، ثم قاما إلى القاهرة، فإنهما يتمان في كفر الزيات، لأن المسافة دون مسافة القصر، وكذلك يتمان في طريقهما إلى القاهرة إذا مرا على بنها، لأنه - وإن كان بين كفر الزيات وبين القاهرة مسافة قصر - إلا أنهما لمرورهما في سفرهما على بنها لم يبطل كونها وطن إقامة لهما، لأن وطن الإقامة لا يبطل بإنشاء السفر من غيره، وهو كفر الزيات ما دام المسافر يمر عليه، وما دامت المسافة بينه وبين المكان الذي أنشأ السفر منه دون مسافة القصر.
    المالكية قالوا: إذا سافر من بلدة قاصداً قطع مسافة القصر، ثم رجع إلى تلك البلدة، فتلك البلدة، إما أن تكون بلدته الأصلية، وهي التي نشأ فيها وإليها ينتسب، وإما أن تكون بلدة أخرى ويريد أن يقيم بها دائماً، وإما أن تكون محلاً أقام فيه المدة القاطعة لحكم السفر بنية، فإذا رجع إلى بلدته الأصلية، أو البلدة التي نوى الإقامة فيها على التأبيد، فإنه يتم بمجرد دخولها، ولو لم ينو بها الإقامة القاطعة، إلا إذا خرج منها أولاً رافضاً لسكناها، فإن دخوله فيها لا يمنع القصر إلا إذا نوى إقامة بها قاطعة، أو كان بها زوجة بنى بها، وإذا رجع إلى محل الإقامة فدخوله فيه لا يمنع القصر، إلا إذا نوى إقامة المدة المذكورة.
    هذا هو الحكم في حال وجوده بالبلدة التي خرج منها، وأما حال رجوعه وسيره إلى هذه البلدة فينظر للمسافة، فإن كانت مسافة الرجوع مسافة قصرٍ قصر، وإلا فلا، ومتى كانت مسافة الرجوع أقل من مسافة القصر فقد بطل السفر، وأتم الصلاة في حال رجوعه وحال وجوده بالبلدة مطلقاً، ولو كانت غير بلدته الأصلية، وغير محل الإقامة على التأبيد، وأما إذا كانت بلدته الأصلية أو البلدة التي نوى الإقامة فيها على الدوام في أثناء طريقه، ثم دخلها، فإن مجرد دخوله يقطع حكم السفر ومثل ذلك بلدة الزوجة التي بنى بها وكان غير ناشز، فمجرد دخولها يقطع حكم السفر أيضاً، فإن نوى في أثناء سيره دخول ما ذكر نظر إلى المسافة بين محل النية والبلدة المذكورة وهي بلدته الأصلية، أو بلدة الإقامة على الدوام، أو بلدة الزوجة، فإن كانت مسافة قصر قصر في حال سيره إليها، وإلا فلا، واعتمد بعضهم القصر مطلقاً، ومجرد المرور لا يمنع حكم القصر، كما أن دخول بلدة الزوجة التي لم يدخل لها أو كانت ناشزاً لا يمنعه.
    الشافعية قالوا: الوطن هو المحل الذي يقيم فيه المرء على الدوام صيفاً وشتاءً، وغيره ما ليس كذلك، فإذا رجع إلى وطنه بعد أن سافر منه انتهى سفره بمجرد وصوله إليه، سواء رجع إليه لحاجة أو لا، وسواء نوى إقامة أربعة أيام به أو لا، ويقصر في حال رجوعه حتى يصل، وإن رجع إلى غير وطنه فإما أن يكون رجوعه لغير حاجة، أو لا، فإن كان رجوعه لغير حاجة فلا ينتهي سفره إلا بنية إقامة المدة القاطعة قبل وصوله، أو نية الإقامة مطلقاً، بشرط أن ينوي وهو ماكث لا سائر، مستقل لا تابع، وحينئذ ينتهي سفره بمجرد الوصول؛ فإن لم ينو الإقامة المذكورة، فلا ينقطع حكم السفر إلا بأحد أمرين: إقامة المدة المذكورة بالفعل أو نيتها بعد الوصول، وإن كان رجوعه لحاجة، فإن جزم بأنها تقضى في أربعة أيام انقطع سفره بمجرد الاستقرار في البلدة والمكث فيها، وإن لم ينو الإقامة، أما إذا علم أنها تقضى فيها، فلا ينقطع سفره وله القصر ما دام في هذه البلدة.
    هذا إذا لم يتوقع قضاء الحاجة كل وقت، فإن توقع قضاءها كذلك فله القصر مدة ثمانية عشر يوماً كاملة، ومثل الرجوع إلى الوطن نيته، فينتهي السفر بمجرد النية، بشرط أن ينوي وهو ماكث غير سائر، وأما نية الرجوع إلى غير وطنه، فينتهي سفره بها إذا كان الرجوع لغير حاجة فإن كان الرجوع المنوي لحاجة فلا ينقطع سفره بذلك، ومثل نية الرجوع التردد فيه.
    الحنابلة قالوا: إذا رجع لوطنه الذي ابتدأ منه أولاً أو نوى الرجوع إليه، فإن كانت المسافة دون مسافة القصر وجب عليه الإتمام بمجرد ذلك حتى يفارق وطنه ثانياً أو يعدل عن نية الرجوع؛ ولا يلزمه إعادة ما قصره من الصلوات قبل أن يرجع أو ينوي الرجوع، ولا فرق في كل ذلك بين أن يكون رجوعه لحاجة أو للعدول عن السفر بالمرة، وإن كانت المسافة بين وطنه وبين المحل الذي نوى الرجوع فيه قدر مسافة القصر قصر في حال رجوعه؛ لأنه سفر طويل فيقصر فيه، وإذا مر المسافر بوطنه أتم، ولو لم يكن له به حاجة سوى المرور عليه لكونه طريقه، وكذا إذا مر ببلدة تزوج فيها، وإن لم تكن وطناً له، فإنه يتم حتى يفارق تلك البلدة


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 438 الى صــــــــ450
    الحلقة (62)

    مباحث الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً
    يتعلق به أمور: أحدها: تعريفه،
    ثانيها:
    حكمه.
    ثالثها: شروطه وأسبابه.
    [تعريفه]
    هو أن يجمع المصلي بين الظهر والعصر تقديماً في وقت الظهر، بأن يصلي العصر مع الظهر قبل حلول وقت العصر، أو يجمع بينهما تأخيراً، بأن يؤخر الظهر حتى يخرج وقته، ويصليه مع العصر في وقت العصر، ومثل الظهر والعصر، المغرب والعشاء، فيجمع بينهما تقديماً وتأخيراً. أما الصبح فإنه لا يصح فيه الجمع على أي حال، ولا يجوز للمكلف أن يؤخر فرضاً عن وقته أو يقدمه بدون سبب من الأسباب التي سنذكرها، لأنه الله سبحانه قد أمرنا بأداء. الصلاة في أوقاتها المبينة في مبحث "أوقات الصلاة" حيث قال: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} ولكن الدين الإسلامي دين يسر فأباح الصلاة في غير أوقاتها عند وجود مشقة دفعاً للحرج.
    [حكمه وأسبابه]
    أما حكمه فهو الجواز؛ وأما أسبابه وشروطه، فإن فيها تفصيل المذاهب؛ فانظرها تحت الخط (1) .
    [مباحث قضاء الفوائت]
    يجب أداء الصلاة المفروضة في أوقاتها، فمن أخرها عن وقتها بغير عذر كان آثماً إثماً عظيماً، كما تقدمفي مبحث "أوقات الصلاة"، أما من أخرها لعذر فلا إثم عليه، وتارة يكون العذر مسقطاً للصلاة رأساً، وتارة يكون غير مسقط بحيث يجب على من فاتته صلاة لعذر أن يقتضيها عند زوال العذر،
    وإليك بيان الأعذار:
    الأعذار التي تسقط بها الصلاة رأساًتسقط الصلاة رأساً عن الحائض والنفساء، فلا يجب عليهما قضاء ما فاتهما أثناء الحيض والنفاس بعد زوالهما، وكذلك تسقط عن المجنون والمغمى عليه، والمرتد إذا رجع إلى الإسلام، فهو كالكافر الأصلي لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة، عند المالكية، والحنفية؛ أما الشافعية فقد خالفوا في المرتد،
    وقالوا:
    إن الصلاة لا تسقط عنه، وأما الحنابلة فقد خالفوا في الإغماء ونحوه، وقد ذكرنا تفصيل كل هذا في المذاهب تحت الخط (2) .
    [الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة عن وقتها]
    وأما الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة عن أوقاتها فقطن فقد تقدم بعضها في مبحث "الجمع بين الصلاتين" وبقي منها النوم والنسيان. والغفلة عن دخول الوقت، ولو كان ناشئاً عن تقصير، خلافاً للشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    [مباحث قضاء الصلاة الفائتة]
    [حكمه]

    قضاء الصلاة المفروضة التي فاتت واجب على الفور، سواء فاتت بعذر غير مسقط لها، أو فاتت بغير عذر أصلاً، باتفاق ثلاثة من الأئمة (4) .
    ولا يجوز تأخير القضاء إلا لعذر، كالسعي لتحصيل الرزق وتحصيل العلم الواجب عليه وجوباً عينياً، وكالأكل والنوم، ولا يرتفع الإثم بمجرد القضاء، بل لا بد من التوبة، كما لا ترتفع الصلاة بالتوبة، بل لا بد من القضاء لأن من شروط التوبة الإقلاع عن الذنب، والتائب بدون قضاء غير مقلع عن ذنبه، ومما ينافي القضاء فوراً الاشتغال بصلاة النوافل على تفصيل في المذاهب (5) .
    [كيف تقضى الفائتة؟]
    من فاتته صلاة قضاها على الصفة التي فاتت عليها، فإن كان مسافراً سفر قصر وفاتته صلاة رباعية قضاها ركعتين ولو كان القضاء في الحضر، عند الحنفية، والمالكية؛ وخالف الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما، تحت الخط (6) ، وإن كان مقيماً وفاتته تلك الصلاة قضاها أربعاً، ولو كان القضاء في السفر، وإذا فاتته صلاة سرية، كالظهر مثلاً، فإنه يقرأ في قضائها سراً ولو كان القضاء ليلاً، وإذا فاتته جهرية كالمغرب مثلاً، فإنه يقرأ في قضائها جهراً ولو كان القضاء نهاراً، عند الحنفية، والمالكية؛ وخالف الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) .
    [مراعاة الترتيب في قضاء الفوائت]
    ينبغي مراعاة الترتيب في قضاء الفوائت بعضها مع بعض، فيقضي الصبح قبل الظهر؛ والظهر قبل قضاء العصر وهكذا؛ كما ينبغي مراعاة الترتيب بين الفوائت والحاضرة، وبين الحاضرتين كالصلاتين المجموعتين في وقت واحد، وفي ذلك تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط (8) .

    (1) المالكية قالوا: أسباب الجمع هي: السفر، والمرض، والمطر، والطين مع الظلمة في آخر الشهر، ووجود الحاج بعرفة أو مزدلفة:
    الأول: السفر، والمراد به مطلق السفر، سواء كان مسافة قصر أو لا، ويشترط أن يكون غير محرم ولا مكروه، فيجوز لمن يسافر سفراً مباحاً أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم، بشرطين: أحدهما: أن تزول عليه الشمس حال نزوله بالمكان الذي ينزل فيه المسافر للاستراحة:
    ثانيهما: أن ينوي الارتحال قبل دخول وقت العصر والنزول للاستراحة مرة أخرى بعد غروب الشمس، فإن نوى النزول قبل اصفرار الشمس صلى الظهر قبل أن يرتحل، وأخر العصر وجوباً حتى ينزل، لأنه ينزل في وقتها الاختياري، فلا داعي لتقديمها، فإن قدمها مع الظهر صحت مع الإثم وندب إعادتها في وقتها الاختياري بعد نزوله، وإن نوى النزول بعد الاصفرار وقبل الغروب صلى الظهر قبل أن يرتحل وخير في العصر، فإن شاء قدمها، وإن شاء آخرها حتى ينزل، لأنها واقعة في الوقت الضروري على كل حال، لأنه إن قدمها صلاها في وقتها الضروري المقدم لأجل السفر، وإن أخرها صلاها في وقتها الضروري المشروع، وإن دخل وقت الظهر - وهو بزوال الشمس - وكان سائراً؛ فإن نوى النزول وقت اصفرار الشمس أو قبله جاز له تأخير الظهر حتى يجمعها مع العصر، ولا تأخير العصر حتى ينزل، لأنه يؤدي إلى إخراج كل من الصلاتين عن وقتها، وإنما يجمع بينهما جمعاً صورياً، فيوقع في جميع هذا التفصيل، ولكن مع ملاحظة أو أول وقت المغرب، وهو غروب الشمس ينزل منزلة الزوال بالنسبة للظهر، وأن ثلث الليل الأول ينزل منزلة اصفرار الشمس بعد العصر، وأن طلوع الفجر بمثابة غروب الشمس فيما تقدم، فإذا دخل وقت المغرب وهو نازل، فإن نوى الارتحال قبل دخول وقت العشاء والنزول بعد طلوع الفجر جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم قبل ارتحاله، وإن نوى النزول قبل الثلث الأول أخر العشاء حتى ينزل، وإن نوى النزول بعد الثلي الأول من الليل صلى المغرب قبل ارتحاله وخير في العشاء، وعلى هذا القياس، والجمع للسفر جائز بمعنى خلاف الأولى، فالأولى تركه، وإنما يجوز إذا كان مسافراً في البر، فإن كان مسافراً في البحر، فلا يجوز له؛ لأن رخصة الجمع إنما ثبتت في سفر البر لا غير،
    الثاني: المرض؛ فمن كان مريضاً يشق عليه القيام لكل صلاة أو الوضوء كذلك، كالمبطون يجوز له الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمعاً صورياً، بأن يصلي الظهر في آخر وقتها الاختياري، والعصر في أول وقتها الاختياري، ويصلي المغرب قبيل مغيب الشفق، والعشاء في أول مغيبه، وليس هذا جمعاً حقيقياً لوقوع كل صلاة في وقتها، وهو جائز من غير كراهة؛ وتحصل لصاحبه فضيلة أو الوقت بخلاف غير المعذور، فإنه - وإن جاز له هذا الجمع الصوري - ولكن تفوته فضيلة أول الوقت،
    وأما الصحيح إذا خاف حصول دوخة تمنعه من أداء الصلاة على وجهها، أو إغماء يمنعه من الصلاة عند دخول وقت الصلاة الثانية كالعصر بالنسبة للظهر؛ والعشاء بالنسبة للمغرب، فإنه يجوز له أن يقدم الصلاة الثانية كالعصر بالنسبة للظهر؛ والعشاء بالنسبة للمغرب، فإنه يجوز له أن يقدم الصلاة الثانية مع الأولى، فإن قدمها، ولم يقع ما خافه أعادها في الوقت، ولو الضروري استحباباً.
    الثالث؛ والرابع: المطر والطين مع الظلمة إذا وجد مطر غزير يحمل أواسط الناس على تغطية رؤوسهم أو وحل كبير، وهو ما يحمل أواسط الناس على خلع الحذاء مع الظلمة، جاز جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم محافظة على صلاة العشاء في جماعة من غير مشقة، فيذهب إلى المسجد عند وقت المغرب، ويصليهما دفعة واحدة، وهذا الجمع جائز بمعنى خلاف الأولى، وهو خاص بالمسجد، فلا يجوز بالمنازل، وصفة هذا الجمع أن يؤذن للمغرب أولاً بصوت مرتفع كالعادة، ثم يؤخر صلاة المغرب ندباً بعد الأذان بقدر ثلاث ركعات، ثم يصلي المغرب، ثم يؤذن للعشاء ندباً في المسجد لا على المنارة لئلا يظن دخول وقت العشاء المعتاد، ويكون الأذان بصوت منخفض، ثم يصلي العشاء، ولا يفصل بينهما بنفل، وكذا يكره التنفل بين كل صلاتين مجموعتين، فإن تنفل فلا يمتنع الجمع، وكذا لا يتنفل بعد العشاء في جمع المطر ويؤخر صلاة الوتر حتى يغيب الشفق، لأنها تصح إلا بعده، ولا يجوز الجمع للمنفرد في المسجد إلا أن يكون إماماً راتباً له منزل ينصرف إليه، فإنه يجمع وحده ينوي الجمع والإمامة، لأنه منزل منزلة الجماعة، ومن كان معتكفاً بالمسجد جاز له إن انقطع قبل الشروع؛
    الخامس: الوجود بعرفة، فيسن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم بعرفة، سواء كان من أهلها، أو من أهل غيرها من أماكن النسك، كمنى ومزدلفة، أو كان من أهل الآفاق، ويقصر من لم يكن من أهل عرفة للسنة، وإن لم تكن المسافة مسافة قصر؛
    السادس: الوجود بمزدلفة، فيسن للحاج بعد أن يدفع من عرفة أن يؤخر المغرب حتى يصل إلى المزدلفة فيصليها مع العشاء مجموعة جمع تأخير، وإنما يسن الجمع لمن وقف مع الإمام بعرفة وإلا صلى كل صلاة في وقتها، ويسن قصر العشاء لغير أهل المزدلفة؛ لأن القاعدة أن الجمع سنة لكل حاج، والقصر خاص بغير أهل المكان الذي
    فيه، وهو عرفة ومزدلفة.
    الشافعية قالوا: يجوز الجمع بين الصلاتين المذكورتين جمع تقديم أو تأخير للمسافر مسافة القصر المتقدمة بشروط السفر، ويجوز جمعها جمع تقديم فقط بسبب نزول المطر، ويشترط في جميع التقديم ستة شروط:
    الأول: الترتيب بأن يبدأ بصاحبة الوقت، فلو كان في وقت الظهر وأراد أن يصلي معه العصر في وقته يلزمه أن يبدأ بالظهر، فلو عكس صحت صلاة الظهر، وهي صاحبة الوقت، وأما التي بدأ بها وهي العصر، فلم تنعقد لا فرضاً ولا نفلاً إن لم يكن عليه فرض من نوعها، وإلا وقعت بدلاً منه، وإن كان ناسياً أو جاهلاً وقعت نفلاً:
    الثاني: نية الجمع في الأولى بأن ينوي بقلبه فعل العصر بعد الفراغ من صلاة الظهر، ويشترط في النية أن تكون في الصلاة الأولى ولو مع السلام منها، فلا تكفي قبل التكبير، ولا بعد السلام؛
    الثالث: الموالاة بين الصلاتين، بحيث لا يطول الفصل بينهما بما يسع ركعتين بأخف ما يمكن فلا يصلي بينهما النافلة الراتبة، ويجوز الفصل بينهما بالأذان والإقامة والطهارة، فلو صلى الظهر وهو متيمم ثم أراد أن يجمع معه العصر، فلا يضره أن يفصل بالتيمم الثاني للعصر، إذا لا يجوز أن يجمع بين صلاتين بالتيمم، كما تقدم؛
    الرابع: دوام السفر إلى أن يشرع في الصلاة الثانية بتكبيرة الإحرام، ولو انقطع سفره بعد ذلك أثناءها، أما إذا انقطع سفره قبل الشروع فيها فلا يصح الجمع لزوال السبب؛
    الخامس: بقاء وقت الصلاة الأولى جمعة في مكان تعددت فيه لغير حاجة وشك في السبق والمعية لا يصح جمع العصر معها جمع تقديم.
    هذا، والأولى ترك الجمع لأنه مختلف في جوازه في المذاهب، لكن يسن الجمع إذا كان الحاج مسافراً وكان بعرفة أو مزدلفة، فالأفضل للأول جمع العصر مع الظهر تقديماً، وللثاني جمع المغرب مع العشاء تأخيراً، لاتفاق المذاهب على جواز الجمع فيهما.
    واعلم أن الجمع قد يكون أيضاً واجباً ومندوباً، فيجب إذا ضاق وقت الأولى عن الطهارة والصلاة أن يجمع تأخيراً، ويندب للحاج المسافر على ما سبق بيانه، كما يندب إذا ترتب على الجمع كمال الصلاة، كأن يصليها جماعة عند الجمع بدل صلاتها منفرداً عند عدمه، ويشترط لجمع الصلاة جمع تأخير في السفر شرطان:
    الأول نية التأخير في وقت الأولى ما دام الباقي منه يسع الصلاة تامة أو مقصورة، فإن لم ينو التأخير أو نواه والباقي من الوقت لا يسعها فقد عصى، وكانت قضاء إن لم يدرك منها ركعة في الوقت، وإلا كانت أداء مع الحرمة،
    الثاني: دوام السفر إلى تمام الصلاتين، فلو أقام قبل ذلك صارت الصلاة التي نوى تأخيرها قضاء؛ أما الترتيب والموالاة بين الصلاتين في جمع التأخير فهو مسنون، وليس بشرط، ويجوز للمقيم أن يجمع في السفر ولو عصراً مع الجمعة تقديماً في وقت الأولى بسبب المطر، ولو كان المطر قليلاً بحيث يبل أعلى الثوب: أو أسفل النعل، ومثل المطر الثلج والبرد الذائبان، ولكن لا يجمع المقيم هذا الجمع إلا بشروط:
    الأول: أن يكون المطر ونحوه موجوداً عند تكبيرة الإحرام فيهما، وعند السلام من الصلاة الأولى حتى تتصل بأول الثانية: ولا يضر القطاع المطر في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدهما،
    الثاني: الترتيب بين الصلاتين؛
    الثالث: الموالاة بينهما؛
    الرابع: نية الجمع كما تقدم في "جمع السفر"،
    الخامس: أن يصلي الثانية جماعة، ولو عند إحرامها: ولا يشترط وجود الجماعة إلى آخر الصلاة الثانية على الراجح، ولو انفرد قبل تمام ركعتها الأولى،
    السادس: أن ينوي الإمام الإمامة والجماعة؛
    والسابع: أن يكون الجمع في مصلى بعيد عرفاً بحيث يأتونه بمشقة في طريقهم إليه، ويستثنى من ذلك الإمام الراتب، فله أن يجمع بالمأمومين بهذا السبب وإن لم يتأذ بالمطر، فإذا تخلف شرط من
    ذلك، فلا يجوز الجمع للمقيم، وليس من الأسباب التي تبيح للمقيم هذا الجمع الظلمة الشديدة والريح والخوف والوحل والمرض على المشهور، ورجح جواز الجمع تقديماً وتأخيراً للمرض.
    الحنفية قالوا: لا يجوز الجمع بين صلاتين في وقت واحد لا في الحضر بأي عذر من الأعذار إلا في حالتين:
    الأولى: يجوز جمع الظهر والعصر في وقت الظهر جمع تقديم بشروط أربعة:
    الأول: أن يكون ذلك يوم عرفة؛
    الثاني: أن يكون محرماً بالحج؛
    الثالث: أن يصلي خلف إمام المسلمين أو من ينوب عنه؛
    الرابع: أن تبقى صلاة الظهر صحيحة، فإن ظهر فسادها وجبت إعادتها، ولا يجوز له في هذه الحالة أن يجمع معها العصر، بل يجب أن يصلي العصر إذا دخل وقته؛ الثانية: يجوز جمع المغرب والعشاء في وقت العشاء جمع تأخير، بشرطين: الأول: أن يكون ذلك بالمزدلفة؛ الثاني: أن يكون محرماً بالحج، وكل صلاتين جمعتا لا يؤذن لهما إلا أذان واحد، وإن كان لكل منهما إقامة خاصة، قال عبد الله بن مسعود: والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها، إلا صلاتين:
    جمع بين الظهر والعصر بعفرة، وبين المغرب والعشاء بجمع - أي بالمزدلفة - رواه الشيخان.
    الحنابلة قالوا: الجمع المذكور بين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً مباح وتركه أفضل، وإنما يسن الجمع بين الظهر والعصر تقديماً بعرفة، وبين المغرب والعشاء تأخيراً بالمزدلفة، ويشترط في غباحة الجمع أن يكون المصلي مسافراً سفراً تقصر فيه الصلاة، أو يكون مريضاً تلحقه مشقة بترك الجمع، أو تكون امرأة مرضعة أو مستحاضة، فإنه يجوز لها الجمع دفعاً لمشقة الطهارة عند كل صلاة، ومثل المستحاضة المعذور كمن به سلس بول، وكذا يباح الجمع المذكور للعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة، وللعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى والساكن تحت الأرض وكذا يباح الجمع لمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه، ولمن يخاف ضرراً يلحقه بتركه في معيشته؛ وفي ذلك سعة للعمال الذين يستحيل عليهم ترك أعمالهم.
    وهذه الأمور كلها تبيح الجمع بين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً، ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة بسبب الثلج والبرد والجليد والوحل والريح الشديدة الباردة والمطر الذي يبل الثوب، ويترتب عليه حصول مشقة، لا فرق في ذلك بين أن يصلي بداره أو بالمسجد، ولو كان طريقه مسقوفاً، والأفضل أن يختار في الجمع ما هو أهون عليه من التقديم أو التأخير، فإن استوى الأمران عنده فجمع التأخير أفضل ويشترط لصحة الجمع تقديماً وتأخيراً أن يراعي الترتيب بين الصلوات، ولا يسقط هنا بالنسيان؛ كما يسقط في قضاء الفوائت الآتي بعد؛ ويشترط لصحة جمع التقدم فقط أربعة شروط:
    الأول أن ينوي الجمع عند تكبيرة الإحرام في الصلاة الأولى؛
    الثاني: أن لا يفصل بين الصلاتين إلا بقدر الإقامة والوضوء الخفيف، فلو صلى بينهما نافلة راتبة لم يصح الجمع؛
    الثالث: وجود العذر المبيح للجمع عند افتتاحهما، وعند سلام الأولى؛
    الرابع: أن يستمر العذر إلى فراغ الثانية؛ ويشترط لجمع التأخير فقط شرطان:
    الأول: نية الجمع في وقت الصلاة الأولى، إلا إذا ضاق وقتها عن فعلها، فلا يجوز أن يجمعها مع الثانية حينئذ؛
    الثاني: بقاء العذر المبيح للجمع من حين نية الجمع وقت الصلاة الأولى إلى دخول وقت الثانية
    (2) الحنفية قالوا: تسقط الصلاة رأساً عن المغمى عليه والمجنون بشرطين:
    الأول: أن يستمر الإغماء والجنون أكثر من خمس صلوات، أما إن استمر ذلك خمس صلوات فأقل، ثم أفاق وجب عليه قضاء ما فاته؛
    الثاني: أن لا يفيق مدة الجنون أو الإغماء إفاقة منتظمة بأن لا يفيق أصلاً أو يفيق إفاقة متقطعة، فإذا أفاق إفاقة منتظمة في وقت معلوم، كوقت الصبح مثلاً، فإن إفاقته هذه تقطع المدة، ويطالب بالقضاء، ومن استتر عقله بدواء مباح كالبنج إذا استعمله بقصد التداوي لا بقصد السكر، فإنه يجب عليه القضاء على الراجح، وإذا طرأ عذر من الأعذار المسقطة للصلاة في آخر وقتها بحيث لم يبق من الوقت إلا ما يسع التحريمة، فلا يجب قضاء تلك الصلاة بعد زوال العذر، أما إذا زال العذر وقد بقي من الوقت ما يسع التحريمة، فإنه يجب عليه قضاء ذلك الفرض، إلا أن الحائض والنفساء إذا زال عذرهما بانقطاع الحيض والنفاس، فإن كان ذلك الانقطاع لأكثر المدة المحددة لكل منهما وجب عليهما قضاء الفرض إن بقي من الوقت ما يسع التحريمة فقط، كغيرهما، وإن كان الانقطاع لأقل المدة لا يجب عليهما القضاء إلا إذا بقي من الوقت ما يسع الغسل والتحريمة.
    المالكية: زادوا على الأعذار المذكورة: السكر بالحلال، كأن شرب لبناً حامضاً وهو يعتقد أنه لا يسكر فسكر منه؛ وأما السكر بحرام فإنه لا يسقط القضاء، ولا ينتفي معه إثم تأخير الصلاة، ثم إن هذه الأعذار لها ثلاث حالات:
    الأولى: أن تستغرق جميع وقت الصلاة الاختياري والضروري، كأن يحصل الإغماء مثلاً من زوالالشمس إلى غروبها، وفي هذه الحالة تسقط الصلاة ولا يجب قضاؤها بعد الإقامة،
    الثانية: أن يطرأ العذر في أثناء الوقت، فإن طرأ وقد بقي ما يسع الصلاتين - الظهر والعصر مثلاً - ففي هذه الحالة تسقط الصلاتان معاً، وأن طرأ وقد بقي من الوقت ما يسع الصلاة الأخيرة فقط أو جزء منها أقله ركعة كاملة بسجدتيها سقطت الأخيرة وبقيت الأولى في ذمته يجب عليه قضاؤها بعد زوال العذر "ومقدار الزمن الذي يسع الصلاتين، وهو ما يسع خمس ركعات حضراً وثلاثاً سفراً بالنسبة للظهر والعصر، وما يسع أربع ركعات حضراً وسفراً بالنسبة للمغرب والعشاء، لأنه يعتبر للمغرب ثلاث ركعات ولو في السفر نظراً لكونها لا تقصر ويعتبر للعشاء ركعة واحدة، لأن الوقت يدرك بها، أما إن طرأ العذر، وقد بقي من الوقت أقل مما ذكر، فإن الوقت يختص بالصلاة الأخيرة، فيعتبر أن العذر طرأ في وقتها فقطن فتسقط دون الأولى، الثالثة، أن يرتفع العذر في آخر الوقت بعد وجوده، وفي هذه الحالة يسقط عن الشخص ما استغرق العذر، وقد بقي من الوقت بعد وجوده، وفي هذه الحالة يسقط عن الشخص ما استغرق العذر وقته من الصلوات السابقة، أما الصلاة التي ارتفع العذر في آخر وقتها فحكمها أنه إن ارتفع العذر، وقد بقي من الوقت زمن يسع الصلاتين بعد الطهارة وجب عليه قضاؤهما، وإن ارتفع وقد بقي منه ما يسع الصلاة الأخيرة فقط أو ركعة منها، كما تقدم، بعد الطهارة وجب عليه قضاءها وتسقط عنه الأولى لخروج وقتها حال
    وجود العذر، لأن الوقت إذا ضاق اختص بالأخيرة.
    ويتضح من هذا أن الطهارة تقدر في جانب إدراك الصلاة حين زوال العذر، ولا تعتبر في جانب السقوط عند طروه فمن زال عذره، وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة من الصلاة بعد الطهارة وجبت، وإلا فلا، ومن طرأ عذره وقد بقي من الوقت ما يسع إدراك الصلاة ولو بدون الطهارة سقطت عنه الصلاة فلا يقضيها بعد زوال العذر، وكل ما تقدم من الأحكام إنما هو بالنسبة لمشتركي الوقت (الظهر والعصر والمغرب والعشاء) أما الصبح فإن زال العذر وقد بقي من وقتها الضروري ما يسع ركعة بعد الطهارة وجبت وإلا فلا، لأن الوقت لا يدرك إلا بركعة كاملة، كما تقدم، ويلاحظ في هذه الركعة أن يقرأ فيها الفاتحة قراءة معتدلة، وأن يطمئن ويعتدل فيها، ولا يلاحظ الإتيان بالسنن كالسورة، وإن طرأ العذر وقد بقي من وقت الصبح ما يسع ركعة ولو بدون طهارة سقطت وإلا وجب قضاؤها بعد زوال العذر لخروج وقتها قبل طروّه حكماً.
    الحنابلة قالوا: إذا طرأ عذر من هذه الأعذار بعد أن مضى من أول الوقت زمن يسع تكبيرة الإحرام وجب قضاء الصلاة بعد زوال العذر، وإن ارتفعت وقد بقي من الوقت ما يسع ذلك وجبت الصلاة التي ارتفع العذر في وقتها والصلاة التي تجمع معها، كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، مثلاً إذا استمر الجنون وقتاً كاملاً، فلا يجب قضاء الصلاة؛ أما إذا طرأ بعد أن مضى من أول الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام فإن الصلاة يجب قضاؤها، فإذا ارتفع الجنون قبل خروج الوقت بزمن يسع تكبيرة الإحرام وجب قضاء الصلاة التي ارتفع فيها والتي قبلها إن كانت تجمع معها، ومثل المجنون في ذلك الصبي إذا بلغ وقد بقي من الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام، وقالوا: من استتر عقله بسكر محرم، أو حلال، أو دواء مباح، أو بمرض غير الجنون؛ فإنه يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة.
    الشافعية قالوا: إن استمر الجنون وقتاً كاملاً، فلا يجب على المجنون قضاء الصلاة إن كان جنونه بلا تعد منه، وإلا وجب القضاء، ومثل المجنون في ذلك السكران غير المتعدي والمغمى عليه؛ أما إذا طرأ الجنون ونحوه، كالحيض بعد أن مضى من أول الوقت ما يسع الصلاة وطهرها بأسرع ما يمكن، فإنه يجب قضاء الصلاة، وإذا ارتفع العذر وكان الباقي من الوقت قدر تكبيرة الإحرام فأكثر وجب قضاء تلك الصلاة مع ما قبلها إن كانت تجمع معها، كالظهر مع العصر، بشرط أن يستمر ارتفاع العذر زمناً متصلاً يسع الطهر والصلاتين زيادة على ما يسع الصلاة المؤداة وطهرها.
    هذا إذا كان الطهر بالوضوء، فإن كان بالتيمم فيشترط أن يسع قدر طهرين وصلاتين، فإن لم يسع إلا طهراً واحداً وصلاة واحدة لم تجب ما قبلها، وقالوا: إن المرتد لا تسقط عنه الصلاة زمن ردته، فإذا عاد إلى الإسلام وجب عليه قضاء ما فاته منها
    (3) الشافعية قالوا: إنما يكون النسيان عذراً رافعاً لإثم التأخير إذا لم يكن ناشئاً عن تقصير، فإذا نسي الصلاة لاشتغاله بلعب (النرد أو المنقلة) أو نحو ذلك فإنه لا يكون معذوراً بذلك النسيان، ويأثم بتأخيرها عن وقتها
    (4) الشافعية قالوا: إن كان التأخير بغير عذر وجب القضاء على الفور، وإن كان بعذر وجب على التراخي:
    ويستثنى من القسم الأول أمور لا يجب فيها القضاء على الفور: منها تذكر الفائتة وقت خطبة الجمعة، فإنه يجب تأخيرها حتى يصلي الجمعة، ومنها ضيق وقت الحاضرة عن أن يسع الفائتة الت فاتت بغير عذر وركعة من الحاضرة، ففي هذه الحالة يجب عليه تقديم الحاضرة لئلا يخرج وقتها؛ ومنها لو تذكر فائتة بعد شروعه في الصلاة الحاضرة فإنه يتمها، سواء ضاق الوقت أو اتسع
    (5) الحنفية قالوا: الاشتغال بصلاة النوافل لا ينافي القضاء فوراً، وإنما الأولى أن يشتغل بقضاء الفوائت ويترك النوافل إلا السنن الرواتب، وصلاة الضحى، وصلاة التسبيح، وتحية المسجد، والأربع قبل الظهر، والست بعد المغرب.
    المالكية قالوا: يحرم على من عليه فوائت أن يصلي شيئاً من النوافل إلا فجر يومه والشفع والوتر إلا السنة كصلاة العيد، فإذا صلى نافلة غير هذه كالتراويح كان مأجوراً من جهة كون الصلاة في نفسها طاعة، وآثماً من جهة تأخير القضاء؛ ورخصوا في يسير النوافل كتحية المسجد، والسنن الرواتب.
    الشافعية قالوا: يحرم على من عليه فوائت يجب عليه قضاؤها فوراً، وقد تقدم ما يجب فيه الفور - أن يشتغل بصلاة التطوع مطلقاً، سواء كانت راتبة أو غيرها حتى تبرأ ذمته من الفوائت.
    الحنابلة قالوا: يحرم على من عليه فوائت أن يصلي النفل المطلق، فلو صلاه لا ينعقد؛ وأما النفل المقيد كالسنن الرواتب والوتر، فيجوز له أن يصليه في هذه الحالة، ولكن الأولى له تركه إن كانت الفوائت كبيرة؛ ويستثنى من ذلك سنة الفجر؛ فإنه يطلب قضاؤها ولو كثرت الفوائت لتأكدها وحث الشارع عليها
    (6) الحنابلة، والشافعية قالوا: إن كان مسافراً وفاتته صلاة رباعية قضاها ركعتين إن كان القضاء في السفر؛ أما إن كان في الحضر فيجب قضاؤها أربعاً، لأن الأصل الإتمام، فيجب الرجوع إليه في الحضر
    (7) الشافعية قالوا: العبرة بوقت القضاء سراً أو جهراً، فمن صلى الظهر قضاء ليلاً جهر، ومن صلى المغرب قضاء نهاراً أسر.
    الحنابلة قالوا: إذا كان القضاء نهاراً فإنه يسر مطلقاً، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية، وسواء أكان إماماً أو منفرداً؛ وإن كان القضاء ليلاً فإنه يجهر في الجهرية إذا كان إماماً لشبه القضاء الأداء في هذه الحالة، أما إذا كانت سرية فإنه يسر مطلقاً، وكذا إذا كانت جهرية وهو يصلي منفرداً فإنه يسر
    (8) الحنفية قالوا: الترتيب بين الفوائت بعضها مع بعض وبين الفائتة والوقتية لازم، فلا يجوز أداء الوقتية قبل قضاء الفائتة، ولا قضاء فائتة الظهر قبل قضاء فائتة الصبح مثلاً، وكذلك الترتيب بين الفرائض والوتر، فلا يجوز أداء الصبح قبل قضاء فائتة الصبح مثلاً، وكذلك الترتيب بين الفرائض والوتر، فلا يجوز أداء الصبح قبل قضاء فائتة الوتر؛ كما لا يجوز أداء الوتر قبل أداء العشاء، وإنما يجب الترتيب إذا لم تبلغ الفوائت ستاً غير الوتر، فلو كانت عليه فوائت أقل من ست صلوات وأراد قضاءها يلزمه أن يقضيها مرتبة، فيصلي الصبح قبل الظهر، والظهر قبل العصر، وهكذا، فلو صلى الظهر قبل الصبح فسدت صلاة الظهر ووجبت عليه إعادتها بعد قضاء فائتة الصبح، وكذا إذا صلى العصر قبل الظهر، وهلم جراً؛ أما إذا بلغت الفوائت ستاً غير الوتر، فإنه يسقط عنه حينئذ الترتيب، كما سنذكره، وكذا لو كان عليه فوائت أقل من ست وأراد قضاءها والخامسة، ومتى خرج وقت الخامسة ولم يقض الفائتة الأولى صحت الصلوات التي صلاها جميعاً وعليه أن يقضي الفائتة فقط، لأنها صارت كالفوائت يسقط بها الترتيب؛ لأن مراعاة الترتيب بين الفائتة والوقتية كما يسقط بكثرة الفوائت يسقط بكثرة المؤدى، أما إذا قضى الفائتة قبل خروج وقت الخامسة انقلبت الصلوات التي صلاها كلها نفلاً ولزمه قضاؤها، فلو فاتته صلاة الصبح ثم صلى الظهر بعدها وهو ذاكر فسدت صلاة الظهر فساداً موقوفاً، فلو صلى العصر قبل قضاء الصبح وقعت صلاة العصر اليوم الأول قبل ذلك فسدت فرضية كل ما صلاه، وانقلب نفلاً ولزمه إعادته، وإلا صح كل ما صلاه ولزمه فقط إعادة الفائتة التي عليه وحدها، ومن تذكر فائتة أو أكثر في أثناء أداء صلاته انقلبت صلاته نفلاً وأتمها ركعتين ثم يقضي ما فاته مراعياً الترتيب بين الفوائت، وبينها وبين
    الوقتية، أما إذا تذكر صلاة الصبح وهو يصلي الجمعة، فإن لم يخف فوت وقت الجمعة أتى بصلاة الفائتة ثم صلى الوقتية جمعة أو ظهراً، وإن خاف فوت وقت الجمعة أتمها ثم أتى بالفائتة، ويسقط الترتيب بثلاثة أمور:
    الأول: أن تصير الفوائت ستاً، كما ذكر ولا يدخل الوتر في العدد المذكور،
    الثاني: ضيق الوقت عن أن يسع الوقتية الفائتة،
    الثالث: نسيان الفائتة وقت الأداء، لأن الظهر إنما يجيء من حلول وقتها قبل الوقتية، والفائتة عند نسيانها لم يوجد وقتها لعدم تذكرها، فلا تزاحم الوقتية، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
    "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه".
    المالكية قالوا: يجب ترتيب الفوائت في نفسها، سواء كانت قليلة أو كثيرة بشرطين:
    أن يكون متذكراً للسابقة، وأن يكون قادراً على الترتيب، بأن لا يكره على عدمه وهذا الوجوب غير شرطي، فلو خالفه لا تبطل المقدمة على محلها، ولكنه يأثم ولا إعادة عليه للصلاة المقدمة لخروج وقتها بمجرد فعلها: ويجب أيضاً بالشرطين السابقين ترتيب الفوائت اليسيرة مع الصلاة الحاضرة، والفوائت اليسيرة ما كان عددها خمساً فأقل، فيصليها قبل الحاضرة، ولو ضاق وقتها فإن قدم الحاضرة عمداً صحت مع الإثم، ويندب له إعادتها بعد قضاء الفوائت إذا كان وقتها باقياً ولو الوقت الضروري، وقد تقدم بيانه في مبحث "أوقات الصلاة"، أما إن قدمها ناسياً أن عليه فوائت، ولم يتذكر حتى فرغ منها، فإنها تصخ ولا إثم، وأعاد الحاضرة ندباً، كما تقدم، وأما لو تذكر الفوائت اليسيرة في أثناء المحاضرة، فإن كان تذكره قبل تمام ركعة منها بسجدتيها قطعها وجوباً ورجع للفوائت، سواء كان منفرداً أو إماماً، ويقطع مأمومه تبعاً له، فإن كان مأموماً وتذكر في الحاضرة أن عليه فوائت يسيرة فلا تقطع صلاته نظراً لححق الإمام، وندب له أن يعيدها بعد قضاء الفوائت إن كان وقتها باقيا، ولو الضروري؛ وإن كان التذكر بعد تمام ركعة بسجدتيها ضم إليها ركعة أخرى ندباً وجعلها نافلة وسلم ورجع للفوائت، وإن كان التذكر بعد صلاة ركعتين من الثنائية أو الثلاثية أو بعد ثلاث من الرباعية أتمها ثم يصلي الفوائت ثم يعيد الحاضرة ندباً في الوقت إن كان باقياً، وإذا تذكر يسير الفوائت وهو في نفل أتمه مطلقاً، إلا إذا خاف خروج وقت حاضرة لم يكن صلاها ولم يعقد من النفل ركعة، فيقطعه حينئذ؛ وأما إذا كانت الفوائت أكثر من خمس فلا يجب تقديمها على الحاضرة، بل يندب تقديم الحاضرة عليها إن اتسع وقتها، فإن ضاق قدمها وجوباً،
    ويجب وجوباً شرطياً ترتيب الحاضرتين المشتركتي الوقت، وهما الظهر والعصر والمغرب والعشاء، سواء كانتا مجموعتين أولا، بأن يصلي الظهر قبل العصر، والمغرب قبل العشاء فإن خالف بطلت المقدمة على محلها، إلا إذا أكره على التقديم، أو كان التقديم نسياناً، فإنها تصح إن لم يتذكر الأولى حتى فرغ من الثانية، وأعادها ندباً بعد أن يصلي الأولى إن كان الوقت باقياً ولو الضروري؛ أما إذا تذكر الأولى في أثناء الثانية، فحكمه حكم من تذكر يسير الفوائت في الصلاة الحاضرة على المعتمد، فيقطع إن عقد ركعة، ويندب له أن يضم إليها أخرى، ويجعلها نفلاً إن عقدها، إلى آخر ما تقدم تفصيله.
    الحنابلة قالوا: ترتيب الفوائت في نفسها واجب، سواء كانت قليلة أو كثيرة، فإذا خالف الترتيب، كأن صلى العصر الفائتة قل الظهر الفائتة لم تصح المتقدمة على محلها، كالعصر في المثال السابق إن خالف وهو متذكر للسابقة، فإن كان ناسياً أن عليه الأولى فصلى الثانية ولم يتذكر الأولى حتى فرغ منها صحت الثانية؛ أما إذا تذكر الأولى في أثناء الثانية كانت الثانية باطلة.
    وترتيب الفوائت مع الصلاة الحاضرة واجب إلا إذا خاف فوات وقت الحاضرة ولو الاختياري، فيجب تقديمها على الفوائت، وتكون صحيحة، كما تصح إذا قدمها على الفوائت ناسياً أن عليه فوائت ولم يتذكر حتى فرغ من الحاضرة؛ وترتيب الصلاتين الحاضرتين واجب أيضاً بشرط التذكر للأولى على ما تقدم من التفصيل بتمامه، فإذا كان مسافراً، وأراد أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر مثلاً وجب عليه أن يقدم الظهر على العصر، فإذا خالف وكان متذكراً للظهر ولو في اثناء العصر بطلت، وإن استمر ناسياً للظهر حتى فرغ من صلاة العصر صحت، ولا يسقط الترتيب بجهل وجوبه، ولا بخوف فوت الجماعة، فمن فاتته صلاة الصبح وصلاة العصر فصلى الظهر قبل الصبح جاهلاً وجوب الترتيب بينهما ثم صلى العصر في وقتها صحت صلاة العصر، لاعتقاده عدم وجوب الترتيب بينهما ثم صلى العصر في وقتها صحت صلاة العصر، لاعتقاده عدم وجوب الترتيب بينهما ثم صلى العصر في وقتها صحت صلاة العصر، لاعتقاده عدم وجوب صلاة عليه حال صلاة العصر، ويجب عليه إعادة الظهر.
    الشافعية قالوا: ترتيب الفوائت في نفسها سنة، سواء كانت قليلة أو كثيرة، فلو قدم بعضها على بعض صح المقدم على محله، وخالف الستة، والأولى إعادته، فمن صلى العصر قبل الظهر أو صلى ظهر الخميس القضاء قبل ظهر يوم الأربعاء الذي قبله صح، وترتيب الفوائت مع الحاضرة سنة أيضاً بشرطين:
    الأول: أن لا يخشى فوات الحاضرة - وفواتها يكون بعدم إدراك ركعة منها في الوقت؛
    الثاني: أن يكون متذكراً للفوائت قبل الشروع في الحاضرة، فإن لم يتذكرها حتى شرع فيها أتمها، ولا يقطعها للفوائت، ولو كان وقتها متسعاً؛ وإذا شرع في الفائتة قبل الحاضرة معتقداً سعة الوقت، فظهر له بعد الشروع فيها أنه لو أتم الفائتة خرج وقت الحاضرة فإما أن يقطعها، وإما أن يقلبها نفلاً، ويسلم ليدرك الحاضرة في الصلاتين، وهو الأفضل، وترتيب الحاضرتين المجموعتين تقديماً واجب، وفي المجموعتين تأخيراً سنة، كما تقدم



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 450 الى صــــــــ462
    الحلقة (63)

    [إذا كان على المكلف فوائت لا يدري عددها]

    من عليه فوائت لا يدري عددها يجب عليه أن يقضي حتى يتيقن براءة ذمته، عند الشافعية، والحنابلة؛ وقال المالكية،
    والحنفية:
    يكفي أن يغلب على ظنه براءة ذمته، ولا يلزم عند القضاء تعيين الزمن، بل يكفي تعيين المنوي كالظهر أو العصر مثلاً، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    [هل تقضى الفائتة في وقت النهي عن النافلة؟]
    تقضي الفائتة في جميع الأوقات ولو في وقت النهي عن صلاة النافلة، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
    [مباحث صلاة المريض]
    [كيف يصلي]
    من كان مريضاً لا يستطيع أن يصلي الصلاة المفروضة قائماً صلى قاعداً، فإذا أمكنه القيام ولكن يلزم من قيامه حدوث مرض آخر أو زيادة مرضه أو تأخر شفائه فله أن يصلي قاعداً أيضاً، وإذا كان مرضه سلس البول مثلاً، وعلم أنه لو صلى قائماً نزل منه البول، وإن صلى قاعداً بقي على طهارته، فإنه يصلي أيضاً قاعداً، وكذلك الصحيح الذي علم بتجربة أو غيرها أنه إذا صلى نائماً أصابه إغماء أو دوار في رأسه، فإنه يصلي من جلوس، ويجب إتمام الصلاة بركوع وسجود في جميع ما تقدم، وإذا عجز عن القيام استقلالاً، ولكنه يقدر عليه مستنداً على حائط أو عصا، أو نحو ذلك تعين عليه القيام مستنداً، ولا يجوز له الجلوس، باتفاق الحنفية، والحنابلة؛ وخالف المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) .
    وإذا قدر على بعض القيام، ولو بقدر تكبيرة الإحرام تعين عليه أن يقوم بالقدر المستطاع، ثم يصلي من جلوس بعد ذلك؛ والصلاة من جلوس تكون بدون استناد إلى شيء حال الجلوس متى قدر، فإن لم يقدر على الجلوس إلا مستنداً تعين عليه الاستناد، ولا يجوز له الاضطجاع، فإن عجز عن الجلوس بحالتيه صلى مضطجعاً أو مستلقياً، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (4) .
    كيف يجلس المصلي قاعداًيندب لمن يصلي قاعداً لعجزه عن القيام أن يكون متربعاً، عند المالكية، والحنابلة؛ وخالف الحنفية، والشافعية، وللجميع تفصيل، فانظره تحت الخط (5) .
    [إذا عجز عن الركوع والسجود]
    إذا عجز عن الركوع والسجود أو عن أحدهما صلى بالإيماء ما عجز عنه، فإن قدر على القيام والسجود، وعجز عن الركوع فقط، فإنه يجب عليه أن يقوم للإحرام والقراءة، ويومئ للركوع ثم يسجد، وإن قدر على القيام مع العجز عن الركوع والسجود كبر الإحرام وقرأ قائماً، ثم أومأ للركوع من قيام، وللسجود من جلوس، فلو أومأ للسجود من قيام، أو للركوع من جلوس بطلت صلاته إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، وإن لم يقدر على القيام أومأ للركوع والسجود من جلوس، ويكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع وجوباً، وإن قدر على القيام ولم يقدر على الجلوس، وعجز عن الركوع والسجود أومأ لهما من قيام ولا يسقط القيام متى قدر عليه بالعجز عن السجود، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ، ويكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع وجوباً، وإن لم يقدر على شيء من أفعال الصلاة إلا بأن يشير إليه بعينه، أو يلاحظ أجزاءها بقلبه وجب عليه ذلك، ولا تسقط ما دام عقله ثابتاً، فإن قدر على اشارة بالعين، فلا بد منها، ولا يكفيه مجردا استحضار الأجزاء بقلبه خلافاً للحنفية فانظر مذهبهم تحت الخط (8) .
    ويكره لمن فرضه الإيماء أن يرفع شيئاً يسجد عليه، فلو فعل وسجد عليه يعتبر مومياً في هذه الحالة، فلا يصح أن يقتدي به من هو أقوى حالاً منه، خلاف الشافعيةن فانظر مذهبهم تحت الخط (9) ، وإذا برأ المريض في أثناء الصلاة بنى على ما تقدم منها وأتمها بالحالة التي قدر عليها. باتفاق، وللحنفية تفصيل تحت الخط (10) .
    [مباحث الجنائز]
    [ما يفعل بالمحتضر]

    يسن أن يوجه من حضرته الوفاة إلى القبلة بأن يجعل على جنبه الأيمن ووجه لها إن لم يشق ذلك وإلا وضع على ظهره ورجلاه للقبلة، ولكن ترفع رأسه قليلاً ليصير وجهه لها،
    وقال:
    المالكية هذا الوضع مندوب لا سنة، ويستحب أن يلقن الشهادة بأن تذكر عنده ليقولها،
    لقوله صلى الله عليه وسلم:
    "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه ليس مسلم يقولها عند الموت إلا أنجته من النار" وهذا الحديث رواه أبو حفص بن شاهين في كتاب "الجنائز" عن ابن عمر مرفوعاً،
    وروى مسلم عن أبي هريرة:
    "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله"،
    ولا يقال له:
    قل، لئلا يقول: لا، فيساء به الظن، ولا يلح عليه متى نطق بها مخافة أن يضجر، إلا إذا تكلم بكلام أجنبي بعد النطق بها، فإنه يعاد له التلقين ليكون النطق بها مخافة أن يضجر، إلا إذا تكلم بكلام أجنبي بعد النطق بها، فإنه يعاد له التلقين ليكون النطق بها آخر كلامه من الدنيا، ويستحب تلقينه أيضاً بعد الفراغ من دفنه وتسوية التراب عليه،
    والتلقين هنا هو أن يقول الملقن مخاطباً للميت:
    يا فلان ابن فلانة، إن كان يعرفه، وإلا نسبه إلى حواء عليها السلام،
    ثم يقول بعد ذلك:
    اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من القبور، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً، وهذا التلقين مستحب عند الشافعية والحنابلة؛ وخالف المالكية، والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (11) .
    ويندب أن يدخل عليه حال احتضاره أحسن أهله وأصحابه، وكثرة الدعاء له وللحاضرين، ويندب غبعاد الحائض والنفساء والجنب وكل شيء تكرهه الملائكة كآلة اللهو، ويندب أن يوضع عند طيب. ويستحب أن يقرأ عند سورة {يس} لما ورد في الخبر "ما من مريض يقرأ عند {يس} إلا مات ريان، وأدخل قبره ريان، وحشر يوم القيامة ريان"، رواه أبو داود، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) ، على أنه ينبغي للقارئ أن يقرأها سراً كي لا يزعج المحتضر، أما بعد موته فلا يقرأ عنده شيء باتفاق، ويندب للمحتضر أن يحشن ظنه بالله تعالى،
    لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله أن يرحمه ويعفو عنه"،
    وفي الصحيحين: قال الله تعالى: {أنا عند ظن عبدي بي} . ويندب لمن يكون عند المحتضر أن يحمله على تحسين ظنه بالله تعالى.
    ويسن تغميض عينيه،
    وأن يقول مغمضة:
    بسم الله، وعلى ملة رسول الله، اللهم اغفر له، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، عليه، إلا عند المالكية،
    فإنهم يقولون: إن تغميض العينين مندوب لا سنة، وإن الدعاء، وهو بسم الله وعلى ملة رسول الله، الخ، ليس بمطلوب عندهم.
    [مبحث ما يفعل بالميت قبل غسله]
    إذا مات المحتضر يندب شد لحييه بعصابة عريضة تربط من فوق رأسه وتليين مفاصله برفق، ورفعه عن الأرض، وستره بثوب صوناً له عن الأعين بعد نزع ثيابه التي قبض فيها، إلا عند المالكية، فإن لهم في ذلك تفصيلاً تحت الخط (13) ، ويجب الانتظار بتجهيزه حتى يتحقق موته، وبعد التحقق من الموت ينبغي الإسراع بتجهيزه ودفنه؛ ويستحب إعلام الناس بموته، ولو بالنداء في الأسواق ليشهدوا جنازته من غير إفراط في المدح،
    بأن يقول مثلاً:
    مات الفقير إلى الله تعالى فلان ابن فلان، فاسعوا في جنازته، وهذا متفق عليه، إلا عند الحنابلة،
    فإنهم يقولون:
    إن الإعلام مباح، ويكره رفع الصوت به، ووافقهم المالكية على كراهة رفع الصوت به، والمناسب لمذهبيهما أن يكون الإعلام بطريق الإعلانات في الصحف ونحوها مما يفعل في زماننا.
    [مبحث غسل الميت - حكمه]
    غسل الميت فرض كفاية على الأحياء، إذا قم به البعض سقط عن الباقين، والمفروض غسله مرة واحدة بحيث يعم بها جميع بدنه، أما تكرار غسله وتراً فهو سنة، كما يأتي في مبحث "كيفية الغسل" باتفاق، إلا عند المالكية،
    فإنهم قالوا:
    تكرار الغسل وتراً مندوب لا سنة.[شروط غسل الميت]ويشترط لفريضة غسل الميت شروط:
    الأول: أن يكون مسلماً، فلا يفترض تغسيل الكافر، بل يحرم، باتفاق ثلاثة،
    وقال الشافعية:
    إنه ليس بحرام، لأنه للنظافة لا للتعبد؛
    الثاني:
    أن لا يكون سقطاً، فإنه لا يفترض غسل السقط، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (14) ؛
    الثالث:
    أن يوجد من جسد الميت مقدار، ولو كان قليلاً، باتفاق الشافعية،والحنا بلة؛ وخالف الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (15) ؛
    الرابع:
    أن لا يكون شهيداً قتل في إعلاء كلمة الله، كما سيأتي في مبحث "الشهيد" لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: "لا تغسلوهم، فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكاً يوم القيامة، ولم يصل عليهم"، رواه أحمد، ويقوم التيمم مقام غسل الميت عند فقد الماء أو تعذر الغسل، كأن مات حريقاً، ويخشى أن يتقطع بدنه إذا غسل بذلك أو بصب الماء عليه بدون دلك، أما إن كان لا يتقطع بصب الماء فلا ييمم، بل يغسل بصب الماء بدون دلك.
    [حكم النظر إلى عورة الميت ولمسها وتغسيل الرجال النساء، وبالعكس]
    يجب ستر عورة الميت، فلا يحل للغاسل ولا غيره أن ينظر إليها، وكذلك لا يحل لمسها، فيجب أن يلف الغاسل على يده خرقة ليغسل بها عورته، سواء كانت مخففة أو مغلظة؛ أما باقي بدنه فيصح للغاسل أن يباشر بدون خرقة، وهذا متفق عليه،
    إلا أن الحنابلة يقولون:
    إنه يندب لف خرقة لغسل باقي البدن،
    وفي قول صحيح للحنفية:
    إن لمس العورة المخففة من الميت غير محرم، ولكن يطلب سترها وعدم لمسها، ولا يحل للرجال تغسيل النساء، وبالعكس، إلا الزوجين، فيحل لكل منهما أن يغسل الآخر إلا إذا كانت المرأة مطلقة ولو طلاقاً رجعياً، فإنه لا يحل لأحد الزوجين غسل الآخر حينئذ، وهذا الحكم متفق عليه بين المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (16) ، فإذا ماتت امرأة بين رجال ليس معهم امرأة غيرها أو زوج لها وتعذر إحضار امرأة تغسلها كأن ماتت في طريق سفر منقطع ففي ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (17)
    فإن كان الميت صغيراً جاز للنساء تغسيله، وإن كانت صغيرة جاز للرجال تغسلها، وفي حد الصغير والصغيرة المذكورين التفصيل المتقدم في مبحث "ستر العورة"؛ وفي تغسيل الخنثى المشكل تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (18) .
    [مندوبات غسل الميت وتكرار الغسلات إلى ثلاث]
    تندب في غسل الميت أشياء.
    أحدها:
    تكرار الغسلات إلى ثلاث. بحيث تعم كل غسلة منها جميع بدن الميت، بالكيفية الآتي بيانها، وإحدى الغسلات الثلاث التي تعم جميع البدن فرض، والغسلتان اللتان بعدها مندوبتان، باتفاق ثلاثة،
    وخالف الحنفية فقالوا:
    إن الغسلتين. مسنونتين، وقد يوافقهم على ذلك الشافعية، والحنابلة، إذ لا فرق عندهم بين المندوب والمسنون، ومتى غسل الميت ثلاث غسلات عمت كل غسلة منها جميع بدنه، ونظف بدنه بها، فإنه يكره أن يزاد عليها، كما يكره أن ينقص عنها، ولو نظف بأقل من الثلا باتفاق، أما إذا لم ينظف البد بالثلاث المذكورة المستوعبة لجميع البدن، فإنه يندب أن يزاد عليها حتى ينظف البدن بدون عدد معين، ولكن يندب أن تنتهي الزيادة إلى وتر، فإن حصل تنظيف البدن بأربع زيد عليها خامسة، وهكذا؛ وهذا الحكم متفق عليه عند الشافعية، والحنفية، أما المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (19) .
    [حكم خلط ماء الغسل بالطيب ونحوه]
    ثاني المندوبات:
    أن يجعل في ماء السغلة الأخيرة كافور ونحوه من الطيب، إلا أن الكافرو أفضل، أما غير الغسلة الأخيرة فيندب أن يكون بماء فيه ورق نبق ونحوه مما ينظف كالصابون، وإنما يوضع الطيب في ماء غسل الميت إذا لم يكن متلبساً بالإحرام - للحج -، أما المتلبس بالإحرام فإنه لا يوضع في ماء غسله طيب، كما لو كان حياً، وهذا متفق عليه عند الحنابلةن والشافعية، أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (20) .
    [تسخين ماء الغسل]
    ثالث المندوبات: أن يغسل بالماء البارد إلا لحاجة، كشدة برد، أو إزالة وسخ، وهذا متفق عليه عند الشافعية، والحنابلة،
    أما المالكية فقالوا:
    لا فرق بين أن يكون الماء بارداً أو ساخناً؛
    وأما الحنفية فقالوا:
    الماء الساخن أفضل على كل حال.
    [تطييب رأس الميت ولحيته]
    رابعها: رأس الميت ولحيته بعد تمام الغسل بطيب، بشرط أن لا يكون الطيب زعفران، وأن يوضع الطيب على الأعضاء التي يسجد عليها، وهي الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان، وكذلك يوضع الطيب على عينيه وأذنيه وتحت إبطيه. والأفضل أن يكون الطيب كافوراً، وهذا كله إذا لم يكن متلبساً بالإحرام، وغلا فلا يطيب، وهذا الحكم متفق عليه إلا عند المالكية،
    فإنهم قالوا:
    وضع الطيب على رأس الميت ولحيته ليس بمندون.
    [إطلاق البخور عند الميت، وتجريده من ثيابه عند الغسل]
    خامس المندوبات:
    إطلاق البخور عند الميت على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (21) .
    سادسها: أن يجرد الميت عند غسله من ثيابه ما عدا ساتر العورة، باتفاق ثلاثة، وخالف الشافعية،
    فانظر مذهبهم تحت الخط (الشافعية قالوا:
    يندب تغسيل الميت في قميص رقيق لا يمنع وصول الماء، فإن أمكن أن يدخل الغاسل يديه في كمه الواسع فذاك، وإن لم يمكن شقه من الجانبين

    (1) الحنفية قالوا: لا بد من تعيين الزمن فينوي أول ظهر عليه أدرك وقته ولم يصله وهكذا، أو ينوي آخر ظهر عليه كذلك

    (2) الحنفية قالوا: لا يجوز قضاء الفوائت في ثلاثة أوقات: وقت طلوع الشمس، ووقت الزوال، ووقت الغروب، وما عدا ذلك يجوز فيه القضاء ولو بعد العصر.
    المالكية قالوا: إن كانت الفائتة في ذمته يقيناً أو ظناً قضاها ولو في وقت النهي عن صلاة النافلة، فيقضيها عند طلوع الشمس وعند غروبها، وغير ذلك من أوقات النهي عن النافلة، وتقدم بيانها، وإن شك في شغل ذمته بها وعدمه قضاها في غير أوقات النهي عن النافلة، أما في أوقات النهي فيحرم قضاؤها في أوقات حرمة النافلة، ويكره في أوقات كراهة النافلة.
    الشافعية قالوا: يجوز قضاء الفوائت في جميع أوقات النهي، إلا إذا قصد قضاء الفوائت فيها بخصوصها، فإنه لا يجوز ولا تنعقد الصلاة، أما الوقت المشغول بخطبة خطيب الجمعة فإنه لا يجوز فيه قضاء الفوائت، ولا تنعقد بمجرد جلوس الخطيب على المنبر، وإن لم يشرع في الخطبة إلى أن تتم الخطبتان بتوابعهما.
    الحنابلة قالوا: يجوز قضاء الفوائت في جميع أوقات النهي بلا تفصيل
    (3) المالكية قالوا: من قدر على القيام مستنداً لا يتعين عليه القيام، وله أن يجلس إذا أمكنه الجلوس من غير استناد إلى شيء، أما إذا لم يمكنه الجلوس استقلالاً، فيتعين عليه القيام مستنداً.
    الشافعية قالوا: إذا قدر على القيام مستنداً إلى شخص تعين عليه القيام إذا كان يحتاج إلى المعين المذكور في ابتداء قيام كل ركعة فقط، أما إذا كان يحتاج إليه في القيام كله فلا يجب عليه القيام، ويصلي من قعود، وإذا قدر على القيام مستنداً إلى عصا ونحوها، كحائط، فيجب عليه القيام، ولو احتاج إلى الاستناد في القيام كله
    (4) المالكية قالوا: من عجز عن الجلوس بحالتيه اضطجع على جنبه اليمن مصلياً بالإيماء ووجهه إلى القبلة، فإن لم يقدر اضطجع على جنبه الأيسر ووجهه للقبلة أيضاً، فإن لم يقدر استلقى على ظهره ورجلاه للقبلة، والترتيب بين هذه المراتب الثلاث مندوب، فلو اضطجع على جنبه الأيسر مع القدرة على الاضطجاع على الجانب الأيمن، أو استلقى على ظهره مع القدرة على الاضطجاع بقسميه صحت صلاته، وخالف المندوب، فإن لم يقدر على الاستلقاء على الظهر استلقى على بطنه جاعلاً رأسه للقبلة وصلى بالإيماء برأسه، فإن استلقى على بطنه مع القدرة على الاستلقاء على الظهر بطلت صلاته لوجوب الترتيب بين هاتين المرتبتين.
    الحنفية قالوا: الأفضل أن يصلي مستلقياً على ظهره ورجلاه نحو القبلة وينصب ركبتيه ويرفع رأسه يسيراً ليصير وجهه إلى القبلة، وله أن يصلي على جنبه الأيمن أو الأيسر. والأيمن أفضل من الأيسر، وكل هذا عند الاستطاعة، أما إذا لم يستطع، فله أن يصلي بالكيفية التي تمكنه.
    الحنابلة قالوا: إذا عجز عن الجلوس بحالتيه صلى على جنبه ووجهه إلى القبلة، والجنب الأيمن أفضل، ويصح أن يصلي على ظهره ورجلاه إلى القبلة مع استطاعته الصلاة على جنبه الأيمن مع الكراهة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه صلى على ظهره ورجلاه إلى القبلة.
    الشافعية قالوا: إذا عجز عن الجلوس مطلقاً صلى مضطجعاً على جنبه متوجهاً إلى القبلة بصدره ووجه، ويسن أن يكون الاضطجاع على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيسر ويركع ويسجد وهو مضطجع إن قدر على الركوع والسجود، وإلا أومأ لهما، فإن عجز عن الاضطجاع صلى مستلقياً على ظهره، ويكون باطناً قدميه للقبلة، ويجب رفع رأسه وجوباً بنحو وسادة ليتوجه للقبلة بوجهه، ويومئ برأسه لركوعه وسجوده؛ ويجب أن يكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع إن قدر، وإلا فلا، فإن عجز عن الإيماءء برأسه أومأ بأجفانه، ولا يجب حينئذ أن يكون الإيماء للسجود أخفض من الركوع، فإن عجز عن ذلك كله أجرى أركان الصلاة على قلبه

    (5) المالكية قالوا: يندب له التربع إلا في حال السجود والجلوس بين السجدتين والجلوس للتشهد، فإنه يكون على الحالة التي تقدم بيانها في "سنن الصلاة ومندوباتها".
    الحنفية قالوا: له أن يجلس وقت القراءة والركوع كيف شاء، والأفضل أن يكون على هيئة المتشهد، أما في حال للسجود والتشهد فإنه يجلس على الهيئة التي تقدم بيانها، وهذا إذا لم يكن فيه حرج أو مشقة، وغلا اختار الأيسر في جميع الحالات.
    الحنابلة قالوا: إذا صلى من جلوس سنّ له أن يجلس متربعاً في جميع الصلاة إلا في حالة الركوع والسجود، فإنه يسن له أن يثني رجليه، وله أن يجلس كما شاء.
    الشافعية قالوا: إذا صلى من جلوس فإنه يسن له الافتراش إلا في حالتين: حالة سجوده، فيجب وضع بطون أصابع القدمين على الأرض، وحالة الجلوس للتشهد الأخير، فيسن فيه التورك كما تقدم

    (6) الحنفية قالوا: الإيماء للركوع والسجود يصح وهو قائم، ويصح وهو جالس، ولكن الإيماء وهو جالس أفضل
    (7) الحنفية قالوا: إذا عجز عن السجود، سواء عجز عن الركوع أيضاً أو لا، فإنه يسقط عنه القيام على الأصح، فيصلي من جلوس مومياً للركوع والسجود، وهو أفضل من الإيماء قائماً، كما تقدم
    (8) الحنفية قالوا: إذا قدر على الإيماء بالعين أو الحاجب أو القلب فقط سقطت عنه الصلاة، ولا تصح بهذه الكيفية، سواء كان يعقل أو لا، ولا يجب عليه قضاء ما فاته وهو في مرضه.
    هذا إذا كان أكثر من خمس صلوات، وإلا وجب القضاء
    (9) الشافعية قالوا: يصح أن يقتدي به من هو أقوى حالاً منه متى كانت صلاته مجزئة عن القضاء، كما تقدم
    (10) الحنفية قالوا: إذا كان عاجزاً عن القيام وكان يصلي من جلوس بركوع وسجود، ثم قدر عليه في صلاته بنى على ما تقدم منها، وأتمها من قيام، ولو لم يركع أو يسجد بالفعل؛ أما إذا كان يصلي من قعود بالإيماء ثم قدر على الركوع والسجود، فإن كان ذلك بعد أن أومأ في ركعة أتمها بانياً على ما تقدم وإلا قطعها، واستأنف صلاة جديدة، كما يستأنف مطلقاً لو كان يومئ مضطجعاً، ثم قدر على القعود
    (11) الحنفية قالوا: التلقين بعد الفراغ من الدفن لا ينهى عنه ولا يؤمر به، وظاهر الرواية يقتضي النهي عنه.
    المالكية قالوا: التلقين بعد الدفن وحاله مكروه، وإنما التلقين يندب حال الاحتضار فقط كما ذكر
    (12) المالكية: رجحوا القول لكراهة قراءة شيء من القرآن عند المحتضر، لأنه ليس من عمل السلف، وقال بعضهم: يستحب قراءة سورة {يس} عنده.
    الحنفية قالوا: تكره القراءة عند الميت قبل غسله إذا كان القارئ قريباً منه، أما إذا بعد عنه فلا كراهة، كما لا تكره القراءة قريباً منه إذا كان جميع بدن الميت مستوراً بثوب طاهر، والمكروه في الصورة الأولى إنما هو القراءة برفع الصوت.
    الشافعية قالوا: يقتصر في الدعاء حال التغميض على قول: بسم الله، وعلى ملة رسول الله
    (13) المالكية قالوا: في نزع ثيابه التي قبض فيها أحد قولين: الأول: تنزع، ولكن لا تنزع بتمامها، بل يترك عليه قميصه، والثاني: أنه لا ينزع شيء من ثيابه، ويزاد عليها ثوب آخر يستر جميع بدنه عن الأعين
    (14) الشافعية قالوا: إن السقط النازل قبل عدة تمام الحمل، وهي ستة أشهر ولحظتان، إما أن تعلم حياته فيكون كالكبير في افتراض غسله، وإما أن لا تعلم حياته، وفي هذه الحالة إما أن يكون قد ظهر خلقه فيجب غسله أيضاً دون الصلاة عليه، وإما أن لا يظهر خلقه فلا يفترض غسله، وأما السقط النازل بعد المدة المذكورة، فإنه يفترض غسله وإن نزل ميتاً، وعلى كل حال، فإنه يسن تسميته، بشرط أن يكون قد نفخت فيه الروح.
    الحنفية قالوا: إن السقط إذا نزل حياً بأن سمع له صوت، أو رئيت له حركة، وإن لم يتم نزوله وجب غسله، سواء كان قبل تمام مدة الحمل أو بعده؛ وأما إذا نزل ميتاً، فإن كان تام الخلق فإنه يغسل كذلك، وإن لم يكن تام الخلق، بل ظهر بعض خلقه، بإنه لا يغسل المعروف، وإنما يصب عليه الماء، ويلف في خرقة، وعلى كل حال، فإنه يسمى، لأنه يحشر يوم القيامة.
    الحنابلة قالوا: السقط إذا تم في بطن أمه أربعة أشهر كاملة ونزل وجب غسله، وأما إن نزل قبل ذلك فلا يجب غسله.
    المالكية قالوا: إذا كان السقط محقق الحياة بعد نزوله بعلامة تدل على ذلك كالصراخ والرضاع الكثير الذي يقول أهل المعرفة إنه لا يقع مثله إلا ممن فيه حياة مستقرة وجب تغسيله، وإلا كره
    (15) الحنفية قالوا: لا يفرض الغسل إلا إذا وجد من الميت أكثر البدن أو وجد نصفه مع الرأس.
    المالكية قالوا: لا يفترض غسل الميت إلا إذا وجد ثلثا بدنه ولو مع الرأس، فإن لم يوجد ذلك كان غسله مكروهاً

    (16) الحنفية قالوا: إذا ماتت المرأة فليس لزوجها أن يغسلها لانتهاء ملك النكاح فصار أجنبياً منها، أما إن مات الزوج فلها أن تغسله، لأنها في العدة، فالزوجية باقية في حقها ولو كانت مطلقة رجعياً قبل الموت، أما إن كانت بائنة فليس لها أن تغسله ولو كانت في العدة.
    الحنابلة قالوا: المرأة المطلقة رجعياً يجوز لها أن تغسل زوجها، أما المطلقة طلاقاً بائناً فلا
    (17) المالكية قالوا: إذا ماتت المرأة وليس معها زوجها ولا أحد من النساء، فإن كان معها رجل محرم لها غسلها وجوباً ولف على يديه خرقة غليظة لئلا يباشر جسدها، وينصب ستارة بينه وبينها،
    ويمد يده من داخل الستارة، مع غض بصره، فإن لم يوجد معها إلا رجال أجانب وجب عليهم أن ييممها واحد منهم لكوعيها فقط: ولا يزيد في المسح إلى المرفقين، وإذا مات رجل بين نساء، فإن كان منهن زوجته غسلته، ولا يغسله غيرها: وإن لم توجد زوجته، فإن وجد من بينهن امرأة محرم له غسلته، ويجب عليها أن لا تباشره إلا بخرقة تلفها على يدها، ويجب عليها ستر عورته فقط، فإن لم يوجد محرم له من النساء يممته واحدة من الأجنبيات، ويكن التيمم لمرفقيه.
    الحنفية قالوا: إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها، فإن كان معها رجل محرم يممها باليد إلى المرفق، وإن كان معها أجنبي وضع خرقة على يده ويممها كذلك، ولكنه يغض بصره عن ذراعيها، والزوج كالأجنبي، إلا أنه لا يكلف بغض البصر عن الذراعين، ولا فرق في ذلك بين الشابة والعجوز، وإذا مات الرجل بين نساء ليس معهن رجل ولا زوجة، فإن كان معهن قاصرة لا تشتهي علمنها الغسل وغسلته، وإن لم توجد قاصرة بينهن يممنه إلى مرفقيه مع غض بصرهن عن عورته، فإذا غسل الميت مع مخالفة شيء مما ذكر صح غسله مع الإثم.
    الشافعية قالوا: إذا ماتت المرأة بين رجال ليس فيهم محرم ولا زوج يممها الأجنبي إلى مرفقيها مع غض البص عن العورة ومع عدم اللمس، فإن وجد محرم وجب عليه تغسيلها إن لم يوجد زوجها، وإلا قدم على المحرم، وإذا مات الرجل بين نساء ليس بينهن زوجته ولا محرم يممته واحدة من الأجنبيات بحائل يمنع اللمس مع غض البصر عن العورة، فإن كان بينهن زوجته غسلته وجوباً ولو بلا حائل، فإن لم توجد الزوجة، ولكن وجد بينهن امرأة محرم كبنته وأخته وأمه غسلته أيضاً، والزوجة مقدمة على المحرم.
    الحنابلة قالوا: إذا ماتت المرأة بين رجال ليس فيهم زوج يممها واحد من الأجانب بحائل، وإذا مات الرجل بين نساء ليس فيهن يممته واحدة أجنبية بحائل، ويحرم أن ييمم بغير حائل إلا إذا كان الميمم محرماً من رجل أو امرأة، فيجوز بلا حائل) .
    (18) المالكية قالوا: إن أمكن وجود أمة للخنثى، سواء كانت من ماله، أو من بيت المال، أو من مال المسلمين، فإنها تغسله، ولا يغسله أحد سواها.
    الحنفية قالوا: الخنثى المشكل المكلف أو المراهق لا يغسل رجلاً ولا امرأة، ولا يغسله رجل ولا امرأة، وإنما ييمم وراء ثوب.
    الحنابلة قالوا: إذا مات الخنثى المشكل الذي له سبع سنين فأكثر، وكانت له أمة غسلته، وإلا ييمم بحائل يمنع المس، والرجل أولى من المرأة بتيميمه.
    الشافعية قالوا: يجوز للرجل والمرأة الأجنبيين تغسيل الخنثى المشكل الكبير عند فقد محرمه مع وجوب غض البصر وعدم اللمس، ويجب أن يقتصر في غسله على غسله واحدة تعم بدنه؛ أما الخنثى الصغير فهو كباقي الصبيان

    (19) المالكية قالوا: إن احتاج إلى غسله أربع مرات.
    الأولى: منها تكون بالماء القراح، والثلاثة التي بعدها بمنظف، كالصابون ونحوه، ثم يزيد غسله خامسة ليصير عدد الغسل وتراً، فإن لم ينظف جسده بذلك غسله ستاً بمنظف ما عدا الأولى، وزاد السابعة ليصير العدد وتراً، فإن لم ينظف إلا بثمانية اقتصر عليها ولا يزيد تاسعة، وعلى كل حال فيجعل الطيب في الغسلة الأخيرة وتكون الغسلة بالماء القراح.
    الحنابلة قالوا: إن لم ينظف جسد الميت بثلاث غسلات وجبت الزيادة عليها إلى سبع، فإن لم ينظف بالسبع كان الأولى أن يزاد عليها حتى ينقى، ولكن يندب أن ينتهي إلى وتر
    (20) الحنفية، والمالكية قالوا: يندب وضع الطيب ونحوه في ماء غسل الميت، سواء كان متلبساً بالإحرام أو لا، وذلك لأن الميت غير مكلف، وينقطع إحرامه بالموت، ولذا تغطي رأسه، بخلاف ما لو كان متلبساً بالإحرام وهو حي، إلا أن المالكية قالوا: إنه يلزم أن تكون الغسلة الأولى بالماء القراح، وذلك لأن مذهبهم أن طهورية الماء تسلبها الصابون ونحوه، كما تقدم في مباحث "المياه"

    (21) المالكية قالوا: لا يندب إطلاق البخور.
    الحنفية قالوا: يندب إطلاق البخور في ثلاثة مواضع:
    أحدها: عند خروج روح الميت، فمتى تيقن موته يوضع على مكان مرتفع - سرير أو دكة - وقبل وضعه على المكان المرتفع يبخر ذلك المكان ثلاث مرات أو خمساً، بأن تدار المجمرة - المبخرة - حول السرير ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، ولا يزاد على ذلك ثم يوضع الميت عليه؛
    ثانيها: عند غسله بأن تدار المجمرة حول - دكة - غسله بالكيفية المذكورة،
    ثالثها: عند تكفينه بالصفة المتقدمة.
    الحنابلة قالوا: التبخير يكون في مكان الغسل إلى أن يفرغ منه.
    الشافعية قالوا: يندب أن يستمر البخور عند الميت من وقت خروج روحه إلى أن يصلى عليه) .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 462 الى صــــــــ476
    الحلقة (64)

    [هل يوضأ الميت قبل غسله؟]
    يندب أن يوضأ كما يتوضأ الحي عند الغسل من الجنابة إلا المضمضة والاستنشاق، فإنهما لا يفعلان في وضوء الميت، لئلا يدخل الماء إلى جوفه، فيسرع فساده، ولوجود مشقة في ذلك ولكن يستحب أن يلف الغاسل خرقة على سبابته وإبهامه ويبلها بالماء ثم يمسح بها سنان الميت ولثته ومنخريه، فيقوم ذلك مقام المضمضة والاستنشاق، وهذا متفق عليه بين الحنفية؛ والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) .
    [ما يندب أن يكون عليه الغاسل من الصفات]
    يندب أن يكون الغاسل ثقة كي يستوفي الغسل ويستر ما يراه من سوء، ويظهر ما يراه من حسن، فإن رأى ما يعجبه من تهلل وجه الميت وطيب رائحته ونحو ذلك، فإنه يستحب له أن يتحدث به إلى الناس، وإن رأى ما يكرهه من نتن رائحة أو تقطيب وجه أو نحو ذلك لم يجز له أن يتحدث به، ويندب أن يجفف بدن الميت بعد الغسل حتى لا تبتل أكفانه.
    [ما يكره فعله بالميت]
    يكره تسريح شعر رأسه ولحيته، إلا عند الشافعية،
    فإنهم قالوا:
    يسن تسريحهما إن تلبد الشعر، وإلا فلا يسن ولا يكره، وكذا يكره قص ظفره وشعره وشاربه وإزالة شعر إبطيه وشعر عانته، بل المطلوب أن يدفن بجميع ما كان عليه، فإن سقط منه شيء من ذلك رد إلى كفنه، ليدفن معه، وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنفية، أما الحنابلة؛ والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
    [إذا خرج من الميت نجاسة بعد غسله]
    إذا خرج من الميت بعد غسله نجاسة علقت ببدنه أو بكفنه فإنها تجب إزالتها، ولا يعاد الغسل مرة أخرى، باتفاق المالكية؛ والشافعية، أما الحنفية؛ والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) .
    [كيفية غسل الميت]
    ذكرت كيفية غسل الميت مفصلة في المذاهب؛ فانظرها تحت الخط (4) .
    [التكفين]
    تكفين الميت فرض كفاية على المسلمين، إذا ام به البعض سقط عن الباقين، وأقله ما يستر جميع بدن الميت، سواء كان ذكراً أو أنثى،
    وما دون ذلك لا يسقط به فرض الكفاية عن المسلمين ويجب تكفين الميت من ماله الخاص الذي لم يتعلق به الحنفية قالوا:
    الغير كالمرهون؛
    فإن لم يكن له مال خاص فكفنه على من تلزمه نفقته في حال حياته:
    ولو كانت زوجة تركت مالاً فيجب على الزوج القادر تكفين زوجه (5) ، فإن لم يكن لمن تلزمه نفقته مال كفن من بيت المال إن كان للمسلمين بيت مال وأمكن الأخذ منه، وإلا فعلى جماعة المسلمين القادرين، ومثل الكفن في هذا التفصيل مؤن التجهيز كالحمل إلى المقبرة، والدفن نحوه.
    وفي أنواع الكفن وصفته تفصيل في المذاهب مذكورة تحت الخط (6) .
    [مباحث صلات الجنازة]
    [حكمها]

    هي فرض كفاية على الأحياء، فإذا قام بها البعض ولو واحداً سقطت عن الباقين، فلا يكلفون بها، ولكن ينفرد بثوابها من قام بها منهم.
    [صفة صلاة الجنازة]
    نريد أن نبين هنا كيفية صلاة الجنازة في كل مذهب من المذاهب بطريق الإجمال، ثم نذكر ما هو ركن، وما هو شرط، وما هو سنة، أو مندوب، فانظر كيفيتها في كل مذهب تحت الخط (7) .
    [أركان صلاة الجنازة]
    لصلاة الجنازة أركان لا تتحقق إلا بها بحيث لو نقص منها ركن بطلت، ولزمت إعادتها، وأول هذه الأركان النية، وهي ركن عند المالكية، والشافعية، أما الحنفية،
    والحنابلة فقالوا:
    إنها شرط لا ركن، وعلى كل حال فلا بد منها في صلاة الجنازة؛ كغيرها من الصلوات، أما صفة النية المذكورة ففيها تفصيل في المذاهب ذكرناه تحت الخط (8) .
    ثانيها: التكبيرات، وهي أربع بتكبيرة الإحرام، وكل تكبيرة منها بمنزلة ركعة، وهي ركن باتفاق؛
    ثالثها:
    القيام فيها إلى أن تتم، فلو صلاها قاعداً بغير عذر لم تصح، باتفاق؛
    رابعها: الدعاء للميت، وفي محله وصفته تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (9) ؛
    خامسها:
    السلام بعد التكبيرة الرابعة وهو ركن عند ثلاثة،
    وقال الحنفية:
    إنه واجب، كالسلام في باقي الصلوات، فلا تبطل الصلاة بتركه، ومنها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، وهي ركن عند الشافعية،
    والحنابلة:
    أما الحنفيةن والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (10) ؛ وأما قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ففيها اختلاف في المذاهب، فانظره تحت الخط (11)
    [شروط صلاة الجنازة]
    وأما شروطها:
    فمنها أن يكون الميت مسلماً،
    فتحرم الصلاة على الكافر لقوله تعالى:
    {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً} ، ومنها أن يكون الميت حاضراً، فلا تجوز الصلاة على الغائب، أما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي فهي خصوصية له، باتفاق الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (12) ، ومنها تطهير الميت، فلا تجوز الصلاة عليه قبل الغسل أو التيمم، باتفاق المذاهب، ومنها أن يكون الميت مقدّماً أمام القوم، فلا تصح الصلاة عليه إذا كان موضوعاً خلفهم، باتفاق، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (13) ، ومنها أن لا يكون الميت محمولاً على دابة، أو على أيدي الناس، أو أعناقهم وقت الصلاة، عند الحنفية، والحنابلة؛ وخالف الشافعية، والمالكية، فانظره تحت الخط (14) ومنها أن لا يكون شهيداً، وسيأتي بيانه في مبحث خاص، فتحرم الصلاة عليه لحرمة غسله، باتفاق ثلاثة،
    وقال الحنفية:
    إن الشهيد لا يغسل، ولكن تجب الصلاة عليه، ومنها أن يكون الحاضر من بدن الميت الجزء الذي يلزم تغسيله، على ما تقدم في الغسل. وتجب الصلاة على السقط إذا كان غسله واجباً، على ما تقدم تفصيله في المذاهب؛ وأما شروطها المتعلقة بالمصلي، فهي شروط الصلاة من النية، والطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، ونحو ذلك.
    [سنن صلاة الجنازة: كيف يقف الإمام للصلاة على الميت]
    لصلاة الجنائز سنن مفصلة في المذاهب مذكورة تحت الخط (15) .


    (1) المالكية، والشافعية قالوا: يوضأ يمضمضة واستنشاق، وأن تنظيف أسنانه ومنخريه بالخرقة مستحب ولا يغني عن المضمضة والاستنشاق
    (2) الحنابلة قالوا: يسن قص شارب غير المحرم وتقليم أظافره إن طالما وأخذ شعر إبطيه إلا أنها بعد نزعها توضع معه في كفنه، أما حلق رأسه الميت فحرام، لأنه إنما يكون لنسك أو زينة، أما حلق عانته فهو حرام لا مكروه، لما قد يترتب على ذلك من مس عورته أو نظرها.
    المالكية قالوا: ما يحرم فعله في الشعر مطلقاً حال الحياة يحرم بعد الموت، وذلك كحلق لحيته وشاربه، وما يجوز حال الحياة يكره بعد الموت
    (3) الحنفية قالوا: النجاسة الخارجة من الميت لا تضر، سواء أصابت بدنة أو كفنه، إلا أنها تغسل قبل التكفين تنظيفاً لا شرطاً في صحة الصلاة عليه، أما بعد التكفين فإنها لا تغسل، لأن في غسلها مشقة وحرج، بخلاف النجاسة الطارئة عليه، كأن كفن بنجس فإنها تمنع من صحة الصلاة عليه.
    الحنابلة قالوا: إذا خرج من الميت نجاسة بعد غسله وجبت إزالتها وإعادة غسله إلى سبع مرات. فإن خرج بعد السبع وجب غسل الخارج فقط ولا يعاد الغسل.
    هذا إذا كان خروج النجاسة قبل وضعه في الكفن، أما بعده فلا ينتقض الغسل ولا يعاد
    (4) الحنفية قالوا: يوضع الميت على شيء مرتفع ساعة الغسل - كخشبة الغسل - ثم يبخر حال غسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً بأن تدار المجمرة حول الخشبة ثلاث مرات أو خمساً أو سبعاً، كما تقدم ثم يُجرد من ثيابه ما عدا ساتر العورة، ويندب أن لا يكون معه أحد سوى الغاسل ومن يعينه، ثم يلف الغاسل على يده خرقة، يأخذ بها الماء ويغسل قُبُله ودبره - الاستنجاء -، ثم يوضأ، ويبدأ في وضوئه وجهه، لأن البدء بغسل اليدين إنما هو للأحياء الذين يغسلون أنفسهم فيحتاجون إلى تنظيف أيديهم، أما اللميت فإنه يغسله غيره، ولأن المضمضة والاستنشاق لا يفعلان في غسل الميت، ويقوم مقامهما تنظيف الأسنان والمنخرين بخرقة، كما تقدم ثم يغسل رأسه ولحيته بمنظف كالصابون ونحوه إن كان عليهما شعر؛ فإن لم يكن عليهما شعر لا يغسلان كذلك؛ ثم يضجع الميت على يساره ليبدأ بغسل يمينه، فيصب الماء على شقه الأيمن من رأسه إلى رجليه ثلاث مرات حتى يعم الماء الجانب الأسفل، ولا يجوز كب الميت على وجهه لغسل ظهره، بل يحرك من جانبه حتى يعمه الماء؛ وهذه هي الغسلة غسلتان أخريان؛ وذلك بأن يضجع ثانياً على يمينه ثم يصب الماء على شقه الأيسر ثلاثاً بالكيفية المتقدمة؛ ثم يجلسه الغاسل ويسنده إليه ويمسح بطنه برفق ويغتسل ما يخرج منه، وهذه هي الغسلة الثانية، ثم يضجع بعد ذلك على يساره ويصب الماء على يمينه بالكيفية المتقدمة، وهذه هي الغسلة الثالثة، وتكون الغسلتان الأوليان بماء ساخن مصحوب بمنظف، كورق النبق والصابون، أما الغسلة الثالثة فتكون بماء مصحوب بكافور؛ ثم بعد ذلك يجفف الميت ويوضع عليه الطيب، كما تقدم.
    هذا؛ ولا يشترط لصحة الغسل نية، وكذلك لا تشترط النية لإسقاط فرض الكفاية على التحقيق، إنما تشترط النية لتحصيل الثواب على القيام بفرض الكفاية.
    المالكية قالوا: إذا أريد تغسيل الميت وضع أولاً على شيء مرتفع، ثم يجرد من جميع ثيابه ما عدا ساتر العورة، فإنه يجب إبقاؤه، سواء كانت مغلظة أو مخففة، ثم يغسل يدي الميت ثلاث مرات، ثم يعصر بطنه برفق ليخرج ما عسى أن يكون فيها من الأذى، فلا يخرج بعد الغسل، ثم يلف الغاسل على يده اليسرى خرقة غليظة ويغسل بها مخرجيه حال صب الماء عليهما، ثم يغسل ما على بدنه من أذى، ثم يمضمضه وينشفه ويميل رأسه لجهة صدره برفق حال المضمضة والاستنشاق، ثم يمسح أسنانه وداخل أنفه بخرقة؛ ثم يكمل وضوءه؛ ويكون هذا الوضوء ثلاث مرات في كل عضو، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات بلا نية، فإن النية ليست مشروعة في غسل الميت، ثم يغسل شقه الأيمن ظهراً وبطناً، الخ، ثم يغسل شقه الأيسر كذلك وقد تم بذلك غسله. وهذه هي الغسلة الأولى، وتكون بماء قراح؛ وبها يحصل الغسل المفروض ثم يندب أن يغسله غسلة ثانية وثالثة للتنظيف، وتكون أولى هاتين الغسلتين بالصابون ونحوه، فيدلك جسده بالصابون أولاً، ثم يصب عليه الماء؛ أما الغسلة الثانية منهما فتكون بماء فيه طيب، والكافور أفضل من غيره، ولا يزاد على هذه الغسلات الثلاث متى حصل بها إنقاء جسده من الأوساخ، فإن احتاج لغسلة رابعة غسله أربع مرات، إلى آخر ما تقدم في "المندوبات" ثم ينشف جسده ندباً، ثم يجعل الطيب في حواسه ومحل سجوده، كالجبهة واليدين والرجلين، وفي المحال الغائرة منه؛ ثم يجعل في منافذه قطناً، وعليه شيء من الطيب.
    الشافعية قالوا: إذا أريد غسل الميت وضع على شيء مرتفع ندباً، وأن يكون غسله في خلوة لا يدخلها إلا الغاسل، ومن يعينه، وأن يكون في قميص رقيق لا يمنع وصول الماء، فإن أمكن الغاسل أن يدخل يده في كمه الواسع اكتفى بذلك، وإن لم يمكن شقه من الجانبين، فإن لم يوجد قميص يغسل فيه وجب ستر عورته، ويستحب تغطية وجهه من أول وضعه على المغتسل، وأن يكون الغسل بماء بارد مالح إلا لحاجة، كبرد أو وسخ، فيسخن قليلاً، ثم يجلسه الغاسل على المرتفع برفق، ويجعل يمينه على كتف الميت، وإبهامه على نقرة قفاه، ويسند ظهره بركبته اليمنى، ويمسح بيساره بطنه، ويكرر ذلك مع تحامل خفيف ليخرج ما في بطنه من الفضلات، ويندب أن يكون عنده مجمرة - مبخرة - يفوح منها الطيب، ويكثر من صب الماء كيلا تظهر الرائحة من الخارج؛ ثم بعد ذلك يضجع الميت على ظهره، ويلف الغاسل خرقة على يده اليسرى فيغسل بها سوأتيه وباقي عورته، ثم يلقي الغاسل الخرقة ويغسل يد نفسه بماء وصابون إن تلوثت بشيء من الخارج ثم يلف خرقة أخرى على سبابته اليسرى، وينظف بها أسنان الميت ومنخريه، ولا يفتح أسنانه إلا إذا تنجس فمه، فإنه يفتح أسنانه للتطهير، ثم يوضئه كوضوء الحي بمضمضة واستنشاق ويجب على الغاسل أن ينوي الوضوء بأن يقول: نويت الوضوء عن هذا الميت، على المعتمد، أما نية الغسل فسنة، كما تقدم، ثم يغسل رأسه فلحيته، سواء كان عليهما شعر أو لا، بمنظف، كورق نبق وصابون، ويسرح شعر الرأس واللحية لغير المحرم إن كان متلبداً بمشط ذي اسنان واسعة، ويكون تسريحهما برفق حتى لا يتساقط شيء من الشعر، فإن سقط شيء رد إلى الميت في كفنه، ثم يغسل شقه الأيمن من عنقه إلى قدمه من جهة وجهة ثم شقه الأيسر كذلك، ثم يحركه إلى جنبه الأيسر، فيغسل شقه الأيمن مما يلي قفاه وظهره إلى قدمه، ثم يحركه إلى شقه
    الأيمن فيغسل شقه الأيسر كذلك مستعيناً في كل غسلة بصابون ونحوه، ويحرم كب الميت على وجهه احتراماً له، ثم يصب عليه ماء من رأسه إلى قدمه ليزيل ما عليه من الصابون ونحوه، ثم يصل عليه ماءً قراحاً خالصاً، ويكون فيه شيء من الكافور بحيث لا يغير الماء.
    هذا إذا كان الميت غير محرم، كما تقدم، وهذه الغسلات الثلاث تعد غسلة واحدة، إذ لا يحسب منها سوى الأخيرة لتغير الماء بما قبلها من الغسلات، فهي المسقطة للواجب، ولذا تكون نية الغسل معها لا مع ما قبلها، فإذا اقتصر على ذلك سقط فرض الكفاية، ولكن يسن الغسل ثانية وثالثة بالكيفية السابقة، فيكون عدد الغسلات تسعاً، ولكن التكرار يكون في غسل الرأس والوجه واللحية، أما غسلهما يندب تكراره.
    الحنابلة قالوا: إذا شرع في غسل الميت وجب ستر عورته على ما تقدم، ثم يجرد من ثيابه ندباً، فلو غسل في قميص خفيف واسع الكمين جاز، ويسن ستر الميت عن العيون وأن يكون تحت سقف أو خيمة، ثم يرفع رأسه قليلاً برفق في أول الغسل إلى قريب من جلوسه، إن لم يشق ذلك، ثم يعصر بطنه برفق ليخرج ما عساه أن يكون من أذى، إلا إذا كانت امرأة حاملاً فإن بطنها لا تعصر؛ وعند عصر بطنه يكثر من صب الماء، ليذهب ما خرج، ولا تظهر رائحته وكذلك يكون في مكان الغسل بخور ليهذب بالرائحة، ثم يضع الغاسل على يده خرقة خشنة، فيغسل بها أحد فرجي الميت، ثم يضع خرقة أخرى كذلك فيغسل بها الفرج الثاني، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة، ثم بعد تجريده من ثيابه وستر عورته وغسل قبله ودبره بالكيفية الموضحة ينوي الغاسل غسله، وهذه النية شرط في صحة الغسل، فلو تركها الغاسل لم يصح ثم يقول الغاسل.
    بسم الله، ولا يزيد على التسمية بذلك ولا ينقص، ثم يغسل كفيّ الميت ويزيل ما على بدنه من نجاسة، ثم يلف الغاسل خرقة خشنة على سبابته وإبهامه ويبلها بالماء، ويمسح بها أسنان الميت ومنخريه، وينظفهما بها وتنظيف أسنانه ومنخريه بالخرقة المذكورة مستحب، ثم يسن أن يوضئه في أول الغسلات، كوضوء المحدث ما عدا المضمضة والاستنشاق، وهذا الوضوء سنة، ثم يغسل رأسه ولحيته فقط برغوة ورق النبق ونحوه مما ينظف، ويغسل باقي بدنه بورق النبق ونحوه ويكون ورق النبق ونحوه في كل غسلة منالغسلات، ثم يغسل شقه الأيمن من رأسه إلى رجليه يبدأ بصفحة عنقه، ثم يده اليمنى إلى الكتف، ثم كتفه، ثم
    الشافعية قالوا:
    صدره الأيمن، ثم فخذه وساقه إلى الرجل، ثم يغسل شقه الأيسر كذلك ويقلبه الغاسل على جنبه مع غسل شقيه، فيرفع جانبه الأيمن، ويغسل ظهره ووركه وفخذه، ولا يكبه على وجهه؛ ويفعل بجانبه الأيسر كذلك، ثم يصب الماء القراح على جميع بدنه، وبذلك يتم الغسل مرة واحدة ويجزءى الاقتصار عليها، ولكن السنة أن يكرر الغسل بهذه الكيفية ثلاث مرات؛ كما تقدم وتراً

    (5) المالكية، والحنابلة قالوا: لا يلزم الزوج بتكفين زوجه، ولو كانت فقيرة
    (6) الشافعية قالوا: لا يجوز تكفين الميت إلا بما كان يجوز له لبسه حال حياته، فلا يكفن الرجل ولا الخنثى بالحرير والمزعفر إن وجد غيرهما، وإلا جاز للضرورة، ويكره تكفينهما بالمعصفر أما الصبي والمجنون والمرأة فيجوز تكفينهم بالحرير والمعصفر والمزركش بالذهب أو الفضة مع الكراهة، والأفضل أن يكون الكفن أبيض اللون قديماً مغسولاً، فإن لم يوجد ذلك كفن بما يحل، فإن لم يوجد إلا حرير، وجلد، وحشيش، وحناء معجونة؛ وطين، قدم الحرير على الجلد، والجلد على الحشيش، والحشيش على الحناء المعجونة؛ وهي مقدمة على الطين، ويجب أن يكون الكفن طاهراً، فلا يجوز تكفينه بالمتنجس مع القدرة على الطاهر، ولو كان حريراً، فإن لم يوجد طاهر صلي عليه عارياً ثم كفن بالمتنجس ودفن، وتكره المغالاة في الكفن بأن يكون غالي القيمة كما يكره للحي أن يدّخر لنفسه كفناً حال حياته إلا إذا كان ذلك الكفن من آثار الصالحين فيجوز، ويحرم كتابة شيء من القرآن على الكفن؛ ويكره أن يكون في الكفن شيء غير البياض، كالعصفر ونحوه، ثم الكفن ثلاثة من تركته، ولم يكن عليه دين مستغرق للتركة، ولم يوصي أن يكفن بثوب واحد، وإلا كفن أثواب للذكر والأنثى يستر كل واحد منها جميع بدن الميت إلا رأس المحرم ووجه المحرمة، وهذا إذا كفن بثوب واحد ساتر لجميع بدن غير المحرم، ويجوز الزيادة على ذلك إن تبرع بها غيره، أما من يكفن من بيت المال؛ أو من المال الموقوف على أكفان الموتى فيحرم الزيادة فيه على ثوب واحد، إلا إن شرط الواقف زيادة على ذلك فينفذ شرطه، ويجوز أن يزاد على الثلاثة الأثواب المتقدمة في كفن الرجل قميص تحتها وعمامة على رأسه، ولكن الأفصل والأكمل الاقتصار على الثلاثة فقط، وإنما تجوز الزيادة ما لم يكن في الورثة قاصر أو محجور عليه، وإلا حرمت الزيادة.
    أما الأنثى فالأكمل أن يكون كفنها خمسة أشياء: إزار، فقميص، فخمار، فلفافتان، وكيفيته أن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها ويوضع عليه حنوط - نوع من الطيب - ونحوه كالكافور، وتوضع الثانية فوقها ويوضع عليه الحنوط وكذا الثالثة إن كانت، ثم يوضع الميت فوقها برفق مستلقياً على ظهره؛ وتجعل يداه على صدره، ويمناه على يسراه أو يرسلان في جنبيه، ثم تشد أليتاه بخرقة بعد أن يدس بينهما قطن مندوف عليه حنوط حتى تصل الخرقة إلى حلقة الدبر من غير إدخال، وينبغي أن تكون الخرقة مشقوقة الطرفين على هيئة - الحفاظ - وتلف عليه اللفائف واحدة واحدة بأن يثنى حرفها الذي يلي شقه الأيسر على الأيمن وبالعكس، وينبغي جميع الباقي من الكفن عند رأسه ورجليه وتشد لفائف غير المحرم بأربطة خشية الانتشار عند مله، وتحل الأربطة بعد وضعه في القبر تفاؤلاً بحل الشدائد عنه، ولا يطيب المحرم مطلقاً في كفنه ولا في بدنه ولا في ماء غسله، كما تقدم، كما لا يجوز تكفينه بشيء يحرم عليه لبسه في حال إحرامه، كالمخيط.
    الحنفية قالوا: أحب الأكفان أن تكون بالثياب البيض، سواء كانت جديدة أو خلقة، وكل ما يباح للرجال لبسه في حال الحياة يباح التكفين به بعد الوفاة، وكل ما لا يباح في حال الحياة يكره التكفين فيه، فيكره للرجال التكفين بالحرير والمعصفر والمزعفر ونحوها إلا إذا لم يوجد غيرها، أما المرأة فيجوز تكفينها بذلك وينظر في كفن الرجل إلى مثل ثيابه لخروجه في العيدين، وينظر في كفن المرأة إلى مثل ثيابها عند زيارة أبويها، والكفن ثلاثة أنواع: كفن السنة وكفن الكفاية، وكفن الضرورة، وكل منها إما أن يكون للرجل أو للمرأة، فكف السنة للرجال والنساء قميص وإزار ولفافة، والقميص من اصل العنق إلى القدم، والإزار من قرن الرأس إلى القدم، ومثله اللفافة، ويزاد للمرأة على ذلك خمار يستر وجهها، وخرقة تربط ثدييها، ولا تعمل للقميص أكمام ولا فتحات في ذيله، وتزاد اللفافة عند رأسه وقدمه كي يمكن ربط أعلاها وأسفلها، فلا يظهر من الميت شيء، ويجوز ربط أوسطها بشريط من قماش الكفن إذا خيف انفراجها، وأما كفن الكفاية فهو الاقتصار على الإزار أو اللفافة أو مع الخمار وخرقة الثديين للنساء مع ترك القميص فيهما، فيكفي هذا بدون كراهة، وأما كفن الضرورة فهو ما يوجد حال الضرورة ولو بقدر ما يستر العورة، وإن لم يوجد شيء يغسل ويجعل عليه الإذخر إن وجد، ويصلى على قبره، وإذا كان للمرأة ضفائر وضعت على صدرها بين القميص وإزار، ويندب تبخير الكفن، كما تقدم.
    هذا وإذا كان مال الميت قليلاً وورثته كثيرون، أو كان مديناً يقتصر على كفن الكفاية، وكيفية التكفين أن تبسط اللفافة ثم يبسط عليها إزار، ثم يوضع الميت على الإزار ويقمص ثم يطوى الإزار عليه من قبل اليسار، ثم من قبل اليمين، وأما المرأة فتبسط لها اللفافة والإزار ثم توضع على الإزار وتلبس الدرع، ويجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدرع، ثم يجعل الخمار فوق ذلك، ثم يطوي الإزار واللفافة، ثم الخرقة بعد ذلك تربط فوق الأكفان وفوق القدمين.
    المالكية قالوا: يندب زيادة الكفن على ثوب واحد بالنسبة للرجل والمرأة، والأفضل أن يكفن الرجل في خمسة أشياء: قميص له أكمام وإزار، وعمامة لها "عذبة" قدر ذراع تطرح على وجهه، ولفافتان، وأن تكفن المرأة في سبعة أشياء: إزار، وقميص، وخمار وأربع لفائف، ولا يزاد على ما ذكر للرجل ولا للمرأة إلا - الحفاظ، وهو خرقة تجعل فوق القطن المجعول بين الفخذين مخافة ما يخرج من أحد السبيلين، ويندب أن يكون الكفن أبيض، ويجوز التكفين بالمصبوغ بالزعفران أو الورس - نبت أصفر باليمن -، ويكره المعصفر والأخضر وكل ما ليس بأبيض غير المصبوغ بالزعفران والورس، ويكره أيضاً بالحرير والخز والنجس؛ ومحل الكراهة في ذلك كله إن وجد غيره، وإلا فلا كراهة، ويجب تكفين الميت فيما كان يلبسه لصلاة الجمعة ولو كان قديماً، وإذا تنازع الورثه فطلب بعضهم تكفينه فيما كان يلبسه في الجمعة، وطلب البعض الآخر تكفينه في غيره قضي للفريق الأول، ويندب تبخير الكفن وأن يوضع الطيب داخل كل لفافة وعلى قطن يجعل بمنافذه كأنفه وقمه وعينيه وأذنيه ومخرجه، والأفضل من الطيب الكافور، كما تقدم، ويندب ضفر شعر المرأة وإلقاءه من خلفها.
    الحنابلة قالوا: الكفن نوعان: واجب، ومسنون، فالواجب ثوب يستر جميع بدن الميت مطلقاً، ذكراً كان أو غيره، ويجب أن يكون الثوب مما يلبس في الجمع والأعياء، إلا إذا أوصى بأن يكفن بأقل من ذلك فتنفذ وصيته، ويكره تكفينه فيما هو أعلى من ملبوس مثله في الجمع والأعياد ولو أوصى بذلك، وأما المسنون فمختلف باختلاف الميت، فإن كان رجلاً سن تكفينه في ثلاث لفائف بيض من قطن، ويكره الزيادة عليها، كما يكره أن يجعل له عمامة، وكيفتيه أن تبسط اللفائف على بعضها، ثم تبخر بعود ونحوه، ويوضع الميت عليها، ويسن أن تكون اللفافة الظاهرة أحسن الثلاث، وأن يجعل الحنوط - وهو أخلاط من اطيب - فيما بينها، ثم يجعل قطن محنط بين أليتيه، وتشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالسراويل، ويحسن تطيب الميت كله، ثم يرد طرف اللفافة العليا الأيمن على الشافعية قالوا:
    الميت الأيسر، وطرفها الأيسر على شقه الأيمن، ثم يفعل باللفافة الثانية والثالثة كذلك، ويجعل أكثر الزائد من اللفائف عند رأسه، ثم تربط هذه اللفائف عليه، ثم تحل إذا وضع في القبر، أما الأنثى والخنثى البالغان فيكفنان في خمسة أثواب بيض من قطن وهي: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتان، والكيفية في اللفافتين، كما تقدم، والخمار يجعل على الرأس والإزار في الوسط والقميص يلبس لها؛ ويسن أن يكفن الصبي في ثوب واحد، وأن تكفن الصبية في قميص ولفافتين، ويكره التكفين بالشعر والصوف والمزعفر والمعصفر والرقيق الذي يحدد الأعضاء، أما الرقيق الذي يشق عما تحته فلا يكفي؛ ويحرم التكفين بالجلد والحرير ولو لامرأة، وكذا بالمذهب والمفضض، ويجوز التكفين بالحرير والمذهب والمفضض إن لم يوجد غيرها
    (7) الحنفية قالوا: صفتها أن يقوم المصلي بحذاء صدر الميت، ثم ينوي أداء فريضة صلاة الجنازة عبادة لله تعالى، ثم يكبر للإحرام مع رفع يديه حين التكبير، ثم يقرأ الثناء، ثم يكبر تكبيرة أخرى بدون أن يرفع يديه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر ثالثة بدون رفع يديه أيضاً، ثم يدعو للميت ولجميع المسلمين، والأحسن أن يكون بالدعاء السابق، ثم يكبر رابعة بدون رفع يديه أيضاً، ثم يسلم تسليمتين: إحداهما عن يمينه، وينوي بها السلام على من على يمينه، ثانيتهما: على يساره؛ وينوي بها السلام على من على يساره؛ ولا ينوي السلام على الميت في التسليمتين، ويسر في الكل إلا في التكبير.
    المالكية قالوا: صفتها أن يقوم المصلي عند وسط الميت إن كان رجلاً، وعند منكبيه إن كان امرأة، ثم ينوي الصلاة على من حضر من أموات المسلمين، ثم يكبر تكبيرة الإحرام مع رفع يديه عندها، كما في الصلاة، ثم يدعو، كما تقدم. ثم يكبر تكبيرة ثانية بدون رفع يديه، ثم يدعو أيضاً، ثم يكبر ثالثة بدون رفع يديه، ثم يدعو، ثم يكبر رابعة بدون رفع، ثم يدعو، ثم يسلم تسليمة واحدة على يمينه يقصد بها الخروج من الصلاة، كما تقدم في الصلاة، ولا يسلم غيرها، ولو كان مأموماً؛ ويندب الإسرار بكل أقوالها إلا الإمام فيجهر بالتسليم والتكبير ليسمع المأمومون، كما تقدم، ويلاحظ في كل دعاء أن يكون مبدوءاً بحمد الله تعالى، وصلاة على نبيه عليه السلام.
    الشافعية قالوا: كيفيتها أن يقف الإمام أو المنفرد عند رأسه إن كان ذكراً، وعند عجزه إن كان أنثى أو خنثى، ثم ينوي بقلبه قائلاً بلسانه: نويت أن أصلي أربع تكبيرات على من حضر من أموات المسلمين فرض كفاية لله تعالى، ثم يكبر تكبيرة الإحرام، وإن كان مقتدياً ينوي الاقتداء، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بدون دعاء الافتتاح، ثم يقرأ الفاتحة؛ ولا يقرأ سورة بعدها؛ ثم يكبر التكبيرة الثانية؛ ثم يقول: اللهم صلي ع لى سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد؛ كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما رابكت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم؛ في العالمين؛ إنك حميد مجيد؛ ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو بعدها للميت بأي دعاء آخروي، والأفضل أن يكون بالدعاء المتقدم، ثم يكبر التكبيرة الرابعة، ويقول بعدها: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، ثم يقرأ قوله تعالى: {الذين يحملون العرش، ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم} الآية، ثم يسلم التسليمة الأولى ينوي بها من على يمينه، ثم يسلم الثانية ناوياً بها من على يساره، ويرفع يديه عند كل تكبيرة، ويضعهما تحت صدره، كما في الصلاة.
    الحنابلة قالوا: صفتها أن يقف المصلي عند صدر الذكر، ووسط الأنثى، ثم ينوي الصلاة على من حضر من أموات المسلمين أو على هذا الميت، ونحو ذلك.
    ثم يكبر للإحرام مع رفع يديه، كما في الصلاة ثم يتعوذ، ثم يبسمل، ثم يقرأ الفاتحة، ولا يزيد عليها، ثم يكبر تكبيرة ثانية رافعاً يديه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، كما في التشهد الأخير، ثم يكبر تكبيرة ثالثة مع رفع يديه، ثم يدعو للميت، كما تقدم، ثم يكبر رابعة مع رفع يديه أيضاً، ولا يقول بعدها شيئاً، ويصبر قليلاً ساكتاً، ثم يسلم تسليمة واحدة، ولا بأس بتسليمة ثانية

    (8) الحنفية قالوا: يكفي أن ينوي في نفسه صلاة الجنازة، وبعضهم يقول: لا بد من أن ينوي الصلاة على رجل أو أنثى أو صبي أو صبية، ومن لم يعرف يقول: نويت أن أصلي الصلاة على الميت الذي يصلي عليه الإمام، وذلك لأن الميت سبب للصلاة، ولا بد من تعيين السبب، وهذا هو الظاهر الأحوط، وبعضهم يقول: إنه لا بد مع هذا أن ينوي الدعاء على الميت أيضاً.
    المالكية - قالوا: يكفي أن يقصد الصلاة على هذا الميت، ولا يضر عدم معرفة كونه ذكراً أو أنثى لو اعتقد أنها ذكر فبانت أنثى وبالعكس، فإنه لا يضر، ولا يلزمه أن ينوي الفرضية كما هو رأي الحنفية.
    الشافعية - قالوا: لا بد فيها من أن يقصد صلاة الجنازة. ويقصد أداء فرض صلاتها، وإن لم يصرح بفرض الكفاية، ولا يشترط تعيين الميت الحاضر، فإن عينه وظهر غيره لم تصح.
    الحنفية - قالوا: صفة النية ههنا ذا، هي أن ينوي الصلاة على هذا الميت، أو هؤلاء الموتى إن كانوا جماعة، سواء عرف عددهم أو لا.
    (9) المالكية - قالوا: يجب الدعاء عقب كل تكبيرة حتى الرابعة على المعتمد وأقله أن يقول: اللهم اغفر له، ونحو ذلك، وأحسنه أن يدعو بدعاء أبي هريرة رضي الله عنه، وهو أن يقول بعد حمد الله تعالى، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم:
    اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به؛ اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته؛ اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تقتنا بعده، ويقول في المرأة: اللهم إنها أمتك، وبنت عبدك، وبنت أمتك ويستمر في الدعاء المتقدم بصيغة التأنيث؛ ويقول في الطفل الذكر:
    اللهم إنه عبدك، وابن عبدك أنت خلقته ورزقته، وأنت أمته وأنت تحييه؛ اللهم اجعله لوالديه سلفاً وذخراً، وفرطاً وأجراً، وثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، ولا تفتنا وإياهما بعده، اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهله خيراً من أهله، وعافه من فتنة القبر، وعذاب جهنم؛ فإن كان يصلي على ذكر وأنثى معاً يغلب الذكر على الأنثى، فيقول:
    إنهما عبداك، وابنا عبديك، وابنا أمتيك، الخ. وكذا إذا كان يصلي على جماعة من رجال ونساء، فإنه يغلب الذكور على الإناث؛ فيقول:
    اللهم إنهم عبيدك وابناء عبيدك. الخ.
    فإن كن نسار يقول: اللهم إنهن إماؤك، وبنا عبيدك، وبنا إمائك، كن يشهدْن، الخ؛ وزاد على الدعاء المذكور في الحنفية قالوا: كل ميت بعد التكبيرة الرابعة:
    اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا، ومن سبقنا بالإيمان؛ اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، واغفر للمسليمن والمسلمات، ثم يسلم.
    الحنفية - قالوا: الدعاء يكون بعد التكبيرة الثالثة، ولا يجب الدعاء بصيغة خاصة، بل المطلوب الدعاء بأمور الآخرة، والأحسن أن يدعو بالمأثور في حديث عوف بن مالك، وهو: اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار. هذا إذا كان الميت رجلاً، فإن كان أنثى يبدل ضمير المذكر بضمير الأنثى، ولا يقول: وزوجاً خيراً من زوجها، وإن كان طفلاً يقول: اللهم اجعله لنا فرطاً؛ اللهم اجعله لنا ذخراً وأجراً؛ اللهم اجعله لنا شافعاً ومشفعاً، فإن كان لا يحسن المصلي هذا الدعاء دعا بما شاء.
    الشافعية قالوا: يشترط في الدعاء أن يكون بعد التكبيرة الثالثة طلب الخير للميت الحاضر، فلو دعا للمؤمنين بغير دعاء له بخصوصه لا يكفي إلا إذا كان صبياً، فإنه يكفي كما يكفي الدعاء لوالديه، وأن يكون المطلوب به أمراً أخروياً.
    كطلب المغفرة والرحمة، ولو كان الميت غير مكلف، كالصبي والمجنون الذي بلغ مجنوناً واستمر كذلك إلى الموت، ولا يتقيد المصلي في الدعاء بصيغة خاصة، ولكن الأفضل أن يدعو بالدعاء المشهور عند الأمن من تغير رائحة الميت. فإن خيف ذلك وجب الاقتصار على الأقل، والدعاء المشهور هو:
    اللهم هذا عبدك وابن عبدك، خرج من روح الدنيا وسعتها، ومحبوبه وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك، وأنت أعلم به منا، اللهم إنه نزل بك، وأنت خير منزول به، وأصبح فقيراً إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، ولقه برحمتك رضاك، وقِهِ فتنة القبر وعذابه، وأفسح له في قبره؛ وجافي الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه آمناً إلى جنتك برحمتك يا ارحم الراحمين؛ ويستحب أن يقول قبله: اللهم اغغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا، فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا، فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره.
    ويندب أن يقول قبل الدعاءين المذكورين: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأعذه من عذاب القبر وفتنته، ومن عذاب النار، وينبغي أن يلاحظ قارئ الدعاء التذكير والتأنيث والتثنية والجمع بما يناسب حال الميت الذي يصلي عليه، وله أن يذكر مطلقاً بقصد الشخص، وأن يؤنث مطلقاً بقصد الجنازة، ويصح أن يقول في الدعاء على الصغير بدل الدعاء المذكور:
    اللهم اجعله فرطاً لأبويه، وسلفاً وذخراً وعظة واعتباراً وشفيعاً، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتهما بعده، ولا تحرمهما أجره.
    هذا، ويسن أن يرفع يديه عند كل تكبيرة.
    الحنابلة قالوا: محل الدعاء بعد التكبيرة الثالثة، ويجوز عقب الرابعة، ولا يصح عقب سواهما، وأقل الواجب بالنسبة للكبير: اللهم اغفر له ونحوه، وبالنسبة للصغير: اللهم اغفر لوالديه بسببه، ونحو ذلك، والمسنون الدعاء بما ورد، ومنه اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا إنك نعلم متقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا، فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، وأفسح له قبره ونور له فيه، وهذا الدعاء للميت الكبير ذكراً كان أو أنثى، إلا أنه يؤنث الضمائر في الأنثى، وإن كان الميت صغيراً أو بلغ مجنوناً واستمر على جنونه حتى مات قال في الدعاء:
    اللهم اجعله دخراً لوالديه، وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موزاينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم، يقال ذلك في الذكر والأنثى، إلا أنه يؤنث في المؤنث
    (10) الحنفية قالوا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية مسنونة وليست ركناً.
    المالكية قالوا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مندوبة عقب كل تكبيرة قبل الشروع في الدعاء
    (11) الحنفية قالوا: قراءة الفاتحة بنية التلاوة في صلاة الجنازة مكروهة تحريماً، أما بنية الدعاء فجائزة.
    الشافعية قالوا: قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ركن من أركانها، والأفضل قراءتها بعد التكبيرة الأولى، وله قراءتها بعد أي تكبيرة، ومتى شرع فيها بعد أي تكبيرة وجب إتمامها، ولا يجوز قطعها ولا تأخيرها إلى ما بعدها، فإن فعل ذلك بطلت صلاته، ولا فرق بين المسبوق وغيره.
    الحنابلة قالوا: قراءة الفاتحة فيها ركن، ويجب أن تكون بعد التكبيرة الأولى.
    المالكية قالوا: قراءة الفاتحة فيها مكروهة تنزيهاً
    (12) الحنابلة قالوا: تجوز الصلاة على الغائب إن كان بعد موته بشهر، فأقل.
    الشافعية قالوا: تصح الصلاة على الغائب عن البلد من غير كراهة
    (13) المالكية قالوا: الواجب حضور الميت، وأما وضعه أمام المصلي بحيث يكون عند منكبي لمرأة ووسط الرجل فمندوب
    (14) الشافعية، والمالكية قالوا: تجوز الصلاة على الميت المحمول على دابة، أو أيدي الناس، أو أعناقهم
    (15) الحنفية قالوا: يسن الثناء بعد التكبيرة الأولى، وهو:
    سبحانك اللهم وبحمدك، إلى آخر ما تقدم في
    "سنن الصلاة" والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، والدعاء على القول بأنه ليس ركناً؛ ويندب أن يقوم الإمام بحذاء صدر الميت، سواء كان ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً.
    ويندب أيضاً أن تكون صفوف المصلين عليه ثلاثة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليه ثلاثة صفوف غفر له" فلو كان عدد المصلين سبعة قدم واحد، ثم ثلاثة؛ ثم اثنان، ثم واحد.
    المالكية قالوا: ليس لصلاة الجنازة سنن، بل لها مستحبات، وهي الإسرار بها؛ ورفع اليدين عند التكبيرة الأولى فقط حتى يكونا حذو أذنيه، كما في الإحرام لغيرها من الصلوات، وابتداء الدعاء بحمد الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم؛ ووقوف الإمام والمنفرد على وسط الرجل، وعند منكبي المرأة، ويكون رأس الميت عن يمينه، رجلاً كان أو امرأة، إلا في الروضة الشريفة، فإنه يكون عن يساره ليكون جهة القبر الشريف؛ وأما المأموم فيقف خلف الإمام كما يقف في غيرها من الصلاة، وقد تقدم في صلاة الجماعة؛ وجهر الإمام بالسلام والتكبير بحيث يسمع من خلفه، وأما غيره فيسر فيها.
    الحنابلة قالوا: سننها فعلها في جماعة، وأن لا ينقص عدد كل صف عن ثلاثة إن كثر المصلون، وإن كانوا ستة جعلهما الإمام صفين، وإن كانوا أربعة جعل كل اثنين صفاً، ولا تصح صلاة من صلى خلف الصف كغيرها من الصلاة، وأن يقف الإمام والمنفرد عند صدر الذكر، ووسط الأنثى، وأن يسر بالقراءة والدعاء فيها.
    الشافعية قالوا: سننها التعوذ قبل الفاتحة؛ والتأمين بها، والإسرار بكل الأقوال التي فيها، ولو فعلت ليلاً، إلا إذا احتيج لجهر الإمام أو المبلغ بالتكبير والسلام فيجهران بهما، وفعلها في جماعة؛ وأن يكون ثلاثة صفوف إذا أمكن، وأقل الصف اثنان ولو بالإمام، ولا تكره مساواة المأموم للإمام في الوقوف حينئذ، وأكمل الصلاة على النبي عليه السلام، وقد تقدم في سنن الصلاة؛ والصلاة على الآل دون السلام عليهم وعلى النبي عليه السلام؛ والتحميد قبل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الصلاة على النبي؛ والدعاء المأثور في صلاة الجنازة؛ والتسليمة الثانية؛ وأن يقول بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، ثم يقرأ الآية {الذين يحملون العرش، ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم، ويؤمنون به} الآية.
    وأن يقف الإمام أو المنفرد عند رأس الذكر، وعند عجز الأنثى أو الخنثى؛ وأن يرفع يديه عند كل تكبيرة، ثم يضعهما تحت صدره، وأن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق صلاته، وأن تكرر الصلاة عليه من أشخاص متغايرين، أما إعادتها ممن أقاموها أولاً فمكروهة، ومن السنن ترك دعاء الافتتاح وترك السورة، ويكره أن يصلي عليه قبل أن يكفن
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 476 الى صــــــــ490
    الحلقة (65)

    [مبحث الأحق بالصلاة على الميت]
    في الأحق بالصلاة على الميت اختلاف في المذاهب؛ مذكورة تحت الخط (1) .
    [إذا زاد الإمام في التكبير على أربع أو نقص]
    أولاً: إذا زاد الإمام في التكبير على أربع أو نقص عنها ففي متابعة المأمومين إياه صحة الصلاة تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
    [إذا فات المصلي تكبيرة أو أكثر مع الإمام]
    إذا جاء المأموم إلى الصلاة الجنازة فوجد الإمام قد كبر قبله تكبيرة أو أكثر من تكبيرة، ففي حكمه تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (3) .
    [هل يجوز تكرار الصلاة على الميت]
    يكره تكرار الصلاة على الجنازة، فلا يصلي عليها إلا مرة واحدة حيث كانت الصلاة الأولى جماعة، فإن صلى أولاً بدون جماعة أعيدت ندباً في جماعة ما لم تدفن، عند الحنفية؛ والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة، كما هو مذكور تحت الخط (4) .
    [هل يجوز الصلاة على الميت في المساجد]
    تكره الصلاة على الميت في المساجد، وإن كان الميت خارج المسجد، كما يكره إدخاله في المسجد من غير صلاة، عند الحنفية، والمالكية، أما الحنابلة؛ والشافعية؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط (5) .
    [مبحث الشهيد]
    في حد الشهيد وحكمه وأقسامه تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (6) .
    [[مباحث مختلفة]]
    [حكم حمل الميت وكيفيته]

    حمل الميت إلى المقبرة فرض كفاية، كغسله وتكفينه والصلاة عليه، وفي كيفيته المسنونة تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (7) .
    [حكم تشييع الميت، وما يتعلق به]
    وأما تشييعه فهو سنة،
    وقال المالكية:
    إنه مندوب، والأمر سهل، ويندب أن يكون المشيع ماشياً، ويكره الركوب إلا لعذر، فيجوز له ذلك، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) ، ويندب للمشيع أن يتقدم أمام الجنازة إن كان ماشياً، وأن يتأخر عنها إن كان راكباً، عند المالكية، والحنابلة؛ وخالف الحنفية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (9) ،
    ويندب أن يكون قريباً منها عرفاً:
    باتفاق ثلاثة،
    وقال المالكية:
    لا يندب ذلك ويندب الإسراع بالسير في الجنازة إسراعاً وسطاً، بحيث يكون فوق المشي المعتاد، وأقل من الهرولة، ويكره للنساء أن يشيعن الجنائز، إلا إذا خيف منهن الفتنة، فيكون تشييعهن للجنائز حراماً، باتفاق الشافعية والحنابلة؛ أما الحنفية، والمالكية فانظر مذهبيهما تحت الخط (10) ،ويسن أن يكون المشيعون سكوتاً، فيكره لهم رفع الصوت، ولو بالذكر، وقراءة القرآن، وقراءة البردة، والدلائل ونحوها، ومن أراد منهم أن يذكر الله تعالى، فليذكره في سره، وكذلك يكره أن تتبع الجنازة بالمباخر والشموع.
    لما روي:
    "لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار"، وإذا صاحب الجنازة منكر - كالموسيقى والنائحة - فعلى المشيعين أن يجتهدوا في منعه، فإن لم يستطيعوا فلا يرجعوا عن تشييع الجنازة، باتفاق ثلاثة،
    وقال الحنابلة: إذا عجز عن إزالة المنكر حرم عليه أن يتبعها، لما فيه من إبرار المعصية، والأفضل أن يسير المشيع إلى القبر، وينتظر إلى تمام الدفن، ولكن لا كراهة في الرجوع، سواء رجع قبل الصلاة أو بعدها، عند الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (11) ، أما جلوس المشيع قبل وضع الجنازة على الأرض ففيه تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (12) .هذا، ويكره أن يقوم الناس عند مرور الجنازة عليهم وهم جلوس، باتفاق ثلاث،
    وقال الشافعية:
    يستحب القيام عند رؤية الجنازة على المختار.[مبحث البكاء على الميت، وما يتبع ذلك]يحرم البكاء على الميت برفع الصوت والصياح، عند المالكية، والحنفية، وقال الشافعية،
    والحنابلة: إنه مباح، أما هطل الدموع بدون صياح فإنه مباح باتفاق؛ وكذلك لا يجوز الندب؛
    وهو عد محاسن الميت بنحو قوله:
    واجملاه، واسنداه، ونحو ذلك، ومنه ما تفعله النائحة "المعددة" كما لا يجوز صبغ الوجوه، ولطم الخدود، وشق الجيوب،
    لقوله صلى الله عليه وسلم:
    "ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري؛ ومسلم.
    هذا ولا يعذب الميت ببكاء أهله المحرم عليه، إلا إذا أوصى به، وإذا علم أنه أهله سيكون عليه بعد الموت، وظن أنهم لو أوصاهم بتركه امتثلوا ونفذوا وصيته، وجب عليه أن يوصيهم بتركه، وإذا لم يوص عذب ببكائهم عليه بعد الموت.
    [حكم دفن الميت، وما يتعلق به]
    دفن الميت فرض كفاية إن أمكن، فإن لم يمكن، كما إذا مات في سفينة بعيدة عن الشاطئ ويتعسر أن ترسو على مكان يمكن دفنه به قبل تغير رائحته، فإنه يرتبط بمثقل، ويلقى في الماء، وعند إمكان دفنه يجب أن يحفر له حفرة في الأرض، وأقلها عمقاً ما يمنع ظهور الرائحة ونبش السباع، وما زاد على ذلك، ففيه تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (13) ، أما أقلها طولاً وعرضاً، فهو ما يسع الميت ومن يتولى دفنه، ولا يجوز وضع الميت على وجه الأرض والبناء عليه من غير حفرة، إلا إذا لم يمكن الحفر، ثم إن كانت الأرض صلبة فيسن فيها اللحد، وهو أن يحفر أسفل القبر من جهة القبلة حفرة تسع الميت،
    والمالكية يقولون:
    إن اللحد في الأرض الصلبة مستحب لا سنة، وإن كانت رخوة فيباح فيها الشق، وهو أن يحفر في الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (14) ، ويسقف بعد وضع الميت، وهذا حيث تعذر اللحد، ويجب وضع الميت في قبره مستقبل القبلة، وهذا الوجوب متفق عليه إلا عند المالكية،
    فإنهم قالوا:
    إن هذا مندوب لا واجب. ويسن أن يوضع الميت في قبره على جنبه الأيمن،
    وأن يقول واضعه:
    بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، باتفاق ثلاثة؛
    وزاد المالكية أمرين:
    أحدهما: أنه يندب وضع يده اليمنى على جسده بعد وضعه في القبر،
    وأن يقول القائم بوضعه:
    اللهم تقبله بأحسن قبول، وإذا ترك شيء من هذه الأشياء بأن وضع الميت غير موجه للقبلة أو جعل رأسه موضع رجليه أو وضع على ظهره أو على شقه الأيسر، فإن أهيل عليه التراب لم ينبش القبر بقصد تدارك ذلك، أما قبل إهالة التراب عليه،فينبغي تدارك ما فات من ذلك، ولو برفع اللبن بعد وضعه، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والمالكية، وقال الشافعية،
    والحنابلة:
    إذا دفن غير موجه للقبلة.
    فإنه يجب نبش القبر ليحوله إلى القبلة، ويستحب أن يسند رأس الميت ورجلاه بشيء من التراب أو اللبن في قبره؛ ويكره أن يوضع الميت في صندوق إلا لحاجة، كنداوة الأرض ورخاوتها، كما يكره وضع وسادة أو فراش أو نحو ذلك معه في قبر - باتفاق الحنفية؛ والشافعية؛ أما المالكية؛ والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (15) ، ثم بعد دفن الميت في اللحد أو الشق وسد قبره باللبن ونحوه يستحب أن يحثو كل واحد ممن شهد دفنه ثلاث حثيات من التراب بيديه جميعاً، ويكون من قبل رأس الميت،
    ويقول في الأولى:
    {منها خلقناكم} ،
    وفي الثانية:
    {وفيها نعيدكم} ،
    وفي الثالثة:
    {ومنها نخرجكم تارة أخرى} ثم يهال عليه بالتراب حتى يسد قبره؛ وقال المالكية،
    والحنابلة:
    لا يقرأ شيئاً من القرآن عند حثو التراب؛ ويندب ارتفاع التراب فوق القبر بقدر شبر، ويجعل كسنام البعير، باتفاق ثلاثة،
    وقال الشافعية:
    جعل التراب مستوياً منظماً أفضل من كونه كسنام البعير، ويكره تبييض القبر بالجبس أو الجير، أما طلاؤه بالطين فلا بأس به، لأنه لا يقصد به الزينة، عند ثلاثة،
    وقال المالكية:
    طلاء القبر أحجاء أو خشب أو نحو ذلك، إلا إذا خيف ذهاب معالم القبر، فيجوز وضع ذلك للتمييز، أما إذا قصد به التفاخر والمباهاة فهو حرام؛ وهذا متفق عليه، إلا عند الشافعية،
    فإنهم قالوا:
    يسن وضع حجر أو نحوه عند رأس القبر لتمييزه، أما الكتابة على القبر ففيها تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (16) .
    [اتخاذ البناء على القبور]
    يكره أن يبنى على القبر بيت أو قبة أو مدرسة أو مسجد أو حيطان تحدق به - كالحيشان - إذا لم يقصد بها الزينة والتفاخر، وإلا كان ذلك حراماً، وهذا إذا كانت الأرض غير مسبلة ولا موقوفة؛ والمسبلة هي التي اعتاد الناس الدفن فيها، ولم يسبق لأحد ملكها؛
    والموقوفة:
    هي ما وقفها مالك بصيغة الوقف، كقرافة مصر التي وقفها سيدنا عمر رضي الله عنه أما المسبلة والموقوفة فيحرم فيهما البناء مطلقاً، لما في ذلك من الضيق والتحجير على الناس، وهذا الحكم متفق عليه بين الأئمة،
    إلا أن الحنابلة قالوا:
    إن البناء مكروه مطلقاً، سواء كانت الأرض مسبلة أو لا، والكراهة في المسبلة أشد؛ وبذلك تعلم حكم ما ابتدعه الناس من التفاخر في البنيان على القبور، وجعلها قصوراً ومساكن قد لا يوجد مثلها في مساكن كثير من الأحياء، ومن الأسف أنه لا فرق في هذه الحالة بين عالم وغيره.
    [القعود والنوم وقضاء الحاجة والمشي على القبور]
    يكره القعود والنور على القبر، ويحرم البول والغائط ونحوهما، كما تقدم في باب "قضاء الحاجة" وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (17) ويكره المشي على القبور إلا لضرورة، كما إذا لم يصل إلى قبر ميته إلا بذلك، باتفاق؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (18) .
    [نقل الميت من جهة موته]
    وفي نقل الميت من الجهة التي مات فيها إلى غيرها قبل الدفن وبعده تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (19) .
    [نبش القبر]
    يحرم نبش القبر ما دام يظن بقاء شيء من عظام الميت فيه،
    ويستثنى من ذلك أمور:
    منها أن يكون الميت قد كفن بمغصوب، وأبى صاحبه أن يأخذ القيمة، ومنها أن يكون قد دفن في أرض مغصوبة، ولم يرص مالكها ببقائه، ومنها أن يدفن معه مال بقصد أو بغير قصد، سواء كان هذا المال له أو لغيره، وسواء كان كثيراً أو قليلاً، ولو درهماً، سواء تغير الميت أو لا، وهذا متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (20) .
    [دفن أكثر من واحد في قبر واحد]
    دفن أكثر من ميت واحد في قبر واحد فيه تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (21) ، وإذا وقع ذلك جعل الأفضل جهة القبلة ويليه المفضول، ويلاحظ تقديم الكبير على الصغير، والذكر على الأنثى ونحو ذلك؛ ويندب أن يفصل بين كل اثنين بتراب، ولا يكفي الفصل بالكفن، وإذا بلي الميت وصار تراباً في قبره جاز نبش القبر وزرعه والبناء عليه وغير ذلك، باتفاق إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (22) .
    [التعزيه]
    التعزيه لصاحب المصيبة مندوبة، ووقتها من حين الموت إلى ثلاثة أيام، وتكره بعد ذلك، إلا إذا كان المعزِّي أو المعزَّى غائباً، فإنها لا تكره حينئذ بعد ثلاثة أيام؛ وليس للتعزيه صيغة خاصة؛ بل يعزي كل واحد بما يناسب حاله، وهذا متفق عليه إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (23) ، والأولى أن تكون التعزيه بعد الدفن، وإذا اشتد بهم الجزع فتكون قبل الدفن أولى، باتفاق، وللمالكية تفصيل في ذلك، فانظره تحت الخط (24) .
    ويستحب أن تعم التعزيه جميع أقارب الميت نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً؛ إلا المرأة الشابة، فإنه لا يعزيها إلا محارمها دفعاً للفتنة وكذا الصغير الذي لا يميز، فإنه لا يعزى، ويكره لأهل المصيبة أن يجلسوا لقبول العزاء، سواء أكان في المنزل أم في غيره، عند الشافعية، والحنابلة،
    وقال الحنفية:
    إنه حلاف الأولى،
    وقال المالكية:
    إنه مباح، أما الجلوس على قارعة الطريق، وفرش البسط ونحوها مما اعتاد الناس فعله فهو بدعة منهي عنها، وإذا عزي أهل الميت مرة كره تعزيتهم مرى أخرى؛ باتفاق ثلاثة،
    وقال المالكية:
    لا تكره تعزيتهم مرة أخرى.

    الشافعية قالوا: سننها التعوذ قبل الفاتحة؛ والتأمين بها، والإسرار بكل الأقوال التي فيها، ولو فعلت ليلاً، إلا إذا احتيج لجهر الإمام أو المبلغ بالتكبير والسلام فيجهران بهما، وفعلها في جماعة؛ وأن يكون ثلاثة صفوف إذا أمكن، وأقل الصف اثنان ولو بالإمام، ولا تكره مساواة المأموم للإمام في الوقوف حينئذ، وأكمل الصلاة على النبي عليه السلام، وقد تقدم في سنن الصلاة؛ والصلاة على الآل دون السلام عليهم وعلى النبي عليه السلام؛ والتحميد قبل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الصلاة على النبي؛ والدعاء المأثور في صلاة الجنازة؛ والتسليمة الثانية؛ وأن يقول بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، ثم يقرأ الآية {الذين يحملون العرض، ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم، ويؤمنون به} الآية. وأن يقف الإمام أو المنفرد عند رأس الذكر، وعند عجز الأنثى أو الخنثى؛ وأن يرفع يديه عند كل تكبيرة، ثم يضعهما تحت صدره، وأن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق صلاته، وأن تكرر الصلاة عليه من أشخاص متغايرين، أما إعادتها ممن أقاموها أولاً فمكروهة، ومن السنن ترك دعاء الافتتاح وترك السورة، ويكره أن يصلي عليه قبل أن يكفن
    (1) الحنفية قالوا: يقدم في الصلاة عليه السلطان إن حضر، ثم نائبه وهو أمير المصر، ثم القاضي، ثم صاحب الشرطة، ثم إمامه الحي إذا كان أفضل من ولي الميت، ثم ولي الميت على ترتيب العصبة في النكاح، فيقدم الابن، ثم ابن الابن، وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد، وإن علا، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ الأب، ثم ابن الأخ الشقيق، وهكذا الأقرب فالأقرب، كما هو مفصل في "باب النكاح" فإن لم يكن له ولي، قدم الزوج، ثم الجيران، وإذا أوصى لأحد بأن يصلي عليه أو بأن يغسله فهي وصية باطلة لا تنفذ، ولمن له الحنفية قالوا: التقدم أن يأذن غيره في الصلاة.
    الحنابلة قالوا: الأولى بالصلاة عليه إماماً: الوصي العدل، فإذا أوصى بأن يصلي عليه شخص عدل قدم على غيره، ثم السلطان، ثم نائبه، ثم أب الميت، وإن علا، ثم ابنه، وإن نزل. ثم الأقرب فالأقرب على ترتيب الميراث، ثم ذوو الأرحام، ثم الزوج، فإن تساوى الأولياء في القرب كإخوة أو أعمام، قدم الأفضل منهم على ترتيب الإمامة، وقدم تقدم في صلاة الجماعة، فإن تساووا في جميع جهات التقديم أقرع بينهم عند التنازع، وإذا أناب الولي عنه واحداً كان بمنزلته، فيقدم على من يليه في الرتبة، بخلاف نائب الوصي، فلا يكون بمنزلته.
    الشافعية قالوا: الأولى بإمامتها أب الميت، وإن علا، ثم ابنه، وإن سفل، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، وهكذا على ترتيب الميراث. فإن لم يكن قريب قدم معتق الميت، ثم عصبته الأقرب فالأقرب، ثم الإمام الأعظم، أو نائبه، ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب، ويقدم الأسن في الإسلام العدل عند التساوي في درجة، كابنين، ثم الأفقه، والأقرأ، والأورع؛ وإذا أوصى بالصلاة عليه لغير من يستحق التقدم ممن ذكر فلا تنفذ وصيته.
    المالكية قالوا: الأحق بالصلاة على الميت من أوصى الميت بأن يصلي عليه إذا كان الإيصاء لرجاء بركة الموصى له، وإلا فلا، ثم الخليفة، وهو الإمام الأعظم، وأما نئبه فلا الحنفية قالوا: له في التقدم، إلا إذا كان نائباً عنه في الحكم والخطبة، ثم أقرب العصبة، فيقدم الابن، ثم ابنه، ثم الأخ ثم ابن الأخ، ثم الجد، ثم العم، ثم ابن العم، وهكذا، فإن تعددت العصبة المتساوون في القرب من الميت تقدم الأفضل منهم لزيادة فقه، أو حديث، ونحو ذلك، ولا الحنفية قالوا: لخروج غير عصبة الميت، في التقدم بخلاف السيد فله الحق، ويكون بعد العصبة، فإن لم يوجد عصبة ولا سيد، فالأجانب سواء إلا أنه الأفضل منهم، كما في صلاة الجماعة، وقد تقدم
    (2) الحنفية قالوا: إذا زاد الإمام عن أربع، فالمقتدي لا يتابعه في الزيادة، بل ينتظر حتى يسلم معه، وصحت صلاة الجميع، أما إذا نقص عنها فتبطل صلاة الجميع إن كان النقص عمداً، فإن كان سهواً فالحكم كحم نقص ركعة في الصلاة، إلا أنه لا سجود للسهو في صلاة الجنازة. وقد تقدم حكم نقصان ركعة في الصلاة.
    الشافعية قالوا: لو زاد عن الأربع فلا يتابعه المأموم، بل ينوي المفارقة بقلبه ويسلم قبله أو ينتظره ليسلم معه، والأفضل الانتظار، وتصح صلاة الكل، إلا إذا والى الإمام رفع يديه في التكبيرات الزائدة ثلاث مرات، فإن الصلاة تبطل عليه وعلى المأمومين إن انتظروه، وإن نقص عنها بطلت عليه وعلى المأمومين إن كان النقص عمداً، فإن كان سهواً تداركه كالصلاة، ولا سجود للسهو هنا.
    المالكية قالوا: إذا زاد الإمام عن الأربع عمداً أو سهواً كره للمأمومين أن ينتظروه، بل يسلمون دونه وصحت صلاته وصلاتهم، وإن نقص عنها عمداً وهو يرى ذلك مذهباً له فلا يتبعه المأمومون في النقص، بل يكملون التكبير أربعاً، وصحت صلاة الجميع، وأما إذا نقص عمداً وهو لا يرى ذلك مذهباً، فإن صلاته تبطل، صلاة المأمومين تبعاً لبطلان صلاته، فإن نقص سهواً سبح له المأمومون، فإن رجع عن قرب، وكمل التكبير كملوه معه وصحت صلاة الجميع، وإن لم يرجع ولم يتنبه إلا بعد زمن طويل، كما تقدم في الصلاة كملواهم، وصحت صلاتهم، وبطلت صلاته.
    الحنابلة قالوا: إذا زاد الإمام عن أربع تكبيرات تابعه المأمومون في الزيادة إلى سبع تكبيرات، فإن زاد عن السبع نبهوه، ولا يجوز لهم أن يسلموا قبله، وتصح صلاة الجميع، وإن نقص عنها، فإن كان عمداً، بطلت صلاة الجميع، وإن كان سهواً، فلا يسلم المأمومون، بل ينبهونه، فإن أتى بما تركه عن قرب صحت صلاة الجميع، وإن طال الفصل أو وجد من الإمام مناف للصلاة بطلت صلاة الإمام، وتبطل صلاة المأمومين إن لم ينووا المفارقة، وإلا صحت
    (3) الحنفية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام قد فرغ من التكبيرة الأولى، واشتغل بالثناء، أو الثانية، واشتغل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ أو الثالثة، واشتغل بالدعاء فلا يكبر في الحال، بل ينتظر إمامه ليكبر معه، فإن لم ينتظره وكبر فلا تفسد صلاته، ولكن لا تحتسب هذه التكبيرة، ثم بعد سلام الإمام يأتي المسبوق بالتكبيرات التي فاتته إن لم ترفع الجنازة فوراً فإن رفعت فوراً سلم ولا يقضي ما فاته من التكبيرات، فلو جاء بعد أن كبر الإمام التكبيرة الرابعة، وقبل أن يسلم، فالصحيح أن يدخل معه ثم يتمم بعد سلامه، على التفصيل السابق.
    المالكية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام مشتغلاً بالدعاء فإنه يجب عليه أن لا يكبر، وينتظر حتى يكبر الإمام، فيكبر معه، فإن لم ينتظر وكبر صحت صلاته، ولا تحتسب هذه التكبيرة في حالة الانتظار وعدمه، وإذا سلم الإمام قام المأموم بقضاء ما فاته من التكبير، سواء رفعت الجنازة فوراً، أو لئلا يكون مصلياً على غائب، والصلاة على الغائب ممنوعة، كما تقدم، أما إذا جاء المأموم، وقد فرغ الإمام ومن معه من التكبيرة الرابعة، فلا يدخل معه على الصحيح لأنه في حكم التشهد، فلو دخل معه يكون مكرراً للصلاة على الميت، وتكرارها مكروه.
    الحنابلة قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام قد كبر التكبيرة الأولى، واشتغل بالقراءة أو الثانية، واشتغل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو الثالثة، واشتغل بالدعاء؛ فإنه يكبر فوراً ولا ينتظر الإمام حتى يرجع إلى التكبير، ثم يتبع الإمام فيما يفعله، ثم يقضي بعد سلام إمامه ما فاته على صفته، بأن يقرأ الفاتحة بعد أول تكبيرة يأتي بها بعد سلام الإمام، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية إن لم يخف رفع الجنازة فإن خشي رفعها كبر تكبيراً متتابعاً بدون دعاء ونحوه، وسلم، ويجوز له أن يسلم بدون أن يقضي ما فاته، كما يجوز له أن يدخل مع الإمام بعد التكبيرة الرابعة، ثم يقضي الثلاثة استحباباً.
    الشافعية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام قد فرغ من التكبيرة الأولى أو غيرها، واشتغل بما بعدها من قراءة أو غيرها فإنه يدخل معه، ولا ينتظر حتى يكبر التكبيرة الثالثة؛ إلا أنه يسير في صلاته على نظم الصلاة لو كان منفرداً، فبعد أن يكبر التكبيرة الأولى يقرأ من الفاتحة ما يمكنه قراءة قبل تكبير الإمام، ويسقط عنه الباقي، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية وهكذا، فإذا فرغ الإمام أتم المأموم صلاته على النظم المذكور، سواء بقيت الجنازة أو رفعت، وإذا لم يمكنه قراءة شيء من الفاتحة بأن كبر إمامه عقب تكبيره هو للإحرام كبر معه وتحمل الإمام عنه كل الفاتحة
    (4) الشافعية قالوا: تسن الصلاة على الجنازة مرة أخرى لمن لم يصلِّ أولاً، ولو بعد الدفن.
    الحنابلة قالوا: يجوز تكرار الصلاة على الجنازة لمن لم يصلِّ أولاً، ولو بعد الدفن، كما تقدم، ويكره التكرار لمن صلى أولاً
    (5) الحنابلة قالوا: تباح الصلاة على الميت في المساجد إن لم يخش تلويث المسجد، وغلا حرمت الصلاة عليه وحرم إدخاله.
    الشافعية قالوا: يندب الصلاة على الميت في المسجد
    (6) الحنفية قالوا: الشهيد هو من قتل ظلماً، سواء قتل في حرب أو قتله باغ أو حربي أو قاطع طريق أو لص، ولو كان قتله بسبب غير مباشر، وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: الشهيد الكامل وهو شهيد الدنيا والآخرة، ويشترط في تحقق الشهادة الكاملة ستة شروط،
    وهي: العقل، البلوغ، والإسلام والطهارة من الحدث الأكبر، والحيض، والنفاس، وأن يموت عقب الإصابة بحيث لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، ولا يتداوى ولا ينتقل من مكان الإصابة إلى خيمته أو منزله حياً، ولا يمضي عليه وقت الصلاة، وأن يجب بقتله القصاص، وإن رفع القصاص لعارض، كصلح ونحوه، أما إذا وجب بقتله عوض مالي، كما إذا قتل خطأ فإنه لا يكون كامل الشهادة، ويدخل في هذا القسم من قتل مدافعاً عن ماله أو نفسه أو المسلمين أو أهل الذمة ولكن بشرط أن يقتل بمحدد، وحكم هذا القسم من الشهداء أن لا يغسل إلا لنجاسة أصابته غير دمه، ويكفن في أثوابه بعد أن ينتزع عنه ما لا يصلح للكفن مثل الفرو والحشو والقلنسوة والخف والسلاح، والدرع، بخلاف السراويل، وكذلك الحشو والفرو إذا لم يوجد غيرهما؛ ثم يزاد إن نقص ما عليه عن كفن السنة، وينقص إن زاد ما عليه عن ذلك، ويصلي عليه، ويدفن بدمه وثيابه، الثاني: من الشهداء شهيد الآخرة فقط، وهو كل من فقد شرطاً من الشروط السابقة بأن قتل ظلماً؛ وهو جنب أو حائض أو نفساء، أو لم يمت عقب الإصابة، أو كان صغير أو مجنوناً، أو قتل خطأ ووجب بقتله مال، فهؤلاء ليسوا كاملي الشهادة إلا أنهم شهداء في الآخرة، لهم الأجر الذي وعد به الشهداء يوم القيامة فيجب تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم كغيرهم، ومثل هؤلاء في شهادة الآخرة، الغرقى، والحرقى، ومن مات بسقوط جدران عليه وكذلك الغرباء والموتى بالوباء، وبداء الاستسقاء، أو الإسهال، أو ذات الجنب، أو النفاس؛ أو السل؛ أو الصرع؛
    أو الحمى، أو لدغ العقرب ونحوه، كالموتى في أثناء طلب العلم، والموتى ليلة الجمعة، ومثل هؤلاء يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم. وإن كان لهم أجر الشهداء في الآخرة، الثالث الشهيد في الدنيا فقط، وهو المنافق الذي قتل في صفوف المسلمين ونحوه، وهذا لا يغسل، ويكفن في ثيابه، ويصلى عليه اعتباراً بالظاهر.
    الحنابلة قالوا: الشهيد هو من مات بسبب قتال كفار حين قيام القتال، ولو كان غير مكلف، أو كان غالاً - بأن كتم من الغنيمة شيئاً - رجلاً كان أو امرأة، وحكمه أن يحرم غسله والصلاة عليه، ويجب دفنه بثيابه التي قتل فيها، إلا إذا وجب عليه غسل غير غسل الإسلام قبل قتله، فإنه يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه بدمه الذي عليه، إلا إذا كانت عليه نجاسه غير الدم، فإنه يجب غسلها، ويجب نزع ما كان عليه من سلاح أو جلود، وأن لا يزاد أو ينقص من ثيابه التي قتل فيها، فإن سلبت عنه وجب تكفينه في غيرها، ومثل الشهيد المتقدم، المقتول ظلماً بأن قتل وهو يدافع عن عرضه أو ماله ونحو ذلك، فإنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يكفن، بل يدفن بثيابه، بخلاف من تردى عن دابته في الحرب، أو عن شاهق جبل بغير فعل العدو فمات بسبب ذلك، أو عاد سهمه إليه فمات؛ أو وجد بغير المعركة ميتاً، أو جرح ثم حمل، فأكل أو شرب، أو عطش، أو طال بقاؤه عرفاً فإنه يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه كغير الشهداء، وإن كان من الشهداء يوم القيامة، والشهيد الذي تقدم بيانه، هو شهيد الدنيا والآخرة وهناك شهيد الآخرة، وهو من لم تتوفر فيه الشروط السابقة، إلا أن الآثار الصحيحة دلت على أنه من الشهداء يوم القيامة، وذلك نحو من مات بالطاعون، أو وجع البطن، أو الغرق، أو الشرق، أو بالحرق؛ أو بالهدم، أو بذات الجنب، أو بالسل، أو اللقوة، أو سقط من فوق جبل، أو مات في سبيل الله؛ ومنه من مات في الحج، أو طلب العلم، أو خرج من بيته للقتال في سبيل الله بنية الشهادة والمقتول مدافعاً عن دينه أو عرضه أو ماله أو نفسه، ومن قتلته السباع وغير ذلك.
    المالكية قالوا: الشهيد هو من قتله كافر حربي أو قتل في معركة بين المسلمين والكفار، سواء كان القتال ببلاد الحرب، أو ببلاد الإسلام، كما إذا غزا الحربيون المسلمين، وحكم الشهيد المذكور أنه يحرم تغسيله والصلاة عليه، ولو لم يقاتل، بأن كان غافلاً أو نائماً ثم قتل، وكذلك إذا قتله مسلم يظنه كافراً، أو داسته الخيل، أو رجع عليه سيفه أو سهمه فقتله، أو تردى في بئر أو سقط من شاهق جبل فمات، فكل هؤلاء يحرم تغسليهم والصلاة عليهم، ولا فرق بين الجنب وغيره؛ إنما يشترط أن لا يرفع من المعركة حيا؛ فإن رفع حيا غسل وصلي عليه، إلا إذا رفع مغموراً
    - والمغمور هو الذي لا يأكل ولا يشرب؛ ولا يتكلم
    - فهذا كالمرفوع ميتاً، فلا يغسل؛ ولا يصلي عليه؛ ويجب دفن الشهيد بثيابه التي مات فيها متى كانت مباحة، ولا يزاد عليها إن سترت جميع بدنه، فإن لم تستر جميع بدنه زيد عليها ما يستره؛ ولا ينزع خفه، ولا قلنسوته - وهي ما يتعمم عليه؛ وتسمى الطاقية
    - ولا تنزع منطقته، وهي ما يشد في وسطه إن كان ثمنها قليلاً؛ وكذلك يبقى خاتمه إن قل ثمن فصه، وكان الخاتم من فضة.
    وإلا نزع ودفن بدونه. وينزع عنه آلة الحرب كالسيف والدرع؛ والشهيد المذكور يشمل شهيد الدنيا والآخرة، وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وشهيد الدنيا فقط وهو من قاتل للغنيمة؛ وأما شهيد الآخرة فقط وهو المبطون والغريق والحريق ونحوهم والمقتول ظلماً في غير قتال الحربيين ولم يقتله حربي فهو كغيره من الموتى في غسله وغيره.
    فيجب تغسيله والصلاة عليه. ولا يجب دفنه في ثيابه وشهيد الآخرة المذكور له في الآخرة الأجر الوارد في الشرع إن شاء الله تعالى، وأما شهيد الدنيا فقط فلا أجر له في الآخرة، وإن كان يعامل معاملة الشهداء في الدنيا، كما تقدم.
    الشافعية قالوا: الشهيد ثلاثة أقسام:
    "1" شهيد الدنيا والآخرة، وهو من قاتل الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى من غير رياء ولا غلول من الغنيمة - الغلول هو الأخذ من الغنيمة قبل قسمها بين المجاهدين
    - "2" شهيد الدنيا فقط، وهو من قاتل بهدم أو غرق أو نحوها، كالمقتول ظلماً، والقسمان الأولان يحرم تغسيلهما والصلاة عليهما، ولو كان بهما حدث أصغر أو أكبر. ولا فرق بين أن يقتل واحد من القسمين المذكورين بسلاح كافر أو مسلم خطأ، وكذا من يقتل بسلاح نفسه. بأن يرجع عليه سلاحه فيقتله، أو يسقط عن دابته فيموت، أو تطأه الدواب، أو نحو ذلك، ولا فرق أيضاً بين أن يموت في الحال أو يبقى حياً بعد الإصابة، بشرط أن يكون بذلك السبب قبل انقضاء الحرب، أو يموت بعد انقضاء الحرب إذا كانت حياته غير مستقرة بأن لم يبق فيه إلا حركة مذبوح، ويجب تكفينه، ويسن أن يكفن بثيابه، وتكمل بما يستره إن لم تستره، ويندب أن ينزع عنه آلات الحرب، كالدرع والخف والفروة والسلاح ونحوها، وأما القسم الثالث فهو شهيد في ثواب الآخرة فقط، وأما في الدنيا فهو كغيره من الموتى يغسل ويصلي عليه، ويلاحظ فيه كل ما تقدم مما يتعلق بسائر الموتى، وتجب إزالة النجاسة من على بدن من يحرم غسله سوى دم الشهادة، ولو أدى إزالتها إلى إزالة دم الشهادة
    (7) الحنفية قالوا: يحصل أصل السنة في حمل الجنازة بأن يحملها أربعة رجال على طريق التعاقب، بأن تحمل من كل جانب عشر خطوات، وأما كمال السنة فيحصل بأن يبتدأ الحامل بحمل يمين مقدم الجنازة، فيضعه على عاتقه الأيمن عشر خطوات، ثم ينتقل إلى المؤخر الأيمن فيضعه على عاتقه الأيمن عشر خطوات أيضاً، ثم ينتقل إلى المقدم الأيسر فيحمله على عاتقه الأيسر كذلك ثم ينتقل إلى المؤخر الأيسر فيضعه على عاتقه الأيسر كذلك، ويكره أن تحمل على الكتف ابتداء، بل السنة أن يأخذ قائمة السرير بيده أولاً، ثم يضعها على كتفه، ويكره حمله بين عمودين بأن يحملها رجلان: أحدهما في المقدم، والآخر في المؤخر، إلا عند الضرورة، وكيفية حمل الصغير الرضيع أو الفطيم أو فوق ذلك قليلاً هي أن يحمله رجل واحد على يديه، ويتداوله الناس بالحمل على أيديهم، ولا بأس بأن يحمله على يديه وهو راكب، ويكره حمل الكبير على الدابة ونحوها إلا لضرورة؛ ويندب أن يسرع بالسير بالجنازة إسراعاً غير شديد، بحيث لا يضطرب به الميت في نعشه؛ ويغطى نعش المرأة ندباً، كما يغطي قبرها عند الدفن إلى أن يفرغ من لحدها، إذ المرأة عورة من قدمها إلى قرنها، فربما يبدو شيء منها، وإذا تأكد ظهور شيء منها وجبت التغطية.
    الحنابلة قالوا: يسن أن يحمل الجنازة أربعة رجال بحيث يحمل كل واحد منهم من كل قائمة من القوائم الأربع مرة بأن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة حال السير على كتفه اليمنى، ثم يدعها لغيره، وينتقل إلى القائمة اليسرى المؤخرة ويضعها على كتفه اليمنى أيضاً، يم يدعها لغيره، ثم يضع القائمة اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى، ثم يدعها لغيره، ثم ينتقل إلى القائمة اليمنى المؤخرة، فيضعها على كتفه اليسرى أيضاً، ولا يكره الحمل بين قائمتي السرير، وكذلك لا يكره حمل الطفل على يديه من غير نعش، ولا يكره حمل الجنازة على دابة إذا كان لحاجة، كبعد المقبرة ونحو ذلك، ومن السنة ستر نعش المرأة بغطاء مثل القبة يوضع فوق النعش، يصنع من خشب أو جريد، وفوقه ثوب.
    المالكية قالوا: حمل الميت ليس له كيفية معينة، فيجوز أن يحمله أربعة أشخاص وثلاثة واثنان بلا كراهة؛ ولا يتعين البدء بناحية من السرير - النعش - والتعين من البدع؛ ويندب حمل ميت صغير على الأيدي، وكره حمله في نعش لما فيه من التفاخر، ويندب أن يجعل على المرأة ما يستر سريرها كالقبة، لأنه أبلغ في الستر المطلوب بالنسبة لها، وكره فرش النعش بحرير، وأما ستر النعش بالحرير فجائز إذا لم يكن ملوناً، وإلا كره.
    الشافعية قالوا: للحمل كيفيتان كل منهما حسن:
    أولاً: التثليث، وصفته أن يحمل ثلاثة من الرجال بحيث يكون الأول حاملاً لمقدم السرير يضع طرفيه على كتفيه، ورأسه بينهما، ثم يحمل المؤخر رجلان كل منهما يضع طرفاً على عاتقه، وهذه الكيفية أفضل من التربيع الآتي؛
    ثانياً التربيع، وهو أن يحمله أربعة: اثنان يحملان مقدم سرير الميت واثنان يحملان مؤخره، بحيث يضع من على يمين الميت طرف السرير على عاتقه الأيسر، ومن على يسار الميت يضع الطرف الآخر على عاتقه الأيمن؛ ويجب في حمل الميت أن لا يكون بهيئة تنافي الكرامة، كأن يحمل ميت كبير على اليد والكتف ونحو ذلك، بخلاف الصغير؛ ويسن أن يغطي نعش المرأة بغطاء أو يوضع عليه نحو قبة، لأنه أستر، ويجوز ستر غطاء نعشها بحرير، وكذا نعش الطفل على المعتمد، أما الرجل فلا يجوز ستر نعشه بالحرير
    (8) الحنفية قالوا: لا بأس بالركوب في الجنازة، والمشي أفضل، إلا أنه إذا كان المشيع راكباً كره له أن يتقدم الجنازة، لأنه يضر بمن خلفه بإثارة الغبار
    (9) الحنفية قالوا: الأفضل للمشيع أن يمشي خلفها، ويجوز أن يمشي أمامها، إلا إن تباعد عنها، أو تقدم على جميع الناس، فإنه يكره المشي أمامها حينئذ، أما المشي عن يمينها أو يسارها فهو خلاف الأولى.
    هذا إذا لم يكن خلف الجنازة نساء يخشى الاختلاط بهن، أو كان فيهن نائحة، فإن كان ذلك فالمشي أمامها يكون أفضل.
    الشافعية قالوا: إن المشيع شفيع، فيندب أن يقدم أمام الجنازة، سواء كان راكباً أو ماشياً
    (10) المالكية قالوا: إذا كانت المرأة مسنة جاز لها أن تشيع الجنازة مطلقاً، وتكون في سيرها متأخرة عنها وعن الراكب من الرجال إن وجد. وإن كانت شابة لا يخشى منها الفتنة جاز خروجها لجنازة من يعز عليها، كأب وولد وزوج وأخ، وتكون في سيرها كما تقدم، وأما من يخشى من خروجها الفتنة فلا يجوز خروجها مطلقاً.
    الحنفية قالوا: تشييع النساء للجنازة مكروه تحريماً مطلقاً
    (11) المالكية، والحنفية قالوا: يكره الرجوع قبل الصلاة مطلقاً، وأما بعد الصلاة فلا يكره الرجوع إن أذن به أهل البيت؛ وزاد المالكية أنه يكره الرجوع إذا طالت المسافة، ولو بغير إذن
    (12) المالكية قالوا: يجوز ذلك بلا كراهة.
    الحنفية قالوا: يكره ذلك تحريماً إلا لضرورة.
    الحنفية قالوا: يجوز ذلك لمن كان بعيداً عن الجنازة، ويكره لمن كان قريباً منها.
    الشافعية قالوا: يسن أن لا يقعد حتى توضع
    (13) المالكية قالوا: يكره الزيادة في العمق على ذلك لغير حاجة.
    الحنفية قالوا: يسن أن يكون أقل العمق مقدار نصف قامة رجل متوسط، وما زاد على ذلك فهو أفضل.
    الشافعية قالوا: يسن الزيادة في العمق إلى قدر قامة رجل متوسط الخلقة باسط ذراعيه إلى السماء.
    الحنابلة قالوا: يسن تعميق القبر من غير حد معين
    (14) المالكية، والشافعية قالوا: يستحب الشق في الأرض الرخوة، وهو أفضل من اللحد فليس هو مباح فقط، كما يقول الآخرون.
    الشافعية قالوا: يسن أن يقول واضعه. بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم افتح أبواب السماء لروحه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، ووسع له في قبره
    (15) الحنابلة قالوا: إن وضع الميت في صندوق ونحوه مكروه مطلقاً.
    المالكية قالوا: إن دفن الميت في التابوت - الصندوق ونحوه خلاف الأولى
    (16) المالكية قالوا: الكتابة على القبر إن كانت قرآنا حرمت، وإن كانت لبيان اسمه، أو تاريخ موته، فهي مكروهة.
    الحنفية قالوا: الكتابة على القبر مكروهة تحريماً مطلقاً، إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره.
    الشافعية قالوا: الكتابة على القبر مكروهة، سواء كانت قرآنا أو غيره، إلا إذا كان قبر عالم أو صالح، فيندب كتابة اسمه، وما يميزه ليعرف.
    الحنابلة قالوا: تكره الكتابة على القبور من غير تفصيل بين عالم وغيره.
    فهذه نصوص المذاهب الربعة.
    فلعل الناس يرجعون إلى دينهم ويتركون التفاخر بكتابة النقوش المذهبة ونحوها على القبور، فإن المقام مقام عظة واعتبار، لا مقام مباها، وافتخار
    (17) الحنفية قالوا: القعود والنوم على القبر مكروه تنزيهاً، والبول والغائط ونحوهما مكروه تحريماً.
    المالكية قالوا: الجلوس على المقابر جائز، وكذا النوم، أما التبول ونحوه فحرام
    (18) المالكية قالوا: يكره المشي على القبر إن كان مسنماً والطريق دونه، وإلا جاز، كما يجوز المشي عليه إذا لم يبق من الميت جزء مشاهد، ولو كان القبر مسنماً
    (19) المالكية قالوا: يجوز نقل الميت قبل الدفن وبعده من مكان إلى آخر بشروط ثلاثة: أولها: أن لا ينفجر حال نقله، ثانيها: أن لا تهتك حرمته بأن ينقل على وجه يكون فيه تحقير له، ثالثها: أن يكون نقله لمصلحة، كأن يخشى من طغيان البحر على قبره، أو يراد نقله إلى مكان له قيمة، أو إلى مكان قريب من أهله، أو لأجل زيارة أهله إياه فإن فقد شرط من هذه الشروط الثلاثة حرم النقل.
    الحنفية قالوا: يستحب أن يدفن الميت في الجهة التي مات فيها، ولا بأس بنقله من بلدة إلى أخرى قبل الدفن عند أمن تغير رائحته، أما بعد الدفن فيحرم إخراجه ونقله، إلا إذا كانت الأرض التي دفن فيها مغصوبة، أو أخذت بعد دفنه بشفعة.
    الشافعية قالوا: يحرم نقل الميت قبل دفنه من محل موته إلى آخر ليدفن فيه ولو أمن من تغيره، إلا إن جرت عادتهم بدفن موتاهم في غير بلدتهم، ويستثنى من ذلك من مات في جهة قريبة من مكة، أو المدينة المنورة، أو بيت المقدس، أو قريباً من مقبرة قوم صالحين فإنه يسن نقله إليها إذا لم يخش تغير رائحته، وإلا حرم، وهذا كله إذا كان قد تم غسله وتكفينه والصلاة عليه في محل موته، وأما قبل ذلك فيحرم مطلقاً، وكذلك يحرم نقله بعد دفنه إلا لضورة، كمن دفن في أرض مغصوبة فيجوز نقله إن طالب بها مالكها.
    الحنابلة قالوا: لابأس بنقل الميت من الجهة التي مات فيها إلى جهة بعيدة عنها، بشرط أن يكون النفل لغرض صحيح، كأن ينفل إلى بقعة شريفة ليدفن فيها أو ليدفن بجوار رجل صالح، وبشرط أن يؤمن تغير رائحته، ولا فرق في ذلك بين أن يكون قبل الدفن أو بعده

    (20) المالكية قالوا: إذا دقن مع الميت مال نسياناً، كأن سقطت ساعة أو خاتم أو دنانير أو دراهم حال الدفن، وأهيل عليها التراب، فلا يخلو، إما أن تكون مملوكة له قبل موته، أو هي ملك لغيره، فإن كانت مملوكة لغيره فإن له أن ينبش القبر ويخرج ماله إن لم يتغير الميت، وإلا يجبر على أخذ قيمة ماله من التركة مثلياً، كالدراهم والدنانير، وقيمته إن كان مقوماً، كالثياب.
    هذا إذا كان ملكاً لغير الميت، أما إذا كان ملكاً له فتتركه الورثة جبراً عند تغير الميت، ولو كانت له قيمة، أما إذا لم يتغير الميت، وكانت له قيمة، فإن لهم نبش القبر؛ وأيضاً إنما ينبش القبر لإخراج المال إذا لم يطل الزمن بحيث يظن تلف المال، وإلا فلا ينبش، لأنه لا فائدة في نبشه في هذه الحالة (21)
    الحنفية قالوا: يكره ذلك إلا عند الحاجة، فيجوز عند الحاجة دفن أكثر من واحد.
    المالكية قالوا: يجوز جمع أموات بقبر واحد لضرورة، كضيق المقبرة، ولو كان الجمع في أوقات، كأن تفتح المقبرة بعد الدفن فيها لدفن ميت آخر، وأما عند عدم الضرورة فيحرم جمع أموات في أوقات، ويكره في وقت واحد.
    الشافعية، والحنابلة قالوا: يحرم ذلك إلا لضرورة، ككثرة الموتى، وخوف تغيرهم أو لحاجة، كمشقة على الأحياء
    (22) المالكية قالوا: إذا بلي الميت ولم يبق منه جزء محسوس جاز نبش القبر للدفن فيه، والمشي عليه، وأما زرعه والبناء عليه، فلا يجوز، لأنه بمجرد الدفن صار حبساً لا يتصرف فيه بغير الدفن، سواء بقي الميت أو فني

    (23) الحنفية قالوا: يستحب أن يقال للمصاب: "غفر الله تعالى لميتك. وتجاوز عنه وتعمده برحمتك، ورزقتك الصبر على مصيبته، وآجرك على موته، وأحسن صيغة في هذا الباب صيغة رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله ما أخذ؛ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى" فيحسن أن يضيفها إلى ما ذكر
    (24) المالكية قالوا: الأولى أن يكون العزاء بعد الدفن مطلقاً، وإن وجد منهم جزع شديد



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصيام]
    صـــــ 490 الى صــــــــ504
    الحلقة (66)

    [مبحث ذبح الذبائح، وعمل الأطعمة في المآتم]
    ومن البدع المكروهة ما يفعل الآن من ذبح الذبائح عند خروج الميت، من البيت، أو عند القبر،
    وإعداد الطعام لمن يجتمع للتعزيه:
    وتقديمه لهم كما يفعل ذلك في الأفراح ومحافل السرور وإذا كان في الورثة قاصر عن درجة البلوغ، حرم إعداد الطعام وتقديمه، روى الإمام أحمد،
    وابن ماجة عن جرير بن عبد الله قال:
    "كنا نعد الإجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة".
    أما إعداد الجيران والأصدقاء طعاماً لأهل الميت وبعثه لهم، فذلك مندوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد جاءهم ما يشغلهم"، ويلح عليهم في الأكل، لأن الحزن قد يمنعهم منه.
    [خاتمة في زيارة القبور]
    زيارة القبور مندوبة للاتعاظ وتذكر الآخرة، وتتأكد يوم الجمعة، ويوماً قبلها، ويوماً بعدها، عند الحنفية، والمالكية، وخالف الحنابلة، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) وينبغي للزائر الاشتغال بالدعاء والتضرع والاعتبار بالموتى وقراءة القرآن للميت، فإن ذلك ينفع الميت على الأصح،
    ومما ورد أن يقول الزائر عند رؤية القبور:
    "اللهم رب الأرواح الباقية والأجسام البالية، والشعور المتمزقة، والجلود المتقطعة، والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أنزل عليها روحاً منك وسلاماً مني"،
    ومما ورد أيضاً أن يقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شار الله بكم لاحقون" ولا فرق في الزيارة بين كون المقابر قريبة أو بعيدة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، بل يندب السفر لزيارة الموتى
    خصوصاً مقابر الصالحين: أما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهي من أعظم القرب، وكما تندب زيارة القبور للرجال تندب أيضاً للنساء العجائز اللاتي لا يخشى منهن الفتنة إن لم تؤد زيارتهن إلى ندب أو النياحة، وإلا كانت محرمة. أما النساء التي يخشى منهن الفتنة، ويترتب على خروجهن لزيارة القبور مفاسد، كما هو الغالب على نساء هذا الزمان، فخروجهن للزيارة حرام، باتفاق الحنفية، والمالكية، أما الحنابلة، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، وينبغي أن تكون الزيارة مطابقة لأحكام الشريعة، فلا يطوف حول القبر ولا يقبل حجراً، ولا عتبة ولا خشباً، ولا يطلب من المزور شيئاً إلى غير ذلك.
    [كتاب الصيام]
    [[مباحث عامة]]
    [تعريف الصيام]
    معنى الصيام في اللغة مطلق الإمساك عن الشيء، فإذا أمسك شخص عن الكلام، أو الطعام فلم يتكلم، ولم يأكل،
    فإنه يقال له في اللغة:
    صائم، ومن ذلك قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوماً} أي صمتاً وإمساكاً عن الكلام، وأما معناه في اصطلاح الشرع فهو الإمساك عن المفطرات يوماً كاملاً، من طلوع الفجر الصادق، إلى غروب الشمس، بالشروط الآتي بيانها. وهذا التعريف متفق عليه بين الحنفية؛ والحنابلة، أما المالكية والشافعية فإنهم يزيدون في آخره كلمة "بنيّة"، وذلك لأن النية ليست بركن من أركان الصيام عند الحنفية، والحنابلة، فليست جزءاً من التعريف، على أنها شرط لازم لا بد منه، فمن لم ينو بالكيفية الآتي بيانها، فإن صيامه يبطل، باتفاق؛ ومن هذا تعلم أن الخلاف في كون النية شرطاً أو ركناً فلسفة فقهية يحتاج إلى معرفتها طلبة العلم، أما إيرهم فإنهم ملزمون بمعرفة أن نية الصيام لازمة؛ فلا يصح الصيام بدونها.
    [أقسام الصيام]
    اتفق المالكية، والشافعية،
    والحنابلة على أن الصيام ينقسم إلى أربعة أقسام:

    أحدها صيام مفروض، وهو صيام شهر رمضان أداءً وقضاءً، وصيام الكفارات، والصيام المنذور،
    ثانيها: الصيام المسنون،
    ثالثها:
    الصيام، المحرم،
    رابعها:
    الصيام المكروه وسيأتي بيان كل قسم من هذه الأقسام عند الثلاثة،
    أما الحنفية فقالوا:
    إن أقسام الصيام كثيرة، فانظرها تحت الخط (4) .
    [القسم الأول: الصيام المفروض]
    قد عرفت أن الصيام المفروض هو صيام شهر رمضان أداءً وقضاءً، وصيام الكفارات، والصيام المنذور. وعرفت أن هذا القدر متفق عليه عند الأئمة، وإن كان بعض الحنفية يخالف في الصيام المنذور،
    ويقول:
    إنه واجب لا فرض،
    وإليك بيان الصيامات المذكورة على هذا الترتيب:
    [صيام شهر رمضان - دليله]
    هو فرض عين على كل مكلف قادر على الصوم، وقد فرض في عشر من شهر شعبان بعد الهجرة بسنة ونصف، ودليل الكتاب والسنة والإجماع،
    أما الكتاب فقد قال تعالى:
    {يا أيها الذين آمنوا كتِبَ عليكم الصيام} إلى قوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} فشهر رمضان خير لمبتدأ محذوب تقديره هو شهر رمضان، أي المكتوب عليكم صيامه، هو شهر رمضان ... الخ،
    وقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ،
    وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم:
    "بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر، وأما الإجماع فقد اتفقت الأمة على فرضيته، ولم يخالف أحد من المسلمين، فهي معلومة من الدين بالضرورة، ومنكرها كافر، كمنكر فرضية الصلاة، والزكاة، والحج.
    [أركان الصيام]
    للصيام ركن واحد عند الحنفية، والحنابلة، وهو الإمساك عن المفطرات الآتي بيانها، أما المالكية والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (5) .
    [شروط الصيام]
    تنقسم شروط الصيام الى: شروط وجوب، وشروط صحة، وشروط أداء، على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (6) .
    [ثبوت شهر رمضان]
    يثبت شهر رمضان بأحد أمرين:
    الأول: رؤية هلاله إذا كانت السماء خالية مما يمنع الرؤية من غيم أو دخان أو غبار أو نحوها:
    الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا لم تكن السماء خالية مما ذكر لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لريته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"؛ رواه البخاري عن أبي هريرة،
    ومعنى الحديث:
    أن السماء إذا كانت صحواً أمر الصوم متعلقاً برؤيته الهلال، فلا يجوز الصيام إلا إذا رئي الهلال، أما إذا كان بالسماء غيم، فإن المرجع في ذلك يكون إلى شعبان، بمعنى أن نكمله ثلاثين يوماً.
    بحيث لو كان ناقصاً في حسابنا نلغي ذلك النقص، وإن كان كاملاً وجب الصوم، وهذه القاعدة وضعها الشارع الذي أمر بالصيام، فهو صاحب الحق المطلق في نصب العلامات التي يريدها،
    وهو قد قال لنا:
    إن كانت السماء صحواً، ويمكن رؤية الهلال، فارصدوه؛ وصوموا عند رؤيته، وإلا فلا، أما إذا كانت غيماً، فلنرجع إلى حساب شهر شعبان، ونكمله ثلاثين يوماً وبهذا أخذ ثلاثة من الأئمة وخالف الحنابلة حال الغيم عملاً بلفظ آخر ورد في حديث آخر، وهو صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فاقدروا له.
    فقالوا:
    إن معنى "فاقدروا له" احتاطوا له بالصوم؛ وقد احتج الحنابلة لذلك بعمل ابن عمر راوي الحديث، فقد ثبت أنه كان إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك، وإن لم ير، ولم يحل دون منظره سحاب؛ وقتر، أصبح مفطراً، وإن حال أصبح صائماً.
    ولا يقال لهذا اليوم:
    يوم شك في هذه الحالة؛ بل الشك عندهم لا يوجد إلا إذا كان اليوم صحواً، وتقاعد الناس عند رؤية الهلال، وقد ذكرنا مذهب الحنابلة تحت الخط (7) ، أما كيفية إثبات الهلال، ففيها تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (8) .
    [إذا ثبت الهلال بقطر من الأقطار]
    إذا ثبت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائل الأقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقاً، عند ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) .
    [هل يعتبر قول المنجم؟]
    لا عبرة بقول المنجمين، فلا يجب عليهم الصوم بحاسبهم، ولا على من وثق بقولهم، لأن الشارع علق الصوم على أمارة ثابتة لا تتغير أبداً، وهي رؤية الهلال أن إكمال العدة ثلاثين يوماً أما قول المنجمين فهو إن كان مبنياً على قواعد دقيقة، فإنا نراه غير منضبط، بدليل اختلاف آرائهم في أغلب الأحيان، وهذا هو رأي ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (10) .
    [حكم التماس الهلال]
    يفترض على المسلمين فرض كفاية أن يلتمسوا الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان ورمضان حتى يتبينوا أمر صومهم وإفطارهم،
    ولم يخالف في هذا سوى الحنابلة فقالوا:
    إن التماس الهلال مندوب لا واجب؛ ولا يخفى أن رأي غيرهم هو المعقول، لأن صيام رمضان من أركان الدين؛ وقد علق على رؤية الهلال فكيف يكون طلب الهلال مندوباً فقط، وإذا رئي الهلال نهاراً قبل الزوال أو بعده وجب صوم اليوم الذي يليه إذا كانت الرؤية في آخر شعبان، ووجب إفطار اليوم الذي يليه إن كان آخر رمضان، ولا يجب عند رؤية الهلال الإمساك في الصورة الأولى، ولا الإفطار في الثانية، وهذا الحكم عند المالكية، والحنفية، وخالف الشافعية، والحنابلة؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (11) .
    [هل يشترط حكم الحاكم في الصوم؟]
    لا يشترط في ثبوت الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس حكم الحاكم. ولكن لو حكم بثبوت الهلال بناء على أي طريق في مذهبه وجب الصوم على عموم المسلمين. ولو خالف مذهب البعض منهم. لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وهذا متفق عليه، إلا عند الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) .
    [ثبوت شهر شوال]
    يثبت شهر شوال برؤية هلاله كبعاً، وفي كيفية تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (13) فإن لم يرهلال شوال وجب إكمال رمضان ثلاثين.
    فإذا تم رمضان ثلاثين يوماً ولم يلا هلال شوال، فإما أن تكون السماء صحواً أو لا، فإن كانت صحواً فلا يحل الفطر في صبيحة تلك الليلة، بل يجب الصوم في اليوم التالي؛ وكذب شهود هلال رمضان، وإن كانت غير صحو وجب الإفطار في صبيحتها واعتبر ذلك اليوم من شوال؛ عند الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط (14) .
    [مبحث صيام يوم الشك]
    في تعريف يوم الشك وحكم صومه تفصيل في المذاهب. فانظره تحت الخط (15) .

    (1) الحنابلة قالوا: لا تتأكد الزيارة في يوم دون يوم.
    الشافعية قالوا: تتأكد من عصر يوم الخميس إلى طلوع شمس يوم السبت. وهذا قول راجح عند المالكية
    (2) الحنابلة قالوا: القبور إذا كانت بعيدة لا يوصل إليها إلا بسفر فزيارتها مباحة لا مندوبة
    (3) الحنابلة، والشافعية قالوا: يكره خروج النساء لزيارة القبور مطلقاً، سواء كن عجائز أو شواب إلا إذا علم أن خروجهن يؤدي إلى فتنة أو وقوع محرم. وإلا كانت الزيارة محرمة
    (4) الحنفية: قد اختلفت آراؤهم في الصيام المنذور، سواء كان معيناً. وهو نذر صوم يوم بعينه. كيوم الخميس مثلاً. أو غير معين. كنذر صيام يوم أو شهر بدون تعيين فمنهم من قال: إن قضاء هذا النذر واجب لا فرض. وقد عرفت مما تقدم أن الواجب عندهم بمعنى السنة المؤكدة، فلا يعاقب تاركه بالنار. وإن كان يحرم من شفاعة النبي المختار. وحجة هذا القائل أن الوفاء بالنذر ثبت بقوله تعالى: {وليوفوا نذورهم} وهذه الآية ليست قطعية الدلالية. لأن من نذر معصية فإنه لا يلزمه الوفاء بها. ومتى خصصت الآية ينذر المعصية. فإنها لا تكون قطعية الدلالة.
    على فرضية الوفاء بالنذر وأيضاً فقد فرق الحنفية بين قضاء الصلاة المنذورة وقضاء الصلاة المفروضة، فقالوا: لو نذر شخص أن يصلي لله ركعتين مثلاً، فإنه لا يصح له أن يصليهما بعد صلاة العصر، بخلاف ما لو فاتته صلاة الصبح مثلاً، فإن له أن يصليهما بعد صلاة العصر، فدل ذلك على أن النذر واجب لا فرض لاختلافه عن الفرض في الأداء، ومنهم من قال: إن الوفاء بالنذر فرض، فمن نذر أن يصوم يوماً معيناً أو أكثر، أو نذر أن يصوم يوماً بغير تعيين، فإنه يفترض عليه الوفاء بهذا النذر، ولم تثبت الفرضية بآية {وليوفوا نذورهم} وإنما ثبتت بالإجماع، وهذا الرأي هو الراجح عند الحنفية، وبه قال غيرهم من الأئمة، فعلى الرأي الأول تنقسم الصيامات عندهم إلى ثمانية أقسام: أحدها: الصيامة المفروض فرضاً معيناً، كصوم رمضان أداءً في وقته، ثانيها: الصيام المفروض فرضاً غير معين، كصوم رمضان قضاءً في غير وقته؛ فمن فاته صيام شهر رمضان أو بعضه، فإنه لا يلزمه أن يقضيه في وقت خاص، ومثله صوم الكفارات، فإنه فرض غير معين، ثالثها: صيام واجب معين، كالنذر المعين، رابعها: صيام واجب غير معين، كالنذر المطلق، خامسها: صيام النفل، سادسها الصيام المسنون سابعها: الصيام المستحب، ثامنها: المكروه تنزيهاً أو تحريماً، فالأقسام عنده ثمانية، أما على الرأي الثاني فإنها تنقسم إلى سبعة أقسام:
    الأول: فرض معين، وهو ماله وقت خاص كصوم رمضان أداء، والنذر المعين،
    الثاني: فرض غير معين، وهو ما ليس له وقت خاص؛ كصوم رمضان قضاءً، والنذر غير المعين؛
    الثالث: الواجب؛ وهو صوم التطوع بعد الشروع فيه، فمن أراد أن يتطوع بصوم يوم الخميس مثلاً. ثم شرع فيه فإنه يجب عليه أن يتمه، بحيث لو أفطر يأثم إثماً صغيراً، كما تقدم، وكذلك يجب عليه قضاؤه إذا أفطره.
    ومثله صوم الاعتكاف غير المنذور، فإنه واجب كذلك،
    الرابع: الصيام المحرم،
    الخامس: الصيام المسنون،
    السادس، صيام النفل: السابع: الصيام المكروه، وسيأتي بيان كل قسم منها
    (5) المالكية: اختلفوا، فقال بعضهم: إن للصيام ركنين:
    أحدهما: الإمساك،
    ثانيهما: النية، فمفهوم الصيام لا يتحقق إلا بهما، ورجح بعضهم أن النية شرط لا ركن، فمفهوم الصيام يتحقق بالإمساك فقط.
    الشافعية قالوا: أركان الصيام ثلاثة: الإمساك عن المفطرات، والنية، والصائم، فمفهوم الصيام عندهم لا يتحقق إلا بهذه الثلاثة، وقد عرفت أن الحنابلة، والحنفية يقولون: إن النية والصائم شرطان خارجان عن مفهوم الصيام، ولكن لا بد منهما
    (6) الشافعية قالوا: تنقسم شروط الصيام إلى قسمين:
    شروط وجوب، وشروط صحة، أما شروط وجوبه فأربعة:
    أحدها البلوغ، فلا يجب الصيام على الصبي، ولكن يؤمر به لسبع سنين إن أطاقه، ويضرب على تركه لعشر سنين، ووافقهم على هذه الحنفية؛ أما
    المالكية فقد قالوا:
    لا يجب على الولي أمر الصبي بالصيام، ولا يندب، ولو كان الصبي مراهقاً؛
    الحنابلة قالوا: المعول في ذلك على القدرة والإطاقة، فإذا كان الصبي مراهقاً يطيق الصيام، فيجب على الولي أن يأمره به، ويضربه إذا امتنع؛
    ثاينها: الإسلام، فلا يجب على الكافر وجوب مطالبة، وإن كان يعاقب عليه في الآخرة؛ أما المرتد فإنه يجب عليه وجوب مطالبة فيطلب منه بعد عوده إلى الإسلام،
    ثالثها: العقل، فلا يجب على المجنون إلا أن كان زوال عقله بتعديه، فإنه يلزمه قضاءه بعد الإفاقة، ومثله السكران إن كان متعدياً بسكره، فيلزمه قضاؤه، وإن كان غير متعد كما إذا شرب من إناء يظن أن فيه ماء، فإذا به خمر سكر متعدياً بسبب الإغماء أم لا، رابعها: الإطاقة حساً وشرعاً، فلا يجب على من لم يطقه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لعجزه حساً، ولا على نحو حائض لعجزها شرعاً، وأما شروط صحته، فأربعة أيضاً:
    الأول: الإسلام حال الصيام، فلا يصح من كافر أصلي، ولا مرتد،
    الثاني: التمييز، فلا يصح من غير مميز، فإن كان مجنوناً لا يصح صومه، وإن جن لحظة من نهار، وإن كان سكران أو مغمى عليه لا يصح صومهما إذا كان عدم التمييز مستغرقاً لجميع النهار، أما إذا كان في بعض النهار فقط فيصح، ويكفي وجود التمييز ولو حكماً، فلو نوى الصوم قبل الفجر ونام إلى الغروب صح صومه، لأنه مميز حكماً،
    الثالث: خلو الصائم من الحيض والنفاس والولادة وقت الصوم وإن لم تر الوالدة دماً، الرابع: أن يكون الوقت قابلاً للصوم.
    فلا يصح صوم يومي العيد وأيام التشريق، فإنها أوقات غير قابلة للصوم، ومنها يوم الشك إلا إذا كان هناك سبب يقتضيه، كأن صامه قضاء عما في ذمته، أو نذر صوم يوم الاثنين القابل، فصادف يوم الشك، فله صومه، أو كان من عادته صوم الخميس وصادف ذلك يوم الشك فله صومه أيضاً، أما إن قصد صومه، لأنه يوم الشك فلا يصح صومه، كما سيأتي في مبحث "صيام يوم الشك"، وكذلك لو صام النصف الثاني من شعبان أو بعضه، فإنه لا يصح، ويحرم، إلا إن كان هناك سبب يقتضي الصوم من نحو الأسباب التي بينا في يوم الشك، أو كان قد وصله ببعض النصف الأول، ولو بيوم واحد.
    هذه هي الشروط عند الشافعية، وليست منها النية، لأنها ركن، كما تقدم، ويجب تجديدها لكل يوم صامه؛ ولا بد من تبييتها، أي وقوعها ليلاً قبل الفجر، ولو من المغرب؛ ولو وقع بعدها ليلاً ما ينافي الصوم، لأن الصوم يقع بالنهار لا بالليل؛ وإن كان الصوم فرضاً، كرمضان والكفارة والنذر فلا بد من إيقاع النية ليلاً مع التعيين بأن يقول بقلبه: نويت صوم غد من رمضان، أو نذراً علي، أو نحو ذلك، ويسن أن ينظق بلسانه بالنية، لأنه عون للقلب، كأن يقول:
    نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان الحاضر لله تعالى؛ وأما إن كان الصوم نفلاً فإن النية تكفي فيه ولو كانت نهاراً، بشرط أن تكون قبل الزوال، وبشرط أن لا يسبقها ما ينافي الصوم على الراجح، ولا يقوم مقام النية التسحر في جميع أنواع الصوم، إلا إذا خطر له الصوم عند التسحر ونواه، كأن يتسخر بنية الصوم، وكذلك إذا امتنع من الأكل عند طلوع الفجر خوف الإفطار. فيقوم هذا مقام النية.
    الحنفية قالوا: شروط الصيام ثلاثة أنواع:
    شروط وجوب، وشرطو وجوب الأداء، وشروط صحة الأداء.
    فأما شروط الوجوب، فهي ثلاثة:
    أحدها: الإسلام فلا يجب على الكافر لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة كما تقدم، وكذا لا يصح منه لأن النية شرط لصحته كما سيأتي؛ وقد تقدم أن النية لا تصح إلا من مسلم؛ فالإسلام شرط للوجوب وللصحة
    ثانيها العقل فلا يجب على المجنون حال جنونه ولو جن نصف الشهر. ثم أفاق.
    وجب عليه صيام ما بقي. وقضاء ما فات، أما إذا أفاق بعد فراغ الشهر، فلا يجب عليه قضاؤه، ومثل المجنون المغمى عليه. والنائم إذا أصيب بمرض النوم قبل حلول الشهر، ثم ظل نائماً حتى فرغ الشهر،
    ثالثها: البلوغ، فلا يجب الصيان على صبيّ، ولو مميزاً، ويؤمر به عند بلوغ سبع سنين، ويضرب على تركه عند بلوغ سنه عشر سنين إن أطاقه، وأما شروط وجوب الأداء فاثنان:
    أحدهما: الصحة، فلا يجب الأداء على المريض، وإن كان مخاطباً بالقضاء بعد شفائه من مرضه؛ ثانيهما: الإقامة، فلا يجب الأداء على مسافر، وإن وجب عليه قضاءه، وأما شروط صحة الأداء. فاثنان أيضاً: أحدهما: الطهارة من الحيض والنفاس؛ فلا يصح للحائض والنفساء أداء الصيام وإن كان يجب عليهما؛
    ثانيهما: النية؛ فلا يصح أداء الصوم إلا بالنية تمييزاً للعبادات عن العادات. والقدر الكافي من النية أن يعلم بقلبه أنه يصوم كذا؛ ويسن له أن يتلفظ بها؛ ووقتها كل يوم بعد غروب الشمس إلى ما قبل نصف النهار. والنهار الشرعي:
    من انتشار الضوء في الأفق الشرقي عند طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ فيقسم هذا الزمن نصفين. وتكون النية في النصف الأول بحيث يكون الباقي من النهار إلى غروب الشمس أكثر مما مضى، فلو لم يبيت النية بعد غروب الشمس حتى أصبح بدون نية ممسكاً، فله أن ينوي إلى ما قبل نصف النهار.
    كما سبق؛ ولا بد من النية لكل يوم من رمضان، والتسحر نية، إلا أن ينوي معه عدم الصيام ولو نوى الصيام في أول الليل، ثم رجع عن نيته قبل طلوع الفجر صح رجوعه في كل أنواع الصيام، ويجوز صيام رمضان، والنذر المعين، والنفل بنية مطلق الصوم، أو بنية النفل من الليل إلى ما قبل نصف النهار، ولكن الأفضل تبييت النية وتعيينها:
    ونوى صوماً واجباً، فإنه يقع عن ذلك الواجب، لأنه مرخص له بالفطر حال السفر؛ أما القضاء والكفارة والنذر المطلق، فلا بد من تبييت النية فيها وتعيينها، أما صيام الأيام المنهي عنها، كالعيدين، وأيام التشريق، فإنه يصح، ولكن مع التحريم، فلو نذر صيامها صح نذره، ووجب عليه قضاؤها في غيرها من الأيام، ولو قضاه فيها صح مع الإثم.
    المالكية قالوا: للصوم شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، أما شروط الوجوب فهي اثنان: البلوغ، والقدرة على الصوم، فلا يجب على صبي، ولو كان مراهقاً، ولا يجب على الولي أمره به ولا يندب، ولا على العاجز عنه، وأما شروط صحته فثلاثة: الإسلام، فلا يصح من للكافر، وإن كان واجباً عليه، ويعاقب على تركه زيادة على عقاب الكفر، والزمان القابل للصوم، فلا يصح في يوم العيد. والنية على الراجح. وسيأتي تفصيل أحكامها، وشروط وجوبه وصحته معاً ثلاثة: العقل، فلا يجب على المجنون والمغمى عليه:
    ولا يصح منهما، وأما وجوب القضاء، ففيه تفصيل حاصله: أنه إذا أغمي على الشخص يوماً كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو أغمي عليه معظم اليوم، سواء كان مفيقاً وقت النية أو لا في الصورتين، أو أغمي عليه نصف اليوم أو أقله، ولم يكن مفيقاً وقت النية في الحالتين فعليه القضاء بعد الإفاقة في كل هذه الصور، أما إذا أغمى عليه اليوم أو أقله، وكان مفيقاً وقت النية في الصورتين:
    فلا يجب على التقصاء متى نوى قبل حصول الإغماء، والجنون كالإغماء في هذا التفصيل، ويجب عليه القضاء على التفصيل السابق إذا جن أو أغمي عليه، ولو استمر ذلك مدة طويلة، والسكران كالمغمى عليه في تفصيل القضاء سواء كان السكر بحلال أو حرام، وأما النائم فلا يجب عليه قضاء ما فاته وهو نائم متى بيت النية في أول الشهر.
    الشرط الثاني: النقاء من دم الحيض والنفاس. فلا يجب الصوم على حائض ولا نفساء ولا يصح منهما. ومتى طهرت إحداهما قبل الفجر، ولو بلحظة، وجب عليها تبييت النية، ويجب على الحائض والنفساء قضاء ما فاتهما من صوم رمضان بعد زوال المانع.
    الشرط الثالث: دخول شهررمضان فلا يجب صوم رمضان قبل ثبوت الشهر، ولا يصح، أما النية فهي شرط لصحة الصوم الراجح، كما تقدم، وهي قصد الصوم، وأما نية التقرب إلى الله تعالى فهي مندوبة، فلا يصح صوم فرضاً كان أو نفلاً؛ بدون النية. ويجب في النية تعيين المنوي بكونه نفلاً أو قضاءً أو نذراً مثلاً؛ فإن جزم بالصوم وشك بعد ذلك هل نوى التطوع أو النذر أو القضاء انعقد تطوعاً، وإن شك هل نوى النذرأو القضاء، فلا يجزئ عن واحد منهما وانعقد نفلاً، فيجب عليه إتمامه، ووقت النية من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فلو نوى الصوم في آخر جزء من الليل بحيث يطلع الفجر عقب النية صحت، والأولى أن تكون متقدمة على الجزء الأخير من الليل؛ لأنه أحوط، ولا يضر ما يحدث بعد النية من أكل أو شرب؛ أو جماع أو نوم، بخلاف الإغماء، والجنون إذا حصل أحدهما بعدها؛ فتبطل؛ ويجب تجديدها، وإن بقي وقتها بعد الإفاقة، ولا تصح النية نهاراً في أي صوم، ولو كان تطوعاً، وتكفي النية الواحدة في كل صوم يجب تتابعه، كصيام رمضان، وصيام كفارته، وكفارة القتل أو الظهار ما دام لم ينقطع تتابعه، فإن انقطع التتابع بمرض أو سفر أو نحوهما، فلا بد من تبييت النية كل ليلة ولو استمر صائماً على المعتمد، فإذا انقطع السفر والمرض كفت نية للباقي من الشهر، وأما الصوم الذي لا يجب فيه التتابع، كقضاء رمضان وكفارة اليمين، فلا بد فيه من النية كل ليلة، ولا يكفيهنية واحدة في أوله، والنية الحكمية كافية، فلو تسحر، ولم يخطر بباله الصوم، وكان بحيث لو سئل لماذا تتسحر؟ أجاب بقوله: إنما تسحرت لأصوم، كفاه ذلك.
    الحنابلة قالوا: شروط الصوم ثلاثة أقسام: شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، فأما شروط الوجوب فقط، فهي ثلاثة: الإسلام، والبلوغ، والقدرة على الصوم، فلا يجب على صبي، ولو كان مراهقاً، ويجب على وليه أمره به إذا أطاقه، ويجب أن يضربه إذا امتنع، ولا يجب على العاجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، وأما المريض الذي يرجى برؤه فيجب عليه الصيام إذا برأ، وقضاء ما فاته من رمضان، وأما شروط الصحة فقط فهي ثلاثة:
    أولها: النية؛ ووقتها الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر إن كان الصوم فرضاً أما إذا كان الصوم نفلاً فتصح نيته نهاراً، ولو بعد الزوال إذا لم يأت بمناف للصوم من أكل أو شرب مثلاً من أول النهار، ويجب تعيين المنوي من كونه رمضان أو غيره؛ ولا تجب نية الفرضية، وتجب النية لكل يوم؛ سواء رمضان وغيره،
    ثانيها: انقطاع دم الحيض؛
    ثالثها: انقطاع دم النفاس؛ فلا يصح صوم الحائض والنفساء، وإن وجب عليهما القضاء؛ وأما شروط الوجوب والصحة معاً، فهي ثلاثة: الإسلام؛ فلا يجب الصوم على كافر، ولو كان مرتداً؛ ولا يصح منه. والعقل، فلا يجب الصوم على مجنون، ولا يصح منه، والتمييز فلا يصح من غير مميز كصبي لم يبلغ سبع سنين، لكن لو جن في أثناء يوم من رمضان أو كان مجنوناً وأفاق أثناء يوم رمضان وجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأما إذا جنَّ يوماً كاملاً أو أكثر، فلا يجب عليه قضاؤه بخلاف المغمى عليه، فيجب عليه القضاء، لو طال زمن الإغماء، والسكران والنائم، كالمغمى عليه، لا فرق بين أن يكون السكران معتدياً بسكره أو لا
    (7) الحنابلة قالوا: إذا غم الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان، فلا يجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً. ووجب عليه تبيين النية وصوم اليوم التالي لتلك الليلة، سواء كان في الواقع من شعبان أو رمضان، وينويه عن رمضان، فإن ظهر في أثنائه أنه من شعبان لم يجب إتمامه
    (8) الحنفية قالوا: إذا كانت السماء خالية من موانع الرؤية، فلا بد من رؤية جماعة كثيرين يقع بخبرهم العلم، وتقدير الكثرة منوط برأي الإمام أو نائبه، فلا يلزم فيها عدد معين على الراجح؛ وشترط في الشهود في هذه الحالة أن يذكروا في شهادتهم لفظ: "أشهد"، وإن لم تكن السماء خالية من الموانع المذكورة، وأخبر واحد أنه رآه اكتفى بشهادته إن كان مسلماً عدلاً عاقلاً بالغاً، ولا يشترط أن يقول: أشهد، كما لا يشترط الحكم. ولا مجلس القضاء، ومتى كان بالسماء علة فلا يلزم أن يراه جماعة لتعسر الرؤية حينئذ، ولا فرق في الشاهد بين أن يكون ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، وإذا رآه واحد ممن تصح شهادته، وأخبر بذلك واحد آخر تصح شهادته، فذهب الثاني إلى القاضي؛ وشهد على شهادة الأول، فللقاضي أن يأخذ بشهادته، ومثل العدل في ذلك مستور الحال على الأصح، ويجب على من رأى الهلال ممن تصح شهادته أن يشهد بذلك في ليلته عند القاضي إذا كان في المصر، فإن كان في قرية فعليه أن يشهد بين الناس بذلك في المسجد، ولو كان الذي رآه امرأة مخدرة؛ ويجب على من رأى الهلال، وعلى من صدقه الصيام، ولو ورد القاضي شهادته، إلا أنهما لو أفطرا في حالة رد الشهادة فعليهما القضاء دون الكفارة.
    الشافعية قالوا: يثبت رمضان برؤية عدل، ولو مستوراً، سواء كانت السماء صحواً أو بها ما يجعل الرؤية متعسرة؛ ويشترط في الشاهد أن يكون مسلماً عاقلاً بالغاً حراً ذكراً عدلاً، ولو بحسب ظاهره، وأن يأتي في شهادته بلفظ: أشهد، كأن يقول أمام القاضي: أشهد أنني رأيت الهلال، ولا يلزم أن يقول: وإن غداً من رمضان، ولا يجب الصوم على عموم الناس إلا إذا سمعها القاضي، ولو لم يشهد عند القاضي، أو شهد ولم تسمع شهادته، وكذا يجب على كل من صدقه أن يصوم متى بلغته شهادته ووثف بها؛ ولو كان الراي صبياً أو امرأة أو عبداً أو فاسقاً أو كافراً.
    المالكية قالوا: يثبت هلال رمضان بالرؤية؛ وهي على ثلاثة أقسام:
    الأول: أن يراه عدلان والعدل هو الذكر الحر البالغ العاقل الخالي من ارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة، أو فعل ما يخل بالمروءة،
    الثاني: أن يراه جماعة كثيرة يفيد خبرهم العلم، ويؤمن تواطؤهم على الكذب، ولا يجب أن يكونوا كلهم ذكوراً أحراراً عدولاً؛
    الثالث: أن يراه واحد، ولكن لا تثبت الرؤية بالواحد إلا في حَق نفسه أو في حَق من أخبره إذا كان من أخبره لا يعتني بأمر الهلال؛ أما من له اعتناء بأمره، فلا يثبت في حقه الشهر برؤية الواحد، وإن وجب عليه الصوم برؤية نفسه، ولا يشترط في الواحد الذكورة، ولا الحرية، فمتى كان غير مشهور بالكذب وجب على من لا اعتناء لهم بأمر الهلال أن يصوموا بمجرد إخباره، ولو كان امرأة أو عبداً، متى وثقت النفسبخبره واطمأنت له؛ ومتى رأى الهلال عدلان، أو جماعة مستفيضة وجب على كل من سمع منهما أن يصوم، كما يجب على كل من نقلت إليه رؤية واحد من القسمين الأولين، إنما إذا كان النقل عن العدلين، فلا بد أن يكون الناقل عن كل منهما عدلين، ولا يلزم تعدد العدلين في النقل، فلو نقل عدلان الرؤية عن واحد، ثم نقلاها عن الآخر أيضاً وجب الصوم على كل من نقلت إليه، أو جماعة مستفيضة، ولا يكفي نقل الواحد، وأما إذا كان النقل عن الجماعة المستفيضة، فيكفي فيه العدل الواحد، كما يكفي إذا كان النقل ثبوت الشهر عند الحاكم، أو عن حكمه بثبوته؛ وإذا رأى الهلال عدل واحد، أو مستور الحال وجب عليه أن يرفع الأمر للحاكم ليفتح باب الشهادة، فربما ينضم إليه واحد آخر إذا كان عدلاً، أو جماعة مستفيضة إن كان غير عدل، ولا يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم أن يكون بلفظ: أشهد.
    الحنابلة قالوا: لا بد من رؤية هلال رمضان من إخبار مكلف عدل ظاهراً وباطناً، فلا تثبت برؤية صبي مميز، ولا بمستور الحال ولا فرق في العدل بين كونه ذكراً أو أنثى.
    حراً أو عبداً، ولا يشترط أن يكون الإخبار بلفظ: أشهد، فيجب الصوم على من سمع عدلاً يخبر برؤية هلال رمضان، ولو رد الحاكم خبره، لعدم عمله بحاله، ولا يجب على من رأى الهلال أن يذهب إلى القاضي، ولا إلى المسجد، كما لا يجب عليه إخبار الناس
    (9) الشافعية قالوا: إذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا بناء على هذا للثبوت، والقرب يحصل باتحاد المطلع، بأن يكون بينهما أقل من أربعة وعشرين فرسخاً تحديداً، أما أهل الجهة البعيدة، فلا يجب عليهم الصوم بهذه الرؤية لاختلاف المطلع (10) الشافعية قالوا: يعتبر قول المنجم في حَق نفسه وحَق من صدقه، ولا يجب الصوم على عموم الناس بقوله على الراجح

    (11) الشافعية، والحنابلة قالوا: إن رؤية الهلال نهاراً لا عبرة بها، وإنما المعتبر رؤيته بعد الغروب
    (12) الشافعية قالوا: يشترط في تحقيق الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس أن يحكم به الحاكم، فمتى حكم به وجب الصوم على الناس، ولو وقع حكمه عن شهادة واحد عدل
    (13) الحنفية قالوا: يثبت شوال بشهادة رجلين عدلين، أو رجل وامرأتين كذلك إن كانت السماء، بها علة، كغيم ونحوه، أما إن كانت صحواً، فلا بد من رؤية جماعة كثيرين، ويلزم أن يقول الشاهد: أشهد.
    المالكية قالوا: يثبت هلال شوال برؤية العدلين أو الجماعة المستفيضة، وهي الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب، ويفيد خبرها العلم، ولا يشترط فيها الحرية، ولا الذكورة، كما تقدم في "ثبوت هلال رمضان"، وتكفي رؤية العدل الواحد في حَق نفسه، ويجب عليه أن يفطر بالنية، فلا ينوي الصوم، ولكنه لا يجوز له أن يأكل أو يشرب أو نحو ذلك من المفطرات، ولو أمن اطلاع الناس عليه، نعم إن طرأ له ما يبيح السفر أو طرأ عليه مرض، فإنه يجوز له أن يأكل ويشرب وغير ذلك، وإذا أفطر بغير عذر مبيح، بالأكل ونحوه، وعظ وشدد عليه إن كان ظاهر الصلاح، فإن لم يكن ظاهر الصلاح عاقبه القاضي بما يراه تعزيراً.
    الشافعية قالوا: تكفي شهادة العدل الواحد في ثبوت هلال شوال، فهو كرمضان على الراجح، ويلزم أن يقول الشاهد؛ أشهد؛ فلفظ الشهادة متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة ما عدا المالكية.
    الحنابلة قالوا: لا يقبل في ثبوت شوال إلا رجلان عدلان يشهدان بلفظ الشهادة
    (14) الشافعية قالوا: إذا صام الناس بشهادة عدل وتم رمضان ثلاثين يوماً وجب عليهم الإفطار على الأصح، سواء كانت السماء صحواً أو لا.
    الحنابلة قالوا: إن كان صيام رمضان بشهادة عدلين وأتموا عدة رمضان ثلاثين يوماً، ولم يروا الهلال ليلة الواحد والثلاثين وجب عليهم الفطر مطلقاً، أما إن كان صيام رمضان بشهادة عدل واحد، أو بناء على تقدير شعبان تسعة وعشرين يوماً بسبب غيم ونحوه، فإنه يجب عليهم صيام الحادي والثلاثين
    (15) الحنفية قالوا: يوم الشك هو آخر يوم من شعبان احتمل أن يكون من رمضان، وذلك بأن يم ير الهلال بسبب غيم بعد غروب يوم التاسع والعشرين من شعبان، فوقع الشك في اليوم التالي له هل هو من شعبان أو من رمضان، أو حصل الشك بسبب رد القاضي شهادة الشهود أو تحدث الناس بالرؤية، ولم تثبت، أما صومه فتارة يكون مكروهاً تحريماً أو تنزيهاً، وتارة يكون مندوباً، وتارة يكون باطلاً، فيكره تحريماً إذا نوى أن يصومه جازماً أنه من رمضان، ويكره تنزيهاً إذا نوى صيامه عن واجب نذر، وكذا يكره تنزيهاً إذا صامه جازماً أنه من رمضان، ويكره تنزيهاً إذا نوى صيامه عن واجب نذر، وكذا يكره تنزيهاً إذا صامه متردداً بين الفرض والواجب بأن يقول: نويت صوم غد إن كان من رمضان، وإلا فعن واجب آخر، أو متردداً بين الفرض والنفل، بأن يقول: نويت صوم غد فرضاً إن كان من رمضان، وتطوعاً إن كان من شعبان، ويندب صومه بنية التطوع إن وافق اليوم الذي اعتاد صومه، ولا بأس بصيامه بهذه النية، وإن لم يوافق عادته، ويكون صومه باطلاً إذا صامه متردداً بين الصوم والإفطار، بأن يقول نويت أن أصوم غداً إن كان من رمضان، وإلا فأنا مفطر، وإذا ثبت أن يوم الشك من رمضان أجزأه صيامه، ولو كان مكروهاً تحريماً، أو تنزيهاً، أو مندوباً أو مباحاً.
    الشافعية قالوا: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برية الهلال ليلته، ولم يشهد به أحد، أو شهد به من لا تقبل شهادته، كالنساء والصبيان، ويحرم صومه، سواء كانت السماء في غروب اليوم الذي سبقه صبحواً أو بها غيم، ولا يراعى في حالة الغيم خلاف الإمام أحمد القائل بوجوب صومه حينئذ، لأن مراعاة الخلاف لا تستحب متى خالف حديثاً صريحاً، وهو هنا خبر: "فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، فإن لم يتحدث الناس برؤية الهلال، فهو من شعبان جزماً، وإن شهد به عدل؛ فهو من رمضان جزماً، ويستثنى من حرمة صومه ما إذا صامه لسبب يقتضي الصوم، كالنذر، والقضاء، أو الاعتياد، كما إذا اعتاد أن يصوم كل خميس، فصادف يوم الشك. فلا يحرم صومه؛ بل يكون واجباً في الواجب، ومندوباً في التطوع، وإذا أصبح يوم الشك مفطراً، ثم تبين أنه من رمضان وجب الإمساك باقي يومه ثم قضاه بعد رمضان على الفور، وإن نوى صيام يوم الشك على أنه من رمضان، فإن تبين أنه من شعبان لم يصح صومه أصلاً لعدم نيته، وإن تبين أنه من رمضان، فإن كان صومه مبنياً على تصديقه من أخبره ممن لا تقبل شهادته كالعبد والفاسق صح عن رمضان، وإن لم يكن صومه مبنياً على هذا التصديق لم يقع عن رمضان، وإن نوى صومه على أنه إن كان من شعبان فهو نفل، وإن كان من رمضان فهو عنه، صح صومه نفلاً إن ظهر أنه من شعبان؛ فإن ظهر أنه من رمضان لم ي صح فرضاً ولا نفلاً.
    المالكية قالوا: عرفوا يوم الشك بتعريفين:
    أحدها: أنه يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث ليلته من لا تقبل شهادته برؤية هلال رمضان: كالفاسق، والعبد، والمرأة،
    الثاني: أنه يوم الثلاثين من شعبان إذا كان بالسماء ليلته غيم، ولم ير هلال رمضان، وهذا هو المشهور في التعريف، وإذا صامه الشخص تطوعاً من غير اعتياد أو لعادة، كما إذا اعتاد أن يصوم كل خميس؛ فصادف يوم الخميس يوم الشك، كان صومه مندوباً، وإن صامه قضاء عن رمضان السابق، أو عن كفارة يمين أو غيره أو عن نذر صادفه، كما إذا نذر أن يصوم يوم الجمعة؛ فصادف يوم الشك وقع واجباً عن القضاء، وما بعده إن لم يتبين أنه من رمضان، فإن تبين أنه من رمضان فلا يجزي عن رمضان الحاضر لعدم نيته، ولا عن غيره من القضاء والكفارة والنذر، لأن زمن رمضان لا يقبل صوماً غيره، ويكون عليه قضاء ذلك اليوم عن رمضان الحاضر؛ وقضاء يوم آخر عن رمضان الفائت أو الكفارة، أما النذر، فلا يجب قضاؤه، لأنه كان معيناً وفات وقته، وإذا صامه احتياطاً بحيث ينوي أنه إن كان من رمضان لحتسب به، وإن لم يكن من رمضان كان تطوعاً. ففي هذه الحالة يكون صومه مكروهاً، فإن تبين أنه من رمضان فلا يجزئه عنه. وإن وجب الإمساك فيه لحرمة الشهر؛ وعليه قضاء يوم، وندب الإمساك يوم الشك حتى يرتفع النهار، ويتبين الأمر من صوم أو إفطار، فإن تبين أنه من رمضان وجب إمساكه وقضاء يوم بعدن فإن أفطر بعد ثبوت أنه من رمضان عامداً عالماً فعليه القضاء والكفارة.
    الحنابلة قالوا: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال ليلته مع كون السماء صحواً لا علة بها، ويكره صومه تطوعاً. إلا إذا وافق عادة له أو صام قبله يومين فأكثر، فلا كراهة. ثم إن تبين أنه من رمضان. فلا يجزئه عنه ويجب عليه الإمساك فيه وقضاء يوم بعد، أما إذا صامه عن واجب كقضاء رمضان الفائت ونذر كفارة، فيصح؛ ويقع واجباً إن ظهر أنه من شعبان، فإن ظهر أنه من رمضان فلا يجزئ لا عن رمضان ولا عن غيره، ويجب إمساكه وقضاؤه بعد، وإن نوى صومه عن رمضان إن كان منه لم يصح عنه إذا تبين أنه منه، وإن وجب عليه الإمساك والقضاء، كما تقدم، إن لم يتبين أنه من رمضان، فلا يصح لا نفلاً ولا غيره


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصيام]
    صـــــ 504 الى صــــــــ517
    الحلقة (67)

    الصيام المحرَّم - صيام يوم العيد، وصيام المرأة بغير إذن زوجها
    حرَّم الشارع الصوم في أحوال: منها الصيام يوم العيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى؛ وثلاثة أيام بعد عيد الأضحى، عند ثلاثة من الأئمة،
    إلا أن الحنفية قالوا:
    إن ذلك مكروه تحريماً، وقال المالكية، يحرم صوم يومين بعد عيد الأضحى لا ثلاثة أيام، وقد ذكرنا تفصيل كل مذهب في ذلك تحت الخط (1) ؛ ومنها صيام المرأة نفلاً بغير إذن زوجها، أو بغير أن تعلم بكونه راضياً عن ذلك وإن لم يأذنها صراحة، إلا إذا لم يكن محتاجاً لها، كأن كان غائباً، أو محرماً، أو معتكفاً. وهذا هو رأي الشافعية، والمالكية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر رأيهما تحت الخط (2) .
    [الصوم المندوب - تاسوعاء - عاشوراء - الأيام البيض - وغير ذلك]
    الصوم المندوب، منه صوم شهر المحرم، وأفضله يوم التاسع والعاشر منه،
    والحنفية يقولون:
    إن صومهما سنة لا مندوب؛ وقد عرفت أن الشافعية، والحنابلة يوافقون على هذه التسمية؛ إذا لا فرق عندهم بين السنة والمندوب، أما المالكية فلا يوافقون؛ للفرق عندهم بين المندوب والسنة كما هو عند الحنفية، ومنه صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
    ويندب أن تكون هي الأيام البيض، أعني الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من الشهر العربي، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    [صوم يوم عرفة]
    يندب صوم اليوم التاسع من ذي الحجة،
    ويقال له:
    يوم عرفة. وإنما يندب صومه لغير القائم بأداء الحج، أما إذا ان حاجاً ففي صومه هذا اليوم تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (4) .
    [صوم يوم الخميس والإثنين]
    يندب صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وأن في صومها مَصلحة للأبدان لا تخفى.
    [صوم ست من شوال]
    يندب صوم ستة من شوال مطلقاً بدون شروط عند الأئمة الثلاثة، وخالف المالكية، والأفضل أن يصومها متتابعة بدون فاصل، عند الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية؛ والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (المالكية قالوا: يكره صوم ستة أيام من شوال بشروط:
    -1 - أن يكون الصائم ممن يقتدي به، أو يخاف عليه أن يعتقد وجوبها.
    -2 - أن يصومها متصلة بيوم الفطر.
    -3 - أن يصومها متتابعة.
    -4 - أن يظهر صومها؛ فإن انتقى شرط من هذه الشروط، فلا يكره صومها، إلا إذا اعتقد أن وصلها بيوم العيد سنة، فيكره صومها، ولو لم يظهرها، أو صامها متفرقة.
    الحنفية قالوا:
    تستحب أن تكون متفرقة في كل أسبوع يومان) .
    [صوم يوم وإفطار يوم]
    يندب للقادر أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وقد ورد أن ذلك أفضل أنواع الصيام المندوب.
    [صوم رجب وشعبان وبقية الأشهر الحرم]
    يندب صوم شهر رجب وشعبان، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ،
    أما الأشهر الحرم وهي أربع:
    ثلاثة متوالية، وهي ذو القعدة وذو الحجة؛ والمحرَّم، وواحد منفرد، وهو رجب، فإن صيامها مندوب عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) .
    [إذا شرع في صيامه النفل ثم أفسده]
    إتمام صوم التطوع بعد الشروع فيه وقضاؤه إذا أفسده مسنون عند الشافعية، والحنابلة، وخالفهم المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) ، ومثل ذلك صوم الأيام التي نذر اعتكافها،
    كأن يقول:
    لله عليَّ أن أعتكف عشرة أيام، فإنه يسن له أن يصوم هذه الأيام العشرة، ولا يفترض صيامها عند الشافعية؛ والحنابلة، وخالفهم المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (8) .
    [الصوم المكروه]
    صوم يوم الجمعة وحده والنيروز، والمهرجان، وصوم يوم أو يومين قبل رمضان.من الصوم المكروه صوم يوم النيروز، ويوم المهرجان منفردين بدون أن يصوم قبلهما أو بعدهما ما لم يوافق ذلك عادة له فإنه لا يكره عند ثلاثة،
    وقال الشافعية:
    لا يكره صومها مطلقاً، ومن المكروه صيام يوم الجمعة منفرداً، وكذا صيام يوم السبت منفرداً،
    وقال المالكية:
    لا يكره إفراد يوم الجمعة أو غيره بالصوم، ومن المكروه أن يصوم قبل شهر رمضان بيوم أو يومين لا أكثر، عند الحنفية، والحنابلة،
    أما المالكية فقالوا:
    لا يكره صوم يوم أو يومين قبل رمضان؛ والشافعية قالوا يحرم صوم أو يومين قبل رمضان، وكذا صوم النصف الثاني من شعبان إذا لم يصله بما قبله، ولم يوجد سبب يقتضي صومه من نذر أو عادة؛ ومن المكروه صوم يوم الشبك، وقد تقدم بيانه في المذاهب؛
    وهناك مكروهات أخرى مفصلة في المذاهب: فانظرها تحت الخط (9) .
    ما يوجب القضاء دون الكفارة وما لا يوجب شيئاًقد عرفت ما يوجب القضاء والكفارة، وبقي الكلام فيما يوجب القضاء دون الكفارة، وما لا يفسد الصيام أصلاً، وهو أمرو كثيرة، مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (10) .


    (1) المالكية قالوا: يحرم صيام يوم عبد الفطر، وعيد الأضحى، ويومين بعد عيد الأضحى، إلا في الحج للتمتع والقارن؛ فيجوز لهما صومهما؛ وأما صيام اليوم الرابع من عيد الأضحى فمكروه.
    الشافعية قالوا: يحرم ولا ينعقد صيام يوم عيد الفطر وعيد الأضحى، وثلاثة أيام بعد عيد أضحى مطلقاً، ولو في الحج.
    الحنابلة قالوا: يحرم صيام يوم عيد الفطر، وعيد الأضحى، وثلاثة أيام بعد عيد الأضحى، إلا في الحج للمتمتع والقارن.
    الحنفية قالوا: صيام يومي العيد، وأيام التشريق الثلاثة مكروه تحريماً إلا في الحج
    (2) الحنفية قالوا: صيام المرأة بدون إذن زوجها مكروه.
    الحنابلة قالوا: متى كان زوجها حاضراً؛ فلا يجوز صومها بدون إذنه، ولو كان به مانع من الوطء، كإحرام، أو اعتكاف، أو مرض
    (3) المالكية قالوا: يكره قصد الأيام البيض بالصوم
    (4) الحنابلة قالوا: يندب أن يصوم الحاج يوم عرة إذا وقف بها ليلاً ولم يقف بها نهاراً، أما إذا وقف بها نهاراً فيكره له صومه.
    الحنفية قالوا: يكره صوم يوم عرفة للحاج إن أضعفه، وكذا صوم يوم التروية؛ وهو ثامن ذي الحجة.
    المالكية قالوا: يكره للحاج أن يصوم يوم عرفة، كما يكره له أيضاً أن يصوم يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة.
    الشافعية قالوا: الحاج إن كان مقيماً بمكة ثم ذهب إلى عرفة نهاراً فصومه يوم عرفة خلاف الأولى، وإن ذهب إلى عرفة ليلاً، فيجوز له الصوم، أما إن كان الحاج مسافراً فيسن له الفطر مطلقاً
    (5) الحنابلة قالوا: إفراد رجب بالصوم مكروه، إلا إذا أفطر في أثنائه، فلا يكره
    (6) الحنفية قالوا: المندوب في الأشهر الحرم أن يصوم ثلاثة أيام من كل منها، وهي: الخميس، والجمعة، والسبت
    (7) الحنفية قالوا: إذا شرع في صيام نفل ثم أفسده، فإنه يجب عليه قضاؤه، والواجب عندهم بمعنى السنة المؤكدة، فإفساد صوم النفل عندهم مكروه تحريماً، وعدم قضائه مكروه تحريماً، كما تقدم في أقسام "الصوم".
    المالكية قالوا: إتمام النفل من الصوم بعد الشروع فيه فرض، وكذلك قضاؤه إذا تعمد إفساده؛ ويستثنى من ذلك من صام تطوعاً، ثم أمره أحد والديه، أو شيخه بالفطر شفقة عليه من إدامة الصوم، فإنه يجوز له الفطر، ولا قضاء عليه
    (8) الحنفية قالوا: يشترط الصوم في صحة الاعتكاف المنذور، كما تقدم.
    المالكية قالوا: الاعتكاف المنذور يفترض فيه الصوم، بمعنى أن نذر الاعتكاف أياماً لا يستلزم نذر الصوم لهذه الأيام، فيصح أن يؤدي الاعتكاف المنذور في صوم تطوع، ولا يصح أن يؤدي في حال الفطر، لأن الاعتكاف من شروط صحته الصوم عندهم
    (9) الحنفية قالوا: الصوم المكروه ينقسم إلى قسمين: مكروه تحريماً، وهو صوم أيام الأعياد؛ والتشريق، فإذا صامها انعقد صومه مع الإثم، وإن شرع في صومها ثم أفسدها لا يلزمه القضاء، ومكروه تنزيهاً، وهو صيام يوم عاشوراء منفرداً عن التاسع، أو عن الحادي عشر، ومن المكروه تنزيها إفراد يوم النيروز والمهرجان بالصوم إذا لم يوافق عادة له، كما ذكر في أعلى الصحيفة، ومنه صيام أيام الدهر، لأنه يضعف البدن عادة، ومنه صوم الوصال؛ وهو مواصلة الإمساك ليلاً ونهاراً؛ ومنه صوم الصمت، وهو أن يصوم ولا يتكلم، ومنه صوم المرأة تطوعاً بغير إذن زوجها، إلا أن يكون مريضاً أو صائماً أو محرماً بحج أو عمرة، ومنه صوم المسافر إذا أجهده الصوم.
    المالكية قالوا: يكره صوم رابع النحر، ويستثنى من ذلك للقارن ونحوه، كالمتمتع، ومن لزمه هدي ينقص في حج أو عمرة فإنه يصومه ولا كراهة، وإذا صام الرابع تطوعاً فيعقد، وإذا أفطر فيه عامداً، ولم يقصد بالفطر التخلص من النهي وجب عليه قضاؤه، وإذا نذر صومه لزمه نظراً لكونه عبادة في ذاته؛ ويكره سرد الصوم وتتابعة لمن يضعفه ذلك عن عمل أفضل من السوم، ويكره أيضاً صوم يوم المولد النبوي، لأنه شبيه بالأعياد، ويكره صوم التطوع لمن عليه صوم واجب كالقضاء، وصوم الضيف بدون إذن رب المنزل، أما صوم المرأة تطوعاً بدون إذن زوجها فهو حرام، كما تقدم، وكذا يحرم الوصال في الصوم، وهو وصل الليل بالنهار في الصوم وعدم الفطر، وأما صوم المسافر فهو أفضل من الفطر، إلا أن يشق عليه الصوم، فالأفضل الفطر.
    الشافعية قالوا: يكره صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير إذا خافوا مشقة شديدة، وقد يكون محرماً في حالة ما إذا خافوا على أنفسهم الهلاك أو تلف عضو بترك الغذاء، ويكره أيضاً إفراد يوم الجمعة، أو يوم سبت أو أحد بالصوم إذا لم يوجد لهم سبب من نذر ونحوه، أما إذا صام لسبب، فلا يكره، كما إذا وافق عادة له، أو وافق يوماً في صومه، وكذا يكره صوم الدهر، ويكره التطوع بصيام يوم، وعليه قضاء فرض، لأن أداء الفرض أهم من التطوع.
    الحنابلة قالوا: يكره أيضاً صيام الوصال، وهو أن لا يفطر بين اليومين، وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، ويكره إفراد رجب بالصوم
    (9) الحنفية قالوا: يوجب القضاء والكفارة أمران: الأول أن يتناول غذاء، أو ما في معناه بدون عذر شرعي، كالأكل والشرب ونحوهما، ويميل إليه الطبع، وتنقضي به شهوة البطن، الثاني: أن يقضي شهوة الفرج كاملة، وإنما تجب الكفارة في هذين القسمين، بشروط:
    أولاً: أن يكون الصائم المكلف مبيتاً للنية في أداء رمضان، فلو لم يبيت النية لا تجب عليه الكفارة، كما تقدم وكذا إذا بيت النية في قضاء ما فاته من رمضان، أو في صوم آخر غير رمضان ثم أفطر، فإنه لا كفارة عليه.
    ثانياً: أن لا يطرأ عليه ما يبيح الفطر من سفر أو مرض، فإنه يجوز له أن يفطر بعد حصول المرض. أما لو أفطر قبل السفر فلا تسقط عنه الكفارة.
    ثالثاً: أن يكون طائعاً مختاراً، لا مكرهاً.
    رابعاً: أن يكون متعمداً. فلو أفطر ناسياً أو مخطئاً تسقط عنه الكفارة كما تقدم. ومما يوجب الجماع في القبل أو الدبر عمداً. وهو يوجب الكفارة على الفاعل والمفعول به. بالشروط المتقدمة. ويزاد عليها. أن يكون المفعول به آدمياً حياً يشتهي. وتجب الكفارة بمجرد لقاء الختانين. وإن لم ينزل، وإذا مكنت المرأة صغيراً أو مجنوناً من نفسها فعليها الكفارة بالاتفاق. أما إذا تلذذت امرأة بامرأة مثلها بالمساحقة المعروفة وأنزلت. فإن عليها القضاء دون الكفارة وأما وطء البهيمة والميت والصغيرة التي لا تشتهي فإنه لا يوجب الكفارة ويوجب القضاء بالإنزال. كما تقدم ومن القسم الأول شرب الدخان المعروف وتناول الأفيون، الحشيش ونحو ذلك. فإن الشهوة فيه ظاهرة. ومنه ابتلاع ريق زوجته للتلذذ به. ومنه ابتلاع حبة حنطة أو سمسمة من خارج فمه، لأنه يتلذذ بها. إلا إذا مضغها فتلاشت ولم يصل منها شيء إلى جوفه، ومنه أكل الطين الأرمني كما تقدم. وكذا قليل الملح ومنه أن يأكل عمداً بعد أن يغتاب آخر ظناً منه أنه أفطر بالغيبة، لأن الغيبة لا تفطر، فهذه الشبهة لا قيمة لها؛ وكذلك إذا أفطر بعد الحجامة، أو المس، أو القبلة بشهوة من غير إنزال، لأن هذه الأشياء لا تفطر، فإذا تعمد الفطر بعدها لزمته الكفارة، ومنه غير ذلك مما يأتي بيانه بيما يوجب القضاء فقط.
    الشافعية قالوا: ما يوجب القضاء والكفارة ينحصر في شيء واحد وهو الجماع، بشروط.
    الأول: أن يكون ناوياً للصوم، فلو ترك النية ليلاً لم يصح صومه، ولكن يجب عليه الإمساك، فإذا أتى امرأته في هذه الحالة نهاراً لم تجب عليه الكفارة، لأنه ليس بصائم حقيقة؛
    الثاني: أن يكون عامداً، فلو أتاها ناسياً لم يبطل صومه؛ وليس عليه قضاء ولا كفارة؛
    الثالث: أن يكون مختاراً، فلو أكره على الوقاع لم يبطل صومه؛
    الرابع: أن يكون عالماً بالتحريم، وليس له عذر مقبول شرعاً في جهله، فلو صام وهو قريب العهد بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العلماء، وجامع في هذه الحالة لم يبطل صومه أيضاً؛
    والخامس: أن يقع منه الجماع في صيام رمضان أداء بخصوصه، ولو فعل ذلك في صوم النفل، أو النذر، أو في صوم القضاء، أو الكفارة، فإن اكفارة لا تجب عليه ولو كان عامداً؛
    السادس: أن يكون الجماع مستقلاً وحده في إفساد الصوم، فلو أكل في حال تلبسه بالفعل، فإنه لا كفارة عليه، وعليه القضاء فقط؛
    السابع: أن يكون آثماً بهذا الجماع، بأن كان مكلفاً عاقلاً، أما إذا كان صبياً، وفعل ذلك وهو صائم؛ فإنه لا كفارة عليه، ومن ذلك ما لو كان مسافراً ثم نوى الصيام، وأصبح صائماً: ثم أفطر في أثناء اليوم بالجماع: فإنه لا كفارة عليه بسبب رخصة السفر،
    الثامن: أن يكون معتقداً صحة صومه: فلو أكل ناسياً فظن أن هذا مفطر، ثم جامع بعد ذلك عمداً. فلا كفارة عليه. وإن بطل صومه ووجب عليه القضاء،
    التاسع: أن لا يصيبه جنون بعد الجماع وقبل الغربو. فإذا أصابه ذلك الجنون فإنه لا كفارة عليه.
    العاشر: أن لا يقدم على هذا الفعل بنفسه. فلو فرض وكان نائماً وعلته امرأته. فأتاها وهو على هذه الحالة. فإنه لا كفارة عليه. إلا أن أغراها على عمل ذلك،
    الحادي عشر: أن لا يكون مخطئاً.
    فلو جامع ظاناً بقاء الليل أو دخول المغرب. ثم تبين أنه جامع نهاراً. فلا كفارة عليه وإن وجب عليه القضاء والإمساك،
    الثاني عشر: أن يكون الجماع بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها ونحوه، فلو لم يدخلها أو أدخل بعضها فقط لم يبطل صومه. وإذا أنزل في هذه الحالة فعليه القضاء فقط. ولكن يجب عليه الإمساك فإن لم يسمك بقية اليوم فقد أثم،
    الثالث عشر: أن يكون الجماع في فرج، دبراً كان، أو قبلاً، ولو لم ينزل، فلو وطئ في غير ما ذكر، فلا كفارة عليه،
    الرابع عشر: أن يكون فاعلاً لا مفعولاً، فلو أتى أنثى أو غيرها، فالكفارة على الفاعل دون المفعول مطلقاً.
    هذا، وإذا طلع الفجر وهو يأتي زوجه، فإن نزع حالاً صح صومه، وإن استمر ولو قليلاً بعد ذلك فعليه القضاء والكفارة إن علم بالفجر وقت طلوعه، أما إن لم يعلم فعليه القضاء دون الكفارة.
    الحنابلة قالوا: يوجب القضاء والكفارة شيئان: أحدهما: الوطء في نهار رمضان في قبل أو دبر، سواء كان المفعول به حياً أو ميتة، عاقلاً أو غيره، ولو بهيمة، وسواء كان الفاعل متعمداً أو ناسياً عالماً أو جاهلاً، مختاراً أو مكرهاً أو مخطئاً، كمن وطئ وهو يعتقد أن الفجر لم يدخل وقته، ثم تبين أنه وطئ بعد الفجر، ودليلهم على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في نهار رمضان بالقضاء والكفارة، ولم يطلب منه بيان حاله وقت الجماع، والكفارة واجبة في ذلك، سواء كان الفاعل صائماً حقيقة أو ممسكاً إمساكاً واجباً، وذلك كمن لم يبيت النية، فإنه لا يصح صومه مع وجوب الإمساك عليه، فإذا جامع في هذه الحالة لزمته الكفارة مع القضاء الذي تعلق بذمته.
    هذا، والنزع جماع: فمن طلع عليه الفجر وهو يجامع فنزع وجب عليه القضاء والكفارة؛ أما الموطوء، فإن كان مطاوعاً عالماً بالحكم غير ناس للصوم فعليه القضاء والكفارة أيضاً: ثانيهما: إذا باشرت امرأة أخرى وأنزلت إحداهما وجبت عليها الكفارة، ويقال لذلك: المساحقة.
    هذا، وإذا جامع وهو في حال صحته ثم عرض له مرض، لم تسقط الكفارة عنه بذلك، ومثل ذلك إذا جامع وهو طليق، ثم حبس، أو جامع وهو مقيم، ثم سافر، أو جومعت المرأة وهي غير حائض، ثم حاضت، فإن الكفارة لا تسقط بشيء من ذلك.
    المالكية قالوا: موجبات القضاء والكفارة هي كل ما يفسد الصوم بشرائط خاصة، وإليك بيان مفسدات الصوم الموجبة للقضاء والكفارة.
    أولاً: الجماع الذي يوجب الغسل، ويفسد به صوم البالغ، سواء كان قاعلاً أو مفعولاً، وإذا جامع بالغ صغيرة لا تطيقه، فإن صومه لا يفسد إلا بالإنزال، وإذا خرج المني من غير جماع فإنه يوجب الكفارة دون القضاء، إلا أنه إذا كان بنظر أو فكر فإنه لا يوجب الكفارة إلا بشرطين:
    أحدهما: أن يديم النظر والفكر. فلو نظر إلى امرأة ثم غض بصره عنها بدون أن يطيل النظر، وأمنى بهذا، فلا كفارة عليه.
    الثاني: أن تكون عادته الإنزال عند استدامة النظر. فإن لم يكن الإنزال عادته عند استدامة النظر ففي الكفارة وعدمها قولان: وإذا خرج المني بمجرد نظر أو فكر مع لذة معتادة بلا استدامة أوجب القضاء دون الكفارة. وأما إخراج المذي فإنه يوجب القضاء فقط على كل حال، ومن أتى امرأة نائمة في نهار رمضان وجب عليه أن يكفر عنها، كما تجب الكفارة على من صب شيئاً عمداً في خلق شخص آخر وهو نائم ووصل لمعدته، وأما القضاء فيجب على المرأة وعلى المصبوب في حلقه، لأنه لا يقبل النيابة.
    ثانياً: إخراج القيء وتعمده، سواء ملأ الفم أو لا، فمن فعل ذلك عمداً بدون علة وجب عليه القضاء والكفارة، أما إذا غلبه القيء فلا يفسد الصوم إلا إذا رجع شيء منه، ولو غلبه فيفسد صومه، وهذا بخلاف البلغم إذا رجع، فلا يفسد الصوم، ولو أمكن الصائم أن يطرحه وتركه حتى رجع.
    ثالثاً: وصول مائع إلى الحلق من فم أو أذن أو عين أو أنف. سواء كان المائع ماء أو غيره إذا وصل عمداً، فإنه تجب به الكفارة والقضاء، أما إذا وصل سهواً، كما إذا تمضمض فوصل الماء إلى الحلق قهراً، فإنه يوجب القضاء فقط، وكذا إذا وصل خطأ، كأكله نهاراً معتقداً بقاء الليل أو غروب الشمس، أو شاكاً في ذلك ما لم تظهر الصحة، كأن يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس، أو شاكاً في ذلك ما لم تظهر الصحة، كأن يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس، وإلا فلا يفسد صومه، وفي حكم المائع:
    البخور وبخار القدر إذا استنشقهما فوصلا إلى حلقه، وكذلك الدخان الذي اعتاد الناس شربه، وهو مفسد للصوم بمجرد وصوله إلى الحلق، وإن لم يصل إلى المعدة، وأما دخان الحطب فلا أثر له، كرائحة الطعام إذا استنشقها فلا أثر لها أيضاً، ولو اكتحل نهاراً فوجد طعم الكحل في حلقه فسد صومه، ووجبت عليه الكفارة إن كان عامداً، وأما لو اكتحل ليلاً ثم وجد طعمه نهاراً فلا يفسد صومه، ولو دهن شعره عامداً بدون عذر، فوصل الدهن الى حلقه من مسام الشعر، فسد صومه، وعليه الكفارة، وكذا إذا استعملت المرأة الحناء في شعرها عمداً بدون عذر. فوجدت طعمها في حلقها فسد صومها. وعليها الكفارة.
    رابعاً: وصول أي شيء إلى المعدة. سواء كان مائعاً أو غيره، عمداً بدون عذر، سواء وصل من الأعلى أو من الأسفل. لكن ماوصل من الأسفل لا يفسد الصوم إلا إذا وصل من منفذ، كالدبر. فلا يفسد الصوم بسريان زيت أو نحوه من المسام إلى المعدة. فالحقنة بالإبرة في الذراع أو الألية أو غير ذلكلا تفطر. أما الحقنة في الإحليل، وهو الذكر. فلا تفسد الصوم مطلقاً. ولو وصل إلى المعدة حصاة أو درهم فسد صومه إن كان واصلاً من الفم فقط. وكل ما وصل إلى المعدة على ما بين يبطل الصوم. ويوجب القضاء في رمضان، سواء كان وصوله عمداً أو غلبة، أو سهواً. أو خطأ، كما تقدم في وصول المائع للحلق، إلا أن الواصل عمداً في بعضه الكفارة على الوجه الذي بينا.
    وبالجملة فمن تناول مفسادا من مفسدات الصوم السابقة وجب عليه القضاء والكفارة بشروط: أولاً: أن يكون الفطر في أداء رمضا، فإن كان في غيره كقضاء رمضان، وصوم منذور أو صوم كفارة، أو نفل، فلا تجب عليه الكفارة. وعليه القضاء في بعض ذلك. على تفصيل يأتي في القسم الثاني؛
    ثانياً: أن يكون متعمداً. فإن أفطر ناسياً أو مخطئاً. أو لعذر. كمرض وسفر. فعليه القضاء فقط.
    ثالثاً: أن يكون مختاراً في تناول المفطر. أما إذا كان مكرهاً فلا كفارة عليه وعليه القضاء
    رابعاً: أن يكون عالماً بحرمة الفطر. ولو جهل وجوب الكفارة عليه. خامساً: أن يكون غير مبال بحرمة الشهر وهو غير المتأول تأويلاً قريباً وإن كان متأويلاً تأويلاً قريباً فلا كفارة عليه والمتأول تأويلاً قريباً هو المستند في فطره لأمر موجود؛ وله أمثلة:
    منها أن يفطر أولاً ناسياً أو مكرهاً. ثم ظن أنه لا يجب عليه إمساك بقية اليوم بعد التذكر. أو زوال الإكراه فتناول مفطراً عمداً. فلا كفارة عليه لاستناده لأمر موجود وهو الفطر أولاً نسياناً أو بإكراه. ومنها ما إذا سافر الصائم مسافة أقل من مسافة القصر فظن أن الفطر مباح له. لظاهر قوله تعالى: {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} فنوى الفطر من الليل وأصبح مفطراً. فلا كفارة عليه. ومنها من رأى هلال شوال نهار الثلاثين من رمضان فظن أنه يوم عيد. وأن الفطر مباح فأفطر لظاهر قوله عليه السلام: "وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" فلا كفارة عليه وأما المتأول تأويلاً بعيداً فهو المستند في فطره إلى أمر غير موجود وعليه الكفارة وله أيضاً أمثلة: منها أن من عادته الحمى في يوم معين. فبيت نية الفطر من الليل ظاناً أنه مباح فعليه الكفارة. ولو حم في ذلك اليوم. ومنها المرأة تعتاد الحيض في يوم معين.
    فبيتت نية الفطر لظنها إباحته في ذلك اليوم لمجيء الحيض فيه. ثم أصبحت مفطرة فعليها الكفارة. ولو جاء الحيض في ذلك اليوم حيث نوت الفطر قبل مجيئه. ومنها من اغتاب في يوم معين من رمضان فظن أن صومه بطل. وأن الفطر مباح فأفطر متعمداً. فعليه الكفارة،
    سادساً: أن يكون الواصل من الفم. فلو وصل شيء من الأذن أو العين أو غيرهما. مما تقدم، فلا كفارة، وإن وجب القضاء.
    سابعاً: أن يكون الوصول للمعدة، فلو وصل شيء إلى حلق الصائم، ورده فلا كفارة عليه. وإن وجب القضاء في المائع الواصل إلى الحلق، ومن الأشياء التي تبطل الصوم وتوجب القضاء والكفارة: رفع النية ورفضها نهاراً، وكذا رفع النية ليلاً إذا استمر رافعاً لها حتى طلع الفجر وصول شيء إلى المعدة من القيء الذي أخرجه الصائم عمداً سواء وصل عمداً أو غلبة لا نسياناً ووصول شيء من أثر السواك الرطب الذي يتحلل منه شيء عادة كقشر الجوزن ولو كان الوصول غلبة متى تعمد الاستياك في نهار رمضان، فهذه الأشياء توجب الكفارة بالشروط السابقة ما عدا التعمد بالنسبة للراجع من القيء، والواصل من أثر السواك المذكور، فإنه لا يشترط، بل التعمد والوصول غلبة سواء، وأما الوصول نسياناً فيوجب القضاء فقط فيهما
    (10) الحنفية قالوا: ما يوجب القضاء دون الكفارة ثلاثة أشياء: الأولى: أن يتناول الصائم ما ليس فيه غذاء أو ما في معنى الغذاء، وما فيه غذاء هو ما يميل الطبع إلى تناوله، وتنقضي شهوة البطن به، وما في معنى الغذاء هو الدواء، الثاني: أن يتناول غذاء أو دواء لعذر شرعي، كمرض أو سفر أو إكراه، أو خطأ، كأن أهمل وهو يتمضمض، فوصل الماء إلى جوفه، وكذا إذا داوى جرحاً في بطنه أو رأسه، وصل الدواء إلى جوفه أو دماغه، أما النسيان فإنه لا يفسد الصيام أصلاً، فلا يجب به قضاء ولا كفارة، الثالث: أن يقضي شهوة الفرج غير كاملة، ومن القسم الأول ما إذا أكل أرزاً نيئاً، أو عكيناً، أو دقيقاً غير مخلوط بشيء يؤكل عادة، كالسمن والعسل، وإلا وجبت به الكفارة، وكذا إذا أكل طيناً غير أرمني إذا لم يعتد أكله أما الطين الأرمني وهو معروف عند العطارين فإنه يوجب الكفارة مع القضاء، أو أكل ملحاً كثيراً دفعة واحدة، فإن ذلك مما لا يقبله الطبع، ولا تنقضي به شهوة البطن.
    أما أكل القليل منه، فإن فيه الكفارة مع القضاء، لأنه يتلذذ به عادة، وكذا إذا أكل نواة أو قطعة من الجلد أو ثمرة من الثمار التي لا تؤكل قبل نضجها كالسفرجل إذا لم يطبخ أو يملح، وإلا كانت فيه الكفارة، وكذا إذا ابتلع حصاة، أو حديدة، أو درهماً، أو ديناراً: أو تراباً، أو نحو ذلك، أو أدخل ماء أو دواء في جوفه بواسطة الحقنة من الدبر، أو الأنف، أو قبل المرأة، وكذا إذا صب في أذنه دهناً، بخلاف ما إذا صب ماء، فإنه لا يفسد صومه على الصحيح، لعدم سريان الماء، وكذا دخل فمه مطر أو ثلج، ولم يبتلعه بصنعه، وكذا إذا تعمد إخراج القيء من جوفه، أو خرج كرهاً وأعاده بصنعه، بشرط أن يكون ملء الفم في الصورتين، وأن يكون ذاكراً لصومه، فإن كان ناسياً لصومه لم يفطر في جميع ما تقدم، وكذا إذا كان أقل من ملء الفم على الصحيح، وإذا أكل ما بقي من نحو تمرة بين أسنانه إذا كان قدر الحمصة وجب القضاء؛ فإن كان أقل فلا يفسد، لعدم الاعتداد به، وكذا إذا تكون ريقه ثم ابتلعه، أو بقي بلل بفيه بعد المضمضة وابتلعه مع الريق، فلا يفسد صومه، وينبغي أن يبصق بعد المضمضة قبل أن يبتلع ريقه، ولا يشترط المبالغة في البصق، ومن القسم الثاني - وهو ما إذا تناول غذاء؛ أو ما في معناه لعذر شرعي - إذا أفطرت المرأة خوفاً على نفسها أن تمرض من الخدمة، أو كان الصائم نائماً، وأدخل أحد شيئاً مفطراً في جوفه، وكذا إذا أفطر عمداً بشبهة شرعية؛ بأن أكل عمداً بعد أن أكل ناسياً أو جامع ناسياً، ثم جامع عامداً، أو أكل عمداً بعد الجماع ناسياً، وكذا إذا لم يبيت النية ليلاً ثم نوى نهاراً، فإنه إذا أفطر لا تجب عليه الكفارة لشبهة عدم صيامه عند الشافعية، وكذا إذا نوى الصوم ليلاً.
    ولم ينقص نيته، ثم أصبح مسافراً، ونوى الإقامة بعد ذلك ثم أكل لا تلزمه الكفارة وإن حرم عليه الأكل في هذه الحالة وكذا إذا أكل، أو شرب، أو جامع شاكاً في طلوع الفجر، وكان الفجر طالعاً، لوجود الشبهة. أما الفطر وقت الغروب. فلا يكفي فيه الشك لإسقاط الكفارة بل لا بد من غلبة الظن على إحدى الروايتين. ومن جامع قبل طلوع الفجر ثم طلع عليه الفجر فإن نزع فوراً لم يفسد صومه. وإن بقي كان عليه القضاء والكفارة. ومن القسم الثالث - وهو ما إذا قضى ضهوة الفرج غير كاملة - ما إذا أمنى بوطء ميتة أو بهيمة أو صغيرة لا تشتهى؛ أو أمنى بفخذ أو بطن أو عبث بالكف، أو وطئت المرأة وهي نائمة أو قطرت في فرجها دهناً ونحوه فإنه يجب في كل هذا القضاء دون الكفارة. ويلحق بهذا القسم ما إذا أدخل إصبعه مبلولة بماء أو دهن في دبره واستنجى فوصل الماء إلى داخل دبره، وإنما يفسد ما دخل في الدبر إذا ما وصل إلى محل الحقنة ولم يبق منه شيء. أما إذا بقي منه في الخارج شيء بحيث لم يغب كله لم يفسد صومه وكذلك المرأة إذا أدخلت إصبعها مدهونة بماء أو دهن في فرجها الداخل. أو أدخلت خشبة الحقنة أو نحوها في داخل فرجها، وغيبتها كلها. ففي كل هذه الأشياء ونحوها يجب القضاء دون الكفارة.
    هذا، ولا يفسد صومه لو صب ماء أو دهناً في إحليله للتداوي، وكذا لو نظر بشهوة فنزل مني بشهوة ولو كرر النظر. كما لا يفطر إذا أمنى بسبب تفكره في وقاع ونحوه، أو احتلم، ولا يفطر أيضاً بشم الروائح العطرية كالورد والنرجس، ولا بتأخير غسل الجنابة حتى تطلع الشمس، ولو مكث جنباً كل اليوم. ولا يفطر بدخول غبار طريق، أو غربلة دقيق؛ أو ذباب، أو بعوض إلى حلقة رغماً عنه.
    المالكية قالوا: من تناول مفطراً من الأمور المفسدة للصوم المتقدمة، ولم تتحقق فيه شرائط وجوب الكفارة السابة فعليه القضاء فقط، سواء كان الصائم في رمضان أو في فرض غيره كقضاء رمضان، والكفارات، والنذؤ غير المعين، وأما النذر المعين فإن كان الفطر فيه لعذر، كمرض واقع أو متوقع. بأن ظن أن الصوم في ذلك الوقت المعين يؤدي إلى مرضه، أو خاف من الصوم زيادة المرض، أو تأخر البرء، أو كان الفطر لحيض المرأة، أو نفاسها، أو لإغماء، أو جنون، فلا يجب قضاؤه، نعم إذا بقي شيء من زمنه بعد زوال المانع تعين الصوم فيه، أما إذا أفطر فيه ناسياً، كأن نذر صوم يوم الخمس فصام الأربعاء، يظنه الخميس، ثم أفطر يوم الخميس فعليه القضاء.
    هذا، ومن الصيام المفروض، صوم المتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي، فإن أفطر أحدهما فيهما وجب عليه القضاء.
    وبالجملة كل فرض أفطر فيه فإنه يجب عليه قضاؤه، إلا النذر المعين على التفصيل السابق، وأما النفل فلا يجب القضاء على من أفطر فيه إلا إذا كان القطر عمداً حراماً، أما ما لا يفسده الصوم، ولا يوجب القضاء، فهو أمور:
    أحدها: أن يغلبه القيء، ولم يبتلع منه شيئاً فهذا صومه صحيح،
    ثانيها: أن يصل غبار الطريق أو الدقيق ونحوهما إلى حلق الصائم الذييزاول أعمالاً تتعلق بذلك، كالذي يباشر طحن الدقيق، أو نخله، ومثلهما ما إذا دخل حلقه ذباب، بشرط أن يصل ذلك إلى حلقه قهراً عنه،
    ثالثها: أن يطلع عليه الفجر وهو يأكل أو يشرب مثلاً، فيطرح المأكول ونحوه من فيه بمجرد طلوع الفجر، فإنه لا يفسد صيامه بذلك،
    رابعها: من غلبه المني أو المذي بمجرد نظر أو فكر فإن ذلك لا يفسد الصيام، كما تقدم قريباً.
    خامسها: أن يبتلع ريقه المتجمع في فمه، أو يبتلع ما بين أسنانه من بقايا الطعام؛ فإنه لا يضره ذلك، وصومه صحيح حتى ولو تعمد بلع ما بين أسنانه على المعتمد، إلا إذا كان كثيراً عرفاً وابتلعه. ولو قهراً عنه، فإن صيامه يبطل في هذه الحالة،
    سادسها: أن يضع دهناً على جرح في بطنه متصلاً بجوفه؛ فإن ذلك لا يفطره، لأن كل ذلك لا يصل للمحل الذي يستقر فيه الطعام والشراب؛ سابعها: الاحتلام، فمن احتلم فإن صومه لا يفسد.
    الحنابلة قالوا: يوجب القضاء دون الكفارة أمور:
    منها إدخال شيء إلى جوفه عمداً من الفم أو غيره، سواء كان يذوب في الجوف كلقمة، أو لا، كقطعة حديد أو رصاص، وكذا إذا وجد طعم العلك - اللبان - بعد مضغه نهاراً، أو ابتلع نخامة وصلت إلى فمه أو وصل الدواء بالحقنة إلى جوفه؛ أو وصل طعم الكحل إلى حلقه أو وصل قيء إلى فمه، ثم ابتلعه عمداً، أو أصاب ريقه نجاسة ثم ابتلعه عمداً، فإن صومه يفسد في كل هذه الأحوال، وعليه القضاء دون الكفارة، كما يفسد أيضاً بكل ما يصل إلى دماغه عمداً، كالدواء الذي يصل إلى أم الدماغ إذا داوى به الجرح الواصل إليها، وتسمى - المأمومة - وكذا يفسد صومه، وعليه القضاء دون الكفارة إذا أمنى بسبب تكرار النظر، أو أمنى بسبب الاستمناء بيده، أو بيد غيره، وكذا إذا أمذى بنظر أو نحوه، أو أمنى بسبب تقبيل أو لمس، أو بسبب مباشرة دون الفرج، فإن صومه يفسد إذا تعمد في ذلك، وعليه القضاء، ولو كان جاهلاً بالحكم، ويفسد صومه أيضاً إذا قاء قهراً عنه ولو قليلاً، وعليه القضاء فقط، ويفسد أيضاً بالحجامة؛ فمن احتجم أو حجم غيره عمداً فسد صومه إذا ظهر دم، وإلا لم يفطر، ولا يفسد صومه بشيء من هذه الأمور إذا فعله ناسياً أو مكرهاً ولو كان الإكراه بإدخال دواء إلى دوفه، وأما ما لا يوجب كفارة ولا قضاء، فأمور منها الفصد ولو خرج دم، ومنها التشريط بالموسى بدل الحجامة للتداوي، ومنها الرعاف؛ وخروج القيء رغماً عنه؛ ولو كان عليه دم، ومنها إذا وصل إلى حلق الصائم ذباب أو غبار طريق ونحوه بلا قصد، لعدم إمكان التحرز عنه، ومنها ما إذا أدخلت المرأة إصبعها أو غيره في قبلها، ولو مبتلة، فإنه لا تفطر بذلك، ومنها الإنزال بالفكر، أو الاحتلام فإنه لا يفسد الصوم، ومنها ما إذا لطخ باطن قدمه بالحناء؛ فوجد طعمها في حلقه؛ ومنها ما إذا
    تمضمض أو استنشق، فسرى الماء إلى جوفه بلا قصد، فإن صومه لا يفسد بذلك حتى ولو بالغ في المضمضة والاستنشاق، ولو كانت المضمضة عبثاً مكروهاً، ومنها ما إذا أكل أو شرب أو جامع شاكاً في طلوع النهار أو ظاناً غروب الشمس ولم يتبين الحال، فإن صومه لا يفسد بذلك أما إذا تبينه في الصورتين فعليه القضاء في الأكل والشرب؛ وعليه القضاء والكفارة في الجماع، ومنها أن يأكل أو يشرب في وقت يعتقده ليلاً فبان نهاراً، أو أكل فظن أنه أفطر بالأكل ناسياً فأكل عامداً، فإن صومه يفسد، وعليه القضاء فقط.
    الشافعية قالوا: ما يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة أمور: منها وصول شيء إلى جوف الصائم؛ كثيراً كان أو قليلاً؛ ولو قدر سمسمة أو حصاة، ولو ماء قليلاً، ولا يفسد الصوم بذلك إلا بشروط:
    أحدها: أن يكون جاهلاً، بسبب قرب إسلامه،
    ثانيها؛ أن يكون عامداً، فلو وصل شيء قهراً عنه، فإن صومه لا يفسد،
    ثالثها؛ أن تصل إلى جوفه من طريق معتبر شرعاً كأنفه وفمه وأذنه وقبله ودبره وكالجرح الذي يوصل إلى الدماغ، ومنها تعاطي الدخان المعروف والتمباك والنشوق ونحو ذلك؛ فإنه يفسد الصوم، ويوجب القضاء دون الكفارة، لما عرفت من مذهبهم أن الكفارة لا تجب إلا بالجماع بالشرائط المتقدمة، ومنها ما لو أدخل إصبعه أو جزءاً منه؛ ولو جافاً حالة الاستنجاء في قبل أو دبر بدون ضرورة فإن صومه يفسد بذلك، أما إذا كان لضرورة فإنه لا يفسد. ومنها أن يدخل عوداً ونحوه في باطن أذنه، فإنه يفطر بذلك. لأن باطن الأذن تعتبر شرعاً من الجوف أيضاً، ومن ذلك ما إذا زاد في المضمضة والاستنشاق عن القدر المطلوب شرعاً من الصائم بأن بالغ فيهما.
    أو زاد عن الثلاث؛ فترتب على ذلك سبق الماء إلى جوفه، فإن صيامه يفسد ذلك، وعليه القضاء، ومنها ما إذا أكل ما بقي من بين أسنانه مع قدرته على تمييزه وطرحه؛ فإنه يفطر بذلك، ولو كان دون الحمصة، ومنها إذا قاء الصائم عامداً عالماً مختاراً، فإنه يفطر، وعليه القضاء، ولو لم يملأ الفم، ومنها ما إذا دخلت ذبابه في جوفه، فأخرجها، فإن صومه يفسد، وعليه القضاء، ومنها ما إذا تجشى عمداً فخرج شيء من معدته إلى ظاهر حلقه، فإن صومه يفسد بذلك، وظاهر الحلق - هو مخرج الحاء المهملة على المعتمد - وليس من ذلك إخراج النخامة من الباطن - وقذفها إلى الخارج لتكرر الحاجة إلى ذلك، أما لو بلعتها بعد وصولها واستقرارها في فمه فإنه يفطر، ومنها الإنزال بسببب المباشرة، ولو كانت فاحشة، وكذا الإنزال بسبب تقبيل أو لمس أو نحو ذلك، فإنه يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط، أما الإنزال بسبب النظر أو الفكر، فإن كان غير عادة له، فإنه لا يفسد الصوم، كالاحتلام



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصيام]
    صـــــ 517 الى صــــــــ528
    الحلقة (68)

    [ما يكره فعله للصائم وما لا يكره]
    يكره للصائم فعل أمور مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
    [حكم من فسد صومه في أداء رمضان]
    من فسد صومه في أداء رمضان وجب عليه الإمساك بقية اليوم تعظيماً لحرمة الشهر، فإذا داعب شخص زوجه أو عانقها أو قبلها أو نحو ذلك فأمنى، فسد صومه، وفي هذه الحالة يجب عليه الإمساك بقية اليوم، ولا يجوز له الفطر، أما من فسد صومه في غير أداء رمضان، كالصيام المنذور، سواء أكان معيناً أم لا، وكصوم الكفارات، وقضاء رمضان، وصوم التطوع، فإنه لا يجب عليه الإمساك بقية اليوم، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
    [الأعذار المبيحة للفطر]
    [المرض وحصول المشقة الشديدة]

    الأعذار التي تبيح الفطر للصائم كثيرة:
    منها المرض، فإذا مرض الصائم، وخاف زيادة المرض بالصوم، أو خاف تأخر البرء من المرض، أو حصلت له مشقة شديدة بالصوم، فإنه يجوز له الفطر، باتفاق ثلاثة، وقال الحنابلة" بل يسن له الفطر، ويكره له الصوم في هذه الأحوال، أما إذا غلب على ظنه الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصوم، كما إذا خاف تعطيل حاسة من حواسه، فإنه يجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم، باتفاق.هذا ما إذا كان مريضاً بالفعل، أما إذا كان صحيحاً، وظن بالصوم حصول مرض شديد، ففي حكمه تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (3) .
    ولا يجب على المريض إذا أراد الفطر أن ينوي الرخصة التي منحها الشارع للمعذورين، باتفاق ثلاثة؛
    وقال الشافعية:
    بل نية الترخص له بالفطر واجبة، وإن تركها كان آثماً.
    [خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام]
    إذا خافت الحامل والمرضع الضرر من الصيام على أنفسهما وولديهما معاً، أو على أنفسهما فقط، أو على ولديهما فقط، فإنه يجوز لهما الفطر على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (4) .
    [الفطر بسبب السفر]
    يباح الفطر للمسافر بشرط أن يكون السفر مسافة تبيح قصر الصلاة على ما تقدم تفصيله، وبشرط أن يشرع فيه قبل طلوع الفجر بحيث يصل إلى المكان الذي يبدأ فيه قصر الصلاة قبل طلوع الفجر، فإن كان السفر لا يبيح قصرها لم يجز له الفطر، وهذان الشرطان متفق عليهما، عند ثلاثة. وخالف الحنابلة في الشرط الأول، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ؛ وزاد الشافعية شرطاً ثالثاً فانظره تحت الخط (6) ؛ فإذا شرع في السفر بعد طلوع الفجر حرم عليه الفطر، فلو أفطر فعليه القضاء دون الكفارة؛ عند ثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ، ويجوز الفطر للمسافر الذي بيت النية بالصوم؛ ولا إثم عليه، وعليه القضاء، خلافاً للمالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (8) ، ويندب للمسافر الصوم إن لم يشق عليه،
    لقوله تعالى:
    {وأن تصوموا خير لكم} فإن الشافعية قالوا: عليه كان الفطر أفضل؛ باتفاق الحنفية، والشافعية، أما المالكية والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (9) ، إلا إذا أدى الصوم إلى الخوف على نفسه من التلف أو تلف عضو منه، أو تعكيل منفعته، فيكون الفطر واجباً، ويحرم الصوم، باتفاق.
    [صوم الحائض والنفساء]
    إذا حاضت المرأة الصائمة أو نفست وجب عليها الفطر، وحرم الصيام، ولو صامت فصومها باطل، وعليها القضاء.
    [حكم من حصل له جوع أو عطش شديدان]
    فأما الجوع والعطش الشديدان اللذان لا يقدر معهما على الصوم، فيجوز لمن حصل له شيء من ذلك الفطر؛ وعليه القضاء.
    [حكم الفطر لكبر السن]
    الشيخ الهرم الفاني الذي لا يقدر على الصوم في جميع فصول السنة يفطر وتجب عن كل يوم فدية طعام مسكين؛
    وقال المالكية:
    يستحب له الفدية فقط؛ ومثله المريض الذي لا يرجى برؤه، ولا قضاء عليهما لعدم القدرة، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) ، أما من عجز عن الصوم في رمضان، ولكن يقدر على قضائه في وقت آخر، فإنه يجب عليه القضاء في ذلك الوقت، ولا فدية عليه.
    [إذا طرأ على الصائم جنون]
    إذا طرأ على الصائم جنون ولو لحظة، ولم يجب عليه الصوم، ولا يصح؛ وفي وجوب القضاء تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (11) .
    وإذا زال العذر المبيح للإفطار في أثناء النهار، كأن طهرت الحائض، أو أقام المسافر، أو بلغ الصبي، وجب عليه الإمساك بقية اليوم احتراماً للشهر؛ عند الحنفية، والحنابلة، أما المالكية والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) .
    [ما يستحب للصائم]
    يستحب للصائم أمور: منها تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب، وقبل الصلاة، ويندب أن يكون على رطب، فتمر؛ فحلو، فماء، وأن يكون ما يفطر عليه من ذلك وتراً، ثلاثة، فأكثر ومنها الدعاء عقب فطره بالمأثور،
    كأن يقول:
    اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك توكلت، وبك آمنت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر، يا واسع الفضل اغفر لي الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت، ومنها السحور على شيء وإن قل، ولو جرعة ماء؛
    لقوله صلى الله عليه وسلم:
    "تسحروا، فإن في السحور بركة"، ويدخل وقته بنصف الليل الأخير، وكلما تأخر كان أفضل، بحيث لا يقع في شك في الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يُريبك" ومنها كف اللسان عن فضول الكلام، وأما كفه عن الحرام، كالغيبة والنميمة، فواجب في كل زمان، ويتأكد في رمضان؛ ومنها الإكثار من الصدقة والإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين. ومنها الاشتغال بالعلم، وتلاوة القرآن والذكر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما تيسر له ذلك ليلاً أو نهاراً؛ ومنها الاعتكاف، وسيأتي بيانه في مبحثه.
    [قضاء رمضان]
    من وجب عليه قضاء رمضان لفطرة فيه عمداً أو لسبب من الأسباب السابقة فإنه يقضى بدل الأيام التي أفطرها في زمن يباح الصوم فيه تطوعاً، فلا يجزئ القضاء فيما نهى عن صومه، كأيام العيد، ولا فيما تعين لصوم مفروض كرمضان الحاضر، وأيام النذر المعين، كأن ينذر صوم عشرة أيام من أول ذي القعدة، فلا يجزئ قضاء رمضان فيها لتعينها بالنذر، عند المالكية، والشافعية، أما الحنابلة، والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (13) ، كما لا يجزئ القضاء في رمضان الحاضر، لأنه متعين للأداء، فلا يقبل صوماً آخر سواه، فلو نوى أن يصوم رمضان الحاضر أو أياماً منه قضاء عن رمضان سابق، فلا يصح الصوم عن واحد منهما، لا عن الحاضر، لأنه لم ينوه، ولا عن الفائت، لأن الوقت لا يقبل سوى الحاضر، باتفاق ثلاثة،وخالف الحنفية فانظر مذهبيهم تحت الخط (14) ؛ ويجزئ القضاء في يوم الشك لصحة صومه تطوعاً، ويكون القضاء بالعدد لا بالهلال، فمن أفطر رمضان كله؛ وكان ثلاثين يوماً، ثم ابتدأ قضاءه من أول المحرم مثلاً، فكان تسعة وعشرين يوماً، وجب عليه أن يصوم يوماً آخر بعد المحرم ليكون القضاء ثلاثين يوماً كرممضان الذي أفطره، ويستحب لمن عليه قضاء أن يبادر به ليتعجل براءة ذمته، وأن يتابعه إذا شرع فيه؛ فإذا أخر القضاء أو فرقه صح ذلك، وخالف المندوب، إلا أنه يجب عليه القضاء فوراً إذا بقي على رمضان الثاني بقدر ما عليه من أيام رمضان الأول؛ فيتعين القضاء فوراً في هذه الحالة خلافاً للشافعية، والحنفية؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط (15) ، ومن أخر القضاء حتى دخل رمضان الثاني وجبت عليه الفدية (الشافعية قالوا: تتكرر الفدية بتكرر الأعوام) زيادة عن القضاء، وهي إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء ومقدارها هو ما تعطى لمسكين واحد في الكفارة، كما تقدم في "مبحث الكفارات"، باتفاق ثلاثة؛ وخالف الحنفية،
    فقالوا:
    لا فدية على من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان الثاني، سواء كان التأخير بعذر أو بغير عذر؛ وإنما تجب الفدية إذا كان متمكناً من القضاء قبل دخول رمضان الثاني، وإلا فلا فدية عليه، ولا تتكرر الفدية بتكرر الأعوام بدون قضاء، باتفاق ثلاثة.
    وقال الشافعية:
    بل تتكرر الفدية بتكرر الأعوام.
    [الكفارة الواجبة على من أفطر رمضان، وحكم من عجز عنها]
    تقدم أن الصيام ينقسم إلى مفروض وغيره، وأن المفروض ينقسم إلى أقسام.
    صوم رمضان وصوم الكفارات، والصيام المنذور؛ أما صوم رمضان فقد تقدم الكلام فيه، وأما الكفارات،
    فأنواع:
    منها كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة القتل، ولهذه الأنواع الثلاثة مباحث خاصة بها في قسم المعاملات. "وقد ذكرنا كفارة اليمين في الجزء الثاني وكفارة الظهارة في الجزء الرابع، ومن أنواع الكفارات كفارة الصيام، وهي المراد بيانها هنا:
    فكفارة الصيام هي التي تجب على ما أفطر في أداء رمضان على التفصيل السابق في المذاهب. وهي إعتاق رقبة مؤمنة، باتفاق ثلاثة، وقال الحنفية، لا يشترط أن تكون الرقبة مؤمنة في الصيام، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب المضرة، كالعمى والبكم والجنون، فإن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين، فإن صام في أول الشهر العربي أكمله وما بعده باعتبار الأهلة، وإن ابتدأ في أثناء الشهر العربي صام باقيه. وصام الشهر الذي بعده كاملاً باعتبار الهلال، وأكمل الأول ثلاثين يوماً من الثالث، ولا يحسب يوم القضاء من الكفارة، ولا بد من تتابع هذين الشهرين بحيث لو أفسد يوماً في أثنائها ولو بعذر شرعي، كسفر، صار ما صامه نفلاً، ووجب عليه استئنافها لانقطاع التتابع الواجب فيها، باتفاق ثلاثة، وقال الحنابلة: الفطر لعذر شرعي كالفطر للسفر لا يقطع التتابع، فإن لم يستطع الصوم لمشقة شديدة ونحوها، فإطعام ستين مسكيناً، فهي واجبة على الترتيب المذكور باتفاق ثلاثة. وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (16) ، وقد استدل الثلاثة بخبر الصحيحية عن أبي هريرة رضي الله عنه،
    جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
    "هلكت، قال: وما أهلكك،! قال: واقعت امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، ثم جلس السائل، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر "العرق: مكتل في خوص النخل، وكان فيه مقداره الكفارة" فقال تصدق بهذا، فقال: على أفقر منا يا رسول الله، فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب، فأطعمه أهلك" وما جاء في هذا الحديث من إجراء صرف الكفارة لأهل المكفر، وفيهم من تجب عليه نفقته فهو خصوصية لذلك الرجل، لأن المفروض في الكفارة إنما هو إطعام ستين مسكيناً لغير أهله، بحيث يغطي كل واحد منهم مقداراً مخصوصاً، على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (17) .
    وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام التي حصل فيها ما يقتضي الكفارة، عند الشافعية، والمالكية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (18) ، أما إذا تعدد المتقضى في اليوم الواحد فلا تتعدد، ولو حصل الموجب الثاني بعد أداء الكفارة عن الأول، فلو وطئ في اليوم الواحد عدة مرات فعليه كفارة واحدة، ولو كفر بالعتق أو الإطعام عقب الوطء الأول، فلا يلزمه شيء لما بعده، وإن كان آثماً لعدم الإمساك الواجب، فإن عجز عن جميع أنواع الكفارات استقرت في ذمته إلى الميسرة، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (19)


    (1) الحنفية قالوا: يكره للصائم فعل أمور: أولاً: ذوق شيء لم يتحلل منه ما يصل إلى جوفه بلا فرق بين أن يكون الصوم فرضاً أو نفلاً إلا في حالة الضرورة، فيجوز للمرأة أن تذوق الطعام لتتبين ملوحته إذا كان زوجها شيء الخلق، ومثلها الطاهي - الطباخ -، وكذا يجوز لمن يشتري شيئاً يؤكل أو يشرب أن يذوقه إذا خشي أن يغبن فيه ولا يوافقه، ثانياً: مضغ شيء الحنابلة لا عذر، فإن كان لعذر كما إذا مضغت المرأة طعاماً لابنها، ولم تجد من يمضغه سواها ممن يحل له الفطر، فلا كراهة، ومن المكروه مضغ العلك - اللبان - الذي لا يصل منه شيء إلى الجوف، ثالثاً: تقبيل امرأته، سواء كانت القبلة فاحشة بأن مضغ شفتها، أو لا، وكذا مباشرتها مباشرة فاحشة، بأن يضع فرجه على فرجها بدون حائل. وإنما يكره له ذلك إذا لم يأمن على نفسه من الإنزال أو الجماع، أما إذا أمن، فلا يكره؛ كما يأتي، رابعاً: جمع ريقه في فمه ثم ابتلاعه، لما فيه من الشبهة، خامساً: فعل ما يظن أنه يضعفه عن الصوم، كالفصد والحجامة، أما إذا كان يظن أنه لا يضعفه فلا كراهة، وأما ما لا يكره للصائم فعله فأمور:
    أولاً: القبلة، أو المباشرة الفاحشة إن أمن الإنزال والجماع،
    ثانياً: دهن شاربه، لأنه ليس فيه شيء ينافي الصوم؛
    ثالثاً: الاكتحال ونحوه، وإن وجد أثره في حلقه،
    رابعاً: الحجامة ونحوها إذا كانت لا تضعفه عن الصوم،
    خامساً: السواك في جميع النهار، بل هو سنة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السواك يابساً أو أخضر؛ مبلولاً بالماء أو لا،
    سادساً: المضمضة والاستنشاق، ولو فعلهما لغير وضوء؛ سابعاً:
    الاغتسال،
    ثامناً: التبرد بالماء بلف ثوب مبلول على بدنه، ونحو ذلك.
    المالكية قالوا: يكره للصائم أن يذوق الطعام، ولو كان صانعا له، وإذا ذاقه وجب عليه أن يمجه لئلا يصل إلى حلقه منه شيء؛ فإن وصل شيء إلى حلقه غلبة فعليه القضاء في الفرض، على ما تقدم، وإن تعمد إيصاله إلى جوفه فعليه القضاء والكفارة في رمضان، كما تقدم، ويكره أيضاً مضغ شيء كتمر أو لبان؛ ويجب عليه أن يمجه؛ وإلا فكما تقدم، ويكره أيضاً مداواة أيضاً مضغ شيء كتمر أو لبان؛ ويجب عليه أن يمجه؛ ولا فكما تقدم، ويكره أيضاً مداواة حفر الأسنان - وهو فساد أصولها - نهاراً إلا أن يخاف الضرر إذا أخر المداواة إلى الليل فلا تكره نهاراً؛ بل تجب إن خاف هلاكاً أو شديداً أذى بالتأخير، ومن المكروه غزل الكتان الذي له طعم، وهو الذي يعطن في المبلات إذا لم تكن المرأة الغازلة مضطرة للغزل، وإلا فلا كراهة؛ ويجب عليه أن تمج ما تكون في فمها من الريق على كل حال، أما الكتان الذي لا طعم له، وهو الذي يعطن في البحر، فلا يكره غزله، ولو من غير ضرورة، ويكره الحصاد للصائم لئلا يصل إلى حلقه شيء من الغبار فيفطر ما لم يضطر إليه؛ وإلا فلا كراهة، وأما رب الزرع فله أن يقوم عليه عند الحصاد، لأنه مضطر لحفظه وملاحظته، وتكره مقدمات الجماع، كالقبلة، والفكر، والنظر إن علمت السلامة من الإمذاء والإمناء، فإن شك في السلامة وعدمها، أو علم عدم السلامة حرمت، ثم إذا لم يحصل إمداء ولا إمناء فالصوم صحيح، فإن أمذى فعليه القضاء والكفارة في رمضان إن كانت المقدمات محرمة، بأن علم الناظر مثلاً عدم السلامة أو شك فيها؛ فإن كانت مكروهة، بأن علم السلامة فعليه القضاء فقط، إلا إذا استرسل في المقدمة حتى أ، زل، فعليه القضاء والكفارة؛ ومن المكروه الاستياك بالرطب الذي يتحلل منه شيء، وإلا جاز في كل النهار، بل يندب لمقتضى شرعي؛ كوضوء وصلاة، وأما المضمضة للعطش فهي
    جائزة، والإصباح بالجنابة خلاف الأولى، والأولى الاغتسال ليلاً، ومن المكروه الحجامة والفصد للصائم إذا كان مريضاً وشك في السلامة من زيادة المرض التي تؤدي إلى الفطر؛ فإن علم السلامة جاز كل منهما، كما يجوز أن للصحيح عند علم السلامة أو شك فيها، فإن علم كل منهما عدم السلامة، بأن علم الصحيح أنه يمرض لو احتجم أو قصد، أو علم المريض أنه مرضه يزيد بذلك كان كل منهما محرماً.
    الحنابلة قالوا: يكره للصائم أمور منها ما إذا تمضمض عبثاً أو سرفاً، أو لحر أو لعطش، أو غاص في الماء لغير تبرد، أو غسل مشروع، فإن دخل الماء في هذه الحالات إلى جوفه فإنه لا يفسد صومه مع كراهة هذه الأفعال، ومنه أن يجمع ريقه، فيبتلعه، وكره مضغ ما لا يتحلل منه شيء، وحرم مضغ ما يتحلل منه شيء، ولو لم يبلع ريقه. وكذا ذوق طعام لغير حاجة. فإن كان ذوقه لحاجة لم يكره؛ ويبطل الصوم بما وصل منه إلى حلقه إذا كان لغير حاجة، وكره له أن يترك بقية طعام بين أسنانه، وشم ما لا يؤمن من وصوله إلى حلقه بنفسه كسحيق مسك وكافور وبخور بنحو عود، بخلاف ما يؤمن فيه جذبه بنفسه إلى حلقه، فإنه لا يكره كالورد؛ وكذا يكره له القبلة، ودواعي الوطء، كمعانقة ولمس، وتكرار نظر، إذا كان ما ذكر يحرك شهوته، وإلا لم يكره، وتحرم عليه القبلة؛ ودواعي الوطء إن ظن بذلك إنزالاً؛ وكذا يكره له أن يجامع وهو شاك في طلوع الفجر الثاني بخلاف السحور مع الشك في ذلك، لأنه يتقوى به على الصوم، بخلاف الجماع فإنه ليس كذلك.
    الشافعية قالوا: يغتفر للصائم أمور، ويكره له أمور: فيغتفر له وصول شيء إلى الجوف بنسيان أو إكراه، أو بسبب جهل يعذر به شرعاً، ومنه وصول شيء كان بين أسنانه بجريان ريقه بشرط، أن يكون عاجزاً عن مجه؛ أما إذا ابتلعه مع قدرته على مجه، فإنه يفسد صومه، ومثل هذا النخامة، وأثر القهوة على هذا التفصيل، ومن ذلك غبار الطريق، وغربلة الدقيق، والذباب، والبعوض، فإذا وصل إلى جوفه شيء من ذلك لا يضر، لأن الاحتراز عن ذلك من شأنه المشقة والحرج، ويكره له أمور: منها المشاتمة، وتأخير الفطر عن الغروب إذا اعتقد أن هذا فضيلة، وإلا فلا كراهة، ومن ذلك مضغ العلك - اللبان -، ومنه مضغ الطعام، فإنه لا يفسد، ولكنه يكره إلا لحاجة، كأن يمضغ الطعام لولده الصغير ونحوه، ومن ذلك ذوق الطعام، فإنه يكره للصائم إلا لحاجة، كأن يكون طباخاً ونحوه، فلا يكره، ومن ذلك الحجامة والقصد، فإنهما يكرهان للصائم إلا لحاجة، ومن ذلك التقبيل إن لم يحرك الشهوة، وإلا حرم ومثل المعانقة والمباشرة، ومن ذلك دخول الحمام فإنه مضعف للصائم، فيكره له ذلك لغير حاجة. ومن ذلك السواك بعد الزوال فإنه يكره إلا إذا كان لسبب يقتضيه، كتغير فمه بأكل نحو بصل بعد الزوال نسياناً، ومن ذلك تمتع النفس بالشهوات من المبصرات والمشمومات والمسموعات إن كان كل ذلك حلالاً، فإنه يكره، أما التمتع بالمحرم فهو محرم على الصائم والمفطر، كما لا يخفى، ومن ذلك الاكتحال، وهو خلاف الأولى على الراجح
    (2) المالكية قالوا: يجب إمساك المفطر في النذر المعين أيضاً، سواء أفطر عمداً أو لا، لتعيين وقته للصوم بسبب النذر، كما أن شهر رمضان متعين للصوم في ذاته، أما النذر غير المعين وباقي الصوم الواجب، فإن كان التتابع واجباً فيه كصوم كفارة رمضان، وصوم شهر نذر أن يصومه متتابعاً فلا يجب عليه الإمساك إذا أفطر فيه عمداً لبطلانه بالفطر، ووجوب استئنافه من أوله، وإن أفطر فيه سهواً أو غلبة. فإن كان في غير اليوم الأول منه وجب عليه الإمساك. وإن كان في اليوم الأول ندب الإمساك، ولا يجب، وإن كان التتابع غير واجب فيه. كقضاء رمضان وكفارة اليمين جاز الإمساك وعدمه، سواء أفطر عمداً أو لا، لأن الوقت غير متعين للصوم. وإن كان الصوم، نفلاً، فإن أفطر فيه نسياناً وجب الإمساك، لأنه لا يجب عليه قضاؤه بالفطر نسياناً، وإن أفطر فيه عمداً، فلا يجب الإمساك لوجوب القضاء عليه بالفطر عمداً، كما تقدم
    (3) الحنابلة قالوا: يسن له الفطر، كالمريض بالفعل، ويكره له الصيام.
    الحنفية قالوا: إذا كان صحيحاً من المرض، وغلب على ظنه حصول المرض بالصيام، فإنه يباح له الفطر، كما يباح له الصوم؛ كما لو كان مريضاً بالفعل.
    المالكية قالوا: إذا ظن الصحيح بالصوم هلاكاً أو أذى شديداً وجب عليه الفطر كالمريض.
    الشافعية قالوا: إذا كان صحيحاً وظن بالصوم حصول المرض، فلا يجوز له الفطر ما لم يشرع في الصوم، ويتحقق الضرر
    (4) المالكية قالوا: الحامل والمرضع، سواء أكانت المرضع أماً للولد من النسب، أو غيرها، وهي الظئر، إذا خافتا بالصوم مرضاً أو زيادته، سواء كان الفخوف على أنفسهما وولديهما أو أنفسهما فقط، أو ولديهما فقط يجوز لهما الفطر، وعليهما القضاء، ولا فدية على الحامل، بخلاف المرضع فعليها الفدية؛ أما إذا خافتا بالصوم هلاكاً، أو ضرراً شديداً لأنفسهما، أو ولديهما، فيجب عليهما الفطر، وإنما يباح للمرضع الفطر إذا تعين الرضاع عليها، بأن لم تجد مرضعة سواها، أو وجدت ولم يقبل الوالد غيرها. أما إن وجدت مرضعة غيرها وقبلها الولد فيتعين عليها الصوم، ولا يجوز لها الفطر بحال من الأحوال، وإذا احتاجت المرضعة الجديدة التي قبلها الولد الأجرة، فإن كان للولد مال، فالأجرة تكون من ماله، وإن لم يوجد له مال، فالأجرة تكون على الأب، لأنها من توابع النفقة على الولد، والنفقة واجبة على أبيه إذا لم يكن له مال.
    الحنفية قالوا: إذا خافت الحامل، أو المرضع الضرر من الصيام جاز لهما الفطر، سواء كان الخوف على النفس والولد معاً، أو على النفس فقط، أو على الولد فقط، ويجب عليهما القضاء عند القدرة بدون فدية، وبدون متابعة الصوم في أيام القضاء، ولا فرق في المرضع بين أن تكون أما أو مستأجرة للإرضاع. وكذا لا فرق بين أن تتعين لفرضاع أو لا، لأنها إن كانت أماً فالإرضاع واجب عليها ديانة، وإن كانت مستأجرة فالإرضاع واجب عليها بالعقد، فلا محيص عنه.
    الحنابلة قالوا: يباح للحامل، والمرضع الفطر إذا خافتا الضرر على أنفسهما وولديهما، أو على أنفسهما فقط، وعليهما في هاتين الحالتين القضاء دون الفدية، أما إن خافتا على ولديهما فقط فعليهما القضاء والفدية، والمرضع إذا قبل الولد ثدي غيرها وقدرت أن تستأجر له، أو كان للولد مال يستأجر منه من ترضعه استأجرت له، ولا تفطر، وحكم المستأجر للرضاع كحكم الأم فيما تقدم.
    الشافعية قالوا: الحامل، والمرضع إذا خافتا بالصوم ضرراً لا يحتمل، سواء كان الخوف على أنفسهما وولديهما معاً، أو على أنفسهما فقط، أو على ولديهما فقط، وجب عليهما الفطر، وعليهما القضاء في الأحوال الثلاثة، وعليهما أيضاً الفدية مع القضاء في الحالة الأخيرة: وهي ما إذا كان الخوف على ولدهما فقط، ولا فرق في المرضع بين أن تكون أماً للولد أو مستأجرة للرضاع، أو متبرعة به، وإنما يجب الفطر على المرضع في كل ما تقدم إذا تعينت للإرضاع، بأن لم توجد مرضعة غيرها مفطرة، أو صائمة لا يضرها الصوم، فإن لم تتعين للإرضاع جاز لها الفطر مع الإرضاع، والصوم مع تركه، ولا يجب عليها الفطر، ومحل هذا التفصيل في المرضعة المستأجرة إذا كان ذلك الخوف قبل الإجارة، أما بعد الإجارة بأن غلب على ظنها احتياجها للفطر بعد الإجارة، فإنه يجب عليها الفطر متى خافت الضرر من الصوم، ولو لم تتعين للإرضاع.
    والفدية هي إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء مقداراً من الطعام يعادل ما يعطى لأحد مساكين الكفارة، على التفصيل المتقدم في المذاهب
    (5) الحنابلة قالوا: إذا سافر الصائم من بلده في أثناء النهار، ولو بعد الزوال سفراً مباحاً يبيح القصر جاز له الإفطار، ولكن الأولى له أن يتم صوم ذلك اليوم
    (6) الشافعية: زادوا شرطاً ثالثاً لجواز الفطر في السفر، وهو أن لا يكون الشخص مديماً للسفر، فإن كان مديماً له حرم عليه الفطر، إلا إذا لحقه بالصوم مشقة كالمشقة التي تبيح التيمم، فيفطر وجوباً
    (7) الشافعية قالوا: إذا أفطر الصائم الذي أنشأ السفر بعد طلوع الفجر بما يوجب القضاء والكفارة وجبا عليه، وإذا أفطر بما يوجب القضاء فقط وجب عليه القضاء؛ وحرم عليه الفطر على كل حال
    (8) المالكية قالوا: إذا بيت نية الصوم في السفر، فأصبح صائماً فيه ثم أفطر لزمه القضاء والكفارة سواء أفطر متأولاً أو لا.
    الحنفية قالوا: يحرم الفطر على من بيت نية الصوم في سفره، وإذا أفطر فعليه القضاء دون الكفارة
    (9) المالكية قالوا: الأفضل للمسافر الصوم إن لم يحصل له مشقة.
    الحنابلة قالوا: يسن للمسافر الفطر، ويكره له الصوم، ولو لم يجد مشقة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصوم في السفر"
    (10) الحنابلة قالوا: من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فعليه الفدية عن كل يوم، ثم إن أخرجها فلا قضاء عليه إذا قدر بعد على الصوم؛ أما إذا لم يخرجها ثم قدر فعليه القضاء

    (11) الشافعية قالوا: إن كان متعدّياً بجنون بأن تناول ليلاً عمداً شيئاً أزال عقله نهاراً، فعليه قضاء ما جن فيه الأيام، وإلا فلا.
    الحنابلة قالوا: إذا استغرق جنونه جميع اليوم، فلا يجب عليه القضاء مطلقاً، سواء كان متعدياً أو لا، وإن أفاق في جزء من اليوم وجب عليه القضاء.
    الحنفية قالوا: إذا استغرق جنونه جميع الشهر، فلا يجب عليه القضاء، وإلا وجب.
    المالكية قالوا: إذا جن يوماً كاملاً أو جله سلم في أوله أو لا، فعليه القضاء، وإن جن نصف اليوم أو أقله، ولم يسلم أوله فيهما فعليه القضاء أيضاً، وإلا فلا، كما تقدم
    (12) المالكية قالوا: لا يجب الإمساك، ولا يستحب في هذه الحالة إلا إذا كان العذر الإكراه، فإنه إذا زال وجب عليه الإمساك، وكذا إذا أكل ناسياً، ثم تذكر، فإنه يجب عليه الإمساك أيضاً.
    الشافعية قالوا: لا يجب الإمساك في هذه الحالة، ولكنه يسن
    (13) الحنفية قالوا: إذا قضى ما فاته من رمضان في الأيام التي نذر صومها صح صيامه عن رمضان، وعليه قضاء النذر في أيام أخر، وذلك لأن النذر لا يتعين بالزمان والمكان والدرهم، فيجزئه صيام رجب عن صيام شعبان في النذر، وكذلك يجزئه التصدق بدرهم بدل آخر في مكان غير المكان الذي عينه في نذره.
    الحنابلة قالوا: إن ظاهر عبارة الإقناع أنه إذا قضى أيام رمضان في أيام النذر المعين أجزأه
    (14) الحنفية قالوا: من نوى قضاء صيام الفائت في رمضان الحاضر صح الصيام ووقع عن رمضان الحاضر دون الفائت، لأن الزمن متعين لأداء الحاضر، فلا يقبل غيره، ولا يلزم فيه تعيين النية؛ كما تقدم في "شرائط الصيام"
    (15) الشافعية قالوا: يجب القضاء فوراً أيضاً إذا كان فطره في رمضان عمداً بدون عذر شرعي.
    الحنفية قالوا: يجب قضاء رمضان وجوباً موسعاً بلا تقييد بوقت؛ فلا يأثم بتأخره إلى أن يدخل رمضان الثاني
    (16) المالكية قالوا: كفارة رمضان على التخيير بين الإعتاق والإطعام، وصوم الشهرين المتتابعين، وأفضلها الإطعام، فالعتق، فالصيام، وهذا التخيير بالنسبة للحر الرشيد، أما العبد فلا يصح العتق منه، لأنه لا ولاء له، فكيفر بالإطعام إن أذن له سيده فيه، وله أن يكفر بالصوم، فإن لم يأن له سيده في الإطعام تعين عليه التكفير بالصيام، وأما السفيه فيأمره وليه بالتكفير بالصوم، فإن امتنع أو عجز عنه كفر عنه وليه بأقل الأمرين قيمة من الإطعام، أو العتق
    (17) المالكية قالوا: يجب تمليك كلواحد مداً بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، ويكون ذلك المد من غالب طعام أهل بلد المكفر من قمح أو غيره، ولا يجزئ بدله الغداء ولا العشاء على المعتمد، وقدر المد بالكيل بثلث قدح مصري، وبالوزن برطل وثلث، كل رطل مائة وثمانية وعشرون درهماً مكياً، وكل درهم يزن خمسين حبة، وخمس حبة من متوسط الشعير، والذي يعطى إنما هو الفقراء أو المساكين، ولا يجزئ إعطاؤها لمن تلزمه نفقتهم، كأبيه وأمه وزوجته وأولاده الصغار، أما أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم فلا مانع من إعطائهم منها إذا كانوا فقراء، كإخوته وأجداده.
    الحنفية قالوا: يكفي في إطعام الستين مسكيناً أن يشبعهم في غذاءين أو عشاءين، أو فطور وسحور، أو يدفع لكل فقير نصف صاع من القمح أو قيمته، أو صاعاً من الشعير، أو التمر أو الزبيب، والصاع قد حان وثلث بالكيل المصري. ويجب أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته. كأصوله وفروعه وزوجته.
    الشافعية قالوا: يعطي لكل واحد من الستين مسكيناً مداً من الطعام الذي يصح إخراجه في زكاة الفطر، كالقمح والشعير، ويشترط أن يكون من غالب قوت بلده، ولا يجزئ نحو الدقيق والسويق، لأنه لا يجزئ في الفطرة. والمد: نصف قدح مصري. وهو ثمن الكيلة المصرية. ويجب تمليكهم ذلك. ولا يكفي أن يجعل هذا القدر طعاماً يطعمهم به، فلا غداهم وعشاهم به لم يكف ولم يدزئ. ويجب أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته إن كان الجاني في الصوم هو المكفر عن نفسه؛ أما إن كفر عنه غيره فيصح أن يعتبر عيال ذلك الجاني في الصوم من ضمن المساكين.
    الحنابلة قالوا: يعطي كل مسكين مداً من قمح، والمد: هو رطل وثلث بالعراقي، والرطل العراقي مائة وثمانية، وعشرون درهماً، أو نصف صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط، وهو اللبن المجمد، ولا يجزئ إخراجها من غير هذه الأصناف مع القدرة؛ والصاع أربعة أمداد، ومقدار الصاع بالكيل المصري قد حان، ويجوز إخراجها من دقيق القمح والشعير أو سويقهما، وهو ما يحمص ثم يطحن، إذا كان بقدر حبة في الوزن لا في الكيل، ولو لم يكن منخولاص، كما يجزئ إخراج الحب بلا تنقية، ولا يجزئ في الكفارة إطعام الفقراء خبزاً، أو إعطاؤهم حباً معيباً، كالقمح المسوس والمبلول والقديم الذي تغير طعمه، ويجب أن لا يكون في الفقراء الذين يطعمهم في الكفارة من هو أصل أو فرع له، كأمه وولده، ولو لم يجب عليه نفقتهما، ولا من تلزمه نفقته، كزوجته وأخته التي لا يعود لها غيره، سواء كان هو المكفر عن نفسه، أو كفر عنه غيره.
    (18) الحنفية قالوا: لا تتعدد الكفارة بتعدد ما يقتضيها مطلقاً، سواء كان التعدد في يوم واحد، أو في أيام متعددة، وسواء كان في رمضان واحد، أو في متعدد من سنين مختلفة، إلا أنه لو فعل ما يوجب الكفارة ثم كفر عنه ثم فعل ما يوجبها ثانياً، فإن كان هذا التكرار في يوم واحد كفت كفارة واحدة، وإن كان التكرار في أيام مختلفة عما بعد الأول الذي كفر عنه بكفارة جديدة، وظاهر الرواية يقتضي التفصيل، وهو إن وجبت بسبب الجماع تتعدد، وإلا فلا تتعدد.
    الحنابلة قالوا: إذا تعدد المقتضى الكفارة في يوم واحد، فإن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية للموجب الذي وقع بعده، وإن لم يكفر عن السابق كفته كفارة واحد عن الجميع
    (19) الحنابلة قالوا: إذا عجز في وقت وجوبها عن جميع أنواعها سقطت عنه ولو أيسر بعد ذلك


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الاعتكاف]
    صـــــ 528 الى صــــــــ535
    الحلقة (69)

    [كتاب الإعتكاف]

    [تعريفه وأركانه]
    هو اللبث في المسجد للعبادة على وجه مخصوص، ومعنى هذا أن النية ليست ركناً من أركان الاعتكاف، وإلا لذكرت في التعريف، وهو كذلك عند الحنفية، والحنابلة،
    فإنهم يقولون:
    إن النية شرط لا ركن، وخالف المالكية. والشافعية،
    فقالوا:
    إنها ركن لا شرط. وقد عرفت أن الأمر في ذلك سهل، إذ النية لا بد منها عند الفريقين، سواء كانت شرطاً أو ركناً،
    فمن قال:
    إنها ركن ذكرها في التعريف، فزاد بعد كلمة "مخصوص" كلمة، "بنية" ومن لم يقل: إنها ركن حذف كلمة "بنية".
    فأركانه ثلاثة:
    المكث في المسجد. والمسجد. والشخص المعتكف.
    والنية عند من يقول:
    إنها ركن. وله أقسام. وشروط. ومفسدات. ومكروهات وآذاب.
    [أقسامه ومدته]
    فأما أقسامه فهي اثنان: واجب، وهو المنذور، فمن نذر أن يعتكف وجب عليه الاعتكاف، وسنة، وهو ما عدا ذلك، وفي كون السنة مؤكدة في بعض الأحيان دون بعض تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (1) . وأقل مدته لحظة زمانية بدون تحديد، وخالف المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
    [شروط الاعتكاف - اعتكاف المرأة بدون زوجها]
    وأما شروطه: فمنها الإسلام، فلا يصح الاعتكاف من كافر، ومنها التمييز، فلا يصح من مجنون ونحوه؟ ولا من صبي غير مميز، أما الصبي المميز فيصح اعتكافه، ومنها وقوعه في المسجد، فلا يصح في بيت ونحوه، على أنه لا يصح في كل مسجد؛ بل لا بد أن تتوافر في المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف شروط مفصلة في المذاهب، مذكورة تحت الخط (3) ، ومنها النية، فلا يصح الاعتكاف بدونها. وقد عرفت أنها من الشروط عند الحنفية، والحنابلة، وخالف المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، ومنها الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس، عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية؛ والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (5) .
    وزاد المالكية على ذلك شروطاً أخرى، فانظرها تحت الخط (6) ، ولا يصح اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها، ولو كان اعتكافها منذوراً، سواء علمت أنه يحتاج إليها للاستمتاع، أو ظنت، أو لا. وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (7)
    [مفسدات الاعتكاف]
    أما مفسدات الاعتكاف منها: الجماع عمداً، ولو بدون إنزال، سواء كان بالليل أو النهار، باتفاق. أو الجماع نسياناً فإنه يفسد الاعتكاف عند ثلاثة؛
    وقال الشافعية:
    إذا جامع ناسياً للاعتكاف فإن اعتكافه لا يفسد، أما دواعي الجماع من تقبيل بشهوة، ومباشرة ونحوها، فإنها لا تفسد الاعتكاف إلا بالإنزال، باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) ، ولكن يحرم على المعتكف أن يفعل تلك الدواعي بشهوة، ولا يفسده إنزال المني بفكر أو نظر أو احتلام، سواء كان ذلك عادة له أو لا، عند الحنفية والحنابلة، أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (9) ، ومنها الخروج من المسجد، على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (10) ومنها الردّة، فإذا ارتد المعتكف بطل اعتكافه، ثم إن عاد للإسلام، فلا يجب عليه قضاءه ترغيباً في الإسلام؛ عند الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط (11) .
    وهناك مفسدات أخرى مفصلة في المذاهب، مذكورة تحت الخط (12) .
    [مكروهات الاعتكاف وآدابه]
    وأما مكروهاته وآدابه، ففيها تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (13) .

    (1) الحنابلة قالوا: يكون سنة مؤكدة في شهر رمضان وآكده في العشر الأواخر منه.
    الشافعية قالوا: إن الاعتكاف سنة مؤكدة في رمضان وغيره، وهو في العشر الأواخر منه آكد.
    الحنفية قالوا: هو سنة كفاية مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان، ومستحب في غيرها فالأقسام عندهم ثلاثة.
    المالكية قالوا: هو مستحب في رمضان وغيره على المشهور، ويتأكد في رمضان مطلقاً وفي العشر الأواخر منه آكد، فأقسامه عندهم اثنان: واجب، وهو المنذور، ومستحب، وهو ما عداه
    (2) المالكية قالوا: أقله يوم وليلة على الراجح.
    الشافعية قالوا: لا بد في مدته من لحظة تزيد عن زمن قول: "سبحان الله"
    (3) المالكية: اشترطوا في المسجد أن يكون مباحاً لعموم الناس، وأن يكون المسجد الجامع لمن تجب عليه الجمعة، فلا يصح الاعتكاف في مسجد البيت ولو كان المعتكف امرأة، ولا يصح في الكعبة، ولا في مقام الولي.
    الحنفية قالوا: يشترط في المسجد أن يكون مسجد جماعة، وهو ما له إمام ومؤذن سواء أقيمت فيه الصلوات الخمس أو لا.
    هذا إذا كان المعتكف رجلاً، أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها الذي أعدته لصلاتها، ويكره تنزيهاً اعتكافها في مسجد الجماعة المذكور، ولا يصح لها أن تعتكف في غير موضع صلاتها المعتاد، سواء أعدت في بيتها مسجداً لها أو اتخذت مكاناً خاصاً بها للصلاة.
    الشافعية قالوا: متى ظن المعتكف أن المسجد موقوف خالص المسجدية - أي ليس مشاعاً - صح الاعتكاف فيه للرجل والمرأة، ولو كان المسجد غير جامع، أو غير مباح للعموم.
    الحنابلة قالوا: يصح الاعتكاف في كل مسجد للرجل والمرأة، ولم يشترط للمسجد شروط، إلا أنه إذا أراد أن يعتكف زمناً يتخلله فرض تجب فيه الجماعة، فلا يصح الاعتكاف حينئذ إلا في مسجد تقام فيه الجماعة ولو بالمعتكفين
    (4) الشافعية، والمالكية قالوا: النية ركن لا شرط، كما تقدم، ولا يشترط عند الشافعية في النية أن تحصل وهو مستقر في المسجد ولو حكماً، فيشمل المتردد في المسجد، فتكفي في حال مروره على المعتمد
    (5) الحنفية قالوا: الخلو من الجنابة شرط لحل الاعتكاف لا لصحته، فلو اعتكف الجنب صح اعتكافه مع الحرمة، أما الخلو من الحيض والنفاس فإنه شرط لصحة الاعتكاف الواجب، وهو المنذور؛ فلو اعتكف الحائض أو النفساء لم يصح اعتكافهما، لأنه يشترط للاعتكاف الواجب الصوم،ولا يصح الصيام منهما، أما الاعتكاف المسنون، فإن الخلو من الحيض والنفاس ليس شرطاً لصحته لعدم اشتراط الصوم له على الراجح.
    المالكية قالوا: الخلو من الجنابة ليس شرطاً لصحة الاعتكاف، إنما هو شرط لحل المكث في المسجد، فإذا حصل للمعتكف أثناء اعتكافه جنابة بسبب غير مفسد للاعتكاف؛ كالاحتلام، ولم يكن بالمسجد ماء وجب عليه الخروج للاغتسال خارج المسجد، ثم يرجع عقبه فإن تراخى عن العود إلى المسجد بعد اغتساله بطل اعتكافه، إلا إذا تأخر لحاجة من ضرورياته، كقص أظافره أو شاربه، فلا يبطل اعتكافه، وأما الخلو من الحيض والنفاس فهو شرط لصحة الاعتكاف مطلقاً، منذوراً أو غيره، لأن من شروط صحته الصوم، والحيض والنفاس مانعان من صحة الصوم؛ فإذا حصل للمعتكفة الحيض أو النفاس أثناء الاعتكاف خرجت من المسجد وجوباً، ثم تعود إليه عقب انقطاعهما لتتميم اعتكافها التي نذرته أو نوته حين دخولها المسجد، فتعتكف في المنذور بقية أيامه وتأتي أيضاً ببدل الأيام التي حصل فيها العذر، وأما في التطوع فتكمل الأيام التي نوت أن تعتكف فيها، ولا تقضي بدل أيام العذر.
    (6) المالكية: زادوا في شروط الاعتكاف الصوم، سواء كان الاعتكاف منذوراً أو تطوعاً.
    الحنفية: زادوا في شروط الاعتكاف الصيام إن كان واجباً، أما التطوع فلا يشترط فيه الصوم
    (7) الشافعية قالوا: إذا اعتكف المرأة بغير إذن زوجها صح وكانت آثمة، ويكره اعتكافها إن أذن لها، وكانت من ذوات الهيئة.
    المالكية قالوا: لا يجوز للمرأة أن تنذر الاعتكاف أو تتطوع به، بدون إذن زوجها إذا علمت أو ظنت أنه يحتاج لها للوطء، فإذا فعلت ذلك بدون إذنه، فهو صحيح، وله أن يفسده عليها بالوطء لا غير، ولو أفسده وجب عليها قضاؤه؛ ولو كان تطوعاً، لأنها متعدية بعدم استئذانه ولكن لا تسرع في القضاء إلا بإذنه
    (8) المالكية قالوا: مثل الجماع القبلة على الفم، ولم يقصد المقبل لذة، ولم يجدها، ولو لم ينزل؛ أما اللمس والمباشرة. فإنهما يفسدان بشرط قصد اللذة، أو وجدانها، وإلا فلا
    (9) المالكية قالوا: يفسد الاعتكاف بإنزال بالفكر، والنظر ليلاً أو نهاراً، عامداً أو ناسياً.
    الشافعية قالوا: إن كان الإنزال بالنظر والفككر عادة للمعتكف، فإنه يفسد الاعتكاف، وإن لم يكن عادة له، فلا يفسده
    (10) الحنفية قالوا: خروج المعتكف من المسجد له حالتان:
    الحالة الأولى: أن يكون الاعتكاف واجباً بنذر، وفي هذه الحالة لا يجوز له الخروج من المسجد مطلقاً ليلاً أو نهاراً، عمداً أو نسياناً، فمن خرج بطل اعتكافه إلا بعذر، والأعذار التي تبيح للمعتكف - اعتكافاً واجباً - الخروج من المسجد تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أعذار طبيعية، كالبول، أو الغائط، أو الجنابة بالاحتلام حيث لا يمكنه الاغتسال في المسجد ونحو ذلك، فإن المعتكف يخرج من المسجد للاغتسال من الجنابة، ولقضاء حاجة الإنسان بشرط أن لا يمكث خارج المسجد إلا بقدر قضائها،
    الثاني: أعذار شرعية كالخروج لصلاة الجمعة إذا كان المسجد المعتككف فيه لا تقام فيه الجمعة، ولا يجوز أن يخرج إلا بقدر ما يدرك به أربع ركعات قبل الأذان عند المنبر، ولا يمكث بعد الفراغ من الصلاة إلا بقدر ما يصلي أربع ركعات أو ستاً، فإن مكث أكثر من ذلك لم يفسد اعتكافه في المسجد الأول بلا ضرورة،
    الثالث: أعذار ضرورية، كالخوف على نفسه أو متاعه إذا استمر في هذا المسجد، وكذا إذا انهدم المسجد، فإنه يخرج بشرط أن يذهب إلى مسجد آخرفوراً ناوياً الاعتكاف فيه.
    الحالة الثانية: أن يكون الاعتكاف نفلاً، وفي هذه الحالة لا بأس من الخروج منه ولو بلا عذر، لأنه ليس له زمن معين ينتهي بالخروج؛ ولا يبطل ما مضى منه، فإن عاد إلى المسجد ثانياً ونوى الاعتكاف كان له أجره، أما إذا خرج من المسجد في الاعتكاف الواجب بلا عذر أثم وبطل ما فعل منه.
    المالكية قالوا: إذا خرج المعتكف من المسجد، فإن كان خروجه لقضاء مصلحة لا بد منها كشراء طعام أو شراب له، أو ليتطهر، أو ليتبول مثلاً، فلا يبطل اعتكافه، وأما إذا خرج لغير حاجياته الضرورية، كأن خرج لعيادة مريض، أو لصلاة الجمعة حيث كان المسجد الذي يعتكف فيه ليس فيه جمعة، أو خرج لأداء شهادة، أو تشييع جنازة ولو كانت جنازة أحد والديه، فإن اعتكافه يبطل، وإن كان الخروج واجباً، كما في الجمعة، فإن مكث بالمسجد، ولم يخرج لها، كان آثماً، وصح اعتكافه،لأن ترك جمعة واحدة ليس من الكبائر، والاعتكاف لا يبطل إلا بارتكاب كبيرة على المشهور، وليس من الخروج المبطل لاعتكافه ما إذا خرج لعذر، كحيض، أو نفاس. كما تقدم؛ وأما إذا صادف المعتكف أثناء اعتكافه زمن لا يصح فيه الصوم كأيام العيد، فإنه يجب عليه البقاء بالمسجد، ولا يجوز له الخروج على الراجح، فإذا انتهى العيد أتم ما بقي من أيام الاعتكاف الذي نذره أو نواه تطوعاً.
    الحنابلة قالوا: يبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد عمداً لا سهواً إلا لحاجة لا بد له منها كبول وقيء غلب عليه، وغسل ثوب متنجس يحتاج إليه، والطهارة عن الأحداث. كغسل الجنابة والوضوء، وله أن يتوضأ في المسجد: ويغتسل إذا لم يضر ذلك بالمسجد أو بالناس، وإذا خرج المعتكف لشيء من ذلك، فله أن يمشي على حسب عادته بدون إسراع وكذلك يجوز له الخروج ليأتي بطعامه وشرابه إذا لم يوجد من يحضرهما له ويخرج أيضاً للجمعة إن كانت واجبة عليه ولا يبطل اعتكافه بذلك، لأنه خروج لواجب، وله أن يذهب لها مبكراً، وأن يطيل المقام بمسجدها بعد صلاتها بدون كراهة، لأن المسجد الثاني صالح للاعتكاف، ولكن يستحب له المسارعة بالرجوع إلى المسجد الأول ليتم اعتكافه به. وعلى الإجمال لا يبطل الاعتكاف بالخروج لعذر شرعي أو طبيعي.
    الشافعية قالوا: الخروج من المسجد بلا عذر يبطل الاعتكاف: والأعذار المبيحة للخروج تكون طبيعية كقضاء الحاجة من بول وغائط، وتكون ضرورية، كانهدام حيطان المسجد، فإنه إن خرج إلى مسجد آخر بسبب ذلك لا يبطل اعتكافه، وإنما يبطل الاعتكاف بالمفسد إذا فعله المعتكف عامداً مختاراً، عالماً بالتحريم، فإن فعله ناسياً، أو مكرهاً، أو جاهلاً جهلاً يعذر به شرعاً، كأن كان قريب عهد بالإسلام، لم يبطل اعتكافه، ومن خرج لعذر مقبول شرعاً لا ينقطع تتابع اعتكافه بالمدة التي خرج فيها، ولا يلزمه تجديد نيته عند العود، ولكن يجب قضاء المدة التي مضت خارج المسجد إلا الزمن الذي يقضي فيه حاجته من تبرز ونحوه مما لم يطل عادة، فإنه لا يقضيه، وهذا إذا كان الاعتكاف واجباً متتابعاً، بأن نذر اعتكاف أيام متتابعة أما الاعتكاف المنذور المطلق أو المقيد بمدة لا يشترط فيها التتابع، فإنه يجوز الخروج من المسجد فيهما ولو لغير عذر، لكن ينقطع اعتكافه بخروجه، ويجدد النية عند عودته، إلا إذا عزم على العودة فيهما؛ أو كان خروجه لنحو تبرز، فإنه لا يحتاج إلى تجديدها، ومثل ذلك الاعتكاف المندوب، أما بول المعتكف في إناء في المسجد فهو حرام، وإن لم يطل اعتكافه
    (11) الحنابلة قالوا: إذا عاد للإسلام بعد الردّة وجب عليه القضاء.
    الشافعية قالوا: إذا كان الاعتكاف المنذور مقيداً بمدة متتابعة بأن نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة بدون انقطاع، ثم ارتد في الأثناء وجب عليه إذا رجع للإسلام أن يستأنف مدة جديدة؛ أما إذا نذر اعتكافاً مدة غير متتابعة، ثم ارتد أثناء الاعتكاف وأسلم، فإنه لا يستأنف مدة جديدة؛ بل يبني على ما فعل
    (12) المالكية قالوا: من المفسدات أن يأكل أو يشرب نهاراً عمداً، فإذا أكل أو شرب نهاراً عامداً بطل اعتكافه، ووجب عليه ابتداؤه من أوله، سواء كان الاعتكاف واجباً أو غيره؛ ولا يبني على ما تقدم منه، وأما إذا أكل أو شرب ناسياً، فلا يجب عليه ابتداءه بل يبني على ما تقدم منه، ويقضي بدل اليوم اذي حصل فيه الفطر، ولو كان الاعتكاف تطوعاً ومنها تناول المسكر المحرم ليلاً، ولو أفاق قبل الفجر؛ وكذلك تعاطي المخدر إذا خدره بالفعل، فمتى تعاطى شيئاً من ذلك بطل اعتكافه وابتدأه من أوله، ومنها فعل كبيرة لا تبطل الصوم كاليغبة والنميمة، على أحد قولين مشهورين، والقول الآخر هو: أن ارتكاب الكبائر لا يبطله، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، ومنها الجنون والإغماء؛ فإذا جن المعتكف أو أغمي عليه، فإن كان ذلك مبطلاً للصوم، كما تقدم، بطل اعتكافه، ولكنه لا يبتدئه من أوله كما تقدم في "الحيض والنفاس" ومنها الحيض والنفاس، كما تقدم في الشروط.
    الحنفية قالوا: يفسد الاعتكاف أيضاً بإغماء إذا استمر أياماً، ومثله الجنون، وأما السكر ليلاً فلا يفسده، وكذلك لا يفسد بالسباب والجدل ونحوهما من المعاصي؛ وأما الحيض والنفاس فقد تقدم أن الخلو منهما شرط لصحة الاعتكاف الواجب، ولحل الاعتكاف غير الواجب فإذا طرأ أحدهما على المعتكف اعتكافاً واجباً فسد اعتكافه، وإذا فسد الاعتكاف معيناً، كما إذا نذر اعتكاف عشرة أيام معينة قضى بدل الأيام التي حصل فيها المفسد، ولا يستأنف الاعتكاف من أوله؛ وإن كان غير معين استأنف الاعتكاف، ولا يعتد بما تقدم عنه على وجود المفسد.
    الحنابلة قالوا: من مفسدات الاعتكاف أيضاً سكر المعتكف ولو ليلاً، أما إن شرب مسكراً ولم يسكر، أو ارتككب كبيرة، فلا يفسد اعتكافه، ومنها الحيض والنفاس، فإذاحاضت المرأة أو نفست بطل اعتكافها، ولكنها بعد زوال المانع تبني على ما تقدم منه، لأنها معذورة، بخلاف السكران، فإنه يبني بعد زوال السكر، ويبتدئ اعتكافه من أوله؛ ولا يبطل الاعتكاف بالإغماء، ومن المفسدات أن ينوي الخروج من الاعتكاف، وإن لم يخرج بالفعل.
    الشافعية قالوا: يفسد الاعتكاف أيضاً بالسكر والجنون إن حصلا بسبب تعديه، وبالحيض والنفاس إذا كانت المدة المنذورة تخلو في الغالب عنهما، بأن كانت خمسة عشر يومياً فأقل في الحيض، وتسعة أشهر فأقل في النفاس، أما إذا كانت المدة لا تخلو في الغالب عنهما بأن كانت تزيد على ما ذكر، فلا يفسد بالحيض ولا بالنفاس؛ كما لا يفسد بارتكاب كبيرة، كالغيبة، ولا بالشتم
    (13) المالكية قالوا: مكروهات الاعتكاف كثيرة: منها أن ينقص عن عشرة أيام ويزيد على شهر،ومنها أكله خارج المسجد بالقرب منه، كرحبته وفنائه؛ أما إذا أكل بعيداً من المسجد، فإن اعتكافه يبطل، ومنها أن لا يأخذ القادر معه في المسجد ما يكفيه من أكل أو شرب ولباس، ومنها دخوله منزله القريب من المسجد لحاجة لا بد منها إذا لم يكن بذلك المنزل زوجته أو أمته، لئلا يشتغل بهما عن الاعتكاف، فإن كان منزله بعيداً من المسجد بطل اعتكافه بالخروج إليه، ومنها الاشتغال حال الاعتكاف بتعلم العلم أو تعليمه، لأن المقصود من الاعتكاف رياضة النفس، وذلك يحصل غالباً بالذكر والصلاة، ويستثنى من ذلك العلم العيني؛ فلا يكره الاشتغال به حال الاعتكاف، ومنها الاشتغال بالكتابة إن كانت كثيرة؛ ولم يكن مضطراً لها لتحصيل قوته وإلا فلا كراهة؛ ومنها اشتغاله بغير الصلاة والذكر؛ وقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كعيادة مريض بالمسجد وصلاة على جنازة به ومنها صعوده منارة أو سطحاً للأذان، ومنها اعتكاف ما ليس عنده ما يكفيه.
    وأما آدابه: فمنها أن يستصحب ثوباً غير الذي عليه، لأنه ربما احتاج؛ ومنها مكثه في مسجد اعتكافه ليلة العيد إذا اتصل انتهاء اعتكافه بها ليخرج من المسجد إلى مصلى العيد، فتتصل عبادة بعبادة، ومنها مكثه بمؤخر المسجد ليبعد عمن يشغله بالكلام معه، ومنها إيقاعه برمضان، ومنها أن يكون في العشر الأواخر منه لالتماس ليلة القدر؛ فإنها تغلب فيها، ومنها لا ينقص اعتكافه عن عشرة أيام.
    الحنفية قالوا: يكره تحريماً فيه أمور: منها الصمت إذا اعتقد أنه قربة؛ أما إذا لم يعتقده كذلك فلا يكره؛ والصمت عن معاصي اللسان من أعظم العبادات؛ ومنها إحضار سلعة في المسجد للبيع أما عقد البيع لما يحتاج لنفسه أو لعياله بدون إحضار السلعة فجائز، بخلاف عقد التجارة فإنه لا يجوز.
    وأما آدابه: فمنها أن لا يتكلم إلا بخير؛ وأن يختار أفضل المساجد وهي المسجد الحرام؛ ثم الحرم النبوي، ثم المسجد الأقصى لمن كان مقيماً هناك؛ ثم المسجد الجامع، ويلازم التلاوة والحديث والعلم وتدريسه ونحو ذلك.
    الشافعية قالوا: من مكروهات الاعتكاف الحجامة والفصد إذا أمن تلويث المسجد، وإلا حرم؛ ومنها الإكثار من العمل بصناعته في المسجد، أما إذا لم يكثر ذلك؛ فلا يكره فمن خاط أو نسج خوصاً قليلاً فلا يكره.
    وأما آدابه: فمنها أن يشتغل بطاعة الله تعالى كتلاوة القرآن والحديث والذكر والعلم، لأن ذلك طاعة؛ ويسن له الصيام؛ وأن يكون في المسجد الجامع؛ وأفضل المساجد الحرام؛ ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى؛ وأن لا يتكلم إلا بخير فلا يشتم، ولا ينطق بلغو الكلام.
    الحنابلة قالوا: يكره للمعتكف الصمت إلى الليل، وإذا نذر ذلك لم يجب عليه الوفاء به.
    وأما آدابه: فمنها أن يشغل وقته بطاعة الله تعالى، كقراءة القرآن، والذكر، والصلاة؛ وأن يجتنب ما لا يعنيه

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الزكاة]
    صـــــ 536 الى صــــــــ546
    الحلقة (70)

    [كتاب الزكاة]

    [تعريفها]
    هي لغة التطهير والنماء، قال تعالى: {قد أفلح من زكاها} أي طهرها من الأدناس،
    ويقال:
    زكاة الزرع إذا نما وزاد، وشرعا تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط مخصوصة،
    وهذا معناه: أن الذين يملكون نصاب الزكاة يفترض عليه أن يعطوا الفقراء ومن على شاكلتهم من مستحقي الزكاة الآتي بيانهم قدراً معيناً من أموالهم بطريق التمليك، والحنابلة يعرفون الزكاة بأنها حَق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص؛ وهو بمعنى التعريف الأول إلا أن التعريف الأول قد صرح بضرورة تمليك المستحق وإعطائه القدر المفروض من الزكاة فعلاً، إذ لا يلزم من الوجوب التمليك بالفعل.[حكمها ودليله]الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمس، وفرض عين على كل من توفرت فيه الشروط الآتية.وقد فرضت في السنة الثانية من الهجرة. وفرضيتها معلومة من الدين بالضرورة.ودليل فرضيتها: الكتاب، والسنة، والاجماع،
    أما الكتاب فقد قال تعالى: {وآتوا الزكاة} .
    وقال تعالى:
    {وفي أموالهم حَق معلوم، للسائل والمحروم} .
    وأما السنة فكثيرة:
    منها قوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" فذكر من الخمس "إيتاء الزكاة" ومنها ما أخرجه الترمذي عن سليم بن عامر،
    قال:
    سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع،
    فقال:
    "اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم، تدخلون جنة ربكم" حديث حسن صحيح، ومنها غير ذلك وأما الاجماع فقد اتفقت الأمة على أنها من أركان الإسلام، بشرائط خاصة.
    [شروط وجوب الزكاة]
    يشترط لوجوب الزكاة شروط:
    منها البلوغ، فلا تجب على الصبي الذي له مال، ومنها العقل.
    فلا تجب على المجنون، ولكن تجب في مال كل منهما؛ ويجب على الولي إخراجها،
    عند ثلاثة من الأئمة: وخالف الحنفية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    [هل تجب الزكاة على الكافر؟]
    من شروطها الإسلام، فلا تجب على كافر، سواء كان أصلياً أو مرتداً، وإذا أسلم المرتد، فلا يجب عليه إخراجها زمن ردته، عند الحنفية؛ والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) ؛ وكما أن الإسلام شرط لوجوب الزكاة، فهو شرط لصحتها أيضاً، لأن الزكاة لا تصح إلا بالنية، والنية لا تصح من الكافر، باتفاق ثلاثة،
    وقال الشافعية:
    تصح النية من المرتد،
    ولذا قالوا: تجب الزكاة على المرتد وجوباً موقوفاً إلى آخر ما هو مبين في مذهبهم تحت الخط (3) .
    [هل تجب الزكاة في صداق المرأة]
    يشترط لوجوب الزكاة الملك التام، وهل صداق المرأة قبل قبضه مملوك لها ملكاً تاماً أو لا؟ في ذلك تفصيل في المذاهبن فانظره تحت الخط (4) .
    [نصاب الزكاة، وحولان الحول عليه]
    يشترط لوجوب الزكاة أن يبلغ المال المملوك نصاباً، فلا تجب الزكاة إلا على من ملك نصاباً، والنصاب معناه في الشرع - ما نصبه الشارع علامة على وجوب الزكاة؛ سواء كان من النقدين أو غيرهما - ويختلف مقدار النصاب باختلاف المال المزكى، وسيأتي بيانه عند ذكر كل نوع من الأنواع التي تجب فيها الزكاة؛ أما حولان الحول فمعناه أن لا تجب الزكاة إلا إذا ملك النصاب، ومضى عليه حول وهو مالكه، والمراد الحول القمري لا الشمسي، والسنة القمرية ثلاثمائة وأربع وخمسون يوماً، والسنة الشمسية تختلف باختلاف الأحوال، فتارة تكون ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً، وتارة تزيد على ذلك يوماً، وفي حولان الحول تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (5) .
    [الحرية، وفراغ المال من الدين]
    ويشترط لوجوب الزكاة الحرية:
    فلا تجب على الرقيق ولو مكاتباً، كما يشترط فراغ المال من الدين، فمن كان عليه دين يستغرق للنصاب أو ينقصه، فلا تجب عليه الزكاة على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (6) .
    [هل تجب الزكاة في دور السكنى وثياب البدن، وأثاث المنزل، والجواهر الثمينة؟]
    لا تجب الزكاة في دور السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنزل، ودواب الركوب، وسلاح الاستعمال، وما يتجمل به من الأواني إذا لم يكن من الذهب أو الفضة، وكذا لا تجب في الجواهر كاللؤلؤ، والياقوت والزبرجد؛ ونحوها إذا لم تكن للتجارة، باتفاق المذاهب، وكذا لا تجب في آلات الصناعة مطلقاً، سواء أبقي أثرها في المصنوع أم لا، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ، وكذا لا تجب في كتب العلم إذا لم تكن للتجارة، سواء أكان مالكها من أهل العلم، أم لا، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) .
    [الأنواع التي تجب فيها الزكاة]
    الأنواع التي تجب فيها الزكاة خمسة أشياء الأول: النّعَم - وهي الأبل والبقر والغنم -، والمراد بها الأهلية، فلا زكاة في الوحشية، وهي التي تولد في الجبال؛ فمن كان يملك عدداً من بقر الوحش، أو من الظباء، فإنه لا يجب عليه زكاتها، ومثل ذلك النعم المتولدة بين وحشي وأهلي، فإنها لا زكاة فيها، سواء أكانت الأم أهلية أم لا؛ باتفاق المالكية، والشافعية، وخالف الحنفية والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (9) ، والمراد بالبقر ما يشمل الجاموس، وبالغنم ما يشمل المعز ولا زكاة في غير ما بيناه من الحيوان، فلا زكاة في الخيل والبغال والحمير والفهد والكلب المعلم ونحوها إلا إذا كانت للتجارة، ففيها زكاة التجارة الآتي بيانها.
    الثاني: الذهب والفضة،
    ولو غير مضروبين
    الثالث:
    عروض التجارة،
    الرابع:
    المعدن والركاز،
    الخامس:
    الزروع والثمار ولا زكاة فيما عدا هذه الأنواع الخمسة.
    [شروط زكاة الإبل والبقر والغنم، وبيان معنى السائمة وغيرها]
    تجب الزكاة فيالإبل والبقر والغنم بشرطين:

    الشرط الأول: أن تكون سائمة غير معلوفة، خلافاً للمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) ، وفي معنى السائمة تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (11)
    الشرط الثاني: أن يملك منها عدداً معيناً، وهو النصاب، فإذا لم يملك هذا العدد، أو كانت معلوفة عنده لا ترعى الحشائش المباحة فإن الزكاة لا تجب فيها.
    معفو عنه لا زكاة فيه، مثلاً الخمس من الإبل فيها شاة، والتسع فيها شاة أيضاً، فلا شيء عليه في مقابل الأربع الزائدة على أصل النصاب، وهكذا.هذا، ولا تجزئ الشاة في الزكاة عن الإبل إلا بشروط مفصلة في المذاهب، مذكورة تحت الخط (12) .
    [زكاة البقر]
    أول نصاب البقر ثلاثون، فإذا بلغتها، ففيها تبيع، أو تبيعة، وإخراج التبيعة أفضل، عند الشافعية، والمالكية، فإذا بلغت أربعين، ففيها مسنة، ولا يجزئ الذكر المسن، باتفاق ثلاثة؛وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (13) ، فإذا زادت على ذلك ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، ففي الستين تبيعان أو تبيعتان، وفي السبعين مسنة وتبيع، وفي الثمانين مسنتان وفي التسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة مسنة، وتبيعان، وفي مائة وعشرة مسنتان، وتبيع، وفي مائة وعشرين تجب أربعة أتبعة، أو ثلاث مسنات، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) ، وهكذا؛ وما بين الفريضتين معفو عنه، ولا زكاة فيه. إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (15) ، والتبيع ما أوفى سنة، ودخل في الثانية، والمسنة ما أوفت سنتين، ودخلت في الثالثة، وتعريف التبيع والمسنة بهذا متفق عليه، إلا عند المالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (16) .
    [زكاة الغنم]
    أو نصاب الغنم أربعون. وفيها شاة من الضأن أو المعز بالسن التي تقدم بيانها. إلا أنه إذا كانت الغنم ضأناً تعين ألإخراج منها. وإن كانت معزاً فالإخراج من المعز، وإن كانت الغنم ضأنا ومعزاً فإن كان الغالب أحدهما فالشاة المخرجة تكون منه. وإن تساويا مثل أن يكون عنده عشرون من الضأن، وعشرون من المعز كان محصل الزكاة بالخيار في أخذ الشاة من أي الصنفين شاء؛ وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية. والمالكية، أما الشافعية. والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط (17) فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين، ففيها شاتان، فإذا بلغت مائتين وواحدة، ففيها ثلاث شياه، وفي أربعمائة شاة أربع شياه، وما زاد ففي كل مائة شاة، وما بين الفريضتين معفو عنه، فلا زكاة فيه.

    (1) الحنفية قالوا: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يطالب وليهما بإخراجها من مالهما؛ لأنها عبادة محضة، والصبي، والمجنون لا يخاطبان بها، وإنما وجب في مالهما الغرامات والنفقات، لأنهما من حقوق العباد، ووجب في مالهما العشر وصدقة الفطر، لأن فيهما معنى المؤنة، فالتحقا بحقوق العباد، وحكم المعتوه كحكم الصبي، فلا تجب الزكاة في ماله
    (2) المالكية قالوا: الإسلام شرط صحة لا للوجوب، فتجب على الكافر وإن كانت لا تصح إلا بالإسلام، وإذا أسلم فقد سقطت بالإسلام، لقوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} ولا فرق بين الكافر الأصلي والمرتد
    (3) الشافعية قالوا: تجب الزكاة على المرتد وجوباً موقوفاً على عودة إلى الإسلام، فإن عاد إليه تبين أنها واجبة عليه لبقاء ملكه، فيخرجها حينئذ، ولو أخرجها حال ردته أجزأت، وتجزئه النية في هذه الحالة، لأنها للتمييز لا للعبادة، أما إذا مات على ردته ولم يسلم، فقد تبين أن المال خرج عن ملكه وصار فيئاً فلا زكاة

    (4) الحنفية قالوا: الملك التام هو أن يكون المال مملوكاً في اليد، فلو ملك شيئاً لم يقبضه، فلا تجب فيه الزكاة، كصداق المرأة قبل قبضه، فلا زكاة عليها فيه، وكذلك لا زكاة على من قبض ما ولم يكن ملكاً له، كالمدين الذي في يده مال الغير، أما مال العبد المكاتب، فإنه وإن كان مملوكاً له ملكاً غير تام، إلا أنه خارج بقيد الحرية الآتي؛ وأما مال الرقيق فهو غير مملوك له، وهو خارج أيضاً بقيد الحرية، ولا زكاة في المال الموقوف لعدم الملك فيه، ولا في الزرع النابت بأرض مباحة، لعدم الملك أيضاً.
    المالكية قالوا: الملكك التام هو أن يكون الشخص صاحب التصرف فيما ملك، فلا زكاة على العبد بجميع أنواعه فيما ملك من المال لأن ملكه غير تام، ولو كان مكاتباً، لأنه تصرفه ربما أدى إلى عجزه عن أداء دين الكتابة، فيرجع رقيقاً، وكذلك لا زكاة على من كان تحت يده شيء غير مملوك له، كالمرتهن، وأما المرأة فصداقها مملوك لها ملكاً تاماً، إلا أنها لا تزكيه حال وجوده بيد الزوج، وإنما يجب عليها زكاته بعد أن يمضي عليه حول عندها بعد قبضه؛ وأما المدين الذين بيده مال غيره، وكان عيناً، فإن كان عنده ما يمكنه أن يوفي الدين منه من عقار وغيره وجب عليه زكاة المال الذي بيده متى مضى عليه حول، لأنه بالقدرة على دفع قيمته من عنده أصبح مملوكاً له، أما إذا كان المال الذي عنده حرثاً أو ماشية أو معدناً: فإن الدين لا يسقط زكاته، ولا يتوقف وجوب الزكاة على أن عنده ما يوفي به الدين، ولا زكاة في مال مباح لعموم الناس، كالزرع النابت وحده في أرض غير مملوكة لأحد، فيكون الزرع لمن أخذه، ولا تجب الزكاة فيه. وأما الموقوف لا يخرج العين عن الملك، فلو وقف بستاناً ليوزع ثمره على الفقراء، أو على معنين، كبني فلان، وجب عليه أن يزكي ثمره متى خرج منه نصاب، فإن خرج منه أقل من نصاب، فلا زكاة إلا إذا كان عند الواقف ثمر من بستان آخر يكمل النصاب فتجب عليه زكاة الجميع.
    الشافعية قالوا: اشتراط الملك التام، يخرج الرقيق والمكاتب، فلا زكاة عليهما، أما الأول فلأنه لا يملك، وأما الثاني فلأن ملكه ضعيف، وكذلك يخرج المال المباح لعموم الناس، كزرع نبت بفلاة وحده بدون أن يستنبته أحد، فلا زكاة فيه على أحد لعدم ملكه له، وخرج أيضاً المال الموقوف على غير معين فلا تجب الزكاة فيه، كما إذا وقف بستاناً على مسجد، أو رباط، أو جماعة غير معينين، كالفقراء والمساكين، فلاتجب الزكاة في ثمره وزرعه؛ أما إذا أجرت الأرض وزرعت، فيجب على المستأجر الزكاة مع أجرة الأرض، وكذلك الموقوف على معين تجب الزكاة فيه؛ وأما صداق المرأة إذا كان بيد زوجها فهو من قبيل الدين؛ وسيأتي أن زكاته واجبة، وإنما تخرج بعد قبضه؛ وكذلك يجب على من استدان مالاً من غيره أن يزكيه إذا حال عليه الحول وهو في ملكه، لأنه ملكه بالاستقراض ملكاً تاماً.
    الحنابلة قالوا: الملك تام هو أن يكون بيده لم يتعلق به حَق للغير، ويتصرف فيه على حسب اختياره فوائده له لا لغيره، فلا تجب الزكاة في دين الكتابة، ولا فيما هو موقوف على غيرمعين، كالمساكين، أو على مسجد ومدرسة ونحوها، أما الوقف على معين، فتجب فيه الزكاة، فمن وقف أيضاً أو شجراً على معين، فتجب عليه الزكاة في غلة ذلك متى بلغت نصاباً، أما صداق المرأة فهو من قبيل الدين، وسيأتي حكمه وحكم المال الذي استدانه شخص من غيره، أما العبد فلا زكاة عليه، وسيأتي الكلام فيه عند ذكر شرط الحرية
    (5) الحنفية قالوا: يشترط كمال النصاب في طرفي الحول، سواء بقي في أثنائه كاملاً أو لا، فإذا ملك نصاباً كاملاً في أول الحول، ثم بقي كاملاً حتى حال الحول وجبت الزكاة، فإن نقص في أثناء الحول، ثم تم في آخره وجبت فيه الزكاة كذلك أيضاً، أما إذا استمر ناقصاً حتى فرغ الحول، فلا تجب فيه الزكاة، ومن ملك نصاباً في أول الحول ثم استفاد مالاً في أثناء الحول يضم إلى أصل المال، وتجب فيه الزكاة إذا بلغ المجموع نصاباً، وكان المال المستفاد من جنس المال الذي معه، وإنما يشترط حولان الحول في غير زكاة الزرع والثمار؛ أما زكاتهما فلا يشترط فيها ذلك.
    المالكية قالوا: حولان الحول شرط لوجوب الزكاة في غير المعدن والركاز والحرث - الزرع والثمار -، أما هي فتجب فيها الزكاة، ولو لم يحل عليها الحول؛ كما يأتي تفصيله في كل من هذه الأنواع الثلاثة؛ وإذا ملك نصاباً من الذهب أو الفضة في أول الحول، ثم نقص في أثنائه، ثم ربح فيه ما يكمل النصاب في آخر الحول؛ فتجب عليه الزكاة، لأن حول الربح أصله وكذا لو ملك أقل من نصاب في أول الحول، ثم اتجر فيه فربح ما يكمل النصاب في آخر الحول وجب عليه زكاة الجميع.
    الحنابلة قالوا: يشترط لوجوب الزكاة مضي الحول، ولو تقريباً، فتجب الزكاة مع نقص الحول نصف يوم، وهذا الشرط معتبر في زكاة الأثمان والمواشي وعروض التجارة، أما في غيرها: كالثمار والمعادن والركاز، فلا يشترط لوجوب الزكاة فيها حولان الحول. ولا بد من حولان الحول بتمامه، ولو تقريباً، على النصاب، فإذا ملك أقل من نصاب في أول الحول، ثم اتجر فيه فربح ما يكمل النصاب، فيعتبر حول الجميع من حين تمام النصاب، فلا زكاة إلا إذا مضى حول من يوم التمام، أما إذا ملك في أول الحول نصاباً، ثم استفاد في أثناء الحول مالاً من جنسه بالاتجار فيه، فإنه يضم إلى المال الذي عنده، ويزكي الجميع على حول الأصل، لأن حول الربح حول أصله متى كان الأصل نصاباً.
    الشافعية قالوا: حولان الحول شرط لوجوب الزكاة على التحديد، فلو نقص الحول ولو لحظة. فلا زكاة، وإنما يشترط حولان الحول في غير زكاة الحبوب، والمعدن، والركاز وربح التجارة، لأن ربح التجارة يزكى على حول أصله. بشرط أن يكون الأصل نصاباً، فإن كان أقل من نصاب ثم كمل النصاب بالربح، فالحول من حين التمام، ولو كان النصاب كاملاً في أول الحول، ثم نقص في أثنائه، ثم كمل بعد ذلك فلا زكاة، إلا إذا مضى حول كامل من يوم التمام
    (6) الشافعية قالوا: لا يشترط فراغ المال من الدين. فمن كان عليه دين وجبت عليه الزكاة ولو كان ذلك الدين يستغرق النصاب.
    الحنفية قالوا: ينقسم الدين بالنسبة لذلك إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: أن يكون ديناً خالصاً للعباد؛
    الثاني: أن يكون ديناً لله تعالى، ولكن له مطالب من جهة العباد: كدين الزكاة والمطالب هو الإمام في الأموال الظاهرة. - وهي السوائم. وما يخرج من الأض -، أو نائب الإمام في الأموال الباطنة - وهي أموال التجارة: كالذهب والفضة - ونائب الإمام هم الملاك، لأن الإمام كان يأخذها إلى زمن عثمان رضي الله عنه، ففوّضها عثمان إلى أربابها في الأموال الباطنة،
    الثالث: أن يكون ديناً خالصاً لله تعالى ليس له مطالب من جهة العباد، كديون الله تعالى الخالصة من نذور وكفارات، وصدقة فطر؛ ونفقة حج، فالدين الذي يمنع وجوب الزكاة هو دين القسمين الأولين. فإذا ملك شخص نصاب الزكاة، ثم حال عليه الحول ولم يخرج زكاته، ثم حال عليه حول آخر، فإنه لا تجب عليه الزكاة فيه بالنسبة للحول الثاني، لأنه دين زكاة الحول الأول ينقصه عن النصاب، وكذا لو ملك مالاً، وكان عليه دين لشخص آخر لا فرق بين أن يكون الدين قرضاً أو ثمن مبيع، أو نقوداً، أو مكيلاً، أو موزوناً، أو حيواناً، أو غيره، والدين المذكور يمنع وجوب الزكاة بجميع أنواعها إلا زكاة الزروع والثمار - العشر والخراج -، أما القسم الثالث فإنه لا يمنع وجوب الزكاة.
    المالكية قالوا: من كان عليه دين ينقص النصاب، وليس عنده ما يفي به من غير مال الزكاة مما لا يحتاج إليه في ضرورياته، كدار السكنى، فلا تجب عليه الزكاة في المال الذي عنده، وهذا الشرط خاص بزكاة الذهب والفضة إذا لم يكونا من معدن أو ركاز، أما الماشية والحرث فتجب زكاتهما. ولو مع الدين، وكذا المعدن والركاز.
    الحنابلة قالوا: لا تجب الزكاة على من عليه دين يستغرق النصاب أو ينقصه؛ ولو كان الدين من غير جنس المال المزكى، ولو كان دين خراج؛ أو حصاد، أو أجرة أرض وحرث، ويمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال الباطنة: كالنقود وقيم عروض التجارة والمعدن والأموال الظاهرة: كالمواشي والحبوب والثمار، فمن كان عنده مال وجبت زكاته، وعليه دين، فليخرج منه بقدر ما يفي دينه أولاً، ثم يزكي الباقي إن بلغ نصاباً
    (7) الحنفية قالوا: آلات الصناعة إذا بقي أثرها في المصنوع: كالصباغة تجب فيها الزكاة، وإلا فلا
    (8) الحنفية قالوا: كتب العلم إذا كان مالكها من أهل العلم، فلا تجب فيها الزكاة وإلا وجبت
    (9) الحنفية قالوا: المتولد بين وحشي وأهلي ينظر فيه للأم، فإن كانت أهلية ففيها الزكاة؛ وإلا فلا زكاة فيها.
    الحنابلة قالوا: تجب الزكاة في الوحشية والمتولد بين وحشية وأهلية
    (10) المالكية قالوا: لا شترط في وجوب زكاة النعم السوم، فتجب الزكاة فيها متى بلغت نصاباً، سواء أكانت سائمة أو معلوفة، ولو في جميع السنة، وسواء أكانت عاملة أم غير عاملة
    (11) الحنابلة قالوا: السائمة هي التي تكتفي برعي الكلأ المباح في أكثر السنة على الأقل، ويشترط أن تكون مقصودة للدر أو النسل أو التسمين، فلو اتخذت للحمل أو الركوب أو الحرث فلا زكاة فيها، ولو اتخذت للتجارة ففيها زكاة التجارة الآتي بيانها؛ ولا يشترط أن ترسل للرعي، فلو رعت بنفسها أو بفعل غاصب أكثر الحول بدون أن يقصد مالكها ذلك وجب فيها الزكاة.
    الشافعية قالوا: السائمة هي النعم التي يرسلها صاحبها العالم بأنه مالك لها أو نائبه لرعي الكلأ المباح كل الحول ومثل الكلأ المباح الكلأ المملوك إذا كانت قيمته يسيرة، ولا يضر علفها بشيء يسير تعيش بدونه بلا ضرر بين، كيوم أو يومين إذا لم يقصد بذلك العلف اليسير فطع السوم، فلو تخلف شرط من هذه الشروط لا تكون سائمة، كأن سامت بنفسها، أو سامها غير مالكها، أو نائبه، أو علفت قدراً لا تعيش بدونه، وكذا لو علفت بشيء تعيش بدونه بضرر بين، أو تعيش بلا ضرر بين لكن قصد بعلفها قطع السوم، أو ورثها وارث ولم يعلم بانتقال الملك إليه، فلا زكاة في كل هذه الأحوال، كما لا زكاة في السائمة المستكملة للشروط إذا قصدت للعمل.
    الحنفية قالوا: السائمة هي التي يرسلها صاحبها لترعى في البراري في أكثر السنة لقصد الدر، أو النسل؛ أو السمن الذي يراد به تقويتها لا ذبحها، فلا بد من أن يقصد صاحبها إسامتها لذلك؛ فإن قصد إسامتها للذبح أو الحمل أو الركوب، أو للحرث، فلا زكاة فيها أصلاً، وإن أسامها للتجارة ففيها زكاتها التي سيأتي بيانها، وكذا لا تجب فيها الزكاة إن علفها نصف السنة أو أكثر من نصفها، كما لا تجب الزكاة إن سامت بنفسها بدون قصد من مالكها.
    المالكية: لم يحددوا السائمة، لأنه لا فرق عندهم بين السائمة وغيرها في وجوب الزكاة، كما عرفت
    (12) المالكية قالوا: إذا بلغت الإبل مائة وإحدى وعشرين إلى تسع وعشرين خير الساعي بين أن يأخذ ثلاث بنات لبون أو حقتين، إذا وجد الصنفان عند المزكي أو فقداً، أما إذا وجد أحدهما فقط، فإنه يتعين الإخراج منه، ولا يكلف رب المال بإخراج النصف المفقود إذا رأى الساعي ذلك.
    الحنفية قالوا: إذا زاد العدد على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة، وكانت زكاة ما زاد كزكاة النصاب الأول، فيجب في كل خمس يزيد على ذلك شاة مع الحقتين إلى مائة وخمس وأربعين، ففيها حقتان وبنت مخاض، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، ثم تجب في كل خمس يزيد على مائة وخمسين شاة إلى مائة وأربع وسبعين، وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين وفي مائتين يخير المتصدق بين أربع حقاق أو خمس بنات لبو، ثم تستأنف الفريضة، كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة، والخمسين، بمعنى أنه يجب في كل خمس تزيد على المائتين شاة مضافة إلى ما وجب في ذمته إلى مائتين وأربع وعشرين، فإذا بلغت مائتين وست وثلاثين، ففيها بنت لبون مع ما وجب في المائتين. إلى مائتين وخمسين، فإذا زادت، فعل في الخمسين الزائدة مثل ما تقدم، وهكذا
    (12) الحنفية قالوا: الشاة التي تجزئ في الزكاة ما أتمت سنة ودخلت في الثانية، معزاً كانت أو ضأناً، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب، ولو كانت الإبل المزكاة معيبة.
    الحنابلة قالوا: الشاة التي تجزئ في الزكاة إن كانت من الضأن، فيشترط أن تتم ستة أشهر وإن كانت من العز اشترط فيها تمام سنة كاملة، ويجب أن تكون الشاة المخرجنة سليمة من العيوب التي تمنع من إجزائها في الأضحية، إلا أنه إذا كانت الإبل المخرج عنها مريضة تنقص قيمة الشاة بنسبة نقص قيمة الإبل المريضة عن الإبل الصحيحة، مثلاً إذا كان عند الشخص خمس من الإبل تساوي لمرضها ثمانين جنيهاً، ولو كانت صحيحة لكانت قيمتها مائة، فيكون نقص المريضة عن الصحيحة الخمس، فلو كانت الشاة التي تخرج عن الإبل الصحيحة تساوي خمساً، فالتي تخرج عن الإبل المريضة شاة صحيحة تساوي أربعا فقط.
    الشافعية قالوا: الشاة التي تجزئ في الزكاة إن كانت ضأناً وجب أن تتم سنة، إلا إذا اسقطت مقدم أسنانها بعد مضي ستة أشهر من ولادتها، فإنها تجزئ، وإن لم تتم الحول، وإن كانت من المعز فيشترط أن تتم سنتين وتدخل في الثالثة، ولا بد في كل منها من السلامة، وإن كانت الإبل التي يخرج زكاتها معيبة.
    المالكية قالوا: الشاة التي يجزئ إخراجها في الزكاة لا بد أن تكون جذعة، أو جذعاً، بلغ كل منهما سنة تامة، سواء كانت من الضأن أو المعز، وفي إخراج الواجب من أي الصنفين تفصيل حاصله أنه يتعين إخراج الشاة من الضأن إن كان أكثر غنم أهل البلد الضأن، ولو كانت غنم الزكي بخلاف ذلك، فإن كان أكثر الغنم في بلد المزكي هو المعز، فالواجب إخراج الشاة منه، إلا إذا تبرع بإخراجها من الضأن، فيكفيه ذلك، ويجبر الساعي على قبوله، فإن تساوى الضأن والمعز في البلد، خير الساعي في أخذ الشاة من الضأن أو المعز، ويجب أن تكون الشاة التي يخرجها سليمة من العيوب، فلا يجزئ إخراج المعيبة، إلا إذا رأى الساعي أنها أنفع للفقراء، لكثرة لحمها مثلاً، فيجزئ إخراجها، لكن لا يجبر المالك على دفعها
    (13) الحنفية قالوا: الذكر والأنثى سواء. فالأربعون من البقر الواجب فيها مسن أو مسنة
    (14) المالكية قالوا: في مائة وعشرين أربعة أتبَعة أو ثلاث مسنات. يخير آخذ الزكاة في أخذ أيهما شاء إذا وجد الصنفان. أو فقد معاً. فإذا وجد أحدهما فقط عند المالك تعين الأخذ منه وليس لأخذ الزكاة جبره على شراء الصنف الآخر
    (15) الحنفية قالوا: ما بين الفريضتين عفو إلا فيما زاد على الأربعين إلى الستين. فإنه يبج الزكاة في الزيادة بقدرها من المسنة على ظاهر الرواية. ففي الواحدة الزائدة على الأربعين ربع عشر مسنة. وفي الاثنين نصف عشر مسنة. وهكذا إلى الستين
    (16) المالكية قالوا: التبيع هو ما أوفى سنتين. ودخل في الثالثة، أما المسنة فهي ما أوفت ثلاث سنين. ودخلت في الرابعة

    (17) الشافعية قالوا: يجزئ إخراج الضأن عن المعز وعكسه مع رعاية القيمة، فلو كانت غنمه كلها ضأناً وأراد أن يخرج ثنية من المعز أجزأه ذلك بشرط أن تكون قيمتها تساوي قيمة الجذعة من الضأن وهكذا.
    الحنابلة قالوا: يجزئ إخراج الواحدة من المعز عن الضأن بشرط أن يكون سنها حولاً، كما تجزئ الشاة من الضأن عن أربعين من المعز بشرط أن لا ينقص سنها عن ستة أشهر؛ كما تقدم


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الزكاة]
    صـــــ 546 الى صــــــــ558
    الحلقة (71)

    [زكاة الذهب والفضة]
    تجب الزكاة في الذهب والفضة إذا بلغا النصاب، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، وهو الدينار، باتفاق إلا عند الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، ويساوي بالعملة المصرية أحدَ عشر جنيهاً مصرياً ونصفاً وربعاً وثمناً، وقيمة ذلك بالقروش المصرية 1187، 50؟؟ قرش، وقيمة النصاب بالجنيه الإنجليزي اثنا عشر جنيهاً وثمن جنيه إنجليزي، وقيمة النصاب بالبنتو خمسة عشر بنتو وخمسا خمس، وقيمة النصاب من المجر خمسة وعشرون مجراً وثمانية استاع؛ وقيمة النصاب من البندقي خمسة وعشرون بندقياً ونصف بندقي، ويجب أن يخرج مالك النصاب من الذهب ربع العشر زكاة له بالشروط المتقدمة ونصاب الفضة مائتا درهم، وتساوي بالريال المصري ستة وعشرين ريالاً مصرياً، وتسعة قروش، وثلثي قرش، ويساوي بالقروش المصرية خمسمائة وتسعة وعشرين قرشاً وثلثين، فمن ملك نصاباً منها وجب عليه إخراج ربع العشر زكاة له، ولا فرق بين أن يكون الذهب والفضة مضروبين أو غير مضروبين، وهذا في غير الحلي، أما الحلي ففي زكاته تفصيل المذاهب، مذكور تحت الخط (2) .
    [زكاة الدين]
    من كان له دين على آخر يبلغ نصاباً وحال عليه؛ واستكمل الشرائط المتقدمة، ففي زكاته تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (3) .
    [زكاة الأوراق المالية "البنكنوت"]جمهور الفقهاء يرون وجوب الزكاة في الأوراق المالية، لأنها حلت محل الذهب والفضة في التعامل، ويمكن صرفها بالفضة بدون عسر، فليس من المعقول أن يكون لدى الناس ثروة من الأوراق المالية، ويمكنهم صرف نصاب الزكاة منها بالفضة، ولا يخرجون منها زكاة؛ ولذا أجمع فقهاء ثلاثة من الأئمة على وجوب الزكاة فيها؛ وخالف الحنابلة فقط، فانظر تفصيل آراء المذاهب تحت الخط (4) .
    [زكاة عروض التجارة]
    عروض التجارة جمع عرض - بسكون الراء - وهو ما ليس بذهب أو فضة، مضروباً كان، كالجنيه والريال، أو غير مضروب. كحلية النساء فقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أن الذهب والفضة لا تدخل في عروض التجارة مطلقاً؛ وخالف المالكية في غير المضروب،
    فقالوا:
    إذا لم يكن الذهب والفضة مضروبين فإنهما يكونان من عروض التجارة، لا من النقدين، فتجب الزكاة في عرض التجارة من قماش وحديد ونحو ذلك، فيجب على من يملك تجارة أن يخرج زكاتها، وهو ربع العشر، بشروط، وكيفية مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (5) .
    [هل تجب الزكاة في عين عروض التجارة أو قيمتها]
    تجب الزكاة في قيمة عروض التجارة وفي عينها، ويضم عند التقويم بعضها إلى بعض، ولو اختلفت أجناسها، كثياب ونحاس، كما يضم الربح الناشيء عن التجارة إلى أصل المال في الحول، وكذلك المال الذي استفاده من غير التجارة، وفي ذلك تفصيل المذاهب، مذكور تحت الخط (6) .
    [زكاة الذهب والفضة المخلوطين]
    إذا كان الذهب أو الفضة مخلوطان بشيء آخر من نحاس أو نيكل، فلا زكاة فيهما حتى يبلغ ما فيهما من الذهب والفضة الخالصين نصاباً كاملاً، سواء كان الذهب أو الفضة أكثر من المادة المخلوطة به أو أقل، عند الشافعية، والحنابلة، وخالف الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) .
    [المعادن والركاز]
    في تعريف المعدن والركاز وحكمهما تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (8) .

    (1) الحنابلة قالوا: الدينار أصغر من المثقال، فالنصاب بالدنانير خمسة وعشرون ديناراً وسبعا دينار وتسع دينار
    (2) المالكية قالوا: الحلي المباح كالسوار للمرأة وقبضة السيف المعد للجهاد، والسن والأنف للرجل لا زكاة فيه، إلا في الأحوال الآتية: أولاً: أن يتكسر بحيث لا يرجى عوده إلى ما كان عليه إلا بسبكه مرة أخرى،
    ثانياً: أن يتكسر بحيث يمكن عوده بدون السبك مرة أخرى ولكن لم ينو مالكه إصلاحه،
    ثالثاً: أن يكون معداً لنوائب الدهر وحوادثه لا للاستعمال
    رابعاً: أن يكون معداً لمن سيوجد للممالك من زوجة وبنت مثلاً،
    خامساً: أن يكون معداً لصداق من يريد أن يتزوجها أو يزوجها لولده،
    سادساً: أن ينوي به التجارة، ففي جميع هذه الأحوال تجب فيه الزكاة، وأما الحلي المحرم: كالأواني، والمرود؛ والمكحلة، فتجب فيه الزكاة بلا تفصيل، والمعتبر في زكاة الحلي الوزن لا القيمة.
    الحنفية قالوا: الزكاة واجبة في الحلي، سواء كان للرجال أو للنساء، تبراً كان أو سبيكة آنية كان، أو غيرها، ويعتبر في زكاته الوزن لا القيمة.
    الحنابلة قالوا: لا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال أو الإعارة لمن يباح له استعماله، فإن كان غير معد للاستعمال فتجب زكاته إذا بلغ النصاب من جهة الوزن، فإذا بلغ النصاب من جهة القيمة دون الوزن فلا تجب فيه الزكاة، أما الحلي المحرم فتجب فيه الزكاة كما تجب في آنية الذهب والفضة البالغة نصاباً وزناً، وإذا انكسر الحلي، فإن أمكن لبسه مع الكسر فهو كالصحيح لا تجب فيه الزكاة، وإن لم يمكن، فإن كان يحتاج في إصلاحه إلى صوغ، وجبت فيه الزكاة، وإن لم يحتج إلى صوغ، ونوى إصلاحه فلا زكاة فيه.
    الشافعية قالوا: لا تجب الزكاة في الحلي المباح الذي حال عليه الحول مع مالكه العالم به. أما إذا لم يعلم بملكه، كأنه يرث حلياً يبلغ نصاباً، ومضى عليه الحول بدون أن يعلم بانتقال الملك إليه، فإنه تجب زكاته، أما الحلي المحرم: كالذهب للرجل؛ فإنه تجب فيه الزكاة؛ ومثله حلي المرأة إذا كان فيه إسراف، كخلخال المرأة إذا بلغ مائتي مثقال، فإنه تجب فيه الزكاة أيضاً، كما تجب في آنية الذهب والفضة، وتجب الزكاة في قلادة المرأة المأخوذة من الذهب والفضة المضروبين إذا لم تكن لها عروة من غير جنسها، فإن كان لها عروة منهما فلا زكاة فيها، ويعتبر في زكاة الحلي الوزن دون القيمة، وإذا انكسر الحلي لم تجب زكاته إذا قصد إصلاحه. وكان إصلاحه ممكناً بلا صياغة، وإلا وجبت
    (3) الحنفية قالوا: ينقسم الدين إلى ثلاثة أقسام: قوي، ومتوسط، وضعيف: فالقوي هو دين القرض والتجارة إذا كان على معترف به، ولو م فلساً، والمتوسط هو ما ليس دين تجارة: كثمن دار السكنى، وثيابه المحتاج إليها إذا باعها، ونحو ذلك مما تتعلق به حاجته الأصلية، كطعامه وشرابه، والضعيف هو ما كان في مقابل شيء غير المال: كدين المهر، فإنه ليس بدلاً عن مال أخذه الزوج من زوجته، وكدين الخلع، بأن خالعها على مال، وبقي ديناً في ذمتها؛ فإن هذا الدين لم يكن بدل شيء أخذه منها، ومثله دين الوصية ونحوه، فأما الدين القوي، فإنه يجب فيه أداء الزكاة عن كل ما يقبض منه إن كان يساوي أربعين درهماً، فكلما قبض أربعين درهماً سواء قبض أقل منها ابتداء، بأن قبض أو دفعة ثلاثين مثلاً أو قبض في الأول أربعين، ثم قبض أقل منها بعد ذلك، فإنه لا تجب عليه الزكاة في كلحال، إلا في الأربعين الكاملة، لأن الزكاة لا تجب في الكسور من الأربعين، فلو كان له دين عند آخر يبلغ ثلاثمائة درهم مثلاً؛ ثم حال عليها ثلاثة أحوال، فقبض منها مائتين، وجب عليه أن يخرج زكاة السنة الأولى عنها خمسة دراهم؛ فيبقى منها مائة وخمسة وتسعون تحتوي على الأربعين، أربع مرات، وذلك يساوي مائة وستين درهماً فيخرج عنها أربعة دراهم، وهي زكاة السنة الثانية، فيبقى مائة وستة وثمانون درهماً؛ تحتوي أيضاً على الأربعين أربع مرات، فيخرج زكاة السنة الثالثة أربع دراهم أيضاً، ولا شيء عليه فيما زاد عن ذلك، ويعتبر حولان الحول في الدين القوي من وقت ملك النصاب لا من وقت القبض، فيجب أداء الزكاة بمجرد القبض، بلا خلاف، أما الدين المتوسط، فإنه لا تجب فيه الزكاة إلا إذا قبض منه نصاباً، فإذا كان الدين خمسمائة درهم مثلاً، وقبض مائتين، وجب عليه أن يخرج خمسة دراهم، ولا يجب عليه فيما دون ذلك،
    كما تقدم، والدين المتوسط مثل الدين القوي في حولان الحول عليه، فيعتبر حوله بحسب الأصل، لا من وقت القبض في الأصح؛ وأما الدين الضعيف فإنه يجب أداء الزكاة فيه بقبض نصاب منه؛ بشرط أن يحول عليه الحول من وقت القبض.
    وهذا كله إذا لم يكن عنده ما يبلغ نصاباً سوى مال الدين: أما لو كان عنده مال يبلغ ذلك، ثم قبض من الدين شيئاً، سواء كان كان ما قبضه قليلاً، أو كثيراً، وسواء أكان الدين قوياً أم متوسطاً أم ضعيفاً؛ فإنه يجب ضم ما قبضه من الدين إلى ما عنده من المال، وإخراج زكاة الجميع، لأن المقبوض من الدين في هذه الحالة يكون كالمال الذي استفاده في أثناء السنة، وقد علمت أنه يجب ضمه إلى الأصل.
    الحنابلة قالوا: تجب زكاة إذا كان ثابتاً في ذمة المدين، ولو كان المدين مفلساً، إلا أنه لا يجب إخراج زكاته إلا عند قبضه، فيجب عليه إخراج زكاة ما قبضه فوراً إذا بلغ نصاباً بنفسه، أو بضمه إلى ما عنده من المال، ولا زكاة في الديون التي لم تكن ثابتة في ذمة المدين.
    المالكية قالوا: من ملك مالاً بسبب ميراث أو هبة أو صدقة أو خلع أو بيع عرض مقتنى، كأن باع متاعاً أو عقاراً أو أرش جناية - تعويض - ولم يضع عليه يده، بل بقي ديناً له عند واضع اليد، فإن هذا الدين لا تجب فيه الزكاة إلا بعد أن يقبضه ويمضي عليه حول من يوم قبضه مثال ذلك: رجل ورث مالاً من أبيه، وعينت له المحكمة حارساً قبل أن يقبضه لسبب من الأسباب، واستمر ديناً له أعواماً كثيرة، فإنه لا يطلب بزكاته في كل هذه الأعوام، ولو أخره فراراً من الزكاة، فإذا قبضه، ومضى عليه حول بعد قبضه وجبت عليه زكاة ذلك الحول ويحتسب من يوم القبض، ومن كان عنده مال مقبوض بيده وأقرضه لغيره، وبقي عند المدين أعواماً كثيرة فإنه تجب عليه زكاة عام واحد، إلا إذا أخره قصداً، فراراً من الزكاة فإن تجب عليه زكاته في كل الأعوام التي قصد تأخيره فيها ويحتسب عام زكاة هذا المال من يوم الملك أو من يوم تزكيته، إن كان قد زكاه قبل إقراضه، فإذا ملك شخص مالاً، ومكث معه ستة أشهر، ثم أقرضه لآخر، فمكث عنده ستة أشهر أخرى فإنه تجب فيه الزكاة عن هذا الحول لأنه يحتسب من يوم الملك، أما إذا مكث بيده سنة، ثم زكاه وأقرضه لآخر، فإن الحول يحتسب من يوم تزكيته، وإنما تجب الزكاة في هذا الدين بشروط أربعة:
    أولاً: أن يكون أصله - وهو ما أعطاه للمدين - عيناً، ذهباً أو فضة، أو عرض تجارة لمحتكر - التاجر المحتكر هو الذي لا يبيع ولا يشتري بالسعر الحاضر، وإنما يحبس السلع عنده رجاء ارتفاع الأسواق -، مثال ما أصله عين أن يكون عنده عشرون جنيهاً، فيسلفها لغيره، ومثال ما أصله عرض تجارة لمحتكر أن يكون عنده ثياب للتجارة، وهو محتكر - فيبيعها لغيره بعشرين جنيهاً مؤجلة إلى عام أو أكثر، فإن كان أصل الدين عرضاً للقنية، ولم ينوبه التجارة، كما إذا كان عنده داراً اتخذها لسكناه، ثم باعها بأربعمائة جنيه مؤجلة؛ عاماً أو أكثر، فلا تجب عليه زكاة ثمنها إلا إذا قبض منه نصاباً فأكثر، ومضى على المقبوض من يوم قبضه عام، فيزكي ذلك المقبوض لا غير، وإن كان أصل الدين عرض تجارة لتاجر مدير، وهو الذي يبيع ويشتري بالسعر الحاضر، فإنه يزكي الدين كل عام بإضافته إلى قيم العروض التي عنده، وإلى باع به من الذهب والفضة، على ما يأتي في "زكاة التجارة".
    ثانياً: أن يقبض شيئاً من الدين على التفصيل الآتي، فإن لم يقبض منه شيئاً. فلا زكاة عليه إلا في دين تجارة المدير على ما يأتي:
    ثالثاً: أن يكون المقبوض ذهباً أو فضة، فإن قبض عروضاً: كثياب، وقمح، فلا تجب عليه الزكاة، إلا إذا باع هذه العروض، ومضى حول من يوم قبض العروض، فيزكي الثمن حينئذ؛ وهذا إذا كان تاجراً محتكراً، فإذا كان مديراً زكى قيمة العروض كل عام، ولو لم يبعها، وإذا لم يكن تاجراً أصلاً بأن قبض عروضاً للقنية؛ ثم باعها لحاجة؛ فإنها تجب زكاتها عليه إذا مضى عليها حول من يوم قبض ثمنها.
    رابعاً: أن يكون المقبوض نصاباً على الأقل، ولو قبضه لعدة مرات، أو يكون المقبوض أقل من نصاب، ولكن عنده ما يكمل النصاب من ذهب أو فضة حال الحول عليهما، أو كانا من المعدن، لأن المعادن لا يشترط في زكاة المستخرج منها حلول الحول، كما تقدم، فلو قبض من دينه نصاباً زكاه دفعة واحدة، ثم يزكي المقبوض بعد ذلك، سواء كان قليلاً أو كثيراً، إلا أن مبدأ الحول في المستقبل مختلف، فحول النصاب المقبوض أولاً من يوم قبضه، وحول الدفع المقبوضة بعد ذلك من يوم قبض كل منها؛ أما إذا كان المقبوض أولاً أقل من نصاب، ولم يكن عنده ما يكمل النصاب، فلا يزكى إلا إذا تم المقبوض نصاباً بدفع أخرى، ويعتبر حول المجموع من يوم التمام، ثم ما يقبضه بعد التمام يزكيه قليلاً أو كثيراً، ويعتبر حوله في المستقبل من يوم قبضه.
    الشافعية قالوا: تجب زكاة الدين إذا كان ثابتاً، وكان من نوع الدراهم أو الدنانير أو عروض التجارة، سواء كان حالاً أو مؤجلاً؛ أما إذا كان الدين ماشية أو مطعوماً، نحو التمر والعنب، فلا تجب الزكاة فيه، ولا يجب إخراج زكاة الدين على الدائن إلا عند التمكن من أخذ دينه، فيجب حينئذ إخراجها عن الأعوام الماضية؛ أما إذا تلف الدين قبل التمكن من أخذه؛ فإن الزكاة تسقط عنه

    (4) الشافعية قالوا: الورق النقدي وهو المسمى - بالبنكنوت - التعامل به من قبيل الحوالة على البنك بقيمته، فيملك قيمته ديناً على البنك، والبنك مدين مليء، مقر، مستعد للدفع حاضر، ومتى كان المدين بهذه الأوصاف وجبت زكاة الدين في الحال؛ وعدم الإيجاب والقبول اللفظيين في الحوالة لا يبطلها، حيث جرى العرف بذلك، على أن بعض أئمة الشافعية قال: المراد بالإيجاب والقول كل ما يشعر بالرضا من قول أو فعل، والرضا هنا متحقق.
    الحنفية قالوا: الأوراق المالية - البنكنوت - من قبيل الدين القوي، إلا أنها يمكن صرفها فضة فوراً، فتجب فيها الزكاة فوراً.
    المالكية قالوا: أوراق البنكنوت وإن كانت سندات دين إلا أنها يمكن صرفها فضة فوراً، وتقوم مقام الذهب في التعامل، فتجب فيها الزكاة بشروطها.
    الحنابلة قالوا: لا تجب زكاة الورق النقدي إلا إذا صرف ذهباً أو فضة ووجدت فيه شروط الزكاة السابقة
    (5) الشافعية قالوا: تجب زكاة عروض التجارة بشروط ستة:
    الأول: أن تكون هذه العروض قد ملكت بمعاوضة: كشراء، فمن اشترى عروضاً نوى بها التجارة، سواء اشتراها بنقد أو بدين، حال أو مؤجل، وجب عليه زكاتها بالكيفية الآتية؛ أما إذا كانت العروض مملوكة بغير معاوضة: كإرث، كأن ترك لورثته عروض تجارة، فلا تجب عليهم زكاتها حتى يتصرفوا فيها بنية التجارة،
    الثاني أن ينوي بهذه العروض التجارة حال المعاوضة في صلب العقد أو في مجلسه، فإذا لم ينو بالعروض التجارة على هذا الوجه، فلا زكاة فيها، ويشترط تجديد نية التجارة عند كل معاوضة حتى يفرغ رأس المال، فإذا فرغ رأس المال، فلا تجب النية عند كل تصرف، لانسحاب حكم التجارة عليه، اكتفاء بما تقدم؛
    الثالث: أن لا يقصد بالمال القنية، أي إمساكه للانتفاع به، وعدم التجارة، فإن قصد ذلك انقطع الحول، فإذا أراد التجارة بعد احتاج لتجديد نية التجارة مقرونة بتصرف في المال،
    الرابع: مضى حول من وقت ملك العروض، فإن لم يمض حول من ذلك الوقت فلا تجب الزكاة فيها، إلا إذا كان الثمن الذي ملك به العروض نقداً حالاً، وكان نصِاباً، أو كان أقل من نصاب ولكنه يملك ما يكمل النصاب من النقد، ففي هاتين الصورتين تجب عليه الزكاة في العروض، متى مضى حول على أصلها، وهو النقد،
    الخامس: أن لا يصير جميع مال التجارة في أثناء الحول نقداً من جنس ما تقوّم به العروض؛ على ما يأتي في "كيفية زكاة العروض" وهو أقل من النصاب، فإن صار جميع المال نقداً مع كونه أقل من نصاب، انقطع الحول، فإذا اشترى به سلعة للتجارة ابتدأ حولها من حين شرائها، ولا عبرة بالزمن السابق، أما لو صار بعض المال إلى ما ذكر؛ وبقي بعضه عروضاً، أو باع الكل بنصاب من نقد أو بعرض، أو بنقد لا يقوم به آخر الحول، كما يأتي، فلا ينقطع الحول،
    السادس: أن تبلغ
    قيمة العروض آخر الحول نصاباً، فالعبرة بآخر الحول لا بجميعه ولا بطرفيه، وإذا كانت عروض التجارة مما تتعلق الزكاة بعينها: كالسائمة والثمر، نظر، فإن وجد النصاب في عين المال وفي قيمته زكيت عين المال على حكم زكاة السوائم والثمر دون القيمة، وإن وجد النصاب في أحدهما دون الآخر زكى ما وجد فيه النصاب من قيمة عروض التجارة أو ذات السوائم والثمر، وتتكرر زكاة عروض التجارة بتكرار الأعوام ما دام النصاب كاملاً، وكيفية زكاتها أن تقوم آخر الحول بما اشتريت به من ذهب وفضة، أما إذا اشتراها بغير نقد فتقوم بالنقد الغالب في البلد، ولا بد في التقويم آخر الحول من عدلين: لأنها شهادة بالقيمة والشاهد في ذلك لا بد من تعدده، والواجب فيها ربع العشر.
    الحنفية قالوا: تجب الزكاة في عروض التجارة بشروط:
    منها أن تبلغ قيمتها نصاباً من الذهب أو الفضة، وتقوم بالمضروبة منهما، وله تقويمها بأي النوعين شاء، إلا إذا كانت لا تبلغ بأحدهما نصاباً، وتبلغ بالآخر، فحينئذ يتعين التقويم بما يبلغها النصاب؛ وتعتبر قيمتها في البلد الذي فيه المال حتى لو أرسل تجارة إلى بلد آخر فحال عليها الحول اعتبرت قيمتها في تلك البلد، فلو أرسلها إلى مفازة اعتبرت قيمتها في أقرب الأمصار إلى تلك المفازة، وتضم بعض العروض إلى بعض في التقويم، وإن اختلفت أجناسها، ومنها أن يحول عليها الحول، والمعتبر في ذلك طرفاً الحول لا وسطه؛ فمن ملك في أول الحول نصاباً، ثم نقص في أثنائه، ثم كمل في آخره وجبت فيه الزكاة، أما لو نقص في أوله أو في آخره، فإنه لا تجب فيه الزكاة، كما تقدم في "شروط الزكاة" وكذا لو زادت قيمتها في ىخر الحول عن النصاب، فإنه يخرج زكاتها باعتبار هذه الزيادة، ومنها أن ينوي التجارة، وأن تكون هذه النية مصحوبة بعمل تجارة فعلاً.
    فلو اشترى حيواناً ليستخدمه، ثم نوى أن يتجر فيه لا يكون للتجارة إلا إذا شرع في بيعه أو تأجيره بالفعل، وإذا وهب له مال غير النقدين، أو أوصى له به، ونوى به التجارة عند الهبة أو الوصية، فإن هذه النية لا تصح إلا إذا تصرف بالفعل، وإذا استبدل سلعة تجارية بسلعة مثلها، فتعتبر النية في الأصل لا في البدل، فيكون البدل للتجارة بلا نية اكتفاءً بالنية في الأصل، إلا إذا نوى عدم التجارة فيه فإنه لا يكون للتجارة حينئذ، ومنها أن تكون العين المتجر فيها صالحة لنية التجارة، فلو اشترى أرض عشر وزرعها، أو بذراً وزرعه وجب في الزرع الخارج العشر دون الزكاة، أما إذا لم يزرع الأرض العشرية، فإن الزكاة تجب في قيمتها، بخلاف الأرض الخراجية، فإن الزكاة لا تجب فيها وإن لم يزرعها، وإذا كان عنده ماشية للتجارة لم يحل عليها الحول، ثم قطع نية التجارة وجعلها سائمة للدّر والنسل، ونحوهما مما تقدم في "زكاة السوائم" بطل حول التجارة، وابتدأ الحول من وقت جعلها سائمة، فإذا تم الحول من ذلك الوقت زكاها نفسها على حكم زكاة السائمة المتقدمة، ولا يقومها وإذا اتجر في الذهب أو الفضة زكاها على حكم زكاة النقد المتقدمة، ولا يشترط في وجوب زكاتهما نية التجارة، وإذا بقيت عروض التجارة عنده أعوام ثم باعها بعد ذلك، فعليه زكاتها لجميع الأحوال، لا لعام فقط.
    المالكية قالوا: تجب زكاة عروض التجارة مطلقاً، سواء كان التاجر محتكراً أو مديراً وقد سبق بيانهما في "زكاة الدين" بشروط خمسة، وبكيفية مخصوصة:
    الأول: أن يكون العرض مما لا تتعلق الزكاة بعينه: كالثياب والكتب، فإن تعلقت الزكاة بعينه كالحلي من الذهب أو الفضة وكالماشية - الإبل والبقر والغنم - وجبت زكاته بالكيفية المتقدمة في زكاة النعم والذهب والفضة إن بلغ نصاباً، فإن لم يبلغ نصاباً تكون لزكاة في قيمته كبقية العروض
    الثاني: أن يكون العرض مملوكاً بمبادلة حالية: كشراء، وإجارة، لا مملوكاً بإرث أو خلع أو هبة أو صدقة مثلاً، فإنه إذا ملك شيئاً بسبب ذلك، ثم نوى به التجارة فإنه إذا باعه يستقبل بثمنه حولاً من يوم قبض الثمن، لا من يوم ملكه، وإذا لم يبعه، فلا يقوم عليه، ولا زكاة فيه ولو كان مديراً،
    الثالث أن ينوي بالعرض التجارة حال شرائه، سواء نوى التجارة فقط، أو نوى معها الاستغلال أو الانتفاع بنفسه، مثال ذلك: أن يشتري للتجارة بيتاً ونوى مع ذلك أن يكريه، أو يسكنه ريثما يظهر فيه ربح فيبيعه، فتجب زكاته في كل هذه الأحوال على التفصيل الآتي في كيفية "زكاة العروض" وأما إذا اشترى عرضاً، ونوى به الاستغلال، أو الاقتناء لينتفع به بنفسه، أو لم ينو شيئاً، فلا تجب زكاته،
    الرابع: أن يكون ثمنه عيناً، أو عرضاً امتلكه بمعاوضة مالية؛ وأما إذا كان ثمنه عرضاً ملكه بهبة أو إرث مثلاً، فلا زكاة فيه. بل إذا باعه بعد استقبل بثمنه حولاً من يوم قبضه،
    الخامس: أن يبيع من ذلك العرض بنصاب من الذهب أو الفضة إن كان محتكراً أو بأي شيء منهما ولو درهما إن كان مديراً.
    فإن لم يبع المحتكر بنصاب من النقدين، أو لم يبع المدير بشيء منهما فلا تجب الزكاة إلا إذا كان عند المحتكر ما يكمل النصاب منهما من مال استفاده بإرث مثلاً وحال عليه الحول، أو من معدن وإن لم يحل الحول عليه فتجب عليه زكاة الجميع. وأما كيفية زكاة عرض التجارة، فإن كان التاجر محتكراً فيزكي ما باع به من النقدين مضموماً إلى ما عنده منها لسنة واحدة فقط. ولو أقامت العروض عنده أعواماً. والديون التي له من التجارة لا يزكيها إلا إذا قبضها. فيزكيها لعام واحد فقط وإن كان مديراً. فإنه يقوم في كل عام ما عنده من عروض التجارة، ولو كسد سوقها. وأقامت عنده أعواماً، ثم يضم قيمتها إلى ما عنده من النقدين، ويزكي الجميع؛ وأما الديون التي له من التجارة فإن كانت نقداً حل أجله أو كان حالاً ابتداء، وكان مرجواً خلاصه ممن هو عليه في الصورتين. فإنه يعتبر عدده ويضمه إلى ما تقدم. وإن كان الدين عرضاً أو نقداً مؤجلاً وكان مرجواً خلاصه أيضاً فإنه يقومه ويضم القيمة لما تقدم ويزكي الجميع؛ وكيفية تقويم النقد المؤجل أنه يقول بعرض ثم العرض بذهب أو فضة حالين؛ مثلاً إذا كان له عشرة جنيهات مؤجلة يقال ما مقدار ما يشتري بهذه العشرة جنيهات المؤجلة من الثياب مثلاً؟ فإذا قيل خمسة أثواب قيل: وإذا بيعت هذه الخمسة بذهب أو فضة حالة فبكم تباع؟ فإذا قيل: بثمانية جنيهات اعتبرت هذه الثمانية قيمة للعشرة المؤجلة.
    وضمت لما عنده من النقود وقيمة العروض، فإذا بلغ المجموع نصاباً زكاه، وإلا فلا، وأما إذا كان الدين على معدم لا يرجى خلاصه منه، فلاتجب عليه زكاته إلا إذا قبضه من المدين، فإذا قبضه زكاه لعام واحد فقط، وكذا حكم الدين السلف، فإنه يزكي لعام واحد فقط بعد قبضه، ويعتبر مبدأ حول المدير من الوقت الذي ملك فيه الثمن الذي اشترى به عروض التجارة إن لم تجر فيه الزكاة، فإن جرت الزكاة في عينه فحوله من يوم ملك الأصل. أو زكاته إذا كان دون نصاب، كما سبق ولو تأخر وقت الإدارة عن ذلك على الراجح، وأما المحتكر فمبدأ حوله يوم ملك الأصل، أو زكاته إن كان قد زكاه، قولاً واحداً. ولا تقوم على المدير الأواني التي توضع فيها سلع التجارة، ولا آلات العمل، إذا كان التاجر محتكراً لبعض السلع، ومديراً للبعض الآخر، فالزكاة فيها تفصيل يتلخص فيما يلي: إن كان ما فيه الإدارة مساوياً لما فيه الاحتكار، زكى الأول على حكم الإدارة. يعني يقومه كل عام. وزكى الثاني على حكم الاحتكار، فكل منهما على حكمه المتقدم، أي المدار يقوم كل عام، وغيره ينتظر بركات البيع وقبض الثمن، وأما إذا كان الأكثر للإدارة، فيقوم الجميع كل عام، تغليباً لجانب الإدارة على الاحتكار، ويكفي في تقويم العروض واحد، ولا يشترط التعدد، لأن ذلك ليس من قبيل الشهادة، بل هو من قبيل الحكم، والحاكم لا يجب أن يكون متعدداً.
    الحنابلة قالوا: تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصاباً بشرطين:
    الأول: أن يملكها بفعله، كالشراء، فلو ملك العروض بغير فعله، كأن ورثها، فلا زكاة فيها،
    الثاني: أن ينوي التجارة حال التملك، بأن يقصد التكسب بها، ولا بد من استمرار النية في جميع الحول، أما لو اشترى عرضاً للقنية، ثم نوى به التجارة بعد ذلك، فلا يصير للتجارة، إلا الحلي المتخذ للبس، فإنه إذا نوى به التجارة بعد شرائه للبس يصير للتجارة بمجرد النية، وتقوم عروض التجارة عند تمام الحول، ويكون التقويم بما هو أنفع للفقراء من ذهب أو فضة، سواء أكان من نقد البلد أم لا، وسواء بلغت قيمة العروض نصاباً بكل منهما أو بأحدهما، ولا يعتبر في التقويم ما اشتريت به من ذهب أو فضة لا قدراً ولا جنساً، وإذا نقصت بعد التقويم أو زادت، فلا عبرة بذلك متى كان التقويم عند تمام الحول، وإن ملك نصاب سائمة لتجارة، ثم حال الحول عليه، وكان السوم ونية التجارة موجودين، فعليه زكاة تجارة، وليس عليه زكاة سوم؛ ولو ملك سائمة للتجارة نصف حول، ثم قطع نية التجارة، استأنف بها حولاً من وقت قطع النية؛ وإن اشترى أرضاً لتجارة يزرعها. وبلغت قيمتها نصاباً؛ أو اشترى أرضاً لتجارة وزرعها ببذر تجارة، فعليه زكاة الجميع قيمة إن بلغت قيمتها نصاباً
    (6) الحنفية قالوا: إذا كان مالكاً لنصاب من أول الحول، ثم ربح فيه أثناء الحول، أو استفاد مالاً من طريق آخر غير التجارة، كالإرث والهبة، فإن الربح، وذلك المال المستفاد يضم كل منهما إلى النصاب في الحول، بحيث إنه يزكي الجميع متى تم الحول على النصاب ولم ينقص في آخر الحول. فالعبرة عندهم في وجوب الزكاة بوجود النصاب في طريق الحول كما تقدم.
    المالكية قالوا: الربح وهو الناشئ عن التجارة بالمال، يضم لأصله، وهو المال الذي نشأ عنه في الحول، ولو كان الأصل أقل من نصاب، فلو كان عنده عشرة دنانير في المحرم اتجر فيها من ذلك التاريخ، فصارت في رجب عشرين ديناراً، ثم استمرت إلى المحرم من العام التالي وجب عليه زكاة الجميع، لأن الربح يعتبر كامناً في أصله؛ فكأنه موجود عند وجوده، فلذلك ضم إليه مطلقاً، ولو كان الأصل دون نصاب، وأما المال المستفاد من تجارة، كالإرث والهبة فإنه لا يضم إلى ما عنده من المال في الحول، ولو كان المال نصاباً، بل يستقبل به حولاً جديداً من يوم ملكه، فمن كان عنده المال في الحول، ولو كان المال نصاباً، بل يستقبل به حولاً جديداً من يوم ملكه، فمن كان عنده نصاب من الذهب مثلاً ملكه في محرم، ثم استفاد في رجب عشرة دنانير، فإنه إذا جاء المحرم زكى النصاب، ثم إذا جاء رجب ثاني عام زكى العشرة، ففي زكاة العين - الذهب والفضة - فرق بين الربح وغيره "أما زكاة الماشية" فإن كان عنده ماشية، وكانت نصاباً. ثم استفاد ماشية أخرى بشراء أو هبة، سواء أكان المستفاد نصاباً أم لا؛ فإن الثانية تضم للأولى، وتزكى على حولها، فإن كانت الأولى أقل من نصاب، فلا تضم الثانية لها، ولو كانت الثانية نصاباً؛ ويستقبل بها حولاً من يوم حصول الثانية، وأما إن حصلت الفائدة بولادة الأمهات، فحولها حولهن، وإن كانت الأمهات أقل من نصاب، لأن النتاج يقدر كامناً في أصله؛ فحوله حوله.
    الشافعية قالوا: يضم الربح لأصله في الحول؛ وكذلك ماله المملوك له من أول حول التجارة ولو كان الأصل دون نصاب؛ وأما المال المستفاد من غير التجارة، فله حول مستقل من يوم ملكه، ولا يضم إلى مال التجارة في الحول إلا إذا كان ثمراً ناشئاً عن الشجر المتجر فيه، أو نتاجاً ناشئاً عن الحيوان المتجر فيه، فإنه يضم إليه في الحول.
    الحنابلة قالوا: يضم الربح لأصله في الحول إذا كان الأصل نصاباً، فإن كان أقل من نصاب، فلا يضم إلى الأصل، بل يكون حول الجميع من حين تمام النصاب، وأما المستفاد من غير التجارة فلا يضم في الحول إلى ما لها، بل له حول مستقل من يوم ملكه، إلا نتاج السائمة فخوله حول الأمهات
    (7) الحنفية قالوا: يعتبر في المغشوش الغالب من الذهب أو الفضة أو غيرهما، فالذهب المخلوط بالفضة إن غلب فيه الذهب زكى زكاة الذهب، واعتبر كله ذهباً، وإن غلب فيه الفضة، فحكمه كله حكم الفضة في الزكاة؛ فإن بلغ نصاباً زكي، وإلا فلا؛ أما إن كان الغالب النحاس، فإن راج في الاستعمال رواج النقد، وبلغت قيمته نصاباً زكي، كالنقود، وكذلك يزكي زكاة النقد إن كان الخالص فيه يبلغ نصاباً، فإن لم يرج، ولم يبلغ خالصه نصاباً، فإن نوى به التجارة كان كعروض التجارة، فيقوم، وتزكى القيمة، وإلا فلا تجب فيه الزكاة.
    المالكية قالوا: الذهب والفضة المغشوشان إن راجا في الاستعمال رواج الخالص من الغش وجبت زكاتهما كالخالص سواء، وإن لم يروجا في الاستعمال كرواج الخالص، فإما أن يبلغ الصافي فيهما نصاباً أو لا، فإن بلغ نصاباً زكي الخالص. وإلا فلا
    (8) الحنفية قالوا: المعدن والركاز بمعنى واحد، وهو شرعاً مال وجد تحت الأرض، سواء كان معدناً خلقياً، خلقه الله تعالى بدون أن يضعه أحد فيها. أو كان كنزاً دفنه الكفار؛ ولا يسمى ما يخرج من المعدن والركاز زكاة على الحقيقة، لأنه لا يشترط فيهما ما يشترط في الزكاة وتنقسم المعادن إلى أقسام ثلاثة: ما ينطبع بالنار، ومائع وما ليس بمنطبع؛ ولا مانع، فالمنطبع ما كان كالذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد، والمائع ما كان كالقار - الزفت - والنفط - زيت البترول "الغاز" - ونحوهما؛ والذي ليس بمنطبع ولا مائع ما كان كالنورة والجواهر واليواقيت.
    فأما الذي ينطبع بالنار، فيجب فيه إخراج الخمس، ومصرفه مصرف خمس الغنيمة المذكورة في قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء، فأن لله خمسة} الآية، وما بقي بعد الخمس يكون للواجد إن وجد في أرض غير مملوكة لأحد، كالصحراء والجبل، وإنما يجب فيه الخمس إذا كان عليه علامة الجاهلية، أما إن كان من ضرب أهل الإسلام؛ فهو بمنزلة اللقطة، ولا يجب فيه الخمس، ولو اشتبه الضرب يجعل جاهلياً، أما إن وجده في أرض مملوكة، ففيه الخمس المذكور، والباقي للمالك، ومن وجد في داره معدناً أو ركازاً، فإنه لا يجب فيه الخمس؛ ويكون ملطاً لصاحب الدار، ولا فرق فيمن وجد الكنز والمعدن بين أن يكون رجلاً أو امرأة حراً أو عبداً، بالغاً أو صبياً أو ذمياً، وأما المائع: كالقار والنفط والملح؛ فلا شيء فيه أصلاً، ومثله ما ليس بمنطبع ولا مائع: كالنورة والجواهر ونحوهما، فإنه لا يجب فيهما شيء ويستثنى من المائع الزئبق، فإنه يجب فيه الخمس، ويلحق بالكنز ما يوجد تحت الأرض من سلاح وآلات وأثاث ونحو ذلك، فإنه يخمس على ما تقدم، ولا شيء فيما يستخرج من البحر: كالعنبر واللؤلؤ والمرجان والسمك ونحو ذلك، إلا إذا أعده للتجارة؛ كما تقدم.
    المالكية قالوا: المعدن هو ما خلفه الله تعالى في الأرض من ذهب أو فضة أو غيرهما؛ كالنحاس والرصاص والمغرة والكبريت، فهو غير الركاز الآتي بيانه، وحكمه أنه تجب زكاته إن كان من الذهب أو الفضة، بشروط الظكاة السابقة، من: الحرية، والإسلام، وبلوغ النصاب، وأما مرور الحول فلا يشترط، كما تقدم، وفي اشتراط الحرية، والإسلام، وعدم اشتراطهما، ويضم المخرج ثانياً لما استخرج أولا، متى كان العرق واحداً، ثم ما يخرج بعد تمام النصاب تجب فيه الزكاة أيضاً، سواء كان قليلاً أو كثيراً؛ فإن تعدد العرق، فإن كان ظهور العرق الثاني قبل انقطاع العمل في الأول، كان العرقان كعرق واحد، فيضم ما خرج من أحدهما للآخر، فمتى بلغ المجموع نصاباً زكاه، وإلا فلا، وإن كان ظهور العرق الثاني بعد انقطاع العمل في الأول اعتبر كل على حدته، فإن بلغ المخرج منه نصاباً زكاه، وإلا فلا، ولو كان مجموع الخارج منهما نصاباً، وكما لا يضم عرق إلى آخر، لا يضم معدن إلى آخر، فلا بد أن يكون الخارج من كل نصاباً على حدته، والزكاة الواجبة في المعدن هي ربع العشر، ومصرفها مصرف الزكاة الآتي بيانه، وهو الأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} الآية، ويستثنى من ذلك ما يسمى - بالندرة - وهي القطعة الخالصة من الذهب والفضة التي يسهل تصفيتها من التراب، فيجب فيها الخمس، ويصرف في مصارف الغنائم، وهو مصالح المسلمين، ولا يختص بالأصناف الثمانية.
    ولو لم يبلغ الخارج نصاباً، وإنما يجب الخمس في الندرة إذا لم يحتج مخرجها من الأرض إلى نفقة عظيمة في الحصول عليها، أو عمل كبير؛ وإلا ففيها ربع العشر يصرف في مصارف الزكاة؛ ولو لم تبلغ الندرة نصاباً، ولو كان مخرجها عبداً أو كافراً، وأما معادن غير الذهب والفضة، كالنحاس والقصدير فلا يجب فيها شيء إلا إذا جعلت عروض تجارة، فيجري فيها تفصيل زكاة عروض التجارة السابق، وأما الركاز فهو ما يوجد في الأرض من دفائن أهل الجاهلية من ذهب أو فضة أو غيرهما، ويعرف ذلك بعلامة عليه، فإذا شك في المدفون هل هو لجاهلي أو غيره، حمل على أنه لجاهلي، ويجب في الركاز إخراج خمسه، سواء كان ذهباً أو فضة أو غيرهما، وسواء وجده مسلم أو غيره؛ حراً كان الواجد أو عبداً، ويكون الخمس كالغنائم يصرف في المصالح العامة، إلا إذا احتاج الحصول على الركاز إلى عمل كبير، أو نفقة عظيمة، فيكون الواجب فيه ربع العشر، ويصرف لمصارف الزكاة، ولا يشترط في الواجب في الركازين في الحالين بلوغ النصاب، والباقي من الركاز بعد إرخاج الواجب يكون لمالك الأرض التي وجد فيها إن كان قد ملكها بإرث، أو بإحياء لها، فإن ملكها بشراء أو هبة مثلاً، فالباقي يكون للمالك الأول وهو البائع له، أو الواجد فإن لم تكن الأرض مملوكة لأحد فالباقي يكون لواجد الركاز، وأما ما يوجد في الأرض مما دفنه المسلمون أو أهل الذمة من الكفار، فإنه يكون لهم متى عرف المالك أو ورثته، وإن لم يعرف مستحقه، فيكون كاللقطة يعرّف عاماً، ثم يكون لواجده، إلا إذا قامت القرائن على أن هذه الدفائن قالوا قد توالى عليها عصور ودهور؛ بحيث لا يمكن معرفة ملاكها ولا ورثتهم، فلا تعرّف حينئذ وتكون من قبيل المال الذي جهلت أربابه؛ فيوضع في بيت مال المسلمين، ويصرف في المصالح العامة، ومثل دفائن الجاهلية أموالهم التي توجد على
    ظهر الأرض، أو بساحل البحر، فيجب فيها الخمس، والباقي لمن وجدها، ولا شيء فيما يلفظه البحر: كعنبر ولؤلؤ ومرجان ويسر، بل يكون لمن يجده إلا إذا علم أنه سبق ملكه لأحد من أهل الجاهلية أو غيرهم فيكون كالركاز واللقطة، على ما تقدم من التفصيل.
    الحنابلة قالوا: المعدن هو كل ما تولد من الأرض، وكان من غير جنسها، سواء كان جامداً: كذهب وفضة وبلور وعقيق ونحاس وكحل؛ أو مائعاً: كزرنيخ ونفط ونحو ذلك؛ فيجب على من استخرج شيئاً من ذلك وملكه العشر، بشرطين:
    الأول: أن يبلغ بعد تصفيته وسبكه نصاباً إن كان ذهباً أو فضة، أو تبلغ قيمته نصاباً إن كان غيرهما؛
    الثاني: أن يكون مخرجه ممن تجب عليه الزكاة، فلا تجب عليه إن كان ذمياً أو كافراً أو مديناً أو نحو ذلك. ثم إن كان المعدن جامداً أو كان مستخرجاً من أرض مملوكة فهو لمالكها؛ ولو كان المستخرج غيره. لأنه يملكه بملكه الأرض، لكن لا يجب عليه زكاته إلا إذا وصل إلى يده؛ ولا يضم معدن إلى معدن آخر ليس من جنسه لتكميل نصاب المعدن؛ إلا في الذهب والفضة؛ فيضم كل منهما إلى الآخر في تكميل النصاب؛ فإن كان في أرض مباحة غير مملوكة؛ فالمستخرج منها ملك لمن استخرجه، وتجب عليه زكاته - ربع العشر - سواء كان ذهباً أو فضة أو سلاحاً أو ثياباً أو غيرها ومن وجد مسكاً أو زباداً، أو استخرج لؤلؤاً أو مرجاناً أو سمكاً أو نحوه من البحر، فلا زكاة عليه في ذلك، ولو بلغ نصاباً، وأما الركاز فهو دفين الجاهلية، أو من تقدم من الكفار، ويلحق بالمدفون ما وجد عليه إسلام وكفر. فهو لفطة تجري عليه أحكامها. ويجب على واجد الركاز إخراج خمسة إلى بيت المال. فيصرفه الإمام أو نائبه في المصالح العامة. وباقيه لواجده إن وجده في ارض مباحة. وإن وجد في ملكه فهو له. وإن وجده في ملك غيره فهو له إن لم يدعيه المالك.
    فإن ادّعاه مالك الأرض بلا بينة ولا وصف فالركاز لمالك الأرض مع يمينه فإن كان متعدياً بالدخول في الأرض فمالكها أربابه. وإن كان قد دخلها وعمل فيها بإذنه، فالواجد أحق من المالك.
    الشافعية قالوا: المعدن ما يستخرج من مكان خلقه الله تعالى فيه، وهو خاص هنا بالذهب والفضة، فلا يجب شيء فيما يستخرج من المعادن: كالحديد والنحاس والرصاص وغير ذلك، ولا فرق في المعدن بين الجامد والمائع والمنطبع وغيره؛ ويجب فيه ربع العشر، كزكاة الذهب والفضة بشروطها المتقدمة إلا حولان الحول، فإنه ليس بشرط هنا، ولكن بقي شرط آخر، وهو أن يكون المعدن في أرض مباحة أو مملوكة له وإلا فلا زكاة فيه إلا إذا كان المعدن بأرض موقوفة على معين، وكان وجود المعدن بها بعد الوقف، فإنه يجب فيه الزكاة، ولا يشترط في المستخرج من المعدن النصاب دفعة واحدة، بل لو استخرج ما يبلغ النصاب على عدة مرات ضم ووجبت زكاة الجميع ولو زال ملكه عما استخرجه أولاً، بشرط أن يتحد المعدن، ويتصل العمل، أو ينفصل لعذر: كمرض، وإلا فلا يزكى الأول إن لم يبلغ نصاباً، وإنما يضم إلى الثاني فقط في إكمال النصاب، فإن كمل به وجبت زكاة الثاني فقط؛ ووقت وجوب الزكاة فيه عقب تخليصه وتنقيته؛ فلو أخرج الزكاة قبل تصفيته لا تجزئ، وأما الركاز فهو دفين الجاهلية؛ ويجب فيه الخمس حالاً بالشروط المعتبرة في الزكاة، إلا حولان الحول متى بلغ كل منهما نصاباً؛ ولو ضمه إلى ما في ملكه ولو غير مضروب، فلو وجده فوق الأرض لا يكون ركازاً، بل يكون لقطة، فإن لم يكن دفين الجاهلية بأن وجد عليه علامة تدل على أنه إسلامي، فحكمه وجوب رده إلى مالكه، أو وارثه إن علم، وإلا فهو لقطة، وكذا إذا جهل حاله، أجاهلي هو أو إسلامي، وإذا وجد الركاز في أرض مملوكة فهو لمالك الأرض إن ادعاه، وإلا فهو لمن علم ممن سبقه من
    المالكين

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الزكاة]
    صـــــ 546 الى صــــــــ558
    الحلقة (72)

    [زكاة الزرع والثمار]
    ثبتت فرضيتها زيادة على ما تقدم من الدليل العام بدليل خاص من الكتاب والسنة، قال تعالى: {وآتوا يوم حصاده} ،
    وقال صلى الله عليه وسلم:
    ما سقت السماء ففيه العشر، وما سقى غرب "دلو" أو دالية "دولاب" ففيه نصف العُشر" وهذا الحديث قد بين ما أجملته الآية الكريمة المذكورة.وأما شروطها فهي شروط الزكاة العامة المتقدمة؛ ولها شروط أخرى؛ وأحكام مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
    [مصرف الزكاة]
    تصرف الزكاة للأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب؛ والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل} .
    وفي تعريف كل واحد من هؤلاء الأصناف، وما يتعلق بذلك من الأحكام تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .


    (1) الحنفية قالوا: من الشروط العامة: العقل والبلوغ، فلا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون؛ إلا أن هذين الشرطين غير معتبرين في زكاة الزروع والثمار، فتجب في مال الصبي والمجنون، ويشترط لزكاتهما - زيادة على ما تقدم - أن تكون الأرض عشرية فلا تجب الزكاة في الخارج من الأرض الخراجية، وأن يكون الخارج منها مما يقصد بزراعته استغلال الأرض ونماؤها فلا تجب في الحطب والحشيش والقصب الفارسي - الغاب - والسعف، لأن الأرض لا تنمو بزراعة هذه الأصناف، بل تفسد بها، نعم لو قطعها وباعها واستفاد منها، وجبت الزكاة في قيمتها إن بلغت نصاباً ولا بد من زرع الأرض بالفعل بالنسبة للزكاة؛ بخلاف الخراج، فإنه يتقرر متى كانت صالحة للزراعة، ومتمكناً ربها من زرعها، فلو تمكن من زراعة أرض ولم يزرعها، فلاتجب فيها الزكاة، ويجب فيها الخراج لنموها تقديراً، فسبب وجوب الزكاة هو الأرض النامية حقيقة بالخارج منها، بخلاف الخراج، فسبب وجوبه النمو ولو تقديراً.
    وحكم زكاة الزرع والثمار هو أنه يجب فيها العشر إذا كانت خارجة من أرض تسقى بالمطر أو السيح - الماء الذي يسيح على الأرض من المصارف ونحوها - ونصف العشر إذا كانت خارجة من أرض تسقى بالدلاء ونحوها، ويجب أن يخرج زكاة كل ما تخرجه الأرض من الحنطة والشعير، والدخن، والأرز، وأصناف الحبوب والبقول، والرياحين، والورد وقصب السكر، والبطيخ والقثاء، والخيار، والباذنجان، والعصفر، والتمر والعنب وغير ذلك، سواء كانت له ثمرة تبقى أو لا، وسواء كان قليلاً أو كثيراً، فلا يشترط فيها نصاب ولا حولان؛ وتجب في الكتاب وبذره، وفي الجوز واللوز والكمون والكزبرة، وفيما يجمع من ثمار الأشجار التي ليست بمملوكة: كأشجار الجبال، ولا تجب في البذور التي لا تصلح إلا للزراعة: كبذر البطيخ والحناء، وبذر الحلبة، وبذر الباذنجان؛ ولا تجب فيما هو تابع للأرض: كالنخل والأشجار، ولا تجب فيما يخرج من الشجر: كالصمغ والقطران، ولا تجب في حطب القطن ونحوه، ولا تجب في الموز، وما ينفق على الزرع من الكلف يحسب على الزارع؛ فتجب الزكاة في كل الخارج بدون أن تخصم منه النفقات وإذا باع الزرع قبل إدراكه وجبت الزكاة على المشتري، وبعد الإدراك على البائع ووقت وجوب زكاة الخضر عند ظهور الثمرة، والأمن عليها من الفساد بأن بلغت حداً ينتفع بها؛ ثم يخرج حقها وقت قطعها، أما وقت زكاة الحبوب فبعد كيلها وتنقيتها، وتسقط الزكاة بهلاك الخارج من غير صنع المالك، وإذا هلك بعضه بغير صنعه سقط بقدر ما هلك؛ وكذا ما يقتاته اضطراراً.
    الشافعية قالوا: زكاة الزروع والثمار تجب بشروط ثلاثة زيادة على ما تقدم.
    الأول: أن يكون مما يقتات اختياراً: كالبر، والشعير، والأرز، والذرة، والعدس، والحمص والفول؛ والدخن، فإن لم يكن صالحاً للاقتيات: كالحلبة، والكراويا، والكزبرة والكتان، فلا زكاة فيه؛ وكذا ما يقتات به عند الضرورة: كالترمس ونحوه،
    الثاني: أن يكون مملوكاً لمالك معين بالشخص، فلا زكاة في الموقوف على المساجد، على الصحيح، إذ ليس لها مالك معين، كما لا زكاة في النخيل المباح بالصحراء إذا لم يكن لها مالك معين، الثالث: أن يكون نصاباً فأكثر؛ ولا يزكى من الثمار إلا العنب أو الرطب، فلا زكاة في الخوخ، والمشمش، والجوز، واللوز، والتين، ومتى ظهر لون العنب أو الرطب، أو لأن جلده وصلح للأكل، أو اشتد الحب والزرع فقد بدا صلاحه، وحينئذ يحرم على المالك التصرف فيه قبل إخراج الزكاة ولو بالصدقة؛ وعلى هذا يحرم أكل الفول الأخضر والفريك، وإطاء أجر الحصادين قبل إخراج الزكاة على المعتمد، ولا تجب الزكاة في الزروع والثمار إلا إذا بلغا حد النصاب، وهو خمسة أوسق تحديداً، وما زاد فبحسابه، فلا زكاة فيما دون ذلك، والوسق ستون صاعاً. والصاع أربعة أمداد؛ والمد رطل وثلث بالبغدادي، ويبلغ النصاب بالكيل المصري الآن أربعة أرادب وكيلتين.
    هذا إذا كانت الحبوب خالية من الطين والتراب ومصفاة من القشر، فإن كانت مما يدخر في قشره، كشعير الأرز، أو كان فيها غلت: كطين وتراب، فلا يعتبر إلا ما كان خالصاً منها، بحيث تبلغ النصاب، ولا بد أن يكون النصاب من جنس واحد، فلا يضم القمح إلى الشعير لإتمام النصاب، وكذا غيره من الأصناف المختلفة، ولا يضم ثمر أو زرع هذا العام إلى العام الذي قبله لإكمال النصاب. أما إذا تكرر الزرع في عام واحد: كالذرة الصيفية، والذرة النيلية فيضم بعضه إلى بعض، لأنه لم يتخلل بين الزرعين عام كامل، أي اثني عشر شهراً هلالية؛ والعبرة في الحبوب للحصاد، وفي الثمار بظهورها، وكذا العنب فإنه يضم ما بكر منه إلى ما تأخر في عامه. أما التمر المتكرر في عام، كأن أثمرت النخلة مرتين في عام واحد؛ فيزكى عن المرة الأولى إن أكملت النصاب، وإلا فلا يضم إلى المرة الثانية، والذي يجب إخراجه يختلف باختلاف مدة عيش الزرع ونمائه، لا بعدد السقيات؛ فإن سقي الزرع، أو التمر بماء السماء، أو بماء النهر بدون آلات، أو شرب بعروقه: كالزرع البعلي، فالواجب فيه العشر، فإن سقي بدولاب أو شادوف، أو بماء مشتري، فالواجب فيه نصف العشر لكثر المؤونة، فلو سقي بمجموع الأمرين، كأن سقي نصف الأرض بماء السماء، والنصف الآخر بدولاب وجب في هذه الحالة إخراج ثلاثة أرباع العشر، وإن اختلف عدد السقيات، لأن العبرة بمدة الزراعة لا بعدد السقيات.
    الحنابلة قالوا: تجب زكاة الزروع والثمار، بشرطين زيادة على ما تقدم:
    الأول: أن تكون صالحة للادخار،
    الثاني: أن تبلغ نصاباً وقت وجوب الزكاة، والنصاب هنا خمسة أوسق بعد تصفيه وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلاً مصرياً، وأربعة أسباع رطل، فلا فرق فيما تجب فيه الزكاة بين كونه حباً أو غيره، مأكولاً أو غير مأكول: كالقمح، والفول، وحب الرشا، وحب الفجل، وحب الخردل، والزعتر، والأشنان وورق الشجر المقصود ...
    كورق السدر، والآس، وكتمر، وزبيب، ولوز، وفستق، وبندق، أما العناب والزيتون، فلا تجب الزكاة فيهما، كما تجب في الجوز الهندي، والتين، والتوت، وبقية الفواكه وقصب السكر، واللفت، والكرنب، والبصل، والفجل، والورس، والنيلة، والحناء، والبرتقال، والقطن، والكتان، والزعفران، والعصفر، لأن هذه الأشياء لم يتحقق فيها الشرط الأول، وأما العلس، والرز اللذان يدخران في قشرهما، فنصابهما في قشرهما عشرة أوسق لأن الاختبار دل على ذلك، ولا يجوز تقدير غيرهما في قشره، ولا إخراج زكاته قبل تصفيته، والعبرة في هذه المكاييل بالمتوسط في الثقل، وهو العدس، والحنطة، فتجب في خفيف بلغ النصاب كيلاً إن قارب هذا الوزن، وإن لم يبلغه، لأنه في الكيل كالثقيل ولا تجب في ثقيل بلغ النصاب وزناً لا كيلاً، وتضم أنواع الجنس لبعضها في تكميل النصاب إن كانت من زرع عام واحد أو من تمر عام واحد، إن كانت الثمرة من شجر يحمل في السنة مرتين، والزكاة الواجب إخراجها في الزرع والثمار هي العشر إن سقيت بماء السماء ونحوه؛ ونصف العشر إن سقيت بالآلات؛ فإن سقي النصف بماء السماء؛ والنصف الآخر بالآلات، وجب إخراج ثلاثة أرباع العشر، فإن تفاوتا فالحكم لأكثرهما نفعاً للزرع، فإن جهل المقدار، فالواجب العشر احتياطاً، والوقت الذي تجب فيه الزكاة في الحبوب هو وقت اشتدادها حال الصلاح للأخذ والادخار، ووقت وجوبها في الثمار عند طيب أكهلا وظهورها، فإذا أتلفها أو باعها بعد ذلك ضمن الحنفية قالوا: الفقراء، فإن تلفت من غير تعدية سقطت عنه الزكاة ما لم تكن قد وضعت في الجرين أو نحوه، فإن وضعت في ذلك ثم تلفت ضمن الزكاة للفقراء.
    المالكية قالوا: تجب زكاة الحرث - الزرع والثمار - ويتعلق الوجوب بها من وقت الطيب، وهو بلوغ الزرع، أو الثمر حد الأكل منه؛ قال مالك رضي الله عنه: إذا أزهى النخل، وطاب الكرم، وأسود الزيتون، أو قارب، وأفرك الزرع، واستغنى عن الماء، وجبت فيه الزكاة، وحيث إن الزكاة وجبت فيها من حين الطيب فكل ما أكل من الحب، وهو فريك، أو من البلح هو بسر، أو من العنب بعد ظهور الحلاوة فيه يحسب، وتتحرى زكاته، وإذا أخرج زكاته منه إذ ذاك أجزأه، وكذلك يحسب ما يرميه الهواء إن أمكن جمعه والانتفاع به، أو يهديه أو يعلف به الدواب، أو يستأجر به الحصاد أو غيره، ولا يجسب ما يأكله الطير أو الجراد، وما تلف بسبب حر أو برد، وكل جائحة سماوية، وكذا لا يحسب ما تأكله الدابة في حال درسها، ويشترط في وجوب الزكاة بلوغ الحرث نصاباً، ونصاب الحرث خمسة أوسق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق"، وقدر النبي صلى الله عليه وسلم الوسق بستين صاعاً بصاع المدينة في عهده، والصاع خمسة أرطال وثلث بالرطل العراقي، وبالكيل أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، والمد ثلث قدح بالقدح المصري، فيكون الصاع قدحا وثلثاً، وقدر النصاب بالكيل المصري بأربعة أرادب، وويبة - كيلتين -، ويقدر الجفاف للأوسق إن كانت غير جافة بالفعل ولا يحسب منها الحشف، وتعتبر خالصة من القشر الذي تخزن بدونه كقشر الفول الأعلى.
    أما القشر الذي تخزن فيه: كقشر حب الفول، فلا يعتبر الخلوص منه، وإنما تجب الزكاة في الحبوب والثمار إذا حصلت في الإنبات، أو غرس الشخص، سواء أكانت الأرض خراجية أم لا، أما ما نبت بنفسه في الجبال أو في الأرض المباحة، فلا زكاة فيه: ومن سبق إلى شيء منها ملكه، وتجب الزكاة في عشرين نوعاً، وهي: القمح، والشعير، والسلت - نوع من الشعير لا قشر له - والعلس - وهو نوع من القمح تكون الحبتان منه في قشرة واحدة، - وهو طعام أهل صنعاء باليمن -، والأرز، والدخ، والجلبان -، وذوات الزيوت الأربعة، وهي: - الزيتون والسمسم، والقرطم وحب الفجل الأحمر - ونوعان من الثمار. وهما: - التمر، والزبيب - ولا زكاة في غيرها، إلا أن تكون عروض تجارة، فزكى قيمتها على ما تقدم، والواجب إخراجه هو نصف العشر من الحب، أو التمر، أو زيت ما له زيت، متى بلغ الحب نصاباً، وإن لم يبلغه الزيت وإنما يجب نصف العشر إن سقي بالآلات، فإن سقي بالمطر أو السيح، فالعشر، ولو اشترى المطر ممن نزل بأرضه، أو أنفق عليه حتى أوصله لأرضه من غير آلة رافعة، ففيه العشر أيضاً، وإن سقي بالآلة وبغيرها نظر للزمن، فإن تساوت مدة السقيين أو تقاربت أخرج عن النصف العشر، وعن النصف الآخر نصف العشر، فيخرج عن الجمع ثلاثة أرباع العشر، فإن كانت مدة أحدهما الثلث أو قريباً منه فقيل: يعتبر الأكثر، فيزكي الكل عن حكمه، وقيل: ينظر لكل واحدة على حدة فإذا كان السقي في ثلثي المدة بدون آلة وفي ثلثها بالآلة أخرج عن ثلثي الخارج العشر وعن ثلثه نصف العشر. وعلى القول الأول يخرج عن الكل العشر، ويضم بعض الأنواع إلى بعض على الأوجه الآتي: القطاني السعة المتقدمة جنس واحد في الزكاة، تضم أنواعه بعضها إلى بعض.
    فإذا حصل من مجموعها نصاب فأكثر، وجبت زكاة الجميع، ويخرج من كل نوع القدر الذي يخصه والقمح والشعير والسلت في "باب الزكاة" جنس واحد كذلك. فإن اجتمع منها نصاب وجبت زكاة الجميع. وأخرج من كل نوع ما يخصه. وشروط الضم من كل ما ذكر أن يزرع المضموم قبل استحقاق حصاد المضموم إليه وغلا لم يضم إليه. وأن يبقى من حب الأول إلى وجوب زكاة الثاني ما يكملان به نصاباً. وأما الذي لا يضم بعضه إلى بعض فهو باقي الأنواع العشرين السابقة: كالأرز والذرة والعلس والتمر. والزبيب. فكل واحد منها ينظر إليه وحده. فإن حصل منه نصاب وجبت زكاته وإلا فلا، فلا يضم أرز لذرة ولا تمر لزبيب، كما لا يضم فول إلى قمح ولا عدس إلى شعير مثلاً. وأما أصناف منهما نصاب يزكي الجميع وأخرج من كل بقدره. فإن اجتمع النصاب من جيد ومتوسط ورديء، أخرج زكاة الجميع من المتوسط. فإن أخرجهما من الجيد كان أفضل ولا يجزء الإخراج من الرديء لا عنه ولا عن غيره. وإذا بدا صلاح البلح باحمراره أو اصفراره. أو بدا صلاح العنب بحلاوته. واحتاج المالك للأكل منه أو بيعه. أو إهدائه. فعليه أن يقدره أولاً بواسطة عدل عارف ما على الأشجار والنخيل من العنب والبلح إذا جف كل منهما، بأن صار البلح تمراً والعنب زبيباً. ويكون التقدير لشجرة شجرة ويعد ذلك يتصرف فيه كيف يشاء. فإذا بلغ مقدار الزبيب أو التمر نصاباً: زكي إن كان كل منهما مما شأنه الجفاف. واليبس وإلا أخرج الزكاة من الثمن إن باعه. ومن القيمة إن لم يبعه.
    فيخرج عشر الثمن أو القيمة أو نصف عشرهما كما سبق، متى بلغ الحب بالتقدير نصاباً، ولو لم يبلغه الثمن ولا القيمة، وكذا الحكم في كل زرع وثمر شأنه عدم الجفاف، ولو لم يكن محتاجاً إلى بيعه، أو أكله، فيخرج عنه من ثمنه إن باعه ومن قيمته إن لم يبعه، وذلك: كالفول المسقاري، ورطب مصر، وعنبها؛ والزيتون الذي لا زيت له تخرج من ثمنه أو قيمته إن بلغ الحب نصاباً

    (2) الحنفية قالوا: "الفقير" هو الذي يملك أقل من النصاب؛ أو يملك نصاباً غير تام يستغرق حاجته، أو يملك نصباً كثيرة غير تامة تستغرق الحاجة، فإن ملكها لا يخرجه عن كونه فقيراً يجوز صرف الزكاة له، وصرفها للفقير العالم أفضل، والمسكين هو الذي لا يملك شيئاً أصلاً، فيحتاج إلى المسألة لقوته، أو لتحصيل ما يوارى به بدنه، ويحل له أن يسأل لذلك، بخلاف الفقير؛ فإنه لا تحل له المسألة ما دام يملك قوت يومه بعد سترة بدنه، "والعامل" هو الذي نصبه الإمام لأخذ الصدقات والعثور، فيأخذ بقدر ما عمل، و"الرقاب": هم الأرقاء المكاتبون، و"الغارم": هو الذي عليه دين ولا يملك نصاباً كاملاً بعد دينه، والدفع إليه لسداد دينه أفضل من الدفع للفقير، "وفي سبيل الله" هم الفقراء المنقطعون للغزو في سبيل الله على الأصح، "وابن السبيل" هو الغريب المنقطع عن ماله، فيجوز صرف الزكاة له بقدر الزكاة لقدر الحاجة فقط؛ والأفضل له أن يستدين، وأما المؤلفة قلوبهم، فإنهم منعوا من الزكاة في خلافة الصديق، ويشترط لصحة أداء الزكاة النية المقارنة لإخراجها، أو لعزل ما وجب إخراجه.
    هذا، وللمالك أن يصرف الزكاة لجميع الأصناف المذكورة في الآية الكريمة، أو لبغضهم، ولو واحداً من أي صنف كان، والأفضل أن يقتصر على واحد إذا كان المدفوع أقل من نصاب، فإن دفع لواحد نصاباً كاملاً فأكثر، أجزأه مع الكراهة. إلا إذا كان مستحق الزكاة مديناً، فإنه يجوز للممالك أن يسدد له دينه بالزكاة، ولو كانت أكثر من نصاب؛ وكذا لو كان ذا عيال. فإنه يجوز أن يصرف له من الزكاة أكثر من نصاب، ولكن بحيث لو زرع على عياله يصيب كل واحد منهم أقل من نصاب، ويشترط في سداد الدين بالزكاة أن يأمره مستحقها بذلك، فلو سدد المالك دين من يستحق الزكاة بدون أمره لم يجزئه الزكاة، وسقط الدين، ولا يجوز للممالك أن يصرف الزكاة لأصله: كأبيه وجده، وإن علا، ولا لفرعه كابنه وابن ابنه وإن سفل. وكذا لا يجوز له أن يصرفها لزوجته، ولو كانت مبانة في العدة، كما لا يجوز لها أن تصرفها لزوجها عند أبي حنيفة. أما باقي الأقارب، فإن صرف الزكاة لهم أفضل، والأفضل أن يكون على هذا الترتيب، الإخوة، والأخوات، ثم أولادهم، ثم الأخوال، والخالات، ثم أولادهم، ثم باقي ذوي الأرحام، ويجوز أن يصرف الزكاة لمن تجب عليه نفقته من الأقارب، بشرط أن لا يحبسها من النفقة، ولا يجوز أن يصرف الزكاة في بناء مسجد، أو مدرسة، أو في حج، أو جهاد، أو في إصلاح طرق، أو سقاية، أو قنطرة، أو نحو ذلك من تكفين ميت، وكل ما ليس فيه تمليك لمستحق الزكاة، وقد تقدم أن التمليك ركن للزكاة. ويجوز صرف الزكاة لمن يملك أقل من النصاب، وإن كان صحيحاً ذا كسب.
    أما من يملك نصاباً من أي مال كان، فاضلاً عن حاجته الأصلية، وهي مسنكة، وأثاثه، وثيابه، وخادمه، ومركبه وسلاحه، فلا يجوز صرف الزكاة له، ويجوز دفع الزكاة إلى ولد الغني الفقيرة، والى الأب المعسر، وإن كان ابنه موسراً، ويكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد، إلا أن ينقلها إلى قرابته، أو إلى قوم هم أحوج إليها من أهل بلده، ولو نقل إلى غيرهم أجزأه مع الكراهة، وإنما يكره النقل إذا أخرجها في حينها، أما إذا عجلها قبل حينها، فلا بأس بالنقل. والمعتبر في الزكاة مكان المال حتى لو كان المالك في بلد وماله في بلد أخرى تفرق الزكاة في مكان المال. وإذا نوى الزكاة بما يعطيه لصبيان أقاربه أو لمن يأتيه ببشارة ونحوها أجزأه. وكذا ما يدفعه للفقراء من الرجال والنساء في المواسم والأعياد. ويجوز التصدق على الذمي بغير مال الزكاة ولا تحل لبني هاشم بخلاف صدقات التطوع والوقف.المالكية قالوا: "الفقير" هو من يملك من المال أقل من كفاية العام. فيعطي منها. ولو ملك نصاباً وتجب عليه زكاة هذا النصاب. وليس من الفقير من وجبت عليه نفقته على غيره متى كان ذلك الغير غنياً قادراً على دفع النفقة. فلا يجوز أن يعطي الزكاة لوالده الفقير ولو لم ينفق عليه بالفعل، لأنه قادر على أخذ نفقته منه برفع الأمر للحاكم. وأما إذا كان شخص ينفق على فقير تطوعاً بدون أن تجب عليه نفقته فإنه يجوز له أن يصرف الزكاة له. ومتى كانت له حرفة يتحصل منها على ما يكفيه، أو له مرتب كذلك، فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة فإن كان المرتب لا يكفيه أعطي من الزكاة بقدر كفايته؛ و"المسكين" من لا يملك شيئاً أصلاً، فهو أحوج من الفقير؛ ويشترط في الفقير والمسكين ثلاثة شروط: الحرية؛ والإسلام؛ وأن لا يكون كل منهما من نسل هاشم بن عبد مناف، إذا أعطوا ما يكفيهم من بيت المال، وإلا صح إعطاؤهم، حتى لا يضر بهم الفقر، وأما بنو المطلب أخي هاشم فليسوا من آل النبي صلى الله عليه وسلم، فتحل لهم الزكاة؛ وأما صدقى التطوع، فتحل لبني هاشم، وغيرهم، "والمؤلفة قلوبهم" هم كفار، يعطون منها ليتمكن الإيمان في قلوبهم، وعلى القول الثاني، فحكمهم باق لم ينسخ، فيعطون من الزكاة الآن.
    وأما على التفسير الأول ففي بقاء حكمهم وعدمه خلاف، والتحقيق أنه إذا دعت حاجة الإسلام إلى استئلاف الكفار أعطوا من الزكاة وإلا فلا، و"العامل على الزكاة": كالساعي، والكاتب، والمفرق والذي يجمع أرباب المواشي لتحصيل الزكاة منهم، ويعطي العامل منها ولو غنياً، لأنه يستحقها بوصف العمل، لا الفقر، فإن كان فقيراً استحق بالوصفين، ويشترط في أخذه منها أن يكون حراً مسلماً غير هاشمي، ويشترط في صحة توليته عليها أن يكون عدلاً عارفاً بأحكامها، فلا يولى كافر، ولا فاسق، ولا جاهل بأحكامها، وإذا ولى السلطان عاملاً عبداً، أو هاشمياً، نفذت توليته، ويعطى الأجرة من بيت المال لا من الزكاة، و"في الرقاب" الرقبة رقيق مسلم يشتري من الزكاة ويعتق، ويكون ولاؤه للمسلمين، فإذا مات ولا وارث له، وله مال فهو في بيت مال المسلمين، و"الغارم" هو المدين الذي لا يملك ما يوفي به دينه، فيوفى دينه من الزكاة، ولو بعد موته وشرطه الحرية، والإسلام، وكونه غير هاشمي، وأن يكون تداينه لغير فساد: كشرب خمر، وإلا فلا يعطى منها إلا أن يتوب، والمجاهد يعطى من الزكاة إن كان حراً مسلماً غير هاشمي، ولو غنياً، ويلحق به الجاسوس، ولو كافراً، فإن كان مسلماً، فشرطه أنه يكون حراً غير هاشمي، ولو غنياً، ويلحق به الجاسوس، ولو كافراً، فإن كان مسلماً، فشرطه أنه يكون حراً غير هاشمي، وإن كان كافراً، فشرطه الحرية فقط، ويصح أن يشتري من الزكاة سلاح، وخيل للجهاد، ولتكن نفقة الخيل من بيت المال، وابن السبيل هو الغريب المحتاج لمن يوصله لوطنه فيعطي من الزكاة إن كان حراً مسلماً غير هاشمي، ولا عاصياً بسفره: كقاطع الطريق، ومتى استوفى الشروط أخذ، ولو غنياً ببلده، إن لم يجد من يسلفه ما يوصله إليها، وإلا فلا يعطى، كمن فقد أحد الشروط، ويجب في الزكاة أن ينوي مخرجها أن
    هذا القدر المعطى زكاة، وتكون النية عند تفريقها إن لم ينو عند العزل، فإن نوى عند عزل مقدار الزكاة أنه زكاة،كفاه ذلك، فإن تركت النية أصلاً، فلا يعتد بما أخرجه من الزكاة، ولا يلزم إعلان الأخذ بأن ما أخذه هو من الزكاة، بل يكره، لما فيه من كسر قلب الفقير، ويتعين تفرقة الزكاة بموضع الوجوب أو قربه، ولا يجوز نقله إلى مسافة قصر فأكثر، إلا أن يكون أهل ذلك الموضع أشد حاجة من أهل محل الوجوب، فيجب نقل الأكثر لهم؛ وتفرقة الأقل على أهله وأجرة نقلها من بيت مال المسلمين، فإن لم يوجد بيت مال بيعت واشتري مثلها بالمحل الذي يراد النقل إليه، أو فرق ثمنها بذلك المحل على حسب المصلحة، وموضع الوجوب هو مكان الزروع والثمار، ولو لم تكن في بلد المالك، ومحل المالك.
    هذا في العين، وأما الماشية فموضع وجوبها محل وجودها إن كان هناك ساع، وإلا فمحل المالك، ولا يجب تعميم الأصناف الثمانية في الإعطاء، بل يجوز دفعها، ولو لواحد من صنف واحد، وإلا العامل، فلا يجوز دفعها كلها إليه إذا كانت زائدة على أجرة عمله.
    الحنابلة قالوا: الفقير هو من لم يجد شيئاً، أو لم يجد نصف كفايته: و"المسكين" هو من يجد نصفها أو أكثر، فيعطي كل واحد منهما من الزكاة تمام كفايته مع عائلته سنة، و"العامل عليها" هو كل ما يحتاج إليه في تحصيل الزكاة، فيعطى منها بقدر أجرته. ولو غنياً و"المؤلف" هو السيد المطاع في عشيرته ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره، أو يرجى قوة إيمانه أو إسلام نظيره من الكفار أو يحتاج إليه في جبايتها ممن لا يعطيها، فيعطى منها ما يحصل التأليف، و"الرقاب" هو المكاتب ولو قبل حلول شيء من دين الكتابة، ويعطى ما يقضي به دين الكتابة، و"الغارم" قسمان:
    أحدهما: من استدان للإصلاح بين الناس.
    ثانيهما: من استدان لإصلاح نفسه في أمر مباح أو محرم وتاب، ويعطى ما يفي به دينه، {وفي سبيل الله} هو الغازي إن لم يكن هناك ديوان يتفق منه عليه، ويعطى ما يحتاج إليه من سلاح، أو فرس، أو طعام، أو شراب، وما يفي بعودته، {وابن السبيل} وهو الغريب الذي فرغت منه النفقة في غير بلده في سفر مباح، أو محرم، وتاب، ويعطى ما يبلغه لبلده ولو وجد مقرضاً، سواء كان غنياً أو فقيراً، ويكفي الدفع لواحد من هذه الأصناف الثمانية، ويجوز أن يدفع الجماعة زكاتهم لواحد كما يجوز للواحد أن يدفع زكاته لجماعة، ولا يجوز إخراج الزكاة بقيمة الواجب، وإنما الواجب إخراج عين ما وجب، ولا يجوز دفع الزكاة للكافر، ولا لرقيق، ولا لغني بمال أو كسب، ولا لمن تلزمه نفقته ما لم يكن عاملاً، أو غازياً، أو مؤلفاً، أو مكاتباً، أو ابن سبيل، أو غارماً لإصلاح ذات بين، ولا يجوز أيضاً أن تدفع الزوجة زكاتها لزوجها، وكذا العكس، ولا يجوز دفعها لهاشمي، فإن دفعها لغير مستحقها جهلاً، ثم علم عدم استحقاقه لم تجزئه، ويستردها ممن أخذها، وإن دفعها لغير مستحقها جهلاً، ثم علم عدم استحقاقه لم تجزئه، ويستردها ممن أخذها، وإن دفعها لمن يظنه فقيراً أجزأه كما يجزئه تفرقتها للأقارب إن لم تلزمه نفقتهم، والأفضل تفرقتها جميعاً لفقراء بلده؛ ويجوز نقلها لأقل من مسافة القصر من البلد الذي فيه المال والأفضل تفرقتها جميعاً لفقراء بلده؛ ويجوز نقلها لأقل من مسافة القصر من البلد الذي فيه المال ويحرم نقلها إلى مسافة القصر، وتجزئه.
    الشافعية قالوا: "الفقير" هو من لا مال له أصلاً، ولا كسب من حلال، أو له مال، أو كسب من حلال لا يكفيه، بأن كان أقل من نصف الكفاية، ولم يكن له منفق يعطيه ما يكفيه: كالزوج بالنسبة للزوجة؛ والكفاية تعتبر بالنسبة لعمره الغالب، وهو اثنان وستون سنة. إلا إذا كان له مال يتجر فيه، فيعتبر ربحه في كل يوم على حدة، فإن كان ربحه في كل يوم أقل من نصف الكفاية في ذلك اليوم، فهو فقير، وكذا إذا جاوز العمر الغالب، فالعبرة بكل يوم على حدة، فإن كان عنده من المال أو الكسب ما لا يكفيه في نصف اليوم، فهو فقير؛ و"المسكين" من قدر على مال، أو كسب حلال، يساوي نصف ما يكفيه في العمر الغالب المتقدم، أو أكثر من النصف، فلا يمنع من الفقر والمسكنة وجود مسكن لائق به، أو وجود ثياب كذلك، ولو كانت للتجمل، وكذا لا يمنع من وصف المرأة بالفقر والمسكنة وجود حلي لها تحتاج للتزين به عادة. وكذا وجود كتب العلم التي يحتاج لها للمذاكرة، أو المراجعة، كما أنه إذا كان له كسب من حرام، أو مال غائب عنه بمرحلتين، أو أكثر، أو دين له مؤجل.
    فإن ذلك كله لا يمنعه من الأخذ من الزكاة بوصف الفقر أو المسكنة؛ و"العامل على الزكاة" هو من له دخل في جميع الزكاة: كالساعي، والحافظ، والكاتب، وإنما يأخذ العامل منها إذا فرقها الإمام، ولم يكن له أجرة مقدرة من قبله، فيعطى بقدر أجر مثله و"المؤلفة قلوبهم" هم أربعة أنواع:
    الأول: ضعيف الإيمان الذي أسلم حديثاً؛ فيعطي منها ليقوى إسلامه؛
    الثاني: من أسلم، وله شرف في قومه، ويتوقع بإعطائه من الزكاة إسلام غيره من الكفار؛
    الثالث: مسلم قوي الإيمان: يتوقع بإعطائه أن يكفينا شر من وراءه من الكفار،
    الرابع؛ من يكفينا شر مانع الزكاة؛ و"الرقاب" هو المكاتب، يعطى من الزكاة ما يتسعين به على أداء نجوم الكتابة، ليخلص من الرق، وإنما يعطى بشروط: أن تكون كتابته صحيحة؛ وأن يكون مسلماً؛ وأن لا يكون عنده وفاء بما عليه من دين الكتابة؛ وأن لا يكون مكاتباً لنفس المزكي؛ و"الغارم" هو المدين، وأقسامه ثلاثة:
    الأول: مدين للإصلاح بين المتخاصمين، فيعطى منها، ولو غنياً؛
    الثاني: من استدان في مصلحة نفسه ليصرف في مباح؛ أو غير مباح، بشرط أن يتوب،
    الثالث: من عليه دين بسبب ضمان لغيره؛ وكان معسراً هو المضمون إذا كان الضمان بإذنه، فإن تبرع هو بالضمان بدون إذن المضمون يعطى متى أعسر هو، ولو أيسر المضمون؛ ويعطى الغارم في القسمين الأخيرين ما عجز عنه من الدين، بخلاف القسم الأول، فيعطى منها، ولو غنياً، و"في سبيل الله" هو المجاهد المتطوع للغزو، وليس له نصيب من المخصصات للغزاة في الديوان، ويعطى منها ما يحتاج إليه ذهاباً وإياباً وإقامة، ولو غنياً، كما تعطى له نفقة من يمونه وكسوته، وقيمة سلاح وفرص، ويهيأ له ما يحمل متاعه وزاده إن لم يعتد حملها و"ابن السبيل" هو المسافر من بلدة الزكاة، أو المار بها فيعطى منها ما يوصله لمقصده، أو لماله إن
    كان له مال، بشرط أن يكون محتاجاً حين السفر، أو المرور، وأن لا يكون عاصياً بسفره، وأن يكون سفره لغرض صحيح شرعاً؛ ويشترط في أخذ الزكاة من هذه الأصناف الثمانية زيادة على الشروط الخاصة لكل صنف شروط خمسة:
    الأول: الإسلام؛
    الثاني كمال الحرية، إلا إذا كان مكاتباً؛
    الثالث: أن لا يكون من بني هاسم، ولا بني المطلب، ولا عتيقاً لواحد منهم، ولو منع حقه من بيت المال، ويستثنى من ذلك الحمال والكيال، والحافظ للزكاة، فيأخذون منها ولو كفاراً أو عبيداً، أو من آل البيت، لأن ذلك أجرة على العمل؛
    الرابع؛ أن لا تكون نفقته واجبة على المزكي،
    الخامس:أن يكون القابض للزكاة. وهو البالغ العاقل حسن التصرف. ويجب في الزكاة تعميم الأصناف الثمانية إن وجدوا، سواء فرقها الإمام أو المالك. إلا أن المالك لا يجب عليه التعميم. إلا إذا كانت الأصناف محصورة بالبلد ووفى بهم المال. وإلا وجب إعطاء ثلاثة أشخاص من كل صنف، وإن فقد بعض الأصناف أعطيت للموجود. واختار جماعة جواز دفع الزكاة ولو كانت زكاة مال لواحد، وتشترط نية الزكاة عند دفعها للإمام. أو المستحقين، أو عند عزلها. ولا يجوز للمالك نقل الزكاة من بلد إلى آخر ولو كان قريباً، متى وجد مستحق لها في بلدها. أما الإمام فيجوز له نقلها. وبلد الزكاة هو المحل الذي تم الحول والمال موجود فيه.
    وهذا فيما يشترط فيه الحول: كالذهب، وأما غيره: كالزرع فبلد زكاته المحل الذي تعلقت الزكاة به وهو موجود فيه



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الحج والعمرة]
    صـــــ 567 الى صــــــــ578
    الحلقة (73)

    [صدقة الفطر]
    صدقة الفطر واجبة على كل حر مسلم قادر، أمرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التي فرض فيها رمضان قبل الزكاة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب قبل يوم الفطر، ويأمر بإخراجها، فقد أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن عبد بن ثعلبة،
    قال:
    خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل يوم الفطر بيوم أو يومين،
    فقال: "أدّوا صاعاً من بر أو قمح؛ أو صاعاً من تمر أو شعير عن كل حر أو عبد، صغير أو كبير" وفي بيان حكمها ومقاديرها تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
    [كتاب الحج [والعمرة]]
    [[الحج]]
    [تعريفه]
    هو لغة القصد إلى معظم، وشرعا أعمال مخصوصة تؤدي في زمان مخصوص ومكان مخصوص على وجه مخصوص.
    [حكمه، ودليله]
    الحج فرض في العمر مرة على كل فرد من ذكر أو أنثى بالشرائط الآنية. وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع.
    أما الكتاب فقوله تعالى:
    {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} ،
    وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم:
    "بني الإسلام على خمس ... " الحديث، وقد تقدم واتفقت الأمة على فرضيته. فيكفر منكرها، ويدل على أنه مفرض في العمرة مرة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج. فحجوا.
    فقال رجل:
    أكل عام يا رسول الله؟ فسكت صلى الله عليه وسلم حتى قالها ثلاثاً.
    فقال عليه الصلاة والسلام:
    لو قلت: نعم لو جبت. ولما استطعتم"
    وقد فرض الله الحج على المسلمين القادرين لحكم كثيرة: منها اجتماع المسلمين في صعيد واحد.
    يعبدون إلهاً واحداً مخلصين له الدين القيم الذي هو أساس الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة:
    وأن من قواعد هذا الدين أن أتباعه إخوة يجب عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى فيعمل كل منهم لنصرة صاحبه وإن بعدت أبدانهم وتفرقت منازلهم. وعليهم أن يذكروا في هذا الموقت أنهم بين يدي ربهم العلي القدير الذي خلقهم وفضلهم على كثير من خلقه، وأنهم سيموتون ويقفون بين يديه في يوم لا ينفع فيه سوى العمل الصالح، والتمسك بما أمر الله به في كل شأن من الشؤون.
    [متى يجب الحج]
    الحج فرض على الفور فكل من توفرت فيه شروط وجوبه ثم أخره عن أول عام استطاع فيه يكون آثماً بالتأخير:
    عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
    وله شروط وجوب وشروط صحة وأركان، وواجبات. وسنن. ومندوبات. ومكروهات. ومفسدات، ومحرمات غير مفسدات، وسنبينها وما يتعلق بها بعناوين خاصة.
    [شروط وجوبه]
    فأما شروط وجوبه: فمنها الإسلام. عند ثلاثة؛ وخالف المالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (3) . فلا يجب على الكافر الأصلي. أما المسلم المرتد عن الإسلام فإنه لا يجب عليه. عند الحنفية. والحنابلة أما المالكية،
    فقد عرفت أنهم يقولون:
    إن الإسلام شرط صحة لا شرط وجوب، وأما الشافعية. فانظر مذهبهم تحت الخط (4) .
    [شروط وجوب الحج: البلوغ - العقل - الحرية]
    يشترط لوجوب الحج أمور: منها البلوغ، فلا يجب الحج على الصبي الذي لم يبلغ الحلم،
    لقوله صلى الله عليه وسلم:
    "أيما صبيّ حج عشر حجج، ثم بلغ، فعليه حجة الإسلام". فإذا حج الصبي وكان مميزاً يدرك معنى أعمال الحج، فإنه يصح منه. ولكن لا يسقط عنه الحج المفروض لما عرفت. فإذا لم يكن الصبي مميزاً، وحضر الحج؛ فإن وليه مكلف بالقيام بأعمال الحج عنه. كما سيأتي في شروط الصحة، ومنها العقل؛ فلا يجب الحج على المجنون. كما لا يصح منه، فهو كالصبي غير المميز في ذلك، ومنها الحرية، فلا يجب الحج على الرقيق. وهذا القدر متفق عليه.
    [الاستطاعة وحكم حج المرأة، والأعمى]
    ومن شروط وجوب الحج الاستطاعة. فلا يجب الحج على غير المستطيع، باتفاق المذاهب.
    كما قال تعالى:
    {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} ولكنهم اختلفوا في تفسير الاستطاعة، كما اختلفوا في معنى الاستطاعة بالنسبة للمرأة، والأعمى؛ وقد ذكرنا ذلك ما باقي شروط وجوب الحج، فانظره تحت الخط (5) .
    [شروط صحة الحج - حج الصبي المميز وغيره - وقت الحج]
    يشترط لصحة الحج الإسلام، سواء مباشرة الشخص بنفسه أو فعله نيابة عنه، فلا يصح من الكافر ولا عنه طبعاً، والتمييز، فإذا حج صبي مميز وقام بأعمال الحجر،
    فإنها تصح منه:
    كالصلاة، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال المالكية؛ إن التمييز شرط لصحة الإحرام لا لصحة الحج، والأمر في ذلك سهل، فإن التمييز لا بد منه على كل حال، أما الصبي الذي لا يميز والمجنون فإن الحج لا يصح منهما، فلا يصح منهما إحرام، ولا أي عمل من أعمال الحج، ولكن على الوالي أن يقوم بالإحرام عنهما، وعليه أن يحضرهما المواقف، فيطوف ويسعى بهما، ويأخذهما إلى عرفة، وهكذا، ومن شروط صحة الحج أن يباشر أعماله في وقت خاص، فإذا باشرها في وقت آخر بطل حجه، وفي بيان هذا الوقت اختلاف المذاهب، فانظره تحت الخط (6) .
    [أركان الحج]
    وأما أركان الحج فهي أربعة:
    الإحرام؛ وطواف الزيارة، ويسمى طواف الإفاضة. والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، وهذه الأركان لو نقص واحد منها بطل الحج، باتفاق ثلاثة من الأئمة،
    وقال الحنفية:
    إن له ركنين فقط، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ، وإليك بيان هذه الأركان على هذا الترتيب.


    (1) الحنفية قالوا: حكم صدقة الفطر الوجوب بالشرائط الآتية، فليست فرضاً، ويشترط لوجوبها أمور ثلاثة: الإسلام، والحرية، وملك النصاب الفاضل عن حاجته الأصلية، ولا يشترط نماء النصاب ولا بقاؤه، فلو ملك نصاباً بعد وجوبها، ثم هلك قبل أدائها لا تسقط عنه بخلاف الزكاة، فإنه يشترط فيها ذلك، كما تقدم، وكذا لا يشترط فيها العقل، ولا البلوغ، فتجب في مال الصبي والمجنون، حتى إذا لم يخرجها وليهما كان آثماً، ويجب عليهما دفعها للفقراء بعد البلوغ والإفاقة ووقت وجوبها من طلوع فجر عيد الفطر، ويصح أداؤها مقدماً ومؤخراً، لأن وقت أدائها العمر فلو أخرجها في أي وقت شاء كان مؤدياً لا قاضيا، كما في سائر الواجبات الموسعة، إلا أنها تستحب قبل الخروج إلى المصلى، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم"؛ ويجب أن يخرجها عن نفسه، وولده الصغير الفقير، وخادمه، وولده الكبير إذا كان مجنوناً؛ أما إذا كان عاقلاً، فلا يجب على أبيه، وإن كان الولد فقيراً، إلا أن يتبرع، ولا يجب على الرجل أن يخرج زكاة زوجته، فإن تبرع بها أجزأت، ولو بغير إذنها، وتخرج من أربعة أشياء:
    الحنطة، والشعير، والتمر والزبيب، فيجب من الحنطة نصف صاع عن الفرد الواحد، والصاع أربعة أمداد. والمدر رطلان، والرطل مائة وثلاثون درهماً، ويقدّر الصاع بالكيل المصري بقدحين وثلث.
    فالواجب من القمح وسدس مصري عن كل فرد، والكيلة المصرية تكفي سبعة أفراد إذا زيد عليها سدس قدح، ويجب من التمر والشعير والزبيب صاع كامل، فالكيلة المصرية منها تجزئ عن ثلاثة، ويبقى منها قدح مصري، ويجوز له أن يخرج قيمة الزكاة الواجبة من النقود، بل هذا أفضل؛ لأنه أكثر نفعاً للفقراء، ويجوز دفع زكاة جماعة إلى مسكين واحد، كما يجوز دفع زكاة الفرد إلى مساكين، ومصرف زكاة الفطر هو مصرف الزكاة العامة الذي ورد في آية: {إنما الصدقات للفقراء} الآية.
    الحنابلة قالوا: زكاة الفطر واجبة بغروب شمس ليلة عيد الفطر على كل مسلم يجد ما يفضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، بعد ما يحتاجه من مسكن وخادم ودابة وثياب بذلته وكتب علم، وتلزمه عن نفسه وعمن تلزمه مؤنته من المسلمين، فإن لم يجد ما يخرجه لجميعهم بدأ بنفسه، فزوجته، فرفيقه، فأمه؛ فأبيه، فولده، فالأقرب، فالأقرب، باعتبار ترتيب الميراث، وسن إخراجها عن الجنين، والأفضل إخراجها في يوم العيد قبل الصلاة، ويكره إخراجها بعدها، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد إذا كان قادراً على الإخراج فيه، ويجب قضاؤها، وتجزئ قبل العيد بيومين؛ ولا تجزئ قبلهما، ومن وجب عليه زكاة فطره أخرجها في المكان الذي أفطر فيه آخر يوم من رمضان، وكذا يخرج من وجب عليه زكاة فطره أخرجها في المكان الذي أفطر فيه آخر يوم من رمضان، وكذا يخرج من وجبت عليه فطرته في هذا المكان، والذي يجب على كل شخص: صاع من بر أو شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أقط، وهو طعام يعمل من اللبن المخيض ويجزئ الدقيق إن كان يساوي الحب في الوزن، فإن لم يوجد أحد هذه الأشياء أخرج ما يقوم مقامه من كل ما يصلح قوتاً من ذرة، أو أرز، أو عدس، أو نح ذلك؛ ويجوز أن يعطي الجماعة فطرتهم لواحد، كما لا يجوز للشخص شراء زكاته، ولو من غير من أخذها منه، ومصرفها مصرف الزكاة المفروضة.
    الشافعية قالوا: زكاة الفطر واجبة على كل حر مسلم ويجب على الكافر إخراج زكاة خادمه وقريبه المسلمين إذا كان قادراً على قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته بعدما يحتاج إليه من كل ما جرت به العادة، من حو سمك وغيره، من الطعام الذي يصنع للعيد. ومن الثياب اللائقة به وبمن يمونه. ومن مسكن وخادم يحتاج إليهما يليقان به، ومن آنية وكتب يحتاجهما ولو تعددت من نوع واحد؛ ومن دابة أو غيرها مما يحتاجه لركوبه وركوب من يمونه مما يليق بهما، وتجب ولو كان المزكي مديناً، ويجب أن يخرجها عنه وعمن تلزمه نفقته وقت وجوبها، وهم أربعة أصناف:
    الأول: الزوجة غير الناشز ولو موسرة أو مطلقة رجعياً أو بائناً حاملاً إذا لم تكن لها نفقة مقدرة وإلا فلا تجب. ومثل المرأة العبد والخادم.
    الثاني: أصله وإن علا.
    الثالث: فرعه وإن سفل: ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً، والأصل والفرع لا تجب الزكاة عنهما إلا إذا كانوا فقراء أو مساكين ولو بسبب الاشتغال بطلب العلم.
    ويشترط في الفرع الكبير الذي لم يكن مشتغلاً بطلب العلم أن يكون غير قادر على الكسب،
    الرابع: المملوك وإن كان آبقاً أو مأسوراً، ووقت وجوبها آخر جزء من رمضان، وأول جزء من شوال، ويسن إخراجها أول يوم من أيام عيد الفطر بعد صلاة الفجر، وقيل صلاة العيد، ويكره إخراجها بعد صلاة العيد إلى الغروب إلا لعذر، كانتظار فقير قريب، ونحوه، ويحرم إخراجها بعد غروب اليوم الأول إلا لعذر، كغياب المستحقين لها وليس من العذر في هذه الحالة انتظار نحو قريب، ويجوز إخراجهما من أول شهر رمضان في أول يوم شاء، ويجب إخراجها في البلد التي غربت عليه فيها شمس آخر أيام رمضان ما لم يكن قد أخرجها في رمضان قبل ذلك في بلده، والقدر الواجب عن كل فرد صاع، - وهو قد حان بالكيل المصري - من غالب قوت المخرج عنه، وأفضل الأقوات: البر، فالسلت - الشعير النبوي -، فالذرة، فالأرز فالحمص، فالعدس، فالفول، فالتمر، فالزبيب، فالأقط، فاللبن، فالجبن، ويجزئ الأعلى من هذه الأقوات، وإن لم يكن غالباً عن الأدنى، وإن كان هو الغالب بدون عكس، ولا يجزئ نصف من هذا ونصف من ذاك، وإن كان غالب القوت مخلوطاً، ولا تجزئ القيمة، ومن لزمه زكاة جماعة، ولم يجد ما يفي بها بدأ بنفسه فزوجته، فخادمها، فولده الصغير، فأبيه، فأمه، فابنه الكبير فرفيقه، فإن استوى جماعة في درجة واحدة، كالأولاد الصغار اختار منهم من شاء، وزكى عنه.
    المالكية قالوا: زكاة الفطر واجبة على كل حر مسلم قادر عليها في وقت وجوبها، سواء كانت موجودة عنده، أو يمكنه اقتراضها، فالقادر على التسلف يعد قادراً إذا كان يرجو الوفاء، ويشترط أن تكون زائدة عن قوته وقوت جميع من تلزمه نفقته في يوم العيد، فإذا احتاج إليها في النفقة فلا تجب عليه، ويجب أن يخرجها الشخص عن نفسه وعن كل من تلزمه نفقته من الأقارب، وهم الوالدان الفقيران. والأولاد الذكور الذين لا مال لهم إلى أن يبلغوا قادرين على الكسب، والإناث الفقراء أيضاً إلى أن يدخل الزوج بهن أو يدعى للدخول، بشرط أن يكن مطيقات للوطء، والمماليك ذكوراً وإناثاً والزوجة والزوجات. وإن كن ذات مال. وكذا زوجة والده الفقير؛ وقدرها صاع عن كل شخص. وهو قدح وثلث بالكيل المصري فتجزئ الكيلة عن ستة أشخاص، ويجب إخراج الصاع للقادر عليه، فإن قدر على بعضه أخرجه فقط، ويجب إخراجها من غالب قوت البلد من الأصناف التسعة الآتية وهي: القمح، والشعير، والسلت والذرة، والدخن والأرز، والتمر، والزبيب. والأقط - لبن يابس أخرج زبده - فإن اقتات أهل البلد صنفين منها، ولم يغلب أحدهما، خير المزكي في الإخراج من أيهما، ولا يصح إخراجها من غير الغالب، إلا إذا كان أفضل، كأن اقتاتوا شعيراً فأخرج براً فيجزئ، وما عدا هذه الأصناف التسعة.
    كالفول، والعدس، لا يجزئ الإخراج منه إلا إذا اقتاته الناس وتركوا الأصناف التسعة، فيتعين الإخراج من المقتات، فإن كان فيه غالب وغير غالب أخرج من الغالب وإن استوى صنفان في الاقتيات: كالفول، والعدس خير في الإخراج من أيهما، وإذا أخرجها من اللحم اعتبر الشبع، مثلاً إذا كان الصاع من القمح يشبع اثنين لو خبز، فيجب أن يخرج من اللحم ما يشبع اثنين، وشرط في صرف الزكاة لواحد من الأصناف المذكورة في الآية أن يكون فقيراً أو مسكيناً، حراً مسلماً ليس من بني هاشم، فإذا وجد ابن سبيل ليس فقيراً، ولا مسكيناً. الخ، لا تصرف له الزكاة وهكذا، ويجوز إعطاء كل فقير أو مسكين صاعاً أو أقل، أو أكثر، والأولى أن يعطى لكل واحد صاعاً، وهنا أمور تتعلق بذلك، وهي:
    أولاً إذا كان الطعام الذي يريد الإخراج منه غير نظيف - به غلت - وجبت تنقيته إذا كان الغلت ثلثا فأكثر وإلا ندبت الغربلة،
    ثانياً: يندب إخراجها بعد فجر يوم العيد، وقبل الذهاب لصلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز أكثر من يومين على المعتمد،
    ثالثاً: إذا وجبت زكاة عن عدة أشخاص وكان من وجبت عليه زكاتهم غير قادر على إخراجها عنهم جميعاً، ويمكنه أن يخرجها عن بعضهم بدأ بنفسه، ثم بزوجته، ثم ولديه ثم ولده،
    رابعاً: يحرم تأخير زكاة الفطر عن يوم العيد، ولا تسقط بمضي ذلك اليوم، بل تبقى في ذمته، فيطالب بإخراجها عن نفسه وعن كل من تلزمه نفقته إن كان ميسوراً ليلة العيد،
    خامساً: من كان عاجزاً عنها وقت وجوبها، ثم قدر عليها في يوم العيد لا يجب عليها إخراجها، ولكنه يندب فقط.
    سادساً: من وجبت عليه زكاة الفطر وهو مسافر ندب له إخراجها عن نفسه، ولا يجب إذا كانت عادة أهله الإخراج عنه أو أوصاهم به، فإن لم تجر عادة أهله بذلك، أو لم يوصهم، وجب عليه إخراجها عن نفسه،
    سابعاً: من اقتات صنفاً أقل مما يقتاته أهل البلد: كالشعير بالنسبة للقمح، جاز له الإخراج منه عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته إذا اقتاته لفقره، فإن اقتاته لشح أو غيره، فلا يجزئه الإخراج منه،
    ثامناً: يجوز إخراج زكاة الفطر من الدقيق أو السويق بالكيل، وهو قدح وثلث، كما تقدم، ومن الخبز بالوزن. وقدر برطلين بالرطل المصري
    (2) الشافعية قالوا: هو فرض على التراخي فإن أخره عن أول عام قدر فيه إلى عام آخر فلا يكون عاصياً بالتأخير، ولكن بشرطين:
    الأول: أن لا يخاف فواته، إما لكبر سنه وعجزه عن الوصول، وإما لضياع ماله، فإن خاف فواته لشيء من ذلك وجب عليه أن يفعله فوراً وكان عاصياً بالتأخير،
    الثاني: أن يعزم على الفعل فيما بعد، فلو لم يعزم يكون آثماً
    (3) المالكية قالوا: الإسلام شرط صحة لا وجوب، فيجب الحج على الكافر، ولا يصح منه إلا بالإسلام
    (4) الشافعية قالوا: لا يجب الحج على الكافر الأصلي، أما المرتد المستطيع. فيجب عليه الحج، ولا يصح، إلا إذا أسلم، وإذا مات بعد إسلامه قبل أن يحج حج عنه من تركته
    (5) الحنفية قالوا: الاستطاعة هي القدرة على الزاد والراحلة، بشرط أن يكونا زائدين عن حاجياته الأصلية: كالدين الذي عليه، والمسكن، والملبس، والمواشي اللازمة له، وآلات الحرفة، والسلاح، وأن يكونا زائدتين عن نفقة من تلزمه نفقتهم مدة غيابه إلى أن يعود؛ ويعتبر في الراحلة ما يليق بالشخص عادة وعرفاً، ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، فالرجل الذي لا يستطيع الركوب على الأتان مثلاً، أو حول سنام البعير، ولم يستطع أن يستأجر محملاً، فإنه لا يجب عليه الحج، إذا لا يكون قادرا في هذه الحالة، ومثله من لا يستطيع أن يستأجر مركباً يركب عليه وحده، فلو قدر على راحلة مع شريك له؟ بحيث يتعاقبان الركوب عليها، فيمشي كل منهما تارة، ويركب أخرى، فإنه لا يعتبر قادراً، ولا يجب عليه الحج.
    هذا إذا كان بعيداً عن مكة بثلاثة أيام فأكثر، أما من كان قريباً منها، فإنه يجب الحج عليه، وإن لم يقدر على الراحلة، متى قدر على المشي. وعلى الزاد الفاضل عما تقدم.
    ومن شروط الوجوب: العلم بكون الحج فرضاً بالنسبة لمن كان في غير بلد الإسلام، فمن نشأ في غير بلد الإسلام، ولم يخبره بفرضية الحج رجلان، أو رجل وامرأتان، فلا يجب عليه الحج، أما من كان في دار الإسلام، فإنه يجب عليه الحج، ولو لم يعلم بفرضيته؛ سواء نشأ مسلماً أو لا.
    هذه هي شروط وجوب الحج عند الحنفية، وهناك شروط أخرى يقال لها: شروط الأداء، لأن الحنفية يفرقون بين الوجوب وبين الأداء، كما تقدم في "مباحث الصلاة"، وهذه الشروط اربعة: أحدها. سلامة البدن، فلا يجب على مقعد، ومفلوج، وشيخ لا يثبت على الراحلة ونحو ذلك، وهؤلاء لا يجب عليهم تكليف غيرهم بالحج عنهم أيضاً؛ ويلحق بهم المحبوس والخائف من السلطان الذي يمنع الناس من الحج، أما الأعمى القادر على الزاد والراحلة، فإن لم يجد قائداً للطريق، فإنه لا يجب عليه الحج بنفسه، ولا بغيره؛ وإن وجد قائداً وجب عليه أن يكلف غيره بالبحج عنه؛ ثانيها: أمن الطريق بأن يكون الغالب فيه السلامة، سواء كان ذلك بحراً أو براً،
    ثالثها: وجود زوج أو محرم للمرأة، لا فرق بين أن تكون المرأة شابة أو عجوزاً إذا كان بينها وبين مكة ثلاثة أيام، فأكثر؛ أما إذا كانت المسافة أقل من ذلك، فيجب عليها أداء الحج وإن لم يكن معها محرم ولا زوج؛ والمحرم هو الذي لا يحل له زواجها بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع ويشترط فيه أن يكون مأموناً عاقلاً بالغاً، ولا يشترط كونه مسلماً؛
    رابعها: عدم قيام العدة في الحنفية قالوا: المرأة، فلا تخرج إلى الحج إذا كانت معتدة من طلاق أو موت.
    المالكية قالوا: الاستطاعة هي إمكان الوصول إلى مكة ومواضع النسك إمكاناً مادياً، سواء كان ماشياً أو راكباً، وسواء كان ما يركبه مملوكاً له أو مستأجراً؛ ويشترط أن لا تلحقه مشقة عظيمة بالسفر، فمن قدر على الوصول مع المشقة الفادحة، فلا يكون مستطيعاً، ولا يجب عليه الحج، ولكن لو تكلفه، وتجشم المشقة أجزأه ووقع فرضاً، كما أن من قدر على الحج بأمر غير معتاد: كالطيران ونحوه لا يعد مستطيعاً، ولكن لو فعله أجزأه، ويعتبر أيضاً في الاستطاعة الأمن على نفسه وماله، فمن لم يأمن على نفسه لا يجب عليه الحج، وكذا من لم يأمن على ماله من ظالم، لا يجب عليه إلا إذا كان الظالم واحداً، وكان يأخذ قليلاً لا يجحف بالمأخوذ منه، وكان لا يعود للأخذ مرة أخرى، فإن وجوده وأخذه لا يمنعان الاستطاعة فيجب الحج مع ذلك؛ ولا يشترط في الاستطاعة القدرة على الزاد والراحلة؛ كما يؤخذ مما تقدم، فيقوم مقام الزاد الصنعة إذا كانت لا تزري بصاحبها؛ وعلم أو ظن رواجها، وعدم كسادها بالسفر، ويقوم مقام الراحلة القدرة على المشي، فمن قدر على المشي وجب عليه الحج.
    ولو كان بعيداً عن مكة بمقدار مسافة القصر، أو أكثر، فيجب الحج على الأعمى القادر على المشي إذا كان معه ما يوصله من المال، وكان يهتدي إلى الطريق بنفسه، أو معه قائد يهديه، ولا يمنع الاستطاعة عدم ترك شيء لمن تلزمه نفقتهم: كولده، أو خوفه على نفسه الفقر فيما بعد، إلا إذا خاف الهلاك عليهم أو على نفسه، فلا يجب عليه الحج وإذا لم يوجد عند الشخص إلا ما يباع على المفلس، كالعقار، والماشية، والثياب التي للزينة، وكتب العلم، وآلة الصانع وجب عليه الحج، لأنه مستطيع، وتعتبر الاستطاعة ذهاباً فقط إن أمكنه أن يعيش بمكة، فإن لم يمكنه الإقامة بها اعتبرت الاستطاعة في الإياب أيضاً إلى مكان يمكنه أن يعيش فيه، ولا يلزم رجوعه لخصوص بلده، فلا بد أن يكون عنده ما يكفيه ذهاباً وإياباً إلى محل يعيش فيه، أو صنعة تقوم بحاجياته إذا كانت رائجة، كما تقدم، ولا فرق بينالبر والبحر متى كانت السلامة فيه غالبة، فإن لم تغلب، فلا يجب الحج إذا تعين البحر طريقاً؛ وكل ما تقدم في الاستطاعة معتبر في حَق الرجل والمرأة.
    ويزاد في حَق المرأة أن يكون معها زوج، أو محرم من محارمها، أو رفقة مأمونة، فإذا فقد جميع ذلك، فلا يجب عليها الحج، وأن يكون الركوب ميسوراً لها إذا كانت المسافة بعيدة، والبعد لا يحد بمسافة القصر، بل بما يشق على المرأة المشي فيه، ويختلف ذلك باختلاف النساء؛ فيلاحظ في كل امرأة ما يناسبها؛ فإذا
    الشافعية قالوا: المشي على المرأة؛ ولم يتيسر لها الركوب، فلا يجب عليها الحج، كما لا يجب عليها إذا تعين السفر في سفن صغيرة لا تتمكن فيها المرأة فيها محفوظة، فيجب السفر فيها إذا تعينت طريقاً، ولا يسقط الحج عنها، وإذا كانت المرأة معتدة من طلاق أو وفاة وجب عليها البقاء في بيت العدة ولا يجوز لها الإحرام بالحج، لأنه يؤدي إلى ترك بيت العدة ولبثها فيه واجب، لكن لو فعلت ذلك صح إحرامها مع الإثم، ومضت فيه، ولا تمكث في بيت العدة.
    الحنابلة قالوا: الاستطاعة هي القدرة على الزاد والراحلة الصالحة لمثله، ويشترط أن يكونا فاضلين عما يحتاجه من كتب علم، ومسكن، وخادم، ونفقة عياله على الدوام.
    ومن شروط وجوب الحج أمن الطريق بحيث لا يوجد مانع من خوف على النفس، أو المال، أو العرض، أو نحو ذلك، أما المرأة فإنه لا يجب عليها الحج إلا إذا كان معها زوجها أو أحد من محارمها: كأخ، أو ابن، أو عم، أو أب، أو نحوهم ممن لا تحل له، ومن شروط وجوب الحج أن يكون المكلف مبصراً، فإن كان أعمى فإنه لا يجب عليه أداء الحج إلا إذا وجد قائداً يقوده؛ وإلا فلا يجب عليه الحج، لا بنفسه ولا بغيره، ومن عجز عن الحج بنفسه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، أو كان لا يقدر على الركوب إلا بمشقة شديدة، فإنه يجب عليه أنينيب من يحج عنه؛ كما يأتي في مبحث "الحج عن الغير".
    الشافعية قالوا: الاستطاعة نوعان: استطاعة بالنفس، واستطاعة بالغير. أما الأولى فلا تتحقق إلا بأمور: أولاً: القدرة على ما يلزمه من الزاد، وأجرة الخفارة، ونحو ذلك في الذهاب، والإقامة بمكة، والإياب منها إن لم يعزم على الإقامة بها، فإن عزم على الإقامة بها فلا يشترط القدرة على مؤونة الإياب،
    ثانياً: وجود الراحلة، ويعتبر ذلك في حَق المرأة مطلقاً، سواء كانت المسافة طويلة أو قصيرة، وفي حَق الرجل إن كانت المسافة طويلة، وهي مرحلتان فأكثر، فإن كانت قصيرة وقدر على المشي بدون مشقة لا تحتمل عادة وجب عليه الحج بدون وجود الراحلة، وإلا فلا يجب، والمراد بالراحلة ما يمكن الوصول عليه، سواء كانت مختصة أو مشتركة، بشرط أن يجد من يركب معه؛ فإن لم يجد من يركب معه، ولم يتيسر له ركوبها وحده، فلا يجب عليه الحج، ولا بد أن تكون الراحلة مهيأة بما لا بد منه في السفر كخيمة تنصب عليها لاتقاء حر أو برد وإلا فلا يجب الحج إن حصلت بدونها مشقة لا تحتمل وفي حَق المرأة لا بد من ذلك، ولو لم تتضرر بعدمه. لأن الستر مطلوب في حقها. ويشترط كون ما تقدم عن الزاد والراحلة فاضلاً عن دينه، ولو مؤجلاً، وعن نفقة من تلزمه نفقته حتى يعود، وعن مسكنه اللائق به إن لم يستغن عنه، وإلا باع مسكنه وحج به، وعن مواشي الزراعة، أمن الطريق، ولو ظناً، على نفسه، وعلى زوجه، وعلى ماله، ولو كان قليلاً، فلو كان في الطريق سبع، أو قاطع طريق أو نحوهما، ولا طريق له سوى هذا، فلا يجب عليه الحج،
    رابعاً: وجود الماء والزاد وعلف الدابة في الطريق. بحيث يجد ذلك عند الاحتياج إليه بثمن المثل على حسب العادة.
    خامساً: أن يكون مع المرأة زوجها، أو محرمها، أو نسوة يوثق بهن، اثنتان فأكثر، فلو وجدت امرأة واحدة، فلا يجب عليها الحج، وإن جاز لها أن تحج معها حجة الفريضة، بل يجوز لها أن تخرج وحدها لأداء الفريضة عند الأمن. أما في النفل فلا يجوز الخروج مع النسوة ولو كثرت. وإذا لم تجد المرأة رجلاً محرماً أو زوجاً إلا بأجرة لزمتها إن كانت قادرة عليها، والأعمى لا يجب عليه الحج إلا إذا وجد قائداً ولو بأجرة، بشرط أن يكون قادراً عليها، فإن لم يجد قائداً، أو وجده، ولم يقدر على أجرته، فلا يجب عليه، ولو كان مكياً. وأحسن المشي بالعصا.
    سادساً: أن يكون ممن يثبت على الراحلة بدون ضرر شديد. وإلا فليس بمستطيع بنفسه.
    سابعاً: أن يبقى من وقت الحج بعد القدرة على لوازمه ما يكفي لأدائه، وتعتبر الاستطاعة عند دخول وقته وهو من أول شوال إلى عشر ذي الحجة، ولو كان مستطيعاً قبل ذلك، ثم عجز عن دخول وقته فلا يجب عليه، وأما النوع الثاني. وهو الاستطاعة بالغير، فسيأتي بيانه في مبحث "الحج عن الغير"
    (6) الحنفية قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج هو وقت طواف الزيارة، ووقت الوقوف، فأما وقت الوقوف فهو من زوال شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر، وأما طواف الزيارة فوقته من فجر يوم النحر إلى آخر العمر، فيصح الطواف في أي زمن بعد الوقوف بعرفة في زمنه المذكور، فلو لم يقف بعرفة في زمنه قبل الطواف لم يصح طوافه، وأما الوقت الذي لا يصح شيء من أفعال الحج قبله، فهو شوال، وذو القعدة وعشر ذي الحجة، فلو طاف أو سعى قبل ذلك، فلا يصح، ويستثنى من ذلك الإحرام، فإنه يصلح قبل أشهر الحج من الكراهة، وزاد الحنفية في شروط الصحة: المكان المخصوص، وهو أرض عرفات للوقوف؛ والمسجد الحرام لطواف الزيارة؛ والإحرام، وقد عدوا شروط الصحة فقط ثلاثة: الإحرام، الوقت، المكان، أما الإسلام فهو شرط وجوب وصحة معاً وأما التمييز فلم يعدوه من شروط الصحة؛ وإن كان شرطاً في المعنى، لأن إحرام غير المميز لا يصح عندهم.
    المالكية قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج منه ما يبطل الحج بفواته، ومنه ما لا يبطل الحج بفواته، وهو أنواع: وقت الإحرام بالحج، ووقت الوقوف بعرفة؛ ووقت الطواف بالركن، وهو طواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، ووقت بقية أعمال الحج: كرمي الجمار، والحلق، والذبح، والسعي بين الصفا والمروة؛ فوقت الإحرام من أول شوال إلى قرب طلوع فجر يوم النحر بحيث يبقى على الفجر زمن يسع الإحرام، والوقوف بعرفة؛ وليس ابتداء الإحرام في ذلك الوقت شرطاً لصحة الحج، فيصح ابتداء الإحرام قبل ذلك الزمن إذا استمر محرماً إلى دخوله، وبعده مع الكراهة فيهما، ويكون الإحرام بعده للعام القابل، لأنه لا يمكن الحج في هذا العام، لفوات زمن الوقوف؛ ووقت الوقوف الركن من غروب شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر العيد، وأما الوقوف لحظة من الوقت الذي بين زوال الشمس يوم عرفة وغروبها فهو واجب يلزم في تركه هدي، ووقت طواف الإفاضة من يوم عيد النحر إلى آخر شهر ذي الحجة، فإذا أخره عن ذلك لزم دم؛ وصح، ولا يصح قبل يوم العيد، بخلاف الوقوف لركن، فلا يصح قبل وقته المتقدم، ولا بعده، ووقت بقية أعمال الحج على تفصيل سيأتي عند ذكر كل منها، فالسعي يكون عقب طواف الإفاضة إن لم يتقدم عقب طواف القدوم، والرمي له أيام مخصوصة: الأول، والثاني، والثالث، والرابع من أيام العيد، وهكذا مما يأتي؛ فوقت الحج الذي فيه جميع أعمال: شوال، وذو القعدة، وجميع ذي الحجة. وأما المكان المخصوص.
    وهو أرض عرفة للوقوف، فليس ركنا على حدة، ولا شرطاً كذلك، بل هو جزء من مفهوم الركن، وهو الوقوف بعرفة، وكذا المسجد الحرام بالنسبة للطواف ليس شرطاً لصحة الحج، بل هو شرط لصحة الطواف، وأما التمييز فلم يعدوه من شروط الحج، وإن كان إحرام غير المميز لا يصح، لأنه شرط في الإحرام الذي هو النية، لأن النية لا تصح من غير المميز؟ فليس عندهم شرط لصحة الحج إلا الإسلام فقط.
    الشافعية قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج يبتدئ من أول يوم من شوال إلى طلوع فجر يوم عيد النحر؛ وهو شرط الإحرام بالحج، فلو أحرم به قبل هذا الوقت أو بعده، فلا يصح حجاً، ولكن ينعقد عمرة، وأما الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة وغير ذلك من أعمال الحج، فلكل منها وقت يأتي بيانه عند ذكره، وليس عندهم من شروط صحة الحج سوى هذه الثلاثة: الإسلام، والتمييز، والوقت المخصوص.
    الحنابلة قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج وأنواع: وقت الإحرام، ووقت الوقوف بعرفة ووقت طواف الإفاضة، ووقت بقية أعمال الحج؛ كالسعي بين الصفا والمروة أما وقت الإحرام فهو من أول شوال إلى قرب طلوع فجر يوم النحر، بحيث يبقى على طول الفجر زمن يسع الإحرام والوقوف، والإحرام في هذا الوقت سنة، ويصح قبل هذا الوقت وبعده مع الكراهة فيهما، وأما وقت الوقوف بعرفة وغيره من بقية الأعمال، فسيأتي ذكره عند بيان كل منها
    (7) الحنفية قالوا: للحج ركنان فقط، وهما الوقوف بعرفة، ومعظم طواف الزيارة، وهو أربعة أشواط وأما باقية، وهو الثلاثة الباقية المكملة للسبعة، فواجب، كما سيأتي، وأما الإحرام فهو من شروط الصحة؛ كما تقدم، والسعي بين الصفا والمروة واجب لا ركن.
    الشافعية قالوا: أركان الحج ستة: هي الأربعة المذكورة في أعلى الصحيفة، وزادوا عليها ركنين آخرين: وهما إزالة الشعر، بشرط أن يزيل ثلاث شعرات، كلاً أو بعضاً من الرأس لا من غيره، ويشترط أن يكون ذلك بعد الوقوف بعرفة، وبعد انتصاف ليلة النحر في الحج وترتيب معظمم الأركان ويشترط أن يكون ذلك بعد الوقوف بعرفة، وبعد انتصاف ليلة النحر في الحج وترتيب معظم الأركان الخمسة بأن يقدم الإحرام على الجميع، والوقوف على طواف الإفاضة والحلق، والطواف على السعي إن لم يفعل السعي عقب طواف القدوم


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الحج والعمرة]
    صـــــ 578 الى صــــــــ589
    الحلقة (74)

    [الركن الأول من أركان الحج: الإحرام]
    [تعريفه]
    الإحرام معناه في الشرع نية الدخول في الحج والعمرة، ولا يلزم في تحققه اقترانه بتلبية، أو سوق هدي، أو نحو ذلك عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1)
    [مواقيت الإحرام]
    الميقات معناه في اللغة موضع الإحرام للحاج، وهو موافق للمعنى الشرعي، فللإحرام ميقات مكاني، وميقات زماني، أما الميقات الزماني فقد تقدم الكلام عليه في مبحث "وقت الحج" المتقدم قريباً، وأما الميقات المكاني فيختلف باختلاف الجهات، فأهل مصر والشام والمغرب، ومن وراءهم من أهل الأندلس والروم والتكرور ميقاتهم الجحفة، وهي - بضم الجيم، وسكون الحاء - قرية بين مكة والمدينة، وهي خربة الآن، ويقرب منها القرية المعروفة برابغ، فيصح الإحرام منها بلا كراهة؛ وهؤلاء يحرمون من هذا المكان عند محاذاته بحراً، لأنه لا يلزم في الإحرام من الميقات المرور به في البرن،
    بل المدار على أحد أمرين:
    إما المرور عليه أو محاذاته ولو بالبحر، وأهل العراق وسائر أهل المشرق ميقاتهم ذات عرق، وهي قرية على مرحلتين من مكة، وسميت بذلك لأن بها جبلاً يسمى عرقاً - بكسر العين - يشرف على واد يقال.
    له: وادي العقيق، وأهل المدينة المنورة بنور النبي صلى الله عليه وسلم ميقاتهم ذو الحليفة، وهي موضع ماء لبني جشم؛ بنيه وبين المدينة دون خمسة أميال، وهي أبعد المواقيت من مكة؛ لأن بينهما تسع مراحل؛ أي سفر تسعة أيام، والميقات لأهل اليمن والهند يلملم - بفتح اللامين؛ وسكون الميم بينهما - وهو جبل مشرف على عرفات،
    وهو على مرحلتين من مكة يقال له:
    قرن المنازل، وهذه المواقيت لأهل هذه الجهات المذكورة، ولكل من مر بها أو حاذاها، وإن لم يكن من أهل جهتها،
    فمن مر بميقات منها:
    أو حاذاه قاصداً النسك، وجب عليه الإحرام منه، ولا يجوز له أن يجاوزه بدون إحرام، فإن جاوزه ولم يحرم، وجب عليه الرجوع إليه ليحرم منه، إن كان الطريق مأموناً؛ وكان الوقت متسعاً، بحيث لا يفوته الحج ولو رجع، فإن لم يرجع لزمه هدي، لأنه جاوز الميقات بدون إحرام، سواء أمكنه الرجوع أو لم يمكن، لخوف الطريق. أو ضيق الوقت، إلا أنه في حالة إمكان الرجوع يأثم بتركه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون أمامه مواقيت أخرى في طريق أو لا؛ وهذا الحكم بهذا التفصيل متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة، وأما الحنفية والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
    [ما يطلب من مريد الإحرام قبل أن يشرع]
    من أراد ألإحرام،
    فإنه يطلب منه أمور:
    بعضها سنة، وبعضها مندوب؛ وقد رأينا أن نذكرها مفصلة في كل مذهب على حدة، ليسهل حفظها فانظرها تحت الخط (3) .
    [ما لا يجوز للمحرم فعله بعد الدخول في الإحرام: الجماع - الصيد - الطيب]
    نهى الشارع المحرم عن أشياء بعضها لا يحل فعله، وبعضها يكره فعله،
    وإليك بيانها:
    يحرم على المحرم عقد النكاح، ويقع باطلاً عند ثلاثة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ،
    وكذا يحرم عليه الجماع ودواعيه: كالقبلة والمباشرة، ويحرم الخروج عن طاعة الله تعالى بأي فعل محرم، وإن كان ذلك محرماً في غير الحج، إلا أنه يتأكد فيه، وتحرم المخاصمة مع الرفقاء والخدم وغيرهم،
    لقوله تعالى:
    {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في الحج} والرفث الجماع ودواعيه، والكلام الفاحش،
    والجدال:
    المخاصمة؛ ويحرم أيضاً التعرض لصيد البر بالقتل أو الذبح، أو الإشارة إليه إن كان مرئياً، أو الدلالة عليه إن كان غير مرئي،
    أو نحو ذلك:
    كإفساد بيضه، وإنما يحرم التعرض له إذا كان وحشياً مأكولاً، أما إذا كان غير مأكول، فيجوز التعرض له عند الشافعية، والحنابلة، أما الحنفية، والمالكية،
    فقالوا:
    يحرم التعرض لصيد البر الوحشي مطلقاً، سواء كان مأكولاً أو غير مأكول؛
    وأما صيد البحر فهو حلال: قال الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً} والبري: هو ما يكون توالده وتناسله في البر، وإن كان يعيش في الماء، والبحري بخلافه عند ثلاثة؛ وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) .
    ويحرم عليه أيضاً استعمال الطيب:
    كالمسك في ثوبه؛ أو بدنه، وقلم الظفر، ويحرم على الرجل أن يلبس مخيطاً أو محيطاً ببدنه،
    أو بعضه:
    كالقميص والسراويل والعمامة والجبة، ويقال لها القباء والخف إلا إذا لم يجد نعلين، فيجوز لبس الخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين؛ وتغطية رأسه ووجهه أو بعضه بأس ساتر، عند الحنفية، والمالكية، أما الشافعية، والحنابلة،
    فقالوا: لا يحرم على الرجل تغطية وجهه.
    [ستر وجه المرأة المحرمة ورأسها]
    ويجوز للمرأة أن تستر وجهها ويديها وهي محرمة إذا قصدت الستر عن الأجانب بشرط أن تسدل على وجهها ساتراً لا يمس وجهها، عند الحنفية، والشافعية؛ وخالف الحنابلة، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (6) .
    [لبس الثوب المصبوغ بما له رائحة طيبة، وإزالة الشعر]
    يحرم لبس ثوب مصبوغ بما له رائحة طيبة، على تفصيل مذكور تحت الخط (7) .
    [شم الطيب وحمله حال الإحرام]
    يكره للمحرم أن يشم الطيب - الروائح العطرية - أو يحمله، باتفاق، أو المكث بمكان فيه رائحة عطرية، فإنه مكروه، عند المالكية، والحنفية،
    سواء قصد شمه أو لا:
    أما الحنابلة، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (8) .
    [إزالة شعر الرأس وغيره حال الإحرام]
    يحرم على المتلبس بالإحرام أن يزيل شعر رأسه بالحلق أو القص أو غيرهما، كما يحرم عليه إزالة شعر غير الرأس، ولو كان نابتاً في العين، ويستثنى من ذلك ما إذا تأذى ببقائه، فيجوز إزالته، وفيه الفدية، إلا في إزالة شعر العين إذا تأذى به، فلا فدية، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) ، وسيأتي تفصيل ذلك في باب الفدية.
    [الخضاب بالحناء حال الإحرام]
    لا يجوز للمحرم أن يختضب الحناء، لأنه طيب، والمحرم ممنوع من التطيب، سواء كان رجلاً أو امرأة، وسواء كان الخضاب بها في اليدين، أو في الرأس، أو غير ذلك من أجزاء البدن، عند المالكية، والحنفية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (10) .
    [هل يجوز للمحرم أن يأكل أو يشرب ما فيه طيب]
    لا يجوز للمحرم أن يأكل أو يشرب طيباً أو شيئاً مخلوطاً بطيب، سواء كان قليلاً أو كثيراً إلا إذا استهلك الطيب، بحيث لم يبق له طعم، ولا رائحة، باتفاق ثلاثة وللمالكية في هذا تفصيل مذكور تحت الخط (11) ، فإذا بقي للطيب طعم أو رائحة حرم، باتفاق، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما يضاف إليه الطيب مطبوخاً أو غير مطبوخ، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) .
    [الاكتحال بما فيه طيب، دهن الشعر والبدن]
    لا يجوز للمحرم أن يكتحل بما فيه طيب، فإن فعل ففيه الجزاء الآتي بيانه، أما الاكتحال بما ليس فيه طيب فجائز؛ باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (13) ويحرم عليه إسقاط شعره، فإن فعله ففيه الجزاء الآتي. ولا يجوز للمحرم أن يدهن شعره أو بدنه، على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (14) .
    [حكم قطع حشيش الحرم وشجره]
    لا يحل للمحرم، كما لا يحل لغيره أن يتعرض لشجر الحرم بقطع، أو قلع، أو إتلاف، ولا لغصن من أغصانه، ولو كانت الأغصان واصلة إلى الحل، أما إذا كان الشجر مغروساً في الحل، فيباح التعرض له، والانتفاع به إذا لم يكن مملوكاً للغير، ولو وصلت أغصانه إلى داخل الحرم؛ ومثل الشجر في ذلك حشيش الحرم، إلا الإذخر، وهو نبت معروف طيب الرائحة وكذا السنا المعروف - بالسنامكي - فإنه يباح التعرض لها بالقطع وغيره. وفي شجر الحرم وحشيشه تفصيل مذكور تحت الخط (15) .
    [ما يباح للمحرم]
    الفصد - الحجامة - حك الجلد والشعريباح للمحرم الفصد والحجامة من غير حلق الشعر، باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (16) ، وكذا يباح له حك الجلد والشعر إذا لم يترتب على ذلك سقوط الشعر، أو الهوام، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الشافعية؛ يكره للمحرم حك جلده وشعره، ما لم يترتب عليه سقوط الشعر، وإلا كان حراماً.
    [غسل الرأس والبدن والاستظلال]
    يباح للمحرم غسل رأسه وبدنه بالماء لإزالة الأوساخ عنه، بشرط أن لا يغتسل بما يقتل الهوام، فيجوز الاغتسال بالصابون ونحوه من المنظفات التي لا تقتل الهوام؛ ولو كانت له رائحة، عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (17) ، ويجوز له أيضاً أن يستظل بالشجرة والخيمة والبيت والمحمل والمظلة المعروفة - بالشمسية - بشرط أن لا يمس شيء من ذلك رأسه ووجهه، فإن كشفهما واجب، باتفاق المالكية والحنفية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (18) .
    [ما يطلب من المحرم لدخول مكة]
    يسن له أن يغتسل لدخول مكة، وهذا الغسل للنظافة لا لطواف القدوم، باتفاق ثلاثة من الأئمة ولذا يطلب من الحائض والنفساء عندهم، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (19) ، ويستحب له أن يدخلها نهاراً، وأن يكون دخوله من أعلاها، ليكون مستقبلاً للبيت تعظيماً له، وأن يكون دخوله من بابها المعروف - بباب المعلى - وإذا دخلها بدأ بالمسجد الحرام بعد أن يأمن على أمتعته، ويندب له أن يدخل المسجد من باب السلام نهاراً، ملبياً متواضعاً خاشعاً، وأن يرفع يديه عند رؤية البيت، ويكبر ويهلل،
    ويقول:
    اللهم زد هذا البيت.
    تشريفاً وتعظيماً، وتكريماً ومهابة، وبراً، وزد من عظمته وشرفه ممن حجه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً، وتكريماً ومهابة، وبراً، وهذا متفق عليه،
    إلا أن الحنفية يقولون: يكره له رفع يديه، وهو يدعو،
    ولفظ الدعاء الوارد:
    "اللهم أنت السلام،
    ومنك السلام:
    فحينا ربنا بالسلام"
    ، ويدعو بعد ذلك بما شاء، وبعد ذلك يطوف القدوم المذكور، وإنما يسن هذا الطواف للمحرم بشرطين؛
    أحدهما:
    أن يكون قادماً من خارج مكة، ولهذا يسمى طواف القدوم،
    الشرط الثاني:
    أن يتسع له الوقت، وإلا ذهب للوقوف وتركه إذا ظن أنه يعطله عن الوقوف.


    (1) الحنفية قالوا: الإحرام هو التزام حرمات مخصوصة، ويتحقق بأمرين. الأول: النية:
    الثاني: اقترانها بالتلبية، ويقوم مقام التلبية مطلق الذكر، أو تقليد البدنة مع سوقها، فلو نوى بدون تلبية أو ما يقوم مقامها مما ذكر، أو لبى ولم ينو لا يكون محرماً، وكذا لو أشعر البدنة بجرح سنامها الأيسر، وهو خاص بالإبل، أو وضع الجل عليها، أو أرسلها؛ وكان غير متمتع بالعمرة إلى الحج، ولو يلحقها، أو قلد شاة لا يكون محرماً.
    المالكية قالوا: الإحرام هو الدخول في حرمات الحج، ويتحقق بالنية فقط على المعتمد ويسن اقترانه بقول: كالتلبية والتهليل، أو فعل متعلق بالحج: كالتوجه، وتقليد البدنة
    (2) الحنفية قالوا: إن جاوز الميقات بدون إحرام حرم عليه ذلك؛ ويلزمه الدم إن لم يكن أمامه ميقات آخر يوم يمر عليه بعد، وإلا فالأفضل إحرامه من الأول فقط إن أمن على نفسه من ارتكاب ما ينافي الإحرام، فإن لم يأمن فالأفضل أن يؤخر الإحرام إلى آخر المواقيت التي يمر بها.
    المالكية قالوا: متى مر بميقات من هذه المواقيت وجب عليه الإحرام؛ فإن جاوزه بدون إحرام حرم، ولزمه دم، إلا إذا كان ميقات جهته أمامه يمر عليه فيما بعد، فإن كان كذلك ندب له الإحرام من الأول فقط، فإن لم يحرم منه فلا إثم عليه ولا دم، وخالف المندوب
    (3) الحنفية قالوا: يطلب منه أمور: منها الاغتسال، وهو سنة مؤكدة ويقوم مقامه الوضوء في تحصيل أصل السنة، ولكن الغسل أفضل، وهذا الغسل للنظافة لا للطهارة، فيطلب من الحائض أو النفساء حال الحيض النفاس، وإذا فقد الماء سقط ولم يشرع بدله التيمم، إذ لا نظافة في التيمم، ومنها قص الأظافر، وحلق الشعر المأذون في إزالته.
    كشعر الرأس والشارب إذا اعتاد حلق ذلك؛ وإلا فيسرحه، وهذا مستحب، ويكون قبل الغسل؛ ومنها جماع زوجته إذا لم يكن بها مانع؛ لئلا يطول عليه العهد، فيقع فيما يفسد الإحرام، وهو مستحب أيضاً ومنها لبس إزار ورداء، والإزار هو ما يستتر له من سرته إلى ركبته، والرداء هو ما يكون على الظهر والصدر والكتفين؛ وهو مستحب أيضاً، وإن زرّر أو عقده أساء، ولا دم عليه؛ ويستحب أن يكون الإزار والرداء جديدين أو مغسولين طاهرين، وأن يكونا أبيضين، ومنها التطيب في البدن والثوب بطيب لا تبقى عينه بعد الإحرام؛ وإن بقيت رائحته، وهو مستحب إن كان عنده طيب؛ وإلا فلا يستحب؛ ومنها أن يصلي بعدما تقدم ركعتين إذا كان الوقت ليس وقت كراهة وإلا فلا يصلي، وهذه الصلاة سنة على الصحيح؛ والأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية بالفاتحة؛ وسورة الإخلاص ويقوم مقامها الصلاة المفروضة إذا أحرم بعدها، ومنها أن يقول بلسانه قولاً مطابقاً لما في قلبه: اللهم إني أريد الحج، فيسره لي، وتقبله مني، ثم يلبي بعد ذلك، وصفة التلبية أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك؛ لا شريك لك، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من التلبية بصوت منخفض، ويكثر ما استطاع من التبية عقب كل صلاة مكتوبة، وكذا كلما لقي ركباً، أو ارتفع على مكان، أو هبط وادياً، وكذا يكثرها بالأسحار، وحين يستيقظ من نومه، وعند الركوب والنزول، ويستحب في التلبية كلها رفع الصوت بدون إجهاد.
    المالكية قالوا: يسن له أن يغتسل ولو كان حائضاً أو نفساء، لأنه مطلوب للإحرام، وهو يتأتى من كل شخص، ولا تحصل السنة إلا إذا كان متصلاً بالإحرام، فلو اغتسل ثم انتظر طويلاً عرفاً بلا إحرام أعاده، ويندب أن يكون الغسل بالمدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، لمن أراد أن يحرم من ذي الحليفة، وإذا كان فاقداً للماء، فلا يشرع له التيمم بدل الغسل، ويسن أيضاً تقليد الهدي إن كان معه، ثم إشعاره بعد ذلك، والتقليد هو: تعليق قلادة في عنقه، ليعلم به المساكين، فتطمئن نفوسهم، والإشعار هو أن يشق من السنام قدر الأنملة أو الأنملتين، ويكون بالجانب الأيسر، ويبدأ به من العنق إلى المؤخر، وإنما تقلد الإبل والبقر ولا يشعر إلا الإبل وما له سنام من البقر، أما الغنم فلا تقلد ولا تشعر، ويندب أن يلبس إزاراً ورداء ونعلين، والإزار هو ما يستر العورة من السرة إلى الركبة، والرداء هو ما يلقى على الكتفين ولو لبس غيرهما مما ليس مخطياً ولا محيطاً، فلا يضر، ولكن يفوت المندوب، ومن السنن إيقاع الإحرام عقب صلاة، ويندب أن يكون ركعتي نفل إن كان الوقت مما تجوز فيه النافلة، وإلا انتظر حتى تحل النافلة، والأولى أن يحرم الراكب إذا استوى على ظهر دابته، والماشي إذا أخذ في المشي، ويسن قرن الإحرام بالتلبية، كما تقدم، والتلبية في ذاتها واجبة؛ ويندب تجديدها عند تغير الحال، كصعود على مرتفع، أو هبوط إلى واد، أو ملاقاة رفقة، وعقب الصلاة،ويستمر يلبي حتى يدخل مكة، ثم يقطعها حتى يطوف، ويسعى إذا أراد السعي عقب طواف القدوم ثم يعاودها بعد ذلك حتى تزول الشمس يوم عرفة، ويصل إلى مصلاها، فيقطعها حينئذ، فإن لم يعاودها كان تاركاً للواجب، وعليه دم، ويندب التوسط فيها، فلا يداب عليها حتى يمل ويضجر، كما يندب التوسط في رفع صوته بها، فلا يخففه
    جداً، ولا يرفعه جداً؛ بل يكون بين الرفع والخفض ويندب الاقتصار على اللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
    الحنابلة قالوا: يسن له أن يغتسل ولو حائضاً أو نفساء، أو يتيمم لعدم الماء. أو عجزه عن استعماله بمرض ونحوه، ولا يضر حدث بين الغسل والإحرام، ويسن له أيضاً أن يتنظف قبل إحرامه بأخذ شعره، وقلم ظفره، وإزالة رائحة كريهة، ويسن له أيضاً أن يطيب بدنه بالطيب وكره تطييب ثوبه، فإن طيبه واستدام لبسه فلا بأس ما لم ينزعه فإن نزعه لم يجز له لبسه قبل غسله، ويسن له أيضاً قبل إحرامه لبس إزار ورداء أبيضين نظيفين جديدين ونعلين بعد تجرده عن المخيط إن كان ذكراً، ويسن له إحرامه عقب صلاته مفروضة أو نافلة، بشرط أن لا يكون أداء النافلة وقت نهي، وأن لا يكون عادماً للماء والتراب، ويسن أن يعين في إحرامه نسكاً، حجاً كان أو عمرة، أو قراناً، وأن يتلفظ بما يعينه، ويسن له أن يقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فيسره لي، وتقبله مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإن فعل ذلك وحبس بمرض أو عدو ونحوه حل؛ ولا شيء عليه.
    الشافعية قالوا: يسن لمن يريد الإحرام أمور: منها الغسل قبله، ولو مع بقاء الحيض، وينوي به غسل الإحرام، ويكره تركه لغير عذر، فإن عجز عنه لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله يتيمم، ومنها إزالة شعر الإبط والعانة، وقص الشارب، وتقليم الأظافر وحلق الرأس، لمن يتزين به، وإلا أبقاه ولبده بنحو صمغ، وهذا إذا كان عازماً على عدم التضحية، وإلا أخر ذلك إلى ما بعدها، ويسن تقديم هذه الأشياء على الغسل في حَق غير الجنب، أما هو فيسن له تأخيرها عنه، ومنها تطييب البدن بعد الغسل إلا لصائم، فيكره، وإلا للمرأة التي وجب عليها الإحداد - ترك الزينة - لوفاة زوجها فيحرم، ولا بأس باستدامته بعد الإحرام، ولو كان مما له جرم، ولا يضر تعطر الثوب بسبب ذلك ومنها الجماع قبل إحرامه، ومنها أن تخضب المرأة يديها إلى الكوعين من غير نقش، وأن تمسح وجهها بشيء من الخضاب، ومنها أن يلبس إن كان رجلاً إزاراً ورداءً أبيضين جديدين؛ وإلا فمغسولين، ونعلين، ويكره لبس المصبوغ ومنها صلاة ركعتين سنة الإحرام القبلية في غير وقت الكراهة، إلا لمن كان في الحرم المكي، فيصليها مطلقاً، ويقوم مقامها أي صلاة يصليها فرضاً أو نفلاً، ويسر القراءة فيهما ولو ليلاً، ومنها استقبال القبلة عند بدء الإحرام، ويقول: اللهم احرم لك شعري وبشري، ولحمي ودمي، ومنها التلبية، وهي أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، يقول ذلكبسكينة ووقار للذكر، ويسن أن يرفع صوته بها ما دام محرماً، فإن لم يكن محرماً فالسنة الإسرار بها، كما أن السنة للمرأة أن تسر بها على كل حال، ويكره لها رفع الصوت بها بحضرة الأجانب، ومثلها الخنثى، ويصلي ويسلم عقبها على النبي صلى الله عليه وسلم، وتتأكد التلبية ثلاثاً عند تغير الأحوال من سكون إلى
    حركة، وصعود وهبوط، واختلاط رفقة، وإقبال ليل أو نهار ثم يدعو بعدها بما شاءَ، والوارد أفضل
    (4) الحنفية قالوا: يجوز للمحرم عقد النكاح، لأن الإحرام لا يمنع صلاحية المرأة للعقد عليها، وإنما يمنع الجماع، فهو كالحيض، والنفاس، والظهار قبل تكفيره، في أن كلاً منها يمنع الجماع فقط، لا صحة العقد
    (5) الشافعية قالوا: البري ما يعيش في البر فقط؛ أو يعيش فيه؛ وفي البحر: كالسلحفاة البحرية، والبحري ما لا يعيش إلا في البحر
    (6) الحنابلة قالوا: للمرأة أن تستر وجهها لحاجة، كمرور الأجانب بقربها، ولا يضر التصاق الساتر بوجهها، وفي هذا سعة ترفع المشقة والحرج.
    المالكية قالوا: إذا قصدت المرأة بستر يديها أو جهها التستر عن أعين الناس، فلها ذلك إذا تحققت أن هناك من ينظر إليها بالفعل، أو كانت بارعة الجمال، لأنها مظنة نظر الرجال، وهي محرمة، بشرط أن يكون الساتر لا غرز فيه، ولا ربط، وإلا كان محرماً، وعليها الفدية في ستر الوجه كما يأتي، فإذا لم يتحقق هذان الشرطان، فإنه يحرم عليها ستر وجهها ويديها بشيء يحيط بهما. كالقفاز، وهو لباس يعمل على قدر اليدين لاتقاء البرد، ويحرم سترهما بشيء فيه خياطة أو ربط؛ وأما إدخالهما في قميصها، فلا يحرم، كما لا يحرم عليها ستر جزء من وجهها يتوقف عليه ستر رأسها ومقاصيصها
    (7) الحنفية قالوا: يحرم لبس المصبوغ بالعصفر، وهو زهر القرطم، والورس - بفتح الواو، وسكون الراء - وهو نبت أحمر باليمن، والزعفران ونحو ذلك من أنواع الطيب، إلا إذا غسل بحيث لا تظهر له رائحة، فيجوز لبسه حال الإحرام.
    المالكية قالوا: المصبوغ بما له رائحة يحرم على المرحم، وذلك كالمصبوغ بالورس والزعفران. وأما المصبوغ بالعصفر: فإن كان صبغه قوياً بأن صبغ مرة بعد أخرى حرم لبسه ما لم يغسل، وإن كان صبغه ضعيفاً، أو كان قوياً وغسل، فلا يحرم لبسه، وإنما يكره لبسه لمن كان قدوة لغيره، لئلا يكون وسيلة لأن يلبس العوام ما يحرم، وهو المطيب.
    الشافعية قالوا: المصبوغ بما تقصد رائحته: كالزعفران والورس، لا يجوز لبسه إلا إذا زالت الرائحة بالمرة، وأما المصبوغ بما يقصد للون دون الرائحة: كالعصفر والحناء فلبسه لا يحرم.
    الحنابلة قالوا: يحرم عليه لبس المصبوغ بالورس أو الزعفران، وأما المصبوغ بالعصفر، فيباح لبسه، سواء كان الصبغ قوياً أو ضعيفاً
    (8) الحنابلة، الشافعية قالوا: إذا قصد شم الطيب، كما إذا وضع وردة على أنفه بقصد شمها حرم عليه ذلك، سواء كان معه أو مكث بمكانه، أما إذا لم يقصد شمه، فلا حرمة عليه
    (9) المالكية قالوا: إزالة الشعر مطلقاً حرام على المحرم، سواء كان الشعر في العين أو غيره، إلا لعذر يقتضي إزالته؛ فلا يحرم حينئذ، وفيها الفدية، ولو كان في العين
    (10) الشافعية قالوا: يكره الخضاب بالحناء للمرأة حال الإحرام: إلا إذا كانت معتدة من وفاة؛ فيحرم عليها ذلك؛ كما يحرم عليها الخضاب إذا كان نقشاً، ولو كانت غير معتدة، وأما الرجل فيجوز له الخضاب بها حال الإحرام في جميع أجزاء جسده، ما عدا اليدين والرجلين، فيحرم خضبهما بغير حاجة، وكذا لا يجوز له أن يغطى رأسه بحناء ثخينة.
    الحنابلة قالوا: لا يحرم على المحرم ذكراً كان أو أنثى الاختضاب بالحناء في أي جزء من البدن ما عدا رأس الرجل، وفي هذه سعة
    (11) المالكية قالوا: المراد باستهلاك الطيب في الطعام ذهاب عينه بالطبخ، ومتى كان كذلك لا يحرم، ولو ظهر ريحه: كالمسك. أو لونه: كالزعفران. أما ما اختلط بشيء من غير طبخ فيحرم تناوله على المحرم. وقال بعضهم: إن الطيب إذا طبخ في الطعام لا يحرم تناوله. ولو بقيت عينه
    (12) الحنفية قالوا: إذا تغير الطيب بالطبخ فلا شيء على المحرم في أكله سواء وجد رائحته أو لا. أما إن خالط ما يؤكل بلا طبخ فإن كان الطيب مغلوباً، فلا شيء فيه، إلا أنه يكره إن وجدت معه رائحة الطيب: وإن كان غالباً ففيه الجزاء. وهذا إذا خلط بما يؤكل، فإن خلط بما يشرب، فإن كان غالباً ففيه دم، وإن كان مغلوباً ففيه صدقة. إلا إن شرب مراراً. ففيه دم، كما يأتي، أما إن أكل عين الطيب. فإن كان كثيراً ففيه دم وإلا فلا شيء فيه
    (13) المالكية قالوا: يحرم على المحرم الاكتحال مطلقاً بما فيه طيب وغيره إلا لضرورة فيجوز مطلقاً، غير أنه إذا اكتحل بطيب لضرورة فعليه الفدية، وإن اكتحل بغير مطيب لضرورة، فلا فدية عليه
    (14) المالكية قالوا: يحرم عليه دهن الشعر والجسد، أو بعضه، بأي دهن كان، ولو كان خالياً من الطيب، فإن فعل ذلك فعليه الفدية، كما سيأتي، إلا إذا ادهن بما لا يطب فيه لمرض به؛ فلا فدية عليه، سواء كان المرض في باطن اليدين أو في الرجلين أو غيرهما، وفي غيرهما خلاف في موجب الفدية.
    الحنفية قالوا: الأشياء التي تستعمل في البدن تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الأول: طيب محضر أعد للتطيب به؛ كالمسك، والكافور، والعنبر، ونحو ذلك، وهذا النوع لا يجوز للمحرم استعماله في ادهان أو غيره، بأي وجه كان، الثاني: ما ليس طيباً بنفسه، وليس فيه معنى الطيب ولا يصير طيباً بوجه: كالشحم، وهذا النوع يجوز للمحرم استعماله في الأدّهان، ونحوه، ولا شيء في استعماله، الثالث: ما ليس طيباً بنفسه، ولكنه أصل للطيب، وهذا يستعمل تارة على وجه التطيب والادهان؛ وتارة على وجه التداوي: كالزيت؛ فإن استعمل التطيب والأدّهان فهو في حكم الطيب، لا يجوز للمحرم استعماله، أما إذا استعمل للتداوي. فإنه يجوز للمحرم كما يجوز له أكله.
    الشافعية قالوا: يحرم الأدّهان بما له رائحة طيبة مطلقاً، ويجوز الادهان بغيره في جميع البدن إلا في شعر الرأس والوجه؛ فلا يجوز إلا لحاجة.
    الحنابلة قالوا: ما له رائحة طيبة يحرم على المحرم الدّهان به في سائر بدنه، أو أي جزء، أما ما ليس كذلك: كالزيت فلا يحرم الادهان به، ولو في شعر الرأس والوجه
    (15) الشافعية قالوا: يحرم التعرض لأشجار الحرم الرطبة. وحشيشه الرطب بقطع أو قلع أو إتلاف، ولو كان مملوكاً للمتعرض ما عدا ما ذكر. ويزاد عليه الشوك فيباح قطعه، وإنما يحرم التعرض لشجر الحرم وحشيشه إن كان بغير قصد إصلاحه كأن يقلم الشجر لنموه، وإلا جاز أما الشجر اليابس فيجوز قطفه وقلعه وكذا يجوز قطع الحشيش اليابس. أما قلعه فيحرم مطلقاً. إلا إذا فسد منبته. فيجوز أيضاً. ولا فرق في الشجر بين الذي نيت بنفسه: كالسنط وما أنبته الناس: كالنخل. فيحرم التعرض له مطلقاً. أما الحشيش والحبوب ونحوها فإنما يحرم التعرض لها إذا نبتت بنفسها. فإذا زرعها الناس جاز لهم التعرض لها محرمين أو غير محرمين ويستثنى من المنع أمور: منها أخذ سعف النخل وورق الشجر بلا خبط يضر بالشجر وإلا حرم. ومها أخذ ثمر الشجر. وكذا عود السواك، بشرط أن ينبت مثله في سنة. ومنها رعي الشجر بالبهائم. ومنها أخذه للدواء: كالحنظل والسنامكي.
    الحنابلة قالوا: يحرم قلع شجر الحرم المكي وحشيشه إذا كان رطبين. ولو كان فيهما مصرة: كالشوك. وكذا السواك ونحوه. والورق الرطب. أما ما كان يابساً من الشجر والحشيش فلا بأس بقطعهما أو قلعهما. لأنهما كالميت وكذا لا بأس بقطع الإذخر، والفقع والكمأة والتمرة، وإن كان كل ذلكرطباً. كما لا بأس بقطع أو قلع ما زرعه آدمي من شجر أو حشيش، لأنه مملوك الأصل، ويباح رعي حشيش الحرم، المذكور، والانتفاع بما تساقط من ورق الشجر، وما انفصل من الأرض، أو انكسر من غير فعل آدمي، ولم ينفصل المنكسر عن أصله، أما ما قطعه آدمي فلا يجوز أن ينتفع به هو أو غيره.
    الحنفية قالوا: النابت في أرض الحرم. إما أن يكون جافاً، أو منكسراً، وإما أن يكون غير ذلك، فالجاف والمنكسر لا يدخل في حكم شجر الحرم، لأنه حطب؛ وكذا حشيش الإذخر فإنه مستثنى من شجر الحرم وغير الجاف وهو قابل للنمو. إما أن يكون نابتاً بنفسه أو لا. والأول إما أن يكون من جنس ما ينبته الناس: كالزرع.
    أولاً: كالشجرة المعروفة - بأم غيلان - فالذي يحرم قطعه من ذلك هو الذي ينبت بنفسه، وليس من جنس ما ينبته الناس. وهذا لا يجوز قطعه مطلقاً. سواء كان مملوكاً أو غير مملوك. إلا أنه إذا قطعه مالكه حرم عليه قطعه فقط وليس عليه جزاء، وإذا قطعه غير مالكه فعليه الجزاء؛ وسيأتي بيانه؛ وعليه قيمته، ويعفى عما يقطع من ذلك بسبب نصب الخيمة، أو حفر الكانون، أو وطء الدواب، لأنه لا يمكن الاحتراز عنه أما الذي ينبته الناس، أو ينبت بنفسه، وهو من جنس ما ينبته الناس، فإنه يحل قطعه والانتفاع به إذا لم يكن مملوكاً للغير فإن كان مملوكاً للغيرلزم دفع قيمته لمالكه.
    المالكية قالوا: يحرم قطع ما شأنه أن ينبت بنفسه من الشجر والنبات: كالبقل البري، وشجرة الطرفاء، ولو زرع، وسواء كان أخضر أو يابساً، ويستثنى من ذلك أمور.
    أولاً: الإخذر وهو نبت كالحلفاء طيب الرائحة؛
    ثانياً: السنا، المعروف بالسنامكي، للاحتياج إليه في التداوي،
    ثالثاً: قطع ورق الشجر بالمجن، وهو عصا معوجة، يضعها على الغصن، ويحركها، فيقع الورق من غير خبط، وأما خبط العصا على الشجر ليقع ورقه فهو حرام، وأما الشجر أو النبات الذي شأنه أن يزرع كالخس، والحنطة، والبطيخ والرمان، فيجوز قطعه من أرض الحرم ولو كان نابتاً بنفسه

    (16) المالكية قالوا:
    يكره للمحرم الفصد والحجامة لغير حاجة، ويجوزان لحاجة، وعليه الفدية إن وضع على موضعهما عصابة، وإلا فلا
    (17) المالكية قالوا: لا يجوز للمحرم إزالة الوسخ بالغسل، ويستثنى من ذلك غسل اليدين فيجوز بما يزيل الوسخ كالصابون ونحوه مما ليس بطيب، أما الغسل بالطيب الذي تبقى رائحته في اليد فلا يجوز.
    الحنفية قالوا: يجوز للمحرم أن يغتسل بما يزيل الوسخ، ولا يقتل الهوام. كما قال الشافعية والحنابلة، إلا أنه لا يجوز له أن يغتسل بما له رائحة عطرية
    (18) الشافعية قالوا: يجوز الاستظلال بكل ما ذكر. ولو لاصق رأسه أو وجهه لكن لو وضع على رأسه ما يقصد به الستر عرفاً: كعباءة. وقصد الاستتار به حرم عليه ذلك. وإلا فلا.
    الحنابلة قالوا: إذا استظل بما يلازمه غالباً كالمحمل حرم عليه ذلك. سواء كان راكباً أو ماشياً وإن استظل بما لا يلازمه، كشجرة أو خيمة جاز له ذلك
    (19) المالكية قالوا: الغسل لدخول مكة مندوب لا سنة. وهو للطواف بالبيت لا للنظافة فلا تفعله الحائض ولا النفساء، لأنهما ممنوعتان من الطواف، لأن الطهارة شرط فيه، كما يأتي، ويندب أن يدخل مكة نهاراً في وقت الضحى، فإن قدم ليلاً بات بمكان يعرف بذي طوى، وأخر الدخول للغد إذا ارتفع النهار، ولم ينصوا على طلب الدعاء عند رؤية البيت، سواء كان الدعاء خاصاً أو عاماً


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الحج والعمرة]
    صـــــ 589 الى صــــــــ
    603
    الحلقة (75)
    [الركن الثاني من أركان الحج: طواف الإفاضة]
    أنواع الطواف ثلاثة:
    النوع الأول: الطواف الركن، فمن لا يفعله يبطل حجة،
    ويقال له:
    طواف الإفاضة، وطواف الزيارة.
    النوع الثاني:
    الطواف الواجب: وهو طواف الزيارة؛ ويسمى طواف الصدر،
    النوع الثالث:
    الطواف المسنون، وهو طواف القدوم المتقدم ذكره فلنتكلم فيها، ولنبدأ بالكلام في طواف الإفاضة، الذي هو ركن من أركان الحج.
    [تعريف طواف الإفاضة]
    طواف الإفاضة،
    ويقال له:
    طواف الزيارة ركن من أركان الحج الأربعة المتقامة، باتفاق المذاهب، فإذا لم يفعله الحاج بطل حجه وهو سبعة أشواط بكيفية خاصة ستعرفها قريباً،
    وقال الحنفية:
    إن الطواف الركن هو أربعة أشواط، فمتى طاف أربعة أشواط فقد حصل الركن، أما باقي السبعة فإنه واجب لا ركن، وذلك لأن طواف الأشواط الربعة هو طواف لأكثر الأشواط؛ وللأكثر حكم الكل.
    [وقت طواف الإفاضة]
    وقت طواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج اختلفت في تحديده المذاهب؛ فانظره تحت الخط (1) .
    [شروط الطواف]
    للطواف مطلقاً بأنواعه شروط، فلا يصح إلا بها، وهي مفصلة في المذاهب تحت الخط (2) .
    [سنن الطواف وواجباته]
    للطواف واجبات وسنن مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (3) .
    [الركن الثالث من أركان الحج، السعي بين الصفا والمروة]
    السعي بين الصفا والمروة، ركن من أركان الحج، بحيث لو لم يفعله بطل حجه، عند ثلاثة من الأئمة،
    وخالف الحنفية في ذلك فقالوا:
    إن السعي واجب لا ركن، فلو تركه لا يبطل حجه، وعليه فدية.
    [شروط السعي بين الصفا والمروة، وكيفيته وسننه]
    للسعي شروط وسنن، مفصلة في المذاهب؛ فانظرها تحت الخط (4) .
    [الركن الرابع؛ الحضور بأرض عرفة، وكيفية الوقوف]
    الركن الرابع من أركان الحج الحضور بأرض عرفة، على أي حال من الأحوال، سواء كان يقظان أو نائماً، وسواء كان قاعداً أو قائماً، وسواء كان واقفاً أو ماشياً، باتفاق، وله شروط وسنن مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (5) .
    [واجبات الحج]
    [رمي الجمار - المبيت بمنى - الوجود بمزدلفة]
    وقد عرفت مما تقدم أن كل ركن من أركان الحج له شروط وواجبات، وسنن، وقد بينا كل ما يخص كل ركن منها قريباً، وبقيت واجبات عامة لا تخص ركناً دون ركن، وهي التي نريد بيانها ها هنا ذا، ومنها رمي الجمار، والمبيت بمنى، والوجود بالمزدلفة، والحلق، والتقصير، وغير ذلك مما هو مفصل في المذاهب، فانظره تحت الخط (6) .

    (1) الحنفية قالوا: وقت طواف الإفاضة من فجر يوم النحر إلى آخر العمر بعد الوقوف بعرفة، فمتى وقف الحاج بعرفة طولب بطواف الإفاضة؛ أما إذا لم يقفبعرفة في وقته الآتي بيانه؛ فإن طواف الإفاضة لم يصح منه؛ ويبطل حجه، ويشترط أن يطوف في أشهر الحج المعلومة، وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فإذا وقف بعرفة في شهر ذي الحجة، ولم يطف طواف الإفاضة حتى فرغ ذلك الشهر كان عليه أن يطوفه في هذه الأشهر في سنة أخرى.
    المالكية قالوا: إن وقت طواف الإفاضة من يوم عيد النحر إلى آخر شهر ذي الحجة، فإذا أخره الحاج عن ذلك الوقت لزمه دم وصح حجة، ولا يصح طواف الإفاضة قبل يوم العيد، أما وقت الوقوف بعرفة فإنه لا يصح قبل وقته ولا بعده، كما يأتي في مبحثه.
    الشافعية قالوا: طواف الإفاضة، أو طواف الزيارة الذي هو ركن من أركان الحج، أول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، وأفضل وقته يوم النحر، ولا آخر لوقته، بل له أن يؤخره إلى أي وقت شاء، ولكن لا تحل له النساء إلى أن يطوف، كما لو كان محرماً، فإذا طاف تم له التحلل من الإحرام؛ وحلت له النساء، ولم يبق عليه سوى رمي أيام التشريق، والمبيت بمنى، وهي واجبات يطالب بها بعد زوال الإحرام على سبيل التبعية لأعمال الحج.
    الحنابلة قالوا: إن طواف الإفاضة ركن يبتدئ من نصف ليلة عيد النحر بالنسبة لمن وقف بعرفة؛ فلا يصح قبل الوقوف بعرفة مطلقاً، فمن طاف قبل الوقوف بعرفة بطلحجه، كما يقول الحنفية، أما نهاية وقته فلا حد لها، فيطالب به ما دام حياً، فهم كالحنفية إلا في تحديد الوقت
    (2) الشافعية قالوا: للطواف في ذاته ثمانية شروط:
    الأول: ستر العورة الواجب سترها في الصلاة؛ فإذا طاف أحد مكشوف العورة بطل حجه،
    الثاني: الطهارة من الحدث والخبث، كما في الصلاة أيضاً،
    الثالث: بدؤه بالحجر الأسود محاذياً له أو لجزئه بجميع بدنه من جهة الشق الأيسر؛ بأن لا يقدم جزءاً من بدنه على جزء من الحجر، فإذا بدأ بغيره لم يحسب ما طافه قبل وصوله إليه، فإذا انتهى إليه ابتدأ منه؛ ويشترط أن يحاذيه على الوجه المذكور عند الانتهاء أيضاً،
    الرابع: جعل البيت عن يساره وقت الطواف ماراً تلقاء وجهه؛ ولا بد أن يكون الطائف خارجاً بكل بدنه عن جدار البيت وشائروانه، وعن الحجر - بكسر الحاء - فلو مشى على الشاذروان أو مس الجدار في مروره أو دخل في إحدى فتحتي الحجر - بالكسر وخرج من الأخرى لم يصح طوافه الذي حصل فيه، كما لا يصح طواف من استقبل البيت، أو استدبره أو جعله عن يمينه، أو على يساره ورجع القهقري،
    الخامس: كونه سبعة أشواط يقيناً.
    فلو ترك شيئاً من السبع لم يجزئه،
    السادس: كونه في المسجد وإن استع، فيصح الطواف ما دام في المسجد، ولو في هوائه أو على سطحه، ولو مرتفعاً عن البيت، ولو حال حائل بين الطائف والبيت،
    السابع: عدم صرفه لأمر آخر غير الطواف، فإن صرفه انقطع،
    الثامن: نية الطواف، وهذا شرط في غير طواف الركن وطواف القدوم، أما هما فلا يحتاج كل منهما إلى نية لشمول نية النسك لهما، ولا بد أن تكون نية الطواف عند محاذاة الحجر؛ فلو نوى بعدها لم يحسب ما طافه حتى ينتهي إليه، إلا إذا عاد إلى محاذاته بعد النية، ويزيد طواف القدوم شرطاً تاسعاً، وهو أن يكون قبل الوقوف بعرفة، فلا يطلب ممن دخل مكة بعد الوقوف بعرفة، وبعد منتصف الليل، وللطواف واجبات: منها أن يصون نفسه عن كل مخالفة في وقت الطواف، ومنها أن يصون قلبه عن احتقار من يراه، ومنها أن يلتزم الأدب، ومنها أن يحفظ يده وبصره عن كل معصية.
    المالكية قالوا: يشترط لصحة الطواف شروط:
    الأول: أن يكون سبعة أشواط؛ فإن نقص عنها لم يجزئه، ولا يكفي عنه الدم إن كان ركناً، وإن شك في النقص بني على اليقين، وتمم الأشواط السبعة، أما إذا زاد عليها فلا يضر؛ لأن الزائد لغو لا اعتداد به،
    الثاني: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر ومن الخبث. فإذا أحدث في أثنائه، أو علم فيه بنجاسة في بدنه أو ثوبه بطل، فإن أحدث بعده وقبل صلاة ركعتيه أعاده؛ لأن الركعتين كالجزء منه، إلا إذا خرج من مكة وشق عليه الرجوع له، فيكفيه الطواف، ويعيد الركعتين فقط، وعليه أن يبعث بهدي، وحكم صلاة هاتين الركعتين الوجوب بعد طواف الإفاضة والقدوم؛ أما في طواف الوداع فقيل بوجوب الركعتين، وقيل بسنيتهما، والقولان صحيحان؛ ويندب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة "الكافرون" في الركعة الأولى؛ وسورة "الإخلاص" في الثانية، وندب صلاتهما خلف مقام إبراهيم والدعاء بعدهما بالملتزم - وهو بين الحجر الأسود والباب - كما يندب فعلهما بعد صلاة المغرب وقبل نافلتها لمن طاف بعد العصر.
    الثالث: ستر العورة كما في الصلاة.
    الرابع: أن يجعل البيت - وهو الكعبة - عن يساره.
    الخامس: أن يكون جميع بدنه خارجاً عن الحجر بتمامه وعن الشاذروان - وهو بناء محدوب لاصق الكعبة
    - السادس: الموالاة: فلو فرق بين أشواطه كثيراً بطل الطواف. ويغتفر التفريق اليسير.
    السابع: أن يكون داخل المسجد. فلا يصح على سطحه ولا خارجه ويلزم ابتداء الطواف من الحجر الأسود. فلو ابتدأه قبله وجب إتمام الشوط الأخير إليه، فإن لم يتمه وطال الفصل أو انتقض وضوءه فعليه إعادته، إلا إذا رجع لبلده، فيكفيه هذا الطواف؛ ويبعث هدياً.
    الحنابلة قالوا: يشترط لصحة الطواف شروط. منها النية ومنها دخول الوقت في طواف الزيارة، وهو من نصف ليلة عيد النحر بالنسبة لمن وقف بعرفة، ولا يصح قبل الوقوف ولا حد لآخر وقته، ومنها ستر العورة كما في الصلاة، ومنها الطهارة من الخبث، كما في الصلاة، ومنها الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، إلا إذا كان الحاج طفلاً لم يميز، فيصح الطواف، ولو كان محدثاً متلبساً بنجاسة؛ ومنها كون الأشواط سبعاً، يبتدئها من الحجر الأسود، فإذا ابتدأ من غيره لا يحسب هذا الشوط، ومنها المشي إذا كان قادراً عليه، ومنها الموالاة بين الأشواط؛ فلو أحدث في أثنائه بطل، وعليه استئنافه، لكن إذا أقيمت الصلاة للراتب فله أن يصلي معه، ويبني على ما تقدم من الأشواط، مبتدئاً من الحجر الأسود، وكذلك إذا حضرت جنازة للصلاة عليها، ومنها أن يكون بالمسجد فلا يصح خارجه، ويصح على سطحه، ومنها جعل البيت عن يساره ولا بد أن يكون خارجاً عن جميع الحجر والشاذروان، وليس للطواف واجبات عندهم.
    الحنفية قالوا: يشترط لصحة الطواف أمور:
    أحدها: أن يكون داخل المسجد الحرام حتى لو طاف بالكعبة من وراء زمزم، أو من وراء العمد جاز، أما إذا طاف خارج المسجد، فإن طوافه لا يصح،
    ثانيها أن يبتدأ من طلوع فجر النحر إن كان طواف زيارة؛ أو إفاضة، ولاحد لنهايته، كما تقدم في مبحث "طواف الإفاضة" أما إن كان طواف قدوم فيبتدئ من حين دخول مكة؛ وينتهي إلى الوقوف بعرفة، فمتى وقف فقد فاته طواف القدوم أما إذا لم يقف فينتهي بطلوع فجر يوم النحر، فهذه شروط صحة الطواف عند الحنفية
    (3) الشافعية قالوا: للطواف ثمانية سنن.
    الأولى: أن يستقبل البيت أول طوافه. ويقف بجانب الحجر إلى جهة الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه، ومنكبه الأيمن عند طرفه ثم ينوي الطواف ثم يمشي مستقبلاً الحجر ماراً إلى جهة الباب. فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره إلى البيت، وهذا خاص بالمرة الأولى.
    الثانية: أن يمشي القادر، ولو امرأة والركوب في الطواف خلاف الأولى إن كان بلا عذر، وإلا فلا بأس به إذا كان الحمل على غير دابة صيانة للمسجد عن الدابة؛ والأفضل أن يكون حافياً ما لم يتأذ بذلك.
    ويندب أن يضيق الخطوات ليكثر الثواب، وأن يلمس الحجر الأسود بيده أول طوافه، ويقبله تقبيلاً خفيفاً، ولا يسن للمرأة ذلك إلا عند خلو المطاف ليلاً أو نهاراً، ويستحب للرجل أن يضع جبهته عليه؛ وأن يكون الاستلام والتقبيل ثلاثاً، فإن عجز عن الاستلام بيده استلمه بنحو عصا، ويقبل ما أصابه به، فإن عجز عن ذلك أيضاً أشار إليه بيده؛ أو بما فيها؛ واليمين أفضل؛ يفعل ذلك في طوافه؛
    الثالثة: الدعاء المأثور، فيقول عند استلام الحجر الأسود عند ابتداء كل طوفة: بسم الله؛ والله أكبر مع رفع يديه كرفع الصلاة: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا القول آكد في الطوفة الأولى من غيرها،
    الرابعة: أن يمشي الذكر مسرعاً من غير عدو، ولا وثب في الطوفات الثلاثة الأولى، ويمشي في الباقي على هينة، بخلاف المرأة، فإنها تمشي كعادتها،
    الخامسة: الاضطباع للذكر ولو صبياً، وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه على منكبه الأيسر،
    السادسة: أن يكون الرجل والصبي قريباً من البيت عند عدم الزحام، وعدم التأذي بخلاف المرأة، فيسن لها عدم القرب صيانة لها،
    السابعة: الموالاة في الطواف، فلو أحدث في الطواف، ولو عمداً، تطهر وبنى، لكن الاستئناف أيضاً أفضل، وكذا لو أقيمت الصلاة وهو في الطواف؛ فإنه يصلي ويتم الطواف بعدها، والاستئناف أيضاً أفضل،
    الثامنة: أن يصلي بعده ركعتين؛ ويكفي فرض أو نفل آخر عنهما ويندب أن تكونا عقب الطواف مباشرة، كما يندب استلام الحجر عقبهما، وأن يسعى عقب الاستلام إن كان السعي مطلوباً منه، والأفضل صلاتهما خلف المقام، ثم بالحجر - بالكسر - ثم ما قرب من البيت، وهما سنة مطلوبة، ولو طال تأخرهما عن الطواف، ويكره قطع الطواف من غير سبب، والبصق ولو في نحو
    ثوب بلا عذر، وجعل يديه خلف ظهره، أو على فمه في غير حال التثاؤب، وفرقعة الأصابع، ويكره الطواف أيضاً حال مدافعة الأخبثين.
    المالكية قالوا: للطواف واجبان، وسنن، فأما واجباه فهما صلاة ركعتين بعده، كما تقدم، والمشي فيه للقادر عليه، وأما سننه، فهي تقبيل الحجر الأسود في الشوط الأول، ويكبر عند ذلك، فإن لم يتمكن من تقبيله لمسه بيده، فإن يستطع لمسه بعود مثلاً، ثم يضع يده أو العود بعد اللمس بأحدهما على فيه، ويكبر حينئذ فإن لم يستطع شيئاً من ذلك كبر عند محاذاته، ومن السنن أيضاً استلام الركن اليماني بيده في الشوط الأول، ثم يضعها على فيه، والدعاء في الطواف، ولا يحد بحد مخصوص، بل بما شاء، والرمل، وهو الإسراع فوق المشي المعتاد في الأشواط الثلاثة الأول، وإنما يسن الرمَل للرجل لا للمرأة، وفي غير طواف الإفاضة، أما الرمل في طواف الإفاضة فهو مندوب، كما يأتي، ويندب في الطواف الرمل في الشواط الثلاثة الأول من طواف الإفاضة لمن يم يطف طواف القدوم، وتقبيل الحجر الأسود في الشوط الأول، واستلام الركن اليماني في الشوط الأول أيضاً، والقرب من الكعبة بالنسبة للرجال، أما النساء فالسنة أن يطفن خلف الرجال، كما في الصلاة.
    الحنابلة قالوا: سنن الطواف هي:
    أولاً: استلام الركن اليماني بيده اليمنى في كل شوط،
    ثانياً: استلام الحجر الأسود وتقبيله في كل شوط أيضاً إن تيسر، والإشارة إليه بيده عند محاذاته إن تعسر،
    ثالثاً: الاضطباع في طواف القدوم، وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر،
    رابعاً الرمَل، وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وإنما يسن في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم لغير الراكب والمعذور والمحرم من مكة أو مكان قريب منها، ولغير المرأة أيضاً، أما هؤلاء فلا يسن لهم، كما لا يسن في طواف الزياة ولا غيره مما عدا طواف القدوم،
    خامساً: الدعاء،
    سادساً: الذكر،
    سابعاً؛ القرب من الكعبة،
    ثامناً: صلاة ركعتين بعد الطواف.
    الحنفية قالوا: واجبات الطواف وسننه أمور. فمن واجباته أن يبدأ طوافه من الحجر الأسود، فلو لم يفعل ذلك وجب عليه إعادة الطواف ما دام بمكة، فإن لم يعده ورجع عليه دم، والأفضل أن لا يترك شيئاً من الحجر الأسود، بل يقابله بجميع بدنه، بأن يجعله عن يمينه، ويجعل منكبه الأيمن عند الحجر الأسود، ومنها التيامن، بأن يطوف عن يمينه مما يلي الباب، ويجعل الكعبة عن يساره، لأنها بمنزلة الإمام له والمنفرد يقف على يمين إمامه، فلو نكس الطواف بأن طاف عن يساره، وجعل الكعبة عن يمينه وجبت عليه الإعادة أو الدم، أما طهارة الثوب والبدن والمكان من الخبث فسنة مؤكدة، حتى لو طاف وعليه ثوب كله نجس، فلا جزاء عليه وإنما ترك السنة على الصحيح، ومنها ستر العورة الواجب سترها في الصلاة، فلو انكشف ربع العضو الواجب ستره في الصلاة فقد ترك الواجب؛ ووجبت عليه الإعادة أو الدم.
    واعلم أن ستر العورة في ذاته فرض، فمعنى كونه واجباً هنا أن الطواف لا يفسد بتركه، بل يصح مع الإثم، وتجب فيه الإعادة أو الجزاء، أما إذا انكشف أقل من ربع العضو، فلا يضر، كما في الصلاة، ومنها المشي فيه للقادر عليه، فلو كاف راكباً أو محمولاً: أو زاحفاً بلا عذر، فعليه الإعادة أو الدم، أما إن كان ذلك لعذر، فلا شيء عليه، ومنها أن يطوف وراء الحطيم - الحجر - لأن بعضه من البيت ومنها كون الطواف سبعة أشواط، والشوط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود وهذه الأشواط السبعة واجبة كلها في طوافي القدوم والوداع، إلا أنه لو ترك أكثر أشواط الوداع، وهي أربعة، لزمه دم، ولو ترك أقل من ذلك لزمه لكل شوط صدقة بخلاف طواف القدوم فإنه لا يلزمه شيء بترك أكثرها أو أقلها؛ سوى التوبة، لأنه سنة في ذاته، وإنما وجب بالشروع فيه، كالنافلة، فلا يكون حكمه حكم الواجب بأصله، أما طواف الزيارة المفروض، فأكثر أشواطه ركن، بحيث لو ترك الأكثر بطل، وباقيها واجب، كما تقدم، ولا يتحقق ترك الواجب إلا بالخروج من مكة؛ أما ما دام فيها، فهو مطالب به، ولا تجزئ الإنابة في الطواف بدون عذر، ومنها أن يصلي ركعتين عقب كل سبعة أشواط من طوافه، سواء كان طوافه فرضاً أو واجباً أو سنة أو نفلاً، والأفضل أن يوالي بينهما وبين الطواف؛ إلا إذا طاف في وقت كان طوافه فرضاً أو واجباً أو سنة أو نفلاً، والأفضل أن يوالي بينهما وبين الطواف؛ إلا إذا طاف في وقت الكراهة؛ ولا تفوت بتركها، بل يصليهما في أي وقت شاء، ولو بعد الرجوع إلى وطنه، إلا أنه يكره له الكراهة؛ ولا تفوت بتركها، بل يصليهما في أي وقت شاء، ولو بعد الرجوع إلى وطنه، إلا أنه يكره له ذلك، ويستحب أداءهما خلف المقام، ثم في الكعبة، ثم في الحجر تحت الميزاب، ثم في كل ما يقرب منالحجر - بالكسر - إلى البيت، ثم
    المسجد، ثم الحرم، فإن صلاهما خارج الحرم أساء، ويقرأ في الركعة الأولى، "الكافرون"، وفي الثانية "الإخلاص".
    هذه واجبات الطواف؛ أما سننه فهي أمور: منها أن يجعل قبل شروعه في الطواف طرف ردائه تحت إبطه اليمنى؛ ويلقي طرفه الآخر على كتفه الأيسر، ويسمى هذا الفعل اضطباعاً ويفعل ذلك في كل طواف بعده سعي، كطواف القدوم، ومنها المشي بسرعة، مع تقارب الخطى؛ وهز الكتفين ويسمى هذا الفعل رملاً، يأتي به في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، فإن رأى ما يعوقه وقف حتى يتمكن من إعادة الرمل، ومنها استلام الحجر الأسود، وتقبيله عند نهاية كل شوط، وتتأكد النية في الشوط الأول والأخير، فإن لم يستطع استلامه بيده استلمه بنحو عصا إن أمكن، ويقبل ما مس به، فإن لم يستطع ذلك أيضاً استقبل الحجر ورفع يديه مستقبلاً بباطنهما إياه، ويكبر، ويهلل ويحمد الله تعالى، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذ الاستقبال مستحب، وكذا استلام الركن اليماني مستحب، وليس بسنة، ويستحب أن يدعو عقب صلاة ركعتي الطواف خلف المقام بما يحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة، وأن يأتي زمزم بعد صلاة ركعتين قبل الخروج إلى الصفا، فيشرب منها، ويتضلع، ويفرغ الباقي في البئر، ويقول: اللهم إني أسألك رزقاً واسعاً، وعلماً نافعاً، وشفاءً من كل داء، ثم يأتي الملتزم قبل الخروج إلى الصفا
    (4) الحنفية قالوا: للسعي بين الصفا والمروة واجبات، وسنن، وشرط، فأما واجباته، فمنها أن يؤخره عن الطواف، ومنها أن يسعى سبعة أشواط، وكل شوط من أشواطه السبعة واجب، ومنها المشي فيه، حتى لو سعى راكباً لغير عذر لزمه إعادته، أو إراقة دم ومنها أن يبدأ سعيه من الصفا، ثم ينتهي إلى المروة، ويعد هذا شوطاً على الصحيح، فإن بدأ بالمروة لا يحسب هذا الشوط.
    أما سنته: فمنها أن يوالي بين الطواف والسعي، فلو فصل بينهما بوقت ولو طويلاً، فقد ترك السنة، وليس عليه جزاء، ومنها الطهارة من الحدثين، فيصح سعي الحائض والنفساء بلا كراهة للعذر، ومنها أن يصعد على الصفا والمروة فيسعيه، وأن يسعى بين الميلين الأخضرين وهما عمودان: أحدهما تحت منارة باب علي، والآخر قبالة رباط العباس، ومنها أن يهرول بين الميلين المذكورين، ومنها أن يكبر ويهلل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما شاء، ويستقبل البيت على الصفا والمروة، ومنها أن يستلم الحجر الأسود قبل الذهاب إلى السعي بيده، فإن لم يستطع، فعل ما تقدم بيانه في "سنن الطواف" والأفضل أن يخرج من باب الصفا، وهو باب بني مخزوم، ويقدم رجله اليسرى في الخروج، ويندب أن يرفع يديه نحو السماء عند الدعاء على الصفا والمروة، وإذا أقيمت الصلاة وهو في طوافه أو سعيه صلى وبنى بعد صلاته على ما فعله قبلها، ويكره له الحديث في البيع والشراء ونحوه في أثناء السعي والطواف، وأما شرطه: فهو أن يكون بعد الطواف، فلو سعى أولاً، ثم طاف لا يعتد بسعيه، ويجب عليه الإعادة ما دام يمكنه.
    المالكية قالوا: السعي بين الصفا والمروة ركن للحج، كما تقدم. وله شروط صحة، وسنن. ومندوبات. وواجب: فأما شروط صحته فهي:
    أولاً: كونه سبعة أشواط فإن سعى أقل منها فلا يجزئه وعله أن يكمله. إلا إذا طال الفصل عرفاً، وإلا ابتدأه من أوله،
    ثانياً: أن يبدأ بالصفا. فلو بدأ بالمروة فلا يحتسب ذلك الوشط، ويعد الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، والرجوع منها إلى الصفا شوطاً آخر،
    ثالثاً: الموالاة بين أشواطه، فلو فرق بينها تفريقاً كثيراً استأنفه، ويغتفر الفصل اليسير: كأن يصلي أثناءه على جنازة، أو يحصل منه بيع وشراء لا يطول عرفاً،
    رابعاً: أن يكون بعد طواف، سواء كان الطواف ركناً أو غيره، فإن لم يفعله بعد طواف، فلا يصح، وإن أوقعه بعد طواف صح، ولا يطالب بإعادته إن كان الطواف السابق عليه ركناً، وهو طواف الإفاضة، أو واجباً، وهو طواف القدوم، ولا يطالب بإعادته إن كان الطواف السابق عليه ركناً، وهو طواف الإفاضة، أو واجباً، وهو طواف القدوم، أما إذا أوقعه بعد الطواف المندوب: كطواف تحية المسجد، فإنه يطالب بإعادته عقب طواف القدوم إن لم يكن وقف بعرفة، وإلا أعاده عقب طواف الإفاضة، لأن طواف القدوم يفوت بالوقوف، وإنما يعيده على هذا التفصيل، ما دام بمكة أو قريباً منها، فيرجع لإعادته، ويعيد طواف الإفاضة لأجله، فإن تباعد عن مكة بعث هدياً، ولا يرجع لإعادته، وكذلك يعيده على هذا التفصيل إذا أوقعه عقب الطواف الركن، وهو لا يعتقد أنه ركن، ولم ينو ذلك، أو بعد الطواف الواجب، ولم يعتقد وجوبه، ولم ينوه.
    وأما سننه فهي:
    أولاً: تقبيل الحجر الأسود قبل أن يخرج له، وبعد الطواف، وصلاة ركعتين؛
    ثانياً: اتصاله بالطواف بأن يفعله عقب الفراغ من الطواف وركعتيه؛
    ثالثاً: الصعود على كل من الصفا والمروة عند الوصول إليه في كل شوط؛ وينبغي أن لا يفرط في إطالة الوقوف عليهما، كما يفعله الناس، وإنما يسن الصعود عليهما للرجال وللنساء إن لم يكن هناك زحمة رجال، وإلا فلا يصعدن،
    رابعاً: الدعاء عليهما بلا حد؛
    خامساً: إسراع الرجال بين الميلين الأخضرين فوق الرمل المتقدم في الطواف؛ والميلان الأخضران عمودان:
    أحدهما تحت منارة باب علي؛
    وثانيهما: قبالة رباط العباس، والإسراع المذكور يكون حال ذهابه إلى المروة، ولا يسرع في رجوعه على الراجح وأما مندوبات السعي فهي: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، ومن الخبث، وباقي شروط الصلاة الممكنة مندوبة له، أما غير الممكنة فلا تندب: كاستقبال القبلة، لعدم تيسره؛ وليس للسعي سوى واجب واحد؛ وهو المشي للقادر عليه.
    الحنابلة قالوا: شروط السعي بين الصفا والمروة سبعة؛
    أحدها: النية،
    ثانيها: العقل،
    ثالثها: الموالاة بين مراتب السعي،
    رابعها: المشي للقادر عليه،
    خامسها: أن يكون السعي بعد طواف ولو كان الطواف مندوباً:
    سادسها: أن يكون السعي سبع مرات كاملة، وتعتبر المرة من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا مرة أخرى، وهكذا إلى تمام السبعة،
    سابعها: أن يقطع المسافة التي بين الصفا والمروة كلها، بأن يلصق عقب رجله بأسفل الصفا، ثم يمشي إلى المروة إلى أن يلصق أصابع رجله بها، ثم يلصق عقب رجله بأسفل المروة عند رجوعه إلى الصفا إلى أن يلصق أصابع رجله بأسفل الصفا، وهكذا، ويفتتح بالصفا، ويختتم بالمروة، فإن بدأ بالمروة لم تحسب له تلك المرة، وسنن السعي أن يكون متطهراً من الحدث والخبث، وأن يكون مستور العورة، وأن يوالي بين السعي والطواف.
    الشافعية قالوا: للسعي شروط، ومندوبات ومكروهات:
    فأما شروطه فهي:
    أولاً: البدء بالصفا، والختم بالمروة، ويحتسب الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، ومن المروة إليه شوطاً آخر؛
    ثانياً: كونه سبعة أشواط يقيناً. فلو شك في العدد بنى على الأقل، لأنه هو المتيقن، ويلزم استيعاب المسافة في كل شوط، وأن لا يصرف سعيه إلى غير النسك، فلو قصد به المسابقة فقد فلا يصح؛
    ثالثاً: أن يقع بعد طواف الإفاضة أو القدوم، بشرط أن لا يتخلل بينهما وقوف بعرفة، فلو طاف للقدوم، ثم وقف بعرفة، فلا يسعى حينئذ، بل يؤخره حتى يفعله بعد طواف الإفاضة؛ وأما مندوباته فهي:
    أولاً: أن يخرج إليه من باب الصفا، وهو أحد أبواب المسجد الحرام؛
    ثانياً: أن يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة؛ أما النساء، فلا يسن لهن ذلك، إلا إذا خلا المحل عن الرجال الأجانب؛
    ثالثاً: الذكر الوارد عند كل منهما، وهو أن يقول بعد استقبال الكعبة، سواء رقي على الصفا، أو لا: الله أكبر ثلاثاً، ثم يقول: ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
    لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، ثم يدعو بما شاء ويكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات،
    رابعاً: أن يكون متطهراً من الحدث والخبث، مستور العورة؛
    خامساً: عدم الركوب إلا لعذر؛
    سادساً: أن يهرول الرجل في وسط المسافة ذهاباً وإياباً، وأما في أول المسافة وآخرها فيمشي على حسب عادته، كما أن المرأة لا تهرول مطلقاً؛
    سابعاً: أن يقول في حال سعيه: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم؛
    ثامناً: اتصاله بالطواف، واتصال أشواطه بعضها ببعض من غير تفريق، ويكره الوقوف أثناءه بغير عذر، وتكراره، وصلاة ركعتين بعده بقصد أنهما سنة للسعي
    (5) الشافعية قالوا: للوقوف بعرفة شروط، وسنن؛ أما شروطه فهي:
    أولاً: أن يكون ذلك الحضور في وقته؛ ووقته من زوال شمس اليوم التاسع من ذي الحجة إلى فجر يوم النحر. ويكفي الحضور من ذلك الوقت ولو لحظة؛ ثانياً: أن يكون الحاج أهلاً للعبادة. بأن لم يكن مجنوناً. ولا سكران زائل العقل. فإن كان مجنوناً أو سكران زائل العقل لم يجزئه ذلك الحضور عن الفرض. وأما المغمى عليه فهو كالمجنون إن لم ترج إفاقته، وإلا ظل محرماً إلى أن يفيق من الإغماء، وأما سننه: فمنها أن يقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الصخرات الكبار التي في أسفل جبل الرحمة إن سهل عليه ذلك، وإلا اكتفى بالقرب منها بحسب الإمكان، هذا للرجال. وأما النساء فيندب لهن الجلوس في حاشية الموقف إلا أن يكون لهن هودج ونحوه فإن الأولى لهن حينئذ الركوب فيه، ومنها الاكثار من الدعاء والذكر والتهليل. كأن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك. وله الحمد. وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً، اللهم اشرح لي صدري. ويسر لي أمري. اللهم لك الحمد كالذي نقول. وخيراً مما نقول، ويندب غير ذلك من الأدعية المعروفة. ويكرر كل دعاء ثلاثاً. ويفتتح بالتحميد والتمجيد والتسبيح. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويختم بمثل ذلك مع التأمين. ويكثر من البكاء، ومن قراءة سورة "الحشر" ومنها أن يحرص على أكل الحلال، وعلى خلوص النية، ومزيد الخضوع والانكسار، ومنها رفع يديه - ولا يجاوز بهما رأسه - وأن يبرز للشمس إلا لعذر، وأن يفرغ قلبه من الشواغل قبل دخول وقت الوقوفن وأن يتجنب الوقوف في الطريق؛ ومنها أن يكون متطهراً من الحدث والخبث، مستور العورة. مستقبل القبلة. وأن يكون راكباً إن أمكن. وأن لا ينهر السائل. أو يحتقر أحداً من خلق الله.
    وأن يترك المخاصمة والمشاتمة، ومنها أن يقف بعرفة إلى الغروب ليحصل بين الليل والنهار.
    الحنفية قالوا: للحضور بعرفة شرط. وواجب وسنن، أما شرطه فهو أن يكون في وقته الشرعي. وهو من بعد زوال شمس اليوم التاسع من شهر ذي الحجة إلى فجر يوم النحر ولا يشترط النية. ولا العلم والعقل. فمن حضر في عرفة في هذا الوقت صح حجه. سواء أكان ناوياً أم لا، عالماً بأنه في عرفة أو جاهلاً، أو مجنوناً، أو مغمى عليه، أو نائماً، أو يقظان، وأما واجبه فهو أن يمتد إلى غروب الشمس إن وقف نهاراً. أما إن وقف ليلاً فلا واجب عليه.
    فإذا وقف بالنهار ودفع من عرفة قبل غروب الشمس عليه دم، وأما سننه فهي: الاغتسال، وأن يخطب الإمام خطبتين، وأن يجمع الحاج بين صلاة الظهر والعصر بالشروط المتقدمة في "مبحث الصلاة" وأن يعجل الوقوف عقبهما، وأن يكون مفطراً، وأن يكون متوضئاً، وأن يقف على راحلته، وأن يكون وراء الإمام قريباً منه بقدر إمكانه، وأن يكون حاصر القلب، فارغاً من الأمور الشاغلة عن الدعاء، وأن يقف عند الصخرات السود، وهي موقف النبي صلى الله عليه وسلم، فإن تعذر الوقوف عندها اجتهد أن يكون قريباً منها بقدر الإمكان، وأن يرفع يديه مبسوطتين، ويدعو بعد الحمد والتهليل والتكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويلبي في موقفه، ويكثر الاستغفار لنفسه ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات، وأن يستمر في التلبية والتهليل والتسبيح والثناء على الله بالخشوع والتذلل والإخلاص، وأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يدعو بقضاء الحوائح لغروب الشمس، ولا يتقيد بصيغة خاصة في دعائه، بل يدعو بما شاء، والأفضل أن يكون أكثر دعائه، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، لا نعبد إلا إياه، ولا نعرف رباً سواه؛ اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً؛ اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللهم هذا مقام المستجير العائذ من النار، أجرني من النار بعفوك، وأدخلني الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إذا هديتني للإسلام فلا تنزعه عني ولا تنزعني عنه حتى تقبضني وأنا عليه، والسنة أن يخفي صوته بالدعاء.
    الحنابلة قالوا: للحضور بعرفة شروط وواجب، وسنن أما شروطه: فمنها أن يكون الحضور إلى عرفة باختياره، فلا يصح حضور من أكره على الوقوف: ومنها أن يكون أهلاً للعبادة، فلا يصح الحضور من مجنون، ولا سكران، ولا مغمى عليه، ومنها أن يكون في الوقت المعتبر له شرعاً، وهو من فجر اليوم التاسع من شهر ذي الحجة إلى فجر اليوم العاشر، وهو يوم النحر، ويجزئه الوقوف، ولو لم يعلم بأن المكان الذي وقف فيه من عرفة، ولو لم يعلم بأن هذا الزمن هو زمن الوقوف. فمتى صادف المكان والزمن صح وقوفه، ولو لم يعلم بهما. وأما واجبه فهو حضوره بعرفة جزءاً من الليل إذا كان قد وقف نهاراً، وأما من جاء الجبل ليلاً، فإنه يجزئه الحصور في وقته المذكور، ولا شيء عليه. وأما سننه: فمنها أن يقف على راحلته، وأن يستقبل القبلة، وأن يكون عند الصخرات وجبل الرحمة، ولا يطلب صعوده، وأن يرفع يديه عند الدعاء، وأن يكثر الدعاء والاستغفار والتضرع وإظهار الضعف والافتقار، ويلح في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة، ويكرر كل دعاء ثلاث مرات؛ ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير؛ اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً؛ ويسر لي أمري.
    المالكية قالوا: من أركان الحج الحضور بعرفة بأي جزء منها على أي حال كان، سواء لبث بها أو مر، إلا أنه إن كان ماراً شرط فيه أمران. الأول: العلم بأنها عرفة، فلو مر بها جاهلاً لا يكفيه ذلك،الثاني: أن ينوي بمروره الحضور، فلو مر بها. ولم ينو ذلك، فلا يكفيه وأما غير المار. وهو من لبث بها. فلا يشترط فيه شيء من ذلك: فيكفي مكثه بها وهو نائم. أو مغمى عليه. وقد تقدم أن الركن هو الحضور لحظة من الليل من غروب شمس اليوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر. وواجب الركن الطمأنينة في حضوره. فإن لم يطمئن لزمه دم، كما يجب الوقوف في نهار التاسع بعد الزوال إلى الغروب، فإذا تركه بغير عذر فعليه دم، فالحضور بعرفة نوعان: ركن يفسد الحجر بتركه، وواجب يلزم في تركه دم.
    فالأول: لحظة من غروب شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر.
    والثاني: لحظة من زوال شمس يوم عرفة إلى غروب الشمس من ذلك اليوم. ويجزئ الوقوف بأي جزء من عرفة كان. ولكن الأفضل الوقوف بمحل وقوفه عليه الصلاة والسلام. وذلك عند الصخرات العظام المنبسطة في أسفل جبل الرحمة. ويندب السير لعرفة بعد طلوع الشمس من اليوم التاسع وأن ينزل إذا وصلها بالمحل المعروف بنمرة. والاغتسال للوقوف. والتضرع والابتهال إلى الله تعالى بالدعاء، والتطهر من الحدث، والركوب، والقيام للرجال. إلا لعذر. وأما النساء فلا يندب لهن القيام. ويسن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة تقديماً. وأن يخطب الإمام خطبتين يعلم الناس فيهما ما يفعل بعرفة إلى آخر الحج. وتكون الخطبتان إثر زوال الشمس من اليوم التاسع. ثم يؤذن. ويقام للظهر وهو على المنبر. ثم ينزل فيصلي بالناس الظهر. ثم يؤذن. ويقام ثانياً للعصر. ثم يصليها بهم.
    ويجمع هذا الجمع، ولو كان اليوم يوم جمعة، وعليه فلا جمعة في هذا اليوم، ثم ينصرف الناس بعد الصلاة للوقوف إلى الغروب فإذا غربت الشمس، ودخل الليل، وهم بعرفة، فقد حصل الركن، كما حصل الواجب بالحضور نهاراً
    (6) الشافعية قالوا: واجبات الحج العامة خمسة؛
    الأول: الإحرام من الميقات على التفصيل المتقدم،
    الثاني: الوجود بمزدلفة، ولو لحظة، بشرط أن يكون ذلك في النصف الثاني من الليل بعد الوقوف بعرفة، ولا يشترط المكث؛ بل يكفي مجرد المرور بها، سواء أعلم بأنها المزدلفة أم لا،
    الثالث: رمي الجمار؛ بأن يرمي جمرة العقبة وحدها يوم النحر. والجمرات الثلاث كل يوم من أيام التشريق الثلاثة التي هي عقب النحر؛ ويدخل وقت الرمي بانتصاف ليلة النحر، بشرط تقدم الوقوف، ويمتد وقته إلى آخر أيام التشريق؛ ولا بد من تحقق معنى الرمي، فلو وضع الحجر في المرمى لم يعتد به، وكذا لا بد من قصد مكان الرمي. فلا يجزئ الرمي في الهواء وإن وقع في المرمى، ولا يجزئ الرمي إلا إذا تحقق إصابة المرمى، والرمي المعتبر شرعاً هو ما كان باليد لا بقوس ونحوه، فإنه لا يجزئه إلا لعذر، ولا يجزئ في الرمي إلا الحجر، أما اللؤلؤ، والملح، والآجر ونحوه فلا يجزئ، ولا بد أن يجزم الرامي بأنه رمى سبع حصيات في كل جمرة من الجمرات الثلاث، وذلك في اليوم الثاني، والثالث، والرابع من أيام العيد، كما أنه لا بد أن يتحقق رمي سبع حصيات في جمرة العقة، وهي التي تتكون في يوم العيد، فإن شك كمل حتى يتحقق السبع ويشترط في السبع حصيات أن ترمى في سبع مرات، أما لو رماها على غير ذلك فلا تحسب إلا واحدة؛ ولا بد من الترتيب بين الجمرات الثلاث التي يرميها أيام التشريق، فيبدأ برمي الجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى؛ ثم العقبة، فلا ينتقل إلى واحدة إلا بعد تمام ما قبلها.
    وسنن الرمي: منها الاغتسال له كل يوم ومنها تقديم الرمي أيام التشريق على صلاة الظهر. ومنها الموالاة بين الرميات وبين الجمرات. ومنها أن يكون الرمي باليد اليمنى إن سهل، ومنها غسل الحصى إن احتملت نجاسة. ومنها أن يكون الجمر صغيراً أقل من الأنملة. ومنها إبدال التلبية بالتكبير عند أول حصاة يرميها ومنها أن يرمي راكباً إذا أتى من منى راكباً. ومنها أن يرمي بحصيات جديدة لم يرم هو ولا غيره بها. وكره مخالفة شيء من تلك السنن.
    الرابع: من واجبات الحج: المبيت بمنى. ويشترط فيه أن يكون معظم الليل من ليالي أيام التشريق الثلاثة لمن لم يتعجل. أما من أراد أن يتعجل. ويخرج من منى إلى مكة في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو الثالث من أيام العيد، فيسقط عنه المبيت بمنى ليلة الثالث من أيام التشريق والرمي فيه. لقوله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} - الآية. بشرط أن يخرج من منى قبل غروب الشمس من اليوم الثاني، فلو غربت عليه الشمس، وهو بمنى، تعين عليه المبيت ليلة الثالث. والرمي فيه، إلا إذا كان تأخيره لعذر، ويشترط لجواز الخروج المذكور أن يكون بنية مقارنة له، فلو خرج من غير نية لزمه العود وأن لا يعزم على العود حال خروجه. فلو خرج عازماً على العود لزمه العود. ولا تفيد نية الخروج، وإنما يجب المبيت بمنى ليالي الرمي على غير المعذور، أما المعذور: كرعاة الإبل. وأهل السقاية بمكة أو بالطريق، ومن خاف على نفسه وماله من المبيت فيرخص له في ترك المبيت ولا يلزمه أما الرمي فلا يسقط،
    الخامس: التباعد عن محرمات الإحرام السابقة.
    الحنفية قالوا: واجبات الحج الأصلية خمسة:
    أولاً: السعي بين الصفا والمروة؛
    ثانياً؛ الحضور بمزدلفة، ولو ساعة قبل الفجر، فلو ترك الحضور بالمزدلفة قبل طلوع الفجر لزمه دم إلا إذا كانت به علة أو مرض فلا شيء عليه،
    ثالثاً: رمي الجمار لكل حاج؛ وكيفيته أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ونحوها، مما يجوز عليه التيمم، ولو كفاً من تراب، فإنه يقوم مقام الحصاة الواحدة، ولا يجوز الرمي: بخشب، وعنبر، ولؤلؤ، وذهب وفضة، وجوهر، وبعر، ونحو ذلك، لأنه ليس من جنس الأرض، ويكره أخذ الحصاة ونحوها من عند الجمرة، كما يكره نثرها، ويكره أن يرمي أكثر من سبع حصيات، ويسن في الرمي أن يكون بين الرامي وبين الجمرة - أي المكان الذي يرمي فيه الحصى - خمسة أذرع، وأن يمسكها برؤوس اصابعه، فإن رماها ونزلت على رجل أو جمل، فإن وقعت بنفسها بقرب الجمرة جاز، أما إن وقعت في مكان بعيد عن الجمرة، فإنها لا تجزئه، ويرمي غيرها وجوباً، ويقدر البعد بثلاثة أذرع؛ وأن يكبر مع رمي كل حصاة، بأن يقول؛ باسم الله؛ الله أكبر، ويقطع التلبية لأولها، ويكره أن يتخذ حجراً واحداً يكسره إلى حصى صغير يرمي به؛ ووقت أداء رمي جمرة العقبة فجر يوم النحر إلى فجر اليوم الثاني منه.
    فإن قدمه عن ذلك لا يجزئه، وإن أخره عن ذلك لزمه دم، ويستحب أن يكون هذا الرمي بعد شروق الشمس إلى الزوال، ويباح بعد ذلك إلى الغروب، ويكره بالليل، كما يكره بعد فجر النحر إلى طلوع الشمس؛ ثم يرمي ثاني يوم النحر الجمار الثلاث؛ ويسن أن يبدأ برمي الجمرة الأولى، وهي التي تلي مسجد الخيف، ثم بالجمرة الوسطى، ثم بجمرة العقبة؛ وفي كل منها يرمي سبع حصيات بالكيفية المتقدمة، فإن عكس هذا الترتيب بأن رمى الجمرة الوسطى مثلاً قبل الجمرة الأولى، سن له إعادة الرمي، ويسن أن يقف بعد أن يتم الرمي الذي بعده رمي آخر بمقدار قراءة ثلاثة أرباع جزء من القرآن - ثلث ساعة تقريباً - ووقت الرمي في اليوم الثاني والثالث هو من بعد الزوال إلى الغروب: ويكره في الليل إلى الفجر وقبل الزوال لا يجزئ، وبعد فجر اليوم الثاني يلزمه دم بالتأخير ويدعو لنفسه أو لغيره بما شاء؛ رافعاً يديه نحو القبلة أو نحو السماء؛ ثم يرمي كذلك في ثالث أيام النحر. وكذا في تاليه إن بقي هناك، ويجوز له أن يرمي ماشياً أو راكباً. والأفضل في رمي الأولى والوسطى أن يكون ماشياً، وفي رمي جمرة العقبة أن يكون راكباً؛ رابعاً: الحلق أو التقصير، خامساً: طواف الصدر، أما ما عدا ذلك من الواجبات فهي متعلقة بكل واجب من هذه الواجبات الأصلية، أو متعلقة بشرط أو ركن على حدته، وقد علمت مما تقدم واجبات الطواف؛ وواجبات السعي، وواجبات الوقوف، وبقي من الواجبات: الترتيب بين الرمي والحلق. والذبح يوم النحر، وتوقيت الحلق بالزمان والمكان. والضابط أن كل ما يترتب على تركه دم فهو واجب، وسيأتي بيان كل ما يترتب على تركه دم في مبحث "جناية الحج".
    الحنابلة قالوا: للحج واجبات سبعة:
    الأول: الإحرام من الميقات المعتبر شرعاً.
    الثاني: وقوفه بعرفة إلى الغروب إذا وقف نهاراً؛
    الثالث: المبيت بالمزدلفة ليلة النحر على غير السقاة والرعاة ويتحقق بالوجود في أي لحظة من النصف الثاني من الليل،
    الرابع: المبيت بمنى على غير السقاة والرعاة ليالي أيام التشريق،
    الخامس: رمي الجمار على الترتيب، بأن يبدأ بالتي تلي مسجد الخيف، ثمبالوسطى، ثم بجمرة العقبة، ولا يجزئ في الرمي أن يرمي بحصاة صغيرة جداً، أو كبيرة، ولا بما رمى بها غيره، ولا يجزئ أيضاً بغير الحصى. كجوهر، وذهب، ونحوهما، ويشترط رمي الحصى، فلا يكفي وضعه في المرمى بدون رمي؛ ويشترط كون الرمي واحدة بعد واحدة إلى تمام السبع، فلو رمى أكثر من واحدة في مرة واحدة حسب ذلك واحدة، ويشترط أيضاً أن يعلم وصول الحصى إلى المرمى، فلا يكفي ظن الوصول، ولو رمى حصاة ووقعت خارج المرمى، ثم تدحرجت حتى سقطت فيه أجزأته؛ وكذا إن رماها فوقعت على ثوب إنسان فسقطت في المرمى، ولو بدفع غيره أجزأته أيضاً، ووقته من نصف ليلة النحر لمن وقف قبله بعرفة، ولا يصح الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال؛
    السادس: الحلق أو التقصير.
    السابع: طواف الوداع.
    المالكية قالوا: واجبات الحج العامة التي لا تخص ركناً من أركانه أمور:
    منها النزول بمزدلفة بقدر حط الرحال بعد أن ينزل من عرفة ليلاً؛ وهو سائر إلى منى إذا لم يكن عنده عذر، وإلا فلا يجب عليه النزول بها، ومنها تقديم رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر على الحلق، وطواف الإفاضة، فلو حلق قبل الرمي، أو طاف للإفاضة قبله فعليه دم، وأما تقديم الرمي على النحر، وتقديم النحر على الحلق؛ وتقديم الحلق على طواف الإفاضة فهو مندوب، فالمطلوب في يم النحر أربعة أمور: رمي جمرة العقبة، نحر الهدي، أو ذبحه، الحلق، طواف الإفاضة، وتفعل على هذا الترتيب ورمي جمرة العقبة في ذاته واجب، ووقته من طلوع فجر يوم النحر، ويندب أن يكون بعد طلوع الشمس إلى الزوال، ويكره تأخيره عنه، ومنها الرجوع للمبيت بمنى بعد طواف الإفاضة، فيبيت بها ثلاث ليال وجوباً، وهي: ليلة الثاني، والثالث، والرابع من يوم النحر إن لم يتعجل، أما إذا تعجل فيكفيه المبيت ليلتين، ويسقط عنه البيات ليلة الرابع والرمي في ذلك اليوم، بشرط أن يجاوز جمرة العقبة قبل غروب اليوم الثالث، وإلا تعين عليه المبيت بها ليلة الرابع، والرمي فيه، ومنها رمي الجمار في أيام التشريق الثلاثة بعد يوم عيد النحر يرمي في كل يوم ثلاث جمرات كل منها بسبع حصيات، ووقت الرمي في كل يوم منها من زوالالشمس إلى الغروب، فلو قدم الرمي على الزوال لا يكفي، وعليه دم إن لم يعده بعد الزوال؛ وإن أخره إلى الليل أو إلى اليوم الثاني فعليه دم، ويندب أن يكون في كل يوم قبل أن يصلي الظهر، ويشترط في صحة الرمي أمور،
    أولاً: أن يبدأ برمي الجمرة الكبرى؛ وهي التي تلي مسجد مني، ثم الوسطى التي في السوق، ثم يختم بالعقبة، وليس في يوم النحر سوى رمي جمرة العقبة، كما تقدم،
    ثانياً: أن يكون ما يرمى به من جنس الحجر فلو رمي
    بطين لا يكفي،
    ثالثاً: أن لا يكون صغيراً جداً: كالقمحة، بل يكون كالحصى الذي يتحاذف به الصبيان وقت اللعب، أو يجعل الحصى بين السبابة وافبهام من يده اليسرى، ثم يحذفها بسبابة اليمنى، فلو رمى بصغير جداً لا يجزئ، وإن رمي بكبير أجزأه مع الكراهة؛ ولا يشترط طهارة ما يرمى به؛ فلو رمي بمتنجس أجزأه، وندب أن يعيده بطاهر،
    رابعاً: أن يكون الرمي باليد فلو رمى برجله لا يكفي، ويندب أن يكون الرمي بيده المينى إن كان يحسن الرمي بها، ومن الواجبات:
    الحلق، فلو تركه لزمه دم وكذا يلزمه دم إذا أخره حتى رجع لبلده، أو أخره عن أيام التشريق ولم يفعله بمكة، أما إذا فعله بها ولو بعد أيام التشريق فلا دم عليه، ويجزئ عن الحلق التقصير بالنسبة للرجل، وخالف السنة، وأما المرأة فالواجب في حقها التقصير، ولا تحلق، لأنه مثله، وكيفية التقصير بالنسبة لها: أن تأخذ قدر الأنملة من شعر رأسها وأما الرجل، فيأخذ الشعر من قرب أصله وجذوره، فلو أخذ من أطرافه كما تفعل المرأة أجزأه ذلك وأساء، ومن واجباته الفدية، وهيد للفساد؛ وهدي للقران أو التمتع، وسيأتي بيانها عند الكلام عليها


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #76
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الحج والعمرة]
    صـــــ 603 الى صــــــــ
    615
    الحلقة (76)

    [سنن الحج]
    أما سنن الحج: فمنها ما يتعلق بالإحرام، وقد تقدمت في مبحث ما يطلب من مريد الإحرام قبل الشروع فيه، ومنها ما يتعلق بالطواف. ومنها ما يتعلق بالسعي، ومنها ما يتعلق بالوقوف، وقد تقدم جميع ذلك في المباحث السابقة، وبقيت سنن أخرى مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
    [ما يمنع الحاج من فعله]
    يمنع الحاج من أمور بعضها مفسد للحج بحيث لو فعله بطل حجه، ومنها ما يترتب لعيه هدي وهو من الإبل أو البقر أو الغنم، كما سيأتي في مبحثه، ومنها ما يترتب عليه فدية، وهي صدقة من طعام أو غيره.
    [مفسدات الحج]
    يفسد الحج بترك الوقوف بعرفة في وقته المتقدم باتفاق المذاهب، وكذا يفسد بترك ركن من أركانه، على التفصيل المتقدم في المذاهب، وكذا يفسد بالجماع. باتفاق أيضاً، ولكن وقت الفساد بالجماع وشروطه مختلفة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (2) .
    [ما يوجب الفدية، وبيان معنى التحلل]
    قد عرفت أن الحاج يمنع من أمور:
    بعضها يفسد، وبعضها يوجب الفدية،
    وبعضها يوجب الإطعام:
    فأما ما يوجب الفدية فهو أمور مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (3) .
    جزاء من اصطاد حيواناً قبل أن يتحلل من إحرامهلا يجوز للمحرم أن يصطاد حيواناً قبل أن يتحلل. وقد عرفت ما به التحلل في المذاهب. ومن يفعل ذلك كان عليه جزاء في تقديره تفصيل المذاهب. فانظره تحت الخط (4) .

    (1) الحنفية قالوا: بقي سنن. منها المبيت بمنى في ليالي أيام النحر، ومنها المبيت بمزدلفة ليلة النحر بعد الخروج من عرفة، ومنها أن يذهب من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس، ومنها الترتيب بين الجمار الثلاث، وقد تقدم لك أن أصل رمي الجمار واجب.
    وللحج داب أيضاً، وهي كثيرة:
    منها أن يقضي ديونه قبل حجه، ومنها أن يستشير ذا رأي في سفره ذلك العام الذي يريد فيه أداء الحج، ومنها أن يستخير الله تعالى، وسنة الاستخارة: أن يصلي ركعتين بسورة الإخلاص بعد أم الكتاب؛ ويدعو بدعاء الاستخارة المأثور، ثم يبدأ بالتوبة وإخلاص النية ورد المظالم؛ ومنها أن يستسمح خصومه وكل من له معاملة، ومنها أن يقضي ما قصر فيه من العبادات، ومنها أن يتجرد من الرياء والسمعة والفخر، ومنها أن يجتهد في تحصيل النفقة الحلال، فإنه لا ثواب للحج بالمال الحرام وإن سقط به الفرض حتى ولو كان المال مغصوباً، ومنها أن يتخذ رفيقاً صالحاً يذكره إن نسي، ويصبره إذا جزع، ويعينه إذا عجز.
    ومنها أن يجعل خروجه يوم الخميس؛ وإلا فيوم الإثنين أول النهار من أول الشهر، ومنها أن يودع أهله وإخوانه ويستسمحهم، ويطلب دعاءهم، ويذهب إليهم لذلك؛ وأما هم فيسن لهم أن يذهبوا إليه عند فدومه، ومنها أن يصلي ركعتين قبل أن يخرج من بيته وبعد الرجوع إلى بيته، ويقول عقب الصلاة حين يخرج: اللهم غليك توجهت، وبك اعتصمت؛ وعليك توكلت، اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي، اللهم اكفني ما أهمني، وما لا اهتم به، وما أنت أعلم به مني، عز جارك، ولا إله غيرك، اللهم زودني التقوى، واغفر لي ذنوبي، ووجهني إلى الخير أينما توجهت، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل والمال وإذا خرج يقول:
    بسم الله: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، توكلت على الله، اللهم وفقني لما تحب وترضى، واحفظني من الشيطان الرجيم، ويقرأ آية الكرسي، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، وإذا ركب الدابة يقول: بسم الله، والحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا القرآن، ومنّ علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الحمد لله الذي جعلني من خير أمة أخرجت للناس، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون الحمد لله رب العالمين.
    الشافعية قالوا: سنن الحج كثيرة: منها المبيت بمنى ليلة عرفة، وإنما كان سنة لأن المقصود منه الاستراحة؛ بخلاف المبيت ليالي التشريق، فإنه واجب، كما تقدم ومنها سرعة السير في بطن وادي محسر، وهو مكان فاصل بين مزدلفة ومنى، سمي بذلك لأنه حسر، أي عجز فيه الفيل الذي أراد أبرهة هدم الكعبة به، وهو المذكور في الآية، ومنها الخطب المسنونة فيه، وهي أربع:
    إحداها: يوم السابع من ذي الحجة، وهي خطبة مفردة يخطبها الإمام أو نائبه: كأمير الحج بعد صلاة الظهر بالمسجد الحرام، يفتتحها بالتكبير إن كان غير محرم، وبالتلبية إن كان محرماً، والأفضل أن يكون الخطيب محرماً،
    ثانيها: يوم عرفة بنمرة قبل صلاة الظهر؛ وهما خطبتان،
    ثالثها: يوم النحر بمنى، وهي واحدة بعد صلاة الظهر،
    رابعها: يوم النفر الأول بمنى، وهي واحدة بعد الظهر، وينبغي للخطيب أن يعلم الناس في كل الخطب المذكورة ما يكون بعد كل خطبة من أعمال الحج؛ ومن السنن حلق الرجل، وتقصير الأنثى، ومنها الوقوف بالمشعر الحرام؛ وهو جبل قزح - بوزن عمر - يذكرون الله تعالى عنده، ويدعون ربهم إلى الإسفار مع استقبال القبلة، ومنها أن لا يتعجل من منى، بل يبقى بها جميع ليالي التشريق؛ ومنها الذكر المسنون؛ كأن يقول عند رؤية البيت الحرام ما سبق بيانه؛ ويقول في أول طوافه ما تقدم أيضاً، ويقول قبالة البيت:
    اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك.
    والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار، ويقول بين الركنين اليمانيين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ويقول في الرمي:
    اللهم حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً، ويقول في السعي: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، ومنها أن يقضي ديونه قبل حجه، ومنها إرضاء خصومه، وأن يتوب من جميع المعاصي، وأن يتعلم كيفية الحج. وأن يستسمح كل من كان بينه وبينه معاملة أو مصاحبة، ومنها أن يكتب قبل سفرة وصية، ويشهد عليها، وأن يطلب رفيقاً صالحاً موافقاً راغباً في الحج، وأن يكثر من الزاد والنفقة ليواسي من المحتاجين، ومن السنن الإكثار من الصلاة والطواف والاعتكاف في المسجد الحرام كلما دخله، ومنها دخول الكعبة والصلاة فيها ولو نفلاً، ومنها الإكثار من شرب ماء زمزم مع التضلع منه مستقبلاً القبلة عند شربه قائلاً: اللهم إني بلغين عن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماء زمزم لم اشرب له" وأنا أشربه لسعادة الدنيا والآخرة، اللهم فافعل، ثم يسمي الله تعالى. ويشرب، ويتنفس ثلاثاً، ويسن الدخول إلى البئر، والنظر فيها، والنزح منها بالدول، ونضح وجهه ورأسه وصدره بمائها، ويتزود منها عند سفره.
    المالكية قالوا: للحج سنن ومندوبات، فأما سننه فهي
    أولاً: الخطبتان بعد الزوال بمسجد عرفة، كما تقدم؛ ثانياً: جمع الظهر والعصر به جمع تقديم كما تقدم؛
    ثالثاً: قصر الظهر والعصر المذكورين لغير أهل عرفة، أما هم فلا يقصرون؛
    رابعاً: جمع المغرب والعشاء بمزدلفة بعد الدفع من عرفة إليها، وهذا الجمع يكون تأخيراً في وقت العشاء، وإنما يسن لمن وقف بعرفة مع الإمام، ثم سار إلى المزدلفة مع الناس، أو لم يسر معهم؛ وهو قادر عليه، فإن لم يقف مع الإمام، فلا يجمع بنيهما، بل يصلي كل صلاة في وقتها، وإذا لم يسر مع الناس لعجزه عن السير معهم.
    فإنه يؤخر المغرب، ويجمعها مع العشاء عند دخول وقتها في أي مكان شاء،
    خامساً: قصر العشاء لغير أهل مزدلفة:
    فالجمع بعرفة ومزدلفة سنة لكل حاج ولو كان من أهلهما، والقصر إنما لا يسن لغير أهل المحل الذي فيه القصر؛
    سادساً: تقليد الهدي؛
    سابعاً: الإشعار، وقد تقدم بيان معناها، وبيان ما يقلد، وما يشعر من الأنعام، وما لا يقلد منها، ولا يشعر، ومن السنن غير ذلك مما تقدم في خلال الأركان؛ وأما مندوباته فهي النزول بذي طوى لمن وصل مكة ليلاً، فيبيت بها ليدخل مكة نهاراً صحوة، والغسل لمن دخلها إن لم يكن حائضاً، أو نفساء، أما هما فلا يندب لهما الغسل، لأنه للطواف بالبيت، ولا يصح منهما، كما تقدم، والدعاء بعد تمام الطواف، والإكثار من شرب ماء زمزم بنية حسنة، فقد ورد "ماء زمزم لما شرب له"، ونقل ماء زمزم، والوقوف مع الناس بعرفة؛ والدعاء، والتضرع، حال الوقوف إلى الغروب، والبيات بمزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجة، والارتحال منها إلى منى بعد صلاة الصبح وقبل الإسفار، ووقوفه بالمشعر الحرام، مستقبلاً يدعو الله تعالى، ويثنى عليه للإسفار، والإسراع ببطن محسر، وهو واد بين مزدلفة ومنى قدر رمية حجر، سمي بذلك لحسر أصحاب الفيل ونزول العذاب عليهم فيه، كما في سورة "الفيل" وإنما يندب الإسراع فيه لغير المرأة؛ وأما المرأة فلا يندب لها إلا إذا كانت راكبة؛ ومنها رمي جمرة العقبة حين وصوله إلى منى، وبعد طلوع الشمس، كما تقدم؛ والمشي في غير جمرة العقبة، والتكبير مع كل حصاة يرميها، وتتابع الحصيات حال الرمي، بأن لا يفصل بين رمي بعضها والبعض الآخر، والتقاط الحصيات التي يرميها بنفسه، وفعل الذبح والحلق قبل الزوال يوم العيد، وتأخير الحلق عن الذبح، وفعل طواف الإفاضة في ثوبي إحرامه وعقب حلقه، ووقوفه عقب رمي الجمرتين الأوليين، وهما الكبرى
    والوسطى للدعاء، وجعل الجمرة الأولى خلفه، ونزول غير المستعجل بالمحصب، وهو واد يكثر فيه الحصى جهة مقبرة مكة عند كداء، فإذا رجع من منى إلى مكة بعد رمي اليوم الرابع ندب له النزول بهذا المكان قبل أن ينزل مكة، فإذا نزل به أقام حتى يؤدي به أربع صلوات وهي من الظهر إلى العشاء، فيؤخر صلاة الظهر ليوقعها به إن لم يخف خروج وقتها الاختياري، وإنما يستحب النزول به إن لم يصادف رجوعه يوم الجمعة، وإلا فلينزل إلى مكة، ولا يعرج عليه كما لا يستحب النزول به لمن تعجل، وخرج من منى بعد رمي الثاني من أيام التشريق، وطواف الوداع لمن أراد الخروج من مكة. وقد تقدم، ومن المندوبات عدا ذلك ما تقدم مع الأركان.
    الحنابلة قالوا: بقي من مسنونات الحج أمور: منها المبيت بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة. ومنها خطبة الإمام للحججاج يوم الثامن من ذي الحجة بالمسجد الحرام، ويوم عرفة بها ويوم الأضحى بمنى. ومنها استمرار التلبية إلى رمي جمرة العقبة. ومنها غير ذلك. كاستقبال القبلة حال رمي الجمار
    (2) المالكية قالوا: الجماع مفسد للحج. وهو أن يغيب الحشفة أو قدرها في قبل أو دبر آدمي أو غيره. سواء كان الفاعل صغيراً أو كبيراً، وسواء كان المفعول به مطيقاً أو لا. فإذا كان الحاج متزوجاً بصغيرة مرافقة له في حجة. وفعل بها ذلك. بطل حجهما، والكبيرة من باب أولى، ولا فرق في بطلان الحج بذلك بين أن يكون ذاكراً، أو ناسياً أو جاهلاً، ومثل ذلك ما إذا أمنى بتقبيل أو مباشرة، أو نظر أو فكر، أو غير ذلك، إلا أنه يشترط في فساد الحج بالإنزال بسبب النظر أو الفكر أن يطلهما، أما الإمناء بمجرد النظر أو الفكر، فإنه لا يفسد. أما إذا أمنى بسبب القبلة، فإن حجه يفسد، ولو لم يكررها، فمن كانت معه زوجه في الحج فينبغي أن يتجنب مداعبتها أو تقبيلها في الوقت الذي يحظر الشارع فيه إتيان النساء: وإنما يفسد الحج بالجماع أو بإنزال المني بسبب من الأسباب المذكورة إن وقع قبل رمي جمرة العقبة، ووقت رميها هو يوم النحر قبل طواف الإفاضة.
    وقبل مضي يوم النحر، ويفسد حجه بالجماع أو الإنزال المذكورين قبل رمي الجمرة المذكورة، سواء حصل قبل الوقوف بعرفة أو بعده؛ أما إذا جامع أو أخرج المني بسبب من الأسباب المذكورة بعد أن قام برمي جمرة العقبة، أو بعد طواف الإفاضة، أو بعد أن مضى يوم النحر، ولم يكن رمى ولا طاف، فإن حجة لا يفسد، ولكن يلزمه في هذه الأحوال ذبح فداء؛ فلا تحل النساء بجماع أو مقدماته، كما لا يحل عقد النكاح بعد رمي جمرة العقبة، ومن فعل ذلك فإن حجه لا يفسد، ولكن يكون قد فعل ما لا يحل، وعليه الفداء؛ أما إذا فعل ذلك بعد طواف الإفاضة، وقبل الحلق، فإنه يكون قد فعل ما هو حلال له، ولكن يلزمه هدي، فإذا فعل بعد الحلق فقد فعل ما هو حلال، ولا يلزم بشيء بعد ذلك؛ ويجب عليه الهدي أيضاً إذا أمذى، أو أخرج المني بمجرد نظر أو فكر بدون أن يستديمهما، ويجب على من فسد حجه إتمامه، فلو ترك إتمام الحج لظنه أنه خرج من الإحرام يبقى على إحرامه، فلو أحرم في العام القابل إحراماً جديداً كان إحرامه لغواً، ويتم إحرامه الذي أفسده.
    هذا، ومن فسد حجه بجماع أو غيره فإنه يجب عليه أربعة أشياء:
    الأول: إتمام الحج الذي أفسده؛
    الثاني: قضاؤه فوراً متى كان قادراً، فإن أخر قضاءه أثم؛
    الثالث: نحر هدي من أجل إفساد الحجر؛ أن يؤخر نحر الهدي لزمن القضاء.
    الحنفية قالوا: يفسد الحج بالجماع، بشرط أن يكون قبل الوقوف بعرفة؛ أما إذا أتى زوجته بعد الوقوف قبل أداء الركن الثاني وهو طواف الزيارة، فإن حجه لا يفسد، وذلك لأن الحج عند الحنفية لا يكون قابلاً للفساد بعد الوقوف بعرفة؛ ولا فرق في الفساد بالجماع بين أن يكون ناسياً أو عامداً، مستيقظاً أو نائماً، مختاراً أو مكرهاً، فمن أتى زوجته وهو نائم، أو هي نائمة، فإن حجهما يفسد، نعم يشترط لفساد الحج بالجماع أن يكون بالغاً عاقلاً، فإذا جامع الصبي، أو المجنون امرأة عاقلة فسد حجمها دونهما، وكذا إذا جامع البالغ صغيرة أو مجنونة فسد حجه دونهما، ولا يشترط في الفساد الإنزال، بل يفسد الحج بمجرد تغيب الحشفة في القبل أو الدبر، سواء حصل إنزال أو لا، ومن فسد حجه بالجماع فعليه أن يستمر في إتمامه فاسداً، كما يقول المالكية، ويقضيه في قابل، وعلى كل واحد منهما دم، وتجزئ الشاة في ذلك، فإذا تعدد الجماع فإن كان في مجلس واحد اكتفى بشاة واحدة، أما إذا تعدد في مجالس مختلفة ففي كل واحد منها شاة.
    الشافعية قالوا: يفسد الحج بالجماع بشروط: أحدها: أن يولج الحشفة أو قدرها إذا لم تكن له حشفة في قبل أو دبر، ولو بهيمة، ولو بحائل؛ ثانيهما: أن يكون عالماً عامداً مختاراً، فإذا كان جاهلاً، أو ناسياً أو مكرهاً، فإن حجه لا يفسد بالجماع؛ ثالثها: أن يقع منه قبل التحلل الأول، وبيان ذلك أن أسباب التحلل عند الشافعية ثلاثة:
    رمي الجمار، والحلق، والطواف الذي هو ركن، فإذا أتى بأمرين من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين، فإذا رمى وحلق فقد وقع منه التحلل الأول، فلا يفسد حجه من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين، فإذا رمى وحلق فقد وقع منه التحلل الأول، فلا يفسد حجه من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين، فإذا رمى وحلق فقد وقع منه التحلل الأول، فلا يفسد حجه بالجماع، وكذا إذا طاف وحلق أو حلق ورمى.
    فإن الترتيب بين هذه الأمور الثلاثة ليس شرطا؛ إنما الأحسن أن يرتبها، فيرمي الجمار، ثم يحلق، ثم يطوف، على أنه وإن كان لا يفسد حجه قبل التحلل الثاني بالجماع ولكنه يحرم عليه كما تحرم مقدماته، كالقبلة، والمباشرة بشهوة، سواء أنزل أو لم ينزل، وتجب عليه في هذه الحالة الفدية، وذلك لأن شرط الحرمة الاستمتاع، وهو حاصل بالنظر واللمس، أما الاستمناء باليد فهو حرام أيضاً، إلا أنه لا تجب فيه الفدية عند عدم الإنزال، وكذا النظر واللمس مع وجود حائل من ثوب ونحوه بشهوة، فإنه حرام، ولكن لا تجب فيه الفدية، سواء أنزل أو لم ينزل، وذلك لأن شرط الحرمة الاستمتاع، وهو حاصل بالنظر واللمس المذكورين، وشرط الفدية المباشرة بشهوة، وهذه لم تحصل؛ وإذا فسد الحج بالجماع فإنه يجب إتمام جميع أعماله، وعليه أن يجتنب ما كان يلزمه اجتنابه لو كان صحيحاً، فإن فعل محظوراً بعد ذلك لزمته الفدية إن كانت فيه فدية، ويجب قضاء الحج الذي أفسده بالجماع فوراً، أي في العام الذي يليه مباشرةن ولو كان الحج الذي أفسده نفلاً؛ وتلزمه كفارة الجماع المفسد، وهي ناقة أو جمل، بشرط أن تكون متصفة بالأوصاف التي تكفي في الأضحية: وسيأتي بيانها في بابها، فارجع إليه، فإن عجز عنها وجبت عليه بقرة تجزئ في الأضحية، فإن عجز عنها أيضاً وجب عليه سبع شياه تجزئ في الأضحية أيضاً، فإن عجز عنها أيضاً، قومت بسعر مكة، وتصدق بقيمتها طعاماً لا نقداً على مساكين الحرم وفقرائه، ثلاثة فأكثر، ويشترط في الطعام أن يخرجه من الأصناف التي تجزئ في صدقة الفطر. وقد تقدم بيانها في "مباحث الصيام" فإن عجز عن ذلك صام عن كل مد يوماً بنية الكفارة، كأن يقول: نويت صوم غد عن كفارة الجماع.
    هذا إذا كان رجلاً، أما المرأة فلا كفارة عليها، وإن فسد حجها مع الإثم إن كانت مميزة مختارة عامدة عالمة بالتحريم وإلا فلا إثم ولا فساد.
    الحنابلة قالوا: يفسد الحج بالجماع في قبل أو دبر، من آدمي أو غيره، بشرط أن يقع منه ذلك قبل التحلل
    الأول. فإن جامع بعد التحلل الأول فإن حجه لا يفسد، كما يقول الشافعية. وأسباب التحلل عند الحنابلة، ثلاثة:
    وهي الجمار، والطواف، والحلق، والتحلل الأول يحصل بفعل اثنين منها، كما يقول الشافعية، فإذا رمى جمرة العقبة وحلق، ثم جامع قبل الطواف لم يفسد حجه، ولكن عليه أن ينحر جزراً، ولا يفسد الإحرام شيء غير الجماع المذكور، وعليه أن يمضي في حجه بعد الإفساد، كما لو كان صحيحاً، وعليه أن يجتنب ما كان يجتنبه قبل الإفساد، وإذا فعل محظوراً بعد هذا وجبت عليه الفدية، وعلى الفاعل والمفعول القضاء فوراً في العام القابل

    (3) الحنابلة قالوا: ما يوجب الفدية ينقسم إلى قسمين:
    الأول، ما يوجبها، على التخيير،
    والثاني: ما يوجبها على الترتيب، فالذي يوجبها على التخيير فهو أمور:
    -1 - لبس المخيط، أو المحيط
    2 - استعمال الطيب
    3 - تغطية الرجل رأسه، أو الأنثى وجهها
    4 - إزالة أكثر من شعرتين من الجسد، أو أكثر من ظفرين، فكل واحد من هذه فيه فدية على التخيير بين ثلاثة أشياء: فإما أن يذبح شاة سنها ستة أشهر على الأقل، إن كانت من الضأن، وسنة إن كانت من المعز، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يطعم ستة مساكين لكل واحد منهم مدّ من برّ أو نسف صاع - مدّان - من تمر، أو زبيب أو شعير، أو أقطن ومما يوجب الفدية على التخيير جزاء الصيد. والصيد إما أن يكون له مثل من النعم أو لا يكون، فإن كان له مثل، فيخير في فديته بين ثلاثة أشياء:
    ذبح المثل، وإعطاء لحمه لفقراء الحرم في أي وقت شاء، وتقويم مثله في المحل الذي تلف فيه الصيد، ويكون التقويم بدراهم، ثم يشتري بها طعاماً من الأصناف السابقة، ويعطي كل مسكين مدّاً من برّ، ومدّين من غيره، كما تقدم، وصيام أيام بعدد الأمداد بحيث يكون كل يوم بدل ما يعطي من الطعام لكل مسكين: فإن بقي أقل من إطعام مسكين صام عنه يوماً كاملاً، وإن لم يكن له مثل فيخير في فديته بين الأمرين الأخيرين، إطعام القيمة، والصيام.
    وأما ما يوجب الفدية على الترتيب، فهو الوطء قبل التحلل الأول من الحج، والتحلل الأول يحصل باثنين من ثلاثة، وهي:
    رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الزيارة، ومثل الوطء الإنزال بتكرار النظر، أو بالمباشرة لغير الفرج، أو بالتقبيل، أو باللمس بشهوة قبل التحلل الأول، فإذا حصل الوطء أو الإنزال بواحد مما ذكر وجب عليه ذبح بدنة من الإبل سنها خمس سنين، فإن لم يجد بدنة صام عشرة أيام:
    ثلاثة قبل الفراغ من أعمال الحج وسبعة بعد الفراغ منها، والمرأة كالرجل فيما يترتب على الوطء والإنزال إن كانت طائعة، وأما المباشرة بدون إنزال فتوجب الفدية على التخيير بين الأنواع الثلاثة المتقدمة؛ وهي:
    ذبح الشاة؛ أو إطعام ستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام؛ وكذا الإمناء بنظره بدون تكرار، وكذا إذا حصل الوطء بعد التحلل الأول، وقد تقدم بيانه، وإذا جاوز الشخص ميقاته بلا إحرام، أو ترك شيئاً من واجبات الحج: كرمي الجمار فعليه الفدية على الترتيب: بأن يذبح شاة، فإن لم يجدها صام عشرة أيام ثلاثة في الحج، وسبعة بعده، كما تقدم، وأما ما يوجب الإطعام فهو قص ظفرين، أو أقل: وإزالة شعرتين، أو أقل، فيجب في الظفر الواحد أو بعضه، وفي إزالة الشعرة الواحدة أو بعضها إطعام مسكين واحد مدّاً من برّ، أو نصف صاع من غيره، كما تقدم، وفي الظفرين أو الشعرتين إطعام مسكينين. وأما ما يوجب القيمة فهو كسر بيض الصيد، وقتل الجراد، فإذا كسر بيضاً، أو قتل جراداً فعليه قيمة كل منهما يتصدق بها في محل الإتلاق، وأما ما لا يوجب شيئاً فهو قتل القمل، وعقد النكاح.
    وقد سبق أنه يحرم على المحرم قطع شجر الحرم، وحشيشه إلا ما استثنى، فإن فعل شيئاً من ذلك فعليه في قطع الشجرة الصغيرة عرفاً ذبح شاة، وفي قطع الشجرة الكبيرة أو المتوسطة ذبح بقرة، وفي الحشيش والورق إخراج القيمة.
    المالكية قالوا: يوجب الفدية كل فعل محرم يحصل به ترفه وتنعم للمحرم، أو إزالة الشعث عنه:
    كالاغتسال في الحمام، فمتى جلس في الجمام حتى عرق ثم صب الماء الحار على جسده، ولو لم يتدلك، فإنه يجب عليه الفدية، لأن ذلك مظنة زوال الوسخ عن الجسد، ومثل ذلك مس شيء مما يتطيب به، وقص الشارب: ولبس الثياب، وتغطية الرأس، أو تغطية المرأة وجهها ويديها بقفاز لا بقصد التستر كما تقدم، وقص أظفاره، ونتف إبطه، وغير ذلك: كالاختضاب بالحناء، وإنما تجب الفدية في لبس الثياب ونحوها إذا حصل به انتفاع من حر أو برد، أما لو لبس الثوب ونزعه فوراً قبل الانتفاع به، فلا تجب فيه الفدية، وأما الطيب ونحوه مما ينتفع به بمجرد مزاولته، فإن الفدية تجب فيه، ولو أزاله فوراً، والفدية ثلاثة أنواع على التخيير:
    الأول: إطعام ستة مساكين لكل منهم مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم من غالب قوت البلد؛ ويجزئ بدل المدَّين الغداء والعشاء إذا بلغ مقدارهما المدين، لكن تمليك المدين أفضل،
    الثاني: صيام ثلاثة أيام،
    الثالث: نسك - ذبيحة - شاة فأعلى: كبقرة وبدنة، ويعتبر في سنها ما ذكر في الهدي، ولا يختص ذبح هذا النسك بزمان أن مكان، فله أن يذبحه بأي زمان ومكان شاء، إلا إذا نوى به الهدي فإنه يذبح بمنى أو مكة على ما ذكر في تفصيل الهدي، وأما ما يوجب الحفنة من الطعام فأمور:
    -1 - قلم الظفر الواحد بدون قصد إزالة الأذى - الوسخ - كأن يقلمه لمداواة قرحة تحته، أو لاستقباح طوله، أو يقلمه عبثاً، أما إذا قلمه بقصد إزالة الأذى ففيه فدية،
    2 - إزالة شعرة أو أكثر إلى اثنتي عشرة أيضاً،
    3 - إزالة القراد عن بعيره أو قتله، ففي كل منهما حفنة من طعام ولو كثر القراد: وإذا تعدد موجب الفدية أو الحفنة فإنهما يتعددان، مثلاً إذا لبس الثياب وتطيب فعليه فديتان فدية للبس، وفدية لاستعمال الطيب، وإذا قلم ظفراً واحداً، وأزال شعره فعليه حفنتان، ويستثنى مما ذكر مسائلي لا تتعدد فيها الفدية ولا الحفنة بتعدد الموجب:
    1 - أن يظن إباحة ما فعله لفساد الحج؛ أو لأنه رفضه؛ أو حفنة. ثم ظهر له فساد الطواف، فلا تتعدد الكفارة - الفدية أو الحفنة
    3 - أن ينوي عند فعل الأول منها التكرار والتعدد، كأن يلبس الثوب ونوى عنده أن يتطبب أيضاً، فإذا لبس وتطيب فعليه فدية واحدة، بشرط، أن لا يفدي للأول قبل فعل الثاني وإلا فعليه فديتان
    4 - أن يقدم ما نفعه أعم، كأن يلبس الثوب
    أولاً، ثم السراويل بعد فعليه فدية واحدة.
    الحنفية قالوا: الفدية هي ذبح شاة ونحوها، وتجب بأمور؛ أولاً: دواعي الجماع: كالمعانقة، والمباشرة والقبلة واللمس بشهوة، سواء أنزل أو لم ينزل، ومثل ذلك ما لو نظر إلى فرج امرأة، أو تفكر فأنزل، وكذا إذا أولج في فرج بهيمة فأنزل، أما إذا أولج في البهيمة بدون إنزال فلا شيء عليه، ويلزمه دم بالتبطين والتفخيذ، أنزل أو لم ينزل،
    ثانياً: إزالة شعر كل رأسه أو لحيته، أو إزالة ربعهما، وليس في أقل من الربع دم؛ وكذا إزالة شعر رقبته، أو إبطيه، أو أحدهما، أو إزالة شعر عانته، وإنما يجب الدم بإزالة الشعر إذا كان لغير عذر؛ كأن علقت به الهوام وآذته، فهو مخير بين أمور ثلاثة: ذبح شاة، صام ثلاثة أيام، إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع قال تعالى: {فمن كان منكم مريضاً، أو ب الله أذى من رأسه، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}
    ثالثاً: أن يلبس الرجل المحيط، أما المرأة فإنها تلبس ما شاءت إلا أنها لا تستر وجهها بساتر ملاصق، كما تقدم والذي يضر هو اللبس المعتاد، فلو التحف بالمخيط؛ أو وضعه على بدنه بوضع غير معتاد فلا شيء عليه.
    هذا إذا لبس لغير عذر، فإن كان لعذر ففيه التفصيل المتقدم فيما قبله،
    رابعاً: أن يستر رأسه بساتر معتاد يوماً كاملاً، وقد تقدم تفصيل الكلام في الساتر المعتاد،
    خامساً: أن يطيب عضواً كاملاً من الأعضاء الكبيرة: كالفخذ، والساق، والذراع، والوجه، والرأس، والرقبة بأي نوع من أنواع الطيب المتقدم ذكرها، أما إذا طيب ثوبه فإنه لا يلزمه الدم، إلا إذا لبس الثوب يوماً كاملاً، وكان الطيب كثيراً في ذاته، أو كان قليلاً واستغرق من الثوب ما تبلغ مساحته شبراً في شبر؛ والحناء من الطيب، فلو وضعها على رأسه وكانت رقيقة لا تستر ما تحتها فعليه دم، وإلا فعليه دمان، لأنه يكون في هذه الحالة قد تطيب وستر رأسه، ومنه العصفر والزعفران كما تقدم، فإن تطيب لعذر ففيه التفصيل المتقدم، ومثل الطيب دهان عضو كامل بزيت الزيتون؛ أو السمسم لغير عذر، فإن فعل لعذر: كالتداوي، فلا شيء عليه،
    سادساً: قص أظافر يد واحدة أو رجل واحدة؛ وكذا لو قص أظفار يديه ورجليه جميعها في مجلس واحد، أما إذا قصها في مجالس متعددة لزمه أربعة دماء لكل أظافر عضو دم،
    سابعاً: أن يترك طواف القدوم أو طواف الصدر، أو يترك شوطاً من أشواط العمرة، أو واجباً من الواجبات المتقدمة.
    الشافعية قالوا: الفديةة هي دم شاة توفرت فيها شروط الأضحية الآتي بيانها في مبحث "الأضحية" أو إطعام ستة مساكين، أو صوم ثلاثة أيام، وتجب بأمور.
    أحدها: التطيب، فمن تطيب في الحج برائحة عطرية، فعليه أن يذبح شاة يتصدق بها،
    ثانيها: أن يلبس قميصاً أو سراويل، أو خفاً، أو عمامة، أو نحو ذلك من الأشياء المخيطة أو المحيطة ببده، فمن لبس شيئاً من ذلك فعليه فدية، وإنما تجب الفدية بلبس المخيطة والمجيطة ببدنه بشروط
    أحدها: أن يكون عالماً بالتحريم فلو فعله جهلاً فلا فدية عليه،
    ثانيها: أن يفعل ذلك قبل التحلل الأول المتقدم بيانه؛
    ثالثها: أن يكون مميزاً مختاراً،
    رابعها: أن يكون ذكراً، أما المرأة فلا تتجرد من ثيابها، ولا يجب عليها إلا كشف وجهها؛ فإو وضعت عليه ساتراً ملتصقاً به فإن الفدية تجب عليها، نعم لها أن تستر وجهها بشيء غير ملاصق له، كما إذا وضعت فوق رأسها مشطاً كبيراً بارزاً وألصقت به برقعاً وسترت به وجهها من غير أن يمسه، فإنه يصح، ولا يضر تغطية الجزء الذي تضطر لتغطيته تبعاً للرأس.
    هذا. وإذا ستر المرأة يدها بقفاز ونحوه، فإن الفدية تجب عليها، ثالثها: أن يحلق شعره، أو يقلم أظافره؛ ومن يفعل ذلك فإن عليه فدية، ولا فرق في إزالة الشعر بين حلقه، أو تقصيره بالمقص، أو الموسى، أو نتفه أو حرقه، وسواء أزالة بفعله أو بفعل غيره، بثلاثة شروط:
    الشرط الأول: أن يكون باختياره، أما لو أزيل شعره وهو نائم بدون اختياره، أو احتك بشيء وهو غافل فأزال بعض شعره فإنه لا شيء عليه.
    الشرط الثاني: أن يزيل شعره لغير ضرورة. أما لو أزاله لضرورة كأن طال شعر جفنه فآذاه. فأزال ما يؤذيه. فإنه لا فدية عليه، ولا يشترط أن يكون شعر الرأس، بل لو أزال ثلاث شعرات من أي جزء من بدنه بدون ضرورة، وباختياره، فإن الفدية تلزمه؛
    الشروط الثالث:
    أن تكون إزالة الشعر مقصودة، فإذا كشط جلده النابت عليه الشعر فإنه لا فدية عليه، مثلاً إذا كان بجزء من أجزاء بدنه قرحة عليها شعر وأزالها، فإنه لا فدية عليه، وقد عرفت مما تقدم أنه لا بأس بالكحل، ودخول الحمام، والفصد، والحجامة، وترجيل الشعر - تسريحه -؛
    رابعها: مقدمات الجماع: كالقبلة، والملامسة التي تنقض الطهر مع النساء، ومن فعل ذلك قبل التحلل التام المتقدم بيانه فإنه يحرم عليه، وعليه فدية. أما النظر بشهوة، والقبلة بحائل، فلا فدية فيهما، خامسها: الاستمناء باليد. فإنه يحرم وفيه الفدية المذكورة، سادسها: أن يدهن شيئاً من شعر رأسه ولحيته وباقي شعر الوجه بأي دهن. سواء كان زيتاً أو دهن حيوان أو غيرهما، وسواء كان مخلوطاً بذي رائحة عطرية أو لا. وإنما تجب الفدية في ذلك بأربعة شروط:
    الأول: أن يكون العضو المدهون مما ينبت به الشعر. فلا فدية على الأقرع الذي لا ينبت برأسه شعر. ومثله الأصلع الذي سقط شعره. ولم يبق له أثر. فيجوز له دهن محل الصلع. مثله الأمرد الذي لم ينبت شعر لحيته.
    فإنه يجوز له دهن لحيته ووجهه. ومن كان برأسه جرح فإنه يجوز دهنه من الداخل.
    الشرط الثاني: أن يفعل ذلك عمداً. فلا فدية على من دهن وهو ساه.
    الشرط الثالث: أن يكون عالماً بالتحريم. فلا فدية على الجاهل،
    الشرط الرابع: أن يكون مختاراً. فلا فدية على من فعل معه رغم إرادته

    (4) الشافعية قالوا: من اصطاد حيواناً برياً وحشياً: كظبي، أو بقر وحش أو نحوهما. أو دل صائداً عليه. أو كان تحت يده حيوان من هذا النوع. فأتلفه. أو أمرضه. فإنه يلزمه الجزاء الآتي بيانه بشرطين:
    أحدهما: أن لا يؤذيه ذلك الحيوان في ماله أو نفسه كالضبع مثلاً.
    ثانيهما: أن لا يوصل إليه ضرراً كأن ينجس متاعه، أو يأكل طعامه، أو يمنعه من سلوك الطريق:
    كالجراد الكثير المنتشر، فإذا قتله، فلا فدية فيه، ولا ضمان؛ أما ذلك الجزاء فهو إن كان الصيدله مثلاً من النعم: كالحمام، واليمام والقمري، ففي الواحدة شاة من ضأن أو معز، وفي النعامة ذكراً أو أنثى بدنة، أي بعير، وفي البقرة الوحشية أو الحمار الوحشي بقرة أهلية، وفي الظبي تيس، وفي الظبية عنز، وفي الغزال معز صغير، وفي الأرنب عناق، وهي أنثى المعز إذا قويت، ولم تبلغ سنة. وفي كل من اليربوع والوبر معز أنثى بلغت أربعة أشهر. وفي الضبع كبش، وفي الثعلب شاة.
    هذا كله فيما ورد في حكمه نقل صحيح عن الشارع، وإلا حكم عدلان خبيران بمثله في الشبة والصورة تقريباً، ولا بد من مراعاة المماثلة في الصفات، فيلزم في الكبير كبير، وفي الصغير صغير، وفي الصحيح صحيح، وفي المعيب معيب إن اتحد جنس العيب:
    كالعور فيهما؛ أما إن اختلف العيب فلا يكفي؛ وهكذا:
    كالسمن والهزال. والحبل. لكن لا تذبح الحامل؛ بل تقوم؛ ويتصدق بقيمتها طعاماً، أو يوم عن كل مد يوماً. فإن لم يرد فيه نقل ولا حكم بمثله عدلان. وجبت قيمته بحكم عدلين. والفدية الواجبة هي أحد أمور ثلاثة:
    إما أن يذبح مثل الصيد من النعم ويتصدق به على فقراء الحرم؛ وإما أن يشتري بقيمته طعاماً كالطعام الذي يجزئ في صدقة الفطر. ويتصدق به عليهم؛ وإما أن يصوم يوماً عن كل مد من الطعام. وهذا في المثلي، أما غير المثلي: كالجراد. وبقية الطيور ما عدا الحمام ونحوه. فهو مخير بين أمرين؛ إما أن يخرج بقدر قيمة الصيد طعاماً ويتصدق به على من ذكر، وإما أن يصوم يوماً عن كل مد من الطعام. ولا فرق في ذلك بين صيد الحل والحرم متى كان المتعرض محرماً، وأما إن كان حلالاً فإن الحكم يختص بصيد الحرم، وإنما يجب ما ذكر في الصيد إذا كان المتعرض مميزاً، ولو كان ناسياً أو جاهلاً أو مخطئاً أو مكرهاً. ومن المحظور غير المفسد التعرض لحشيش الحرم وأشجاره على التفصيل المتقدم فإن قطع شجرة كبيرة لزمه بقرة. وإن قطع صغيرة لزمه شاة؛ أما الصغيرة جداً ففيها القيمة. وهو مخير بين ذبح ما ذكر والتصدق بلحمه. وبين شراء طعام بقيمتها والتصدق به. أو يصوم لكل مد يوماً. أما الحشيش ففيه القيمة إن لم ينبت بدله فإن نبت بدله فلا ضمان ولا فدية.
    هذا. ويجب ذبح شاة مجزئة في الأضحية حال القدرة. ثم صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رَجع لأهله إن عجز عن الذبح على كل من ترك شيئاً مما يأتي:
    1 - على المتمتع وسيأتي بيانه لأنه ترك تقديم الحج على العمرة.
    2 - على القارن وسيأتي بيانه. لأنه ترك الإفراد بالحج.
    3 - على من ترك رمي ثلاث حصيات، فأكثر من حصى الجمارَ.
    4 - على من ترك المبيت بمنى ليالي التشريق لغير عذر.
    5 - على من ترك المبيت بمزدلفة لغير عذر.
    6 - على من ترك الإحرام من الميقات لغير عذر.
    7 - على من ترك طواف الوداع لغير عذر.
    8 - على من ترك الفعل الذي نذره في الحج؛ كالمشي، أو الركوب، أو الحلق، أو الإفراد.
    9 - على من فاته الوقوف بعرفة من غير حصر بأن يطلع فجر يوم النحر قبل حضوره في جزء من أرضها، ويجب له الدم على المحرم بالحج أو القارن، ويجب على من فاته الوقوف أن يتحلل بعمرة بأن يأتي بالأعمال الباقية من أعمال الحج غير الوقوف، ويسقط عنه المبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار. يطوف ويسعى إن لم يكن سعى، ويحلق بنية التحلل، ويجب عليه القضاء فوراً من قابل، ولو فاته لعذر ولو كان الحج نفلاً، سواء كان مستطيعاً أو لا، ولا يصح ذبحه في سنة الفوات، فالذبح يكون في القضاء، أما المحصر فسيأتي حكمه.
    الحنفية قالوا: من اصطاد حيواناً برياً فإنه يجب عليه قيمته بالقيود المتقدمة في صيد الحرم، ومثله من قطع حشيش الحرم السابق أيضاً، فإذا اصطاد المحرم ما لا يجوز له اصطياده قوم عليه ما صاده في مكانه أو في مكان قريب منه بمعرفة عدلين، فإن بلغت قيمته ثمن هدي خير بين أمور ثلاثة:
    أحدها: أن يشتري بهذه القيمة هدياً يذبحه في الحرم،
    ثانيها: أن يشتري به طعاماً يتصدق به على الفقراء في أي مكان لكل واحد نصف صاع،
    ثالثها: أن يصوم بدل كل نصف صاع يوماً، ولا يلزم في هذا الصوم التتابع، وإن لم تبلغ قيمته ثمن هدي خير بين الأمرين الأخيرين فقط، وهما: الطعام: والصيام، ولا فرق في هذا الباببين العمد والخطأ، ولا يلزمه أن يأتي بمثل ما صاد، بل تكفي قيمته وأما العمد والمثلية الواردان في الآية الكريمة، فإن العمد ذكر فيها لأنه الغالب، والمثلية المراد بها أن يكون مثلاً في المعنى، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمداً، فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم} الآية.
    هذا إذا كان الصيد غير مملوك لأحد: فإن كان مملوكاً للغير فعليه مثلان: أحدهما: الجزاء المتقدم، والثاني: لمالكه، والصيد في الحرم مطلقاً، ولو كان الصائد غير محرم، وإن صاد وذبحه لا يؤكل، ويكون كالميتة: بل يقدم أكل الميتة على هذا الصيد عند الاضطرار، وإذا أتلف عضواً أو نتف ريشاً أو نحو ذلك يلزم بالفرق، ولا شيء في قتل الهوام:
    كقرد، وسلحفاة، وزنبور، وفراش، وذباب، ونمل، وقنفذ، وكذلك الحية، والعقرب، والفأرة، والغراب، والكلب العقور. وإذا قطع حشيش الحرم لزمته قيمة ما قطع منه، كما تقدم.
    هذا. وقال الحنفية؛ تجب صدقة قدرها نصف صاع من بر أو قيمته لأمور: أن يطيب أقل من يوم كامل، أو ثوباً مطيباً أقل من يوم، أو يستر رأسه كذلك أو يحلق أقل من ربع الرأس أو اللحية، أو يحلق ساقه أو عضده، أو يقص ظفر أو ظفرين، أن يطوف طواف القدوم، أو الصدر محدثاً حدثاً أصغر، أن يترك شوطاً أو أقل من أشواط طواف الصدر؛ أن يحلق رأس غيره، سواء كان غيره محرماً أو لا، وأما ما يوجب صدقة أقل من نصف صاع فهو أن يقتل جرادة، فالواحدة من ذلك يتصدق لها بما شاء، والإثنتان والثلاث يتصدق لها بكف من طعام، فإن زاد على ذلك فعليه نصف صاع.
    المالكية قالوا: إذا اصطاد حيواناً في الحرم وجب عليه الجزاء الآتي بيانه. وكذا إذا تسبب في موته. كما إذا رآه الصيد ففزع منه فوقع فمات أو ركز رمحاً فعطب فيه الصيد فمات، وهذا هو المعتمد في المذهب؛ وبعضهم يقول:
    لا يجب الجزاء في مثل ذلك، لأن الحاج لا يقصد صيده؛ وإذا دل محرم على الصيد فلا جزاء على الدال، ولا يجوز أكل صيد المحرم على كل حال فهو كالميتة. وبيضه مثل لحمه في ذلك، ويجب الجزاء في قتل الصيد المذكور، وتعريضه للتلف، كأن ينتف ريشه، ولم تتحقق سلامته، أو يجرحه كذلك، أو يطرده من الحرم فصاده صائد في الحل. أو هلك فيه قبل أن يعود للحرم، والجزاء الواجب في الصيد ثلاثة أنواع على التخيير:
    -1 - مثل الصيد من النعم، أي ما يقاربه في الصورة والقدر، فإن لم يوجد له مقارب في الصورة كفى إخراج مقارب له في القدر، ولا يجزئ من النعم في الجزاء إلا ما يصحفي الضحية، وهو ما أو في سنة إن كان من الغنم، وثلاث سنين إن كان من البقر، وخمساً إن كان من الإبل، كما ذكر من الهدي.
    2 - قيمته طعاماً، وتعتبر القيمة يوم تلفه، وبنفس المحل الذي حصل فيه التلف، فإن لم يكن له قيمة بمحل التلف اعتبرت قيمته بأقرب الأماكن إليه، وتعطي هذه القيمة لمساكين المحل الذي وجد فيه التلف، كل يأخذ مداً بمد النبي عليه الصلاة والسلام؛
    3 - صيام أيام بعدد الأمداد التي يقوم بها الصيد من الطعام، ويصوم يوماً كاملاً عن بعض المد، لأن الصوم لا يتجزأ، ولا يكون الجزاء إلا بعد حكم عدلين فقيهين بأحكامه، لأن تقدير المثل أو القيمة يحتاج إلى ذلك، والصوم لا يكون إلا بعدد الأمداد، فلا بد من التقويم أيضاً حتى يصوم، ويستثنى من المثل حمام مكة والحرم ويمامهما، ففي ذلك شاة من الضأن أو المعز، ولا يحتاج إلى حكم، فإن عجز عن الشاة صام عشرة أيام، ثم إن جزاء كل حيوان بحسبة، فإذا أراد أن يخرج المثل فعليه في صيد النعامة مثلها، والمثل هنا معناه الناقة أو الجمل، لأنهما يقاربان النعامة في القدر والصورة في الجملة، وعليه في صيد الفيل بدنة ذات سنامين. وعليه في حمار الوحش وبقر الوحش بقرة، وعليه في الضبع والثعلب شاة. والجزاء المذكور يكون بحكم عدلين فقيهين بأحكام الصيد. فيحكمان بالمثل. أو القيمة أو صيام الأيام المذكورة.
    وفي صيد الضب والأرنب واليربوع وجميع طير الحل والحرم سوى حمام الحرم ويمامه المذكورين القيمة حين الضب والأرنب واليربوع وجميع طير الحل والحرم سوى حمام الحرم ويمامه المذكورين القيمة حين إتلافه، أو صيام عشرة أيام، فهو مخير بين إخراج القيمة طعاماً، وبين الصيام على الوجه المتقدم.
    الحنابلة قالوا: من أتلف صيداً في الحرم بفعله المباشر، أو كان سبباً في إتلافه، فلا يخلو إما أن يكون ذلك الصيد مملوكاً للغير أو لا، فإن كان مملوكاً فإنه يجب على الصائد أمران:
    جزاء الصيد؛ ويفرق على مساكين الحرم، والضمان لمالكه بحيث يقوّم الصيد إن لم يكن له مثل، أو يشتري مثله ويعطي لمالكه، أما إذا لم يكن مملوكاً فعلى صائده الجزاء فقط، وينقسم الصيد إلى قسمين:
    الأول: ما له مثل من النَّعم في الخلقة:
    كالحمار الوحشي، وتيس الجبل ونحوهما، وحكم هذا ينقسم إلى قسمين أيضاً،
    أحدهما: ما ورد عن الصحابة فيه نص،
    ثانيهما: ما لم يرد؛ فالأول أشياء،
    أحدها: النعامة، فإذا اصطاد نعامة في الحرم لزمه نحر بدنة - ناقة أو جمل - وبذلك حكم عمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم،
    الثاني: حمار الوحش، وتيس الجبل، ويقال له: الوعل، فمن اصطاده لزمته بقرة يذبحها ويتصدق بها على مساكين الحرم،
    الثالث: الضبع، وجزاء صيده ذبح كبش،
    الرابع: الظبي - يعني الغزال - وجزاء صيده عنزة تذبح وتفرق على مساكين الحرم كذلك، أما صيد الثعلب فلا جزاء فيه،
    الخامس: الضب، وجزاء صيده جدي بلغ من العمر ستة أشهر،
    السادس: الأرنب فمن اصطاد أرنباً كان جزاؤه أن يذبح عناقاً؛ وهي أنثى المعز التي لها أقل من أربعة أشهر،
    السابع: الوبر - بسكون الباء - وهو دابة سوداء دون القط، وجزاء صيده جدي له ستة أشهر؛
    الثامن: الحمام فمن اصطاد حمامة أو ما كان على شاكلتها من كل طير يهدر ويشرب بوضع منقاره في الماء
    فيكرع كما تكرع الشاة، ويقال لهذا الشرب - عبّ - فيشمل الدجاج والعصافير والقماري ونحوها، فجزاء من اصطاد شيئاً منها في الحرم شاة تذبح وتفرق على المساكين.
    وهذا أحد الأمرين الذي ورد فيهما حكم عن الصحابة؛
    ثانيهما: ما لم يرد فيه شيء، فمن اصطاد شيئاً في الحرم من غير الأشياء المذكورة، فإنه يقوّم بمعرفة حكمين عدلين؛ ويجوز أن يكون القاتل أحد العدلين أو هما معاً إذا لم يكونا عالمين بالتحريم، أو وقع منهما ذلك خطأ لا عمداً؛ أو قتله لحاجة أكله، كما إذا لم يجد طعاماً غيره، وينبغي أن يراعى في الضمان المثل صغراً وكبراً، وصحة وسقماً، وسلامة وعيباً، ونحو ذلك.
    هذا هو حكم القسم الأول، وهو ما له مثل من النَّعم،
    وأما حكم القسم الثاني، وهو ما ليس له مثل من النعم، فتجب في صيده القيمة، وهو سائر الطيور سوى ما تقدم، كطير الماء، والأوز وغيرهما، وإن نتف ريش الصيد أو شعره أو وبره، فلا شيء عليه، بشرط أن يعود ما أتلفه، لأنه النقص قد زال، كما لو جرحه، واندمل جرحه، أما إذا صار عاجزاً بذلك الفعل فعليه قيمة ما نقص من ثمنه بهذا الفعل



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #77
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الحج والعمرة]
    صـــــ 615 الى صــــــــ
    626
    الحلقة (77)
    [حكمها ودليله]
    العمرة فرض عين في العمر مرة واحدة - كالحج - على التفصيل السابق من كونه على الفور أو التراخي، وخالف المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، ودليل فرضيتها
    قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} ، والمعنى ائتوا بهما تامين مستجمعين للشرائط والأركان،
    ويدل على الفرضية أيضاً حديث عائشة قالت:
    يا رسول الله: هل على النساء من جهاد؟
    قال:
    "نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمر"، رواه الإمام أحمد وابن ماجة،
    ورواته ثقاة:
    وروي عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، ولا الظعن،
    قال: "حج عن أبيك واعتمر" رواه الخمسة: البخاري؛ ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وصححه الترمذي، وما زاد على المرة الواحدة فهو تطوع.
    [شروطها]
    يشترط للعمرة ما يشترط للحج.
    وقد تقدمت الشروط مفصلة:
    [أركان العمرة]
    لها ثلاثة أركان: الإحرام، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة عند المالكية، والحنابلة وزاد الشافعية ركنين آخرين، واقتصر الحنفية على ركن واحد؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
    [ميقاتها]
    لها ميقات زماني، وميقات مكاني، فأما الزماني فهو كل السنة، فيصح إنشاء الإحرام للعمرة من غير كراهة في كل أوقات السنة، إلا في أحوال مفصلة في المذاهب، مذكورة تحت الخط (3) .
    أما ميقاتها المكاني فهو كميقات الحج على ما سبق بيانه، إلا بالنسبة لمن كان بمكة، سواء كان من أهلها أو غريباً، فإن ميقاته في العمرة الحل وهو ما عدا الحرم الذي يحرم التعرض فيه للصيد وأفضل الحل الجعرانة، عند المالكية؛ والشافعية، وقال الحنفية؛ والحنابلة. أفضل الحل التنعيم، ثم الجعرانة، والجعرانة؛ مكان بين مكة والطائف. ثم التنعيم يليه في الفضل، وهو مكان يسمى الآن بمساجد عائشة، فيلزمه أن يخرج إلى طرف الحل، ثم يحرم بخلاف الحج،
    فإن ميقاته للمكي الحرم: على التفصيل السابق؛ فإذا أحرم المكي بالعمرة في الحرم، فإن لم يخرج إلى الحل صح إحرامه، وعليه دم لتركه الإحرام من الميقات، وخالف في ذلك المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ؛
    وإن خرج قبل أن يطوف ويسعى:
    وأحرم من الميقات فلا شيء عليه، ويندب الإكثار من العمرة، وتتأكد في شهر رمضان، باتفاق ثلاثة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ، لما روي عن ابن عباس "عمرة في رمضان تعدل حجة".
    [واجباتها، وسننها، ومفسداتها]
    يجب للعمرة ما يجب للحج، وكذلك يسن لها ما يسن له؛ وبالجملة فهي كالحج في الإحرام، والفرائض والواجبات، والسنن، والمحرمات، والمكروهات، والمفسدات، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، والإحصار، وغير ذلك،
    ولكنها تخالفه في أمور:
    منها أنها ليس لها وقت معين، ولا تفوت، وليس فيها وقوف بعرفة، ولا نزول بمزدلفة، وليس فيها رمي جمار، ولا جمع بين صلاتين بسبب الحج،
    عند ثلاثة من الأئمة القائلين بأنه يجمع بين الصلاتين بسبب الحج فقط: وقال الشافعية: إن الحج والعمرة ليسا بسببين للجمع بين الصلاتين، وإنما سببه السفر فقط. كما تقدم في مبحثه وليس فيها طواف قدوم، ولا خطبة، وميقاتها الحل لجميع الناس، بخلاف الحج. فإن ميقاته للمكي الحرم، كما تقدم في "مباحث الإحرام" وتخالف العمرة الحج أيضاً في أنها سنة مؤكدة لا فرض، عند المالكية، والحنفية؛ فهذه هي الأمور التي تخالف فيها العمرة الحج، وزاد الحنفية أيضاً أمرين آخرين، فانظرهما تحت الخط (7) .
    [مبحث القرآن، والتمتع، والإفراد، وما يتعلق بها]
    من أراد الحج والعمرةجاز له في الإحرام بهما ثلاث كيفيات:

    الأولى: الإفراد، وهو أن يحرم بالحج وحده، فإذا فرغ من أعماله أحرم بالعمرة وطاف وسعى لها على ما تقدم في "مبحث العمرة"؛
    الثانية:
    القرآن، وهو الجمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد، حقيقة، أو حكماً؛
    الثالثة:
    التمتع، وهو أن يعتمر أولاً، ثم يحج من عامه، وفي كل ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (8) .


    (1) المالكية، والحنفية قالوا: العمرة سنة مؤكدة في العمر مرة لا فرض، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحج مكتوب، والعمرة تطوع" رواه ابن ماجة. وأما قوله تعالى: {وأتمو الحج والعمرة لله} فهو أمر بالاتمام بعد الشروع، والعبادة متى شرع فيها يجب إتمامها ولو كانت نفلاً، فلا يدل على الفرضية، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" لا يدل على فرضية العمرة، لأنه يحتمل أن يراد بلفظة "عليهن" ما يشمل الوجوب والتطوع، فالوجوب بالنسبة للحج، والتطوع بالنسبة للعمرة، بدليل الحديث الأول "والعمرة تطوع":
    وأما فرضية الحج فقد ثبتت بقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} وبغيره من الأدلة السابقة في أول "مباحث الحج"

    (2) الشافعية قالوا: أركان العمرة خمسة:
    الإحرام، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة. وإزالة الشعر؛ والترتيب بين هذه الأركان.
    الحنفية قالوا: للعمرة ركن واحد، وهو معظم الطواف - أربعة أشواط - أما الإحرام فهو شرط لها، وأما السعي بين الصفا والمروة فهو واجب، كما تقدم في الحج، ومثل السعي الحلق أو التقصير، فهو واجب فقط لا ركن
    (3) الحنفية قالوا: يكره الإحرام بالعمرة تحريماً في يوم عرفة قبل الزوال وبعده على الراجح،وكذلك يكره الإحرام بها في يوم عيد النحر وثلاثة أيام بعده، كما يكره فعلها في أشهر الحج لأهل مكة، سواء كانوا مستوطنين بها أو مقيمين إذا أرادوا الحج في تلك السنة، فإن أحرم بها في وقت من هذه الأوقات لزمته بالشروع فيها، لكن مع كراهة التحريم، ويجب عليه رفضها تخلصاً من الإثم، ثم يقضيها، وعليه دم للرفض، فإن لم يرفضها صحت مع الإثم، وعليه دم، وكذلك يكره تحرمياً الجمع بين إحرامين لعمرتين، فمن أحرم بعمرة فطاف لها شوطاً واحداً، أو طاف كل الأشواط، أو لم يطف أصلاص، ثم أحرم بأخرى ارتفضت الثانية، ولو لم ينو رفضها، ولزمه قضاؤها، وعليه دم للرفض وعليه دم للجميع بين إحرامين، وإن حلق للأولى قبل الفراغ من الثانية لزمه دم آخر، أما بعد الفراغ من الثانية فلا يلزمه دم آخر، ومن أحر بحج ثم أحرم بعمرة قبل أن يطوف طواف القدوم لزماه، وصار قارناً، وأساء، لأن العمرة على إحرام الحج، ولا يندب له رفض العمرة وعليه دم شكر، وتبطل عمرته هذه بالوقوف بعرفة للحج قبل أفعالها، أما إذا أحرم بالعمرة بعد أن طاف طواف القدوم للحج، فيندب له رفض العمرة، وعليه دم للرفض، ووجب عليه قضاؤها، فإن لم يرفضها ومضى عليهما - الحج والعمرة - فعليه دمجبر، وخالف المندوب.
    المالكية قالوا: يصح الإحرام بالعمرة في كل وقت من السنة، إلا إذا كان محرماً بحج أو بعمرة أخرى؛ فلايصح الإحرام بها حتى يفرغ من أعمال الحج أو العمرة الأولى، والفراغ من أعمال الحج يكون بالوقوف والطواف والسعي ورمي الجمار في اليوم الرابع من أيام النحر، أو مضي زمن الرمي بعد زوال شمس ذلك اليوم إذا لم يرم فيه، ويندب تأخير الإحرام بها حتى تغرب شمس اليوم الرابع، فإن أحرم بها بعد زمن الرمي من ذلك اليوم؛ وقبل غروب الشمس صح الإحرام بها مع الكراهة، إلا أنه لا يشرع في شيء من أعمال هذه العمرة حتى تغرب الشمس فإن فعل شيئاً من أفعالها. كأن طاف أو سعى قبل الغروب، فلا يعتد به. ويلزمه إعادته بعد الغروب، ولا يكره الإحرام بالعمرة في يوم عرفة، ولا في أيام التشريق، ولا غيرها، وإذا أحرم بحجتين أو عمرتين، فالثاني منهما لغو لا أثر له؛ فلا ينعقد، وإذا أحرم بحج ثم أردفه بعمرة. فإن العمرة تكون لغواً.
    الحنابلة قالوا: تصح العمرة في كل أوقات السنة. ولا تكره في أيام التشريق ولا غيرها إلا أنه إذا أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها في هذه الحالة فيلغو الإحرام بها: ولا يكون قارناً؛ ولا يلزمه بالإحرام الثاني شيء، وإن أحرم بعمرتين انعقد بإحداهما، ولغت الأخرى، ومثل ذلك ما إذا أحرم بحجتين.
    الشافعية قالوا: تصح العمرة في جميع الأوقات من غير كراهة. إلا لمن كان محرماً بالحج فلا يصح إحرامه بالعمرة؛ فإن أحرم بها، فلا ينعقد إحرامه، كما أنه إذا أحرم بحجتين أو عمرتين فإنه ينعقد بأحدهما. ويلغو الآخر
    (4) المالكية قالوا: إذا أحرم بالعمرة من الحرم فلا دم عليه. ولكن يجب عليه أن يخرج إلى الحل قبل طوافها وسعيها. لأن كل إحرام لا بد أن يجمع فيه بين الحل والحرم، فإن طاف للعمرة وسعى، ثم خرج للحل، فلا يعتد بذلك، وعليه إعادة الطواف والسعي حتماً بعد خروجه للحل
    (5) المالكية قالوا: يكره تكرار العمرة في السنة مرتين إلا لمن كان داخلاً مكة قبل أشهر الحج، وكان ممن يحرم عليه مجاوزة الميقات حلالاً كما تقدم، فإنه لا يكره له تكرارها، بل يحرم بعمرة حين دخوله ولو كان قد تقدمت له عمرة في هذا العام. فإذا أراد دخول مكة في أشهر الحج دخل بحج لا بعمرة. لأنه لا يكره الإحرام بالحج في هذه الحالة، بخلاف الإحرام به قبل زمانه، فإنه مكروه. وأما فعل العمرة مرة ثانية في عام آخر فهو مندوب: وينبغي أن يقصد بها إقامة الموسم لتقع سنة كفاية عن عموم الناس، لأنها سنة كفاية كل عام بالنسبة لعموم الناس: وابتداء للسنة بالنسبة لعمرة المحرم، ولا فرق عندهم بين رمضان وغيره، فلا تتأكد فيه
    (6) المالكية قالوا: يفسد العمرة ما يفسد الحج من الجماع ونحوه، إلا أن ذلك لا يفسدها إلا إذا وقع قبل تمامها بالسعي بين الصفا والمروة، ومتى فسدت وجب عليه إتمامها وقضاؤها فوراً، ونحر هدي للفساد، وتأخير نحره إلى زمن القضاء. كما تقدم في "الحج". أما إذا وقع الجماع ونحوه بعد السعي وقبل الحلق. فلا تفسد العمرة. ويجب عليه دم كما يجب عليه دم - هدي - بإخراج المذي ونحوه. مما تقدم في "الحج"
    (7) الحنفية قالوا: يزاد على ذلك أنه لا تجب بدنة بإفسادها، ولا بطوافها جنباً، بخلاف الحج، وإنما تجب بذلك شاة في العمرة، ويزاد أيضاً أنه ليس لها طواف وداع، كما في الحج
    (8) الشافعية قالوا: الحج، والعمرة يؤديان على ثلاثة أوجه:
    الأول: الإفراد، وهو أن يحرم الشخص بالحج في أشهره من ميقات بلده، وبعد الفراغ من أعمال الحج كلها يحرم بالعمرة،
    الثاني: التمتع، وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج من الميقات الذي مر عليه في طريقه، وإن كان غير ميقات بلده، ثم يأتي بأعمالها، وبعد الفراغ منها يحرم بالحج من مكة أو من الميقات الذي أحرم منه للعمرة، أو من مثل مسافته، أو من ميقات أقرب منه: فإذا أحرم بالعمرة بعد الميقات الذي مر عليه، ثم أحرم بالحج بعد الفراغ منها كان متمتعاً أيضاً، وعليه الإثم ودم لمجاوزته الميقات بدون إحرام مع إرادته:
    وسمي هذا متمتعاً لأنه تمتع بمحظورات الإحرام بين النسكين:
    الثالث: القرآن. وهو أن يحرم بالحج والعمرة معاً من ميقات الحج. سواء كان ميقات بلده أو الميقات الذي مر عليه في طريقه: فإن كان بمكة وأحرم منها بالحج والعمرة كان قارناً. ولا يلزمه الخروج إلى الحل لأجل العمرة. لأنها مندرجة في الحج. تابعة له: ومن القرآن أيضاً أن يحرم بالعمرة أو لا. سواء كان ذلك في أشهر الحج. أو قبل أشهره. ثم يدخل الحج عليها في أشهره قبل أن يشرع في طواف العمرة:
    وصفة إدخال الحج على العمرة أن ينوي الحج قبل الشروع في طوافها: كما تقدم، وأما إدخال العمرة على الحج فلا يصح، ويكون لغواً: والأفضل من هذه الأوجه الثلاثة الإفراد، ويليه التمتع، ثم القران:
    وإنما يكون الإفراد أفضل إن اعتمر من عامه. فإن تأخرت العمرة عن عام الحج كان الإفراد مفضولاً، لأن تأخير العمرة عن عام الحج مكروه.
    والقارن يلزمه عمل واحد فقط، وهو عمل الحج، فيكفيه طواف واحد، وسعي واحد للحج والعمرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد، وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما جميعاً" صححه الترمذي؛ ويجب على كل من المتمتع والقارن هدي، أما وجوب الهدي على المتمتع، فلقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} ؛ وأما وجوبه على القارن، فلما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر يوم النحر، وكن قارنات؛ وإنما يجب الهدي على القارن والمتمتع بشروط:
    الأول: أن لا يكون كل منهما من حاضري المسجد الحرام؛ والمراد بحاضري المسجد الحرام، من له مسكين بين مساكنهم، والحرام أقل من مرحلتين فإن كان من أهل هذه الجهة فلا يجب عليهما الهدي؛
    الثاني: أن تقع عمرة المتمتع في أشهر الحج، فإذا أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج، سواء أتمها قبل دخول شهور الحج أو أتمها فيها فلا يجب عليه الهدي، لأنه لم يجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، فأشبه المفرد؛
    الثالث، أن يحج من عامه، فإذا اعتمر في أشهر الحج ثم حج في عام آخر، أو لم يحج أصلاً، فلا دم عليه؛
    الرابع: أن لا يعود المتمتع بعد فراغه من العمرة إلى الميقات الذي أحرم منه أولاً، أو إلى ميقات آخر ليحرم منه بالحج، وأن لا يعود القارن إلى الميقات بعد دخول مكة، وقبل تلبسه بنسك: كالوقوف بعرفة، وطواف القدوم، فإن عاد المتمتع إلى الميقات بعد دخول مكة، وقبل تلبسه بنسك: كالوقوف بعرفة، وطواف القدوم، فإن عاد المتمتع إلى الميقات ليحرم منه بالحج، فلا دم عليه، وكذلك إذا عاد القارن إلى أي ميقات بعد أن أحرم بهما معاً، أو بعد أن أدخل الحج على العمرة، على ما تقدم في "تعريف القران" فلا
    دم عليه، ووقت وجوب الدم على المتمتع هو وقت الإحرام بالحج، ويجوز على الأصح تقديمه على هذا الوقت، فيذبحه إذا فرغ من عمرته، والأفضل ذبحه يوم النحر، ولا آخر لوقته، كسائر دماء الجبر، ومن عجز عن الهدي في الحرم: إما لعدم وجوده أصلاص، أو لعجزه عن ثمنه، أو وجده يباع بأكثر من ثمن المثل، أو كان محتاجاً إلى ثمنه، ففي كل هذه الأحوال يجب عليه أن يصوم بدل الهدي عشرة من أيام:
    ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه، والأيام الثلاثة إنما يصومها بعد الإحرام بالحج، فلو صامها المتمتع قبل الإحرام بالحج، فلا يجزئه ذلك، ويسن أن يصومها قبل يوم عرفة، لأنه يسن قطر ذلك اليوم، فإن أخرها عن أيام التشريق أثم، وكان صومها قضاء، ولا دم عليه بالتأخير، وأما الأيام السبعة فيصومها إذا رجع لوطنه؛ أو أي بلد يريد توطنها، فلو توطن مكة صام فيها الأيام السبعة، وإنما يجزئ صومها في وطنه إذا عاد إليه بعد الفراغ من الأعمال، فلو رجع لوطنه قبل الطواف أو السعي، فلا يجزئ صومها، نعم لو بقي عليه من أعمال الحج الحلق جاز أن يصومها في وطنه بعد أن يحلق.
    المالكية قالوا: من أراد أن يحج ويعتمر فله في الإحرام بهما ثلاث حالات:
    الأولى: الإرادة، وهو أن يحرم بالحج وحده، فإذا أتم أعماله اعتمر،
    الثاني: التمتع، وهو أن يحرم بالعمرة أولاً، بحيث يفعل بعض أعمالها، ولو ركناً واحداً في أشهر الحج، ثم يحج عن عامه، وتدخل أشهر الحج بغروب شمس آخر يوم من رمضان، فإذا أحرم بالعمرة آخر يوم من رمضان ثم انتهى من أعمالها ليلة العيد: فهو متمتع إن حج من عامه، وأما إذا انتهى من أعمال العمرة قبل غروب الشمس، ثم حج من عامه، فليس متمتعاً، لأنه لم يفعل شيئاً من أركان العمرة في أشهر الحج،
    الثالثة: القران، وله صورتان.
    الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة معاً،
    الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل أن يركع ركعتي طواف العمرة، سواء كان ذلك الإدخال قبل الشروع في طواف العمرة، أو بعد الشروع فيه، قبل تمامه، أو بعد تمامه، وقبل صلاة ركعتيه، ففي كل هذه الحالات يكون قارناً، إلا أنه يكره إدخال الحج على العمرة بعد طوافها، وقبل صلاة الركعتين، فإذا أدخل الحج على العمرة بعد الشروع في طوافها أتمه على أنه نفل، واندرج الطواف المطلوب للعمرة في طواف الحج، لأن القارن يكفيه طواف واحد، وسعي واحد، كما يأتي، وكذلك إذا أدخل الحج على العمرة بعد طوافها، وقبل الركعتين فإن طوافها ينقلب تطوعاً أما إذا أدخل الحج على العمرة بعد طوافها وصلاة ركعتيه. فإن إحرامه بالحج يكون لغواً. ولا ينعقد، كما يلغو الإحرام بالحج إذا كانت العمرة التي أدخل عليها الحج على العمرة إنما يصح بشرطين: الأول: أن يكون الإرداف - إدخال الحج على العمرة - قبل صلاة ركعتي الطواف للعمرة. الثاني: أن تصح العمرة التي أدخل الحج عليها. فإذا انتفى شرط من هذين فلا يصح الإرداف. ولا ينعقد الإحرام بالحج.
    وأما إدخال العمرة على الحج بأن يحرم بالحج أولاً، ثم يدخل العمرة عليه. فلا يصح، ويكون لغواً غير منعقد لأن الضعيف لا يرتدف على القوي، وأفضل أوجه الإحرام الإفراد، ثم القران. ثم التمتع والقارن يلزمه عمل واحد للحج والعمرة. وهو عمل الحج مفرداً فيكفيه طواف واحد. وسعي واحد وحلق واحد للحج والعمرة. غاية الأمر أنه يلزمه هدي للقران. كما أن المتمتع أيضاً يلزمه هدي. قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج. فما استيسر من الهدي} وقد وردت السنة بما يفيد وجوب الهدي على القارن. ويشترط لوجوب الهدي على كل من القارن والمتمتع أمران:
    الأول: أن لا يكون متوطناً مكة، أو ما في حكمها وقت القران والتمتع، أي وقت الإحرام بالحج والعمرة معاً في إحدى صورتي القران، ووقت الإحرام، بالعمرة في الصورة الأخرى.
    وفي التمتع، وما في حكم مكة هو ما لا يقصر المسافر منها حتى يجاوزه، فإن كان متوطناً بمكة أو ما في حكمها وقت فعلهما، فلا هدي عليه، لأنه لم يتمتع بإسقاط أحد السفرين عنه، ودم القران والتمتع إنما وجب لذلك، قال تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهل حاضري المسجد الحرام} ، فسر المالكية حاضري المسجد الحرام بأهل مكة، وما في حكمها،
    الثاني: أن يحج من عامه، فلو منعه من الحج في هذا العام كأن صد عنه بعدو أو غيره بعد أن قرن أو تمتع، ثم تحلل من إحرامه لأجل المانع، فلا دم عليه، ويشترط لوجوب الهدي على المتمتع شرط ثالث؛ وهو أن لا يرجع لبلده أو مثله في البعد بعد الفراغ من أعمال العمرة، وقبل الإحرام بالحج، ثم إن هدي التمتع إنما يجب بإحرام الحج، لأن التمتع لا يتحقق إلا به، وهذا الوجوب موسع، ويتضيق برمي جمرة العقبة يوم النحر، فلو مات المتمتع بعد رمي الجمرة المذكورة تعين على ورثته أن يهدوا عنه من رأس ماله، أما إذا مات قبل ذلك، فلا يلزم الورثة الإهداء عنه، لا من رأس ماله. ولا من ثلثه؛ وأجزأ نحر هدي التمتع بعد الإحرام بالعمرة، وقبل الإحرام بالحج؛ ومن عجز عن الهدي وجب عليه أن يوم بدله عشرة أيام. ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع منه، قال تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج؛ وسبعة إذا رجعتم} والعجز عن الهدي إما لعدم وجوده، أو لعدم وجود ثمنه، وعدم وجود من يقرضه إياه، أو لاحتياجه لثمنه في نفقاته الخصوصية، أما صوم الأيام الثلاثة فيبتدئ وقته من حين الإحرام بالحج، ويمتد إلى يوم النحر، فإن لم يصمها قبل يوم النحر صام وجوباً الأيام الثلاثة التالية له - ليوم النحر - وهي أيام التشريق، ويكره تأخير صومها إلى أيام التشري من غير عذر، فإن أخر صومها عن أيام التشريق، صامها في أي وقت شاء، سواء وصلها بالسبعة الباقية، أو لا.
    وأما السبعة الباقية فيصومها إذا فرغ من أعمال الحج، بأن ينتهي من رمي الجمار سواء رجع إلى أهله أو لا، فالمراد بالرجوع في الآية الكريمة المتقدمة {وسبعة إذا رجعتم} الفراغ من أعمال الحج. ويندب تأخير صومها حتى يرجع إلى أهله بالفعل. أما إذا صامها قبل الفراغ من أعمال الحج فلا يجزئ صومها. سواء كان ذلك قبل الوقوف بعرفة أو بعده. وكل من لزمه الهدي لنقص في حج أو عمرة. كأن ترك واجباً من واجبات الإحرام بأن جاوز الميقات بدون إحرام. أو أمذى أو فعل غير ذلك مما يوجب الهدي. كما تقدم في "مبحث الجنايات" ثم عجز عنه. وجب عليه أو يوم بدله عشرة أيام على التفصيل السابق، وإنما يصوم الأيام الثلاثة قبل أيام التشريق. أو فيها إذا تقدم سبب الهدي على الوقوف بعرفة. أما إذا حصل سببه يوم عرفة أو بعده. فلا يصوم الأيام الثلاثة إلا بعد أيام التشريق. وإذا قدر على الهدي بعد الشروع في صوم الأيام الثلاثة. وقبل تمامها. ندب له الإهداء. وأتم صوم اليوم الذي هو فيه تطوعاً. أما إذا قدر عليه بعد تمام الأيام الثلاثة فلا يندب له الرجوع للهدي. لكن لو رجع إليه أجزأه ولا يصوم. لأن الهدي الأصل.
    الحنابلة قالوا: من أراد الإحرام فهو مخير بين ثلاثة أمور:
    التمتع، والإفراد والقران، وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران. أما التمتع فهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها بالتحليل. فإن لم يحرم بها في أشهر الحج لم يكن متمتعاً. ويشترط أن يحج في عامه لقوله تعالى: {فمن تمتع} الآية. فإن ظاهره يقتضي الموالاة بينهما. وأما الإفراد. فهو أن يحرم بالحج مفرداً. فإذا فرغ من الحج اعتمر العمرة الواجبة عليه إن كانت باقية في ذمته. وأما القران. فهو أن يحرم بالحج والعمرة معاً. أو يحرم بالعمرة. ثم يدخل عليها الحج قبل الشروع في طوافها. إلا إذا كان معه هدي. فإنه يصح له أن يدخل الحج على العمرة. ولو بعد السعي.
    ويكون بذلك قارناً؛ ويصح إدخال الحج على العمرة، وإن كان محرماً به في غير أشهر الحج، أما إذا أحرم بالحج؛ ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها، ولم يصر قارناً ولا يعمل القارن شيئاً زائداً من أعمال الحج عن الفرد، فيطوف طوفاً واحداً، ويسعى سعياً واحداً، وهكذا، ويجب على المتمتع هدي لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} الآية، وهو هدي عبادة، لا هدي جبر، وإنما يجب الهدي بسبعة شروط:
    أولاً: أن لا يكون المتمتع من أهل مكة أو مستوطناً بها، وأهل الحرم، وأن لا يكون بينه وبين نفس الحرم أقل مسافة القصر، فإن كان كذلك فلا يجب عليه الهدي،
    ثانياً: أن يعتمر في أشهر الحج،
    ثالثاً: أن يحج من عامه، كما تقدم،
    رابعاً: أن لا يسافر بين الحج والعمرة مسافة قصر فأكثر؛ فإن سافر مسافة قصر فأكثر، ثم أحرم بالحج، فلا هدي عليه،
    خامساً: أن يحل من العمرة قبل إحرامه من الحج فإن أحرم به قبل حله منها صار قارناً لا متمتعاً، ولزمه هدي قران،
    سادساً: أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده، أو من مكان بينه وبين مكة مسافة قصر فأكثر، فلو أحرم من دون ذلك يكون من أهل المسجد الحرام، كما تقدم، وإنما يكون عليه هدي مجاوزة الميقات إن تجاوزه بغير إحرام وهو من أهل الوجوب؛
    سابعاً: أن ينوي التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها، ويلزم هدي التمتع والقران بطلوع فجر يوم النحر، ويلزم القارن أيضاً هدي نسك إذا لم يكن من أهل المسجد الحرام، ولا يسقط هدي التمتع والقران بفسدهما، ولا يسقط بفوات الحج، وإذا قضى القارن ما فاته قارناً لزمه هديان:
    هدي لقرانه الأول، وهدي لقرانه الثاني، ولو ساق المتمتع هدياً فليس له أن يحل من عمرته، فيحرم بحج إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحلله بالحلق، فإذا ذبحه يوم النحر حل من الحج والعمرة معاً، والمعتمر يحل متى
    فرغ من عمرته في أشهر الحج وغيرها، ولو كان معه الهدي بخلاف المتمتع، فإن كان معه هدي نحره عند المروءة، ويجوز أن ينحره في أي مكان من الحرم، ومن عجز عن الهدي بأن يم لجده يباع، أو وجده، ولم يجد ثمنه فعليه أن يصوم عشرة أيام:
    منها ثلاثة يوم عرفة فإن لم يصم الثلاثة قبل يوم النحر صام أيام منى وهي الثلاثة التالية ليوم العيد ولا هدي عليه في ذلك، فإن لم يصمها في أيام منى صام عشرة أيام كاملة، وعليه هدي لتأخيره واجباً من واجبات الحج عن وقته، ويجوز أن يصوم الثلاثة قبل إحرامه بالحج بعد أن يحرم بالعمرة، وأما صومها قبل إحرامه بالعمرة، فلا يجوز، أما وقت وجوب صوم الأيام الثلاثة فهو وقت وجوب الهدي، وهو ظلوع فجر يوم النحر، ولا يصح صوم السبعة بعد إحرمه بالحج بعد طواف الزيارة والسعي فإنه يصح؛ ولا يجب في صوم الثلاثة ولا السبعة تتابع، ولا تفريق؛ ومتى وجب عليه الصوم، ثم وجد الهدي، فلا يجب عليه الانتقال إليه ولو لم يشرع في الصوم، فإن شاء انتقل إليه، وإن شاء لم ينتقل وصام.
    الحنفية قالوا: من أراد الإحرام فهو مخير بين الإفراد والقران والتمسح إلا أن القران أفضل من الاثنين، والتمتع أفضل من الإفراد، وإنما يكون القران أفضل إذا لم يخش أن يترتب عليه ارتكاب محظور من محظورات الإحرام لطول الأيام التي يلزم أن يبقى فيها محرماً؛ فإذا خشي المحرم الوقوع في شيء منها كان التمتع أفضل لقلة الأيام التي يلزم فيها البقاء على الإحرام في التمتع، فيمكن للإنسان أن يضبط نفسه، أما الإفراد فهو الإحرام بالحج وحده، وأما القران فمعناه في اللغة الجمع بين شيئين، ومعناه شرعاً أن يحرم بحجة وعمرة معاً م\حقيقة أو حكماً فالجمع بينهما حقيقة هو أن يجمع بينهما بإحرام واحد في زمان واحد، والجمع بينهما حكماً هو أن يؤخر إحرام الحج عن إحرام العمرة، ثم يجمع بين أفعالهما، وذلك بأن يحرم بالعمرة أولاً، ثم قبل أن يطوف لها أربعة اشواط يحرم بالحج، فلو أحرم بالحج بعد أن طاف للعمرة أربعة أشواط لم يكن قارناً، بل متمتعاً بأن كان طوافه في أشهر الحج، وإلا لم يكن قارناً ولا متمتعاً، أما إن أحرم بالحج أولاً، ثم نوى العمرة قبل طواف القدوم فإنه يكون قارناً مع الإساءة، وبعد طواف القدوم يكون عليه هدي، كما تقدم في "مبحث العمرة" ويصح إحرام القارن من الميقات أو قبله، فإن جاوز الميقات بلا إحرام لزمه هدي، إلا إذا عاد إليه محرماً، ويصح إحرامه في أشهر الحج وقبلها إلا أن تقديم الإحرام على أشهر الحج مكروه، أما أفعال الحج والعمرة فإنه لا بد من وقوعها في أشهر الحج بأن يؤدي طواف العمرة أو أكثره، وجميع سعيها وسعي الحج في تلك الأشهر، ويسن أن يتلفظ بقوله: اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي، وتقبلهما مني ويستحب أن يقدم العمرة في الذكر، كما يجب أن يقدمها في العمل، لأن الحج لا يكفي لعمل العمرة؛ فيجب أولاً أن يطوف للعمرة
    سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأول؛ بشرط وقوع ذلك الطواف أو العمرة؛ فيجب أولاً أن يكوف للعمرة سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأول؛ بشرط وقوع ذلك الطواف أو أكثره في أشهر الحج، كما تقدم آنفاً، ولو نوى بالطواف للعمرة الطواف للحج وقع طوافه عن العمرة، لأن من طاف طوافاً في وقته وقع له، سواء نواه أو لا، ثم يسعى لها، ويتم عمل العمرة بذلك، ولكن لا يتحلل منها لكونه محرماً بالحج، فيتوقف تحلله على فراغه من أفعاله أيضاً،
    فلو؟؟ نقص في الملف؟؟ الحنفية قالوا: لزمه دمان لجنايته على إحرامين، ثم بعد الفراغ من العمرة يشرع في أعمال الحج كما تقدم، فلو طاف فقط، ثم طاف للحج بعد ذلك ثم سعى للعمرة بعد طوافه للحج ثم سعى للحج بعد ذلك صح مع الإساءة، ولا هدي عليه بسبب ذلك، ويشترط للقران سبعة شروط، الأول: أن يحرم بالحج قبل طواف العمرة كله أو أكثره، فلو أحرم بعد أن يطوف للعمرة كل طوافها أو أكثره قبل الوقوف بعرفة، فلو لم يطف لها حتى وقف بعرفة بعد الزوال ارتفعت عمرته. وبطل قرانه؛ وسقطت عنه الهدي اللازم للعمرة، أما لو طاف أكثر طواف العمرة ثم وقف، فإنه يتم الباقي من طوافها قبل طواف الزيارة، الرابع أن يصون الحج والعمرة عن الفساد، فلو جامع مثلاً قبل الوقوف وقل أكثر طواف العمرة بطل قرانه، وسقط عن الهدي، الخامس: أن يطوف للعمرة طوافها كله أو أكثره في أشهر الحج، فإن طاف أكثر طوافهم قبل أشهر الحج لم يصر قارناً، السادس: أن لا يكون من أهل مكة، فلا يصح قران المكي إلا إذا خرج من مكلة إلى جهة أخرى قبل أشهد الحج.
    السابع؛ أن لا يفوته الحج فلو فاته لم يكن قارناً، وسقط عنه الهدي،ولا يشترط لصحة القران عدم الإلمام بأهله، فيصح قران من طاف بالعمرة، ثم رجع إلى موطنه بعد طوافها دون أن يتحلل، وأما التمتع شرعاًفهو أن يحرم بالعمرة أولاً في أشهر الحج أو قبلها، بشرط أن يطوف أكثر أشواطها في أشهر الحج، ثم يحرم بالحج في سفر واحد حقيقة أو حكماً، بأن لا يعود إلى بلده بعد العمرة أصلا، أو يعود إلى بلده، ولكن يكون العود إلى مكة ثانياً مطلوباً منه لسببين:
    أحدهما: أن يكون قد ساق الهدي، لأن الهدي يمنعه من التحلل قبل يوم النحر؛
    ثانيهما؛ أ، يعود إلى بلده قبل أن يحلق، لأنه في هذه الحالة يكون العود إلى الحرم مستحقاً عليه لوجوب الحلق في الحرم؛ ويسمى ذلك العود إلى بلده إلماماً بأهله غير صحيح؛ فلو اعتمر بلا سوق هدي، ثم عاد إلى بلده قبل الحلق كان باقياً على إحرامه، فإن رجع إلى الحج قبل أن يحلق في بلدة كان متمتعاً، لأن إلمامه بأهله لم يكن صحيحاً، أما إن حلق ببلده فقط بطل تمتعه، وإن اعتمر مع سوق الهدي فلا يخلو إما أن يتركه إلى يوم النحر أو لا، فإن تركه إلى يوم النحر فتمتعه صحيح، ولا شيء عليه سوى ذلك الهدى، سواء عاد إلى أهله أو لا، وإن تعجل ذبح هديه فإما أن يرجع إلى أهله أو لا، فإن رجع فلا شيء عليه مطلقاً، سواء حج من عامه أو لا، وبطل تمتعه، وإن لم يرجع إلى أهله، فإن لم يحج من عامه فلا شيء عليه أيضاً، وإن حج من عامه لزمه دمان دم المتعة، ودم الحل قبل أوانه،
    ويشترط لصحة التمتع شروط، منها أن يطوف طواف العمرة جميعه أو أكثره في أشهر الحج؛ ومنها أن يقدم إحرام العمرة على الحج؛ ومنها أن يطوف طواف العمرة كله أو أكثره قبل إحرام الحج؛ ومنها عدم إفساد العمرة ومنها عدم إفساد الحج؛ ومنها عدم الإلمام بأهله إلماماً صحيحاً، كما تقدم؛ ومنها أن يؤدي الحج والعمرة في سنة واحدة، فلو طاف للعمرة في أشهر الحج هذه السنة ثم حج في سنة أخرى لم يكن متمتعاً، وإن لم يرجع إلى أهله أو بقي محرماً إلى الثانية؛ ومنها عدم التوطن بمكة فلو اعتمر ثم عزم على المقام بمكة أبداً لا يكون متمتعاً، وإلا كان متمتعاً. ومنها أن لا تدخل عليه أشهر الحج وهو حلال بمكة، لأنه حينئذ يكون ليس من أهل التمتع كأهل مكة، وكذا لا تدخل عليه أشهر الحج وهو محرم، ولكن طاف للعمرة أكثر طوافها في غير أشهر الحج، وبعد أن يفرغ المتمتع من أعمال العمرة يتحلل منها إن شاء، إما بالحلق، أو التقصير، ثم يظل حلالاً إلى أن يحرم بالحج في اليوم الثامن، وهو يوم التروية، لأنه يوم إحرام أهل مكة، ويجوز له أن يؤخر الإحرام إلى اليوم التاسع، وهو يوم عرفة متى استطاع أن يقف بعرفة في زمنه، ويجب على كل من القارن والمتمتع هدي يذبح يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة، قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، فما استيسر من الهدي؛ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة} . والقران كالتمتع في المعنى، فيجب فيه الهدي أن وجد، كما يجب في التمتع، فإن لم يجد الهدي وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام ولو متفرقة، والأفضل تتابعها، ويكون صومها في أشهر الحج.
    بشرط أن يكون بعد إحرام العمرة، ولا يجزئ صومها قبله، ويصوم أيضاً وجوباً سبعة أيام إذا فرغ من أعمال الحج، والأفضل فيها التتابع أيضاً، كما أن الأفضل تأخير الصيام حتى لا يبقى على العيد سوى ثلاثة أيام لجواز أن يتيسر له الهدي؛ قبل ذلك، فلا يحتاج للصوم، أما صوم الأيام السبعة فيصومها بعد الفراغ من الحج في أي وقت شاء إلا في الأيام المنهي عنها، كأيام التشريق، فإن صامها فيها فلا يجزئه، فإن لم يصم الأيام الثلاثة حتى جاء يوم النحر، يجزئه إلا الهدي، فإن لم يقدر على الهدي تحلل، ووجب عليه هديان في ذمته:
    أحدهما، للقران أو التمتع،
    والثاني: للتحلل قبل ذبح الهدي، ولو قدر على الهدي قبل التحلل من الحج بالحلق أو التقصير بطل صومه ورجع للهدي، وقد علمت أن القران والتمتع لا يصحان ممن كان داخل الحرم، قال تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} وحاضرو المسجد الحرام من كانوا داخل المواقيت، وهم أهل الحرم



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #78
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الحج والعمرة]
    صـــــ 626 الى صــــــــ
    634
    الحلقة (78)

    [مبحث الهدي]
    [تعريفه]
    هو ما يهدي من النعم للحرم، ويكون من الإبل والبقر والغنم،
    وهي على هذه الترتيب في الأفضلية:
    الإبل، ويليها البقر، ثم الغنم، ولا يجزئ من الإبل إلا ما أكمل خمس سنوات ودخل في السادسة، ولا يجزئ من البقر إلا ما له سنتان كاملتان - ودخل في الثالثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، أما ما يجزئ من الغنم ضأناً ومعزاً، ففيه تفصيل المذاهب المذكور تحت الخط (2) .
    [أقسام الهدي]
    ينقسم الهدي إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: واجب لعمل في الحج والعمرة، كهدي التمتع والقران ويسميه الحنفية دم شكر، وكالهدي اللازم لترك واجب من الواجبات، كما تقدم،
    والثاني:
    منذور وهو واجب أيضاً لكن بالنذر،
    الثالث:
    تطوع، وهو ما تبرع به المحرم.
    [وقت ذبح الهدي ومكانه]
    وفي وقت ذبح الهدي ومكانه تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (3) .
    [مبحث الأكل من الهدي ونحوه]
    ويجوز لرب الهدي أن يأكل منه؛ على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (4) .
    [ما يشترط في الهدي]
    يشترط فيه أن يكون سليماً من العيوب التي تمنع الإجزاء في الأضحية، فلا يجزئ الأعور، ولا الأعمى،
    ولا العجفاء:
    وهي الهزيلة التي لا مخ في عظامها، ولا العرجاء التي لا تسير بسير الصحيح من جنسها، ولا المريضة التي مرضها بين ونحو ذلك مما هو مبين في "مباحث الأضحية" الآتية.
    [إذا امتنع من الحج أو فاته ويقال له: الإحصار والفوات]
    الإحصار في اللغة المنع، وفي الشرع منع المحرم عن إتمام ما يوجبه الإحرام قبل أداء ركن النسك؛ والفوات هو أن يفوته الوقوف بعرفة، وفي أحكامها تفصيل المذاهب مذكور تحت الخط (5) .


    (1) المالكية قالوا: لا يجزئ من البقر إلا ما له ثلاث سنين ودخل في الرابعة دخولاً ما، ولو بيوم
    (2) الشافعية قالوا: يجزئ من الضأن الجذع، وهو ما له سنة كاملة على الأصح، أو ماله ستة أشهر إذا سقطت مقدم أسنانه، ومن المعز المثنى، وهو ما له سنتان.
    الشافعية قالوا: يجزئ من الضأن ما أكمل سنة ودخل في الثانية دخولاً ما، ولو بيوم، ومن المعز ما أكمل سنة، ودخل في الثانية دخولاً بيناً بشهر ونحوه.
    الحنابلة قالوا: يجزئ من الضأن ما له ستة أشهر، ومن المعز ما له سنة واحدة.
    الحنفية قالوا: لا يجزئ من الغنم إلا ما له سنة كاملة، سواء كان من الضأن أو من المعز، إلا إذا كان الضأن سميناً، فإنه يجزئ منه ما زاد عن نصف سنة إذا كان لا يفرق بينه وبين ما له سنة لسمنه
    (3) الحنابلة قالوا: ابتداء وقت ذبح الهدي بجميع أنواعه يوم العيد بعد الصلاة، ولو قبل الخطبة، والأفضل أن يكون بعدها. وآخره آخر اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو الثالث من يوم النحر؛ فأيام النحر ثلاثة: يوم العيد، وتاليه، ويكره ذبحه ليلة الثاني والثالث من أيام العيد، والأفضل ذبحه في اليوم الأول، وإن ذبح قبل وقته لم يجزئه ووجب عليه بدله وإن فات وقته، فإن كان تطوعاً سقط عنه، وإن كان واجباً ذبحه قضاء؛ وأما مكان ذبحه فهو الحرم، فيجزئ نحره في أي ناحية منه، إلا أن الأفضل للمعتمر أن ينحره عند المروة، وللحاج أن ينحره بمنى، فإن نحره في غير الحرم فلا يجزئ إلا إذا عطب قبل الوصول، فينحره في مكان عطبه.
    الحنفية قالوا: تتعين أيام النحر الثلاثة: يوم العيد، وتاليه، لذبح هدي القران والتمتع؛ ويكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة؛ كما تقدم، فإن ذبح قبل أيام النحر لم يجزئه وإن ذبح بعدها أجزأه، وعليه هدي لتأخير الذبح عن أيام النحر، أما غير هدي القران والتمتع فلا يتقيد ذبحه بزمان، وأما مكان ذبح الهدي مطلقاً فهو الحرم، ويسن ذبحه بمنى إن كان الذبح في ايام النحر، وإن كان في غيرها فمكة أفضل، إلا البدنة المنذورة، فلا يتقيد ذبحها بالحرم.
    الشافعية قالوا: يدخل وقت ذبح الهدي الواجب النذر، أو الهدي المندوب بمضي زمن يسع صلاة العيد، وخطبتين معدلتين بعد طلوع الشمس يوم العيد، ويمتد ذلك الوقت إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق، ويجوز ذبحه ليلاً ونهاراً في ذلك الوقت، إلا أنه يكره ذبحه ليلاً إلا لضرورة؛ كما إذا حضر مساكين محتاجون للأكل من الهدي ليلاً، فإن فات الوقت المذكور - بأن مضت أيام التشريق - لزمه ذبح الهدي قضاء إذا كان منذوراً، وإلا فات وقته فإذا ذبحه كان مجرد لحم لا هدياً؛ أما الهدي الواجب بسبب فعل محظور من أفعال الحج، فإن وقته يكون بعد وقوع سببه. إلا دم الفوات فإنه يكون في حجة القضاء، وأما الهدي الواجب على المتمتع فوقته إحرامه بالحج، ويجوز تقديمه على الإحرام بالحج إذا فرغ من عمرته، ولا آخر لوقته، والأفضل ذبحه يوم النحر. وأما مكان ذبحه فهو الحرم بالحج إذا فرغ من عمرته، ولا آخر لوقته. والأفضل ذبحه يوم النحر. وأما مكان ذبحه فهو الحرم فلا يجوز ذبحه بغيره، فحيث نحر الهدي أجزأه في أي جزء من أجزاء الحرم إلا أن السنة للمعتمر أن ينحره بمكة. لأنها موضع تحلله. والأفضل عند المروة. ومكان ذبح هدي المحصر هو المحل الذي أحصر فيه. والأفضل أن يبعثه إلى الحرم. والسنة للحاج أن ينحره بمنى، لأنها موضع تحلل الحاج.
    المالكية قالوا: ابتداء نحر الهدي يوم العيد، ويندب أن يكون بعد رمي جمرة العقبة. ويدخل وقت الرمي من طلوع فجر يوم النحر: ويندب تأخيره إلى أن تطلع الشمس. كما تقدم. في "مندوبات الحج" ويمتد وقته إلى آخر اليوم الثالث من أيام العيد. فأيام النحر ثلاثة:
    يوم العيد، وتاليه ولو فاتت هذه الأيام الثلاثة ذبحه أيضاً، وأما مكان ذبحه فهو منى. بشروط ثلاثة: الأول: أن يكون مسوقاً في إحرام الحج، الثاني: أن يقف بالهدي بعرفة جزءاً من ليلة يوم النحر أو يوقف الهدي بغير عرفة من الحل. كالتنعيم ويقوم وقوف نائبه به مقام وقوفه. الثالث: أن يريد نحره في يوم من الأيام الثلاثة السابقة، فإن انتفى شرط من هذه الشروط. كأن ساقه في حال إحرامه بالعمرة أو اشتراه من مكة. أو لم يقف به لا هو ولا نائبه بعرفة ليلة النحر، أو أراد نحره بعد الأيام الثلاثة، فمحل ذبحه مكة لا يجزئ ذبحه بغيرها. وكل نواحي مكة صالحة للذبح فيها. لكن الأفضل أن يكون عند المروة، ولو ذبح ما استوفى الشروط السابقة بمكة أجزأ مع الإثم لتركه الواجب، وهو ذبحه بمنى
    (4) الحنفية قالوا: هدي القران والتمتع، ويسمى هدي الشكر، كما تقدم؛ يندب لربه أن يأكل منه، كما يندب الأكل من هدي التطوع، إلا إذا عطب في الطريق؛ فذبحه قبل أن يبلغ محله فإن الواجب حينئذ تركه في محل عطبه مذبوحاً بعد أن يلطخ قلادته بدمه، ليعلم الفقراء أنه هدي تطوع؛. أما هدي النذر فلا يجوز الأكل منه، لأنه صدقة؛ فهو الحنفية قالوا: للفقراء. فإذا أكل ضمن منه قيمته؛ وهدي الكفارات، وهو ما وجب جبراً لنقص، ومثله هدي الإحصار لا يجوز الأكل منه أيضاً، فلو أكل ضمن القيمة، وحيث جاز له الأكل من الهدي، فيستحب أن يجعله أثلاثاً، فيأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث، كالأضحية؛ ويتصدق المهدي بجلال الهدايا وعظامها وجلدها، ولا يعطي الجزار أجرته من لحمها؛ ولا يجوز لرب الهدي أن ينتفع بلبنه، فلو انتفع به ضمن قيمته للفقراء.
    المالكية قالوا: ما يذبح في الحج أو العمرة من الهدايا وجزاء الصيد، وفدية الأذى بعضها يجوز لربه أن يأكل منه، وبعضها لا يجوز له الأكل منه، وهي بالنسبة لذلك تنقسم أربعة أقسام:
    القسم الأول: ما لا يجوز الأكل منه مطلقاً، أي سواء بلغ محل الذبح المعتاد - منى أو مكة، كما تقدم - سليماً ثم ذبح، أو حصل له عطب قبل بلوغ المحُل، فذبح في الطريق، وذلك القسم هو ثلاثة أشياء:
    الأول؛ النذر المعين المجعول للمساكين باللفظ أو النية، كأن يقول: هذا الحيوان نذر لله علي للمساكين، أو يقول: هذا الحيوان نذر لله علي ونوى أنه للمساكين،
    الثاني؛ هدي التطوع إذا جعله للمساكين،
    الثالث: فدية الأذى إذا لم ينو بها الهدي: فهذه الثلاثة يحرم على ربها الأكل منها مطلقاً، وإنما حرم عليه الأكل من النذر المعين الذي جعله للمساكين، لأنه بالتعيين لا يلزم بدله إذا عطب قبل بلوغ محله، فلذا جاز له الأكل منه إذا عطب قبل المحل؛ ولا يجوز له الأكل منه إذا وصل محله سالماً، لأنه جعل للمساكين، كما أن هدي التطوع نظراً لجعله للمساكين يحرم الأكل منه مطلقاً: وأما فدية الأذى إذا لم تجعل هدياً فهي عوض عن الترفيه الذي حصل للمحرم بإزالة الشعث ونحوه، فذلك لم يجز له الأكل منها:
    القسم الثاني: ما يجوز الأكل منه إذا عطب قبل بلوغ الحل، ولا يجوز الأكل منه إذا بلغ المحل سالماً؛ وهذا القسم هو النذر غير المعين إذا جعله للمساكين، كأن يقول؛ لله علي هدي للمساكين.
    وفدية الأذى إذا نوى بها الهدي؛ وجزاء الصيد، فهذه الثلاثة يجوز لربها الأكل منها إذا عطبت قبل المحل، لأن عليه بدلها؛ ولا يجوز الأكل منها إذا بلغت سالمة، لأنه حَق للمساكين بالنسبة إلى النذر، وبدل من الترفه بالنسبة إلى الفدية، وقيمة للصيد بالنسبة إلى الجزاء؛
    القسم الثالث: ما لا يجوز الأكل منه قبل المحل، ويجوز الأكل منه بعده، وهو هدي التطوع والنذر المعين إذا لم يجعل كل منهما للمساكين، فلا يجوز الأكل منهما قبل المحل، لأنه لا يجب عليه بدلهما، فلو جاز له الأكل لاتهم بأنه هو الذي تسبب في عطبهما قبل أن يبلغا محل الذبح أو النحر ليأكل منهما، وأما بعد المحل فله أن يأكل منهما، لأنهما لم يعينا للمساكين،
    القسم الرابع: ما يجوز لربه الأكل منه مطلقاً قبل المحل وبعده: وذلك هو ما عدا الأقسام الثلاثة المتقدمة، كالهدي الواجب عليه لترك واجب من واجبات الحج، والنذر غير المعين إذا لم يجعله للمساكين، وهدي القران والتمتع، فله أن يأكل من ذلك مطلقاً، وحيث جاز له الأكل، فله أن يتزود، ويطعم الغني والفقير، وإذا أكل رب الهدي من الممنوع أن يأكل منه، فإنه يضمن بدل ما أكله هدياً كاملاً، إلا إذا أكل من النذر المعين المجعول للمساكين، فإنه يضمن قدر ما أكله فقط على المعتمد، وحكم زمام الحيوان وجله، وهو ما يجعل على ظهره، حكم اللحم فما لا يجوز له الأكل منه لا يجوز له أخذ زمامه ولاجله، بل يدعه للفقراء، كاللحم، فإن أخذ شيئاً من ذلك رده للفقراء إن بقي، فإن أتلفه ضمن قيمته لهم، وما يجوز له الأكل من لحمه يجوز له أخذ زمامه وجله، ويكره الانتفاع بلبن الهدي بعد تقليده أو إشعاره، لأنه خرج قربة لله تعالى بالتقليد أو الإشعار، ومحل الكراهة ما لم يضر أخذ اللبن بالفصيل، أو بأمه، وإلا كان حراماً، ويكره أيضاً ركون الهدي، والحمل عليه
    لغير ضرورة.
    الحنابلة قالوا: يندب للمهدي أن يأكل من هدي التطوع، ويهدي للغير منه، ويتصدق بأن يأكل الثلث: ويهدي أهله الثلث، ويعطي المساكين الثلث، كالأضحية، فإن أكل الكل ضمن للمساكين الثلث، أما الهدي الواجب فلا يجوز الأكل منه، سواء كان وجوبه بالنذر أو بالتعيين، بأن قال؛ هذا هدي، أو بتقليده أو بإشعاره، ويستثنى من ذلك هدي التمتع والقران، فإنه يجوز الأكل منه وإن كان واجباً، فإن أكل مما لا يجوز له الأكل منه ضمن مثله لحماً للمساكين، ويحرم على المهدي بيع جلود الهدايا وجلالها ولكن يجوز الانتفاع بها، كما يحرم إعطاء الجزار أجرته منها، ويجوز له أن ينتفع بلبنها، بشرط أن يكون فاضلاً عن أولادها، ويحرم شرب ما لم يفضل عنها وضمنه.
    الشافعية قالوا: لا يجوز للمهدي أن يبيع شيئاً من الهدي، سواء كان واجباً أو تطوعاً، ويجب ان يتصدق بجميع الهدي الواجب حتى جلده، ولا يجوز أخذ شيء منه، وإن كان تطوعاً جاز الانتفاع بجلده وادخار الشحم وبعض اللحم للأكل والهدية، ويجب أن يتصدق ببعض اللحم، ولو قليلاً، بشرط أن لا يكون،؟؟ هاً عرفاً، وأن يكون نيئاَ، فالذي يجوز الأكل منه هو هدي التطوع، والذي لا يجوز الأكل منه هو الهدي الواجب
    (5) الحنفية قالوا: أسباب المنع من إتمام النسك تنقسم إلى شرعية وحسية:
    فالشرعية هي أن تفقد المرأة زوجها؛ أو محرمها بعد الدخول في الإحرام بموت أو طلاق، مثل ذلك ما إذا منعها زوجها من حج التطوع، وكذا إذا فقد نفقة، وكان لا يقدر على المشي، والحسية هي كأن يوجد عدو آدمي أو غيره يحول بين المحرم وبين المضي في النسك، أو يعرض له مرض أو حبس، وحكم الإحصار هو أن يبعث المحصر بالهدي أو بثمنه ليشتري به هدي يذبح عنه في الحرم، ولا يجوز له أن يتحلل حتى يذبح الهدي ويجب أن يتفق على يوم معين يذبح فيه الهدي ليكون على بينة منه، فلا يطول عليه الإحرام، ولو فعل شيئاً من محظورات الإحرام قبل ذبح الهدي، فإنه يجب عليه بسببه ما يجب على المحرم إذا لم يكن محصراً، وإن حل في يوم وعده على ظن أن الهدي قد ذبح ثم تبين أنه لم يذبح كان محرماً؛ وعليه دم لإحلاله قبل وقته. أما لو ذبح الهدي قبل يوم الوعد. فإنه يجوز. ولا يشترط في التحلل الحلق ولو حلق فحسن ثم إذا تحلل المحصر بالهدي فإن كان مفرداً بالحج فعليه قضاء حجة وعمرة من قابل إذا لم يرتفع الإحصار قبل فوات حج عامه. وإن كان مفرداً بالعمرة فعليه عمرة مكانها. وإن كان قارناً فإنما يتحلل بذبح هديين. وعليه عمرتان وحجة.
    هذا إذا تحلل بالهدي. أما إذا تحلل بالعمرة فإن كان مفرداً فليس عليه سوى قضاء الحج فقط وإن كان قارناً فعليه حج وعمرة؛ وإذا زال الإحصار بعد أن بعث بالهدي فلا يخلو إما أن يتمكن من إدراك ما أحرم به. وإدراك الهدي معاً. أو يتمكن من إدراك أحدهما. أو لا يتمكن من إدراك شيء. فإن كان الأول لزمه أن يمضي في إتمام نسكه. وله أن يفعل بهديه ما يشاء. وإن كان الثاني. فإن كان متمكناً من إدراك الهدي فقط، فلا يلزم الذهاب لفوات المفصود، وله أن يتحلل بعمرة، وإن كان متمكناً من إدراك النسك جاز له أن يمضي في إتمامه، وجاز له أن يتحلل، وإن كان الثالث يتحلل، وله أن يتحلل بعمرة، ومن فاته الحج بأن وقف في غير زمان الوقوف فعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل، ويقضي من قابل، ولا دم عليه.
    الحنابلة قالوا: إذا طلع فجر يوم النحر على من أحرم بالحج ولم يقف بعرفة في وقته لعذر أو لغير عذر فاته الحج في ذلك العام، وتحول إحرامه إلى عمرة إن لم يختر بقاؤه على إحرامه ليحج من العام القابل بذلك الإحرام؛ ولا تجزئ هذه العمرة التي انقلب إليها إحرامه عن عمرة الإسلام، وعلى من فاته الحج قضاء هذا الحج الفائت، ولو كان نفلاً:
    وعليه هدي من الفوات يؤخر ذبحه إلى حجة القضاء فإن عدم الهدي وقت الوجوب، وهو طلوع فجر يوم النحر صام كما يصوم المتمتع، ومن منع من الوصول إلى البيت الحرام، ويسمى محصراً، سواء منع بعد الوقوف بعرفة أو قبله، أو كان منعه في إحرام العمرة، وجب عليه ذبح هدي بنية التحلل، فإن لم يجده صام عشرة أيام بنية التحلل، وقد حل بذلك من إحرامه، ويباح التحلل من الإحرام لحاجة، كأن احتاج إلى بذل مال كثير لمسلم أو كافر، أو لقتال، أو بذل مال يسيرلكافر لا مسلم، ولا قضاء على من تحلل قبل فوات الحج، وكذلك من جن أو أغمي عليه، فإن لم يتحلل المحصر إلا بعد فوات الحج لزمه القضاء، ومن منع عن طواف الإفاضة وقد وقف بعرفة ورمى وحلق لم يتحلل حتى يطوف طواف الإفاضة، ويسعى إذا لم يكن سعى، وكذا لا يتحلل إن حصر عن السعي فقط، وذلك لأن الشرع جاء بالتحلل من إحرام تام يحرم جميع المحظورات: وهذا لا يحرم إلا النساء فقط، ومن حصر عن واجب أو رمي جمار لم يتحلل، وعليه دم لترك الواجب، كما لو تركه اختياراً، ومن كان محرماً بالحج ولم يتمكن من الوقوف بعرفة أو أمكنه الوصول إلى مكة تحلل بعمل عمرة، ولا شيء عليه، فإن كان من فاته الوقوف بعرفة وأحصر قد طاف وسعى قبل ذلك وجب أن يتحلل بطواف وسعي آخرين، ومن أحصر بمرض، أو بفقد نفقة، أو بعدم اهتدائه إلى الطريق بقي محرماً حتى يقدر على البيت الحرام، لأنه لا يستفيد بالتحلل انتقالاً من حال
    إلى أحسن منها، فإن فاته الحج تحلل بعمرة، ولا ينحر هدياً كان معه إلا بالحرم، فليس كمن حصره عدو، والصغير كالبالغ في جميع ما تقدم، ومن قال في أول إحرامه: نويت الإحرام بالسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فله أن يتحلل مجاناً في جميع ما تقدم ولا قضاء عليه.
    الشافعية قالوا: إذا طلع فجر يوم النحر قبل حضور المحرم في جزء من أرض عرفة فاته الحج، ويجب به الدم على من كان محرماً بالحج فقط، أو كان قارناً، ويجب على من فاته الوقوف بعرفة أن يتحلل بعمل عمرة بأن يأتي بالأعمال الباقية من أعمال الحج غير الوقوف بنية التحلل، فيطوف ويسعى إن لم يكن سعى، ويسقط عنه بفوات الحج المبيت بمنى وبمزدلفة ورمي الجمار، ويحلق من غير نية العمرة، ولا تغني هذه العمرة عن عمرة الإسلام، وعليه القضاء فوراً من قابل، ولو فاته بعذر ولو كان الحج نفلاً، ولو كان غير مستطيع؛ ولو كان بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر، ويلزمه مع القضاء دم كدم التمتع، وقد تقدم، ولا يصح ذبحه في سنة الفوات، فإن كان قارناً وفاته الوقوف لزمه ثلاثة دماء:
    دم للفوات، ودم للقران، ودم له أيضاً في القضاء، وإن أفرد في القضاء لأنه التزم القران بالإحرام؛ أما لو نشأ الفوات عن حصر، كمن أحصر عن إتمام نسك من حج أو عمرة بعدوٍّ، أو حبس من أمير ونحوه ظلماً، أو بدّين لا يتمكن من أدائه، وليس له بينة تشهد بإعساره، ولم يغلب على ظنه انكشاف المانع في مدة يمكنه إدراك الحج فيها إن كان حاجاً، أو في ثلاثة أيام إن كام معتمراً، فإنه إذا أراد التحلل تحلل بالذبح؛ ثم الحلق بنية التحلل بهما إن كان واجداً للدم، وبالحلق فقط إن لم يجد دماً، ولا طعاماً لإعسار أو غيره بنية التحلل، والأولى للمحصر المعتمر الصبر عن التحلل، وكذا للحاج إن اتسع الوقت، وإلا فالأولى التعجيل لخوف الفوات، نعم يمتنع تحلله إن كان في الحج، وغلب على ظنه زوال الحصر في مدة يمكنه إدراك الحج بعدها، أو في العمرة وتيقن قرب زوال المانع في ثلاثة أيام، ومن الأعذار المجوزة للتحلل المرض. فإنه إن شرط التحلل بذلك عند ابتداء الإحرام.
    كأن قال في حال النية:
    إذا مرضت فأنا حلال، يصير حلالاً بمجرد المرض، وأما إن قال:
    إن مرضت تحللت فإن كان شرطه في تحلله الهدي تحلل بذبح، ثم حلق بنية التحلل فيهما، ونفاذ النفقة، ويذبح المحصر حيث أحصر ولو في غير الحرم، أو يرسل إلى الحرم ليذبح فيه لكنه لا يتحلل حتى يعلم بنحره؛ ولا يرسل الدم إلى غير الحرم، فلو أحصر في الحرم تعين الذبح فيه، ثم إن كان نسكه تطوعاً فلا قضاء عليه، وإن كان فرضاً بقي في ذمته على ما كان عليه من قبل، وإن أحصر ومنع من عرفة دون مكة وجب عليه دخولها، والتحلل بعمرة، وإن منع من مكة دون عرفة وقت وتحلل، ولا قضاء فيهما على الأظهر، والواجب بالإحصار شاة تجزئ في الأضحية؛ فإن عجز حساً أو شرعاً أخرج بقيمة الشاة طعاماً تجزئ في الفطرة، وفرقه على مساكين ذلك المحل، فإن عجز عنه صام عن كل مدّ يوماً، ولا تجب الفدية لعدم تعديه.
    المالكية قالوا: الإحصار هو المنع من أداء النسك، كأن يمنع المعتمر من دخول مكة كما وقع عام الحديبية حين صد المشركون النبي صلى الله عليه وسلم ومنعوه من دخول مكة بعد أن أحرم بالعمرة، وكأن يمنع الحاج من الطواف بالبيت. أو السعي بين الصفا والمروة، أو من الوقوف بعرفة، أو من جميع ذلك سواء كان المنع ظلماً كأن يحول الكفار بين المسلمين وبين مكة، أو تقع فتنة بين المسلمين بعضهم مع بعض، فتتغلب الفئة الباغية وتحول بين الناس وبين الأرض المقدسة - مكة وما حواليها من مواطن النسك - أو كان المنع بحق، كأن يماطل المدين في أداء ما عليه من الدين مع القدرة عليه؛ فيحبس ليؤدي ما عليه، والفوات هو عدم أداء الحج بعدم التمكن من عرفة لمرض منعه من الوقوف بها، أو لخطأ أهل الموسم، كأن يقفوا في اليوم الثامن من ذي الحجة، ولم يعلموا خطأهم حتى مضى وقت الوقوف، وهو ليلة العاشر؛ كما سبق، ولا يتأتى فوات الحج إلا بذلك، لأن الحاج متى أدرك عرفة فقد أدرك الحج فإن ما يبقى بعد الوقوف من الطواف والسعي يصح في كل وقت، وليس له وقت معين ومن كان معتمراً ومنع عن مواضع النسك، أو كان محرماً بالحج ومنع من البيت الحرام وعرفة معاً؛ فإن كان المنع ظلماً فالأفضل له أن يتحلل من إحرامه بالنية، بأن ينوي الخروج من الإحرام، ومتى نوى ذلك صار حلالاً، فلا يحرم عليه مباشرة النساء، ولا التعرض للصيد، ولا التطيب؛ ولا غير ذلك مما يحرم على المحرم، ويسن للمتحلل أن يحلق، وإن كان معه هدي فينحره بمكانه الذي هو به إن لم يتيسر له بعثه بمكة؛ وإلا بعثه؛ وإن لم يكن معه هدي فلا يجب عليه، وقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} محمول على ما إذا كان الهدي مع المحصر من قبل، كأن ساقه تطوعاً، إنما يباح له التحلل بثلاثة شروط:
    الأول: أن لا يعلم المانع قبل الإحرام
    عند المنع، بل يتعين البقاء على إحرامه حتى يؤدي نسكه، ولو ثاني عام؛ لأنه داخل على ذلك،
    الثاني: أن ييأس من زوال المانع قبل فوات الحج، بأن يعلم أو يظن أنه لا يزول المانع قبل فوات الوقوف بعرفة، فإن لم ييأس انتظر لعله يزول،
    الثالث: أن يكون الوقت متسعاً لإدراك الحج عند الإحرام به، بحيث إذا لم يمنع يتأتى له إدراكه، أما إذا لم يتمكن من إدراك الوقوف على فرض عدم وجود المانع؛ ثم حصل المنع، فليس له أن يتحلل؛ لأنه داخل من أول الأمر على البقاء للعام القابل، وأما إذا كان المنع لحق، كأن يحبس المدين حتى يؤدي دينه، فإن كان قادراً على دفعه فلا يباح له التحلل، لأنه متمكن من التخلص والسير في نسكه فإذا لم يفعل فهو باق على إحرامه ما شاء الله، وإن كان عاجزاً عن دفعه فهو كالممنوع ظلماً، والأفضل له التحلل بالنية وله أن يبقى على إحرامه، ويكون قد خالف الأفضل،
    ومن وقف بعرفة ومنع من البيت الحرام وما بعده من مواضع النسك: كمزدلفة، ومنى، ومكان السعي، فقد تم حجه، ولكن لا يحل من إحرامه حتى يطوف للإفاضة، ويسعى بعده إن لم يكن قدم سعيه عقب طواف القدوم، فإن بقي محصراً حتى فاته النزول بمزدلفة، ورمي الجمار والمبيت بمنى ليالي الرمي فعليه هدي واحد لفوات الجميع؛ وإن كان كل منهما واجباً مستقلاً، ولا فرق في هذا القسم بين أن يكون المنع حبساً أو غيره، وسواء كان الحبس ظلماً أو بحق؛ ويبقى على إحرامه حتى يتمم حجه؛ ولو بقي سنين، وأما من منع من عرفة لأي مانع كان، وكان متمكناً من البيت الحرام، فله أن يتحلل من إحرامه، وله البقاء إلى العام القابل، والأفضل له التحلل إن كان بعيداً عن مكة، فالبقاء على الإحرام خلاف الأولى، فإن كان قريباً من مكة، أو دخلها، كره له البقاء، ثم إن التحلل في هذا القسم يكون بفعل عمرة حيث لم يكن بعيداً عن مكة، فإن كان بعيداً منها تحلل بالنية، ولا يكلف فعل العمرة، ثم إذا تحلل بالعمرة وكان إحرامه بالحج أولاً من الحرم فعليه أن يخرج إلى الحل حال إحرامه بالعمرة، لأن كل إحرام يجب فيه الجمع بين الحل والحرم، ولا يسقط عن المحصر نسك الإسلام من حج أو عمرة، فلو منع من الحج أو العمرة ثم تحلل منهما فعليه القضاء بعد وجوباً في الحج، واستناناً في العمرة، وعليه هدي لأجل الفوات يؤخره إلى القضاء، وكذا لا يسقط عنه النذر الذي لم يعينه، بخلاف المعين، فلا يجب قضاؤه متى منع عن إتمامه لفوات وقته، ولو نوى حين الإحرام بالنسك التحلل منه إن حصل مانع، كما لو قال:
    اللهم محلي حيث حبستني فلا ينفعه ذلك، ولا بد من التحلل عند حصول المانع بنية جديدة؛ أو بعمرة على التفصيل المتقدم، وإذا طلب المانع مالاً في مقابلة إخلاء الطريق جاز الدفع له؛ ولو كان كافراً، لأن ذل منع الحج
    أشد من ذل دفع المال؛ والمحصر المحرم بالحج متى رمى جمرة العقبة يوم النحر حل له كل شيء مما كان محظوراً في الإحرام، إلا قربان النساء والتعرض للصيد، فيحرمان، وإلا من الطيب، فيكره وهذا هو التحلل الأصغر، أما الأكبر الذي يحل به كل شيء حتى النساء والصيد، فيحصل بطواف الإفاضة؛ إن كان قدم السعي عقب طواف القدوم، وإلا فلا يتحلل إلا بعد السعي عقب الإفاضة فمتى أفاض وسعى حل له كل شيء إن كان قد حلق ورمى جمرة العقبة، أو فات وقتها، وهو يوم النحر؛ فإن وطئ قبل الحلق أو الرمي، فعليه دم؛ وإن صاد فلا شيء عليه، وإن فعل غير ذلك لا شيء عليه أيضاً



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #79
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الحج والعمرة]
    صـــــ 634 الى صــــــــ
    643
    الحلقة (79)

    [مبحث الحج عن الغير]
    تنقسم العبادات إلى ثلاثة أقسام:
    بدنية محضة: كالصلاة، والصوم، فإن القصد من كل منهما التذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى بالنفس، ولا دخل للمال فيهما،
    ومالية محضة:
    كالزكاة، والصدقة؛ فإن القصد منهما نفع المتصدق عليهم بالمال،
    ومركبة منهما:
    كالحج؛ فإن فيه الخضوع لله تعالى بالطواف والسعي وغيرهما من الأعمال، وفيه أيضاً إنفاق المال في هذا السبيل، أما القسم الأول فلا يقبل النيابة مطلقاً، فلا يجوز للمرء أن يستنيب من يصلي عنه أو يصوم، ولو فعل ذلك فلا ينفعه، وأما القسم الثاني فيقبل النيابة، فيجوز لمالك المال أن يوكل من يخرج عنه زكاة ماله، أو يدفع صدقة للغير، وأما القسم الثالث - وهو الحج - ففي كونه يقبل النيابة أو لا يقبلها تفصيل المذاهب، فانظر مذاهبهم تحت الخط (1) .
    [زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم]
    لا ريب في أن زيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام من أعظم القرب وأجلها شأناً، فإن بقعة ضمت خير الرسل وأكرمهم عند الله لها شأن خاص؛ ومزية يعجز القلم عن وصفها؛على أن الغرض الصحيح من زيارة القبور هو تذكر الآخرة، كما ورد في الحديث الصحيح الذي نص على الإذن في زيارة القبور للموعظة الحسنة وتذكر الآخرة، فمتى كانت الزيارة لغرض صحيح يقرّه صاحب الشريعة كانت ممدوحة من جميع الجهات؛ ومما لا خفاء فيه أن زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم تفعل في نفوس أولي الألباب أكثر مما تفعله أي عبادة أخرى، فالذي يقف على قبر المصطفى ذاكراً ما لاقاه صلى الله عليه وسلم في سبيل الدعوة إلى الله، وإخراج الناس من ظلمات الشرك إلى نور الهداية، وما بثه من مكارم الأخلاق في العالم أجمع، وما محاه من فساد عام شامل، وما جاء به من شريعة مبنية على جلب المصالح للمجتمع الإنساني، ودرء المفاسد عنه، لا بد أن يمتلئ قلبه حباً لذلك الرسول الذي جاهد في الله حَق جهاده، ولا بد أن يحبب إليه العمل بكل ما جاء به، ولا بد أن يستحي من معصية الله ورسوله، وذلك هو الفوز العظيم.إن زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومشاهدة مهبط الوحي وزيارة العاملين المخلصين في الذود عن الدين الله تعالى الذين ضحوا بأرواحهم وأموالهم في سبيل الله وحده بدون أن تؤثر عليهم لذة ملك، أو تستولي على أنفسهم شهوة من متاع الحياة الدنيا وزينتها، بل خرجوا من أموالهم الكثيرة، ولذاتهم التي لا حد لها إلى الكفاح والنضال في سبيل الله ومن أجل الله، فنصروا دين الله - لهي جديرة بأن تكون من أجل القرب، لما تحدثه في أنفس الزائرين من عظات بليغة تحملهم على القدوة بهؤلاء في أعمالهم وأقوالهم، ولو أن المسلمين استمسكوا حقاً بما استمسك به سكان هؤلاء القبور الذين هزموا الفرس والرومان إبان قوتهم، مع أن قوة المسلمين المادية يومئذ لا تكاد تذكر بجانب قوة أعدائهم، لكان لهم شأن آخر، ولما تغلب عليهم أحد، فزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وزيارة أصحابه العاملين من أجل القرب وأشدها تأثيراً على نفوس العاملين المخلصين، الذين يعبدون الله وحده، ويأتمرون بما أمرهم به رسوله، وينتهون عما نهاهم عنه، وأولئك هم الفائزون.فإذا لم يكن في زيارة قبر المصطفى سوى هذه الموعظة الحسنة، وهذا الأثر الجليل لكفى في كونها من أجلّ الأعمال الصالحة التي يحث عليها الدين الحنيف، وكيف يسكن قلب المؤمن المسلم الذي يستطيع أن يحج البيت، ويستطيع أن يزور المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا يبادر إلى هذا العمل؟ كيف يرضى المؤمن القادر أن يكون بمكة قريباً من المدينة مهبط الوحي،
    ولا تهتز نفسه شوقاً إلى زيارتها: وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ على أن على دعوة سيدنا إبراهيم صلوات الله عليه متحققة في أهل المدينة أيضا؛ فإن الله تعالى حكي عنه {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} فأهل المدينة أيضاً، وهي البلدة التي نشأ منها عز الإسلام. وعلى أهلها من الأنصار، ومن هاجر إليها من المؤمنين المخلصين قيام الدين الحنيف، في حاجة إلى من يزورهم، ويتبادل معهم المنافع، فعمرانها والإحسا إلى أهلها، وتبادل المنافع فيها من أقدس الأمور وأظمها شأناً؛ وما كان لقادر أن يصل إلى مكة، ولا يزور المدينة ويستمتع بمشاهدة أماكن مهبط الوحي،
    ومنبع الدين الحنيف:
    أما ورد من الأحاديث في زيارتها فسواء كان سنده صحيحاً أو لا؛ فإنه في الواقع لا حاجة إليه بعد ما بينا من فوائد زيارتها ومحاسنها التي يقرها الدين، وتحث عليها قواعده العامة.هذا، وقد بين الفقهاء آداب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم،
    وزيارة المساجد الأخرى على الوجه الآتي:
    قالوا: إذا توجه لزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم يكثر من الصلاة والسلام عليه مدة الطريق، ويصلي في طريقه من مكة إلى المدينة في المساجد التي يمر بها، وهي عشرون مسجداً، متى أمكنه ذلك، وإذا عاين حيطان المدينة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ويقول: اللهم هذا حرم نبيك فاجعله وقاية لي من النار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب، ويغتسل قبل الدخول وبعده إن أمكنه، ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه، ويدخلها متواضعاً عليه السكينة والوقار،
    وإذا دخل المدينة يقول:
    اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألكخير هذه البلدة، وخير أهلها، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها؛ وشر أهلها؛ اللهم هذا حرم رسولك، فاجعل دخولي فيه وقاية لي من النار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب؛ وإذا دخل المسجد فعل ما يفعله في سائر المساجد من تقديم رجله اليمنى،
    ويقول: اللهم اجعلني اليوم من أوجه من توجه إليك، وأقرب من تقرب إليك، وأنجح من أعال وابتغى مرضاتك؛ ويصلي عند منبره ركعتين ويقف بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن؛ وهو موقفه عليه السلام، وهو بين القبر الشريف والمنبر، ثم يسجد شكراً لله تعالى على ما وفقه، ويدعوه بما يحب، ثم ينهض فيتوجه إلى قبره صلى الله عليه وسلم فيقف عند رأسه الشريف مستقبل القبلة، ثم يدنو منه ثلاثة أذرع أو أربعة، ولا يدنو أكثر من ذلك، ولا يضع يده على جدار التربة ويقف كما يقف في الصلاة، ويمثل صورته الكريمة البهية، كأنه نائم في لحده، عالم به يسمع كلامه،
    ثم يقول:
    السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك رسول الله، فقد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في أمر الله حتى قبض الله روحك حميداً محموداً، فجزاك الله عن صغيرنا وكبيرنا خير الجزاء، وصلى عليك أفضل الصلاة وأزكاها، وأتم التحية وأنماها، اللهم اجعل نبينا يوم القيامة أقرب النبيين، واسقنا من كأسه، وارزقنا من شفاعته، واجعلنا من رفقائه يوم القيامة، اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بقبر نبينا عليه السلام وارزقنا العود إليه يا ذا الجلال والإكرام، ولا يرفع صوته ولا يخفضه كثيراً، ويبلغه سلام من أوصاه
    فيقول: السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان يتشفع بك إلى ربك، فاشفع له ولجميع المسلمين، ثم يقف عند وجهه مستدبراً القبلة، ويصلي عليه ما شاء، ويتحول قدر ذراع حتى يحاذي رأس الصديق رضي الله عنه،
    ويقول:
    السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار، السلام عليك يا رفيقه في الأسفار، السلام عليك يا أمينة في الأسرار، جزاك الله عنا أفضل ما جزى إماماً عن أمه نبيه، ولقد خلفته بأحسن خلف، وسلكت طريقه ومنهاجه خير مسلك، وقاتلت أهل الردة والبدع، ومهدت الإسلام، ووصلت الأرحام، ولم تزل قائماً للحق، ناصراً لأهله حتى أتاك اليقين، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، اللهم أمتنا على حبه، ولا تخيب سعينا في زيارته برحمتك يا كريم، ثم يتحول حتى يحاذي قبر عمر رضي الله عنه.
    ويقول:
    السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مظهر الإسلام، السلام عليك يا مكسر الأصنام. جزاك الله عنا أفضل الأيتام. ووصلت الأرحام. وقوي بك الإسلام. وكنت للمسلمين إماماً مرضياً. وهادياً مهدياً. جمعت من شملهم. وأغنيت فقيرهم. وجبرت كسرهم. السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
    ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول:
    السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله. ورفيقيه. ووزيريه. ومشيريه، والمعاونين له على القيام في الدين. القائمين بعده بمصالح المسلمين جزاكم الله أحسن الجزاء.ثم يدعو لنفسه ووالديه ولمن أوصاه بالدعاء ولجميع المسلمين.
    ثم يقف عند رأسه الشريف كالأول:
    ويقول اللهم إنك قلت وقولك الحق: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} . وقد جئناك سامعين قولك. طائعين أمرك. متشفعين بنبيك "ربنا اغفر لا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا. ربنا إنك رؤوف رحيم" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين، ويدعو بما يحضره من الدعاء، ثم يأتي أسطوانة أبي لبابة التي ربط نفسه فيها حتى تاب الله عله، وهي بين القبر والمنبر. فيصلي ركعتين. ويتوب إلى الله. ويدعو بما شاء. ثم يأتي الروضة. وهي كالحوض المربع. فيصلي فيها ما تيسر له ويدعو ويكثر من التسبيح والثناء على الله تعالى والاستغفار. ثم يأتي المنبر فيضع يده على الرمانة التي كان صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها إذا خطب. لتناله بركة الرسول. فيصلي عليه. ويدعو بما شاء. ويتعوذ برحمته من سخطه وغضبه. ثم يأتي الأسطوانة الخنانة، وهي التي فيها بقية الجذع الذي حن إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين تركه وخطب على المنبر. ويستحب بعد زيارته عليه السلام أن يخرج إلى البقيع. ويأتي المشاهد والمزارات فيزور العباس ومعه الحسن بن علي. وزين العابدين. وابنه محمد الباقر. وابنه جعفر الصادق. ويزور أمير المؤمنين سيدنا عثمان وقبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم. وجماعة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعمته صفية، وكثيراً من الصحابة والتابعين. خصوصاً سيدنا مالكاً، وسيدنا نافعاً. ويستحب أن يزور شهداء أحد يوم الخميس، خصوصاً قبر سيد الشهداء سيدنا الحمزة،
    ويقول:
    سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون. ويقرأ آية الكرسي، وسورة الإخلاص، ويستحب أن يأتي مسجد قباء يوم السبت،
    ويدعو بقوله: يا صريخ المستصرخين، ويا غياث المستغيثين، يا مفرج كرب المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين، صل على محمد وآل واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك كربه وحزنه في هذا المقام، يا حنان يا منان، يا كثير المعروف، ويا دائم الإحسان، يا أرحم الراحمين، ويستحب له أن يصلي الصلاة كلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ما دام في المدينة، وإذا أراد الرجوع إلى بلده استحب له أن يودع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحب ويأتي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما شاء، والله مجيب الدعاء.
    [مباحث الأضحية]
    [تعريفها]
    الأضحية - بضم الهمزة، وكسرها، مع تخفيف الياء -، وهي اسم لما يذبح أو ينحر من النعم تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر، سواء كان المكلف بها قائماً بأعمال الحج أو لا؛ باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية،
    فقالوا:
    إنها لا تطلب من الحاج.
    [دليلها]
    شرعت في السنة الثانية عن الهجرة: كالعيدين، وزكاة المال، وزكاة الفطر، وثبتت مشروعيتها بالكتاب، والسنة، والإجماع،
    قال تعالى:
    {فصل لربك وانحر} ،
    وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال:
    "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما"؛
    والأملح:
    الأبيض الخالص، وقيل: الذي بياضه أكثر من سواده،
    والأقرن:
    الذي له قرنان معتدلان، وغير ذلك من الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها.[حكمها]أما حكمها فهو السنية، فالأضحية سنة عين مؤكدة يثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها، وهذا القدر متفق عليه في الحقيقة،
    ولكن الحنفية قالوا:
    إنها سنة عين مؤكدة لا يعذب تاركها بالنار؛ ولكن يحرم من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعبرون عن ذلك بالواجب،
    وقال الشافعية:
    إنها سنة عين للمنفرد لا لأهل البيت الواحد، كما هو موضح في مذهبهم تحت الخط (2) .


    (1) المالكية قالوا: الحج وإن كان عبادة مركبة من بدنية ومالية؛ لكنه غلب فيه جانب البدنية، فلا يقبل النيابة، فمن كان عليه حجة الإسلام، وهي حجة الفريضة، فلا يجوز له أن ينيب من يحج عنه، سواء كان صحيحاً أو مريضاً ترجى صحته، ولو استأجر من يحج عنه حجة الفريضة كانت الإجارة فاسدة، وإذا حج الأجير وأتم عمله كان له أجرة المثل؛ أما إذا لم يتم عمله بأن فسخ الحاكم الإجارة حين الاطلاع عليها فلا شيء له من الأجرة أصلاً، ومن استأجر غيره للحج عنه تطوعاً، كالمريض الذي لا يرجى برؤه وكمن حج حجة الإسلام فإن الإجارة مكروهة لكنها تصح، ومثل ذلك الاستئجار على العمرة فتكون الإجاربة مكروهة وتصح لأن العمرة سنة لا فرض، ومن ع جز عن الحج بنفسه، ولم يقدر عليه في أي عام من حياته، فقد سقط عنه الحج بتاتاً، ولا يلزمه استئجار من يحج عنه إذا كان قادراً على دفع الأجرة، وإذا استأجر الشخص من يحج عنه، سواء كان صحيحاً أو مريضاً. وسواء كان الحج الذي استأجر عليه فرضاً أو نفلاً؛ فلا يكتب له أصلاً، بل يقع الحج نفلاً للأجير وإنما يكون للمستأجر ثواب مساعدة الأجير على الحج، وبركة الدعاء الذي يدعو به، كما أنه إذا أوصى الشخص قبل موته بالحج عنه، وحج عنه بعد الموت، أو فعلت ذلك ورثته بدون إيصاء منه؛ بأن استأجروا له بعد موته من يحج عنه؛ فإنه لا يكتب للميت أصلاً؛ لا فرضاً، ولا نفلاً.
    ولا يسقط به عنه حجة الإسلام إذا كان لم يؤدها حال حياته، وهو مستطيع قادر عليها، وإنما يكون للميت ثواب مساعدة الأجير على الحج، كما تقدم، وتكره الوصية بالحج، ولكن يجب على الورثة بعد موت الموصي أن ينفذوها من ثلث التركة إذا لم يعارضها وصية أخرى غير مكروهة، بحيث لا يسع ثلث التركة إلا إحدى الوصيتين فتقدم الوصية الأخرى في التنفيذ؛ وتلغى الوصية بالحج، مثال ذلك: أو يوصي بالحج عنه، ويوصي بخمسين جنيهاً للفقراء، وكانت أجرة الحج عنه خمسين جنيهاً، وثلث التركة خمسين جنيهاً ففي هذه الحالة لا يسع الثلث إلا إحدة الوصيتين - الحج عنه، والصرف على الفقراء - فيصرف ثلث التركة للفقراء، وتلغى الوصية بالحج، سواء كان الموصى عليه حجة الإسلام أو لا، على الراجح، ومتى لم يعارض الوصية بالحج وصية أخرى، فإن الوصية بالحج تنفذ، كما تقدم ويستأجر للميت من يحج عنه من بلده الذي مات فيه إذا لم يعين الميت مكاناً غيره، فإن عين مكاناً غيره، كأن قال: حجوا عني من مكة، تعين اتباع شرطه، فيستأجر له من مكة من يحج عنه، ولا يستأجر له من بلده الذي مات فيه، فإن كان ثلث التركة لا يسع الحج مما عينه، أو من بلده عند عدم التعيين وكان يحتمل الحج به من مكان آخر حج عنه من الممكن تنفيذاً للوصية بقدر الإمكان، ومثل ذلك ما إذا عين مقداراً من المال للحج عنه كثلاثين جنيهاً، وكان الحج بها غير ممكن من بلده الذي مات فيه، أو من المكان الذي عينه، فإنه يحج به من أي بلد يمكن الاستئجار منها بقدر الإمكان، وإذا كان ثلث التركة أو المال الذي عينه المتوفى للحج عنه يسع أكثر من حجة واحدة، فإنه يحج عنه مرة واحدة والباقي من الثلث أو المال المعين يكون ميراثاً، إلا إذا قال: حجوا عني بالثلث أو بهذا المبلغ، كمائة جنيه، فإنه يلزم الورثة أو يستأجروا أشخاصاً يحجون
    عنه كر واحد حجة بقدر ما يسع الثلث أو المال المخصص للحج، فإذا وسع ما ذكر حجتين استأجر الورثة شخصين يحج كل منهما عن الميت. ويكون ذلك كله في عام واحد على الراجح، فإن بقي بعد الحجتين مقدار لا يسع حجة صار ميراثاً، وهكذا الحكم لو وسع الثلث أو المال المعين للحج ثلاث حجج أو أكثر.
    الحنفية قالوا: الحج مما يقبل النيابة، فمن عجز عن الحج بنفسه وجب عليه أن يستنيب غير ليحج عنه، ويصح عنه بشروط:
    منها أن يكون عجزه مستمراً إلى الموت عادة؛ كالمريض الذي يرجى برؤه، وكالأعمى والزَّمن، ومتى كان عاجزاً بحيث لا يرجو القدرة على الحج إلى الموت، أنا من يحج عنه وحج عنه النائب فقط سقط الفرض عنه ولو زال عذره وقدر على الحج بعد، المريض الذي يرجى برؤه، والمحبوس فإنه إذا أناب عنه الغير فحج عنه ثم زال عذره بعد، فإن ذلك لا يسقط فرض الحج، ومنها نية الحج عن الأمر، فيقول: أحرمت عن فلان، ولبيت عن فلان؛ وتكفي نية القلب.
    فلو نوى النائب الحج عن نفسه، فلا يجزئ عن المنيب، ومنها أن يكون أكثر النفقة من مال المحجوج عنه، فلو تبرع شخص بالحج عن غيره من ماله، فلا يجزئه ذلك إن كان قد أوصى بالحج عنه، أما إذا لم يوص، وتبرع أحد الورثة أو غيرهم، فإنه يرجى قبول حجهم عنه إن شاء الله تعالى، وأما إذا خلط شخص ماله بمال المحجوج عنه، ثم حج، فإنه يجزئ المحجوج عنه، ثم إذا كان المال المدفوع إليه من المحجوج عنه أقل من النفقة عليه رجع بباقي النفقة عليه، ومنها عدم استراط الأجرة للنائب، بل يتكفل بأن ينفق عليه نفقة المثل، فإذا دفع إليه نفقة ليصرفها في الحج عنه، ثم بقيت منها بقية، فعليه أن يردها للمحجوج عنه إلا إذا تبرع له، أو تبرع الورثة، وكانوا أهلاً للتبرع، بأن كانوا راشدين: أما إذا اشترط الأجرة للنائب، كأن يقول: استأجرك للحج عني بكذا، فإن حجة لا يجوز، ولا يجزئ عن المستأجر، وتكون الإجارة باطلة، كالاستئجار للحج عني بكذا، فإن حجه لا يجوز، ولا يجزئ عن المستأجر، وتكون الإجارة باطلة، كالاستئجار على بقية الطاعات، إلا ما استثني للضرورة، كتعليم العلم والأذان والإمامة، ومنها عدم مخالفة ما شرطه المستنيب، فلو أمر بالإفراد، فحج عنه الغائب قارناً أو متمتعاً لم يقع عنه ويضمن النفقة التي صرفت له، أو لو أمره بالعمرة فنفذ أمره واعتمر عنه، ثم حج عن نفسه، أو أمره بالحج فحج عنه، ثم اعتمر عن نفسه، فإن ذلك يجوز، وتجزئ العمرة في الصورة الأولى، والحج في الصورة الثانية عن المستنيب، إلا أن نفقة إقامته للحج عن نفسه في الأولى؛ والعمرة عن نفسه في الثانية تلزمه في ماله؛ فإذا فرغ من العمل المختص به عادت النفقة في مال المستنيب، فلو قدم عمل نفسه على عمل المستنيب، كأن يأمره بالحج عنه، فيعتمر عن نفسه أولاً، ثم يحج عن المستنيب بعد ذلك، فإنه لا يصح،
    ويضمن النفقة كلها في ماله، ومنها أن يحرم بحجة واحدة، فلو أحرمبحجة عن الأمر، ثم بأخرى عن نفسه لم يجز، ولا يجزئ عن الأمر إلا إن رفض الثانية، ولو أمره رجلان كل منهما بالحج عنه، فأحرم لهما معاً لم يصح، وضمن النفقة لكل منهما، ومنها أن يكون كل من الأمر والمأمور مسلماً عاقلاً، فلا يصح الحج عن الكافر، ولا عن المجنون، إلا إذا كان جنونه طارئاً بعد أن وجب عليه الحج، فيصح الإحجاج عنه، ومنها أن يكون النائب مميزاً، فلا يصح أن يحج عن الغير صبي غير مميز. أما المراهق فإنه يصح أيحج عن الغير، كما يصح حج المرأة والعبد عن غيرهما، وكذلك من لم يؤد فريضة الحج عن نفسه؛ وهذه الشروط كلها في الحج عن الغير إذا كان فرضاً، أما الحج عن الغير نفلاً، فإنه لا يشترط في صحته إلا الإسلام والعقل فيهما - المستنيب والنائب - وتمييز النائب وعدم الاستئجار.
    هذا؛ وإذا فعل المأمور ما يفسد الحج، فإن كان ذلك قبل الوقوف بعرفة فإنه يضمن المال للمنيب، وإن كان ذلك بعد الوقوف فلا يضمن، لأنه أدى الركن الأعظم - وهو الوقوف - وكل كفارة جنابة تجب على المأمور، لأنه سببها؛ وأما هدي الإحصار فعلى المنيب. لأنه الإحصار لا اختيار للمأمور فيه، ومن أوصى بأن يحج عنه بعد موته، فإن عين مالاً ومكاناً وجب تنفيذ وصيته على ما عين، وإن لم يعين وجب أن يحج عنه من بلده إن كان ثلث ماله يكفي، فإن لم يكف وجب أن يحج عنه من المكان الذي يكفي منه المال، فإن لم يكف أصلاً بطلت وصيته، وإن كان الثلث يكفي لأكثر من حجة، فإن عين حجة واحدة فالباقي للورثة، وإلا حج به كله في سنة واحدة حججاً متعددة، هذا أفضل من أن يحج حججاً متعددة في سنين متعددة.
    الشافعية قالوا: الحج من الأعمال التي تقبل النيابة فيجب على من عجز عن الحج أن ينيب غيره ليحج بدله إما باستئجاره لذلك، أو بالإنفاق عليه، والعجز إما أن يكون لعاهة أو كبر سن أو مرض لا يرجى برؤه بقول طبيبين عدلين، أو بمعرفته هو إن كان عارفاً بالطب، وحد العجز أن يكون على حالة لا يستطيع معها أن يثبت على راحلته إلا بمشقة شديدة لا تحتمل عادة؛ وأيس من المقدرة، ثم أو وجوب الإنابة تارة يكون على الفور، وذلك إذا عجز بعد الوجوب والتمكن من الحج، وتارة يكون على التراخي، وذلك إذا عجز قبل الوجوب أو معه أو بعده، وكان غير متمكن من الأداء، ويشترط في العاجز أن يكون بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر فإن كان بينه وبين مكة أقل من مرحلتين، أو كان بمكة فلا تجوز له الإنابة، بل يلزمه أن يباشر النسك بنفسه لاحتماله المشقة حينئذ، فإن عجز عن مباشرة الحج بنفسه في هذه الحالة يحج عنه الغير بعد موته من تركته، إلا إذا أنهك المرض قواه، وصار في حالة لا يحتمل معها الحركة، فإن الإنابة تجوز عنه حينئذ، ويشترط أيضاً أن يكون النائب قد أدى فرضه، فلا تجوز إنابة من لم يحج حجة الفرض، وأن يكون ثقة عدلاً، ويشترط لصحة عقد الاستئجار على الحج والعمرة معرفة العاقدين أعمال الحج فرضاً ونفلاً؛ حتى لو ترك النائب شيئاً من سنن الحج سقط من الأجرة بقدره، وكذلك يشترط لصحة الإجارة أن يكون الأجير قادراً على الشروع في العمل؛ فلا يصح استئجار من لم يمكنه الشروع بعذر ما، ولا يشترط ذكر الميقات؛ نعم يجب على الأجير أن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه أو إلى مثل مسافته إذا عينوا ميقاتاً ليحرم منه.
    وإذا لم يعينوا ميقاتاً فيجوز للأجير أن يحرم من ميقات غير ميقات المحجوج عنه؛ ولو كان أقصر مسافة منه، ولا يشترط معرفة من استؤجر عنه، ويشترط أن ينوؤ عمن استؤجر عنه؛ وإذا برأ العاجز بعد حج النائب عنه لزمه أن يحج عن نفسه بعد شفائه، لتبين فساد الإجارة، ووقع الحج للنائب، ولا أجرة له؛ بل يسترد منه ما أخذه، وكما تكون الإنابة في الحج عن الأحياء كذلك تكون عن الأموات، فيجب على وصي الميت، فوارثه فالحاكم أن ينيب عنه من يفعله من تركته فوراً؛ فإن لم تكن له تركة، فلا تجب الإنابة، بل يسن للوارث أو الأجنبي - وإن لم يأذن له الوارث - أن يؤديه عنه بنفسه أو بالإنابة، ويشترط أن يكون الميت غير مرتد، وأن يكون الحج والعمرة واجبين عليه ولو بالنذر فإذا لم يكونا واجبين عليه فلا يحج عنه من تركته، لكن للغير الحج والإحجاج عنه، وإن لم يكن مخاطباً به حال حياته.
    هذا كله فيمن لم يحج أصلاً، وأما من أدى الحجة المفروضة ويراد الحج عنه تطوعاً، فلا يجوز الحج والعمرة عنه إلا إذا أوصى به، وإذا أفسد النائب الحج لزمه قضاؤه عن نفسه، ويقع القضاء له، ويلزمه رد ما أخذه من المستأجر له، أو يأتي بالحج عن المنيب في عام آخر غير العام الذي يقضي فيه الحج عن نفسه، أو يستنيب من يحج عنه في ذلك العام.
    الحنابلة قالوا: الحج يقبل النيابة وكذلك العمرة، فإذا عجز من وجبا عليه عن أدائهما وجب عليه أن ينيب من يؤديهما عنه وجوباً فورياً، وأساب العجز كبر السن، والعاهة، والمرض الذي لا يرجى برؤه، وثقل الجسم الذي لا يقدر المرء أن يركب معه الراحلة إلا بمشقة شديدة، والهزال الذي لا يستطيع أن يثبت معه على الراحلة إلا بمشقة لا تحتمل بحسب العادة، ومن ذلك ما إذا لم تجد المرأة محرماً تحج معه، ولا يشترط في النائب أن يكون رجلاً، بل تجزئ إنابة المرأة أيضاً، وإذا عوفي العاجز وقدر على الحج أو العمرة بنفسه، فلا يلزم بأدائهما مرة أخرى، سواء كانت قدرته بعد فراغ النائب من أعمالهما أو بعد الشروع وقبل الفراغ، أما إذا عوفي قبل إحرام النائب بهما؛ فلا بد من أدائهما بنفسه، ولا يجزئه حج النائب عنه، ولا عمرته لو فعل، وكذلك العاجز الذي يرجى زوال عجزه لا تجزئه النيابة، ويجب عليه أن يحج ويعتمر بنفسه متى زالت علته وإذا كان العاجز قادراً على الإنفاق على النائب، ولم يجد نائباً لم يجب عليه الحج، فإذا وجد النائب بعد ذلك لم تلزمه الإنابة إلا إذا كان مستطيعاً، ومن توفي قبل أن يحج الحج الواجب عليه، سواء كان ذلك بعذر أو بغير عذر، وجب أن يخرج من جميع ماله نفقة حجة وعمرة، ولو لم يوص، وأن يحج عنه من المكان الذي وجب عليه فيه الحج، لا من المكان الذي مات فيه ويجوز أن يكون الإحجاج عنه من خارج بلده إذا كان بينهما أقل من مسافة القصر، فإن كان أكثر فلا يجوز، ولا يجزئه حج النائب عنه، ويسقط الحج عن الميت بحج أجنبي عنه، ولو بلا إذن وليه، ويجب أن يكون النائب ليس عليه حجة الإسلام، ولا حجة قضاء، ولا نذر، فإذا استناب من عليه شيء من ذلك فلا يصح حجة عنه، ويجب عليه أن يرد إلى المنيب ما أخذ منه في مقابلة الحج عنه، والعمرة كالحج في ذلك، فلا يصح
    أن يعتمر الشخص نيابة عن غيره إذا كان لم يعتمر عن نفسه عمرة الإسلام، أو عليه عمرة منذورة أو قضاء؛ ويصح أن ينوب في الحج من أداه عن نفسه، وإن كان عليه العمرة؛ وكذلك يصح أن ينوب في العمرة من لم يحج عن نفسه، ولكنه أدى العمرة الواجبة عليه، ويجب أن يؤدي المأمور ما أمر به؛ فلو أمره بالحج فاعتمر أو بالعكس، فلا يجوز، ولا يجزئ عن الآمر، ويجب على المأمور أن يرد إليه ما أخذه، وهذا في الحج والعمرة عن الحي، أما الميت فيقع عنه ما فعله النائب، حجاً كان أو عمرة، ولا إذان لوارثه؛ ويكفي النائب أن ينوي النسك - الحج والعمرة - عن المستنيب، ولا يشترط التلفظ باسمه؛ وللنائب النفقة المعتادة لأمثاله بحسب العرف، ويرد ما زاد على ذلك، وله نفقة العودة ولو طال مقامه بمكة، إلا إذا اتخذها داراً له، ولو زمناً قصيراً، كساعة، فليس له نفقة في العودة منها، وإذا أفسد النائب حجة فعليه القضاء؛ ويجب عليه أن يرد ما أخذه من المستنيب، لأن الحج لم يقع عنه؛ وكذلك إن فاته الحج بتفريطه، فإن لم يفرط فله النفقة. وإن مرض النائب في الطريق فعاد فله النفقة في رجوعه، ودم القران والتمتع على المستنيب إن أذن فيهما، وإلا فعلى النائب، كما أن كفارة الجنايات تكون على النائب
    (2) الشافعية قالوا: هي سنة عين للمنفرد، وسنة كفاية لأهل بيت واحد أو بيوت متعددة تلزم نفقتهم شخصاً واحداً، بمعنى أنه إذا فعلها من تلزمه نفقتهم سقط الطلب عنهم، فلا ينافي أنها تسن لكل منهم



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الحج والعمرة]
    صـــــ 644 الى صــــــــ
    656
    الحلقة (80)

    [مباحث الأضحية]
    [شروطها]
    تنقسم شروط الأضحية إلى قسمين: شروط سنيتها، وشروط صحتها، فأما شروط سنيتها، فمنها القدرة عليها، فلا تسن للعاجز عنها، وفي حد القدرة تفصيل المذاهب، مذكور تحت الخط (1) ، ومنها الحرية فلا تسن للعبد؛ وزاد المالكية في شروط سنيتها أن لا يكون حاجاً، ولو كان من أهل مكة، كما تقدم، أما المسافر لغير الحج فتسن له، أما البلوغ فليس شرطاً لسنيتها، فتسن للصبي القادر عليها، ويضحي عنه وليه، ولو كان الصبي يتيماً، عند المالكية، والحنابلة؛ أما الحنفية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .وأما شروط صحتها فمنها، السلامة من العيوب، فلا تصح إذا كان فيها عيب من العيوب المفصلة في المذاهب. فانظرها تحت الخط (3) .
    ومنها الوقت المخصوص، فلا تصح إذا فعلت قبله أو بعده، وفي بيانه تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (4) .
    وقد زاد بعض المذاهب شروطاً أخرى، مذكورة تحت الخط (5) .؛ ويصح الاشتراك في الأضحية سواء كان ذلك في ثمنها أو في ثوابها. باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (6) وإنما يصح الاشتراك فيها إذا كانت من الإبل أو البقر، فإذا اشترك سبعة في بقرة أو ناقة يصح إذا كان نصيب كل واحد منهم لا يقل عن سبع، فإن كانوا أكثر من سبعة لا يصح، أما إن كانوا أقل فيصح، ولا تصح الأضحية بغير النعم من الإبل والبقر والجاموس والغنم، وفي الأفضل منها تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (7) .
    [مبحث إذا ترك التسمية عند الذبح الأضحية]
    التسمية شرط في حل أكل كل ذبيحة، باتفاق ثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) سواء أكانت أضحية أم غيرها، فمن ترك التسمية عمداً لا تؤكل ذبيحته، بخلاف ما إذا تركها سهواً، فإنها تؤكل، كما سيأتي في مبحث الذبح، وكذلك من أهل لغير الله، فإن ذبيحته لا تؤكل، والإهلال لغير الله هو الصياح بذكر الصنم ونحوه عند ذبح ما يتقرب به إليه، فقد كانت عادة المشركين أن يصيحوا عندما يذبحون لأصنامهم بذكرها.
    [مبحث مندوبات الأضحية ومكروهاتها]
    وأما مندوباتها ومكروهاتها فهي مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (9)
    [مبحث كيف يذبح الحيوان ويقال لذلك: ذكاة]
    الذكاة - بالذال - ذبح أو نحر أو عقر حيوان مباح للأكل، بشرائط مفصلة في المذاهب، مذكورة تحت الخط(10)
    ويسن أن تنحر الإبل، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط، (11) ونحوها مما له رقبة طويلة ويذبح غيرها، كالبقر،
    والغنم:
    ويسن أن يحد الشفرة أولاً - السكين ونحوها - وأن يحدها بعيداً عن الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة والأخرى تنظر، وأن يضجع الذبيحة إن كانت شاة أو بقرة على جنبها الأيسر،
    ثم يقول:
    اللهم هذا منك وإليك {وجهت وجهي} الآية {ن صلاتي نسكي} الآية، بسم الله، الله أكبر، ثم يذبح، ويكره كسر عنق المذبوح قبل أن تزهق روحه ويسكن وكذلك يكره سلخه، أو قطع عضو منه، أو نتف ريشه قبل أن تزهق روحه، ويكره ترك التوجه إلى القبلة، ويكره كل تعذيب للمذبوح بدون فائدة.هذا، وقد أشبعنا الكلام في هذه المواضيع وفيما يجوز أكله وما لا يجوز أكله، وفيما يحل لبسه وما لا يحل في الجزء الثاني، من كتابنا هذا؛ فليرجع إليه من شاء؛ والله ولي التوفيق.

    ____________________________
    (1) الحنفية قالوا: القادر عليها هو الذي يملك مائتي درهم، وقد تقدم بيانها في "الزكاة" أو يملك عرضاً يساوي مائة درهم يزيد عن مسكنه، وثياب اللبس والمتاع الذي يحتاجه، وإذا كان له عقار يستغله تلزمه الأضحية إذا دخل منه قوت عامه، وزاد معه النصاب المذكور، وقيل: تلزمه إذا دخل له منه قوت شهر، وإن كان العقار وقفاً تلزمه الأضحية إن دخل له منه قيمة النصاب وقتها.
    الحنابلة قالوا: القادر عليها هو الذي يمكنه الحصول على ثمنها، ولو بالدين إذا كان يقدر على وفاء دينه.
    المالكية قالوا: القادر عليها الذي لا يحتاج إلى ثمنها لأمر ضروري في عامه، فإذا احتاج إلى ثمنها في عامه فلا تسن، وإذا استطاع أن يستدين استدان، وقيل: لا يستدين.
    الشافعية قالوا: القادر عليها هو الذي يملك ثمنها زائداً عن حاجته وحاجة من يعول يوم العيد، وأيام التشريق، ومن الحاجة ما جرت به العادة من كعك وسمك وفطير ونقل ونحو ذلك.
    الحنفية قالوا: زادوا في الشروط أن يكون مقيماً، فلا تجب على المسافر، وإن تطوع بها أجزأته، وإذا اشترى شاة ليضحي بها ثم سافر قبل حلول وقتها فإنه يبيعها، ولا تجب عليه الأضحية؛ وكذا لو سافر بعد دخول الوقت قبل أن يذبح، فإن الأضحية لا تجب عليه، وتجب على الحاج إن لم يكن مسافراً بأن كان من أهل مكة
    (2) الحنفية قالوا: البلوغ ليس شرطاً لوجوبها، فتجب على الصبي عندهما، ويضحي وليه من مال الصبي إن كان له مال، فلا يضحي الأب عن ولده الصغير. وعند محمد شرط، فلا تجب الأضحية في مال الصبي، وهل تجب على الأب أو لا؟ قولان مصححان، ومثل الصغير المجنون.
    الشافعية قالوا: لا تسن للصغير، فالبلوغ شرط لسنيتها، وكذلك العقل
    (3) الحنفية قالوا: لا تصح الأضحية بالعمياء، ولا بالعوراء. وهي المهزولة التي لا مخ في عظامها: ولا بالعرجاء التي لا تستطيع المشي إلى المذبح:
    أما العرجاء التي تمشي بثلاث قوائم وتضع الرابعة لتستعين بها على المشي. فإنها تجزئ وكذا لا تصح بمقطوعة الأذن. أو الذنب. أو الألية إذا ذهب أكثر من ثلثها؛ أما إذا بقي ثلثاها وذهب ثلثها فإنها تصح. وكذا لا تصح بالهتماء إلا إذا بقي أكثر أسنانها. ولا تصح بالسكاء التي لا أذن لها بحسب الخلقة ولا تصح الأضحية بمقطوعة رؤوس الضرع ولا بالتي انقطع لبنها، ولا بالتي لا ألية لها بحسب الخلقة، ولا بالجلالة، وهي التي ترعى العذرة قبل حبسها وإطعامها الطاهر، كما تقدم؛ وتصح بالجماء التي لا قرون لها خلقة والعظماء. وهي التي ذهب بعض قرنها فإذا وصل الكسر إلى المخ لم تصح. وكذا تصح بالتولاء وهي المجنونة إذا لم يمنعها الجنون عن الرعي. فإن منعها لا تجوز التضحية بها. وتصح بالجرباء إن كانت سمينة. فإذا هزلت بالجرب فلا تصح. وكذا لا تصح بالصغير:
    وهو ما كان أقل من سنة في الضأن والمعز:
    إلا إذا كان الضأن كبير الجسم سميناً: فإنها تصح به إذا بلغ ستة أشهر؟ بشرط أنه إذا خلط بما له سنة لا يمكن تمييزه منه. أما المعز فإنها لا تصح به إلا إذا بلغ سنة، وطعن في الثانية على كل حال، أما الصغير من البقر والجاموس فهو ما كان أقل من سنتين، فلا تصح بالبقر والجاموس إلا إذا بلغ سنتين وطعن في الثالثة، والصغير من الأبل ما كان أقل من خمس سنين، فلا تصح بالإبل إلا إذا بلغت خمس سنين وطعنت في السادسة، وتجزئ الشاة عن الواحد، وتجزئ الناقة والبقرة عن سبعة أشخاص، بشرط أن يكون لكل واحد منهم سبعها، فإن نقص نصيبه عن السبع لم تجزئه.
    المالكية قالوا: لا تصح بالعمياء، ولا بالعوراء؛ والمعتبر في العمى والعور ذهاب ضوء العين، وإن بقيت صورتها، ولا تصح بالمريضة التي تستطيع أن تتصرف كتصرف السليمة؛ أما إذا كان المرض خفيفاً فإنه لا يضر، ولا تصح بالجرباء إذا كان جربها ظاهراً، ولا بما أكلت أكلاً غير معتاد. فشمت ما لم يحصل لها إسهال، فتصح به، ولا تصح بالمجنونة جنوناً دائماً، أما الجنون غير الدائم فإنه لا يضر، فتصح بالتولاء وهي التي تدور في موضعها من الجنون، ولا تتبع الغنم، ولا تصح بالمهزولة هزالاً بيناً، وهي التي لا مخ في عظامها، ولا بالعرجاء عرجاً بيناً يمنعها من مسايرة أمثالها، ولا بمقطوعة جزء من أجزائها:
    كيد، أو رجل، سواء كان القطع خلقياً أو لا، وسواء كان الجزء أصلياً، أو زائداً:
    ولكن يغتفر قطع خصية الحيوان، فتصح بالخصي، لأن فيه فائدة تعود على اللحم، ولا فرق بين أن يكون خصياً بالخلقة أو لا، ولا تصح بالصمعاء وهي صغير الأذنين جداً، ولا بالبتراء وهي مقطوعة الذنب، سواء كان ذلك خلقة أو بعارض، ولا بالبكماء - فاقدة الصوت - إلا لعارض عادي:
    كالناقة إذا مضى على حملها أشهر، فإنها تبكم، فتصح بها، ولا بالبخراء. وهي منتنة الفم. إلا إذا كان أصلياً، كما هو الحال في بعض الإبل؛ وكذا لا تصح بيابسة الضرع، ومشفوفة الأذن إذا كان الشق أكثر من الثلث، فإن كان الشق ثلثها أجزأت على المشهور، ولا بمكسورة سنين فأكثر، أما مكسور سن واحد فتصح بها، كما إذا ذهبت أسنانها لكبر أو تغيير، فإنها تصح؛ ولا تصح بذاهبة ثلث الذنب.
    أما ذاهبة ثلث الأذن فتصح بها، وكذا لا يصح بحيوان متولد بين وحشي وأنسي، فإذا كانت الآباء غنماً والأمهات ظباء أو بالعكس لا تجزئ في الأضحية على الأصح، وتصح بالجماء، وهي المخلوقة بدون قرن، أما إذا كانت مستأصلة القرنين عروضاً ففيها قولان، وهذا إذا لم يكن مكانهما دامياً، وإلا فلا تصح بها قولاً واحداً؛ وكذا تصح بالمقعدة العاجزة عن القيام بسبب السمن، وكثرة الشحم لا بالمرض، وتصح بالجذع من لضأن، وهو ما بلغ سنة عربية، وعلامته أن يرقد صوف ظهره بعد قيامه، وتصح بالثني من المعز وهو ما بلغ سنة ودخل في الثانية دخولاً بيناً بأن قطع منها نحو شهر، وتصح بالثني من البقر، وهو ما بلغ ثلاث سنين؛ وبالثني من الإبل؛ وهو ما بلغ خمس سنين؛ والمعتبر السنة القمرية، ولو نقص بعض شهورها.
    الشافعية قالوا: لا تصح بالمعيبة بعيب ينقص لحمها أو شحمها أو غيرهما مما يؤكل، فلا تصح بالعوراء، ولا بالعمياء، والمعتبر ذهاب ضوء العين، وكذا ما كان على إحدى عينيها بياض؛ إذا كان كثيراً، بخلاف اليسير، فلا يضر، كما لا يضر العمش، وهو ضعف البصر مع سيلان الدمع غالباً، ولا تصح بالعرجاء عرجاً بيناً، وهي التي تسبقها أمثالها إلى المرعى، وتتخلف عنها ولو حصل لها العرج وقت الذبح ولو في حال قطع الحلقوم والمريء، ولا تصح بالمريضة مرضاً يظهر بيناً، ظهر بسببه هزالها؛ وفساد لحمها، فلو كان مرضها يسيراً لا يضر، ولا تصح بالعجفاء وهي التي لا مخ لها في عظامها من شدة الهزال؛ ولا بالثولاء، وهي التي تستدبر المرعى، ولا ترعى إلا قليلاً فتهزل، ولا تصح بالجرباء، وإن كان الجرب يسيراً، لأنه يفسد اللحم، ولا بمقطوعة الأذن كلاًّ أو بعضاً.
    ولا بمقطوعة الألية، ويغتفر ما يقطع من طرف الألية في الصغر، ويسمى - التطريف - لأنه يجبر بالسمن، أما المخلوقة بلا ذنب، فإنها تجزئ، كالمخلوقة بلا ضرع ولا ألية بخلاف المخلوق بلا أذن، فإنها لا تصح به، وتصح بمشقوقة الأذن، أو مثقوبتها إذا لم يزل بذلك شيء منها، وتصح بالخصي، والخصاء جائز بشروط ثلاثة: أن يكون لمأكول اللحم، أن يكون في صغره؛ أن يكون في زمان معتدل، وإلا حرم، وتصح بمكسورة القرن، وإن كان محله دامياً ما لم يترتب عليه نقص في اللحم، كما تصح بالجماء، ما لا قرن له خلقة، وإن كان الأقرن أفضل وتصح بفاقدة الأسنان خلقة، أما ما ذهبت أسنانه لعارض فإنه لا يجزئ، كما لا يجزئ ما ذهبت بعض أسنانه إن كان ذلك يؤثر في علفه، فإن كان لا يؤثر تجزئ، وتصح بالضأن إذا بلغ سنة كاملة، أو أسقط مقدم أسنانه، بشرط أن يكون ذلك بعد ستة أشهر؛ وتصح بالمعز بالضأن إذا بلغ سنتين كاملتين، وتصح بالبقر والجاموس إذا بلغ سنتين كاملتين، وبالإبل إذا بلغ خمس سنين كوامل، ولا يجزئ المتولد بين أنسي ووحشي.
    الحنابلة قالوا: لا تصح بالعمياء، وهي التي ذهب نور عينيها، وإن بقيت عيناها صورة، ولا تصح بالعوراء، وهي التي انخسفت عينها، أما إذا كان عليها بياض وهي قائمة، فتصح بها، ولا تصح بالعجفاء، التي لا مخ في عظامها لهزالها، ولا تصح بالعرجاء، وهي التي لا تقدر على المشي مع جنسها الصحيح إلى المرعى، ولا تصح بالمكسورة، ولا بالمريضة مرضاً يفسد لحمها، كجرب أو غيره، ولا تصح بالعضباء، وهي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها؛ أما التي خرقت أذنها، أو انشقت، أو قطع منها النصف أو أقل، فتصح بها مع الكراهة، ومثل الأذن في ذلك القرن ولا تصح بالجداء، وهي جافة الضرع، ولا بالهتماء، وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها، ولا بالعصماء، وهي التي انكسر غلاف قرنها؛ ولا تصح بما ذهب أكثر من نصف أليتها، أما ما ذهب نصفها فأقل، فتصح بها، كما تصح بالجماء، وهي التي خلقت بلا قرن، والصمعاء، وهي الصغير الأذن جداً، وما خلقت بلا أذن، وكذا تصح بالبتراء؛ وهي التي لا ذنب لها خلقة أو مقطوعاً، وتصح بالخصي؛ أما المجبوب، وهو ما قطع ذكره مع أنثييه، فإنه لا يجزئ، والحامل كغيرها في الأحكام؛ ولا تصح بالوحشي، ولا بالمتولد بين وحشي وغيره؛ وتصح بالجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، ويعرف كونه أجذع بنوم الصوف على ظهره:
    وتصح بالثني مما سواه، فثنى المعز ما له سنة كاملة، وثني البقر ما له سنتان كاملتان، وثني الإبل ما له خمس سنين؛ ودخل في السادسة، ولا تصح بما دون ذلك
    (4) الحنفية قالوا: يدخل وقت الأضحية عند طلوع فجر يوم النحر؛ وهو يوم العيد، ويستمر إلى قبيل غروب اليوم الثالث، وهذا الوقت لا يختلف في ذاته بالنسبة لمن يضحي في المصر أو يضحي في القرية، ولكن يشترط في صحتها للمصري أن يكون الذبح بعد صلاة العيد، ولو قبل الخطبة، إلا أن الأفضل تأخيره إلى ما بعد الخطبة، فإذا ذبح ساكن المصر قبل صلاة العيد لا تصح أضحيته؛ ويأكلها لحماً فإذا عطلت صلاة العيد ينتظر بها حتى يمضي وقت الصلاة. ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال. ثم يذبح بعد ذلك، أما القروي - ساكن القرية - فإنه لا يشترط له ذلك الشرط. بل يذبح بعد طلوع فجر النحر، وإذا أخطأ الناس في يوم العيد فصلوا وضحوا ثم بان لهم أنه يوم عرفة أجزأتهم صلاتهم وأضحيتهم. وإذا تركت ذبيحة الأضحية حتى فات وقتها يتصدق بها حية.
    المالكية قالوا: يبتدئ وقت الأضحية لغير الإمام في اليوم الأول بعد تمام ذبح الإمام. ويبتدئ وقتها للإمام بعد الفراغ من خطبته بعد صلاة العيد، أو مضي زمن قدر ذبح الإمام أضحيته إن لم يذبح الإمام. ويستمر وقتها لآخر اليوم الثالث ليوم العيد، ويفوت بغروبه. فإذا أراد أن يذبح في اليوم الثاني فلا يلزم أن يراعي مضي زمن قدر صلاة الإمام. بل يذبح إذا ارتفعت الشمس، وإذا ذبح بعد الفجر أجزأه. فإذا ذبح أحد قبل الإمام متعمداً لا تجزئه، وأعاد ذبح أضحية أخرى، أما إذا لم بتعمد بأن تحرى أقرب إمام لم يبرز أضحيته، وطن أنه ذبح فذبح بعده، وتبين أنه سبق الإمام أجزأه، فإذا تأخر ألإمام بعذر شرعي، انتظره إلى قرب الزوال، بحيث يبقى على الزوال ما يسع الذبح ثم يذبح ولو لو يذبح الإمام.
    الحنابلة قالوا: يبتدىء وقت ذبح الأضحية من يوم العيد بعد صلاة العيد، فيصح الذبح بعد الصلاة وقبل الخطبة، ولكن الأفضل أن يكون بعد الصلاة والخطبة، ولا يلزم أن ينتظر الفراغ من الصلاة في جميع الأماكن التي تصلي فيه العيد إن تعددت، بل لو سبق بعضها جاز، وإذا كان في جهة لا يصلى فيها العيد: كالبادية وأهل الخيام ممن لا عيد عليهم، فإن وقت الأضحية يبتدئ فيها بمضي زمن قدر صلاة العيد، فإن فاتت صلاة العيد بالزوال ضحى إذن عند الزوال، واخر وقت ذبح الأضحية زمن الثاني من أيام التشريق، فأيام النحر عندهم ثلاثة: يوم العيد، ويومان بعده، ويجوز في ليل يومي التشريق التاليين ليوم العيد إنما الأفضل أن يذبح في النهار.
    الشافعية قالوا: يدخل وقت ذبح الأضحية بعد مضي قدر ركعتين وخطبتين بعد طلوع الشمس يوم عيد النحر، وإن لم ترتفع الشمس قدر رمح، ولكن الأفضل تأخيره إلى مضي ذلك من ارتفاعها، ويستمر إلى آخر أيام التشريق الثلاثة، ويصح الذبح ليلاً أو نهاراً بعد دخول وقتها، إلا أنه يكره في الليل إلا لحاجة: كاشتغاله نهاراً بما يمنعه من التضحية، أو لمصلحة. كسهولة حضور الفقراء ليلاً
    (5) المالكية قالوا: زادوا أن يكون الذبح نهاراً فلو ذبح ليلاً لم تصح أضحيته، وهذا الشرط بالنسبة لليوم الأول لا خلاف فيه عندهم، أما في غير اليوم الأول في صحة الذبح ليلاً خلاف، والمشهور أنه لا يجزئ، وأن يكون الذابح مسلماً، فإذا بحها الكتابي لا تجزئ، ولكنها تؤكل لحماً وأن لا يشرك معه فيها أحد؛ ويصح أن يشرك في الثواب لا في الثمن معه من تلزمه نفقتهم إن كانوا معه في سكن واحد، وإلا فلا تصح، وهذا هو المشهور عندهم
    الحنفية قالوا: زادوا أن يكون الذبح نهاراً في اليوم الأول والرابع، فلو ذبح في الليلة الأولى أو الليلة الرابعة لا تصح، أما الذبح في الليلتين المتوسطتين فإنه مكروه تنزيهاً
    (6) المالكية قالوا: لا يصح الاشتراك في الثمن، إنما يصح الاشتراك في الأجر بالشروط المتقدمة
    (7) الحنفية قالوا: الشاة أفضل من سبع البدنة - البقرة أو الجمل ونحوهما - إذا استويا في اللحم والقيمة والكبش أفضل من النعجة إذا استويا في الثمن والقيمة أيضاً. والأنثى من المعز أفضل من التيس إذا استويا قيمة، والأنثى من الإبل والبقر أفضل إذا استويا أيضاً.
    الشافعية قالوا: أفضلها سبع شياه عن واحد، فبدنة، فبقرة، والكمال لا حد له.
    الحنابلة قالوا: الأفضل الإبل، ثم البقر إن أخرج كاملاً بدون اشتراك، ثم الغنم، ثم شرك سبع في ناقة أو جمل، ثم شرك في بقرة، وأفضلها جميعها الأسمن، ثم الأغلى ثمناً، والذكر والأنثى سواء.
    المالكية قالوا: الأفضل الضأن مطلقاً، ثم المعز، ثم البقر، وتقديمه على الإبل هو الأظهر، ثم الإبل، ويندب الفحل إن لم يكن الخصي أسمن، فإن كان أسمن فهو أفضل من الفحل السمين
    (8) الشافعية قالوا: التسمية ليست شرطاً في حل أكل الذبيحة، فلو ترك التسمية عمداً حلت الذبيحة، ولكن ترك التسمية مكروه، أما الذبيحة التي يحرم أكلها فهي التي ذكر اسم غير الله عليها، وهي التي كانت تذبح للأصنام
    (9) المالكية قالوا: يندب إبراز الضحية للمصلي، ويكره عدم ذلك للإمام فقط، ويندب أن يكون الصنف الذي يضحى منه جيداً من أعلى النعم وأكمله، وأن يكون من مال طيب، وأن تكون سالمة من العيوب التي تصح بها، فيندب أن تكون غير خرقاء. وهي التي في أذنها خرق مستدير، وأن تكون غير شرقاء، وهي مشقوقة الأذن، أو مقابلة، وهي مقطوعة الأذن من جهة وجهها، أو مدارة، وهي مقطوعة الأذن من خلفها؛ وندب أن يكون سميناً، وأن يكلف ليسمن على الراجح، وندب أن يكون ذكراً ذا قرنين أبيض، وندب أن يكون فحلاً إن لم يكن المخصي أسمن؛ وندب أن يكون ضأناً، ثم معزاً، إلى آخر التفصيل المتقدم ويندب لمن يريد التضحية أن يترك الحلق وقلم الظفر في عشر ذي الحجة إلى أن يضحي، ويندب أن يذبح الأضحية بيده، ويندب للوارث أن ينفذ أضحية مورثه إن عينها قبل موته ما لم تكن نذراً، وإلا وجب تنفيذ الوصية، ويندب أن يجمع بين الأكل منها والتصدق والإهداء بدون تحديد معين، بل يفعل في ذلك كما يجب؛ ويسن ذح أو نحر ولد خرج من الضحية قبل دبحها أو نحرها حيا حياة غير مستمرة، ويؤكل إن تم خلقه، ونبت شعره، أما إن خرج منها عقب ذبحها حيا حياة مستمرة، فإن ذبحه أو نحره واجب؛ ويكره جز صوفها قبل الذبح بشرطين:
    الأول: أن لا ينوي جزه عند شرائها، فإن نوى جزه ليتصرف فيه التصرف المباح جاز بلا كراهة، أما إذا نوى بيعه فإنه يكره،
    الثاني: أن لا ينبت مثله أو قريب منه قبل الذبح، وإلا فلا كراهة، أما المنذورة فإنه يحرم جز صفوفها مطلقاً، وقيل: حكمها كغيرها في ذلك.
    الحنفية قالوا: يندب أن يأكل من لحم أضحيته ويدخر ويتصدق، والأفضل أن يتصدق بالثلث ويدخر الثلث، ويتخذ الثلث لأقربائه وأصدقائه، ولو أخذ الكل لنفسه جاز، لأن القربة تحصل بإراقة الدم. هذا إذا لم تكن منذورة، وإلا فلا يحل الأكل منها مطلقاً، بل يتصدق بها جميعهاً، وكذا التي وجب التصدق بعينها بعد أيام النحر، أما إذا اشتراها للأضحية، ثم حبسها حتى مضت أيام النحر، فإنه يجب عليه أن يتصدق بها حية، ويحرم عليه الأكل منها، وكذا يحرم الأكل من ولد الأضحية التي تلده قبل الذبح فإذا ولدت الأضحية ولداً قبل ذبحها فإنه يذبح معها، ويتصدق به جميعها؛ ولا يحل الأكل منه، فإن أكل منه شيئاً تصدق بقيمته.
    ويستحب أن يتصدق به حياً أما الولد الذي لا يخرج حياً فسيأتي بيان الخلاف في تذكيته في "مبحث الزكاة" وكذا يحرم الأكل من الأضحية التي ضحى بها عن الميت بأمره، ومن المشتركة بين سبعة نوى أحدهم بحصته القضاء عن الماضي، فإن هذه الأشياء يجب التصدق بها جميعها، ويندب أن لا يتصدق منها بشيء إذا كان صاحبها ذا عيال توسعة عليهم، وأن يذبح بيده إن كان يعرف الذبح، وإلا شهدها بنفسه، ويأمر غيره، وكره ذبح الكتابي، وأما المجوسي والوثني فلا تحل ذبيحته - كما تقدم، وكره بيع جلدها أو استبداله بما يستهلك، كلحم، وجبن، وخل، ونحو ذلك؛ أما استبدالها بغربال ودلو ونحو ذلك مما يبقى زمناً طويلاً فإنه يحل، ويجوز أن ينتفع به في مثل هذا، فيعمل هو غلابالاً وقربة وسفرة ونحو ذلك، وقيل:
    بيع جلدها باطل لا مكروه، وكره جز صوفها قبل الذبح لينتفع به، فإن جزه تصدق به، وكره ركوبها وتأجيرها، فإن فعل تصدق بالأجرة التي أخذها، ويكره الانتفاع بلبنها قبل ذبحها، وأن يعطي الجزار أجره منها، ويكره تنزيهاً الذبح ليلاً في الليلتين المتوسطتين، أما الليلة الأولى والرابعة فإنه لا يصح فيهما الذبح، كماتقدم، ويسن توجيهها إلى القبلة، وأن يعمل فيها كغيرها مما تقدم من حد الشفرة، وعدم تعذيبها بغير ضرورة؛ وكره بيع صوف الأضحية، وشرب لبنها وإطعام كافر منها، كتابياً كان، أو مجوسياً، بأن يبعث له بشيء منها في منزله، أما إذا ضافه كافر، أو نزل به وهو يأكل، فإنه لا كراهة في إطعامه منها على الراجح، وكره التغالي في ثمنها، أو عددها إن خاف المباهاة، أما إذا قصد زيادة الثواب بزيادة الثمن والعدد فإنه مندوب، وكره فعل التضحية عن شخص ميت إذا لم يشترطها في وقف له؛ وإلا وجب فعلها عنه، ويلزم أن يتبع شرطه، سواء كان جائزاً أو مكروهاً، فإن عين أضحية قبل موته كان تنفيذها
    مندوباً؛ كما تقدم؛ وتكره العتيرة، وهي ذبح شاة في رجب كانوا يذبحونها في الجاهلية لأصنامهم؛ وكانت جائزة في أول الإسلام، ثم نسخت بالأضحية. ويكره إبدالها بأقل منها أو مساو لها إذا لم يعينها وإلا فلا يصح.
    الشافعية قالوا: يسن في الأضحية كونها سمينة سواء كان سمنها بفعله أو بفعل غيره؛ وأن لا تكون مكسورة القرن ولا فاقدته، وأن تذبح بعد صلاة العيد، وأن يكون الذابح مسلماً وأن يكون الذبح نهاراً، ويكره ليلاً إن لم يكن لحاجة، وإلا فلا كراهة، وأن يطلب لها موضعاً ليناً، لأنه أسهل لها، وأن يوجه مذبحها للقبلة، وأن يتوجه هو إليها أيضاً. وأن يسمي الله تعالى؛ ويكره تعمد ترك التسمية كما تقدم ويسن أن يصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكبر ثلاثاً بعد التسمية وأن يقول:
    اللهم هذا منك وإليك. فتقبل مني، وأن تذبح الغنم والبقر. وتنحر الإبل؛ وأن لا يبين رأسها. ويسن قطع الودجين ويسن أن تكون الإبل عند النحر قائمة معقولة رجلها اليسرى، والغنم والبقر مضجعة على جنبها الأيسر؛ وأن يحد المدية، ويكره أن يحدها والذبيحة تنظر إليه كما يكره أن يذبح واحدة، والأخرى تنظر.
    الحنابلة قالوا: يسن أكل ثلث الأضحية، وإهداء ثلثها ولو لغني؛ والتصدق بثلثها على الفقراء، ولا فرق في ذلك بين المعينة والمنذورة وغيرهما، إلا أن المعينة والمنذورة لا يجوز إهداء الكافر منهما، أما ضحية التطوع فيجوز إهداء الكافر منها، ويستحب أن يتصدق بأفضلها وأن يهدي الوسطن ويأكل الأقل، وإن كانت الأضحية ليتيم، فلا يجوز للولي أن يتصدق عنه أو يهدي منها، بل يوفرها له، وله أن يشرب من لبنها، إلا إذا كان لها ولد، فإنه يحرم عليه أن يشرب ما ينقص من القدر الذي يكفي في رضاع ولدها وتلزمه قيمته، أما ما زاد بعد رضاعه فله شربه أيضاً، ويجوز أن يجز صوفها إن كان فيه منفعة لها بأن يزيد في سمنها، أما إن كانت المنفعة في بقائه بأن يقيها الحر والبرد، فلا يجوز جزه، ولا يجوز أن يعطي الجزار أجره منها، بل إن شاء أن يعطيه منها فله ذلك على سبيل الصدقة أو الهدية، ويحرم بيع جلدها وجلها، وهو الذي يغطى به الحيوان، كما يحرم بيع شيء من الذبيحة؛ وله أن ينتفع بالجلد والجل، فيصلي عليه. ويتخذه غربالاً ونحو ذلك، أو يتصدق بهما، وإن ولدت التي عينت للأضحية ذبح ولدها معها؛ سواء عينها حاملاً أو حدث الحمل بعد التعيين، ويندب ذبح الجنين الذي يخرج من بطن أمه ميتاً، أو الذي في حركة المذبوح، أما لجنين الذي يخرج وفيه حياة مستقرة، فإن ذبحه واجب، وذكاة الجنين ذكاة أمه، سواء نبت شعره أو لم ينبت، ويسن نحر الإبل قائمة معقولة الرجل اليسرى، وأن يعمل مع الأضحية ما يعمل مع غيرها مما يأتي في "مبحث الذبح".
    (10) الحنفية قالوا: الذكاة الشرعية تنقسم إلى قسمين: ذكاة الضرورة، وذكاة الاختيار، فذكاة الضرورة هي جرح وقع في أي جزء من بدن الحيوان، وإنما تكون في حيوان غير مستأنس، فلو توحش غنم، أو بقر أو بعير وتعسر ذبحه، ثم رمي بسهم، فأصابه في أي جزء من بدنه وأراق دمه وأماته حل أكله، وكذا لو نفر البعير ولم يقدر صاحبه على أخذه إلا بجماعة، فإن له أن يرميه، ومتى جلح وسال دمه ومات بهذا الجرح حل أكله، ومثل ما إذا صال حيوان على أحد فرماه دفاعاً عن نفسه فأماته. فإنه يحل أكله إذا جرحه وأسال دمه:
    وكذا إذا وقع حيوان في بئر وتعذر ذبحه فرماه فجرحه. وعلم أنه مات بالجرح، أو لم يعلم إن كان قد مات به أو بغيره فإنه يحل أكله؛ أما إذا علم أنه مات بغير الجرح فإن أكله لا يحل. وكذا إذا تعسرت بقرة في الولادة فأدخل رجل يده فذبح ولدها حل أكله، فإن لم يقدر على ذبحه وجرحه حل أكله، وإن لم يذبح أو يجرح فلا يحل، ولو ذبحت أمه، لأن ذكاة الأم ليس ذكاة لولدها عند أبي حنيفة، وقالا - أبو يوسف، ومحمد -: إن تم خلقه أكل بذكاة أمه، لحديث "ذكاة الجنين ذكاة أمه"، وحمل الإمام الحديث على التشبيه، ويعني أن ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه، وأما ذكاة الاختيار فهي الذبح بين مبدأ الحلق إلى مبدأ الصدر، بأن يقطع الودجين، وهما - عرقان كبيران في جانبي قدام العنق -، ويقطع الحلقوم، وهو - مجرى النفس -، والمريء، وهو - مجرى الطعام والشراب -؛ ويكفي قطع ثلاثة منها، فإن للأكثر حكم الكل، فلا بد من قطع الحلقوم، أو المريء مع الودجين أو قطع ودج مع الاثنين، ويرى بعضهم ضرورة قطع الحلقوم والمريء مع أحد الودجين، ومتى تحقق القطع على هذا الوجه صار الذبح شرعياً، وحل أكل الذبيحة، سواء كان الذبح فوق العقدة التي في أعلى الحلق؛ أو تحتها.
    ويشترط،
    أولاً: أن يكون الذابح مسلماً؛ أو كتابياً: يهودياً أو نصرانياً، إفرنجياً أو غيره ويدخل في النصراني الصابيء، لأنه يقر بعيسى عليه السلام، ويدخل في اليهودي السامرة، لأنهم يدينون بشريعة موسى عليه السلام، فكل هؤلاء تحل ذبيحتهم، ولا تحل ذبيحة غيرهم من: وثني، ومجوسي، ومرتد عن الإسلام، وكذا لا تحل ذبيحة الدروز الذين لا يدينون بكتاب، وإذا ذكر الكتابي أسم المسيح لا تحل وليمته،
    ثانياً: أن لا يذبح صيد الحرم، فإن الصيد في الحرم لا تحله الذكاة؛ ولو كان الذابح غير محرم،
    ثالثاً: أن يترك التسمية عمداً، أما إن تركها سهواً فإن الذبيحة تكون حلالاً، ويشترط في التسمية:
    1 - أن تكون ذكراً خالصاً، بأن يذكر اسم الله تعالى بأي اسم من أسمائه، سواء كان مقروناً بصفة، نحو: الله أعظم، أو غير مقرون بصفة، نحو الله، الرحمن، أو يذكره بالتسبيح والتهليل، أما ذكر اسم الله مقروناً بدعاء، كقول: اللهم اغفر لي، فإن الذبيحة لا تحل به، ويستحب أن يقول:
    بسم الله، الله أكبر.
    2 - وأن تكون التسمية من نفس الذابح حال الذبح، والرامي لصيد حال الرمي، ومرسل كلب الصيد حال الإرسال، فلو سمى غير الفاعل لا يحل الأكل:
    وأن يكون الذبح عقب التسمية قبل تبدل المجلس، فلو سمي واشتغل بأكل أو شرب، فإن طال لم يحل الذبح، وغلا حل، وحد الطول ما يستكثره الناظر، ويشترط أن لا يقصد بالتسمية شيئاً آخر كالتبرك في ابتداء الفعل.
    فإن فعل ذلك أو نوى امراً آخر غير الذبح، فإنها لا تحل؛ أما إذا لم تحضره النية أصلاً فإنها تحل ذبيحة الصبي الذييعرف التسمية، وإن لم يعلم أن التسمية شرط لحل الذبيحة على التحقيق؛ ومثله السكران إذا كان يعقل لفظ التسمية، وإن لم يعلم أن التسمية شرط لحل الذبيحة على التحقيق؛ ومثله السكران إذا كان يعقل لفظ التسمية وكذلك المجنون؛ فكل هؤلاء إذا كانوا يضبطون عمل الذبح، ويذكرون اسم الله تحل ذبيحتهم، كما تحل ذبيحة الأخرس، وذبيحة الأقلف. وهو الذي لم يختن بدون كراهة؛ ويصح الذبح بكل ما يقطع من العروق المشروط قطعها ويسيل الدم، فيجوز الذبح بالسكين، وقشر القصب الأزرق - الغاب - والمروة، وهي حجر أبيض كالسكين، وغير ذلك، ماعدا السن والظفر، فإنه لا يحل الذبح بهما إذا كانا متصلين، فإن انفصلا حل الذبح بهما مع الكراهة، لما فيه من تعذيب الحيوان، كالذبح بالسكين الكالة التي لا تقطع؛ وإذا ذبح لعظيم بقصد التقرب إليه وتعظيمه بالنحر فإن ذبيحته لا تؤكل، لأنه أهل بها لغير الله، بخلاف ما يذبح للضيف بقصد إكرامه، فإنه جائز، وإن قدم له غير المذبوح عند الأكل.
    المالكية قالوا: الذكاة الشرعية هي السبب الموصل لحل أكل الحيوان البري اختياراً، وأنواها أربعة:
    ذبح، ونحر، وعقر. وفعل يزيل الحياة بأي وسيلة؛ النوع الأول: الذبح. ويكون في البقر والجاموس والضأن والمعز والطير والوحش والمقدور عليه. ما عدا الزرافة. فإنها تنحر. ويعرف الذبح بأنه قطع الحلقوم والودجين من المقدم بمحدد بنية. ولا يشترط قطع المريء ويشترط أن يكون الذابح مميزاً مسلماً. أو كتابياً.
    وأن لا يرفع يده رفعاً طويلاً باختياره قبل تمام الذبح: ويشترط لحل ذبيحة الكتابي شروط:
    أن يذبح ما يحل له بشريعتنا، وأن لا يهل به لغير الله وقد تقدم بيان ذلك في الأضحية في "مبحث إذا ذبحها كتابي"، وأن يذبح بحضرة مسلم مميز عارف بأحكام الذكاة إن كان الكتابي ممن يستحل الميتة، فلا يحل أكل ذي ظفر ذبحه يهودي، كإبل وبط وأوز وزرافة من كل ما ليس بمنفرج الأصابع، لأن اليهود يحرمون أكل ذي الظفر، وثبت في شريعتنا أنه محرم عليهم، فإذا ذبحه فلا يحل، أما ما يحل لهم في شريعتهم: كالحمام، والدجاج، ونحوهما فإنها حلال إذا ذبحها؛ النوع الثاني: النحر، ويكون في الإبل والزرافة والفيلة، ويكره في البقر والجاموس، وكذا الخيل والبغال والحمر الوحشية، ويعرف النحر بأنه طعن مميز مسلم، أو كتابي بلبه، بلا رفع طويل قبل التمام بنية، النوع الثالث: العقر، ويكون في وحشي غير مقدور عليه إلا بعسر، سواء كان طيراً أو غيره، ويعرف بأنه جرح مسلم مميز حيواناً وحشياً بمحدد، أو حيوان صيد معلم بنية؛ وتسمية، ولا يصح العقر من كافر، وقيل: يصح من الكتابي كالذبح، ولا يصح العقر من صبي أو مجنون أو سكران، ولا يصح عقر حيوان مستأنس إذا شرد، فلو نفرت بقرة أو غنم أو جمل، فإنه لا يصح العقر بعصا أو حجر لا حد له، ويصح برصاصة، لأنها أقوى من المحدد، وأما الفعل المميت فهو ذكاة من لا دم له:
    كالجراد، والدود، فإن ذكاته إماتته بأي سبب، كالنار، أو قطع الأسنان، أو ضرب العصا، أو نحو ذلك، ويشترط نية ذكاته، ويشترط في الأنواع الأربعة ذكر اسم الله تعالى لمسلم ذاكر قادر؛ فإن نسي أو عجز، كأخرس أكلت ذبيحته.
    الشافعية قالوا: الذكاة الشرعية هي قطع الحلقوم والمريء جميعاً، فلو بقي شيء منهما لم يحل المذبوح، ويشترط أن يكون في الحيوان حياة مستقرة قبل ذبحه إن وجد سبب يحال عليه الهلاك، وإلا فلا يشترط وجودها، فالمريض بغير سبب يحال عليه الهلاك لو ذبح أخر رمق حل، وإن لم يسل الدم ولم توجد حركة عنيفة، والمراد بالحياة المستقرة ما يوجد معها الحركة الاختيارية بقرائن يترتب عليها غلبة الظن بوجود الحياة. ومن أمارتها انفجار الدم بعد قطع الحلقوم والمريء، أو الحركة الشديدة ولا فرق بين أن يكون قطع الحلقوم والمريء من تحت الجوزة المعروفة أو من فوقها. لكن بشرط أن يبقى منها تديرتان كاملتان:
    إحداهما: من الأعلى،
    والثانية: من أسفل وإلا لم يحل المذبوح، لأنه حينئذ يسمى فرعاً لا ذبحاً. أما قطع الودجين فهو سنة، ولو قطع الرأس كله كفى، ولكن يكره على المعتمد، وإنما يشترط الذبح بهذه الصفة في الحيوان المستأنس المقدورة عليه، أما غير المستأنس:
    كغنم، وبقر توحش، وبعير نفر، وغزال في الصحراء، وبهيمة سقطت في بئر ولا يمكن الوصول إلى ذبحها: فذكاته عقره في أي موضع من بدنه بشيء يجرح: ينسب إليه زهوق الروح. فلا ينفع العقر بحافر أو خف: ولا بخدش الحيوان خدشة لطيفة. ويشترط لحل الدبح شروط:
    أولاً: قصد العين أو الجنس. فلو رمى شيئاً ظنه حجراً أو حيواناً لا يؤكل. فظهر أنه حيوان يؤكل حل أكله، لأنه كان يقصد عيناً، وكذا لو رمى قطيع ظباء. فأصاب واحدة منها، أو قصد واحدة فأصاب غيرها، حل المرمي لقصد جنسه، فإذا لم يقصد العين أو الجنس لا يحل لحيوان. فإذا وقعت منه السكين فأصابت حيواناً فذبح. أو احتك بسكين فانذبح.
    أو صال أحد بسيفه فأصاب مذبح حيوان لا يحل المذبوح لعدم القصد:
    ثانياً: أن يكون الإسراع بإزهاق روح اليحوان متمحضاً لقطع الحلقوم والمريء، فلو أخذ واحد في قطعها، وأخذ الثاني في نزع الأمعاء، أو نخس الخاصرة لم يحل
    ثالثاً: وجود الحياة المستقرة قبل الذبح حيث وجد سبب يحال عليه الهلاك، فإذا جرح حيوان، أو سقط عليه سقف أو نحوه، وبقيت فيه حياة مستقرة، فذبح حل، وهي ما عرفت بشدة الحركة، أو انفجار الدم، وإن تيقن هلاكه بعد ساعة، وإلا فلا يحل لوجود سبب يمكن أن يسند إليه الهلاك، وهو الجرح، أو سقوط السقف ولا يشترط تيقن الحياة المستقرة؛ بل يكفي ظن وجودها، وإذا وصل الحيوان قبل الذبح إلى حالة فقد معها الإبصار والحركة الاختيارية بسبب مرض أو وجع ثم ذبح، فإنه يحل، ولو لم ينفجر الدم، أو يتحرك الحركة العنيفة، أما إذا أكل الحيوان طعاماً انتفخ به حتى صار في آخر رمق، ثم ذبح فإنه لا يحل على المعتمد ما لم توجد الحركة الشديدة أو انفجار الدم،
    رابعاً: أن يكون المذبوح مما يحل أكله، فلا يجوز ما لا يحل، ولو لإراحته عند تضرره من الحياة،
    خامساً: أن يكون القطع بمحدد، ولو من قصب، أو خشب، أو ذهب، أو فضة، إلا السن والظفر وباقي العظام، فإنه لا تحل الذكاة بها، فإذا قتل الحيوان بغير محدد بأن ضرب ببندقية، أو سهم بلا نصل ولاحد، أو خنق بشرك فمات، فإنه يحرم في كل ذلك؛ سادساً: أن يكون القطع دفعة واحدة، فلو قطع الحلقوم وسكت، ثم تمم الذبح، فإن كان الفعل الثاني منفصلاً عن الأول عرفاً اشترط أن تكون في الحيوان المستقرة، وذلك كأن رفع السكين وأعادها فوراً، أو ألقاها لكونها لا تقطع وأخذ غيرها فوراً أو سقطت منه فتناولها، أو أخذ غيرها سريعاً، أو قلبها وقطع بها ما بقي، فكل ذلك جائز، إذ لا فصل فيه بين العمل الأول والثاني، سابعاً: أن لا
    يكون الذابح محرماً والمذبوح صيد بري وحشي؛ فإن كان كذلك فلا يحل المذبوح، ثامناً: أن يكون الذابح مسلماً أو كتابياً، لا مجوسياً ولا وثنياً، ولا مرتداً، فتحل ذكاة اليهودي والنصراني، كالمسلم، كما لا تحل ذكاة المجنون والسكران وغير المميز. ولو في الحيوان الذي لا يقدر عليه على الراجح، لكن مع الكراهة: وكذلك تكره ذكاة الأعمى، ولا تشترط التسمية، وإنما تسن، وإذا ذكر اسم الله مقترناً باسم غيره، كأن قال:
    بسم الله، واسم محمد؛ فإن أراد الإشراك كفر، وحرمت الذبيحة؛ وإن لم يرد الإشراك حلت الذبيحة، ولكن يكره إن قصد التبرك؛ ويحرم إن أطلق لإبهام الشريك.
    الحنابلة قالوا: الذكاة شرعاً هي ذبح حيوان مقدور عليه مباح أكله يعيش في البر أو نحوه إلا الجراد ونحوه؛ مما لا يذبح أو ينحر؛ وتتحقق الذكاة الشرعية بقطع الحلقوم والمريء، والحلقوم مجرى النفس، والمريء - وهو البلعوم - مجرى الطعام والشراب؛ والنحر يكون في الليلة، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ولا يشترط قطع الودجين، وهما عرقان محيطان بالحلقوم؛ ولكن الأولى فيجرحه ويميته؛ فيحل أكله كالصيد. فإذا نفر بعير فلم يقدر عليه. أو سقط حيوان مباح الأكل في بئر وتعذر ذبحه فعقر. حل أكله بشرط أن يموت بالجرح الذي قصد به عقره. فإن مات بغيره فلا يحل أكله ولو كان الجرح موجباً لقتله، ويشترط أيضاً أن تتوفر شروط الذابح فيمن رماه: فلو رماه مجوسي لا يصح أكله ويشترط لحل الذبيحة أربعة شروط
    الشرط الأول: أن يقول بسم الله عند حركة يده بالذبح أو النحر أو العقر. ولا يقوم شيء مقام التسمية. فلو سبح الله لا يجزئ وتجوز بغير العربية. ولو مع القدرة على العربية، ويسن أن يكبر مع التسمية. فيقول: بسم الله والله أكبر. فإن كان الذابح أخرس أومأ برأسه إلى السماء. وأشار إشارة تدل على التسمية. بحيث يفهم منها أنه أراد التسمية. وهذا كاف في حل ذبيحة الأخرس. فإذا تركت التسمية عمداً أو جهلاً لم تبح الذبيحة، لقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} وإن تركت التسمية سهواً فإنها تحل. لحديث شداد بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ذبيحة المسلم حلال. وإن لم يسم إذا لم يتعمد". ويشترط قصد التسمية على ما يذبحه فلو سمى على شاة وذبح غيرها بتلك التسمية لم تبح الثانية. ولا يضر الفصل اليسير بين التسمية والذبح. فلو سمى ثم تكلم وذبح حلت. وإذا أضجع شاة ليذبحها وسمى ثم ألقى سكينته وأخذ غيرها وذبح حلت.
    وكذا إذا رد سلاماً أو استقى ماء، والكتابي كالمسلم. فإذا ذكر اسم المسيح لا تحل الذبيحة. وإذا لم يعلم إن كان الذابح سمى أو لا، ذكر اسم الله أو غيره فالذبيحة حلال.
    الشرط الثاني: أهلية الذابح أو الناحر أو العاقر. وهو أن يكون عاقلاً أو قاصد التذكية فلو وقعت السكين على حلق شاة فذبحتها لم تحل لعدم قصد التذكية وأن يكون مسلماً أو كتابياً ولو حربياً. أو من نصارى بني تغلب، لا فرق بين أن يكون ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، ولو جنباً. وحائضاً. ونفساء، وأعمى. وفاسقاً، ولا تحل ذبيحة مجنون. وسكران. وصبي غير مميز لأنه لا قصد لهم، فإذا كان الصبي مميزاً تحل ذبيحته. ولو كان دون عشر سنين. ولا تحل ذبيحة مرتد. ولا مجوسي، ولا وثني. ولا زنديق، ولا درزي وكل من لا يدين بكتاب، أخذاً من مفهوم قوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} . أي فلا يحل لكم طعام غيره.
    الشرط الثالث: الآلية، وهو أن يذبح بألة محددة تقطع أو تخرق بحدها. لا تقطع أو تخرق بثقلها، ولا فرق في المحددة بين أن تكون من حيديد: كالسكين، والسيف، والنصف ونحوها، أو تكون من حجر، أو خشب، أو عظم، إلا السن والظفر، فلا يصح الذكاة بهما، سواء كان متصلين أو منفصلين،
    الشرط الرابع: أن يقطع الحلقوم والمريء، وقد تقدم بيانهما؛ وإذا ذبح كتابي ما يحرم عليه في شريعته؟ وثبت في شريعتنا تحريمه عليه، ويحل أكله، كما إذا ذبح يهودي حيواناً له ظفر؛ وهي الإبل والنعام والبط، وما ليس بمشقوق الأصابع؛ فإن الله تعالى أخبر بأنه حرم عليهم كل ذي ظفر؛ وكذلك إذا ذبح ما يزعم أنه يحرم عليه، ولم يثبت عندنا أنا يحرم عليه، كما إذا ذبح حيواناً ملتصقة رئته بأضلاعه؛ فإنهم يزعمون أن الرئة تحرم عليهم؛ ويسمونها باللازمة
    (11) المالكية قالوا: يجب نحر الإبل والزرافة والفيلة - لأنها تؤكل - فإن ذبحت لم تؤكل، ويجب ذبح غيرها من الأنعام والوحوش والطيور، فإن نحرت لم تؤكل؛ ويجوز الأمران والأفضل الذبح في البقر والجاموس والخيل والبغال وحمر الوحش، وكل ذلك في حالة السعة والاختيار، أما في حالة الضرورة، كعدم آلة الذبح؛ أو كوقوع الحيوان في حفرة، فلم يمكن عمل ما يجب من ذبح أو نحر، فإنه في هذه الحالة يجوز العكس في الأمرين بأن يذبح ما ينحر، وينحر ما يذبح للضرورة، والله أعلم. وصلى الله وسلم على صاحب الشريعة سيدنا محمد وآله وصحبه
    تم بحمد الله الجزء الاول


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •