تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 15 من 15 الأولىالأولى ... 56789101112131415
النتائج 281 إلى 290 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #281
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 157 الى صـــــــــ178

    الحلقة (281)




    مبحث سقوط يد الجاني أو قطعها
    الحنفية - قالوا : إذا كانت يد المقطوع صحيحة ويد القاطع شلاء وخيره الحاكم بين قطع اليد الشلاء ولا أرش له وبين أن يأخذ الأرش كاملا فسقطت اليد المريضة قبل اختيار المجني عليه أو قطعت ظلما في مدة الاختيار سقط حقه في هذه الحالة ولا شيء له عند الجاني وذلك لأن حقه متعين في القصاص وإنما ينتقل إلى المال باختياره فيسقط بفواته بخلاف ما إذا قطعت يده بحق عليه من قصاص أو سرقة فإنه يجب عليه الأرش وهو نصف الدية لأنه أوفى به حقا مستحقا فصارت سالمة له معنى . ولو عولج الجاني وزال الشلل من يده قبل أن يستوفي الأرض لم يكن له إلا القصاص لأن حقه متعين فيه عندهم
    الشافعية - قالوا : إن الواجب أحد الشيئين أما القصاص أو الأرش فإذا تعذر أحدهما لفوات محله - كما في هذه الصورة - تعين الآخر وهو الأرش
    مبحث في اجتماع ديات في شخص واحد
    قال الأئمة الأربعة : إذا اجتمعت ديات كثيرة في شخص واحد بجراحات متعددة بقطع أطراف وإبطال منافع مختلفة وهي كثيرة عده بعضهم إلى عشرين أو أكثر وقيل : أربعة عشر شيئا منها - عقل سمع بصر شم نطف صوت ذوق مضغ أمناء إحبال جماع إفضاء بطش مشي ذهاب شعر أو جلد وغير ذلك وتضاف إليها المواضح وسائر الشجاج والجوائف والحكومات والكسور فيجتمع شيء كثير من الجنايات على الإنسان . قد لا ينحصر
    فإذا أزال الجاني أطرافا من المجني عليه تقتضي ديات متعددة كقطع أذنين ويدين ورجلين وكذلك لطائف تقتضي ديات عدة كإبطال سمع وإبطال بصر وإبطال شم وإبطال ذوق وتعطيل نسل وغير ذلك . فإذا حصل شيء من هذا ومات المجني عليه بسبب السراية منها أو من بعضها ولم يندمل البعض فتجب على الجاني دية واحد وتتداخل الديات ويسقط بدل ما ذكر . لأنها صارت نفسا أما إذا مات المجني عليه بسراية بعضها بعد اندمال بعض آخر منها لم يدخل ما اندمل في دية النفس قطعا وكذا الحكم له جرحه جرحا خفيفا لا مدخل للسراية فيه ثم أجافة فمات بسراية الجائفة قبل اندمال ذلك الجرح فلا يدخل أرشه في دية النفس أما ما لا يقدر بالدية فيدخل أيضا وكذا لو قطع الجاني عنق المجني عليه قبل اندماله من الجراحة يلزمه دية واحدة للنفس في الأصح لأن دية النفس وجبت قبل استقرار ما عداها - فيدخل فيها بدله كالسراية
    وقيل : تجب ديات ما تقدم من أنواع الجراحة لأن السراية قد انقطعت بالقتل فأشبه أنقطاعها بالاندمال لأن الآدمي مضمون مقدر ولأن الثابت في ضمانه التقيد
    فإن كان الفعل مختلفا . كأن حز الرقبة عمدا والجنايات الحاصلة قبل الحز حصلت خطأ أو شبه عمد أو عكسه كأن حزه خطأ والجنايات وقعت عمدا أو شبه عمد فلا تداخل لشيء مما دون النفس فيها في الأصح من المذاهب بل يجب دية الطرف والنفس لاختلافهما واختلاف من تجب عليه فلو قطع يديه ورجليه خطأ أو شبه عمد ثم قطع رقبته عمدا أو قطع هذه الأطراف عمدا ثم حز الرقبة خطأ أو شبه عمد وعفا الأول في العمد على ديته وجبت في الصورة الأولى دية خطأ أو شبه عمد ودية عمد : وفي الصورة الثانية ديتا عمد ودية خطا وقيل : تسقط الديات فينهما
    ولو حز الرقبة غير الجاني المتقدم تعددت الديات لأن فعل الإنسان لا يدخل في فعل غيره فيلزم كل منهما ما أوجبه فالذي اعتدى بجناية الجراحات يدفع دياتها والذي قتله يدفع ديته . اه
    مبحث ما تجب فيه الحكومة

    اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى : على أن الشيء الذي يوجب مالا . لا مقدر فيه من الدية ولم تعرف نسبته من مقدر مثل الضلع والصدر والفخذ والزند وغيرها أما إذا عرفت نسبته منه كأن كان بقرب موضحة أو جائفة فيجب أكثر من قسطه وحكومة وهي جز من الدية نسبته إلى دية النفس في الأصح وقيل : نسبته إلى عضو الجناية نسبة نقص الجناية من قيمة المجني عليه لو كان رقيقا بصفاته التي هو عليها وذلك مثل جرح يده فيقال : كم قيمة المجني عليه بصفاته التي هو عليها بغير جناية لو كان عبدا رقيقا ؟ فإذا قيل : مائة دينار فيقال : كم قيمته بعد حصول الجناية عليه ؟ فإذا قيل : تسعون فيكون التفاوت العشر فيجب في هذه الحالة عشر دية النفس وهو عشر من الإبل إذا كان المجني عليه حرا ذكرا مسلما لأن الجملة مضمونة بالدية المقدرة من الشارع الحكيم فتضمن الأجزاء بجزء منها كما في نظيره من عيب المبيع
    والقول الثاني : أن تنسب إلى عضو الجناية لا إلى دية النفس فيجب في هذه الصورة عشر دية اليد التي وقعت عليها الجناية وهو خمس من الإبل فإن كانت الجناية على إصبع واحد وجب بعير أو الجناية وقعت على أنملة من إصبع وجب ثلث بعير في غير الإبهام ويقاس على ذلك ما أشبهه من القضايا
    وللحاجة في معرفة الحكومة إلى تقدير الرق
    قال الأئمة : العبد اصل الحر في الجنايات التي لا يتقدر أرشها كما أن الحر أصل العبد في الجنايات التي قدر الشارع أرشها وتجب الحكومة إبلا كالدية أو تجب نقدا فطلا من الأمرين جائز حسب الظروف المناسبة للمتقاضين لأنه يوصل إلى الغرض المطلوب وهو دفع الضمان وتعويض المجني عليه عما أصابه ومحل الخلاف إذا كانت الجناية على عضو له ارش مقدر فإن كانت الجناية على عضو ليس له أرش مقدر مثل الصدر أو الفخذ أو نحو ذلك اعتبرت الحكومة من دية النفس قطعا وتقدر لحية امرأة أزيلت ففسد منبتها لحية عبد كبير يتزين بها ومثلها الخنثى ولو قلع سنا أو قطع إصبعا زائدة ولم ينقص بذلك شيء قدرت زائدة لا أصلية خلفها ويقوم له المجني عليه منصفا بذلكن ثم يقوم مقطوع الزائد فيظهر التفاوت بذلك لأن الزائدة تشد الوجه ويحصل بها نوع جمال ويستثنى من اعتبار النسبة لو قطع أنملة لها طرف زائد فيجب فيها مع دية أنملة حكومة يقدرها القاضي باجتهاده ولا يعتبر النسبة لعدم إمكانها فإن كانت الحكومة لأجل طرف له أرش مقدر كاليد والرجل مثلا اشترط فيها أن لا تبلغ تلك الحكومة مقدر الطرف لئلا تكون الجناية على العضو مع بقائه مضمونة بما يضمن به العضو نفسه فينقص حكومة الأنملة بجرحها أو قطع ظفرها عن يدها وحكومة جراحة الإصبع بطوله عن ديته ولا يبلغ بحكومة ما دون الجائفة من الجراحات على البطن أو نحوه أرش الجائفة فإن بلغته نقص القاضي منه شيئا باجتهاده لئلا يلزم المحذور السابع ولا يكفي أقل متمول كما قاله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى . أو كانت الحكومة لطرف لا تقدير فيه ولا يتبع مقدرا كفخذ وساعد ليد وظهر وكف يدن فالشرط أن لا تبلغ حكومته دية نفس وهو معلوم إنها لا تصل إلى ذلك لأن الكل أكثر من الجزء بل المراد أن لا يصير بلوغها أرش عضو مقدر وإن زادت عليه فإن تبع مقدرا كالكف فإنه يتبع الأصابع فالشرط فيه أن لا يبلغ ذلك دية المقدر وإن بلغ بحكومة الكف دية إصبع واحد جاز لأن منفعتها رفعا واحتواشا تزيد على منفعة إصبع كما أن حكومة اليد الشلاء لا تبلغ دية اليد السلمية ويجوز أن تبلغ دية الإصبع ويجوز أن تزيد عليها وإنما لم يجعل الساعد كالكف حتى لا يبلغ بحكومة جرحه دية الأصابع لأن الكف هي التي تتبع الأصابع لقربها دون الساعد لبعده عن الأصابع ولهذا لو قطع من الكوع لزمه ما يلزمه في لفظ الأصابع ولو قطعت اليد من المرفق لزمه مع نصف الدية حكومة الساعد
    قالوا : ويقوم لمعرفة الحكومة المجني عليه بغرض رقه لكن بعد اندمال الجروح لا قبله لأن الجراحة قد تسري إلى النفس فتزهقها أو تسري إلى إتلاف ما يكون واجبه مقدرا من الأعضاء فيكون ذلك هو الواجب لا الحكومة . فإن لم يبق بعد اندمال الجروح نقص في المنفعة ولا نقص في الجمال ولا تأثرت به القيمة اعتبر فيه أقرب نقص من حالات نقص فيه إلى الاندمال وهكذا وذلك لئلا تحيط الجناية على المعصوم فإذا لم يظهر النقص إلا حال سيلان الدم اعتبرنا القيمة حينئذ واعتبرنا الجراحة دامية
    وأما إذا كانت الجراحة خفيفة لا تؤثر في حال سيلان الدم فإنه يعزر الجاني إلحاقا لهما باللطمة والضربة التي لم يبق لها أثر للضرورة لانسداد باب التقويم الذي هو عمدة الحكومة
    وقيل : يقدر النقص المذكور قاض باجتهاده لئلا تكون الجناية إن غير غرم
    وقيل : لا غرم حينئذ بل الواجب التعزير كالضربة والصفعة التي لم يبق لها أثر والجرح المقدر أرشه كموضحة يبتعه الشين الكائن حواليه ولا يفرد بحكومة والجرح الذي لا يتقدر أرشه كدامية يقدر الشين حواليه بحكومة عن حكومة الجرح لضعف الحكومة عن الاستتباع ا ه
    المالكية رحمهم الله - قالوا : يشترط في القصاص من جراح الجسد غير الرأس اتحاد
    المحل . فلا يجوز أن يقتص من جرح عضو أيمن في عضو أيسر ولا عكسه ولا يجوز أن تقطع سباية مثلا بإبهام ولو كان المجني عليه طويلا وعضو الجاني قصيرا فلا يكمل بقية الجرح من عضوه الثاني
    ويقتص من الطبيب الذي يباشر القصاص من الجاني إذا زاد على المساحة المطلوبة عمدا فيقتص منه بقدر ما زاد أما لو نقص عن المطلوب عمدا أو خطأ فلا يقتص ثانيا فإن مات المقتص منه من اثر القصاص لتعديه ما أمر به
    وإذا لم يتحد المحل أو لم يتعمد الطبيب الزيادة بل أخطأ تجب الدية على الجاني فإذا قطع الجاني خنصرا مثلا ولا خنصر له فلا يجب القصاص لعدم اتحاد المحل وتعين العقل فإن كانت الجناية عمدا أو أقل من ثلث الدية وجبت في مال الجاني وإن كانت الجناية خطأ ولكنها أكثر من ثلث الدية فتجب الدية على العاقلة وذلك كحدقة عين أعمى جنى عليها صاحب عين سالمة واقتلعها فإن السالمة لا تؤخذ بالعين التالفة لعدم المماثلة فلا يجب القصاص ولا تجب نصف الدية بل يلزمه حكومة عدل بالاجتهاد في قيمة خسارة العين العمياء
    أما إذا كان الجاني رجلا اعمى وفقأ عين رجل سليمة فلا يجب القصاص فإنه لا تؤخذ السليمة بالعمياء بل تجب نصف الدية على الجاني ولو كانت الجناية عمدا وكذلك لسان الأبكم الذي لا يتكلم لا يقطع بالناطق ولا عكسه بل يجب في اللسان الناطق الدية وتجب في اللسان الأبكم حكومة كما قيل في العين العمياء والعين البصيرة
    ولا قصاص في ضربة على الخد إذا لم ينشأ عنها جرح ولا ذهاب منفعة ولا عقل منها ولا قصاص من ضربة بيد أو رجل بغير وجه كصفع بقفا لم ينشأ عنها جرح ولا ذهاب منفعة كاللطمة ولا قصاص من إزالة شعر اللحية ولا من إزالة شفر عين بضم الشين المعجمة وسكون الفاء وهو الهدب ولا من إزالة شعر حاجب فعمد هذه المذكورات كالخطأ عدم القصاص والعقل وإنما يجب الأدب في عمدها دون خطئها وتجب حكومة في شعر اللحية وشعر العين وشعر الحاجب إن لم ينبت كما كان اولا لأن الأهداب والحواجب ليست أعضاء لها منفعة ولا فعل بين ضروري في الخلقة أما إذا نشأ من هذه الضربات جرح أو ذهاب منفعة فإنه يجب فيها القصاص . أما الضرب بالسوط فيجب في عمدها القصاص وإن لم ينشأ عنه جرح ولا ذهاب منفعة لأن الضرب بالسوط عهد للأدب والحدود وليس فيه متألف في العادة
    ولا قصاص أن عظم الخطر في الجراحات التي في الجسد غير المثقلة والآمة فإنه لاقصاص فيها من غير قيد بعظم الخطر لأن شأنهما عظم الخطر فلا قصاص في كسر عظم الصدر وكسر عظم الصلب ورض الأنثيين وفيها العقل كاملا بعد البرء وذلك بخلاف ما إذا قطعهما أو جرحهما فإنه يجب القصاص على الجاني لأنه ليس من المتالف
    وأن جرحه جرحا في القصاص كموضحة مثلا فذهب بسببه نمو بصره أو شلت يده اقتص منه ويجب أن يفعل بالجاني بعد تمام برء المجني عليه مثل ما فعل من الجناية فإن حصل للجاني مثل الذاهب من المجني عليه أو زاد الذاهب من الجاني بأن ذهب بسبب الموضحة شيء آخر مع الذاهب بأن أوضح فذهب بصره وسمعه فلا كلام لذلك الجاني الذي اقتص منه لأنه ظالم يستحق القصاص بالوجه الذي فعل به والزيادة أمر من الله تعالى وإذا لم يحصل للجاني مثل الذاهب من المجني عليه بأن لم يحصل شيء أصلا أو حصل غيره فيجب عقل ما ذهب من المجني عليه في مال الجاني إذا كان الجرح عمدا أو العاقلة إن كان خطأ كأن ضربه بقضيب مما لا قصاص فيه أو لطمه على خده أو قفاه لأن الضرب لا يقتص فيه إنما يقتص من الجروح لقول تعالى { والجروح قصاص } فذهب بصر المجني عليه من أثر الضرب فإنه لا يضرب بل يجب عليه العقل إلا أن يمكن الاذهاب من الجاني بفعل فيه يذهب منه مثل ما أذهب بما لا قصاص فيه كحيلة تذهب بصره بلا ضرب فإنه يفعل به
    وإذا قطع بعد الجناية عضو رجل قاطع لعضو غيره عمدا وسقط بآفة سماوية أو قطع عضوه بسبب سرقة أو قطع بقصاص لغير المجني عليه أولا فلا شيء للمحني عليه لا قصاص ولا دية لأنه إنما تعلق حقه بالعضو المماثل وقد ذهب وكذا لو مات القاطع فلا شيء على الورثة' بخلاف مقطوع العضو قبل حدوث الجناية فتجب عليه الدية وفي القصاص يجوز أن يؤخذ من الجاني عضو قوي بعضو ضعيف جنى عليه فإذا جنى صاحب عين ضعيفة الأبصار خلقة أو من كبر صاحبها فإن السليمة تقلع بالضعيفة ما لم يكن الضعف جدا وإلا فإن كان العضو شديد الضعف فإنه تجب الدية وإن فقأ سالم العينين عين أعور فإنه يخير المجني عليه بين فقء العين المماثلة من الجاني وبين اخذ دية وإن فقأ سالم العينين عين أعور فإنه يخير المجني عليه بين فقء العين المماثلة من الجاني وبين أخذ دية كاملة من مال الجاني أي دية غين نفسه وإذا كان المشهور في المذهب تحتم القصاص في العمد وإنما وجب التخيير لعدم مساواة غين الجاني والمجني عليه في الدية لأن دية عين المجني عليه ألف دينار بخلاف عين الجاني فديتها خمسمائة دينار فلو ألزمناه بالقصاص لكان أخذ الأدنى في الأعلى وهو ظلم له فيجب التخيير وإن فقأ أعور من سالم عينا مماثلة عين الجاني السالمة فيجوز للمجني عليه سالم العينين القصاص من الأعور الجاني بفقء عينه السالمة فيصير أعمى أو ترك القصاص ويأخذ من الجاني دية عينه وهي ألف دينار على أهل الذهب لتعين القصاص بالمماثلة وصارت الثانية عين أعور فيها دية كاملة لأنه ينتفع بالواحدة انتفاع صاحب العينين
    وإن فقأ الأعور من السالم غير المماثلة لعينه بأن فقأ من السالم المماثلة للعوراء فإنه يجب نصف دية فقط في مال الجاني ولا يجوز للمجني عليه أن يقتص منه لعدم المحل المماثل وإن فقأ العور عيني السالم عمدا في مرة أو في مرتين وساء فقأ التي ليس له مثلها أولا أو ثانيا على الرجح فيجب القود للمجني عليه بأن يفقأ من الجاني العين المماثلة فيصير أعمى مثله ويأخذ من الجاني نصف الدية بدل العين التي ليس لها ممثلة ولم يخير سالم العينين في المماثلة بحيث يكون له القصاص أو أخذ الدية لئلا يلزم عليه أخذ دية ونصف حيث اختار الدية في العينين وهو خلاف ما ورد عن الشارع صلوات الله وسلامه عليه
    مبحث دية الأصابع والكف
    الشافعية والمالكية والحنفية - قالوا : في قطع اصابع اليد نصف الدية لأن في قطعها تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب فإن قطعها مع الكف ففيه أيضا نصف الدية لقوله صلى الله عليه و سلم : ( وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية ) ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها وإن قطعها مع نصف الساعد ففي الصابع والكف نصف الدية وفي الزيادة حكومة عدل لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب فلا يزاد على تقدير الشرع وأن قطع الكف عن المفصل وفيها أصبع واحدة ففيه عشر الدية وإن كان أصبعان فالخمس ولا شيء في الكف لأن الأصابع اصل والكف تابع حقيقة وشرعا لأن البطش يقوم بها ولو كان في الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع ولا شيء في الكف بالأجماع لأن الصابع أصول في التقوم وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها
    قالوا : وفي الصابع الزائدة حكومة عدل تشريفا للآدمي لانها جزء من يده ولكن لا منفعة فيها ولا زينة وكذلك السن الزائدة فيها حكومة عدل وإن كانت كف المجني عليه ناقصة الصابع مثلا لم تقطع السليمة بها ولو قطع أصبعا فتأكل غيرها أو شل أصبع بجوارها أو كف فلا قصاص في المتآكل والمشلول بالسراية لعدم تحقق العمديية بل فيه الدية أو حكومة في مال الجاني ولو اقتص في أصبع من خمسة فسرى لغيرها لم تقع السراية . قصاصا بل يجب على الجاني للأصابع الأربع أربعة أخماس الدية ولا حكومة لمنابت الصابع بل تدخل في ديتها ولو ضرب يده فتورمت ثم سقطت بعد أيام وجب القصاص ولا أثر في القصاص في يد لخضرة أظفار وسوادها لأنه علة ومرض في الظفر وتقطع ذاهبة الأظفار بسلميتها لانها دونها دون العكس لأن الكامل لا يؤخذ بالناقص . ولو نقصت يده أصبعا فقطع يدا كاملة قطع وعليه أرش الصبع ولو قطع كامل اليد ناقصة فإن شاء المقطوع أخذ دية اصابعه الربع وإن شاء قطعها ولو قطع كفا بلا أصابع فلا قصاص إلا أن تكون كفه مثلها ولقد قطع فاقد الصابع كاملها قطع كفه وأخذ دية الأصابع ا ه
    مبحث في الشجاج
    اتفق الأئمة الأربعة - رحمهم الله تعالى : على أن الشجاج في اللغة والفقه عشرة
    أولها - الحارصة - وهي التي شقت الجلد ولاتخرج الدم
    ثانيها - الدامعة - وهي التي تظهر الدم ولا تسيله كدمع العين
    ثالثها - الدامية - وهي التي تسيل الدم بأن تضعف الجلد بلا شق له حتى يرشح الدم
    رابعها - الباضعة - وهي التي تبضع الجلد وتقطعه أي - تشقه
    خامسها - المتلاحمة - وهي ما غاصت في اللحم في عدة مواضع منه ولم تقرب للعظم
    سادسها - السمحاق : وهي التي تصل إلى السمحاق وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس وتسمى ( الملطاه )
    سابعها - الموضحة : وهي التي توضح العظم وتبينه أي - تكشفه
    ثامنها - الهاشمة : وهي التي تهشم العظم وتكسره
    تاسعها - المنقلة : وهي التي تنقل العظم بعد الكسر وتحوله
    عاشرها - الآمة : وهي التي تصل إلى أم الرأسن وهو الذي فه الدماغ وتسمى ( المأمومة ) فقد علم بالاستقراء بحسب الآثار أن الشجاج لا تزيد على ما ذكر من العشر
    أما ما بعدها وهي - الدامغة - وهي التي تخرج الجماغ من موضعه فإن النفس لا تبقى بعدها عادة فيكون ذلك قتلا لا شجاص وهي مرتبة على الحقيقة اللغوية في الصحيح
    الموضحة

    اتفق الفقهاء على وجوب القصاص في الموضحة إن كانت عمدا لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قضى بالقصاص في الموضحة ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم فيتساويان فيتحقق القصاص ولا يشترط فيها ما لوه بال واتساع بل يثبت القصاص فيها وإن كان الشج ضيقا ولو قدر مغرز إبرة
    واتفقوا : على أن الموضحة إن كانت خطأ فيجب فيها نصف عشر الدية وهو خمس من الإبل وقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في كتابه لعمرو بن حزم وثبت من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( في الموضحة خمس ) يعني من الإبل ولما رواه الترمذي وحسنه ( في الموضحة خمس من الإبل ) وذلك لحر ذكر مسلم غير جنين وتراعى هذه النسبة في حق غيره من المرأة والكتابي وغيرهما ففي موضحة الكتابي الخطأ يجب بعير وثلثان وفي موشحة المجوسي ونحوه ثلث بعير وفي موضحة المرأة المسلمة الحرة يجب بعيران ونصف بعير وهو نصف عشر ديتها
    موضع الموضحة
    المالكية - قالوا : المضحة ما أظهرت عظم الرأس أو عظم الجبهة وهو ما بين الحاجبين وشعر الرأس أو عظم الخدين واللحي الأعلى ولا تكون في اللحي الأسفل لأنه في حكم العنق ولا تكون في عظم النف وإن وجب القصاص من عمده وذلك لأن الوجه مشتق من المواجهة ولا مواجهة للناظر فيهما فلو وجد في اللحي الأسفل والأنف لا يجب الأرش المقدر
    الحنفية والشافعية والحنابلة - قالوا : الموضحة تكون في جميع الوجه والرأس والجبهة والوجنتين والذقن داخل في الوجه
    وأتفق الأئمة الأربع : على أن هذه الشجاج العشر المذكورة تختص بالوجه والرأس لغة وما كان في غير الرأس والوجه يسمى جراحة والحكم مرتب على الحقيقة في الصحيح حتى لو تحققت في غيرهما نحو الساق واليد لا يكون لها أرش مقدر وإنما تجب حكومة عدل لأن التقدير بالتوقيف وهو إنما ورد فيما يختص بهما ولأنه إنما ورد الحكم في الموضحة لمعنى الشين الذي يلحقه ببقاء أثر الجراحة والشين يختص بما يظهر منها في الغالب وهو هذان العضوان لا سواهما
    بقية الشجاج
    الحنفية - قالوا : لا قصاص في بقية الشجاج لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيها لأنه لاحد ينتهي السكين اليهن ولأن فيما قوق الموضحة وهي الهاشمة والمنقلة والآمة فيها كسر العظم ولا قصاص فيه وهذا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله

    وقال محمد في الأصل - وهو ظاهر الرواية - يجب القصاص فيما قبل الموضحة لأنه يمكن اعتبار المساواة فيهن إذ ليس فيه كسر العظم ولا خوف هلاك غالب فيسبر غورها بمسبار ثم تمخذ حديدة بقدر ذلك فيقطع بها مقدرا ما قطع فيتحقق استيفاء القصاص
    قالوا : وفيما دون الموضحة وهي الست المتقدمة عليها من الحارصة إلى السمحاق يجب حكومة عدل لأنه ليس فيها أرش مقدر ولا يمكن غهداره فوجب اعتبراه بحكم العد وهو ماثور عن النخعي وعمر بن عبد العزيز
    قالوا : وفي الهاشمة عشر الدية وفي المنقلة عشر الدية ونسف عشر الدية وفي الآمة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الديةن فإن نفذت فهما جائفتان ففيهما ثلثا الدية . لما روي في كتاب عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( وفي الموضحة خمس من الإبل وفي الهاشمة غشر وفي المنقلة خمس عشر وفي الآمة ويروى المأمومة ثلث الدية وقال عليه الصلاة و السلام : ( في الجائفة ثلث الجية ) وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية ولأنها إذا نفذت نزلت منزلة جائفتين إحداهما من الجانب البطن والأخرى من جانب الظهر وفي كل جائفة ثلث الدية . فلهذا وجب في النافذة ثلث الدية
    وقالوا : إن الجائفة تختص بالجوف جوف الرأس أو جوف البطن
    وتفسير حكومة العدل على ما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله : إن يقوم مملكوكا بدون هذا الأثر ويقوم وبه هذا الثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القميتين فإن كان نصف عشر القيمة يجب نصف عشر الدية وإن كان ربع عشر فربع عشر
    الشافعية - قالوا : في الهاشمة مع إيضاح أو احتاج إليه بشق لإخراج عظم أو تقويمه عشرة من الإبل وهي عشر دية الكامل بالحرية لما روي عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه و سلم : ( اوجب في الهاشمة عشرا من الإبل ) رواه الدار قطني والبيهقي وفعل ذلك لا يكون إلا عن توقيت وهاشمة دون إيضاح خمس من الإبل على الصح لأن العشرة في مقابلة الإيضاح والهشم وأرش الموضحة خمسة فتعين أن الخمسة الباقية في مقابلة الهشم

    وقيل : في الهشم إذا خخلا عن غيضاح العظم تجب حكومة لأنه كسر عظم بلا إيضاح فأشبه كسر سائر العظام - ومنقلة - خمسة عشر بعيرا روى النسائي ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم ونقل في كتاب ( الأم ) فيه الإجماع وكذا أبن المنذر ويجب القصاص في الموضحة فقط . وفي مأمونة ثلث الدية لخبر عمرو بن حزم بذلك قال في البحر : وهو إجماع وفي الدامغة ما في المأمومة على الأصح المنصوص وقيل : تزاد حكومة لخرق غشاء الدماغ
    قالوا : وإنما يجب في المأمومة وما قبلها ما ذكر إن اتحد الجاني وأما لو تعدد فحكمه ما يأتي : لو أوضح واحد ذكرا حرا مسلما فهشم آخر - بعد الإيضاح أو قبله - ونقل ثالث . وام رابع فعلى كل من الثلاثة خمس من الإبل أما الأول فبسبب الإيضاح وأما الثاني فلأنه الزائد عليها من دية الهاشمة وأما الثالث فلنه الزائد عليهما من دية المنقلة وعلى الرابع تمام الثلث وهو ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير وهو مابين المنقلة والمأمومة
    قالوا : والشجاج الخمس التي قبل الموضحة من الحارصة إلى اسمحاق . إن عرفت نسبتها من الموضحة بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلا عرف أن المقطوع ثلث أو نصف في عمق اللحم وجب قسط من أرشها بالنسبة فإن شككنا في قدرها من الموضحة اوجبينا اليقين وإن لم تعرف نسبته منها فتجب حكومة عدل لا بتلغ أرض موشحة كجرح سائر البدن كالإيضاح والهشم والتنقيلن فإن فيه الحكومة فقط لأن أدلة ما مر في الإيضاح والهشم والتنقيل لم يشمله لاختصاص أسماء الثلاثة بجراحة الرأس والوجه وليس غيرهما في معناهما
    قالوا : وفي جائفة وإن صغرت ثلث دية لثبوت ذلك في حديث عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه
    وهذا كالمستثنى مما قبله إذ لا جرح في البدن يقدر غيرها وهي جرح يصل إلى جوف فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء كداخل بطن وداخل صدر وداخل ثغرة نحر وداخل جبين وداخل خاصرة ولا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة ولا جائفة في الفم والأنف والجفن والعين وممر البول إذ لا يعظم فيها الخطر على النفس كالأمور المتقدمة ولأنها لا تعد من الأجواف فتجب فيها حكومة فلو وصلت الجراحة إلى الفم بإيضاح من الوجه وجب على الجاني أرش موضحة وهو خمس من الإبل ولو وصلت الجراحة داخل النف بكسر قصبة الأنف فيجب أرش هاشمة وهة عشر من الإبل مع وجوب حكومة فيهما للفوذ إلى الفم والأنف لأنها جناية أخرى ولزيادة الخطر والقبح فيهما
    قالوا : وإن حز بسكين من كتف أو فخذ إلى البطن فأجافه فيجب على الجاني أرش جائفة وهو ثلث دية - وحكومة لجراحة الكتف' أو الفخذ لأنها في غير محل الجائفة وإن حز بها من الصدر إلى البطن أو النحر فيجب فيها أش جائفة بلا حكومة لأن جميعه محل الجائفة ولو أجافه حتى لذع كبده أو طحاله لزمه مع دية الجائفة حكومة في ذلك ولو كسر ضلعه كانت حكومته معتبرة بنفوذ الجائفة فإن نفذت في غير الضلع لزمه حكومة مع الدية وإن لم تنفذ إلا بكسره دخلت حكومة كسره في دية الجائفة
    ولا يختلف أرش موضحة بكبرها ولا صغرها لاتباع الاسمن ولا بكونها بارزة أو مستورة بالشعر ولا يشترط أن تكون موضحة بل لو غرز فيه غبرة فوصلت إلى الجوف تسمى جائفةن ولذا قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : وهكذا كل ما في ارأس من الشجاج فهو على الأسماء ا ه
    واعلم أن الموضحة تتعدد صورة وحكما ومحلا وفاعلا فلو أوضح الجاني مع اتحاد الحكم موضعين بينهما لحم وجلد معا . قيل : أو بينهما لحم فقط أو جلد فقط فموضحتان أما في الأولى فلاختلاف الصورة مع قوة الحادز وأما في الثانية فلوجود حاجز بين الموضعين والأصح أنها واحدة ولو كثرت الموضحات تعدد الأرش بحسبها ولا ضبط وقيل : لا يجب أكثر من دية النفس
    قالوا : ولو انقسمت موضحة عمدا وخطأ فموضحتان أو شملت رأسا ووجها فموضحتان على الصحيح ولو وسع الجاني موضحته مع اتحاد الحكم فواحدة على الصحيح وقيل : ثنتان . ولو وسع غير الجاني الموضحة فثنتان لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره . كما لو قطع يد رجل وحز آخر رقبته فإن على كل منهما جنايته . والجائفة كالموضحة في الاتحاد والتعدد المتقدم ولو طعنه بآلة نفذت في بطنه وخرجت من ظهره أو عكسه أو نفذت من جنب وخرجت من جنب فهما جائفتان في الأصح . اعتبارا للخارجة بالداخلة وقد ثبت أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قضى في رجل رمى ردلا بسهم فأنفذه بثلثي الدية وثبت أيضا أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قد قضى بهذا الحكم ولا مخالف لهما فكان لإجماعا ا ه
    المالكية رحمهم الله تعالى - قالوا : يقتص من الموضحة . ويقتص مما قبلها من كل ما لا يظهر به العظم وهي سنة . ثلاث متعلقة بالجلد وهي الدامية والحارصة والسممحاق وثلاث متعلقة باللحم وهي الباضعة والمتلاحمة والملطاء بكسر الميم
    قالوا : والهاشمة تعتبر في القصاص إن اتحد المحل بالمساحة حولا وعرضا وعمقا وما بعد الموضحة من الشجاج فلا قصاص فيه بل يتعين فيه العقل فيستوي عمده وخطؤه وهي : المتنقلة ( بفتح النون كسر القاف مشددة ) وهي لا تكون إلا في الرأس أو الوجه هي ما ينقل فيها فراش العظم وهو العظم الرقيق الكائف فوق العظم كقشر البصل أي ما يزيل منها الطبيب فراش العظم لأجل الدواء ليلتئم الجرح . وإنما لم يكن فيها قصاص لشدة خطرها على النفس وإزهاق الروح
    وآمة . بفتح الهمزة ممدودة وهي ما أفضت لأم الدماغ أي الجرح الواصل لأم دماغ ولم تخرقها . وأم الدماغ جلدة رقيقة مفروشة عليه متى انكشفت عنه مات والدماغ اسم للمخ
    قالوا : ولا يجب القصاص إن عظم الخطر واشتد الخوف في غير الجراحات التي بعد الموضحة . أي جراح الجسد غير المنقلة والآمة المتقدمتين . لأنه لا قصاص فيهما من غير قيد بعظم الخطر لأن شأنهما عظم الخطر والجراحات التي في الجسد ويخاف منها إزهاق الروح ككسر عظم الصدر وكسر عظم الصلب أو العنق ورض الأنثيين
    مبحث في بأخير القصاص
    الحنفية - قالوا : من جرح رجلا جراحة عمدا ووجب القصاص فلا يقتص منه حتى يبرأ من الجراحة لقوله صلوات الله وسلامه عليه : ( يستأني في الجراحات سنة ) ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها لأن حكمها في الحال غير معلوم لأنها ربما تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل وإنما يستقر الأمر بالبرء
    المالكية - قالوا : يجب تأخير القصاص فيما دون النفس لعذر كبرد شديد أو حر يخاف منه الموت لئلا يموت فيلزم أخذ نفس بدون نفس وكذلك يؤخر إقامة القصاص في الأطراف إذا كان الجاني مريضا حتى يبرأ من مرضه ويؤخر أيضا القصاص فيما دون النفس حتى يبرأ المجروح لاحتمال أن يموت فيكون الواجب القتل بقسامة وينتظر برء المجني عليه ولو تأخر البرء سنة خوف أن يؤول إلى النفس أو إلى ما تحمله العاقلة وتجب الحكومة إذا برئ على شين وإلا ففيه الأدب في العمد
    الشافعية - قالوا : يجب أن يقتص المستحق على الفور إن طلب ذلك في النفس جزما ويقتص من الجاني فيما دون النفس في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل ولأن القصاص موجب الإتلاف فيتعجل كقيم المتلفات والتأخير أولى لاحتمال العفو ويجوز للمجني عليه أن يقطع الأطراف متوالية ولو فرقت من الجاني لأنها حقوق واجبه في الحال
    تأخير قصاص الحامل

    واتفق الأئمة : على أن المرأة الحامل إذا وجب عليها القصاص في النفس أو الأطراف إذا طلب المجني عليه حبسها فإنها تحبس حتى تضع حملها ويؤخر عنها القصاص في النفس والأطراف حتى تضع وترضع وليدها وينقضي النفاس ويستغني عنها ولدها بغيرها من امرأة أخرى أو بهيمة يحل لبنها أو فطام حولين إذا فقد ما يستغني الولد به وذلك في قصاص النفس . لأنه اجتمع فيها حقان حق الجنين وحق الولي في التعجيل ومع الصبر يحصل استيفاء الجنين فهو أولى من تفويت أحدهما
    أما في قصاص الطرف أو حد القذف فيؤجل لأن في استيفائه قد يحصل إجهاض الجنين وهو متلف له غالبا وهو بريء فلا يهلك بجريمة غيره ولا فرق بين أن يكون الجنين من حلال أو جرام ولا بين أن يحدث بعد وجوب العقوبة أو قبلها حتى أن المرتدة لو حملت من الزنا بعد الردة لا تقتل حتى تضع حملها وأما تأخيرها لارضاع اللبأ ( هو اللبن الرقيق الذي ينزل من المرأة في الأيام الأولى من الولادة ) فلأن الولد لا يعيش إلا به محققا أو غالبا مع أن التأخير يسير وأما تأخيرها للاستغناء بغيرها فلأ جل حياة الولد أيضا فلأنه إذا وجب التأخير لوضعه فوجوبه بعد وجوده وتيقن حياته أولى ويسن صبر الولي بالاستيفاء بعد وجود مرضعات يتناوبنه أو لبن شاة أو نحوه حتى توجد امرأة فاضلة مرضعة لئلا يفسد خلقه نشؤه بالألبان المختلفة ولبن البهيمة وتجبر المرضعة بالأجرة فلو وجد مراضع وامتنعن أجبر الحاكم من يرى منهن بالأجرة
    قالوا : ولو بادر المستحق وقتلها بعد انفصال الولد قبل وجود ما يغنه فمات الولد لزمه القود فيه لأنه تسبب في موته كما لو حبس رجلا ببيت ومنعه الطعام والشراب حتى مات . وإن قتلها وهي حامل ولم ينفصل حملها أو انفصل سالما ثم مات بعد ذلك فلا ضمان عليه لأنه لا يعلم أنه مات بسبب الجناية فإن انفصل ميتا فالواجب في غرة وكفارة وإن انفصل متألما ؟ ثم مات فتجب دية وكفارة لأن الظاهر أن تألمه وموته من موتها والدية والغرة تجب على العاقلة لأن الجنين لا يباشر بالجناية ولا تتيقن حياته فيكون هلاكه خطأ أو شبه عمد بخلاف الكفارة فإنها تجب في ماله خاصة وإن قتلها الولي بأمر الحاكم - كان الضمان على الإمام علما بالحمل أو جهلا أو علم الإمام وحده . لأن البحث عليه وهو الآمر به والمباشر كالآلة لصدور فعله عن رأيه وبحثه
    قالوا : والصحيح تصديقها في حملها إذا أمكن حملها عادة بغير مخيلة لقول تعالى : { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر } من آية [ 228 سورة البقرة ] أي من حمل أو حيض ومن حرم عليه كتمان شيء وجب قبوله إذا أظهره كالشهادة لأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قبل قول الغامدية في الحمل ولم يطلب منها البينة ولا حلف يمين أما إذا لم يمكن حملها عادة كآيسة مثلا فلا تصدق في ادعاء الحمل لأن الواقع يكذبها
    وقيل : لا تصدق في اعترافها بالحمل لأن الأصل عدم الحمل وهي متهمة بتأخير الواجب فلا بد من بينة تقوم على ظهور مخايله أو إقرار المستحق
    وعلى القول الأول هل تحلف أو لا ؟ قولان أرجحهما الأول . لأن لها غرضا في التأخير
    مبحث موت المجني عليه بعد القصاص
    الحنفية رحمهم الله تعالى - قالوا : إذا قطعت يد رجل عمدا فاقتص له من يد الجاني ثم مات المجني عليه فإنه يقتل المقتص منه لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد وحق المقتص له القود واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود إذا استوفى طرف من عليه القود
    وعن أبي يوسف : أنه يسقط حقه في القصاص . أنه لما اقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه والحنفية : يقولون : إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه وبعد السراية تبين أنه في القود فلم يكن مبرئا عنه بدون العلم به
    الشافعية - قالوا : لو اقتص مقطوع عضو فيه نصف الدية من قاطعه ثم المقطوع الأول سراية فيجب القصاص من القاطع ويجوز لأولياء الدم العفو عنه بنصف دية فقط لأن اليد المستوفاة قبل الموت مقابلة بالنصف الآخر
    وأن مات الجاني حتف أنفه أو قتله غير القاتل تعين نصف الدين في تركة الجاني ولو قطع ينده فاقتص المقطوع ثم مات سراية فلوليه حز رقبة الجاني في مقابلة نفس مورثه فإن عفا عن حزها فلا شيء له لأنه استوفى ما يقابل الدية بقصاص اليدين

    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #282
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 157 الى صـــــــــ178

    الحلقة (282)




    مبحث الديات
    المالكية الشافعية والحنابلة رحمهم الله تعالى - قالوا : الدية : هي المال الواجب بجناية على الحر في نفس أو فيما دونها وأصلها ودية مشتقة من الودي وهو رفع الدية ولأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله لا أن يصدقوا } آية 92 من النساء والأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك كثيرة والإجماع منعقد على وجوبها في الجملة

    قالوا : يجب في قتل الذكر الحر المسلم المحقون الدم والقاتل له لا رق فيه مائة بعير لأن الله تعالى أوجب في الآية المذكورة دية وبينها النبي صلى الله عليه و سلم في كتاب عمرو بن حزم في قوله : ( في النفس مائة من الإبل ) رواه النسائي
    وأول من سنها مائة عبد المطلب حد النبي صلوات الله وسلامه عليه وجاءت الشربعة مقررة لها والبعير يطلق على الذكر والأنثى ولا تختلف الدية بالفضائل والرذائل وأن اختلفت بالأديان والذكورة والأنوثة بخلاف الجناية على الرقيق فإن فيه القيمة المختلفة أما إذا كان المقتول غير محقون الدم كتارك الصلاة كسلا والزاني المحصن إذا قتل كل منهما وهو مسلم فلا دية فيه ولا كفارة وقد يعرض للدية ما يغلظها وهو أحد أسباب خمسة كون القتل عمدا أو شبه عمد أو في الحرم أو للذي رحم محرم وقد يعرض لها ما ينقصها وهو أحد أسباب أربعة : الأنوثة والرق وقتل الجنين والكفر فالأول يردها إلى الشطر والثاني إلى القيمة والثالث إلى الغرة والرابع إلى الثلث
    وهي مثلثة قي قتل العمد سواء أوجب فيه قصاص وعفي عنه أم لا كقتل الوالد ولده والمراد بتثليثها جعلها ثلاثة أقسام . وإن كان بعضها أزيد من بعض وهي ثلاثون حقه وهي الناقة التي طعنت في السنة الرابعة وثلاثون جذعة وهي الناقة التي طعنت في السنة الخامسة وأربعون خلفة أي حاملا لخبر الإمام الترمذي بذلك فهي مغلظة من ثلاثة أوجه كونها على الجاني وكونها حالة ومن جهة السن . وهي في العمد على الجاني مثلثة معجلة وشبه العمد مثلثة على العاقلة مؤجلة
    وإنما أوجبوا الدية حالة في العمد تعظيما لحرمة المسلم المجني عليه وجبرا لخاطر أولياء الدم
    قالوا : وتغلظ الدية في جرح العمد كما تغلظ في النفس من تثليث وتربيع لا فرق في الجرح بين ما يقتص في كالموضحة أو لا
    الحنفية رحمهم الله تعالى - قالوا : يجب في قتل العمد وشبه العمد دية مغلظة على العاقلة والكفارة على وحرمان الميراث لأنه جزاء القتل والشبهة تؤثر في سقوط القصاص دون حرمان الميراث والأصل في وجب الدية المغلظة على عاقلة القاتل في شبه العمد حديث حمل بن مالك رضي الله تعالى عنه فقد روي عن حمل بن مالك قال : كنت بين ضرتين فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط أو بمسطح خيمة فألقت جنينا ميتا فاختصم أولياؤها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عليه اللام لأولياء الضاربة ( دوه ) فقال أخوها : اتدي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ودم مثله يطل فقال عليه السلام : ( أسجع كسجع الكهان ؟ وفي رواية ( دعني وأراجيز العرب قوموا فدوه ) ولا ريب أن قضاء الرسول صلى الله عليه و سلم بالدية على العاقلة على ما ذكروا في تفصيل الحديث إنما كان بجناية شبه العمد ودون الخطأ فكأن وجوب الدية على العاقلة في جناية شبه العمد ثابتا بالنص دون القياس
    وقالوا : والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتؤجل تعظيما لحرمة الجاني ورحمة به فإن المجني عليه قد نفذت في الأقدار عند انتهاء أجله المقدر والجاني ترجى توبته والعفو عنه إذا أجلت الدية ثلاث سنين
    ودية شبه العمد مائة من الإبل أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وهي الناقة التي طعنت في السنة الثانية من غمرها وخمس وعشرون بنت لبون وهي الناقة التي طعنت ففي الثالثة . وخمس وعشرون ناقة وهي التي طعنت في السنة الرابعة وخمس وعشرون جذعة وهي الناقة التي طعنت في السنة الخامسة من سنها وإنما غلظت الدية لقوله صلى الله عليه و سلم ( في نفس المؤمن مائة من الإبل ) ووجه الاستدلال به أنه الثابت منه عليه السلام وليس فيه دلالة على صفة من التغليظ ولا بد منه بالإجماع وما رواه غير ثابت لاختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في صفة التغليظ فإن عمر وزيدا وغيرهما قالوا : مثل ما قالوا
    وقال على رضي الله عنه تجب ثلاثا ثلاث وثلاثون ناقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة وقال أبن مسعود بمثل ما قال الحنفية أرباعا والرأي لا مدخل له في التقارير فكان كالمرفوع ويصير معارضا لما رووه وإذا تعارضا كان الأخذ بالمتيقن أولى ودية شبه العمد مثل دية العمد المحض
    قالوا : ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة . فلا يزاد في الدراهم على عشرة آلاف درهم ولا يزاد في الدنانير عن ألف دينار
    دية الخطأ
    الحنفية - والحنابلة - قالوا : إن الدية في الخطأ مائة من الإبل على العاقلة وتجب الكفارة في مال القاتل والدية تكون أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون أبن مخاض وعشرون ناقة وعشرون جذعة وهذا قول أبن مسعود رضي الله تعالى عنه أخذوا به ولأنه أخف فكان أليف بحالة الخطأ لأن الخاطئ معذور
    الشافعية والمالكية - قالوا : قي قتل الخطأ تجب الدية أخماسا مؤجلة على العاقلة إلا أنهم جعلوا عشرين أبن لبون مكان عشرين أبن مخاض لخبر الترمذي وغيره بذلك فهي مخففة في الخطأ من ثلاثة اوجه من كونها على العاقلة من السن في الإبل ومن التأجيل في دفعها ودية شبه العمد مثلثة على العاقلة مؤجلة فهي مخففة من وجهين مغلظة من وجه

    أنواع الدية
    الحنفية والحنابلة - قالوا : يجوز أخذ الدراهم والدنانير مع وجود الإبل ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة الإبل والذهب والفضة . فمن الإبل مائة ومن الفضة عشرة آلاف درهم ومن الذهب ألف دينار لأن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية وغير هذه الأنواع الثلاثة مجهولة المالية ولهذا لا يقدر بها ضمان شيء مما وجب ضمانه بالإتلاف والتقدير الإبل عرف بالآثار المشهورة
    وقال أبو يوسف ومحمد - تثبت الدية من الإبل والذهب والفضة ومن البقر مائتا بقرة ومن الغنم ألفا شاة ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبا لأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه هكذا جعل على أهل كل مال منها
    الشافعية والمالكية - قالوا : لا يؤخذ في الدية بقر ولا غنم ولا حلل - ولا غرض ومن لزمته دية وله أبل فتؤخذ الدية منها ولا يكلف غيرها لأنها تؤخذ على سبيل المواساة
    وقيل : تؤخذ من غالب إبل قبيلته إن كانت إبله من غير ذلك وإن لم يكن له إبل فتؤخذ من غالب إبل قبيلة بدوي لأنها بدل متلف وإلا فتؤخذ من غالب إبل أقرب بلاد إلى موضع المؤدي ما لم تبلغ مؤنة نقلها مع قيمتها أكثر من ثمن المثل بقبيلة العدم فإنه لا يجب حينئذ نقلها وإذا وجب نوع من الإبل لا يعدل عنه إلى نوع من غير ذلك الواجب ولا يعدل إلى قيمة عنه إلا بتراض من المؤدي والمستحق لأن المقصود بها تعظيم حرمة المجني عليه
    ولو عدمت إبل الدية فالقديم الواجب ألف دينار على أهل الذهب أو اثنا عشر ألف درهم فضة على أهل الدراهم للحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه و سلم : ( على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم ) صححه أبن حبان والحاكم من حديث عمرو بن حزم والقول الجديد الواجب قيمة الإبل وقت وجوب تسليمها بالغة ما بلغت لأنها بدل متلف فيرجع إلى قيمتها عند أعواز أصله وتقوم بنقد غالب بلده لأنه أقرب من غيره وأضبط وإن وجد بعض الإبل الواجبة أخذ الموجود منها وقيمة الباقي
    المالكية - قالوا : لا يشترط في الإبل حد السن وإنما المدار على أن تكون الإبل حاملا سواء كانت حقة أو كانت جذعة أو غيرهما
    واتفقوا على أنه لا تؤخذ في الدية الإبل المريضة ولا المعيبة إلا برضى المستحق بذلك إذا كان أهلا للتبرع لأن الحق له فله إسقاطه ويثبت حمل الخلفة المأخوذة من الدية بأهل خبرة بذلك . بأن يشهد عدلان منهم عند إنكار المستحق حملها إلحاقا لها بالتقويم وإن أخذها المستحق . بقولهما أو بتصديق المستحق على حملها ثم ماتت عند المستحق وشق جوفها فبانت حائلا غرمها وأخذ بدلها حاملا والأصح أجزاؤها قبل خمس سنين لصدق الاسم عليها
    مبحث دية المرأة والمسيحي واليهودي
    الشافعية - قالوا : دية المرأة والخنثى المشكل الحران دية كل منهما في نفس أو جرح كنصف دية رجل حر ممن هما على ديته . لما روى البيهقي خبر ( دية المرأة نصف دية الرجل ) وألحق بنفسها جرحها وألحق بها الخنثى لأن زيادته عليها مشكوك فيها ففي قتل المرأة والخنثى خطأ يجب : عشر بنات مخاض وعشر بنات لبون وهكذا وفي قتلهما عمدا أو شبه عمد خمس عشرة حقة وخمس عشرة جذعة وعشرون خلفة

    ودية اليهودي والنصراني والمعاهد والمستأمن إذا كان معصوما تحل مناكحته ثلث دية مسلم نفسا وغيرها أما في النفس فروي مرفوعا وقال الشافعي في الأم ( قضى بذلك عمرو وعثمان رضي الله عنهما ) ولأنه اقل ما أجمع عليه وهذا التقدير لا يعقل بلا توقيف ففي قتله عمدا عشر حقائق وعشر جذعات وثلاث عشة خلفة وثلث وكذلك في شبه العمد وفي قتله الخطأ لم تغلظ
    فتجب ستة وثلثان من كل من بنات المخاض وبنات اللبون وبني اللبون والحقاق والجذاع والسامرة كاليهود والصابئة كالنصارى إن لم يكفرهما أهل ملتهما ومجوسي له أمان ديته أخس الديات وهي ثلثا عشرة دية مسلم كما قال به عمر وعثمان وأبن مسعود رضي الله تعالى عنهم ففيه عند تغليظ الدية حقتان وجدعتان وخلفتان وثلثا خلفة وعند تخفيف الدية . تجب بعير وثلث من كل سن والمعنى في ذلك إن في اليهودي والنصراني خمس فضائل وهي حصول كتاب ودين كان حقا بالإجماع وتحل مناكحتهم وذبائحهم وقرون بالجزية وليس للمجوسي من هذه الخصال إلا التقرير بالجزية فكانت ديته من الخمس من دية اليهودي والنصراني وكذلك الوثني كعابد شمس وقمر وزنديق ومن لا ينتحل دينا ممن له أمان عندنا كدخوله لنا رسولا من قبلهم أما الوثني الذي لا أمان له فدمه هدر ودية نساء من ذكر على النصف من دية رجالهم
    والمذهب عندهم أن من قتل معصوما ولم تبلغه دعوة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أن تمسك بدين لم يبدل فدية أهل ديته ديته فإن كان كتابيا فدية كتابي وإن كان مجوسيا فدية مجوسي وإن تمسك بدين بدل ولم يبلغه ما يخالفه أو لم تبلغه دعوة نبي أصلا فديته كدية المجوسي
    وقيل : تجب دية أهل ديته وقيل : لا يجب شيء لأنه ليس على دين حق ولا عهد له ولا ذمة وقال الزركشي : وعلى المذهب يجب فيمن تمسك الآن باليهودية أو النصرانية دية مجوسي لأنه لحقه التبديل - آي إذا لم تحل مناكحتم
    قالوا : ولا يجوز قتل من لم تبلغه الدعوة المحمدية بل يعذر ويقتص لمن أسلم بدار الحرب ولم يهاجر منها بعد إسلامه وإن تمكن من الهجرة لأن العصمة بالإسلام ا ه
    الحنفية - قالوا : دية المرأة على النصف من دية الرجل وقد ورد بهذا اللفظ موقوفا عن الإمام على كرم الله وجهه ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم
    وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه ثلث الدية وما فوقها ينتصف وما دونه لا يتنصف وبه أخذ الإمام الشافعي . وبما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث الدية ) وبما حكي عن ربيعة قال : قلت لسعيد بن المسيب : ما تقول فيمن قطع أصبع امرأة ؟ قال : عليه عشر من الإبل قلت : فإن قطع أصبعين منها ؟ قال عليه عشرون من الإبل قلت : فإن قطع ثلاث أصابع ؟ قال : عليه ثلاثون من الإبل . قلت : فإن قطع أربع أصابع ؟ قال : عليه عشرون من الإبل قلت : سبحان الله لما كثر ألمها واشتد مصابها قل أرشها قال : أعراقي أنت ؟ فقلت : لا . بل جاهل مسترشد أو عالم مستثبت قال : إنه السنة وبه أخذ الإمام الشافعي رحمه الله والحجة عليه ما رواه الحنفية بعمومه وأن حالها انقص من حال الرجل ومنفعتها أقل
    وقد ظهر أثر النقصان بالتنصيف في النفس فكذا في أطرافها وأجزائها اعتبارا بها وبالثلث وما فوقه لئلا يلزم مخالفة التبع للأصل والحديث المروي نادر ولو كان هذا الحكم سنة الرسول عليه الصلاة و السلام لما خالفوها
    وقالوا : ودية المسلم والذمي سواء لما روي عن النبس صلوات الصلاة وسلامه عليه أنه قال : ( دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار ) وكذلك قضى أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما . وما رواه الشافعي رحمه الله لم يعرف راويه ولم يذكر في كتب الحديث وما رووه اشهر مما رواه الإمام مالك رحمه الله فإنه ظهر به عمل الصاحبة رضوان الله تعالى عليهم
    وذلك في العمد والخطأ من غير فرق بينهما لعموم الآية الكريمة إن { النفس بالنفس } ولم تنسخ بآية أخرى
    المالكية - قالوا : إن دية المرأة ودية اليهودي والنصراني على النصف من دية الرجل المسلم في العمد والخطأ من غير فرق وهي ستة آلاف درهم وخمسمائة دينار لقوله عليه الصلاة و السلام : ( عقل المسلم ) والكل عنده اثنا عشر ألفا من الدراهم
    أما المجوسي المعاهد والمرتد فدية كل منهما ثلث خمس دية المسلم خطأ وعمدا فتكون من الذهب ستة وستين دينارا وثلثي دينار ومن الورق ثمانمائة درهم ومن الإبل ستة أبعرة وثلثا بعير ودية أنثى كل من ذلك نصفه . فدية الحرة المسلمة من الإبل خمسون وهكذا ودية المجوسية المرتدة أربعمائة درهم وهكذا
    الحنابلة - قالوا : إن كان للنصراني ولليهودي عهد وقتله مسلم عمدا فديته كدية المسلم وإن قتله خطأ فنصف دية المسلم أما غير المعصوم من المرتدين ومن لا أمان لهم فإنه مقتول بكل حال وأما من لا تحل مناكحته فهو كالمجوسي وأما الأطراف والجراح فبالقياس على النفس اه
    مبحث الجناية على الجنين
    الحنفية - قالوا : إن الجنين إذا كان محققا في بطن الأم فليس له ذمة صالحة لكونه في حكم جزء من الآدمي لكنه منفرد بالحياة معد لأن يكون نفسا له ذمة فباعتبار هذا الوجه يكون أهلا لوجوب الحق له من عتق أو إرث أو نسب أو وصية وباعتبار الوجه الأول لا يكون أهلا لوجوب الحق عليه فإما بعدما يولد فله ذمة صالحة . ولهذا لو انقلب على مال إنسان فأتلفه يكون ضامنا له ويلزمه مهر امرأنه بعقد الولي

    فإذا ضرب رجل بطن امرأة حامل فألقت من بطنها جنينا ميتا فيجب فيه غرة وهي نصف عشر دية الرجل إذا كان ذكرا وفي الأنثى عشر دية المرأة وكل منهما خمسمائة درهم لأن نصف العشر من عشرة آلاف درهم هو العشر من خمسة آلاف درهم . والدليل على ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة ) ويروى ( أو خمسمائة ) والغرة على العاقلة إذا كانت خمسمائة درهم لأن النبي صلوات الله وسلامه عليه قضى بالغرة على العاقلة ولأنه بدل النفس ولهذا سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم دية حيث قال : ( دوه ) وقالوا له : أندي من لا صاح ولا أستهل - الحديث
    إلا أن العواقل لا تتحمل ما دون خمسمائة درهم . وتجب في سنة لما روي عن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى أنه قال : ( بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جعله على العاقلة في سنة ) ولأنه إن كان بدل النفس من حيث أنه نفس على حجة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم فعملنا بالشبه الأول قي حق التوريث وبالثاني في حق التأجيل إلى سنة
    ويستوي فيه الذكر والأنثى لإطلاق الحديث ولأن في الحيين إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية ولا تفاوت في الجنين فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة
    فإن ألقته حيا ثم مات . فتجب في دية كاملة لأنه أتلف حيا بالضرب السابق
    وإن ألقته ميتا ثم ماتت ألم بعده فعليه دية بقتل ألم وعليه غرة بإلقائها الجنين وقد صح أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى في هذا بالدية والغرة
    وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فتجب عليه دية في الأم ودية في الجنين لأن موت الأم أحد سببي موته لأنه يختنق بموتها إذ تنفسه بتنفسها فلا يجب الضمان بالشك وما يجب في الجنين موروث عنه لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ولا يرثه الضارب حتى لو ضرب بطن امرأنه فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها لأنه قالت بغير حق مباشرة ولا ميراث للقال هذا في جنين المرأة الحرة وأما جنين الامة إذا كان ذكرا فيجب نصف عشر قمته لو كان حيا وعشر قمته لو كان أنثى لأنه بدل نفسه لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان ولا معتبر به في ضمان الجنين فكان بدل نفسه فيقدر بها ويجب في مال الضارب مطلقا من غير تقييد بالبلوغ إلى خمسمائة درهم
    وقال أبو يوسف : يجب ضمان النقصان لو انتقصت الأم اعتبارا بجنين البهائم ولأن الضمان في قتل الرقيق ضمان ماله عنده . فصح الاعتبار على اصله
    فإن ضربت الأمة فاعتق المولى ما في بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا ولا تجب الدية وإن ما بعد العتق لأنه قتله بالضرب السابق وقد كان في حالة الرق فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا لأنه بالضرب صار قاتلا إياه وهو حي فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف
    قالوا : ولا كفارة في الجنين لأن الكفارة فيها معنى العقوبة قود عرفت في النفوس المطلقة فلا تتعداها ولهذا لم يجب كل البدل إلا أن يشاء لأنه ارتكب محظورا فإذا تقرب إلى الله تعال كان أفضل له ويستغفر مما صنع
    قالوا : والجنين الذي استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام لإطلاق الأحاديث ولأنه ولد في حق أمومية الولد وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك فكذا في حق هذا الحكم ولأنه بهذا القدر يتميز من العلقة والدم فكان نفسا والله تعال أعلم
    الشافعية - رحمهم الله تعالى - قالوا : يجب في الجنين غرة إن انفصل ميتا بجناية في حياتها أو انفصل بعد موتها بجناية في حياتها وكذا إذا انفصل بعض الجنين بلا انفصال من أمه كخورج رأسه ميتا
    وقيل : لا بد من أنفصاله لأن ما لم ينفصل يصير كالعضو منها سواء أكانت الدناية بالقول كالتهديد أو بالفعل أو بالترك
    وإذا لم يكن معصوما عند الجناية كجنين حربية من حربين وإن أسلم أحدهما بعد الجناية أو لم يكن الجنين مضمونا كأن كان الجاني مالكا للجنين ولأمه بأن جنى السيد على أمته الحامل وجنينها من غيره وهو مالك له فعتقت ثم القت الدنين أو كانت أمه ميتة أو لم ينفصل ولا ظهر بالجناية على أمه فلا يجب شيء في هذه الصور لعدم احترامه في الولى وعدم ضمان الجاني في الثانية ولظهر موته بموتها في الثالثة ولعدم تحقق وجوده في الأخيرين
    وإن انفصل حيا وبقي بعد انفصاله زمانا بلا ألم فيه ثم مات فلا ضمان على الجاني . وإن مات حين خرج بعد انفصاله أو تحرك تحركا شديدا كقبض يد وبسطها ولو كانت حركة مذبوح أو دام ألمه ومات منه فتجب دية نفس كاملة على الجاني ولو انفصل الجنين لدون ستة أشهر . ولو ألقت امرأة بجناية عليها جنينين ميتين فغرتان تجبان فيهما أو ثلاثا فثلاث وهكذا
    ولو ألقت يدا أو رجلا وماتت فغرة لأن العلم قد حضل بوجود الجنين والغالب أن اليد بانت بالجناية أما إذا عاشت ولم تلق جنينا فلا يجب على الجاني إلا نصف غرة كما أن الحي لا يجب فيها إلا نصف دية ولا يضمن باقيه لأنا لم نتحقق ثلثه وإن ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية في الأم وغرة في الجنين لأنه مات بالضرب . ولو ألقت يدا ثم جنينا ميتا بلا يد قبل الاندمال وزال الألم من الم فغرة لأن الظاهر أن اليد مبانة منه بالجناية أو حيا فمات من الجناية فتجب دية وحل فيها أرش اليد فإن عاش وشهد القوابل أو علم أنها يد من خلقت فيه الحياة فتجب نصف دية لليد وإن لم تشهد القوابل بذلك ولم يعلم فنصف غرة لليد عملا باليقين وتجب على العاقلة في ثلاث سيني لأنه بدل النفس ولهذا يكون موروثا بين ورثته وإذا ألقت امرأة لحما بسبب جناية عليها فيجب فيه غرة إذا قال القوابل فيه صورة خفية على غيرهن . وتجب الغرة أيضا إذا القت امرأة لحما لا صورة فيه أصلا تعرفها القوافل ولكن قلن إنه لو بقي ذلك اللح لتصور وتخلق كما تنقضي به العدة وذلك إذا كانت مضغة
    أما لو ألقت علقة لم يجب فيها شيء قطعا كما لا تنقضي به العدة
    قالوا : والغرة الواجبة عبد أو أمة كما نطق به الخبر والخبرة في ذلك إلى الغارم ويجبر المستحق على قبولها من أي نوع كانت ويشترط أن يكون مميزا سليما من عيب مبيع لأن المعيب ليس من الخيار والأصح قبول رقيق كبير من عبد أو أمة لم يعجز بهرم لأنه من الخيار مالم تنقص منافعه ويشترط في الغرة بلوغها في القيمة نصف عشر دية الأب المسلم وهو عشر دية الأم المسلمة
    ففي الحر المسلم رقيق قيمته خمسة أبعرة كما روي عنعلي وعمر وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم ولأنها دية فصارت مقدرة كسائر الديات ( ولأن الجنين على أقل أحوال الإنسان فاعتبر فيه أقل ما قدره الشرع من الديات وهو دية الموضحة والسن فإن فقدت ثلث الغرة حسا بأن لن توجد أو شرعا بأن وجدت بأكثر من ثمن مثلها فتجب خمسة أبعرة بدلا عنها لأنها مقدرة بها عند وجودها فعند عدمها يؤخذ ما كانت مقدرة به ولأن الإبل هي الأصل في الديات فوجب الرجوع إليها عند فقد المنصوص عليه فإن فقدت الإبل الدية فإن فقد بعضها وجبت قيمته مع الموجود
    وقيل : لا يشترط بلوغها ما ذكر : بل متى وجدت سليمة مميزة وجب قبولها وإن قلت قيمتها لإطلاق لقظ العبد والأمة في الخبر وسواء كان الجنين ذكرا أم أنثى لإطلاق الخبر
    والغرة لورثة الجنين على فرائض الله تعالى لأنها دية نفس ويقدر انفاصله حيا ثم موته وهي واجبة على عاقلة الجاني لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم : ( قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة )
    وقيل : إن تعمد الجناية بأن قصدها بما يلقى غالباص فالغرة عليه والجناية عليه خطأ أو شبه عمد سواء أكانت الجناية على أم خطأ أو عمدا أو شبه عمد لأنه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد ولهذا للا يجب القصا في الجنين إذا خرج حيا وما لأن القصا إنما يجب في القتل العمد ولا يتصور العمد فيه
    قالوا : والجنين اليهودي أو النصراني بالبع لابويه قيل : كمسلم في الغرة وقيل : هو هدر وهذان القولان مبنيان على أن الغرة غير مقدرة بالقيمة والأصح غرة كثلث غرة مسلم كما في ديته وهو بعير وثلثا بعير . كما هو الحكم على الكبير منهم
    قالوا : والجنين الرقيق ذكرا كان أو غيره فيه عشر قيمة امه قنة كانت أو مديرة أم مكاتبه أو مستولدة قياسا على الجنين الحر فإن الغرة في الجنين معتبرة بعشر ما تضمن به الم وإنما لم يعتبروا قيمته في نفسه لعدم ثبوت استقلاله بانفصاله ميتاص واستثنى ما إذا كانت الأم هي الجانية على نفسها فإنه لا يجب في جنينها المملوك للسيد شيء إذ لا يجب للسيد على رقيقه شيء وتعتبر قيمة الم يوم الجناية عليها لأنه وقت الوجوب وقيل : يوم الإجهاض للجنين لأنه وقت استقرار الجناية . هذا إذا انفصل الجنين ميتا كما علم سابقا فإن انفصل حيا ومات من أثر الجناية فإنه يجب فيه قيمته يوم الانفصال قطعاص وإن نقصت عن عشر قيمة امه وتصرف الغرة في الجنين لسيده فإن كانت الأم مقطوعة أطرافها والجنين سليم أطرافه قومت بتقديرها سلمية في الأصح لسلامته كما لو كانت كافرة والجنين مسلم فإنه يقدر فيها الإسلام وتقوم مسلمة وكذا لو كانت حرة والجنين رقيق فإنها تقدر رقيقة . وهكذا
    قالوا : وتحمل العشر المذكورة عاقلة الجاني في الأظهر من المذهب كما مر في الغرة وإذا سقط جنين ميت فادعى وارثه على إنسان أنه سقط بجنايته فأنكر صدق بيمينه وعلى المدعي البينة ولا يقبل إلا شهادة رجلين فإن أقر بالجناية وانكر الاسقاط بجنايته فأنكر صدق بيمينه وعلى المدعي البينة ولا يقبل إلا شهادة رجلين فإن أقر بالجناية وأنكر الاسقاط وقال : السقط ملتقط فهو المصدق أيضا وعلى المدعي البينة ويقبل فيها شهداة النساء لأن الإسقاط ولادة
    المالكية - قالوا : في إلقاء الجنين سبب ضرب أو تخويف لغير وجه شرعي - أما إذا كان بسبب ضرب للتأديب فلا شيء فيه - أو بسبب شم ريح عفنة أو فتح كنيف إن كان علقة - دم لا يذوب من صب الماء الحار عليه - سواء أكانت الجناية خطأ أو عمدا من أجنبي أو أم كشر بها ما يسقط به الحمل . فأسقطته ذكراص أو أنثى كان من زوج أو زنا فيجب فيه عشر واجب أمه فإن كانت الم حرة وجب عشر ديتهان وإن كانت الم أمة وجب فيه عشر قيمتها وتعتبر قيمتها يوم الضرب وقيل : يوم الإلقاء وإن جنى أب فعليه عشر دية أم الجنين لغيرهن ولا يرث منه ويكن العشر الواجب نقدا معجلا حالا في مال الجاني عمدا أو خطأ ما لم تبلغ الغرة ثلث ديته فتكون على العاقلة كما لو ضرب مجوسي حرة مسلمة فألقت جنينا أو تجب غرة في جنين الحرة والتخيير يكون للجاني لا للمستحق . أما جنين الأمة فيتعين فيه النقد عبدا ووليدة بدل من غرة الأمة الصغيرة بلغت سبع الستين لتحرز التفرقة . وإنما يجب العشر أو الغرة إذا نفصل عنها كله ميتا وهي حية فإن ماتت قبل انفصاله فلا شيء فيه لاندراجه في جية الم وإن استهل أو نزل ضارخا أو رضع أو فعل شيئا من كل ما يدل على أنه حي حياة مستقرة فالدية لازمة فيه إن أقسم أولياؤه أنه مات من فعل الجاني وإن مات عاجلا ببعد تحقق حياته فإن لم يقسموا فلا غرة ولا دية لأنه يحتمل موته بغير فعل الجاني فإن ماتت امه وهو مستهل ومات فتجب على الجاني ديتان وإن تعمد الجاني بضرب بطن الأم فنزل مستهلا ومات فالقصاص بالقسامة وهذا هو الراجح من الخلاف
    وأما إذا تعمد الجاني قتل الجنين بضرب رأس أمه فالراجح أنه تجب الدية عليه كتعمده بضرب يدها أو رجلها
    والحاصل أن في ضرب البطن والظهر والرأس خلافا فقال أبن القاسم يجب القصاص بقسامة وقال أشهب : لا قود فيه بل يجب الدية في مال الجاني بقسامة أيضا وأما تعمده الضرب في غير هذه المواضع فتجب الدية في ماله بقسمة ومحل القصاص في تلك المسائل إن لم يكن الجاني الب أما إذا كان الجني هو الب فلا يقتص منه إلا إذا قصد قتل الجنين بضرب بطن الأم خاصة
    ويجب تعدد الواجب من عشر أو غرة إن لم ستهل ودية إن استهل بتعدد الجنين ثم إن كان القتل خطأ وبلغ الثلث فتحمله العاقلة وأما إن كان عمدا أو كانت الغرة أقل من الثلث فلا تتحمله العاقلة بل يجب في مال الجاني حالا معجلا
    وورث الواجب في الجنين من عشر أو غيره على الفرائض المعلومة شرعا الشاملة للفرض والتعصب فللأب الثلثان وللأم الثلث ما لم يكن له اخوة وإن كان له اخوة فللأم السدس وهيذا هو الراجح من المذهب خلافا لمن قال : تختص به الم إذا لم تكن هي الجانية والقائل به ربيعة وذلك لأنها كالفرض عن جزء منها وخلافا لقول أبن هرمز حيث قال : للم والب على الثلث والثلثين ولو كان له اخوة وكان له اخوة وكان الإمام مالك يقول بهذا الرأي اولا ثم رجع إلى القول الول لأنه الراجح
    واعلم بأنه إذا كان المسقط للجنين احد الآبوين كان هو القاتل فلا يرث من الواجب المذكور شيئا لأن القاتل لا يرث
    مبحث في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله
    الحنفية - قالوا : الدية في شبه العمد وفي الخطأ وكل دية تجب بنفس القتل على العاقلة والعاقلة هم الذين يؤدون الدية والأصل في وجوبها على العاقلة قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث حمل بن مالك رضي الله تعالى عنه للأولياء ( قوموا فدوه )
    ولأن النفس محترمة لا وجه إلى الإهدار والخاطئ معذور وكذا الذي تولى شبه العمد نظر إلى الآلة فلا وجه إلى إيجاب العقوبة عليه وفي إيجاب مال عظيم اجحافة واستئصاله فيصيل عقوبة فضم عليه العاقلة فكانوا هم المقصرون في تركهم مراقبته فخصوا به

    والعقلة هم أهل الديوان إن كان القاتل من اهل الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سيني واهل الديوان هم اهل الريات والألوية وهم الجيش الذين كتبت أسماءهم في الديوان والجريدة لأن سيدنا عمر بن الخكاب رضي الله تعالى عنه هو أول من دون الدواوين وجعل العقل كان على أهل النصرة وقد كانت بأنواع بالقرابة والحلف والولاء والعد وفي عهد عمر رضي الله عنه قد صارت بالديوان فجعلها على أهله اتباعا للمعنى ولهذا قالوا : لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة وإن كان بالحلف فأهله والدية صلة ولكن إيجابها فيما هو صلة وهو العطاء اولى منه في اصول أموالهم والتقدير بثلاث سيني مروي عن النبي صلى الله عليه و سلم ومحكي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعال عنه ولأن الأخذ من العطاء للتخفيف والعطاء يخرج في كل سنة مرة فإن خرجت العطاء في أكثر من ثلاث سنين أو أقل اخذ منها لحصول المقصود ولو خرج للقاتل ثلاث عطايا في سنة واحدة في المستقبل يؤخذ منها كل الدية لأن الوجوب بالقضاء
    وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة وإن كان الواجب بالفعل ثلث دية النفس أو أقل كان في سنة واحدة . وما زاد عن الثاث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ماله في ثلاث سنين لأن الشرع ورد به مؤجلا فلا يتعمداه
    ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل إذ هو بدل النفس وإنما يعتبر في مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية لأن الواجب الأصلي المثل والتحول إلى القيمة بالقضاء فيعتبر ابتداؤها من وقته كما في ولد المغرور ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته لأن نصرته بهم وهي المعتبرة في التعاقل وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد على اربعة دراهم في كل سنة ويجوز أن ينقص منها فلا يؤخذ منها فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث درهم وإن لم يكن تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل نسبا ويضم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات . الاخوة ثم بنوهم ثم الأعمام ثم بنوهم والآباء والأبناء فقيل يدخلون مع العاقلة لقربهم وقيل : لا يدخلون لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة وهذا إنما يتحقق عند الكثرة والآباء والأبناء لا يكثرون
    ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب الرزق يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث
    قالوا : ويدخل القاتل مع العاقلة إذا كان من أهل الديوان أما إذا لم يكن فلا شيء عليه من الدية ولأنه هو الفاعل فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره فيكون فيما يؤدي كواحد منهم
    قالوا : وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل لقول عمر رضي الله تعالى عنه : ( لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة ) . ولأن القتل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء و لهذا لا يوضع عليهم وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية بخلاف الرجل لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه احد العواقل لأنه ينصر نفسه وهذا لا يوجد فيهما ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر ويعقل أهل كل مصر من أهل سوادهم لانهم أتباع لأهل المصر . ومن جنىجناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر ولا يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة ولو كان البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه يعقله أهل المصر لأن أهل العطاء لا ينصرون من لا مسكن له فيه كما أن أهل البادية لا يعقلون عن أهل المصر النازلين فيهم لأنه لا يستنصر بهم
    قز إن كان لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فإذا قتل أحدهم خطأ فديتهعلى عاقلته بمنزلة المسلم لانهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات لاسيما في المعاني العاصمة عن الأضرار ومعنى التناصير موجود في حقهم وإن تكن لهم عاقلة معروفة فالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه كما في حق المسلم ولا يقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر لعدم النتاصر
    والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم لأن الكفر كله ملة واحدة وذلك إذا لم تكن المعاداة فيما بينهم ظاهرة أما إذا كانت ظاهرة كاليهود والنصارى فينبغي أن لا يتعاقلون بعضهم عن بعض
    قالوا : وعاقلة المعتق قبيلة مولاه لأن النصرة بهم لقوله عليه الصلاة و السلام ( مولى القوم منهم ) ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته لأنه يتناصر به فأشبه ولاء العتاقة
    قالوا : ولا تعقل العاقلة اقل من نصف عشر الدية وتتحمل نصف العشر فصاعدا لحديث أبن عباس رضي الله عنهما الموقوف عليه والمرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم ( لا تعقل العواقل عمدا ولاعبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة ) وارش لموضحة نصف عشر بدل النفس ولأن التحمل للتحرز عن الاجحاف ولا اجحاف في القليل وإنما و في الكثير والتقدير الفاصل عرف بالسمع وما نقص عن ذلك يكون في مال الجاني والقياس فيه التسوية بين القليل والكثير فيجب الكل على العاقلة كما ذهب إليه الشافعي أو التسوية في أن لا يجب على العاقلة شيء إلا أن الاحناف تركوه بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أوجب أرش الجنين على العاقلة وهو نصف عشر بدل الرجل فما دونه يسلك به مسلك الأموال لأنه يجب بالتحكيم كما يجب ضمان المال بالتقويمن فلهذا كان في مال الجاني أخذا بالقياس
    قالوا : ولا تعقل العاقلة جناية العبد ولا مالزم بالصلح أو باعتراف الجاني لأنه لا تناصر بالعبد والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة لقصور الولاية عنهم إلا أن يصدقوه . لأنه ثبت بتصادقهم . والامتناع كان لحقهم ولهم ولاية على أنفسهم ومن أقر بقتل خطأ ولم يرفع إلى القاضي إلا بعد سنين قضى عليه بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضي عليه لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة ففي الثابت بالإقرار اولى ولو تصادق القاتل وولي الجناية على أن قاضي بلج كذا قضى بالدية على عاقلته بالكوفة بالبية وكذبهما العاقلة فلا شيء على العاقلة لأن تصادقهما ليس بحجة عليهم ولم يكن عليه شيء في ماله إلا أن يكون له عطاء معهم فحينئذ يلزمه بقدر حصته لأنه تبين أن الدية واجبة عليهم
    الشافعية والحنابلة - قالوا : دية الخطأ وشبه العمد في الكراف ونحوها وكذا في نفس غير القاتل نفسه وكذا الحكومات والغرة تلزم العاقلة لا الجاني لأن الجاهلية كانوا يمنعون من جنى منهم من اولياء القتيل أن يدهوا منه وياخذوا بثأرهم - فجعل الشارع بدل تلك النصرة بذل المال . وخص ذلك بالخطا وشبه العمد لكثرتهما سيما في حق من يتعاطى حمل السلاح فأعين كيلا ينتصر بالسبب الذي هو معذور فيه وإنما يلزمهم ذلك إذا كانت بينة بالخطا أو شبه العمد أو اعترف به فصدقوه
    وقالوا : وجهات تحمل الدية ثلاثة : قرابة وولاء وبيت مال لا غيرها كوزوجته ومحالفة وقرابة ليست بعصبة لأن المر كان كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا نسخ بعده ولأنه صلة والأولى بها الأقرباء وعصبة الجاني هم الذين يرثون بالنسب أو الولاء إذا كانوا ذكورا مكلفين وهم القرابة من قبل الأبن والمرأة والصبي وإن أيسرا لا يحملان شيئا وكذا المعتوه ويخرج من العصبة أصل الجاني من اب وإن علا وفرعه من أبن وإن سفل لانهم أبعاضه فكما لا يتحمل الجاني في الدية اعتبارا للجزء بالكل في النفي عنه والجامع كونه معذورا فلا يتحمل أبعاضه وقد روى النسائي ( لا يوخذ الرجل بجريرة أي جريرة ابنه ) وفي رواية لابي داود في خبر المرأتين السابق ( وبرأ الولد ) أي من العقل وقيس به غيره من الأبعاض وتتجب الدية على العاقلة سواء أكانت الدية قليلة أم كثيرة
    ويقدم في تحمل الدية من العصبة الأقرب فالأقرب على البعد منهم فإن لم يوف القرب بالواجب بأن بقي منه شيء فيوزع الباقي على من يليه ويقدم ممن ذكر مدل بأبوين على مدل باب كالأرث ويجب التسوية بينهما لأن النوثة لا مجخل لها في تحل العاقلة فلا تصلح للترجيح ثم بعد عصبة النسب إن فقدوا أو لم يوف ما عليهم بالواجب يقدم معتق للخبر الوارد عن النبي صلى الله عليه و سلم ( الولاء لحمة كلحمة النسب ) فإن فقد المعتق أو لم يف ما عليهم بالواجب تقدم عصبته من نسب غير أصلهوغن علا وفرعه وإن سفل يقدم الأقرب فالأقرب لما رواه الشافعين والبهقي ( أن عمر قضى على علي رضي الله تعالى عنهما بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب ) لأنه أبن أخيها دون ابنها الزبير ثم ممعتق المعتق ثم عصبته كذلك ثم معتق معتق الأب وعصبته فإن لم يوجد يتحمل معتق الجد ثم عثبته كذلك إلى حيث ينتهي الأرث
    قالوا - وعتيق المرأة - الجاني - تعقله عاقلتها ولا يضرب عليها ومعتقون كمعتق واحد فيما عليه كل سنة وكل شخص من عصبة كل معتق بتحمل ما كان يحمله ذلك المعتق في حياته من نصف أو ربع
    قالوا : ولا يقل عتيق عن معتقه في الظهر كما لا يرث - وقيل : يعقل لأن العقل للنصرة والإعانة فإن فقد العاقل ممن ذكر أو وجد ولم يعرف ما عليه الواجب عقل ذوو الأرحام إن قلنا بثوريتهم . ثم يعقل بيت مال المسلمين عن الجاني المسلم كما يرثه وللحديث الوارد عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه : ( انا وارث من لا وارث له اعقل عنه وأرثه ) اخرجه أبو داود والنسائي فإن فقد بيت المال بأن لم يوجد فيه شيء أو لم ينتظم امره بحيلولة الظلمة دونه اولم يعرف بيت المال فتجب الدية كلها أو الباقي منها على الجاني في ماله في الأصح . بناء على أنها تلزمه ابتداء ثم تتحملها العاقلة . فتجب عليه الدية صيانة للحق من الضياع فلا يسقط كيلا يضيع دم المسلم هدرا وتؤجل على الجاني إذا وجبت عليه فيؤخذ منه ثلث الدية عند الحول ولو مات في أثناء الحول يحل الأجل على الأصح
    قالوا : وتؤجل على العاقلة جية نفس كاملة بإسلام وحريةن وذكورية ثلاث سنين في آخر كل سنة ثلث من الدية لما رواه البيهقي من قضاء عمر وعلي رضي الله عنهما وعزاه الشافعي إلى قضاء النبي صلى الله عليه و سلم وإنما تؤخذ في آخر كل سنة لأن المنافع كالزرع والثمار ونتاج الأبل تتكرر كل سنة فاعتبر مضها وليجتمع عنجهم ما يتوقعونه فيواسون عن تمكن
    وتؤجل دية الذمي على الصح سنة لأنها قدر ثلث دية المسلم وقيل : تؤجل ثلاثا لأنها بدل نفس محترمة وتؤجل دية امرأة مسلمة سنتين في آخر الأولى منهما ثلث من دية نفس كاملة والباقي آخر السنة الثانية وقيل : تؤجل جيتها ثلاث سنين وتحمل العاقلة الجناية على العبد من الحر في الأظهر ففي آخر كل سنة يؤخذ من قيمته قدر ثلث دية وقيل : تؤخذ كلها في ثلاث سنين لأنها بدل نفس محترمة
    ولو قتل شخص رجلين فتؤجل ديتهما على عاقلته في ثلاث سنين لأن الواجب ديتان مختلفتا وقيل : تؤجل ديتهما في ست سنين في كل سنة قدر سدس دية لأن بدل النفس الواحدة يضرب في ثلاث سنين فيزاد للأخرى مثلها
    ولو قتل شخص امخرأتين أحلت ديتهما على عاقلته في سنتين والأطراف كقطع اليدين والحكومات وأروش الجنايات تؤجل في كل سنة قدر ثلث دية كاملة فإن زاد الواجب على دية نفس كقطع اليدين والرجلين ففي ست سنين وقيل : تؤخذ كلها في سنة بالغة ما بلغت لأنها ليست بدل النفس حتى تؤجل
    قالوا : وتؤجل دية النفس من الزهوق لأنه وقت استقرار الوجوب . واجل دية غير النفس كقطع يد اندملت من ابتداء الجناية لأنها حالة الوجوب أما إذا لم يندمل بأن سرى من عضو إلى عضو كان قطع أصبعه فسرت إلى كتفه فأجل أرش الأصبع من قطعها والكف من سقوطها
    ومن مات من العاقل في أثناء سنة سقط من واجب تلك السنة ولا يؤخذ من تركته لأنها مواساة
    ( يتبع . . . )

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #283
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 157 الى صـــــــــ178

    الحلقة (283)




    ويشترط فيمن يعقل - الذكورة وعدم الفقر والحرية والتكليف واتفاق الدين فلا يعقل فقير ولا رقيق ولا صبي ولا محنون ولا أنثى ولا مسلم عن كافر وعكسه ويعقل يهودي عن نصراني وعكسه في الأصح ويجب على الغني نصف دينار على أهل الذهب أو قدره دراهم على أهل الفضة وهو سنة منها لأن ذلك اول درجة المىاساة في زكاة النقد والزيادة عليه لا ضابط لها ويجب على المتوسط من العاقلة ربع دينار أو ثلاثة دراهم لأنه واسطة بين الفقير الذي لا شيء عليه وبين الغني الذي عليه نصف دينار كل سنة من الثلاثن لأنها مواساة تتعلق بالحول فتكرر بتكرره كالزكاة فجيمع ما يلزم الغني في الثلاث سنين دينار ونصف والمتوسط نصف ربع وقيل : هو واجب الثلاث والمعتبر مقدار نصف الدينار وربعه لا عينهما والغني والمتوسط يعتبران آخر الحول . لأنه حق مالي متعلق بالحول . ومن أعسر في الحول سقط فلا يلزمه شيء لأنه ليس أهلا للمواسة بخلاف الجزية لأنها كالأجرة لسكنى جار الإسلام . ولو ادعى الفقر بعد الغنى حلف ولا يكلف البينة والغني هو من يملك فاضلا عما يبقى له في الكفارة عشرين دينارا أو قدرها اه
    المالكية - قالوا : العاقلة عدة أمور وهم أهل ديوانه إن كان الجاني من الجند ولو كانوا من قبائل شتى فإن نقص أهل الديوان عن سبعمائة - بناء على أن أقل العاقلة سبعمائة - ضم إليهم عصبة الجاني الذين ليسوا معه في الديوان فإن لم يكن ديوان أو كان وليس الجاني منهم أو لم يعطوا أرزاقهم المعينة فتجب الدية على العصبة الأقر فالأقرب على ترتيب النكاح فإذا كمل من البناء سبعمائة فلا يجفع أولادهم شيئا وإن نقص كمل من أبناء الأبناء وهكذا والحد يؤخر عن بني الاخوة هنا فإن لم توجد عصبة أو وجدت ولم توف بالواجب فالعاقلة هم الموالي الأعلون وهم المعتقون - بكسر التاء - لانهم عصبة سبب وهم كعصبة النسب لقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث : ( الولاء لحمة كلحمة النسب ) ولقولهم : الولاء عصوبة سببها نعمة العتق . ويقدم الأقرب فالأسفلون حيث لم يوجد من الأعلين فإن لم يوجدن فعاقلته بيت الما . إن كان الجاني مسلما لأن بيت المال لا يعقل عن كافر فانلم يكن بيت المال فتقسط على الجاني إن كان ممن يعقل بأن كان ذكرا بالغا عاقلا مليئا
    وعاقلة الذمي ذو جيته وهو من يحمل معه الجزية إذ لو كانت عليه وإن لم يكونوا منأقرباه فالنصراني يعقل عنه النصارى الذين في بلده لا اليهود وعكسه ويضرب على كل من تلزمه الدية من أهل دوان أو عصبة وموالي وذمي إن تحالكموا إلينا . كل على عدر طاقته وعقل عن صبي مجنون وامرأة وفقير وغارم إذا جنوا فتغرم عاقلتهم عنهم والعبرة في الصبا والجنون وضدهما والعسر واليسر والغيبة والحضور وقت التوزيع على العاقلة فما وجدت فيه الاصناف وقت التوزيع وزع عليه
    وما لا فلا فإن قدم غائب غيبة انقطاع وقت التوزيع فلا تضرب عليه بعد قدومه المتأخر عن التوزيع . فإن أيسر فقير أو بلغ صبي أو عقل مجنون أو اتضحت ذكورة خنثى بعد التوزيع فلا شيء على واحد منهم وتحل الدية بالموت والإفلاس فإذا ماتت العاقلة أو واحد منها أو أفلس فيحل ما كان منجما عليهم أو عليه ولا دخول لبدوي من عصبة الجاني مع حضري ولا شماي مع مصري وكذا الحجاز واليمن أما أهل أقليم واحد حضر مثلا فيضمنون فإذا لم تكل العاقلة من أهل بلد ضم إليهم ما قرب منها العصبة
    قالوا : وتقسم الدية الكاملة لمسلم أو غيره ذكرا أو أنثى عن نفس أو طرف في ثلاث سنين من يوم الحكم . والثلث كدية الجائفة في سنة والثلثان كجائفتين في سنتين والنصف في سنتين في كل سنة ربع وثلاثة الرباع تنجم في ثلاث سنين في كل سنة ربع والعاقلة الذي يضم إليه ما بعده سبعمائة رجل . فإذا وحج من العصبة هذا العدد فلا يضم إليهم الموالي وإن نقصوا عن هذا العدد لو كانوا اغنياء ضم إليهم ما يكملهم من الموالي وهكذا
    قالوا : إن الجاي لا يدخل مع العاقل' لأن العاقلة هي سبب تجرئه على الجناية
    الحنفية والحنابلة والشافعية في أحد قوليهم - قالوا : إن الغائب والحاضر من العاقلة سواء في تحمل الدية
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : لا مدخل لأهل الصنعة والسوق في التحمل إلا إذا كانوا أقارب
    الحنفية - قالوا : إذا كان الجاني من أهل الديوان فديوانه عاقلته وعاقلة السوقي أهل سوقه ثم قرابته فأهل محلته اه

    مبحث القسامة
    اتفق الأئمة على أن القسامة مشوعة إذا وجدقتيل في مكان ولم يعلم قاتله
    الحنفية - قالوا : القسامة في اللغة اسم وضع موضع الأقسام وفي الشرع أيمان يقسم بها أهل محلة أو جار وجد فيها قتليل به اثر القتل يقول كل واحد منهم : والله ما قتلته ولا علمت له قاتلا ) . ويلزم المدعي عليه اليمين بالله عز و جل أنه ما قتل ويبرأ
    والسبب الموجب للقسامة وجود قتيل في موضع هو في حفظ قوم وحمايتهم كالمحلة والدار ومسجد المحلة والغرية والقتيل الذي تشرع فيه القسامة اسم ليت به أثر جراحة أو ضرب أو خنق فإن كان الدم يخرج من أنفه أو دبره فليس بقتيل بخلاف ما لو خرج الدم من أذنه أو عينه فهو قتيل تشرع فيه القسامة لقوله صلى الله عليه و سلم : ( الينة على المدعي واليمين على من أنكر ) وفي رواية ( على المدعي عليه ) وروى سعيد بن المسيب رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم بدأ باليهود بالقسامة وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم ) وشرط القسامة . بلوغ المقسم وعقله وحريته وتكيمل اليمين خمسين يمينا
    وحكمها القضاء بوجوب الدية لأولياء الدم إن حلفوا والحبس إلى الحلفغن أبوا ويتخير الولي من القوم من يحلفهم لأن اليمين حقه والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل أو يختار صالحي أهل المحلة لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة أبلغ التحرز فيظهر القاتل . وفائدة اليمين النكول فا كانوا لا يباشرون ويعملون يقيد يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يقيد يمين الطالح ولو اختاروا أعمى أو محدوداصفي قذف جاز لأنه يمين ليس بشهادة ومراعاة لحق الميت وحرمته وإذا حلفوا قضى على أهل المحلة بالدية ولا يستحلف الولي لأن النبي صلى الله عليه و سلم جمع بين الدية والقسامة في حديث أبن سهل وفي حديث زياد بن أبي مريم وكذا جمع عمر رضي الله تعالى عنه بينهما على وادعه
    وقد روي : أن عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة خرجوا في التجارة إلى خيبر وتفرقوا لحوائجهم فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من خيبر يتشحط في دمه فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليروه فأراد عبد الرحمن وهو أخ القتيل أن يتكلم فقال صلى الله عليه و سلم اكبر الكبر فتكلم أحد عميه حويصة أو أو محيصة وهو الأكبر منهما وأخيره بذلك قال : ومن قتله ؟ قالوا : ومن يقتله سوى اليهود قال عليه الصلاة و السلام : ( تبرئكم اليهود بإيمانها ) فقالوا : لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه . فقال عليه الصلاة و السلام أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ فقالوا : كيف نحلف على أمر لم نعاينه ولم نشاهد فكره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبطل دمه فوداه بمكائة من إبل الصدقة ) فقول النبي صلى الله عليه و سلم تبرئكم اليهود محمول على الإبراء عن القصاص والحبس وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين والقاسمة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم . عن اليمين الكاذبة فيقروا بالقتل فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص . ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم أو تقول : إنها وجبت بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطأ ومن أبى منهم اليمين حبس حتى يحلف لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم ولهذا يجمع بينه وبين الدية بخلاف النكول في الموال لأن اليمن بدل عن أصل حقه ولهذايسقط ببدل المدعى وفيما نحن فيه لا يسقط ببدل الدية :
    قالوا : وإن لم يكمل أهل المحلة كررت اليمان عليهم حتى تتم خمسين لما روي أن عمر رضي الله عنه لما قضى في القسامة دانى إليه تسعة واربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية . ولا قسامة على صبي ولا مجنون لأنهما ليسا من أهل القول الصيح واليمين قول صحيح ولا قسامة على امرأة ولا عبد لأنهما ليسا من أهل النصرة
    وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية له لأنه ليس بقتيل ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف ومعه الرأس في محلة . فعلى أهلها القسامة والدية وإن وجد نصف مشقوقا بالطول أو وجد اقل من النصف ومعه الرأس أو وجدت يده أو رجله أو رأسه فلا شيء عليهم لأن هذا حكم عرفناه بالنص وقد ورد في البدن إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي بخلاف الأقل لأنه ليس ببدن ولا ملحق به فلا تجري فيه القسامة
    ولو وجد فيهم جنين أو سقط ليس به أثر الضرب فلا شيء على أهل المحلة لأنه لا يقوق الكبير حالا وإن كان به اثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم لأن ينفصل ميتا لا حيا
    قالوا : وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة لأنه في يده فصار كما إذا كان في جاره وكذا إذا كان قائدها أو راكبها فا اجتمعوا فعليهم لأن القتيل في أيديهم فصاروا كما إذا وجد في دارهم
    قالوا : وإذا مرت دابة بين قريتين وعليها قتيل فهو على أقربهما لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أتي بقتيل وجد بين قريتين فأمر أن ذرع بينهما وعن عمر رضي الله عةنه أنه لما كتب إليه في القتيل الذي وجد بين وادعة وأرحب وكتب بأن يقيس بين القريتين فوجد القتيل إلى اجعة أقرب فقضى عليهم بالقسامة
    وإذا وجد القتيل في دار لإنسان فالقسامة عليه والدية على العاقلة ولا يدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة وقال اوب يوسف هي عليهم جميعا وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار وعلى قومه وتدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حضروا وإن كانوا غائبين فالقسامة على رب الدار يكرر عليهم الإيمان وإن ووجد القتيل في ار مشتركة فهي على رؤوس الرجال
    ومن اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل فهو على عاقلة البائع
    وإن وجد قتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين
    وإن وجد في مسج محلة فالقسامة على أهلها لأن التدبير فيه إليهم وغنوجد في المسجد الجامع أو الشارع العظم فلا قسامة فيه والدية على بيت المال لأنه للعامة لا يختص به واحد منهم وكذلك الجسور العامة
    ولو وجد في السوق إن كان مملوكا فعند أبي يوسف تجب على السكان وعندهما على المالك . وإن لم يكن مملوكا كالشوارع العامة التي بنيت فيها فعلى بيت المال لأنه لجماعة المسلمين
    ولو وجد في السجن فالدية على بيت المال وعلى قول أبي يوسف الدية والقسامة على أهل السجن . لأنهم محتبسا بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان
    وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم وإن اجعى على واحد من غيرهم سقطت عنهم وإذا التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل فهو على أهل المحلة إلا أن يدعي الأولياء على اولئك أو على رجل متهم بعينه فلم يكن على أهل المحلة شيء ولا على اولئك حتى يقيموا البينة
    ولو وجد قتيل في معسكر أقاموا بفلاة من الأرض لا ملك لاحد فيها فإن وجد في خباء أو فسطاط فعلى من سكنها الدية والقسامة وإن كان حارجا من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية اعتبارا
    وإن كان القوم لقوا قتالا ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة ولا دية لأن الظاهر أن العدو قتله وإن كان للأرض مالك فالعسكر كالسكان وإذا قال المستحلف قتله فلان استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلا غير فلان لأنه يريد إسقاط الخصونة عن نفسه بقوله فلا يقبل وإذا شهد اثنان من اهمل المحلة على رجل من غيرهم أنه قتل لم تقبل شهادتهما
    ولو ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل الشهادة لأن الخصومة قائمة ومن جرح من قبيلة فنقل إلى أهله فمات من تلك الجراحة فإن كان صاحب فراش حتى مات فالقسامة والدية على القبيلة ولو جد رجل قتيلا في دار نفسه فديته على عاقلته لورثته
    وقالوا : إن الأولياء إذا كانوا جماعة تكرر عليهم الأيمان بالإدارة بع أن يبدأ أحدهم بالقرعة
    وقالوا : إن القسامة تثبت في العبيد مراعاة لحرمة الآدمي المسلم من حيث هب من غير تفرقة
    وقالوا : إن أيمان النساء لاتقبل في القسامة مطلقا لا في عمد ولا في خطأ لعدم النصرة بهن
    وقالوا : لاتشرع الأيمان في القسامة إلا على المدعى عليهم لكونهم متهمين بالقتل فيحلفون لتبرأ ساحتهم
    الشافعية - قالوا : يشترط لك دعوى بدم أو غيره كغصب وسرقة وإتلاف ستة شروط أحدها : أن تكون معلومة غالبا بأن يفصل ما يدعنه من عمد أو خطأ أو شبه عمد ومن انفراد وشركة وعدد الشركاء في قتل يوجب الدية فإن أطلق المدعي في دعواه كقوله : هذا قتل أبي استفصله القاضي ندباص فيقول له : كيف قتله عمدا أم خطأ أم شبه عمد ؟
    وقيل : لا يستفصل القاضي المدعي بل يعرض عنه لأنه ضرب من التلقين
    وثانيها : أن تكون ملزمة فلا تسمع دعوى هبة شيء أو بيعه أو إقراره به حتى يقول المدعي : وقبضته بإذن الواهب ويلزم البائع أو المقر التسليم
    وثالثها : أن يعين المد عي في دعواه المدعى عليه واحدا كان أو جمعا معينا كثلاثة حاضرين فلو قال : قتله أحدهم فأنكروا وطلب تحليفهم لا يحلفهم القاضي في الأصح للإبهام
    ورابعها : أن تكون الدعوى على مدعى عليه مكلفا فلا تصح الدعوى على صبي ومجنون بل إن توجه على الصبي أو المجنون ما لى ادعى مستحقه على وليهما فإن لم يكن ولي حاضر فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب
    وسادسها : أن لا تتناقض دعوى المدعي وحينئذ لو ادعى على شخص انفراده بالقتل ثم ادعى على آخر أنه شريكه أو منفر لم تسمع الدعوى الثانية لما فيه من تكذيب الأول ومناقضتها وسواء أقسم على الول ومضى الحكم فيه أم لا

    وقالوا : وتثبت القسامة في قتل النفس لا في غيرها من جرح أو إتلاف مال . وعتبر كون القتل بمكان لوث - وهو قرينة حالية أو مثالية تدل على صدق المدعي بأن يغلب على الظن صدقه ت بأن وجد قتيل أو بعضه كرأسه في محلة منفصلة عن بلد كبير ولا يعرف قاتلهن ولا بينة بقتله أو في قرية صغيرة لأعدائه دينيا أو دنيويا إذا كانت العدوة تبعث على الانتقام بالقتل ولم يساكنهم في القرية غيرهم فتجب القسامة أو وجد قتيل تفرق عنه جمع كأن ازدحموا على بئر أو باب الكعبة ثم تفرقوا عن قتيل لقوة الطن انهم قتلوه
    ويشترط أن يكونوا محصورين بحيث يتصور غجتماعهم على القتيل وإلا لم تسمع الدعوى ولم يقسم
    قالوا : ولا يشترط في اللوث والقسامة ظهور دم ولا جرح لأن القتل يحصل بالخنق وعصر البيضة ونحوهما فإذا ظهر أثره قام مقام الدم فلو لم يوجد اثر أصلا فلا قسامة على الصحيح وقيل : تثبت القسامة
    قالوا : وشهادة العدل الواحد لوث لحصول الظن بصدقه . وذلك في القتل العمد الموجب للقصاص . فإن كان في خطأ أو شبه عمد لم يكن لوثا بل يحلف معه يمينا واحدة ويستحق الدية والعبيد والنساء شهادتهم لوث لأن ذلك يفيد غلبة الطن سواء جاؤوا متفرقين أو مجتمعين وقيل : يشترط تفرقهم لاحتمال التواطؤ
    وأخبار فسقة أو صبيان أو كفار لوث في الأصح وكذلك لهج ألسنة الخاص والعام بأن فلانا قتل فلانا ومن اللوث وجود تلطخه بالدم أو بسلاح عند القتيل ومن اللوث أيضا إذا تقاتل صبيان والتحم الحرب بينهم وانكشوف عن قتيل فهو لوث في حق الصف الآخر وإلا فلوث في حق صفة
    فاذ وجد المقتضى للقسامة حلف المدعون على قاتله خمسين يمينا واستحقوا دية مغلظة إذا كان القتل عمدا ويبدأ بأيمان المدعين للقسامة لا بأيمان المدعى عليهم فإن نكل المدعوة ولا بينة حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ وإنما بدئ بأيمان المدعين للقسامة لأنهم هم الذين يطلبون أخذ الهأر من المتهم بالقتل
    وقالوا : إن الأولياء إذا كانوا جماعة قسمت الايمان بينهم بالحساب على حسب الارث ولو ظهر لوث في قتيل فقال أحد ابنيه : قتله فلان وظهر عليه لوث وقال الابن الآخر : لم يقتله بطل اللوث لأن الله تعالى أجرى العادة بحرص القريب على التشفي من قاتل قريبه وأنه لا يبرئه تعائض هذا اللوث فسقطا فلا يحلف المدعي لانخرام ظن القتل بالتكذيب الدال على أنه لم يقتله - وقيل : لا يبطل حقه من اللوث وقيل : لا يبطل اللوث بتكذيب فاسق . وإذا لم يتكاذب ابنا القتيل بل قال أحدهما : قتله زيد ومجهول عندي . وقال الآخر : قتله عمرو ومجهول عندي حلف كل منهما على من يعينه منهما إذ لاتكاذب بينهما لاحعمال أن الذي أبهم ذكره هة الذي عينه الآخر وكذلك العكس ولكل منهما ربع الدية لاعترافه بأن الواجب عليه نصفها وحصته نصفه . ولو أنكر المدعى عليه اللوث في حقه فقال : لم أكن مع القوم المتفرقين عن القتيل صدق بيمينه لأن الأصل براءة ذمته من القتل وعلى المدعي البينة على الامارة التي يدعيها وهي عدلان
    قالوا : لو ظهر لوث في قتيل لكن بمطلق قتل دون تقييده بصفة عمد وخطأ وشبه عمد فلا قسامة حينئذ في الأصحن لأن مطلق القتل لا يفيد مطالبته القاتل بل لابد من ثبوت العمد ولا مطالبة العاقلة بل لابد أن يثبت كونه خكا أو شبه عمد - وقيل : تثبت القسامة صيانة للدم عن الهدر قالوا : ولا قسامة في الجراحات وقطع الأطراف والأموال . إلا في قتل عبد أو أمة مع لوث فيقسم السيد على من قتله من حر أو رقيق في الأظهر بناء على أن بدل الرقيق تحمله العاقلة
    وقيل : لا قسامة في العبد بناءعلى أن بدله لا تحمله العاقلة فهو ملحق بالبهائم
    ( يتبع . . . )
    والقسامة أن يحلف المدعي الوارث على قتل النفس ولو ناقصه كامرأة وذمي مع وجود اللوث خمسين يمينا والحلف يتوجه إلى الصفة التي أحلف الحاكم عليهان فيقول : والله لقد قتل هذان ويشير إليه إن كان حاضرا ويرفع في نسبه إن كان غائبا أو يعرفه بما يمتاز به من قبيلة أو حرفةن أو لقب ولا يشترط موالاة الأيمان ولو تخلل الايمان جنون من الحالف أو إغماء بني إذا أفاق على ما مضى ولو مات الولي المقسم في أثناء الايمان لم يبن وارثه بل يستأنف ولو نكل عن الايمان أحد الورثة حلف الوارث الآخر خمسين يمينا ولو غاب حلف الآخر خمسين واخذ حصته وإلا صبر للغائب
    والمذهب أن يمين المدعي عليه بلا لوث واليمين المردودة منه على المدعي وعلى المدعى عليه واليمين مع شاهد خمسون للجميع
    المالكية - قالوا : سبب القسامة التي توجب القصاص في العمد وتوجب الدية في قتل الخطأ قتل الحر المسلم دون الرقيق والكافر وسواء أكان الحر بالغا أو صبيا قتل بجرح أو ضرب أو سم بلوث - وهو الأمر الذي ينشأ عنه غلبة الطن بأنه قتله كشاهدين على قول حر مسلم بالغ قتلني أو جرحني أو ضربني فلان أو شهادة عدلين على معاينة الضرب أو الجرح أو أثر الضرب أو شهادة واحد علد على معاينة الجرح أو الضرب أو شهادة واحد على معاينة القتل أو يوجد القتيل ويضربه شخص عله أثر القتل كان لوثا أما إذا قال : فلان بل فلان أو إذا تردد أو لم يكن أثر الجرح به بطل اللوث ولا قسامة - وقلك يقبل قوله ويكون لوثا تحلف الولاة معه أيمان القسامة . ولكن الظاهر الأول
    وإنما قالوا : إن قول المقتول : دمي عند فلان واستمر على إقراره حتى مات لوث وتثبت به القسامة . مع قول العلماء : إن الناس لا لا يعطون بدعواهم والأيمان لا تثبت الدعاوى - وذلك لأن الشخص عند موته لا يتجاسر على الكذب في سفك دم غيره كيف ؟ وهو الوقت الذي يحق في الندم ويقلع فيه الظالم ويرد المظالم إلى أصحابها ومدار الأحكام على غلبة الظن وقد تأيد ذلك بالقسامة وهي أيمان مغلظة احتياطيا في الدماء لأن الغالب على القاتل إخفاء القتل عن البينات فاقتضى الاستحسان ذلك
    قالوا : وسواء كان قول الحر المسلم البالغ قتلني عمداص أو خطأ ففي العمد يستحقون بالقسامة القصاص وفي الخطأ يستحقون الدية ولو كان القائل هذا القول رجلا فاسقا وادعى على عدول ولو اعدل وأورع أهل زمانه أنه قتله أو ادعى الولد على أبيه أنه ذبحه أو شق جوفه أو رماه بحديدة قاصدا قتله فيقسم الولياء يمين القسامة ويقتل فيه المدعى عليه قتل العمد أو يقسمون ويأخذون الدية مغلظة
    وإن أطلق القائل ولم يقيد بعمد أو خطأ بين أولياؤه أنه عمد أو خطأ واقسموا على ما بينوا وإن قالوا : لا نعلم هل القتل عمد أم خطان أو قالوا : لا نعلم من قتله أو أختلفوا بأن قال بعض الولياء قتله عمد أو قال بعضهم : لا نعمل هل قتله خطأ أم عمد بطل الدم لانهم لم يتفقوا على أن وليهم قتل عمدا حتى يستحقوا القود ولم يتفقوا على أنه خطأ حتى يستحقوا الدية . ولم يتفقوا على من قتله فيقسموا عليه
    أما لو قال بعضهم قتله خطان وقال البعض لا نعلم خطأ أو عمدا فللمجعي الخطأ الحلف لجميع أيمان القسامة ويأخذ نصيبه من الدية لأن الثابت في الخطأ مال أمكن توزيعه ولا شيء لغيرهن ومثله لو قالوا جميعا خطأ ونكل البعض فلو قال بعضهم : خطأ وبعضهم عمدا فإن استووا في الدرجة كالبنين أو الاخوة فيحلف الجميع على كل طبق دعواه على قدر ارثه ويقضى للجميع بدية الخطأ فو نكل مجعي الخطأ عن الحلف فلا شيء للجميع وإن نكل مدعي الخطأ فلمدعي العمد الدخول في حصته من حلف
    قالوا : ولو شهد عدلان على معاينة الضرب أو الجرح خطأ أو عمدا وكان حرا مسلما وتأخر الموت
    فيقسم أولياؤه - والله منه مات - أو - إنما مات منه
    أما إذا لم يتأخر الموت فيستحعون الدم لدية بدون قسامة لكونها شهادة على معاينة القتل . أو شهادة عدل بمعاينة الضرب أو الجرح عمدا أو خطأ تأخر الموت أو لم يتأخر فيقسم الاولياء خمسين يمينا - لقد جرحه أو ضربه ومات من الجرح والضرب وقيل : يحلف واحد من الأولياء يمينا مكملة لشهادة العدل اه ضربه أو جرخه ثم يحلفون الخمسين يمينا
    ولو شهد علد بإقرار المقتول بعمد أو خطأ - اي شهد بالغ أن فلانا جرحني أو ضربني عمدا أو خطأ وشهد عدل على قوله فشادته لوث يحف عليها الأولياء خمسين يمينا بالصيغة المشتملة على اليمين لملكملة للنصاب فلا يحتاجون ليمين منفردة على العتمد من الذهب
    ولو شهد عدل برؤية المقتول حال كونه يتشحط في دمه والشخص المتهم بالقتل عليه اثر القتل بالفعل ككون الآلة بيده ملطخة بدم أو كان خارجا من مكان المقتول ولي فيه غيره فتكون شهادة العدل على ما ذكر لوثا يحلف الاولياء يمين القسامة ويستحقون القود في العمد والدية في الخطأ
    واعلم أنه تلزمه القسامة ولو تعدد اللوث كشهادة عدل بمعاينة القتل مع عدلين على قول المقتول : قتلني فلان فلا يقتصون ولا يأخذون الدية إلا بعد القسامة
    قالوا : وليس من اللوث وجود المقتول بقرية قوم ولو مسلما بقرية كفار . وهذا إذا كان يخالطهم غيرهم في القرية وإلا كان لوثا يوجب القسامة كما جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم القسامة لا بني عم عبد الله بن سهل حيث وجد مقتولا بخيبر لأن خيبر مكان لا يخالط اليهود فيا غيرهم أو وجد مقتولا بدارهم لجواز أن يكون قتله غير أهل القرية والدار ورماه عندهم حيث كان يخالطهم غيرهم في الدار أيضا
    قالوا : والقسامة خمسون يمينا متوالية بدون تفريق بزمان أو مكان يحلفون على البت والجزم يحصل لهما العمل بالخبر كما يحصل بالمعاينة . وجبرت اليمين إذا وزعت على حدود وحصل كسران أو أكثر فإنها تكمل على ذي أكثر كسرها ولو كان صاحب أكثر الكسر أقل نصيبا وإن تساوت الكسور فعلى كل من الجميع تكميل ما انكسر عليه للتساوي
    ويحلف في أيمان القسامة في الخطأ من يرث المقتول من المكلفين وتوزع هذه الايمان على قدر الميراث . وإن إلا واحد من الأخوة للام فإنه يحلف خمسين يمينا ويأخذ حظه من الدية أو إذا لم يوجد إلا امرأة واحدة ولا يأخذ أحد من الأولياء الحاضرين البالغين إذا غاب بعضهم أو كان صغيرا . شيئا من الدية من العاقلة إلا بعد حلف جميع الايمان ويأخذ حصته من الدية لأن العاقلة لا يخاطبون بالدية إلا بعد ثبوت الدم ثم بعد حلف الحاضر جميع الأيمان حف من حضر من الغيبة أو بلغ الصبي حصته من أيمان القسامة ويأخذ نصيبه من الدية ولا يحلف أيمان القسامة في العمد اقل من رجلين لأن النساء لا يحلفن في العمد لعدم شهادتهن فيه فإن انفردن عن رجلين صار المقتول كمن لا وارث له فترة اليمان على المدعى عليه عصبة ولا يقسم في العمد إلا على واحد من الجماعة الملوثين بالقتل يعينه المدعي للقسامة يقولون في الأيمان :
    من ضربه ما لا من ضربهم ولا يقتل بها أكثر من واحد فإن استووا في قتل العمد كحمل صخرة ورموها عليه فمات فيقسمون على الجميع ويقتل الجميع حيث رفع حيا وأكل ثم مات فلو مات مكانه أو انفذت مقاتله قتل الجميع بدون قسامة
    ويجوز للولي أن يستعين في القسامة بعاصبه وإن لم يكن عاصب المقتول كامرأة مقتولة ليس لها عاصب غير ابنها وله اخوة من أبيه فيستعين بهم أو ببعضهم أو بعمه مثلا
    قالوا : وتوزع الايمان على مستحق الدم على الرؤوس في العمد وأما في الخطأ فتوزع على قدر الإرث فإن زادوا على خمسين اجتزئ منهم بخميسين وكفى في حلف جميعها اثنان من الأولياء إذا كان الأولياء أكثر من اثنين وطاع منهم اثنان فيكفى حيث كان الباقي غير ناكلين ونكول المعين من عصبة الولي لا يعتبر بخلاف نكول غير المعين فإنه معتبر فترد الايمان على المدعى عليهم بالقتل فيحلف كل واحد منهم خمسين يمينا إن تعددوا لأن كل واحد م نهم متهم بالقتل وإن كان لا يقتل بالقسامة إلا واحد فإذا كان المتهم واحدا حلف الخمسين يمينا
    ومن نكل من المدعى عليهم بالقتل حبس حتى يحلف خمسين أو يموت في السجن حيث كان متمردا وإلا فبعد سنة يضرب مائة ويطلق والراجح الأول
    قالوا : إن الحاكم يبدأ بأيمان المدعين للقسامة لا بأيمان المدعى عليهم . فإن نكل المدعوة ولا بينة معهم عليه خمسين حلف المدعي يمينا وبرئ من دمه
    الحابلة - قالوا : إن القسامة مشروعة إذا وجد قتيل في محله ولم يعلم قاتله وهي ثابتة بالسنة واجماع الأمة ولكن لا يحكم بالقسامة إلا أن يكون بين المقتول وبين المدعى عليه لوث وهي العداوة في حق الصف الآخر والعصبة خاصة كما هو حاصل بين القبائل من المطالبة بالدماء وأخذ الثأر وكما بين أهل البغي وأهل البغي وأهل العدل وأما قول المقتول المسلم البالغ : إن فلانا قتلني فلا يكون لوثا فإذا وجد المقتضي للقسامة حلف المدعون على قاتله خمسين يمينا واستحقوا دمه إذا كان القتل عمدا
    ويجب أن تبدأ بأيمان المدعين للقسامة لا بأيمان المدعى عليهم فإن نكل المدعون ولا بينة على القتل . حلف المدعى عليه خمسين يمينا ما قتله ولا يعلم له قاتلا وبرئ من دمه فإذا كان أولياء الدم جماعة قسمت الأيمان بينهم بالحساب على حسب الإرث الذي يستحقونه من القتيل حتى يكون الغرم على قدر الغنم
    وقالوا : إن القسامة تثبت في العبيد . وذلك لحرمة الآدمي المسلم من حيث هو حيث إن الله تعالى كرمه وقالوا : إن أيمان النساء لا تقبل في القسامة مطلقا لا في عمد ولا في خطأ تخفيفا عن النساء لأنه لا نصرة عليهن والقسامة تبنى على النصرة من أفراد العاقلة وأهل المحلة لأن القاتل يعتز بهم ويحتمي بقوتهم
    مبحث كفارة القتل
    اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على وجوب الكفارة في قتل الخطأ إذا لم يكن المقتول ذميا ولا عبدا واتفقوا على أن كفارة قتل الخطأ عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وذلك لقوله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة . فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما } [ آية : 92 من النساء ]
    والمالكية والحنفية والشافعية في أصح قوليهم والحنابلة في إحدى روايتهم - قالوا : أنه لا يجزئ الاطعام في كفارة قتل الخطأ نظرا إلى عظم حرمة المؤمن فخص الكفارة بما هو أعلى قيمة غالبا من الإطعام ولأنه لم يرد به النص القرآني والمقادير تعرف بالتوقيت ولأن الله تعالى جعل المذكور في الآية كل الواجب بحرف الفاء أو لكونه كل المذكور على ما عرف ويجزئه رضيع أحد أبويه مسلم لأن شرط هذا الإعتاق الإسلام وسلامة الأطراف والأول يحصل بإسلام أحد أبويه والثاني بالظهور إذ الظاهر سلامة أطرافه ولايجزئه ما في البطن لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته
    الشافعية والحنابلة في الروايتين الأخريين - قالوا : إن الإطعام حين العجز عن الصوم يجزئ مثل كفارة الظهار
    الحنفية والشافعية والحنابلة - قالوا : تتجب الكفارة في قتل الذمي على الاطلاق وفي قتل العبد المسلم وذلك للعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه و سلم على الذمي في وعد من ظلمه بأن يكون صلى الله عليه و سلم حجيجه يوم القيامة في نحو قوله : ( من ظلم ذميا كنت حجيجه يوم القيامة ) فإذا كان هذا فيمن ظلمه ولو بأخذ درهم من ماله أو بكلمة في عرضه مثلا فكيف بمن قتله بغير حق
    وأما وجوب الكفارة في قتل العبد المسلم فلدخولها في وصيته صلى الله عليه و سلم في حال احتضاره بقوله صلى الله عليه و سلم : ( الصلاة وما ملكت أيمانم ) وقد ورد أن الوصية على الأرقاء من أواخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو محتضر فصار يقول ذلك بتكلف لا يكاد لسانه يبينها فوجب احترامه كل الاحترام ومن جملة احترامه وجوب الكفارة في قتله
    المالكية - قالوا : لا تجب الكفارة في قتل الذمي لأن وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم على أهل الذمة محمولة على فعل أمور مخصوصة كأخذ ماله بغير حق وكالوفاء بذمته وبغير الكفارة كتكفينه ودفنه إذا مات ونحو ذلك دون وجوب الكفارة في قتله فإنه مراق الدم في الجملة من حيث كفره بالله وتكذيبه لرسوله صلى الله عليه و سلم
    الحنفية والمالكية والحنابلة في إحدى روايتهم - قالوا : لا تجب الكفارة في قتل العمد لأن الشارع شدد في أمر القاتل عمدا بالقتل أو الدية إذا عفا الأولياء عن قتله إلى الدية فلا يزاد على ذلك لأنه كبيرةة محضة وفي الكفارة معنى العبادة فلا تناط بمثلها ولأن الكفارة من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى
    الشافعية - قالوا : تجب الكفارة في قتل العمد لأن الحاجة إلى التكفير في العمد أمس منها إليه في الخطأ فكان أدعى إلى إيجابها لأن العامد أغلظ إثما ممن كان قتله خطأ فكانت الكفارة به اليق من الخطأ
    قالوا : وتجب على كل واحد من الشركاء في القتل كفارة في الأصح لأنه حق يتعلق بالقتل فلا يتبعض كالقصاص . ولأن الكفارة لتكفير جناية القتل وكل واحد قاتل ولأن فيها معنى العبادة والعبادة الواجبة على الجماعة لا تتبعض
    وقيل : تجب الجميع كفارة واحدة كقتل الصيد
    الشافعية والحنابلة - قالوا : تجب الكفارة على الكافر إذا قتل مسلما خطأ . للتغليظ على الكافر بالتغريم من حيث عدم تحفظه في حق المسلم حتى لا يعود إلى مثلها وليكون عبرة لغيره من دينه بل قالوا : تجب الكفارة بالقتل وإن كان القاتل عبدا كما يتعلق بقتله القصاص والضمان دينه بل قالوا : تجب الكفارة بالقتل ذميا لا لتزامه الأحكام ولو كان القاتل عامدا أو مخطئا أو متسببا بقتل مسلم ولو بدار الحرب وذمي وجنين وعبد نفسه ونفسه ولا تجب الكفارة بقتل امرأة وصبي حربيين . ولا بقتل باغ لأنه مباح الدم وصائل لأنه لا يضمن ومرتد وزان محصن ومقتص منه بقتل المستحق له لأنه مباح الدم بالنسبة إليه
    الحنفية والمالكية - قالوا : إن الكفارة لا تجب على الكافر لأن الكفارة طهرة للقاتل من الأثم دافعة عنه وقوع العذاب به يوم القيامة والكافر ليس أهلا لذلك لأنه لا يظهر إلا بحرقه بالنار يوم القيامة فكيف يظهر بالكفارة ؟
    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : تجب الكفارة على الصبي والمجنون إذا قتلا وذلك لنسبتهما إلى قلة التحفظ في الجملة فلو خوف الولي الصبي من القتل أو ضبط المجنون بالقيد والغل لما كانا قدرا على قتل أحد عادة مع كون المجنون ربما تعاطى أسباب الجنون بأكله طعاما لا يناسب مزاجه مثلاص فكان تغريمه الكفارة من باب المؤاخذة بالسبب عند من يقول به من الأئمة
    الحنفية - قالوا : لا تجب على الصبي ولا على المجنون كفارة لأن المجنون خرج عن التكليف ولأن الصبي لم يبلغ سن التكليف فلم يؤاخذا بفعليهما ولأن أفعالهما من قسم المباح وهو أحد الحكام الخمسة
    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : تجب الكفارة على القاتل بالسبب كمن تعدى بحفر بئر عدواناص ووضع حجرا في الطريق وكالمكره والآمر به لمن لا يميز وشاهد الزور ولو حصل التردي في البئر بعد موت الحافر لأن اسم القاتل يشمل الآمرين فشملتهما الآية وبالقياس على وجوب الدية
    الحنفية - قالوا : إن الكفارة لا تجب على القاتل بالسبب مطلقا وإن كانوا قد اجمعوا على وجوب الدية في القتل بالسبب وذلك لعدم إلحاق السبب بالمباشر لأنه أخف حالا منه حيث إنه لم يباشر القتل
    الحنفية - قالوا : إذا قتلت أم الولد سيدها فعليها قيمة نفسها لأنه قد زال عنها ملك سيدها بقتله فصارة حرة كما لو قتلت غيره وذلك إذ لم يجب القصاص عليها
    الشافعية - قالوا : يجب عليها الدية لأنها تصير حرة لزوال موجب جنايتها والواجب في قتل الحر دية
    الحنفية - قالوا : إن الجناية من أم الولد لا يجب فينها أكثر من قيمتها كما لو جنت على أجنبي ولأن اعتبار الخيانة قي الجاني بحال الجناية - وهي في حال الجناية آمة . ولأنها ناقصة بالرق لأشبهت القن . وإذا لم يكن لها منه ولد فعليها القصاص لورثة سيدها وإن كان لها منه ولد وهو الراث وحده فلا قصاص عليها لأنه لو جب لوجب لولجها ولا يجب للولد على امه قصاص
    الحنابلة - توقفوا في هذه المسألة )
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #284
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 179 الى صـــــــــ203

    الحلقة (284)





    القسم الثالث
    باب التعزير

    - أما التعزير فهو التأديب بما يراه الحاكم زاجرا لمن يفعل فعلا محرما عن العودة إلى هذا الفعل فكل من أتى فعلا محرما لا حد فيه ولا قصاص ولا كفارة فإن على الحاكم أن يعزره بما يراه زاجرا له عن العودة من ضرب أو سجن أو توتبيخ
    وقد اشترط بعض الأئمة أن لا يزيد التعزير بالضرب على ثلاثين سوطا وقال بعضهم وهم المالكية : إن للإمام أن يضربه بما يراه زاجرا ولو زاد عن مائة بشرط أن لا يفضي ضربه إلى الموت ( 1 )
    وبعضهم وهم الحنابلة - قالوا : إنه لا يزيد في الضرب عن عشرة أسواط . ولكن أبن القيم الحنبلي لم يوافق على هذا فقد ذكر ( في أعلام الموقعين ) أن التعزير بالضرب قد وصل إلى مائة سوط عند الحنابلة كما إذا وطئ شخص جارية امرأته بإذنها - فإنه يعزر بضرب مائة . وقال : إن عمر بن الخطاب زاد في حد شرب الخمر أربعين فأوصله إلى ثمانين ولا يعقل أن تكون هذه الزيادة من أصل الحد الي ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو أربعون
    على أنك قد عرفت أن بعض العلماء يقول : إن عقوبة الشرب كلها من باب التعزير لا من باب الحد
    وظاهر عبارة أبن القيم في كتابه ( أعلام الموقعين ) تفيد أن للحاكم أن يعزر بما يشاء من سجن أو ضربن كما هو رأي المالكية فكل عقوبة تناسب حال البيئة وتخيف المجرمين يجب أن تنفذ
    على أن الحنفية الذين قالوا : إنه لا يجوز للحاكم أن يزيد في التعذير بالضرب على ثلاثين سوطا وقالوا : إن للحاكم أن يعزر بالقتل فإن عقوبة اللواكة عندهم من باب التعزير ومع ذلك فإنهم يقولون : إذا تكررت هذه الفاحشة من شخص فإنه يعزر بالإعدام . إذ لا يليق أن يوجد بين النوع الإنساني من تنقلب طبيعته إلى هذا الحد ولا يخفى ما في هذا من سلطة واسعة يتصرف فيها الحاكم بما يرى فيه المصلحة
    ------------------------------------
    ( 1 ) ( تعريفه : التعزير مصدر عزر من العزر وهو الرد والمنع ومنه قوله تعالى : { وتعزروه } أي تدفعوا العدو عنه وتمنعوه وفي الشرع تأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة وهو مخالف للحدود من ثلاثة أوجه
    الأول : أنه يختلف باختلاف الناس فتعزير ذوي الهيئات أخف من تعزير عامة الناس مع انهم يستوون في الحدود مع الناس لا فرق بين عربي وقرشين فالكل امام الحدود سواء
    الثاني : أنه تجوز فيه الشفاعة والعفو ولو بعد وصوله إلى الحاكمن بخلاف الحدود فإنه لا تجوز فيها الشفاعةز إذا ما وصل الأمر إلى الحاكم
    الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن التالف بالتعزير غير مضمون مثل الحدود لأنه مأمور
    الشافعية - قالوا : إن التالف بالتعزير مضمون بخلاف الحدود فإنها غير مضمونة
    قال العلماء : والتأديب للأولاد أو للزوجة عندهم تعزيرا لدفعه ورده عن فعل القبائح ويكون التعذير بالقول والتأنيب ويكون بالضرب والحبس ويكون بالغرامة المالية حسب ما يقتضيه حال الفاعل وما يراه الحاكم من المصلحة للجاني ا ه

    حكمه في الشريعة
    الحنفية والمالكية - قالوا : إن غلب على ظن الحاكم أن الجاني لا يصلحه إلا الضرب أصبح واجبا وإن غلب على ظن الحاكم أن الجاني لا يصلحه إلا الضرب أصبح واجبا وإن غلب على ظنه إصلاحه بغيره لم يجب . تعظيما لحضرة الله تعالى إن يعصي العبد ربه فيها وهو ينظر إليه سبحانه فكان الضرب المؤلم له واجبا ليتنبه لقبح فعله في المستقبل ويصير يتذكر الألم الذي حصل له في الماضي فيستغفر ربه منه
    الشافعية - قالوا : لا يجب التعزير على الحاكم لأنه لا يحصل به كبير زجرن ولا ردع عن المعاصي المستقبلة إن كانت معلقة على حصول الألم الواقع لذلك العبد
    الحنابلة - قالوا : إن استحق بفعله التعزير كان واجبا وإن لم يستحق فلا يجب
    ضرب الأب ولده تأديبا
    المالكية والحنابلة - قالوا : إن الأب إذا ضرب الصبي للتعليم فمات الولد أو الصبي من أثر الضرب فلا ضمان عليه لأن الأب والمعلم لا يضربان للإصلاح والتأديب
    الحنفية والشافعية - قالوا : إن الاب إذا ضرب ابنه فمات يجب عليه الدية في ماله ولا يرث منها وكذل المعلم لحفظ القرآن والكتابة أو الصنعة إذا ضرب الصبي لاجل التعليم فمات من الضرب وجب عليه الضمان وذلك حتى يتحفظ الأب في ضربه لولده فإنه ربما قامت نفسه من ولده فضربه لا لمصلحة كالأجينب فوجب الضمان احتياطا
    ضرب الحاكم للتعزير
    الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن الإمام إذا ضرب رجلا للتعزير فمات بسبب الضرب فلا يجب عليه الضمان لأن منصب الإمام يجل عن أن يعزر احدا بغير المصلحة بخلاف غير الإمام فإنه قد يعزر غيره وعنده شائبة تشف منه لعداوة سابقة مثلا وما سمعنا أن حاكما قتل بقتله احدا في تعزير ولا غرم دية
    الشافعية - قالوا : إن الإمام لو عزر رجلا فمات بسببه وجب عليه الضمان لأن الشرع لا محاباة فيه لاحد من الناس فالإمام الأعظم كآحاد الناس في تطبيق أحكام الشربعة عليه
    قالوا : والتعزير مشروع سواء أكان الذنب حقا لله تعالى أم لآدمي وسواء أكان من مقدمات ما فيه حد كمباشرة أجنبية في غير الفرج وسرقة ما لا قطع فيه والسبب بما لا قذف فيه أن لا . كجناية التزوير في الأوراق الرسمية واختلاس الأموال وشهادة الزور )
    جواب وسؤال
    - فإن قلت : كيف يصل التعزير إلى هذا القدر من العقوبة مع أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ) ؟
    فإن ظاهر هذا الحديث يدل على أن عقوبة غير الحد لا يجوز أن تزيد على عشرة أسواط كما يقول الحنابلة ( 1 )
    وقد أجاب أبن القيم نفسه عن هذا : بأن الحدود التي تطلق على العقوبات تطلق أيضا على نفس الجناية والمعصية كما ذكرناه في بحوثنا السابقة
    والمراد بها في الحديث المعصية لا العقوبة فمعنى الحديث لا تجوز العقوبة بالضرب زيادة على عشرة أسواط إلا في الجنايات أن يختلي بامرأة محرمة أو يشهد زورا أو يغش شخصا أو يخدعه أو يحتال عليه أو يقامر أو يبذر ماله فيما يؤذي الناس . أو يسعى بالنميمة بين الناس . أو يطفف الكيل والميزان أو يصرف وقته في الملاهي أو غير ذلك مما لا يمكن حصره هنا . فكل جناية لم يضع لها الشارع حدا ولاكفارة فإن للحاكم فإن يعاقب عليها بالسجنن أو الضرب بحسب ما يراه زاجرا للمجرم
    أما غير الجنايات من المخالفات كمخالفة الابن لأبيه ونحو ذلك مما يقع من اصبيان فإنه يصح التأديب عليها باضرب بشرط أن لا يزيد عن عشرة أسواط
    فهذا هو معنى الحديث . وهو حسن
    وبالجملة فإن التعزير باب واسع يمكن للحاكم أن يقضي به على كل الجرائم التي لم يضع الشارع لها حدا أو كفارة على أن يضع العقوبة المناسبة لكل بيئة ولكل جريمة من سجن أو ضرب أو نفي أو توبيخ أو غير ذلك ( 2 )
    وأجاز بعض الحنفية التعزير بالمال على أنه إذا تاب يرد له فإذا استثنينا من العقوبات حد السرقة وحد القذف واستثنينا القصاص وبعض الأشياء التي جعل الشارع لها كفارة كالحلف بأقسامه واتيان الزوجة وهي حائض فإن عقوبات الجرائم الخلقية والمالية وسائر المعاصي منوط بتقدير الحاكم واجتهاده فعليه أن يضع جميع العقوبات التي تقضي على الرذائل وتزجر المجرمين
    ----------------------------------------------
    ( 1 ) ( الحنفية والشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : لا يجوز أن يبلغ بالتعزير أعلى الحدود لأن الإمام ونائبه إنما يحكمان على وفق الشريعة الغراء وليس لهما أن يزيدا على ما قدرته الشريعة ذرة واحدة
    المالكية قالوا : إن التعزير راجع إلى رأي الإمام فإن أن يزيد على الحدود فعل لاجل المصلحة لأن الشارع أمن الإمام الأعظم على أمته من بنعده وأمر الأمة بالسمع والطاعة في كل ما لا معصية فيه لله عزوجل بل ضرب بعض العتاة والفسقة الحد المقدر بما لا يردعه فجاز للإمام الزيادة بالاجتهاد مصلحة ذلك المعزر
    الحنفية والشافعية قالوا : إن التعزير لا يختلف أسبابه كأن يزاج في التعزير حتى يبلغ أجنى الحدود ولو في الجملة وأدناها عند أبي حنيفة أربعون في الخمر وعند الشافعيةن والحنابلة عشرون فيكون أكثر التعزير عند الحنفية تسعة وثلاثون وعد الشافعية والحنابلة تسعة عشر
    المالكية قالوا : يجوز للإمام الأعظم أن يضرب في التعزير أي عدد أدى إليه اجتهاده ولو زاد عن الحد
    الحنابلة قالوا : إن التعزير يختلف باختلاف أسبابه فإن كان بالوطء في الفرج شبهة كوطء الشريك . أو بالوطء فيما دون الفرج فإنه يزاد على أدنى الحدود ولا يبلغ فيه أعلاها فيضرب مائة إلا سوطا وإن كان بغير الفرج كقبلة فإنه لا يبلغ في أدنى الحد اه )
    ( 2 ) ( لقد أجاز الإسلام التعزير بكل أنواعه للحاكم فقط وليس له أن يفوضه إلى مستحقه ولا إلى غيره ولم يجز الشرع التعزير لغير الإمام إلا لثلاثة فقط
    الأول . الأب : فإنه يجوز له أن يعزر ولده الغير للتعليم والتربية والتأديب والزجر عن ارتكاب الأمور المشينة وعن فعل سيء الأخلاق والظاهر أن الأم تلحق بالأب فيما إذا كان في زمن الصبا في كفالتها للصبي أو البنت فيجوز لها التعزير وكذلك يجوز الأمر بالصلاة والضرب عليها ولا يجوز للأب تعزير الابن البالغ وإن كان فعل شيئا سفيها لأنه لا ينفع فيه الضرب بعد الكبر
    الثاني السيدك لقد أباح له الشرع أن ينبه رقيقه في حق نفسه وفي حق الله تعالى وفي تأديبه
    الثالث الزوج : فلقد أجاز الشرع له تزير زوجته في أمر النشوز والخروج عن أمره وفي عدم طاعته كما صرح به القرآن الكريم فقال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } آية 34 من النساء وهل له ضربها على ترك الصلاة وعمل الصالحات الظاهر أن له ذلك إن لم يكف الزجر والتأنيب لأنه من باب إنكار المنكر والزوج من جملة من يكلف بنهي زوجته عن فعل القبيح وقد ينتفي التعزير مع انتفاء الحدود والكفارة كما في قطع شخص أطراف نفسه وقد يجتمع التعزير مع الحد كما في تكرر الردة وقد يجتمع مع الكفارة كما في قطع شخص أطراف نفسه وقد يجتمع العزير مع الحد كما في تكرر الردة وقد يجتمع مع الكفارة كما في الظهار واليمين الغموس وإفساد الصائم يوما من رمضان بجماع حليلته وغير ذلك
    واتفق الأئمة على حد الزنا والسرق' وشرب المسكر والحرابة والقذف بالزنا والقتل والقصاص في النفس والأطراف والقتل في الارتداد واختلف في تسمية الخيرين حدا . واختلف في أشياء كثيرة يستحق مرتكبها العقوبة هل تسمى عقوبته حدا أم لا ؟ ومنها جحد العارية واللواط وإتيان البهيمة وتحميل المرأة الفحل من البهائم عليها والسحاق و أكل الدم وأكل الميتة في حال الاختيار وأكل لحم الخنزير والاشتغال بالسحر والقذف بشرب الخمر وترك الصلاة كسلا والفطر متعمدا في شهر رمضان والتعريض بالزنا ومنع الزكاة والخلوة بالمرأة الأجنبية والاستمتاع بها من غير زنا والاستمتاع بالأمرد من غير لواط به ونحو ذلك اه
    --------------------------------
    كيفية إقامة الحد
    الحنفية والشافعية قالوا : إنه يضرب في حد التعزير قائما لأنه أبلغ في الزجر وآلم للجاني
    الحنفية والشافعية قالوا : إنه لا يجر من ثيابه في حد القذف خاصة ويجرد فيما عداه
    المالكية قالوا : يجب تجريده من ثيابه في الحدود كلها إلا ما يستر عورة زيادة في زجره
    الحنابلة قالوا : لا يجرد من ثيابه في الحدود كلها بل يجرد من الجلد والفرو والحشو خاصة . ويضرب فيما لا يمنع ألم الضرب كالقميص والقميصين ونحو ذلك لأن الألم يحصل مع وجوده
    الحنفية والحناللة قالوا : إنه يجب أن يفرق الضرب على جميع البدن إلا الوجه والفرج والرأس
    الشافعية - قالوا : لا يضرب الفرج والوجه والخاصرة وسائر المواضع المخوفة حتى لا يفضي إلى الموت
    المالكية قالوا : يجوز ضرب الظهر وما قاربه ولا يجب أن يفرق الضرب على جميع الأعضاء زيادة في الألم اه )

    مبحث دقة التشريع الإسلامي

    - وفي هذا من دقة التشريع الإسلامي وجماله ما يدل على أنه من لدن عليم خبير فإن مما لا ريب فيه أن أحوال الناس تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فالعقوبة التي تناسب جماعة لهم حالة خاصة لا تناسب جماعة أخرى تخالفها في عاداتها وأطوارها فلا يمكن وضع عقوبة منضبطة يمكن تطبيقها على سائر الناس فالله العليم بأحوال عباده الخبير بما تقبضيه طبائعهم ناط أم تقدير العقوبات بأولي الأمر ثم كلفهم السهر على مصالح رعاياهم والاستمساك بكل الوسائل المفضية إلى تربيتهم تربية صالحة والقيام بتأديب المجرمين بالعقوبات المناسبة كي يعيش الناس في أمن ودعة وراحة واطمئنان
    سؤال وجوابه
    - وها هنا سؤال ظاهر - وهو أن عقوبة التعزير لم ينص عليها في الشريعة الإسلامية بخصوصها فهل عمل الحاكم في هذا الباب يقال له : حكم شرعي أو وضعي ؟
    وهذا هو السؤال الأخير فإليك الجواب
    والجواب : أنه لا يخرج حكم من الأحكام عن نصوص الشريعة الإسلامية . ما دامت السموات والأرض وليس معنى هذا أن كل حادثة منصوص عليها بخصوصها فإن هذا مما لا معنى له لأن الحوادث تتجدد بتجدد الزمان والمكان ولكن الغرض أن كل حادثة من الحوادث المتجددة لا بد أن تدخل تحت قاعدة كلية من قواعد الشريعة الإسلامية ( 1 )
    --------------------------------------------
    ( 1 ) ( فما من حادثة تحدث في المجتمع إلا ويجد الحاكم لها حكما في الشرع تحت قادعة من قواعد الشريعة الإسلامية خصوصا حد التعزير الذي أعطى للحاكم سلطة سن العقاب الزاجر الذي يراه مناسبا للمجرم المنحرف . فقد روي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأى في طرقات المجينة رجلا يتبختر في مشيته ولمه فيه مظاهر العبث والاستهتار التي لا تليق بالرجال الكمل فزجره وأمره بترك مسلكه هذا فتعلل بالرجل بأن هذا في طبيعته ولا يطيق تركه فأمر سيدنا عمر بجلده وبعد ايام رآه سيدنا عمر على حاله من العبث والتخنث فأمر بجلده مرة أخرى ولم مض وقت طويل حتى جار الرجل وقد استقامت مشيته واعتدل مسلكه وقال : جزال الله خيرا يا أمير المؤمنين لقد كان الشيطان يلازمني فأذهبه الله عني بعقوبتك
    وروي أيضا أنه رأى امرأة في زي غير لائق ينم عن لريبة فسأل عنها فرف أنها إحدى الجواري فنهرها وضربها بدرته وحذرها من أن يراها متبذلة مرة أخرى فلم ترى بعد ذلك إلا متحشمة . وحدث أن سيدنا عمر رضي الله عنه مر يوما بسوق المدينة فرأى رجلا أمه ( إياس بن مسلمة ) يعترض طريق المسلمين ويرفع صوته صاخبا عليهم ببضاعنه وهو يسد عليهم مسالكهم فعلاه بدرته فاستجاب الرجل وامتثل أمر أمير المؤمنين واستقام حاله
    فهذه قضايا لا حدود لها في الإسلام ولكن الحاكم تصرف فيها من باب التعزير الذي شرعه الله تعالى له )
    ------------------------------------------
    مبحث دليل ثبوته
    - فالتعزير قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ويكفي في ذلك الحديث الذي ذكرناه آنفا وهو : " لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " متفق عليه فإنه نص على أن للحاكم إن يعزر بالضرب في الأمور التأديبية وفي الأمور الجنائية حسبما يراه زاجرا إلا أنه لا يزيد في غير الجنايات على عشرة أسواطا كما بينا وقد عزر كبار الصاحبة صلى الله عليه و سلم من بعده بالضرب والسجن والقتل فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه جمع كبار علماء الصحابة رضوان الله عليهم واستشارهم في عقوبة اللائط فأفتوا بإعامه حرقا وهذا من أشد ما يتصور في باب التعزير وثبت أن عليا وجد رجلا مع امرأة يستمتع بها بغير جماع فجلده مائة سوط ( 1 )
    ولا خلاف أن للإمام عن سيجن الجاني بما يراه زاجرا له ولا معنى لهذا كله إلا أن لإمام المسلمين أو من ينوب عنه الحق في التعزير بحسب ما يراه زاجرا للمجرمين بل يجب عليه أن ييضع العقوبات المناسبة التي يترتب عليها تاديب رعيته وإصلاح حالهم لأن كل راع مسؤول عن رعيته بنص حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فكل عقوبة من العقوبات التي يراها الحاكم زاجرة توصف بما توصف به الأحكام الشرعية بلا نزاع
    وبعد فإن الذي يطلغ على الشريعة الإسلامية ويمعن النظر فيها ويقف على حكمها وأسرارها ويتأمل في نظمها وقواعدها لا يسعه إلا أن ينحني أمام عظمتها ويجزم بأنها من لدن حكيم عليم فلقد جاءت بكل قانون فيه مصلحة الجميع وسعادتهم وبنت كل أحكامها بما فيه مصلحة النوع الإنسانين وذفع المفاسد عنهم في كل شأن من شؤونهم فلم تترك مصلحة حقيقة من مصالح الأمم والشعوب إلا إذا حثت عليها وأمرت بها ولم تترك مفسدة من المفاسد الخلقية أو المادية إلا نهت عنها وحذرت الناس من شرها
    نظام الأسرة في الإسلام
    - لقد وضعت الشربعة نظام الأسرة التي هي أساس بناء العمران على قواعد ثابتة لا يعتريها وهن مدى الدهور والأعوام فقد جعلت لكل فرد من أفراجها حقا يناسبه ويليق به : من تعظيم ونفقة وميراث ووصية وغير ذلك
    فأمر الأبناء أن يطيعوا آباءهم في غير معصية أو إثم وامرت الآباء أن يربوا أبناءهم تربية حسنة كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الزموا أبناءكم وعلموهم الأدب "
    ثم جعلت لكل من الآباء والأبناء حقوقا في الميراث تناسب حالهم وكذلك جعلت للأزواج حقوقا تناسب كل واحد من الزوجين بحسب العرف والعادة . قال تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } آية [ 228 من سورة البقرة ]
    وجعلت للإخوة والأخوات حقوقا على بعضهم بعضا وحثت بعد ذلك على صلة الأرحام وبرهم . وجعلت لهم حقوقا تليق بهم ثم من بعدهم الجيران ثم أهل البلدة ثم بينت حقوق الحاكم والمحكوم خير بيان
    وقد ذكرنا سابقا أنها قضت الوطر من قوانين المعاملات والأخلاق
    مبحث أساس القوانين الشرعية
    - وبالجملة فالشريعة الإسلامية لم تترك شيئا إلا وضعت له قانونا أساسه المصلحة المادية والأدبية وقوامها الفضائل الإنسانية حتى العادات فقد علمت الناس كيف يأكلون ويشربون وكيف يعامل بعضهم بعضا في الحديث والمجلس والزيارة والصحبة . وكل ما يتعلق بشؤون الفرد وحده أو مع غيره قريبا كان أو بعيدا ولم تقف قضية من قضاياها في وجه الإصلاح الذي يتجدد بتجدد الزمان والمكان
    ومن هذا نعلم أن كل شيء يحث لا بد أن يرجع إلى أصل عام في الشريعة الإسلامية وقد ألهم الله رسوله صلى الله عليه و سلم أن يأتي بقواعد عامة جامعة يمكن إدخال كل جزئية من جزيئات الحوادث تحتها
    وقد ذكر أبن القيم في كتابه ( أعلام الموقعين ) كثيرا منها يضيق المقام عن ذكر جميعها ومنه قوله صلى الله عليه و سلم : ( كل مسكر حرام ) ( وكل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ) ( وكل قرض جر نفعا فهو ربا ) وقوله : ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) وقوله : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) وقول صلى الله عليه و سلم ( كل أحد أحق بماله من ولده ووالده والناس أجمعين ) وقوله ( وكل معروف صدقة ) الخ
    فهذه وأمثالها كليات تدخل تحتها كل جزئية تتجدد من نوعها فإذا فرض ووجدت جزئية ولم يتيسر لعالم أن يرجعها إلى أصل من أمثال هذه الصول فانهيمكنه أن يرجعها إلى قوله صلى الله عليه و سلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) والضرار هو الضرر ومعناه إنه ينبغي لكل مسلم أن يرفع ضرره عن غيره
    ويجب على كل رئيس قادر سواء كان حاكما أو غيره أن يرفع الضرر عن مؤوسيه فلا يؤذيهم هو ولا يسمح لأحد أن يؤذيهم
    ومما لا شك فيه ان ترك الناس بدون قانون يرفع عنهم الأذى والضرر يخالف هذا الحديث فكل حكم صالح فيه منفعة ورفع ضرر يقره الشرع ويرتضيه
    ( 1 ) ( وكذلك في حالة نشوز المرأة وفي حالة منع الزوج من حقه مع القدرة لقوله تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } الآية 34 من سورة النساء
    فقد أباح الشارع الضرب عند المخالفة فكان فيه تنبيه من الشارع الحكيم إلى التعزير وكذلك قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الشريف في سرقة التمر : ( إذا كان دون نصاب غرم مثله وجلدات نكال ) رواه أو داود واللفظ له ورواه النسائي
    وروى الإمام البيهقي رحمه الله تعالى فيه صحيحه ( أن الإمام عليا كرم الله وجهه وbه سئل عمن قال لرجل : يا فاسق يا خبيث فقال : يعزر )
    وما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لا يجلد فوق عشرة اسواط إلا في حد من حدود الله تعالى )
    متفق عليه كما روي عن بريدة النصار رضي الله تعالى عنه وقد فعله النبي صلى الله عليه و سلم وفعله الصحابة رضوان الله عليهم من بعده من غير نكير منهم وأجمعت عليه المة وروي إن الإمام علي كرم الله وجهه جلد من وجده مع إمراة يتمتع بها بغير زنى ( مائة سوط إلا سوطين ) وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه ضرب من نقش على خاتمع مائة سوط وكذلك روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة
    الحنفية قالوا : إن ضرب التعزير يكون أشد من ضرب حد الزنا وضرب حد الزنا يكون أشد من ضرب حد شارب الخمر وضرب شارب الخمر يكون اشد من حد القذف وحد القذف أخف من جميع الحدود لأن جريمة حد القذف غير متيقن بها لأن القذف خبر يحتمل الصدق والكذب وقد يعجز عن إقامة أربعة من الشهداء مع صدقة في قوله وإنما كان ضرب التعزير أشد من جميع الحدود لأن المقصود به الزجر وقد دخله التخفيف من حيث نقصان العدد فلو قلنا : يخفف الضرب أيضا لفات ما هو المقصود من إقامة الحد لأن الألم يخلص إليه لا ينزجر ولهذا قالوا : يجرد في التعزير عن ثيابه إلا ما يستر عورته مثل الإزار الواحد
    المالكية قالوا : إن الضرب لا يتفاوت في الحدود بل كلها سواء
    الشافعية - قالوا : إن حد الزنا الزنا أشد من حد القذف والقذف اشد من الخمر لأن الزنا ثبت بدليل مقطوع به اه
    فائدة
    ذكر العلماء أنه يستثنى من إقامة التعزير مسائل ( اولا ) يترك التعزير إذا صدر الفعل من رجل صالح فإنه يعفو عنه . لقوله صلى الله عليه و سلم : ( أقيلوا من ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ) رواه أو داود
    الشافعية - قالوا : المراد بذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالشر فيقع أحدهم في زلة ثم يتوب منها ويندم عليها أما إذا تكرر منه فإنه يعزر
    ثانيا : إذا قطع شخص أطراف نفسه أو شوه جسده أو أحرقه بالنار فلا يعزر لأنه عذب نفسه
    ثالثا : إذا وطئ الرجل زوجته أو أمته في دبرها فلا يعزر بأول مرة بل ينهى عن العودة فإن عاد عزر والأصل لا يعزر لحق الفروع كالأب والجد مع الأبناء
    رابعا : إذا رأى من يزني بزوجته وهو محصن فقتله في تلك الحالة فلا يعزر وإن افتات على الإمام لأجل الحمية والغيرة على العرض وقد حث عليه الشارع
    خامسا : إن ارتد ثم أسلم
    سادسا : إذا تأخر الرجل عن اعطاء زوجته النفقة فإنه يكون آثماص ولا يعزر في ذلك
    سابعا : إذا حلف الزوج يمين الظهار على زوجته فإنه يعزر مع الكفارةن وإذا أفسد الزوج الصائم يوما من رمضان بجماع زوجته يعزر

    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #285
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 179 الى صـــــــــ203

    الحلقة (285)


    مبحث البغاة والمحاربين
    التفسير : الأصل في هذا الباب ما روي عن انس بن مالك رضي الله عنه أن ناسا من عرينة قدما المدينة فاجتووها فبعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في إبل الصدقة وامرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي وساقوا الإبل فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم في آثارهم فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلافن وسمر أعينهم والقاهم في الحرة قال أنس : فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا ) فنزل قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض . وذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } آية 33 من سورة المائدة روي عن عكرمة والحسن البصري . وعبد الله بن عباس رضي تعالى عنهم أن هذه الآية نزلت في المشركين وقال أبن عباس : كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد وميثاق فنقضوا العهد والفسدوا في الرض فخير الله رسول إن شاء أن يقتل وإن شاء أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف رواه أبن جرير
    والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات الذميمة كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قلابة واسمه عبد الله بن زيد الجرمي البصري عن أنس بن مالك ( أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا المدينة وسقمت أجسادهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك فقال : ( ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها ) فقالوا : بل فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم . وسمرت أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا ) واللفظ لمسلم . وتسمى هذه الآية آية المحاربة وهي المضادة والمخالفة وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل
    وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر حتى قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب : إن قبض الدراهم والدنانير من الافساد في الرض وقد قال الله تعالى : { وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يجب المفسدين } آية 205 من سورة البقرة
    { ذلك لهم خزي في الدنيا } أي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم من الرض خزي لهم بين الناس وشر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة وهذا يؤيد قول من قال : إن الآية نزلت في المشركين فأما أهل الإسلام ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : ( أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم كما أخذ على النساء ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل اولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى ومن اصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ومن ستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه )
    وعن علي رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود عليه في شيء عفا عنه ( رواه الإمام أحمد والترمذي وأبن ماجة وقال الترمذي حسن غريبن وسئل الحافظ الدارقطني عن هذا الحديث فقال : روي مرفوعا وموقوفا قال : ورفعه صحيح
    قال تعالى : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } أية 34 من سورة المائدة أما على رأي من قال : إن الآية في أهل الشرك فظاهر وأما المحاربون المسلمون فإن تابوا قبل المقدرة عليهم فإنه يسقط عنهم أحكام القتل والصلب وقطع الرجل وهل يسقط قطع اليد أم لا ؟ فيه قولان للعلماء وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة
    روي عن عامر الشعبي قال : ( جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان رضي الله تعالى عنه بعد ما صلى المكتوبة فقال : يا أبا موسى هذا مقام العائد بك أنا فلان بن فلان المرادي إني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض فسادا وإني تبت من قبل أن تقدروا علي فقام أبو موسى فقال : إن هذا فلان بن فلان وغنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا وغنه تاب من قبل أن نقدر عليه فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير فإن يك صادقا فسبيل من صدق وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه فأقام الرجل ما شاء الله ثم أنه خرج فأدركه الله الله تعالى بذنوبه فقتله )
    الحنفية والشافعية قالوا : تجوز الصلاة عليه بعد القتل وإذا صلب وقتل يصلى عليه خلف الخشبة
    وقال بعضهم لا يصلى عليه تنكيلا به وقالوا : لا يبقى على الخشبة أكثر من ثلاثة أيام حتى لا يؤذي الناس بريحه
    قبول شهادة من تاب
    المالكية والشافعية قالوا : إن من تاب من المحاربة ولم يظهر عليه صلاح العمل لا تقبل شهادته حتى يظهر صلاح العمل للأخذ بالاحتياط لأموال الناس وأبضاعهم فإن من لم يظهر عليه صلاح العمل بعد التوبة كانه لم يتبن فلا يخرجه عن التهمة في شهادته إلا اصلاح العمل والمشي على طريق كل المؤمنين قال تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح } وقال تعالى : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } ونحوهما من الآيات
    الحنفية والحنابلة قالوا : تقبل شهادة من تاب من المحاربين وإن لم يظهر عليه صلاح العمل لأن رد الشهادة ليس من تمام الحد وإنما هو للفسق وقد ارتفع بالتوبة . وللعمل بظاهر الأحاديث مثل قوله صلى الله عليه و سلم : ( واتبع السيئة الحسنة تمحها ) فشرط في محوها اتباع الحسنة لها
    إذا قتل المحارب من لا يكافئه
    الحنفية والحنابلة قالوا : إن المحارب إذا كان في المحاربة من لا يكافئه في الدين كالكافر :
    والعبد والولد وعبد نفسه فقتله في حالة الإغارة وقطع الطريق فلا يقتل به بعد القبض عليه بل تجب الدية لأولياء الدم أو قيمة العبد لأن القصاص سقط عنه
    المالكية والشافعية في إحدى روايتهم قالوا : إن المحارب يقتل إذا قتل من لا يكافئة أو قتل ولده أو قتل عبدا ولو عبد نفسه والله تعالى أعلم
    اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق
    الشافعية - قالوا : من لزمه قصاص في نفس وقطع لطرف آدمي وحد قذف لآخرن وطالبوه بذلك جلد اولا للقذف ثم قطع لقصاص الطرف ثم قتل لقصاص النفس لأن ذلك أقرب إلى استيفاء الجميع فإن اجتمع مع ذلك تعزير لآدمي بدئ به ويبادر بقتله بعد قطعه لا قطعه بعد جلده إن غاب مستحق قتله جزما وكذا إن حضر وقال : عجلوا القطع وانا أبادر بالقتل بعده ولو أخر مستحق النفس حقه جلد للقذف اولان فإذا برئ قطع للطرف ولو أخر متسحق طرف حقه جلد ووجب على مستحق القصاص الصبر بحقه حتى يستوفى الطرف فإن بادرفقتله فلمستحق الطرف دية في تركة المقتول ولو أخر مستحق الجلد فالقياس صبر الآخرين
    ولو اجتمعت حدود الله تعالى قدم وجوبا الأخف فالأخف أو اجتمعت عقوبات لله تعالى والآدميين قدم حد قذف على زنا والأصح تقديمه على حد شرب وإن القصاص قتلا وقطعا يعدم على حد الزنا ولو اجتمع قتل قصاص في غير محاربة وقتل محاربة قدم السابق منهما ورجع الآخر إلى الدية ومن زنى مرات أو سرقن أو شرب كذلك أجزأه عن كل جنس حد واحد
    مبحث شروط الإمامة
    اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على : أن الإمامة فرض وأنه لا بد للمسليمن من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان وعلى أن الأئمة من قريش وأنه يجوز للإمام أن يستخلف
    واتفقوا : على أن الإمام يشترط فيه : أولا أن يكون مسلما ليراعي مصلحة الإسلام والمسلمين فلا تصح تولية كافر على المسلمين
    ثانيا - أن يكون مكلفا ليلي أمر الناس فلا تصح إمامة صبي ولا مجنون بالإجماع وقد ورد في الحديث الشريف ( نعوذ بالله من إمارة الصبيان ) رواه الإمام أحمد رحمه الله
    ثالثا - أن يكون حرا ليفرغ للخدمة ويهاب بخلاف العبد حيث أنه مشغول بخدمة سيده ولا هيبة له وأما ما رواه الإمام مسلم من قوله صلى الله عليه و سلم من قوله : ( اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي ) فمحمول على غير الإمامة العظمى
    رابعا - أن يكون الإمام : ذاكرا ليتفرغ ويتمكن من مخالكة الرجال فلا يصح ولاية امرأة لما ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) ولا تصح ولاية خنثى
    خامسا - أن يكون : قرشيا لما رواه النسائي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( الأئمة من قريش ) وبه أخذ الصحابة رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم إذا وجد قرشي جامع لشروط فإن عدم فمنتسب إلى كنانة فإن عدم فرجل من ولد سيدنا إسماعيل صلى الله عليه و سلم فإن لم يوجد فرجل من جرهم فإن عدم فرجل من ولد إسحاق ولا يشترط فيه كونه هاشميا باتفاق فإن الصديق وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا من بني هاشم
    سادسا - أن يكون عدلا قال الشيخ عز الدين : إذا تعذرت العدالة في الأئمة والحكام قدمنا أقلهم فسقا
    سابعا - أن يكون : عالما مجتهدا ليعرف الأحكام ويتفقه في الدين فيعلم الناس ولا يحتاج إلى استفتاء غيره
    ثامنا - أن يكون : شجاعا وهي قوة القلب عند البأس لينفرد بنفسه ويدبر الجيوش ويقهر الأعداء ويفتح الحصون ويفق أما أحداث الأيام وما يحجث له من فتن وما يجد في عهده من أزمات
    تاسعا - أن يكون : ذا رأي صائب حتى يتمكن من سياسة الرعية وتدبير المصالح الدنيوية
    عاشرا - أن يكون : سليم السمع والبصر والنكق ليتأتى منه فصل الأمور ومباشرة أحوال الرعية
    واتفق الأئمة - على أن الإمامة تنعقد ببيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم من غير شرط عدد محدد ويشترط في المبايعين للإمام صفة الشهود من عدالة وغيرها وكذلك تنعقد الإمامة باستخلاف الإمام شخصا عينه في حياته ليكون خليفته على المسلمين بعده كما عهد سيدنا أبو بكر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بقوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم عند آخر عهده من الدنيا وأول عهده بالآخرة في الحالة التي يؤمن فيها لكافر ويتقي فيها الفاجر غني استعملت عليكم عمر بن الخطاب فإن بر وعدل فذاك علمي به وعلمي فيه وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) وانعقد إجماع الأمة على جوازه

    حكم الخارجين على الإمام
    واتفق الأئمة على : أن الإمام الكامل تجب طاعته في كل ما يأمر به ما لم يكن معصية . وعلى أن أحكام الإمام وأحكام نائبه ومن ولاه نافذة وعلى أنه إذا خرج على إمام المسلمين أو عن طاعته طائفة ذات شوكة وإن كان لهم تأويل مشتبه ومطاع فيهم فإنه يباح للإمام قتالهم حتى يفيثوا إلى أمر الله تعالى فإن فاؤوا كف عنهم
    والأصل في جواز قتالهم قوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما } الآية 9 من سورة الحجرات وإن لم يذكرفيها الخوج على الإمام لكنها تشمله لعمومها أو تقتضيه لأنه إذا طلب القتال لبغي طائفة على طائفة فللبغي على الإمام أولى والإجماع منعقد على جواز قتال البغاة من غير مخالف وللأحاديث الواردة في ذلك
    قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : أخذت السيرة في قتال المشركين من رسول الله صلى الله عليه و سلم . وفي قتال المرتدين من أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفي قتال البغاة من الإمام على رضي الله تعالى عنه
    وتحصل مخالفة غلامام بأحد أمرين إما بخروج عليه نفسه وإما بسبب ترك الانقياد له أو لا بهذين المرين بل بخروج عن طاعته بسبب منع حق مالي لله تعالى أو حق لآمي كقصاص أو حد توجه عليهم لأن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قاتل مانعي الزكاة بسبب منعهم إخراج الزكاة ولم يخرجوا عليه وإنما منعوا الحق المتوجه عليهم
    قالوا : وإنما يكون مخالفو الإمام بغاة بشرط حصول شوكة لهم بكثرة أو قوة بحيث يمكن مقاومة الإمام ويشترط تأويل يعقتدون به جواز الخروج عليه أو منع الحق المتوجه عليهم
    ويشترط أن يكون لهم مطاع فيهم يحصل به قوة لشوكتهم وإن لم يكن إماما منصوبا لأن الامام علي رضي الله تعالى عنه قالتل أهل الجمل ولا إمام لهم وقالتل أهل صفين قبل نصب إمامهم
    الحنفية قالوا : إن الخارجين عن طاعة الإمام الحق أربعة اصناف
    أحدها الخارجون بلا تأويل بمنعة وبلا منعة يأخذون أموال الناس ويقتلونهم ويخيفون الطريق وهم قطاع الطريق
    الثاني قوم كذلك إلا أنهم لا منعة لهم لكن لهم تأويل فحكمهم حكم قطاع الطريق إن قتلوا قتلوا . . . الخ
    الثالث قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر أو معصية توجب قتالهم بتأويلهم وهؤلاء يسمون بالخوارج يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وحكمهم عند جمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث حكم البغاة
    المالكية قالوا : يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا دفعا لفسادهم لا لكفرهم لأنهم فسقة وليسوا كفارافي الراجح من قول العلماء المجتهدين وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون لهم حكم المرتدين
    الرابع قوم مسلمون خرجوا على الإمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم وهم البغاة . لأنهم غنما خالفوا بتأويل جائز باعتقادهم لكنهم مخطئون فيه فهم فسقة والأحاديث الواردة فيما يقتضي ذمهم كحديث ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) وحديث ( من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية ) فهو من خرج بلا تأويل
    قالوا : لو أظهر قوم رأي الخوراج المبتدعة الذين يكفرون من ارتكب كبيرة ويطعنون بذلك على الأئمة ولا يحضرون معهم الجمعة والجماعة . فهؤلاء يتركون ولا نكفرهم ولا نتعرض لهم إذا لم يخرجوا عن طاعة الإمام ولم يقاتلوا أحدا لأن اعتقاد الخوراج أن من أتى كبيرة كفر وحبط عمله وخلد في النار وإن جار الإمام صارت بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة فطعنوا في الأئمة لأن الإمام على كرم الله وجهه سمع رجلا من الخوارج في المسجد يقول : لا حكم إلا لله وسلوه وعرض بتخطئته في الحكم . فقال : كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساحجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ولا نبدؤكم بقتال . فجعل حكمهم حكم أهل العدل فإن قاتلونا فحكمهم إن لم نكفرهم كحكم قطاع طريق فإن قتلوا أحدا ممن يكافئهم أقتص منهم كغيرهم
    المالكية قالوا : يمتاز قتال البغاة عن قتال الكفار بأحد عشر وجها
    - 1 - أن يقصد الإمام بالقتال ردعهم لا قتلهم
    - 2 - وأن يكف عن مدبرهم
    - 3 - ولا يجهز على جريحهم
    - 4 - ولا تقتل أسراهم
    - 5 - ولا تغنم أموالهم
    - 6 - ولا تسبى ذراريهم
    - 7 - ولا يتعان عليهم بمشرك
    - 8 - ولا يوادعهم على مال
    - 9 - ولا تنصب عليهم الردعات
    - 10 - ولا تحرق مساكنهم
    - 11 - ولا يقطع شجرهم
    قالوا : لو خرج جماعة على الإمام ومنعوا حقا لله أو لآدمي أو ابوا طاعته يرديون عزله لو كان جائرا إذ لا يجوز عزل الإمام بعد انعقاد إمامته وإنما يجب وعظه على من له قدرة من المسلمين
    فيجب على الإمام أن ينذر هؤلاء البغاة ويدعوهم لطاعته فإن هم عادوا إلى الجماعة تركهم وإن لم يجوز عزل الإمام بعد انعقاد إمامته وإنما يجب وعظه على لم يطيعوا أمره قالتهم بالسيف والرمح والنبل والتفريق وقطع الميرة والماء عنهم ورميهم بالأحجار والنار إذا لم يكن فيهم نسوة وذرية وحرم سبي ذراريهم لانهم مسلمون وحرم إتلاف أموالهم وأخذه بدون احتياج له وحرم رفع رؤوسهم بعد قتلهم لأنه مثلة بالمسلمين ويستعان على قتالهم بما لهم من سلاح وخيل إن احتيج للاستعانة به عليهم وبعد الاستغناء عنه يرد إليهم كغيره من الأموال فإن حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم تركوا ولا يسترقوا ولا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم فإن لم يؤمنوا أجهز على جريحهم واتبع منهزمهم جوازا وكره قتل جده أو ابنه إن قتله ورثه وإن كان عمدا لكنه غير عدوان . والمرأة أن قالتلت بسلاح قتلت وإلا فلا
    الحنفية قالوا : إذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا عن طاعة الإمام يستحب للإمام أن يدعوهم إلى العود إلى الجماعة ويكشف عن شبهتهم التي أوجبت خورجهم لأن الإمام عليا رضي الله عنه فعل ذلك بأهل حرورا وليس ذلك بواجب بل مستحب لأنهم كمن بلغتهم الدعوة الإسلامية لا تجب دعوتهم ثانيا
    وقالوا : ولا يبدأ بقتال البغاة حتى يبدؤوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم . وقيل : يجوز لنا أن نبدأ بقتالهم إذا تعسكروا واجتمعوا لأن الحكم يدار على الدليل وهو الاجتماع على قصد القتال والامتناع عن طاعته . لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع لتقوى شوكتهم وتكثر جمعهم خصوصا والفتنة يسرع أليها أهل الفساد وهم الأكثر فيدار على الدليل ضرورة لدفع شرهم ويحدثوا توبة دفعا للشر بقدر الإمكان والمروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه من لزوم البيت من قوله : الفتنة إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( من فر من الفتنة أعتق الله رقبته من النار ) وقال صلى الله عليه و سلم لواحد من الصحابة : ( كن حلسا من أحلاس بيتك ) رواه عنه الحسن بن زياد فهو محمول على ما إذا لم يكن لهم إمام وما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قعدوا في الفتنة محمول على أنه لم يكن لهم قدرة ولاغناء أما إعانة الإمام العادل الحق فمن الواجب عند الغناء والقدرةز لقوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } الآية
    قالوا : فإن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم واتبع موليهم دفعا لشرهم كي لا يلحقوا بهم . وإن لم يكن لهم فئة لهم يجهز على جريحهمن ولم يتبع موليهم لاندفاع الشر بدون ذلك وهو المطلوب
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : لا يجوز للإمام أن يبدأ بقتال أهل البغي حتى يبدؤوا هم بالقتال إذا تركوه بالتولية والجراحة المعجزة عنه لم يبق قتلهم دفعا ولما روى أبن أبي شيبة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل : ( لاتتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ومن القى سلاحه فهو آمن ) واسند أيضا ( ولا يقتل أسير ) ولا يقاتل الإمام البغاة حتى يبعث إليهم أمينا فطنا ناصحا يسألهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها فإن اصروا نصحهم وخوفهم سوء عاقبة البغي ثم يعلمهم بالقتال
    حكم المال والأسرى
    الحنفية والمالكية قالوا : لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية لآنهم مسلمون ولا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها لقول الإمام علي رضي الله عنه يوم الجمل : ( ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال ) وهو القدوة لنا في هذا الباب ولأنهم مسلمون والإسلام يعصم النفس والمال ولا بأس بأنيقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه لأن الإمام عليا رضي الله عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة وكانت قسمته للحاجة لا للتملك ولآن للإمام أن يفعل ذلك في مال الرجل العادل عند الحاجة ففي مال الباغي أولى ن والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى . ولما رواه الحاكم في المستدرك والبزاز في مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن أبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغي من هذه الأمة ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها )
    قال الإمام محمد : وبلغنا أن الإمام عليا رضي الله عنه ألقى ما أصاب من عسكر أهل النهروان في الرحبة فمن عرف شيئا أخذه حتى كان آخره قدر حديد لإنسان فأخذه
    وروى أبن أبي شيبة أن عليا كرم الله وجهه لما هزم طلحة واصحابه أمر مناديه فنادى أن لا يقتل مقبل ولا مدبر يعني بعد الهزيمة ولا يفتح باب ولا يستحل فرج ولامال
    وأما الأسير فللإمام الخيار فيه فيحكم نظره فيما هو أحسن المرين في كسر الشوكة من قتله وحبسه ويختلف ذلك بحسب الحال لا بهوى النفس والتشفي
    وإذا أخذت المرأة من أهل البغي وكانت تقاتل حبست ولا تقتل إلا في حال مقاتلتها دفعا عن النفس وإنما تحبس للمعصية ولمنعها من الشر والفتنة لما روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل : وإياكم والنساء وإن شتمن أعراضكم وسببن امراءكم ولقد رأيتنا في الجاهلية وإن الرجل ليتناول المرأة بالجريدة أو بالهراوة فيعبر بها هو وعقبه من بعده )
    الشافعية - قالوا : إذا طلب أهل البغي من الإمام الامهال اجتهد فيه وفي عدمه وفعل ما رآه صوابا فإن ظهر أن استمالهم للتأمل في إزالة الشبهة أمهلهم ليتضه لهم الحق وإن ظهر أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم لم يمهلهم فإذا وقع القتال بينهم فلا يجوز قتل مدبرهم ولا من ألقى سلاحه ولا جريحهم ولا أسيرهم إذا كان الإمام يرى رأيا فيهم لقوله تعالى { حتى تفيء } والفيء الرجوع عن القتال بالهزيمة ولأن قتالهم شرع للدفع عن منع الطاعة وقد زال ويحبس أسيرهم
    إن كان صبيا أو امرأة أو عبدا حتى تنقضي الحرب ويفرق جمعهم
    وقالوا : إذا انقضت الحرب يجب على الإمام أن يرد إلى البغاة سلاحهم وخيلهم وغيرها ويحرم استعمال شيء من سلاحهم وخيلهم وغيرها من أموالهم إلا لضرورة كما إذا خيف انهزام أهل العدل ولم يجدوا غير خيولهم فيجوز لهم ركوبها واستعمال أسلحتهم لعموم قوله صلى الله عليه و سلم : ( لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) ولا يقاتلون بشيء فظيع كالنار والنجنيق إلا للضرورة ولا يستعان عليهم بكافر ولا بمن يرى قتلهم مدبرين
    الحنفية قالوا : ويحبس الإمام أموال البغاة فلا يردها عليهم ولا يقسمها حتى يتوبوا فيردها عليهم أما عدم القسمة فلأنها ليست غنائم وأما الحبس فالدفع شرهم بكسر شوكتهم ولهذا يحبسها عنهم وإن كان لا يحتاج إليها إلا أنه يبيع الكراع لأن حبس الثمن أنظر وأيسر وما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام ثانيا لأنه لم يحمهم
    مبحث حكم المرتد - تعريف المرتد
    الردة - والعياذ بالله تعالى - كفر مسلم تقرر إسلامه بالشهادتين مختارا بعد الوقوف على الدعائم والتزامه أحكام الإسلام ويكون ذلك بصريح القول كقوله : أشرك بالله أو قول يقتضي الكفر كقوله : إن الله جسم كالأجسام أو بفعل يستلزم الكفر لزما بينا كإلقاء مصحق أو بعضه ولو كلمة أو حرقه استخفافا لا صونا أو علاجا لمريض ومثل إلقائه وتركه في مكان قذر ولو طاهرا كبساق أو تلطيخه به نحو تقليب ورق بالبصاق ومثل المصحق الحديث وأسماء الله الحسنى وكتب الحديث وكذا كتب الفقه إذا كان علي وجه الاستخفاف بالشريعة الإسلامية وأحكامها أو تحقيرها وكذا أسماء النبياء . وشد الزنار ميلا للكفر أما لو لبسه لعبا فهو حرام . مع دخول الكنائس . أو سجوده لصنم . وكذلك يكفر بتعلم السحر والعمل به لأنه كلام يعظم غير الله تعالى وتنسب إليه المقادير وكذلك يكفر بقوله : إن القالم قديم وهو ما سوى الله تعالى لأنه يستلزم عدم وجود الصانع أو يقول : إن العالم باق على الدوام فلا يفنى لأنه يستلزم إنكار القيامة ولو أعتقد حدوثه وهو تكذيب للقرآن الكريم وكذلك الشك في قدم العالم أو بقائه أو أنكر وجود الله تعالى ويكفر كذلك من قال : بتناسخ الرواح أي أن من مات تنتقل روحه إلى غيره لأن فيه إنكار البعث ويكفر إذا أنكر حكما أجمعت ألامة عليه كوجوب الصلاة أو تحريم الزنا أو إنكار الصوم ويكفر إذا أنكر بقوله بجواز اكتساب النبوة وتحصيلها بسبب الرياضة لأنه يستلزم جواز وقوعها بعد النبي أو سب نبي أجمعت الأمة على نبوته أو سب ملكا من الملائكة يجمع على ملكيته ويكفر أن عرض في كلامه بسب نبي أو ملك بأن قال عند ذكره أما أنا فلست بزان أو بساحر أو ألحق بنبي أو ملك نقصاص ولو ببدنه كعرج وشلل أو طعن في وفور علمه إذ كل نبي أعلم أهل زمانه وسيدهم صلى الله عليه و سلم أعلم الخلق أجمعين أو طعن في أخلاق نبي او في دينه ويكفر إذا ذكر الملائكة بالأوصاف القبيحة أو طعن في وفور زهد نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
    قال الأئمة : لا بد في إثبات الردة من شهادة رجلين عدلين ولا بد من اتحاد المشهود به فإذا شهدا بأنه كفر قال القاضي لهما باي شيء ؟ فيقول الشاهد : يقول كذا اويفعل كذا
    واتفق الأئمة الأربعة عليهم رحمه الله تعالى : على أن من ثبت ارتداده عن الإسلام والعياذ بالله وجب قتله وأهدر دمه وعلى أن قتل الزنديق واجب وهو الذي يضمر الكفر ويتظاهر

    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #286
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 179 الى صـــــــــ203

    الحلقة (286)




    استتابة المرتد
    الحنفية قالوا : إذا ارتد المسلم عن الإسلام - والعياذ بالله تعالى - عرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة أبدها كشفت عنه لأنه عساه اعترضته شبهة في الدين فتزاح عنه لأن فيه وقع شره بأحسن الأمرين وهما القتل والإسلام إلا أن عرض الإسلام عليه مستحب غير واجب لأن الدعوة قد بلغته وعرض الإسلام هو الدعوة إليه ودعوة من بلغته الدعوة غير واجبة بل هي مستحبة فإذا طلب الامهال يستحب أن يؤجله القاضي ثلاثة ايام ويحبس ثلاثة أيام فإن اسلم بعدها وإلا قتل لقول تعالى : { قاقتلوا المشركين } من غير قيد الامهال وكذلك قوله صلى الله عليه و سلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان ولا ذمي لأنه ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان ولا ذمي لأنه لم تقبل منه الجزية فيجب قتله في الحال من غير استمهال ولا يجوز تأخير الواجب لأمر موهوم لأن دلائل الإسلام ظاهرة غير خفية فإذا استمهل فإن الإسلام حينئذ لا يكون موهوما فيستحب تأخيره
    قالوا : لا قرق في وجوب قتل المرتدين كونه حرا أو عبدا لإطلاق الدلائل
    الشافعية - قالوا : إذا ارتد المسلم والعياذ بالله تعالى فإنه يجب على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك لأن ارتداد المسلم عن دينه يكون عن شبهة غالبا فلا بد من مدة يمكنه التأمل فيها ليتبين له الحق وقدرناها بثلاثة أيام طلب ذلك أو لم يطلب وقصة سيدنا موسى صلى الله عليه و سلم مع العبد الصالح : { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني } فلما كانت الثالثة قال له : { قد بلغت من لدني عذرا }
    وروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن رجلا أتاه من قبل أبي موسى الشعري فقال له : ( هل من معربة خير ؟ فقال : نعم رجل ارتد عن الإسلام فقتلناه فقال له : هلا حبستموه في بيت ثلاثة أيام وأطعمتموه في كل يوم رغيفا لعله يتوب ؟ ثم قال : اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض ) أخرجه الإمام مالك رحمه اللهن في كتابه الموطأ فتبري سيدنا عمر من فعلهم يقتضي وجوب الإمهال ثلاثة أيام قبل موت المرتد فإن تاب ونطق بالشهادتين أو كلمة التوحيد خلي سبيله وإن لم يتب وجب قتله بالسيف فورا . ولا يؤخر كسائر الحدود السابقة لأن الردة أفحش الكفر وأغلظه حكما وهي محبطة للعمل إن اتصلت بالموت قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر } الآية وإن عاد إلى الإسلام لم يجب عليه أن يعيد حجه لأن الردة أبطلت أعماله
    المالكية قالوا : يجب على الإمام أن يمهل المرتد ثلاثة أيام بلياليها وابتداء الثلاثة من يوم ثبوت الردة عليه لا من يوم الكفر ولا من يوم الرفع إلى الحاكم ولا يلفق الثلاثة أيام فيلغي يوم الثبوت إن سبق بالفجر ويطعم في أيام الحبس ويسقى من ماله ولا ينفق على ولده وزوجته منه فإن لم يكن له ماله فينفق عليه من بيت المال سواء وعج بالتوبة أو لم يعد ولا يعاقب في السجن بضرب ولو أصر على عدم الرجوع وإنما يستتاب المرتد وجوبا ذلك القدر صونا للدماء ودرأ للحدود بالشبهات ويعرض عليه الإسلام عدة مرات وتزال الشبهة التي تعرش له ويهمل للتفكير عسى أن يرجع ويتوب في هذه المدة فلو حكم القاضي بقتله قبل المدة مضى حكمه لأنه حكم بمختلف فيه فإن تاب بعد الأيام الثلاثة تركن وإن أصر على الكفر قتل بغروب الثالث ولا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا في مقابر الكفارن لأنه ليس منهم حيث إسلامه وإنما يلقى حتى يكون عبرة لغيره
    الحنابلة قالوا : في إحدى روايتيهم أنه يجب الاستتابة ثلاثة أيام مثل المالكيةن والشافعية . وفي رواية أخرى عنهم : إنه لا تجب الاستتابة بل يعرض عليه الإسلام فإن قبل ترك وإلا يتحتم قتله حالا
    حكم المرأة المرتدة
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن المرأة المرتدة حكمها حكم المرتد من الرجال فيجب أن تستتاب قبل قتلها ثلاثة أيام ويعرض عليها الإسلام : لأن دمها كان محترما بالإسلام وربما عرضت لها شبهة من فاسق فيسعى في إزالتها . وقد ثبت وجوب الاستتابة عن سيدنا عمر رضي الله عنه
    وروى الدارقطني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن امرأة يقال لها أم ( رومان ) ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه و سلم ( أن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت ) لأنها بالردة اصبحت مثل الحربية فيجوز قتلها حدا بل إن ذنبها أشنع من الحربيات حيث أنها سبق لها الإسلام . ولقوله صلى الله عليه و سلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) وهي كلمة تعم الرجال والنساء ولأن ردة الرجل مبيحة للقتل بالإجماع من أن الردة جناية متغلظة فتناط بها عقوبة متغلظة وردة المرأة تشاركها فيها فتشاركها في موجبها وهو القتل
    المالكية قالوا : إن المرأة المرتدة إذا كانت مرضعا يؤخر قتلها لتمام رضاع طفلها إن لم يوجد مرضع أو وجد ولم يقبلها الولد وتؤخر ذات الزوج وكذلك المطلقة طلقة رجعية أما البائن فإن ارتدت بعد حيض بعد طلاق فلا تؤخر وإلا أخرت لحيضة إن كانت من ذوات الحيض ولو كانت عادتها في كل خمس سنين مرة وإن كانت ممن لا تحيض لضعف وإياس مشكوك فيه استرئت ثلاثة أهر إن كانت ممن يتوقع حملها وإن كانت ممن لا يتوقع حملها قتلت بعد الاستتابة وإن لم يكن لها زوج لم تستبرأ
    الحنفية قالوا : إن المرأة المرتدة لا يجب قتلها فإن قتلها رجل لم يضمن شيئا حرة كانت أو عبدة لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن قتل النساء ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء وإنما عدل عنه دفعا لسر ناجز وهو الحراب ولا يتوجه ذلك من النساء لعدم صلاحية البنية بخلاف الرجال فصارت المرتدة كالأصلية وكل جزاء شرع في الدار ماهو ألا لمصالح تعود إلينا في هذه الدنيا كالقصاص وحد القذف والشرب والزنا والسرقة فشرعت لحفظ النفوس والأعراض والعقول والأنساب والأموال فكذا يجب في القتل بالردة أن يكون لدفع شر حدا به لا جزاء على فعل الكفر لأن جزاءه أعظم من ذلك عند الله تعالى فيختص لمن يأتي منه الحراب وهو الرجل ولهذا نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن قتل النساء وعلله بأنها لم تكن تقاتل على ما صح من الحديث فيما تقدم
    وما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل مرتدة فقد قيل : إنه عليه الصلاة و السلام لم يقتلها بمجرد الردة بل لأنها كانت ساحرة شاعرة تهجو رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان لها ثلاثون ابنا وهي تحرضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بقتلها لهذه الأسباب . ولكن يجب حبسها أبدا حتى تسلم أو تمت وتضرب كل يوم تسعة وثلاثين سوطا . وهذا قتل معنى لأن موالاة الضرب تفضي إليه وإنما يجب حبسها لأنها امتنعت عن إيفاء حق الله تعالى بعد الإقرار فتجبر على إيفاء بالحبس كما في حقوق العباد
    وفي الجامع الصير : تجبر المرأة على الإسلام حرة كانت أو أمة والأمة يجبرها مولاها لما فيه من الجمع بين الحقين يعني حق الله تعالى وحق السيد ولا تسترق الحرة المرتدة ما دامت في دار الإسلام وإنما تضرب كل يوم مبالغة في الحمل على اعتناق الإسلام وكسبها لورثتها لأنه لا حراب منها ويرثها زوجها المسلم
    وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة عن عاصيم بن أبي النجود عن أبي رزين عن أبن عباس رضي الله عنهم قال : ( لا تقتل النساء إذا هن ارتدن عن الإسلام ولكن يحبسن . ويدعين إلى الإسلام ويجبرن عليه )
    عن أبن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل النساء والصبيان ( وفي بلاغات محمد قال : بلغنا عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إذا ارتدت المرأة عن الإسلام حبست ) ومثل هذا لا يقال عن اجتهاد
    وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له حين بعثه إلى اليمن : ( أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن تاب فاقبل منه وإن لم يتب فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن تابت فاقبل منها وإن أبت فاستتبها ) الخ الحديث
    وأخرج الدارقطني رحمه الله في صحيحه عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : المرتدة تستتاب ولا تقتل وهذه أدلة على مذهب الحنفية الذين قالوا : إنه لا يجب قتلها بل تحبس وتضرب
    مبحث أملاك المرتد

    الحنفية قالوا : يزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالا موقوفا إلى أن يتبين حاله فإن أسلم عادت أمواله على حالها الأول لأنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل ولا قتل إلا بالحراب وهذا يوجب زوال ملكه ومالكيته غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عوده إليه فتوقفنا في أمره فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم وصار كأن لم يزل مسلماص ولم يعمل السبب وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه استقر كفره فيعمل السبب عمله ويزول ملكه والإجماع على أنه إن عاد وماله قائم كان هو أحق به ووجب أن يعمل بهما فيقول : بالردة يزول ثم بالعود يعود شرعا
    وقال الصاحبان : لا يزوال ملك المرتد عن أمواله لأنه مكلف محتاج فإلى أن يقتل يبقى ملكه كالمحكوم عليه بارجم والقصاص لأن كلا منهم مكلف مباح الدم
    قال الإمام أبو حنيفة : وإن مات أو قتل على ردته انتقل ما اكتسبه في إسلامه إلى ورثته المسلمين وكان ما أكتسبه في حال ردته فيئا لجماعة المسلمين يوضع في بيت المال
    وقال الصاحبان : كلا الكسبين يقسم على ورثة المسلمين لأن ملكه في الكسبين بعد الردة باق لأنه ملكف محتاج فينتقل بالموت إلى ورثته ويستند إلى ما قبل ردته إذ الردة سبب الموت فيكون توريث المسلم من المسلم ويجعل كأنه اكتسبه في حال الإسلام
    والمرتد إذا مات أو قتل على ردته ترثه امرأته المسلمة وهي في العدة لأنه يصير فارا وإن كان صحيحا وقت الردة لأنها سبب الموت
    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إن ما اكتسبه المرتد في إسلامه وما اكتسبه في حال ردته يكون فيئا لأنه مات كافرا والمسلم لا يرث الكافر إجماعا ثم هو مال حربي لا أمان له لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون فيئا
    الشافعية - قالوا : في زوال ملك المرتد عن ماله الحاصل قبل الردة أو فيها بالردة أقوال : أظهرها الوقوف كبضعزوجته سواء ألحق بدرا الحرب أم لا فإن هلك مرتدا بأن زاوله بالردة فما ملكه فيء وما تملكه من احتطاب ونحوه باق على الإباحة وإن أسلم بأن أنه لم يزل لأن بطلان أعماله تتوفق على هلاكه على الردة فكذا زوال ملك
    وقيل : يزول ملكه عن ماله بنفس الردة لزوال العصمة بردته فماله اولى
    وقيل : لا يزول ملكه بالردة لأن الكفر لا ينافي الملك كالكافر الأصلي
    ويتفرع على هذه الأقوال أنه يقضي من مال المرتد دين لزمه قبلها بإتلاف أو غيره لأنا إن قلنا ببقاء ملكه أو إنه موقوف فواضح وإن قلنا بزواله فهي لا تزيد على الموت والدين يقدم على حق الورثة فكذا على حق الفيء ا ه
    حكم الزنديق
    المالكية والحنابلة قالوا : ويجب قتل الزنديق بعد الاطلاع عليه بلا طلب توبة منه وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام وهو الذي كان يسمى منافقا في زمن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ولا بد من قتله وإن تاب لكن إن تاب قتل حدا لا كفرا فيحكم له بالإسلام ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويترك أمره إلى الله عز و جل أما إذا جاء قبل الاطلاع على أمره فلا يقتل وله أحوال خمسة ثلاثة يكون ماله لورثته وهي ما إذا جاء تائبا أو تاب بعد الاطلاع عليه أو لم تثبت زندقته إلا بعد موته وحالان يكون ماله فيها لبيت المال وهي ما إذا اطلعنا عليه قبل الموت وقتلناه بغير توبة أو مات بغير توبة ومثله الذي سب نبيا أجمعت الأمة على نبوته فإنه بدون اسابة ولا تقبل توبته ثم إن تاب قتل حدا ولا يعذر الساب بجهل لأنه لا يعذر أحد في الكفر بالجهل ولا يعذر بسكر حرام أو تهور أو غيظ بل يقتل والساب الكافر اصلا إذا اعتنق الإسلام ولو كان إسلامه خوفا من القتل فإنه لا يجب قتله لأن الإسلام يجب ما قبله
    أما المسلم إذا ارتد بغير السب ثم سب زمن الردة ثم أسلم ثانية فلا يسقط عنه قتل السب لأنه حد من حدود الله تعالى وجب عليه
    وقيل : تقبل توبته إذا رجع إلى الإسلام كما هو مذهب الشافعي حتى في سب الملائكة والأنبياء والفرق بين سب الله تعالى فتقبل التوبة فيه وبين سب الأنبياء والملائكة فلا يقبل أن الله تعالى لما كان منزها عن لحوق النقص له عقلا قبل من العبد التوبة بخلاف خواص عباده المؤنين به لأن استحاله النقص عليهم من اخبار الله تعالى لا من ذواتهم فشدد فيهم فردت توبته ويقتل
    وأسقط الإسلام الثاني ما عليه من صلاة وصوم وزكاة إن كانت عليه فلا يطلب منه فعلها بعد رجوعه إلى الإسلام إلا أن يسلم قبل خروج وقت الصلاة وذلك لقوله تعالى : { قل للذين كفروا أن يتنهوا يغفر لهم ما قد سلف } ويحبط ثواب عمله السابق بردته لقوله تعالى : { لئن اشركت ليحبطن عملك } ويجب عليه الوضوء لا الغسل إلا بموجب له ويجب عليه إعادة الحج لبقاء وقته وهو العمر ويسقط عنه النذر وكفارة الايمان وكذلك العتق والظهار والطلاق كأن قال لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم دخل الدار بعد ردته أو توبته ويبطل إحصانه أما الطلاق الذي صدر منه قبل الردة فإذا طلق ثلاثا ثم ارتد ثم رجع للإسلام فلا تحل له إلا بعد زوج ما لم يرتدا معا ثم يرجع للإسلام
    الحنفية والشافعية قالوا : إن الزنديق إذا تاب . وأظهر الإسلام تقبل توبته ويستتاب ولا يقتل ويلحق بالكافر الأصلي إذا اعتنق الإسلام فإنه يقبل منه ويترك
    وفي قول للشافعية : أنه لا يصح إسلامه إن ارتد إلى كفرخفي أو إلى كفر باطنية وهم القائلون بأن للقرآن باطنا وأنه الراد منه دون الظاهر أو ارتد إلى دين يزعم أن محمدا مبعوث إلى العرب خاصة أو ارتد إلى دين يقول : إن رسالة محمد حق لكنه لم يظهر بعد أو إذا جحد فرضا أو تحريما فإنه لا يصح إسلامه ويجب قتله حدا وكذلك الفلاسفة الذين يزعمون أن الله خلق شيئا ثم خلق منه شيئا آخر يدير العالم وسموا الأول العقل والثاني النفس فإنه كفر ظاهر وكذلك الطبائعي القائل بنسبة الحياة والموت إلى الطبيعة ومن قذف رسول الله صلى الله عليه و سلم أو سبه أو سب واحدا من الرسل الكرام الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم أو كذب رسول الله صلى الله عليه و سلم في دعوته فإنه يقتل حدا ولا يسقط عنه الحد بالتوبة
    وقيل : لا يقتل بعد التوبة : بل يجلد ثمانين جلدة ن لأن الردة ارتفعت بإسلامه وبقي الجلد عليه
    الحنفية قالوا : كل من أبغض رسول الله صلى الله عليه و سلم بقلبه كان مرتدا فالسب بطريق أولى فيقتل حدا ولا تقبل توبته في إسقاط القتل عنه
    الحنفية والمالكية قالوا : لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية لآنهم مسلمون ولا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها لقول الإمام علي رضي الله عنه يوم الجمل : ( ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال ) وهو القدوة لنا في هذا الباب ولأنهم مسلمون والإسلام يعصم النفس والمال ولا بأس بأنيقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه لأن الإمام عليا رضي الله عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة وكانت قسمته للحاجة لا للتملك ولآن للإمام أن يفعل ذلك في مال الرجل العادل عند الحاجة ففي مال الباغي أولى ن والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى . ولما رواه الحاكم في المستدرك والبزاز في مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن أبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغي من هذه الأمة ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها )
    مبحث لحوق المرتد بدار الحرب
    الحنفية قالوا : إذا لحق المرتدر بدار الحرب وحكم القاضي بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت الديون التي عليه ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته من المسلمين لأنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى فصار كالموت إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي بذلك لاحتمال العود إلينا فلا بد من القضاء وإذا تقرر موته الحكمي ثبتت الحكام المتعلقة به وهي ما ذكرناها من عتق مدبريه وغير ذلك كما يحصل في حالة الموت الحقيقي ثم يعتبر كونه وارثا عند لحاقه في قول الإمام محمد لأن اللحاق هو السبب والقضاء لتقرره يقطع الاحتمال
    وقال أبو يوسف : يعتبر كونه وارثا وقت القضاء لأنه يصير موتا بحكم القضاء والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف المذكور في المذهب
    قالوا : وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه من المال في حال الاسلام وما لزمه في حقال ردته من الديون يقضى مما اكتسبه في حال ردته
    قالوا : وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام وإن لم يف بذلك يقضى من كسب الردة لأن المستحق بالسببن مختلف وحصول كل واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضى كل دين من المكسب المكتسب في تلك الحلة ليكون الغرم بالغنم وقيل . بل يبدأ بالقضاء من كسب الردة لأن كسب الإسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فيه ومن شرط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث فيقدم الدين عليه أما كسب الردة فليس ببملوك له لبطلان أهلية الملك بالردة . فلا يقضى منه إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فينئذ يفضى منه كالذمي إذا مات ولا وارث له يكون ماله لبيت المال ولو كان عليه دين يقضى منه كذلك ههنا وجه الثالث أن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه فكان قضاء الدين منه أولى إلا إذا تعذر بأن لم يف به فيحنئذ يقضى من كسب الإسلام تقديما لحقه
    أبو يوسف ومحمد قالا : تقضى ديوان المرتد إذا لحق بدار من الكسبين لانهما جيمعا ملكه حتى يجري الأرث فيهما والله أعلم
    الشافعية - قالوا : إن مال المرتد إذا الحق بدار الحرب موقوف . فتقضى منه الديون التي لزمته قبل الردة بإتلاف أو غيره لأنا إن قلنا : ببقاء مكه أو أنه موقوف فواضح وإن قلنا : بزواله ملكه فالرجة لا تزيد على الموت والدين مقدم على حق الورثة فكذا على حق الفيء وإذا مات على الردة وعليه دين وفي ثم إن بقي من ماله شيء بعد سداد ديونه صرف لبيت مال المسلمين
    قالوا : ويصير محجورا على المرتد بعدم التصرف بنفس الردة وقيل : يحجر عليه بحكم القاضي . ويكون الحجر عليه كحجر الفلس وقيل كحجر السفه وقيل : كحجر المرض وينفق على المرتد زمن استتابته من ماله وتجعل حاجته للنفقة كحاجة الميت إلى التجهيز بعد زوال الملك بالموت
    والأصح في المذهب أن المرتد يلزمه غرم إتلافه مال غيره في زمن الردة حتى لو ارتد جمع من الناس واستعصوا على الإمام وخرجوا عن طاعته ولم يصل غليهم إلا بقتل وجها فما اتلفوه من المال في أثناء القتال إذا أسلموا ضمنوه على الأظهر
    والأصح أنه يلزمه نفقة زوجات وقف نكاحهن وكذلك نفقة قريب ملزم بالإنفاق عليه لأنها حقوق متعلقة بالمرتد فيلتزم بها لقاء ملكيته
    وقيل : لا يلزمه شيء من النفقات لأنه لامال له . لزوال مكليته على الأموال وعلى القول بوقوف ملكه والحجر عليه : فإن تصرفه الواقع منه في وقت ردته إن احتمل الوقف لا يضره وأما إذا كان التصرف لا يقبل الوقف كالبيع والهبة والرهن والكتابة ونحوها مما لا يقبل الوقف فتكون تصرفاته فيها باطلة بناء على بطلان وقف العقود وفي القديم : هي موقوفة بناء على صحة وفق العقود فإن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا
    وبناء على هذه الأقوال : فإنه يجب أن يجعل ماله عند رجل عدل يحفظه وتجعل أمته عند امرأة ثقة أو عند ردل يحل له الخلوة بها من المحارم احتياطا لتعلق حق المسلمين به . اه
    المالكية قالوا : إن الردة لا تسقط إحلال محلل . فإذا ارتد المحلل للمبتوتة فلا يبطل إلاحلاله بل تحل لمن بتها بخلاف حل المرأة فإنه يبطله ردتها فإذا حللها شخص ثم ارتدت ورجعت للإسلام . لا تحل لمن بتها حتى تنكح زوجها لأنها أبطلت النكاح الذي أحلها كما أبطلت الي صيرها محصنة
    والعتق غير المعلق بجميع أنواعه لا تبطله الردة عاد للإسلام أو قتل على ردته أو التحق بدار الكفر وكذلك الطلاق ينفذ ولا تبطله الردة أما الهبة والوقف فإذا احيزا قبل الردة فإنه ينفذ عاد إلى الإسلام أو مات عليه وأما إذا تأخر الحوز حتى ارتد ومات على ردته أو التحق بدار الكفر فلا ينفذ وينتظر هل يعود إلى الإسلام وهل يحكم بالبطلان أو بعدمه ؟
    قالوا : والكافر الذي بدل دينه إلى كفر آخر كنصراني انتقل لليهودية أو المجوسية فأننا لا نتعرض له . وقبل عذر من اسلم من الكفار ثم رجع للكفر وقال : معترا حين اراد القاضي قتله لعدم التوب : ( أسلمت عن ضيق من خوف على نفس أو مال ) فإن ظهر عذره بقريته صدق وترك لأمره وإن ظهر كذبه فإنه يكم فيح حكم المرتد . فإن تاب ترك وإن لم يتب قتل كافرا
    وأما من نطق بالشهادتين ولم يلتزم أركان الإسلام فإنه يؤدب وعزر حسب ما يراه الحاكم فإذا رجع لا يكون حكلمه حكم المرتد لكن هذا في غير من بين أظهرنا ويعلم أن علينا صلاة وصوما وكازة وإلا فهو مرتد لأنه خالطنا وعلم أحكام ديننا فيؤدب فإن أنكر فرائض الإسلام حكم بردته
    وكذلك يؤدب الساحر الذي سحر مسلما ولم يدخل بسحره ضررا عليه فإن أدخل ضررا على مسلم كان ناقضا للعهد يفعل فيه الإمام القتل أو الاسترقاق ما لم يسلم فإن أدخل ضررا على أهل الكتاب أدب ما لم يقتل منهم أحدا وإلا قتل ويشدد بالضرب الشديد والسجن على من سب من لم يجمع على نبوته كالخضر ولقمان والسيدة مريم بغير الزنا أو سب احدا من ذريته عليه الصلاة و السلام فإنه يشدد عليه في التأديب بالضرب إن علم أنه من آله صلى الله عليه و سلم وإن لم يكن من آل بيت النبوة وادعى صراحة أو أحتمالا أنه من ذريته صلى الله عليه و سلم كلبس عمامة خضراء ونحو ذلك . فلا يبالغ في تقريره وتأديبه لقوله صلى الله عليه و سلم : ( لعن الله الداخل فينا بغير نسب والخارج منا بغير سبب ) وقال الإمام مالك رضي الله هنه : من ادعى الشرف كاذبا ضرب ضربا شديدا شهرا وميحبس مدة طويلة حتى تظهر لنا توبته لأن ذلك استخفاف بحقه صلوات الله وسلامه عليه
    قالوا : ومن سب صحابيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه يعزر ويحبس ولا يحد ومثل السب تكفير بعضهم ولو كان من الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم فإنه لا يكفر ولكن يؤدب أما من كفر جميع الصحابة فإنه يكفر باتفاق لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة وكذب الله ورسوله وإذا شهد عليه عدل فقط أو جماعة من الناس غير مقبولين بأنه سب نبيا مجمعا على نبوته فإنه يعزر بالضرب . أو قال : لقيت من شدة المشقة في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر ما استوجبته أما لو قصد الاعتراض على الله فهو مرتد بدون خلاف
    مبحث تصرفات المرتد
    الحنفية قالوا : إن تصرفات المرتد على أقسام :
    - 1 - نافذ بالاتفاق : كالاستيلاد والطلاق لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وتمام الولاية وإن كانت الفرقة تقع بين الزوجين بمجرد الارتداد
    - 2 - باطل بالاتفاق : كالنكاح والذبيحة لأن كل واحج منهما يعتمد الملة والمرتد لا ملة له لأنه ترك ما كان عليه ولا يقر على ما جخل فيه لوجوب قتله بالردة
    - 3 - موقوف بالاتفاق : كالمفاوضة كأن فاوض المرتد توفق فإن أسلم نفذت المفاوضة وإن مات أو قتل أو قضى بلحاقه بدار الحرب بطلت بالاتفاق لأن المفاوضة تعتمد المساواة بين الطرفين ولا مساواة بين المسلم والمرتد مالم يسلم
    - 4 - مختلف في توقفه : وهو البيع والشراء والعتق والهية والرهن والتصرف في أمواله في حال ردته فأبو حنيفة رحمه الله قال : إن هذه التصرفات المذكورة تتوفق فإن أسلم صحت عقوده . وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت . لأنه حربي متهور تحت أيدينا كما قررناه في توفق الملك وتوقف التصرفات بناء على توفق الملك وصار كالحربي يدخل دارنا بغير أمان فيؤخذ ويقهر وتتوقف تصرفاته لتوقف حاله فكذا المرتد ولأنه يستحق القتل لبطلان سبب العصمة فأوجب خللا في الأهلية . بخلاف الزاني المحصن وقاتل العمد لأن الاستحقاق فيهما جزاء على الجناية مع بقاء سبب العصمة وهو الإسلام فيبقى مالكا حقيقة وبخلاف المرأة المرتدة لأنها ليست حربية ولهذا لا تقتل بعد الردة أما المرتد فقد زال ملكه عن أمواله بردته كما ذكرنا
    أبو يوسف ومحمد قالا : يجوز ما صنع المرتد وتنفذ عقوده التي عقدها قبل الردة وبعدها لأن الصحة تعتمد الأهلية والنفاذ يعتمد الملك ولا خفاء في وجود الأهلية لكونه مخاطبا وكذلك الملك لقيامه قبل موته وعدم زواله بالردة لأنه مكلف محتاج ولا يتمكن من إقامة موجب التكليف إلا بالملك فيبقى ملكه إلى أن يقتل ولهذا لو ولد له ولد بعد الردة لستة أشهر من امرأة مسلمة يرثه بعد موته
    قالوا : فإن عاد المرتد بعد الحكم بلحاقه بدار الحرب إلى دار الإسلام مسلما فما وجوده في يد ورثته من ماله بعينه أخذه لأن الوارث إنما يخلف فيه لاستغنائه عنه بالموت المحكوم به بدخوله دار الحرب . وإذا عاد مسلما احتاج إليه فيقدم على الوارثن بخلاف ما إذا أزاله الوارث عن ملكه وبخلاف أمها اولاده ومدبريه لأن القضاء قد صح بدليل مصحح فلا ينقض ولو جاء مسلما قبل أن يقضي القاضي بذلك فكأنه لم يزل مسلما فأمواله على حالها وما كان عليه من الديون فهو إلى أجله ويصح تصرفه
    مبحث ردة الصبي والمجنون
    الحنفية قالوا : إن ارتداد الصبي الذي يعقل ارتداد تام فيجري عليه أحكام المرتد فيبطل نكاحه ويحرم من الميراث ويجبر على الإسلام ولا يقتل وإن أدرك كافرا يحبس كالمرأة وإسلام الصبي المميز إسلام لأن عليا رضي الله عنه أسلم في صباه وهو أبن خمس سنين وصحح النبي صلى الله عليه و سلم إسلامه وافتخر سيدنا علي بذلك
    فقال :
    سبقتكمو إلى الإسلام طرا ... غلاما ما بلغت أوان حلمي
    ولأنه أتى بحقيقة الإسلام وهي التصديق والإقرار معه والتصديق الباطني يحكم به للإقرار الدال عليه على ما عرف من تعليق الحكام المتعلقة بالباطن به ولأن الإقرار عن طوع دليل على الاعتقاد ولأن النبي صلى الله عليه و سلم عرض الإسلام على أبن صياد وهو غلام لم يبلغ الحلم
    قيل : ومن أقبح القبائح أن لا يسمى مسلما مع اشتغله بتعلم القرآن وتعليمه والنطق بالشهادتين والصلاة
    قالوا : والحقائق لا ترد . وما يتعلق به سعادة أبدية ونجاة عقبى وهي من أجل المنافع وهو الحكم الأصلي ثم يبتنى عليه غيرها فلا يبالى بشوبه للضررولانه تقبل صلاته وصومه ويثاب عليهما عند الله تعالى
    وقالوا : إن الردة موجودة حقيقة ولا مرد للحقيقة كما قلنا في الإسلام فإن رد الردة يكون بالعفو عنها وذلك قبيح إلا أنه يجبر على الإسلام لما فيه من النفع له ولا يقتل لأنه عقوبة والعقوبات موضوعة عن الصبيان مرحمة عليهم وهذا في الصبي الذي يعقل ومن لا يعقل من الصبيان لا يصح ارتداده فإنه لا يدل على تغير العقيدة . وكذا لا يصح إسلامه لأنه غير مكلف وقد رفع القلم عنه بنص الحديث الشريف
    وقال أبو يوسف : ارتداد الصبي الذي يعقل ليس بارتداد وإسلامه إسلام
    الشافعية - قالوا : إن ارتداد الصبي الذي يعقل ليس بارتداد وإسلامه كذلك ليس بإسلام لأنه تبع لأبويه في الإسلام فلا يجعل أصلا ولأنه يلزمه أحكام تشوبها المضرة فلا يؤهل لها . والردة مضرة محضة فلا تعتبر لأنه غير مكلف وغير مختار وكذلك المجنون لا تصح ردته لعدم تكليفه ولا اعتداد بقولهما واعتقادهما فلا يترتب عليها حكم الردة وكذلك لا تصح ردة المكره . إذا كان قبله مطبئنا بالإيمان كمانصف عليه القرآن الكريم فإن رضي بقلبه عن الكفر فهو مرتد فيقتل قال تعالى : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله . ولهم عذاب عظيم } آية 106 من سورة النحل
    وأما المجنون فإذا ارتد ولم يستتب فجن لم يقتل في جنونه لأنه قد يعقل ويعود إلى الإسلام فإن قتل مجنونا لم يجب على قاتله شيء ولكن يعزر بخلاف ما لو ثبت بنيته أو أقر بقذف أو قصاص ثم جن فإنه يستوفى منه في ضوئه
    مبحث حكم الصبي إذا بلغ مرتدا
    الحنفية رحمهم الله قالوا : أربع مسائل لا يقتل فيها المرتد
    الأولى : الصبي الذي كان إسلامه تبعا لأبويه إذا بلغ مرتدا . فلا يقتل وإنما يحبس حتى يتوب لأن إسلامه لماكان تبعا لغيره صار شبهة في إسقاط القتل عنه وبه قال الحنابلة ويجبر على الإسلام بالضرب والحبس لا بالقتل
    الشافعية والمالكية - قالوا : إن الصبي يعتبر مرتدا ولو كان تابعا لأبويه فإنه يستتاب فإن تاب من ردته ورجع إلى الإسلام قبل منه ويترك وإلا فيجب قتله مثل المرتد
    الثانية : إذا أسلم الصبي في صغره ثم بلغ مرتدا فإن يقتل مرتدا وتطبق عليه أحكام المرتد
    الثالثة : إذا ارتد في صغره فإنه لا يقتلز لقيام الشبهة بسبب اختلاف العلماء في صحة إسلامه في الصغر . وبه قال الشافعية وإذا قتله إنسان قبل أن يسلم لا يلزمه شيء في هذه الأحوال ولو مات له قريب مسلم بعد ردته فلا يرث منه
    المالكية والحنابلة - قالوا : إذا أسلم في صغره ثم بلغ مرتداص فإنه يقتل مرتدا وتطبق عليه أحكام المرتد
    الثالثة : إذا ارتد في صغره فإنه لا يقبل ارتداده ولا يتعتد به ولكن يحبس ويضرب حتى يتوب لأن الإسلام أنفع له فيجبر عليه ويشتد عليه في الضرب حتى يرجع ويتوب لأن الإسلام أنفع ه فيجبر عليه ويشتد عليه في الضرب حتى يرجع ويتوب وتحسن توبته
    الرابعة : المكره على الإسلام إذا ارتد لا يقتل لأن الحكم بإسلامه من حيث الظاهر لأن قيام السيف على رأسه ظاهر في عدم الاعتقاد بقلبه فيصير شبهة في إسقاط القتل وبه قال الشافعية لعدم التكليف ( وما استكرهوا عليه ) فقد رفع عنه المؤاخذة

    اتفق العلماء الأربعة : على أنه إذا ارتد الأبوان والعيادذ الله تعالى وارتد ابنهما الصبي تبعا لهما ثم لحقا بدرا الحرب وحكم بلحوقهما فإن الصبي يصح ارتداده من غير خلاف ويحكم بكفره وإذا أسلم الصبي فإنه يقبل ويعتبر إسلامه في نظر الشرع بالاتفاق فلا يرث أبويه الكافرين ويرث أقاربه المسلمين الذين ماتوا بعد إسلامه ولا يصح نكاح المشركة له ويحل له زواج المرأة المسلمة وتبطل مالية الخمر والحنزير بالنسبة له وإذا ارتد الرجل وامرأته والعياذ الله تعالى ولحقا بدار الحرب فحملت المرأة في دار الحرب وولدت ولدا وولد ولدهما ولدا فظهر عليهم جميعا فالوالدان فيء لأن المرتدة تسترق فيتبعها ولدها ويجبر الولد الأول على الإسلام ولا يجبر ولد الولد لأنه لا يتبع جده بل أباه لقوله صلى الله عليه و سلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه ) الحديث


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #287
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 204 الى صـــــــــ209

    الحلقة (287)



    مبحث ردة السكران وإسلامه
    الحنفية والمالكية والحنابلة في إحدى روايتيهم - قالوا : السكران الذي لا يعقل شيئا وفقد الإدراك والتمييز مثله كالمجنون مثله كالمجنون فلا تصح ردته ولا إسلامه لأن المجنون لا تصح ردته بالإجماع لأن الردة تبنى على تبدل الاعتقاد وتعلم أن السكران غير معتقد لما قال ووقوع طلاقه لأنه لا يغتفر إلى القصد ولذا لزم طلاق الناسي
    وفي رواية للحنفية : أنه إذا كان سكره بسبب محظورن وباشره مختارا بلا إكراه فإنه تصح ردته ولا يعفى عنه
    الشافعية - قالوا : تصح ردة السكران المتعدي بسكره كطلاقه وسائر تصرفاته وفي صحة استتابته حال سكره وجهان ا دهما أنه تصح كما تصح ردته وعليه الجمهور وهو المفتى به لكن يندب تأخيرها إلى الإفاقة خروجا من خلاف من قال : بعدم صحة توبته وهو الوجه الثاني القائل : بأن الشبهة لا تزول في تلك الحالة
    أما السكران غير المتعدي بسكره كأن أكره على شربها فلا يحكم عليه بالارتداد كما في طلاقه وغيره
    والراجح من المذهب صحة إسلام السكران عن ردته ولو ارتد صاحيا ثم أسلم معاملة لأقواله معاملة الصاحي
    والاعتداد بإسلامه في السكر أنه يحتاج إلى تجديد بعد الإفاقة لكن قالوا : إذا فقاق عرضنا عليه الإسلام فإن وصفه كان مسلما من حين وصف الإسلام وإن وصف الكفر كان كافرا من الآن لأن إسلامه صح أولا فإن لم يتب قتل
    قبول الشهادة بالردة . الشافعية - قالوا : تقبل الشهادة بالردة على وجه الإطلاق ويقضى بها من غير تفصيل لأن الردة لخطرها لا يقدم الشاهد بها إلا عن بصيرة ثم يقول له القاضي تلفظ بالشهادتين ولا حادة إلى السؤال عن السبب فإن امنع كان امتناعه قربته لا يحتاج معها إلى ذكر سبب الردة
    وقيل : يجب التفصيل واستفسار الشاهد بها لاختلاف المذاهب في التكفير والحكم بالردة عظيم فيجب أن يحتاط له . وهو المذهب الي يجب القطع به لأنه قد يتوهم ما ليس بكفر كفرا فيسأله القاضي
    المالكية قالوا : بأنه لا تقبل توبة المرتد فلا تقبل الشهادة إلا مفصلة
    الحنفية قالوا : تقبل الشهادة بالردة من عدلين يشهدان على مسلم بالردة ويسألهما القاضي عن سبب ردته فربما قال شيئا ليس بكفر وهو في نظرهما كفر ولأن إنكاره توبة ورجوع إلى الإسلام ا ه
    مبحث كيفية توبة المرتد

    الحنفية قالوا : أنه يتبرأ عن الأديان كلها سوى دين الإسلام وهو أن يقول : ( تبت وجعت إلى دين الإسلام وأنا بريء من كل دين سوى دين الإسلام ) . والإقرار بالبعث والنشور مستحب وإنما يقول ذلك لأنه لا دين له ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه لحصول المقصود
    قال الطحاوي سئل أبو يوسف عن الرجل كيف يسلم فقال يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقر بما جاء به من عند الله ويتبرأ من الدين الذي انتحله وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقال : ولم أدخل في هذا الدين قط وأنا بريء من الدين الذي ارتد إليه فهي توبة وفي شرح الطحاوي : إسلام النصراني أن يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويتبرأ من النصرانية واليهودي كذلك يتبرأ من اليهودية وكذا من كل ملة وأما مجرد الشهادتين فلا يكون مسلما لأنهم يقولون بذلك غير أنهم يدعون خصوص الرسالة إلى العرب هذا فيمن بين أظهرنا منهم أما من في دار الحرب لو حمل عليه مسلم فقال : محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو مسلم أو قال : دخلت في دين الإسلام . أو دخلت في دين محمد صلى الله عليه و سلم فهو دليل إسلامه فكيف إذا أتى بالشهادتين لأن في ذلك الوقت ضيقا فيحكم بإسلامه بمجرد ذلك ويرفع عنه القتل ولو ارتد بعد ذلك قتله ولو ارتد بعد إسلامه ثانيا قبلنا توبته وكذا ثالثا ورابعا وفي كل مرة يطلب من الإمام التأجيل أجله فإن عاد إلى الكفر رابعا ثم طلب التأجيل فإنه لا يؤجله فإن أسلم وإلا قتل
    وقال الكرخي في مختصره فإن تاب بعد الرابعة ضربه ضربتا وجيعا ولا يبلغ به الحد ثم يحبسه ولا يخرجه من السجن حتى يرى عليه خشوع التوبة ويرى من حاله حال إنسان قد أخلص فإذا فعل ذلك خلي سبيله فإن عاد فعل به مثل ذلك أبدا ما دام يرجع إلى الإسلام لإطلاق قوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } آية 5 من التوبة وروي عن أبن عمر وعلي رضي الله عنهما : لا تقبل توبة من كرر ردته كالزنديق : فيجب قتله
    المالكية والحنابلة قالوا : لا تقبل توبة الكافر المرتد الذي تكررت ردته بل يجب قتله لقوله تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازداودا كفرا لم يكن الله لغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } آية 137 من النساء ولو قتله شخص قبل عودته إلى الإسلام فلا شيء عله من الدية والقصاص
    الشافعية - قالوا : إنه تقبل توبة الزنديق والمرتد إذا طلب التوبة ورجع إلى الإسلام . ولو تكرر منه ذلك مرارا ما دام في كل مرة يرجع إلى الإسلام ولا يقتل إلا أن يأبى أن يسلم
    الحنفية قالوا : قبول توبة الزنديق روايتان رواية تقول : لا تقبل توبته كمالك وأحمد . وفي رواية تقبل توبته إذا رجع كقول الشافعي وهذا في حق أحكام الدنيا أما فيما بينه وبين الله تعالى إذا صدق قبله سبحانه بلا خلاف . )
    أحكام في المرتد
    الحنفية قالوا : لو أرتد أهل بلد لم تصر دار حرب حتى يجتمع فيهما ثلاثة شروط :
    الأول : ظهور أحكام الكفر
    الثاني : أن لا يبقى فيهما مسلم ولا ذمي بالأمان الأصلي
    والثالث : أن تكون متاخمة لدار الحرب . وأول من حارب المرتدين أبو بكر الصيق رضي الله تعالى عنه لانهم منعوا دفع الزكاة وقالوا : لاندفع الزكاة إلا لمن صلاته سكن لهم وهو النبي صلى الله عليه و سلم فأصبحوا دار حرب

    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إذا ارتد أهل بلد لا يجوز أن تغنم ذراريهم التي حدثت منهم بعد الردة ولا يسترقون بل يجبون على الإسلام إلى أن يبلغوا : فإن لم يسلموا حبسوا وضربهم الحاكم جذبا إلى الإسلام وأما ذراريهم فيسترقون
    الشافعية قالوا : في أصح قوليهم إنهم لا يسترقون وقيل : تسترق ذراريهم وذراري ذراريهم
    الحنابلة قالوا : تسترق ذراريهم وذراري ذراريهم لأن الذرية تبع الآباء في الكفر
    روى البخاري عن أبن عباس رضي الله عنهما لما بلغه أن عليا رضي الله عنه حرق قوما بالنار فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) فإن الإمام عليا قاتل الزندقة الذين ارتدوا باتباع مذهب المانوية الذين يقولون بقدم النور والظلمة وأن العالم ناشئ عنهما
    أعمال المرتد
    الحنفية قالوا : إن الردة محبطة لثواب جميع العمال الصالحة التب عملها قبل أن يرتد عن الإسلام . فإذا تاب وعاد إلى الإسلام إن عاد في وقت صلاة صلاها وجب عليه أداؤها ثانيا وكذلك يجب عليه الحج ثانيا إن كان سبق له حد ولا يلزم من سقوط ثواب العمل سقوط العمل بدليل أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة مسقطة للقضاء مع كونها لا ثواب فيها عند أكثر العلماء
    الشافعية - قالوا : إن الردة محبطة للعمل إن اتصلت بالموت قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } الآية وقال تعالى : { ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } وقال تعالى : { ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله } وغيرها من الآيات الدالة على إحباط الأعمال وضياع ثوابها ولهذا إن عاد إلى الإسلام وجب عليه أن يعيد حجه قبل الردة )
    مبحث الكبائر من الذنوب
    - عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات . قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما
    يتعلق بشرح هذا الحديث
    - 1 - بيان معناه
    - 2 - هل الكبائر منحصرة في السبع المذكورة ؟
    - 3 - حد السحر وما يترتب عليه من الآثار
    معنى الحديث
    - إن معظم القضايا التي اشتمل عليها هذا الحديث الشريف معلومة من الدين بالضرورة فكل مسلم يعلم أن الشرك بالله كفر بالخالق العظيم الذي خلق الإنسان وأمده بما يحتاج إليه في هذه الحياة الدنيا من مطعم ومشرب وهواء وشمس وقمر وأرض وسماء وغير ذلك من باقي العوالم المسخرة لهذا الإنسان الضعيف الذي لا يملك لنفسه وجودا ولا عدما ولا ضرا ولا نفعا واي مسلم يخفى عليه أن الشرك بالله القاهر فوق عباده حجود ظاهر ولاعتداء صريح على مقام الألوهية المقدس فلا يصدر إلا عن سفيه جاهل بنفسه وبكل ما حوله من المظاهر الدالة دلالة واضحة على أن الله واحد لاشريك له بل أي عاقل يجحد ربه الذي خلقه من ماء مهين وجعله بشرا سويا أو يشرك معه في عبادته أحدا من خلقه عن عقيدة أو نفاق أو رياء أو يعبد ربه على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه لا ريب في أن الإنسان الذي يشرك مع الله غيره في معنى الألوهية يكون كالحيوان العجم الذي لا يشرك مع الله أحدا في الإيجاذ أو في الرزق فقد أنكر الإله الذي لا يماثله أحد من خلقه في أخص صفاته وهي كونه تعالى من منفردا بالخلق والإيجاد ( 1 )
    وأي مسلم يجهل أن قتل النفس التي حرم الله جريمة من أسوأ الجرائم وأقبحها أثرا في المجتمع الإنساني . ويكفي في شناعتها واتنكارها قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما }
    وأي مسلم يخفى عليه أن أكل الربا من الكبائر المجرمة لما يترتب عليه من استذلال المحتاجين واستنزاف أموالهم وحصر الثروة في أيدي المرابين الذين يستلذون اقتناص أموال الناس وحبسها بين أيديهم بدون أن يستخدموها في مصالح المجتمع وإصلاح حال الإنسان ( 2 )
    وأي مسلم يحفى عليه أن الفرار من قتال الأعداء الذين يرديون انتهاك حرمات الوطن والدين واستذلال الاحرار الأعزاء واستعمالهم استعمال الأرقاء الذين لا إرادة لهم جريمة من شر الجرائم وموبقة من أسوأ الموبقات
    لا ريب في أن كل هذه الخصال كبائر تنافي الفضائل الإنسانية وتتعارض مع الحياة الكريمة وإذا فشت في أمة من الأمم اهلكتها لا محالة
    أما قذف المحصنات فقد بينا آثاره الضارة فيما أسلفنا من القول في الحدود . وسنذكر لك ما يترتب على السحر من الآثار الضارة قريبا فالنبي صلى الله عليه و سلم وهو المربي الأعظم الذي لا ينظق عن الهوى قد نهى أمته نهيا جازما عن هذه الجرائم المؤقة التي يترتب عليها هلاك المرء في الدنيا والآخرة فهي من مخازي هذه الحياة الدنيا ومن شر آفاتها التي إليها الشهوة وتستلذها النفس الضعيفة ومن ورائها الخزي الدائم والعذاب الأليم
    ( 1 ) ( قال تعالى : { فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس شيء وهو السميع البصير } آية ( 11 سورة الشورى )
    فالله تعالى هو القادر الحكيم الذي أبدع السموات والأرض وخلقهما وما فيهما من أجرام وأجسام وماء وهواء وخلق لنا أزواجا من أنفسنا وخلق من الأنعام ثمانية ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها وهو الذي يخلقنا في الأرحام ويصورنا كيف يشاء لا يشابهه شيء في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلى صفاته لا يشابه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به فهو واحد في ذاته وصفاته ليس كذاته ذات ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعلن ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة فليعتبر أولئك الملحدون الطبيعيون الذين ضلوا عن الطريق المستقيم وكفروا برب العالمين )

    ( 2 ) ( قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } آية ( 29 ) من سورة النساء والربا مما أجمعت الأديان السماوية على تحريمه وداوعي تحريمه كثيرة فهو من المور التي تعوق المجتمع عن الاشتغال بالأمور المفيدة النافعة فصاحب المال إذا سلك طريق الربا في إنما ماله وجلب الربح منه . سهل لديه أسباب العيش فيميل إلى الكسل والباطالة والخمول وترداد شراهته في جمع الأموال بغير حق والاستيلاء على حقوق الناس من غير رحمة ولا شفقة وتزداد الفوارق بين طبقات المجتمع في الفقر والغنى . والربا يؤدي إلى انتشار العداوة والبغضاء ويولد الأحقاد قرن الله تعالى النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بقتل النفس في الآية الكريمة فقال تعالى بعد النهي عن الربا { ولا تقتلوا أنفسكم } لأن الربا يؤدي إلى قتل الأنفس وسفك الدماء من أجل الأموال
    ولأن الربا أخذ مال بلا عوض وهو نوع من الظلم الذي حرمه الشارع الحكيم لأنه استيلاء على الأموال من غير الطريق المشروع وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه وعاقبة الربا إنما هو الخراب والهلاك والدمار قال تعالى : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } وقد توعد الله تعالى الذين يأكلون الربا ولا يتوبون بأشد أنواع الوعيد وهو أنه يشن عليهم حربا في الدنيا وعذابا يوم القيامة قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فكلم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون }
    فالأجرد بالمسلم أن يبحث عن مصادر تنمية أمواله عن طريق مشروع حتى تصبح معيشته واقتصادياته من طريق مستقيم لا استغلال فيه ولا بغي ولا عدوان على الفقراء والمحتاجين
    وأما جناية اكل مال اليتمي فهي أفظع من التعامل بالربا واشد ضراوة منها لما يترتب عليها من الأضرار البليغة ولهذا نهى الشارع عنها ووصمها أبلغ وصم فقال تعالى . { وآتوا اليتاميى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا } وقال تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم اليهم أموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا }
    والواجب شرعا أن يرعى الوصي مال اليتيم ويحافظ عليه وينميه ولا يبيح لنفسه شيئا منه . إلا عند الحاجة الماسة فيأخذ ما يحتاج إليه من غير إسراف ولا تبذير . فقد أجمعت الآراء على أن مال اليتيم لا يحل للوصي ولا يأخذ منه شيئا حتى تبقى صلات المحبة والمودة قائمة بين الناس . وكما تدين تدان وكما تفعل تجازى { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا }
    وبين الله عز و جل أن أكل مال اليتيم من أشنع أنواع الحرام فكأنه يأكل من جمر جهنم قال تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا }
    وأما التولي يوم الزحف فهو من أكبر الكبائر وأفحش الأمور . لأنه يدل على الجبن . والضعف والخور وافسلام يربي المسلم على الشجاعة والثبات والعزة ولأن الفرار أمام الأعداء عند اللقاء يسلب الأمة عزتها وكرامتها وشرفها ويجعل السلطة لأعداء الإسلام والدين وذلك موت أدبي للأمة فإما أن نعيش كراما أعزاء وإما أن نموت أحرارا شهداء والاستشهاد في سبيل الله والوطن حياة كريمة قال تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أمحياء عند ربهم يرزقون } لهذا أمرنا الله تعالى بالثبات أمام الأعداء مهما كانت عدتهم وقدرتهم ونهانا عن الفرار من الزحف وعده من أعظم الكبائر التي تجلب غضب الله تعالى وتحبط الأعمال وتودي بصاحبها في نار جهنم وبئس القرار فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون }
    فأمر الله المجاهدين بالصبر والثبات أمام الأعداء لأن التولي فيه إضعاف لصفوف المسلمين وتثبيط لعزائم المقاتلين وإحداث فرقة بين صفوفهم وفي ذلك صد عن سبيل الله عز و جل وتقوية للعدو وكفى بذلك إثما وعارا في الدنيا والآخرة لذلك أمرنا بالصبر وذكر الله تعالى أنه يعاقب الفارين بأشد أنواع العذاب . وأنه يكرم الشهداء في سبيله أعظم أنواع الإكرام والعزة
    وأما قذف المحصنات المؤمنات الغافلات فهو من أعظم الكبائر التي نهى عنها الشارع الحكيم
    فقال تعالى : { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } فإن مقاصد الشرع الحكيم حفظ أعراض المسلين وصون الشرف لصاحبه والاحتفاظ بالكرامة ووضع سياج منيع لعزة النفس كان من مقتضى حكمته تبارك وتعالى أن سن التشريع الزاجر للنفوس الجامحة التي قد يدفعها الغضب إلى أن تصيب الناس في كرامتهم وتخدش شرفهم وتنكس رؤوسهم والشرف أعز عزيز لدى المؤمن الغيور فإن القتل أهون على المؤمن من ضياع شرفه وإهدار كرامته وما قيمة الحياة لإنسان بغير كرامة وعزة من أجل ذلك فرض الله تعالى حد القذف الرادع الكفيل بصيانة الأعراض وحفظ الكرامات وإنما خص القذف بالرمي بالزنى لأن فيه من العار بدناءة النفس وهتك الستر وافتضاح السوءات وانتهاك الحرمات والدلالة على عدم الغيرة الذي هو من خصائص أخس الحيوانات ما قارف به كل المربقات . فإن كان الرمي امرأة كان في من جلب العار على قومها ما يؤدي إلى سفك الدماء وقلما يغسل ذلك العار وقد رتب الشارع على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء الجلد ثمانين جلدة ورد الشهادة أبدا والحكم عليه بالفسق
    ولقد ذكر الله في الآية الكريمة فظاعة أمر هذه الجريمة وشنع على من وقع فيها وشرح عظيم خطرها وشديد وعيدها وأي وعيد اشد من اللعنة في الدنيا والآخرة وهو الطرد من رحمة الله واستحقاق العذاب العظيمن وتقرير ذنبه بشهادة جوارحه عليه بما يخزيه ويقطع حجته ويسد عليه باب التنصل من ذنبه أمام الأشهاد يوم القيامة
    ثم أردف ذلك بأنه سيوفى جزاءه الحق وليعلم الجاني إن لم يكن علم أن الله هو الحق وإن وعيده هو الحق وأن قوله هو الحق المبين وقد ذكر العلماء أن القاذف مطالب في الدنيا لتصديقه بأربعة شهداء فالقاذف يقوم في وجهه لتكذيبه خمسة شهود من جوارحه لسانه ويداه ورجلاه تنكيلا له وفضيحة لشأنه جزاء فضيحته للمحصنات المؤمنات ) وأي مسلم يخفى عليه أن أكل مال اليتيم جريمة من أرذل الجرائم وأخسها لا يأتيها إلا النذال الذين قست قلوبهم ونزعت منهم عائطفة الرحمة والإنسانية وأصبحوا كالحيوانات المتفرسة هم أضل سبيلا

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #288
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 210 الى صـــــــــ215

    الحلقة (288)



    الجواب عن السؤال الثاني
    - إن الموبقات المذكورة في الحديث معنهاها المهلكات وهي مودبة للهلاك الدنيوي والأخروي لا محالة ولكن الحديث الذي معنا لم ينص على كل الموبقات . بل هنالك موبقات ذكرت في الأحاديث الصحيحة الأخرى وقد حصرها بعض العلماء في إحدى وعشرين منها السبع المذكورة في الحديث الشريف
    الكبيرة الثامنة شهادة الزور
    - ثامنها شهادة الزور : وقد ورد في الصحيح أنها أكبر الكبائر عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ( ثلاثا ) الإشراك بالله وعقوق الوالدين ألا وشهادة الزور وقول الزور وكان متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما
    أما كون شهادة الزور جريمة خلقية شائنة تنافي النظام العمراني وتفضي إلى الفوضى في كل نواحي الحياة فظاهر لا يخفى على أحد فهي شر مستطير يجب على الناس أن ينزهوا عنه أنفسهم تنزيها تاما ( 1 )
    ------------------------------
    ( 1 ) ( لقد ذكر العلماء أن شهادة الزور من أكبر الكبائر لأن الله تعالى أمرنا باجتنابها وقرنها بالشرك والعياذ بالله تعالى فقال عز و جل : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } أي ابتعدوا عن الرجس الذي هو الأوثان وابتعدوا عن شهادة الزور فقرن الله عبادة الأصنام بشهادة الزور كقوله تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير حق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون } ومنه شهادة الزور
    وروى الإمام أحمد عن أيمنبن خريم أنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ( أيها الناس عدلت شهداة الزور إشراكا بالله ثلاثا ) ثم قرأ { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا محمد بن عبيد حدثنا سفيان العصفري عن أبيه عن حبيب بن النعمان الأسدي عن خريم بن فاتك الأسدي قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح فلما انصرف قام فائما فقال : ( عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عز و جل ) ثم تلا هذه الآية : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاة لله غير مشركين به } وقال سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن وائل بن ربيعة عن أبن مسعود أنه قال : تعدل شهادة الزور الإشراك بالله ثم قرأ هذه الآية
    وفي الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه وهذا يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر ولا يلزم من كون هذه أكبر الكبائر استواء رتبتها فإن الإشراك أكبر الذنوب المذكورة وجلوس النبي صلى الله عليه و سلم بعد اتكائه يشعر باهتمامه بذلك ويفيد تأكيد تحريمه وعظم قبحه وسبب الاهتمام بذلك كون شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها والحامل عليها كثير مثل العدواة والحقد والحسد وغير ذلك فاحتيج إلى الاهتمام بها وفي لاتزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار ) وفي الأثر ( عدلت شهادة الزور ) " الإشراك بالله "
    الكبيرة التاسعة اليمين الغموس
    - تاسعها اليمين الغموس وهو أن يحلف على حصول شيء وهو عالم أنه لم يحصل . كأن يقول : والله ليس لك علي دين . وهو يعلم أنه له أو يحلف على أن فلانا لم يضرب فلانا وهو يعلم أنه ضربه فقد روى البخاري أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ( يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : الإشراك بالله قال : ثم ماذا ؟ قال : اليمين الغموس . قلت : ما اليمين الغموس ؟ قال : يقتطع مال امرئ مسلم ) يعني بيمين هو فيها كاذب
    ولا نزاع في أن هذه اليمين الفاجرة من الكبائر بشرط أن يترتب عليها قطع حق أو إيذاء من لا يستحق الإيذاء أو إدانة بريء أو نحو ذلك
    أما إذا لم يترتب عليها شيء من ذلك فإنها تكون صغيرة لا كبيرة
    وبعضهم يقول : إن اليمين الغموس كبيرة مطلقا لأن الحالف بها قد انتهك حرمة اسم الله تعالى فجزاؤه العذاب الأليم إلا إذا تاب توبة نصوصا
    وليس لليمين الغموس كفارة إلا التوبة منها عند جمهور العلماء
    الشافعية قالوا : إن لها كفارة كغيرها من الأيمان ومتى اخرج كفارتها سقط عنه إثمها ( 1 )
    -----------------------------
    ( 1 ) ( الأيمان بفتح الهمزة جمع يمين واصل اليمين في اللغة اليد خلاف اليسار وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه واليمين في الشرع ( توكيد المحلوف عليه بذكر اسم الله تعالى اوصفة من صفاته عز و جل ) وقد نهى اشارع عن اليمين الكاذبة وجعلها من الكبائر التي تستوجب غضب الله عز و جل وتدخل صاحبها نار جهنم إذا لم يتب منها قبل ممانه أو يكفر عنها

    روي عن أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان ) قال عبد الله : ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم مصداقة في كتاب الله عز و جل : { إن الذين ينظر يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } رواه البخاري ومسلم
    وقال صلى الله عليه و سلم : ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة . قالوا : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ وإن كان قضيبا من أراك ) رواه مسلم وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس ) رواه البخاري وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النارن وعن جبير بن مطعم أنهم أنه أفتدى يمينه بعشرة آلاف درهم ثم قال : ورب الكعبة لو حلفت حلفت صادقا وإنما هو شيء افتديت به يميني رواه الطبراني )


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #289
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 216 الى صـــــــــ221

    الحلقة (289)



    الكبيرة العاشرة الزنا
    - عاشرها : الزنا وقد سماه الله فاحشة فقال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة } وأفظعه أن يزني المرء بحليلة جاره فإن في ذلك العمل المنكر جريمتين إحداهما الاعتداء الصريح على عرض إنسان غافل ثانيتهما انتهاك حرمة الجوار ولا يصدر ذلك إلا ممن قسا قلبه ونسي ربه وأصبح كالحيوان الأعجم . الذي لا هم له إلا قضاء شهوته روى أبن مسعود رضي الله عنه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : أن تجعل ندا وهو خلقك قلت : إن ذلك لعظيم ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما
    وحليلة الجار هي زوجة الجار ( 1 )
    --------------------------------------------
    ( 1 ) ( والزنا من أفحش الذنوب وأعظم الكبائر التي أجمعت على تحريمها جميع الأديان وأجمعت على مقتها العقول في جميع الأزمان والأوقات لما يترتب عليه من فساد الفرد والمجتمع
    حتى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حكم على الزاني أنه لا يرتكب الفاحشة وهو مؤمن فقال صلى الله عليه و سلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) وقال صلى الله عليه و سلم : ( إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كالظلة فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان ) وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( من زنى أو من شرب الخمر نزع الله منه الأيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ) وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعالم متكبر )
    وقال صلى الله عليه و سلم : " أربعة يبغضهم الله البياع الحلاف والفقير المختال والشيخ الزاني والإمام الجائر " وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " يا رسول الله أي الذنب أعظم قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال : قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال : قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك " فأنزل الله تصديقها : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون }
    قال ابن القيم رحمه الله : ذكر عليه الصلاة و السلام من كل أعلاه فأعظم الشرك أن يجعل لله ندا وأعظم أنواع القتل أن يقتل ولده خشية أن يشاركه في طعامه وشرابه وأعظم أنواع الزنا أن تزني بحليلة جارك فإن مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما انتهكه من الحق . فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما وعقوبة من التي لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه وإلحاق نسب به لم يكن منه وغير ذلك . فإن كان جارا له انضاف إلى ذلك سوء الجوار وقد ثبت عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " وأي بائقة أعظم من الزنا بامرأته فإن كان الجار أخاه أو قريبا من أقاربه انضم إلى ذلك قيطعة الرحم فيتضاعف الإثم فإن كان الجار غائبا في طاعة اللع كالصلاة وطلب العلم والجهاد تضاعف الإثم فإن كانت المرأة رحما منه انضاف إلى ذلك قيطعة رحمها فإن كان الزاني محصنا كان الإثم أعظم فإن كان شيخا كان أعظم إثما فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام أو بلد حرام أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلاة وأوقات الإجابة تضاعف الإثم والعياذ بالله روي عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه ما ترون في الزنا ؟ قالوا : حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة قال : فقال رسول الله لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره "
    ------------------------
    الكبيرة الحادية عشرة شرب الخمر
    - وشرب الخمر كبيرة من الكبائر التي لها أسوأ الأثر في حياة الإنسان الصحية والخلقية وكان بعض كبار الصحابة رضوان الله عليهم يرى أنها أكبر الكبائر فقد روي " أن أبا بكر وعمر سألا عبد الله بن عمرو عن أعظم الكبائر فقال : " شرب الخمر " رواه الكبراني بإنسان صحيح وقال الله صلى اللله عليه وسلم . " اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر " . ( 1 )
    -------------------------------------
    ( 1 ) ( والخمر من أكبر الكبائر التي حرمها الشارع الحكيم لما يترتب عليها من المفاسد الفردية والاجتماعية والصحية والبدنية والأخلاقية والمالية حتى قال بعضهم : إنها أم الخبائث . روي عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي الله صلى الله عليه و سلم . فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم . فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو اسأله فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر فأتيتهم فأخبرتهم فأكثروا ذلك ووثبوا إليه جميعا حتى أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال : ( إن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه فاختار الخمر وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أراده منه وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال ( ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة ولا يموت وفي مثانته منه شيء إلا حرمت بها عليه الجنة فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية ) رواه الطبراني بإستاد صحيح والحاكم . وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم . يقول : ( اجتنبوا أم الخبائث ) . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لما حرمت الخمر مشى أصحاب رسول الله الله صلى اللله عليه وسلم . بعضهم إلى بعض وقالوا : حرمت الخمر وجعلت عدلا للشرك ) رواه الطبراني . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال : ( من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه ) رواه الطبراني
    وروي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن مات دخل النار فأن تاب تاب الله عليه فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد في الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : ( عصارة أهل النار ) رواه ابن حبان
    وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن وعن أبي موسى رضي الله عنه أنه كان يقول : ( ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السارية من دون الله ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر وآكل الربا وآكل مال اليتيم بغير حق والعاق لوالديه ) رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد )
    الكبيرة الثانية عشرة النميمة
    - وهي من الجرائم الضارة للمجتمع الإنساني لأن النمام دائما يسعى بين الناس ليقطع ما بينهم من صلات ومودة ويجعل بعضهم لبعض أعداء وكفى بذلك شرا أما كون النميمة من الكبائر فقد صرح به حديث البخاري رحمه الله تعالى وهو ( أن رسول الله مر بقبرين يعذبان فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير بلى أنه كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرىء من البول ) فهذان كان يسهل عليهما النميمة وعدم الاستبراء من البول ويظنان أنهما من الأمور الهينة وهما عند الله من أسوأ المؤبقات لما يترتب على الأول من قطع صلات المودة بين الناس ولما يترتب على الثاني من فساد العبادة ( 1 )
    -------------------------------
    الكبيرة الثالثة عشرة : عدم التنزه من البول
    الكبيرة الرابعة عشر : اليأس من رحمة الله تعالى ( 2 )
    الكبيرة الخامسة عشرة : الأمن من مكر الله تعالى ( 3 )
    الكبيرة السادسة عشرة : استحلال بيت الله الحرام ( 4 )
    الكبيرة السابعة عشرة : منع ابن السبيل من فضل المال
    الكبيرة الثامنة عشرة : عقوق الوالدين وقد عرفت من الحديث الذي ذكرناه في شهادة الزور أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى

    -------------------------------------------
    ( 1 ) ( أعلم أن اسم النميمة إنما يلطف على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما تقول : فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو كره ثالث وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتابة أو بالرمز وسواي كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال وسواء كان ذلك عيبا ونقصا في المنقول عنه أو لم يكن بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه فكل ما رآه الإنسان من أحوال الناس ما يكره ينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية . والنمام فاسق مردود الشهادة كما قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة } ونهانا المولى عز و جل عن تصديق النمام وسماع قوله فقال تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم } فالنميمة من الكبائر التي تحمل ذنوبا جمة وتدخل صاحبها النار وتحرمه من نعيم الجنة لأنها عنوان الدناءة والجبن والضعف الدس والكيد والملق والنفاق وهي تحبط الحسنات وتضيع ثواب الأعمال الصالحات وتزيل المحبة وتبعد المودة وتذهب التآخي والتصافي والتعارف والاتحاد . عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يدخل الجنة نمام ) رواه البخاري . وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( النميمة والشتيمة والحمية في النار ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( الهمازون واللمازون والمشاؤون بالنميمة الباغون للبراء العنت يحشرهم الله في وجوه الكلاب ) رواه أبو الشيخ ابن حبان
    ( 2 ) ( القنوط واليأس من رحمة الله تعالى من الذنوب الكبائر فإنه تبارك وتعالى قال : { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } والمراد بالروح أو الفرج عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن المؤمن من الله على خير يرجه في البلاء وحمده في الرخاء واليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم بجمع المعلومات أو ليس بكريم بل هو بخيل عاجز . وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر فإن اليأس والقنوط لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة وكل واحد منها كفر فاليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا لعدم علمه بالله تعالى وصفاته أما المؤمن بالله العارف به فلا يقنط في حال من الأحوال لآن رحمة الله وسعت كل شيء )
    ( 3 ) ( وكذلك من الذنوب الكبائر الأمن من مكر الله تعالى والمراد به عذابه من حيث لا يشعرون فقد بين الله عز و جل أنه لا يأمن نزول عذابه على هذا الوجه إلا من خسر الدنيا الآخرة لأنه أوقع نفسه في الدنيا في الضرر وفي الآخرة في أشد العذاب قال تعالى : { أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } أي لا يأمن بأس الله ونقمه وقرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم إلا الفاجرون المجرمون ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله : المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن مصداقا لقول الله عز و جل : { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون } )
    ( 4 ) ( ومن الذنوب الكبائر استحلال بيت الله الحرام فإن الله تعالى جعله آمنا وحرم القتال فيه . فقال تعالى : { ومن دخله كان آمنا } فإذا دخله الخائف يأمن كل سوء وقال تعالى : { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } وقال تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة : ( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ولا يقصد شوكهن ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا تختلى خلاها )
    الكبيرة السابعة عشر
    منع ابن السبيل من فضل المال

    إن الكرم والسخاء من صفات المؤمنين المخلصين لأن الكريم من أسماء الله تعالى الحسنى والنبي صلى الله عليه و سلم كان من أجود الناس وقد أمرنا الله في كتابه بالسخاء والجود فقال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء } وقال الله تعالى في صفات أهل الجنة : { ويطعمون الطعام على حبة مسكينا ويتيما وأسيرا } وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث القدسي عن رب العزة أنه قال : ( يا بن آدم أنفق أنفق عليك ) وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( قال جبريل : قال الله عز و جل إن هذا دين ارتضيته لنفس ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلف فأكرموه بهما ما استطعتم ) وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما جبل الله عز و جل وليا له إلا على السخاء وحسن الخلق ) . وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الله جواد يحب الجواد ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها ) وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( طعام الجواد دواء وطعام البخيل داء ) . ولقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن البخل وذم الشح فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اتقوا الظلم فإن الظلمات لمات يوم القيامة واتقوا الشح فأن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) وقال صلى الله عليه و سلم : ( ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه ) قال صلى الله عليه و سلم : ( خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق )
    وقال صلى الله عليه و سلم : ( لا يدخل الجنة بخيل ولا جبار ولا منان ولا سيء الملكة ) وقال صلى الله عليه و سلم : ( اللهم إني أعوذ بك من البخل ) . وابن السبيل هو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إلى وطنه وكذا الذي يريد سفرا في طاعة فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه ويدخل في ذلك الضيف كما قال على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ابن السبيل هو الضيف الذي بالمسلمين فمن منع ابن السبيل من فضل ماله وهو قادر على ذلك فقد أرتكب كبيرة من كبائر الذنوب وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم : أي الإسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف
    الكبيرة الثامنة عشرة
    عقوق الوالدين

    قال العلماء في عقوق الوالدين أن يقسما عليه في حق فلا يبر قسمهما وأن يسألاه في حاجة فلا يعطيهما وأن يأمناه فيخونهما وأن يجوعا فيشبع ولا يطعمهما وأن يسقياه فيضربهما وهو من أكبر الذنوب التي حرمها الله تعالى لأن الله تعالى أمر عباده بعبادته أولا ثم أمرهم بعد عبادته بالإحسان إلى الوالدين وبرهما وطاعتهما
    فقال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } وقال تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } فكما أن الشرك بالله تعالى وترك عبادته من أكبر الكبائر كذلك ما قرن به وهو الإحسان إلى الوالدين فرض . وعقوقهما من أكبر الكبائر التي نهى الله تعالى عنها بل إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ذكر أن من أكبر الكبائر الشرك بالله ثم أردفه بعقوق الوالدين وقدمه على جميع الكبائر . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس " رواه الإمام البخاري في صحيحه
    وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه " رواه البخاري ومسلم وروي عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " رواه البخاري ومسلم
    وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد " وقال صلوات الله وسلامه عليه : " الجنة تحت أقدام الأمهات " بل إن الله تعالى حرم دخول الجنة على عاق والديه أو أحدهما ثم مات قبل التوبة . أو مات والده وهما عليه غير راضيين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر " بل إن النبي صلى الله عليه و سلم دعا على العاق لوالديه بالبعد عن رحمة الله
    فقد روي عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجة قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال : آمين فلما نزل قلنا : يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه ؟ قال : إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له قلت : آمين فلما رقيت الثانية قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين فلما رقيت الثالثة قال : بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت : آمين " رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد
    روي عن أنس رضي الله عنه قال : " ذكر عند رسول الله صلى الله عليه و سلم الكبائر فقال : الشرك بالله وعقوق الوالدين "


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #290
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب القصاص]
    صـــــ 222 الى صـــــــــ226

    الحلقة (290)



    الكبيرة التاسعة عشرة الغلول في الحرب
    - لقد عد العلماء من الكبائر إخفاء بعض غنائم ويقال له غلول . فمن كان في ميدان القتال وغنم من الأعداء شيئا أخفاه عمن معه فقد ارتكب كبيرة من الكبائر ( 1 )
    وقد عد بعضهم السرقة من الكبائر والواقع أن السرقة من شر الجرائم ولكن الشارع لم ينص على أنها كبيرة وإن ذكر أنها أسوأ من هذه الكبائر في الدنيا والآخرة . فقد نفى الإيمان عن السارق فقال : ( لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) وفي بعض الروايات ( فإن سرق فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه ) . وقد جعل الشارع لها عقوبة شديدة تتناسب مع فظاعتها كما بيناه فيما سلف على أن الغرض إنما هو عد الكبائر التي نص في الأحاديث على أنها كبائر فليس الغرض حصر الجرائم الدينية في هذه الأشياء ( 2 )
    ( 1 ) ( الغلول هو إخفاء بعض غنائم الحرب وهو من الذنوب الكبائر روي أن المسلمين فقدوا قطيفة حمراء يوم بدر فقال بعض الناس : لعل رسول الله أخذها . فأنزل الله تبارك وتعالى : { ما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } قال ابن عباس : وما يبغي لنبي أن يخون ويخص نفسه بشيء ثم قال تعالى : { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } وهو تهديد شديد ووعيد أكيد وقد وردت السنة بالنهي عن هذه الكبيرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي : يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملا له رغاء يقول : يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة يناديك يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قسما من أدم ينادي : يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ) . عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأخذ الوبرة من ظهر البعير من المغنم ثم يقول : ( ما لي فيه إلا مثل ما لأحدكم إياكم والغلول فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد في الحضر والسفر فإن الجهاد باب من أبواب الجنة إنه لينجي الله به من الهم والغم وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم ) . وروي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( ردوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار ونار على أهله يوم القيامة وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إن الحجر يرمى في جهنم فيهوي سبعين خريفا ما يبلغ يوم القيامة )
    الحنفية والمالكية والشافعية قالوا : عقوبة الغال الذي وجد مال من الغنائم في متاعه يعزره الإمام . الحنابلة قالوا : عقوبة الغال أن يخرج رحله فيحرق بما فيه ويجلد دون حد المملوك ويحرم نصيبه من الغنائم لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من وجدتم في متاعه غلولا فأحرقوه قال : وأحسبه قال : واضربوه ) . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لما كان يوم خيبر اقبل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : فلان شهيد وفلان شهيد حتى أتوا على رجل فقالوا : فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة " )
    الكبيرة العشرون ترك الصلاة متعمدا
    إن الشارع الحكيم قد أمر المؤمنين بإقامة الصلاة وأدائها والمحافظة عليها والاهتمام بها فقال تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } وقال تعالى : { الذين يقيمون الصلاة } والسنة كذلك . روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أربع فرضهن الله في الإسلام فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئا حتى يأتي بهن جميعا الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ) رواه أحمد . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من ترك الصلاة متعمدا احب الله عمله وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع الله عز و جل توبة ) رواه الأصفهاني . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( من ترك الصلاة فقد كفر ) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( من ترك الصلاة فلا دين له ) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( من لم يصل فهو كافر ) . وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم : أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه و سلم : أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر لأنه تهجم على ترك أمره تعالى وقد وري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة )
    المالكية والشافعية قالوا : انه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ولكن يقتل بالسيف
    الحنفية والمزني صاحب الشافعي قالوا : إنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي . وذلك لقول النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ) وليس فيه ترك الصلاة فهو مؤمن عاص
    الحنابلة وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وبعض أصحاب الشافعي ومروي عن الإمام على كرم الله وجهه . قالوا : إن تارك الصلاة عمدا من غير عذر يكفر واحتجوا على قتله بقوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } وقوله صلى الله عليه و سلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ) . وتأولوا قوله صلى الله عليه و سلم : ( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو أنه يؤول إلى الكفر وأن فعله الكفار والله أعلم . وبعد الموت حكمه حكم المسلم تارك الصلاة : انه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وطمس قره إهانة له . وتطلق زوجته . والعياذ بالله تعالى )
    ( 2 ) ( اختلف العلماء من الصحابة والتابعين في الكبائر من أربع إلى سبع إلى تسع إلى إحدى عشرة فما فوق ذلك فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : هن أربع وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : الكبائر سبع وقال عبد الله بن عباس إذا بلغه قول ابن عمر : إن الكبائر سبع يقول : هي إلى سبعين اقرب منها إلى سبع وقال مرة : كل ما نهى الله تعالى عنه فهو من الكبائر وقال هو وغيره من الصحابة : كل ما توعد الله تعالى عليه بالنار فهو من الكبائر . وقال بعض السلف : كل ما أوجب الحد في الدنيا فهو كبير' والصغائر عندهم من اللمم وهو ما لأحد فيه وما لم يتهدد بالنار عليه فقد روي هذا عن أبي هريرة وغيره . وكان عبد الرزاق رضي الله عنه يقول : الكبائر إحدى عشرة وهذا أكثر ما قيل في جملة عددها مجملا وقيل : إنها مبهمة لا يعرف حقيقة عددها كإبهام ليلة القدر وساعة يوم الجمعة والصلاة الوسطى ليكون الناس على خوف ورجاء فلا يقطعون بشيء ولا يسكنون إلى شيء . وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه فيها قولا حسنا من طريق الاستنباط . وقد سئل عن الكبائر فقال : اقرأ من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية منها عند قوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } فكل ما نهى عنه من أول السورة إلى ها هنا فهو من الكبائر . فأشبه هذا استدلالا قول ابن عباس في استنباط ليلة القدر إنها ليلة سبع وعشرين أنه عد كلم سورة القدر حتى انتهى إلى قول ( هي ) فكان سبعا وعشرين كلمة والله أعلم بحقيقة هذين القولين . قال أبو طالب المكي : والذي عندي في جملة ذلك مجتمعا من المفرق سبع عشرة تفصيلها : أربعة من أعمال القلوب وهن الشرك بالله تعالى والإصرار على معصية الله تعالى والقنوط من رحمة الله تعالى والأمن من مكر الله تعالى وأربعة في اللسان وهن شهادة الزور وقذف المحصن واليمين الغموس والسحر - وثلاثة في البطن وهي شرب الخمر والسكر من الأشربة وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا وهو يعلم واثنتان في الفرج وأن يعمل عمل قوم لوط في الأدبار واثنتان في اليدين . وهما القتل والسرقة وواحدة في الرجلين وهي الفرار من الزحف الواحد من اثنين وواحدة في جميع البدن وهي عقوق الوالدين فهذه الكبائر الموبقات التي من أجتنبها كفرت عنه السيئات وثبتت له النوافل من الفرائض الخمس التي هي أبنية الإسلام قال تعالى : { أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } )
    مبحث السحر
    - وأما السحر الوارد في الحديث فإن المراد به الأقوال والأفعال التي تنافي أصول الدين وتتعارض مع الأخلاق الشرقية ولهذا عرفه الفقهاء : بأنه كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى وتنسب إليه مقادير الكائنات ولا ريب في أنه بهذا المعنى كبيرة من أفظع الكبائر بل قد يكون ردة ظاهرة بصرف النظر عما يترتب عليه من الآثار . لأن الذي يعظم غير الله بما هو مختص بالله وحده كافر
    وقد نقل عن بعض فاسدي الخلاق الذين يحترفون السحر أنه يسب الإله ويسجد لما يسميه قرينة ومنهم من يضع المصحف الشريف تحت قدمه ومنهم من يهين الملائكة بالسب ومنهم من يصف الإله بما لا يليق به وكل ذلك ردة صريحة وكفر شنيع بلا نزاع . وهو من أكبر الجرائم سواء ترتب عليه الأثر المطلوب أولا
    وقد فسر بعض الفقهاء السحر بأنه أمر خارق للعادة ينشأ عن سبب معتاد ثم إن هذا السبب إن كان هو العبارات الفاحشة التي أشرنا إليها كان ردة وإن كان بالعبارات الخالية من ذلك كالأسماء الإلهية أو استعمال معاني الأحرف التي لا تنافي الدين فإنه ينظر فيما يترتب عليه من الآثار . فإن ترتب عليه ضرر لمظلوم غافل أو إساءة إلى بريء في نفس أو مال فإنه يكون محرما ( 1 )
    وحاصله أنه إذا كان أقوالا وأفعالا تنافي الدين وتوجب تكفير صاحبها كان كفرا بصرف النظر عما يترتب عليه من الآثار وإن كانت هذه الأقوال أو الأفعال محرمة كان حراما أما إن كانت جائزة فإنه ينظر لما يترتب عليها من الآثار . فإن كانت محرمة كان حراما وإلا فلا
    هذا هو حكم كثير من العلماء في حقيقة السحر . فقال بعضهم : أنه تخيل لا حقيقة له والى هذا الرأي ذهب كثير من العلماء ومنهم الاستراباذي من الشافعية وأبو بكر الرازي من الحنفية وأبن حزم وكثير من العلماء غير هؤلاء
    فهذه الفئة تجزم بأن السحر هو من باب الخيال كاللعاب السيمائية التي يقوم بها مهارة الهواة ومن على شاكلتهم ولكن جمهور العلماء يقولون : إن للسحر حقيقة وقد تترتب عليه آثار حقيقية وهؤلاء فريقان : فريق قال : إن الآثار المترتبة عليه محدودة فقد ينقلب بالسحر الحيوان إنسانا وبالعكس ولكن قائل هذا لم يعول عليه . والرأي المعتمد هو الأول . وقد ذكر بعض المحققين : أن السحر صناعة من الصناعات التي يستخدمها الإنسان في إظهار الأمور على غير ما هي عليه في الواقع وقد يكون لبعض أنواع السحر تأثيرها ما على بعض النفوس أو الأبدان
    هذا هو رأي المحققين من العلماء . على أن الباحث في هذه المسألة يجب عليه أن ينظر إلى الواقع ويجعل للنظر الصحيح قيمته في حكمه فهل هناك أدلة واقعية تثبت أن السحر قد ترتبت عليه آثار صحيحة وهل هناك أدلة من الكتاب أو السنة الصحيحة تدل على ذلك ( 2 )
    والواقع أن الذين قد شهروا بإتقان السحر هم قدماء المصريين وهؤلاء قد تحدث عنهم القرآن الكريم فقد اخبرنا بأن فرعون قد جمع من قومه كل سحار عليم وجاء بهم مجتمعين فماذا كان من أمرهم ؟ إنهم لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له كما قال تعالى : { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } فهذا صريح في أن سحرة فرعون وهم أمهر السحرة لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له ولو كان للسحر اثر حقيقي لجاؤوا به في هذا الوقت العصيب وليس من المعقول أبدا أن يأتي فرعون بكل سحار عنيد في مقام الانتصار لعز شيء عندهم ثم يكون قصار أمرهم أن يأتوا بخيال لا حقيقة له وهم عالمون بغيره والواقع أن هذه الآية تدل دلالة واضحة على أن قصاري أمر السحر هو ذلك الخيال الذي جاء به سحرة فرعون
    فهذه هي حجة الذين يرون أن السحر خيال لا حقيقة له
    أما الفريق الثاني فإنه يحتج بقصة هاروت وماروت الواردة في القرآن الكريم قال تعال : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحرن وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت }
    ولكن الواقع أن هذه الآية الكريمة لا تصلح حجة لأنها لم تتعرض لحقيقة السحر فقد يكون نوعا من أنواع الفتنة أو الحيلة التي يسعى بها بعض النمامين للتفريق بين الزوجين ولهذا حدثت الآية عن الآثار المترتبة على أعمال هؤلاء فقد قال تعالى : { فيتعلمون منهما ما يقرفون به بين المرء وزوجه } فكل ما كان يترتب على فعلهم من الآثار هو الفرقة بين المرء وزوجه وهذه مسألة قد تقع بغير السحر الخارق للعادة ولنا من الواقع ما يؤيد هذا فإن كثيرا من النمامين قد أحدثوا فتنة تفق بين الزوجين فليس في الآية الكريمة حدة على أن السحر له أثر حقيقي ولم يبق للقائلين بأن السحر له أثر حقيقي إلا ألاستدلال بحديث البخاري الذي رواه عن السيدة عائشة من أن النبي صلى الله عليه و سلم قد سحر وأنه كان يخيل إليه أن يفعل الشيء ولم يفعل ( 3 ) وهذا حديث صحيح لم يتعرض أحد للقدح في أحد من رواته وليس من الحسن أن يقال : إن مثل هذه الأحاديث . تجزئ في المسائل الفرعية لا في المسائل الاعتقادية . فإن العقائد لا تبنى إلا على الأدلة اليقينية والأحاديث مهما كانت صحيحة فهي أحاديث آحاد لا تفيد إلا الطن لأن الأحاديث الصحيحة يجب أن يكون لها قيمتها في الإثبات فهي معضدة للبراهين العقلية
    وإنما يجب أن نفهم الحديث على وجه يطابق أصول الدين ويوافق ما يقضي به الفعل السليم وإلا فلا يصح لنا أن نحتج به على عقيدة من العقائد
    فهذا الحديث الذي رواه البخاري فيه شيء يجب أن ننزه عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو قول عائشة رضي الله عنها : " أنه كان يخيل إليه يفعل الشيء ولم يفعل " لأنه إذا أخذ على ظاهره كان قدحا في رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو المصون المنزه في تفكيره وإدراكه عن كل شائبة من شوائب النقص ولهذا يجب أن نفهم هذه الجملة على وجه معقول واضح :
    إن هذه الجملة نطقت بها السيدة عائشة تريد بها أنه كان يخيل إليه أن يأتيها فلم يستطع وبالتالي أنه كان يجد في نفسه رقبة في جماعها فإذا هم بها عجز عن الفعل ونظرا لكون هذا متعلقا بها عبرت عنه بهذه العبارة حياء ويدل على ذلك ما رواه عبد الرزاق عن أبن المسيب وعروة بن الزبير رضي الله عنهما من أن النبي صلى الله عليه و سلم سحر في هذا المعنى فقط وأن السحر لم يحدث في قواه الباطنة أي أثر بل حبسه عن اتيان زوجه عائشة وهذا هو النوع مالمعروف بين الناس لعصمة النبي صلى الله عليه و سلم عن التأثر في أي ناحية من نواحي الإدراك بأي ناحية من نواحي الإدراك بأي أثر ولو مؤقتا
    ولقد قال في فتح الباري : إن بعض العلماء قال : أن تأثير السحر منحصر في التفريق بين المرء وزوجه أو نحو ذلك فإذا فهمنا هذا الحديث على هذا الوجه لم يكن فيه ذلك الضرر الذي حول به بعضهم وأنكر من أجله الحديث فلا مانع حينئذ من أن يكون للسحر بعض التأثير الحقيقي في بعض الأحيان على أن هذا الحديث لا يدل دلالة قاطعة طبعا لأنه لا يفيد إلا الظن ولهذا قال المنكرون للسحر : إن مثل هذا الحديث الصحيح يصح الاحتجاج به في الأحكام الفقهية الفرعية أما في إثبات عقيدة فلا . لأن اعتقاد أن السحر له تأثير حقيقي لا يمكن إثباته إلا بالدليل العقلي الذي يؤيده الواقع ولم يوجد في الخارج إلا حوادث أحادية ينقلها أناس غير تقاة ولو كان له حقيقة لقصها علينا كتاب الله تعالى في مسألة سحر فرعون
    ----------------------------------------
    ( 1 ) ( المالكية قالوا : إن مباشرة السحر كفر وارتداد عن الإسلام سواء كانت المباشرة من جهة تعلمه أو تعليمنه أو المل به لأن لسحر كلام يعظم به غير الله تعالى وتنسب إليه المقادير . ثم إن تجاهر به فيقتل أن لم يتب وإن اسره فحكم الزنجيق يقتل بدون ستتابة . وشرط بعضهم عدم الاستتابة مطلقا أسره أو أظهره وحكم الزنديق على حال أن جاء تائبا قبل الإطلاع عليه قبل وإلا فلا
    الشافعية والحنابلة - قالوا : إن السحر له حقيقة مؤثرة وقد يموت المسحور بسبب السحر أو يتغير طبعه وعادته وأن لم يباشره وإن الساحر يقوى على قهر الخصوم من غير ممارسة الحروب والقتال
    وقيل : إن الساحر قد يصير بحيث تخبره الأرواح بالحوادث التي ستقع قبل وقوعها ليمكنه الاحتراز عنها
    وقد اختلف العلماء في تعريفه فقال صاحب إرشاد المقاصد : هو علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية وعرفه أبن العربي بقوله : هو كلام مؤلف يعظم فيه غير الله عز و جل وتنسب إليه الكائنات والمقاردير وعرفه بعضهمك هو علم يغير الطبع ويقلب الشيء عن حقيقته . ولا نزاع في تحريم العمل به وتعلمهن وهو على قسمين حقيقي وغير حقيقي ويسمى السيماء وسحرة فرعون برعوا في النوعي قال تعالى : { واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم } )
    ( 2 ) ( قالوا : للسحر حقيقة وتأثير في إيلام الأجسام خلا من منع ذلك . وقال : إنما هو تخيل
    قالوا : وتعليم السحر حرام بلا خلاف عندهم واعتقاد إباحته كفر

    الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا : يكفر السارح بتعلمه السحر وفعله سواء اعتقد تحريمه أولا ويجب على الحاكم قتله وقد روي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم
    كما روي عن جندب بن عبد الله وحبيبب بن كعب وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز رضا الله عليهم فإنهم قتلوا الساحر بدون الاستتابة وفيه حديث مرفوع رواه الشيخ أو بكر الرازي في أحكام القرآن حدثنا أبن قانع حدثنا بشر بن موسى حدثنا أبن الأصفهاني حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " حد الساحر ضربه بالسيف " يعني القتل . وقصة جندب في قتله الساحر بالكوفة عن الوليد بن عتبة مشهورة
    الشافعية قالوا : لا يقتل الساحر ولا يكفر إلا اعتقد إباحته
    أما الكاهن فقيل : هو الساحر وقيل : هو العراف وهو الذي يحدث ويتخرص وقيل : هو الذي له من لجن من يأتيه بالأخبار
    الحنفية قالوا : إن الكاهن إن اعقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر وإن اعتقد أنه تخيل لم يكفر
    الشافعية - قالوا : إن الكاهن إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب وأنها تفعل ما يلتمسه منها كفر
    الحنابلة قالوا : إن الكاهن حكمه حكم الساحر فيقتل لقوله سيدنا عمر رضي الله عنه : ( اقتلوا كل ساحر وكاهن ) وفي رواية إن تاب لم يقتل ويجب أن لا يعدل عن قول الشافعية في كفر الساحر والعراف وعدمه وأما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الأرض لا بمجرد عمله إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره قالوا : ولا تقبل توبة الساحر والزنديق وهو من لا دين له

    وقد ورد الشع بذم السحر قال تعالى : { ولا يفلح الساحر حيث أتى } أي حيث كان وأين أقبل . وقال تعلاى : { ولا يفلح الساحرون } أي لا يظفرون بمطلوب ولا ينجون من مكروه
    قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عده الرسول صلوات الله وسلامه عليه من الموبقات السبع ومن السحر ما يكون كفرا ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا
    المالكية رحمهم الله قالوا : الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب بل يتحتم قتله كالزنديق : قال عياض : وقول مالك قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين وذلك فيمن عمل به للباطل والشر
    أما من تعلمه لفك المسحور ومنع الأذى عنه أو تعلمه للعلم فقط ولم يعمل به فهو جائز
    وقد سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال : لا بأس به وهذا هو المعتمد فحكم السحر تابع للقصد فمن فصد به الخير جاز له وإلا حرم عليه إلا أن أدى إلى الشرك وإلا كان كافرا
    ولا يقتل الساحر إلا أن يقتل أحدا بسحره ويثبت عليه بإقراره وأما إذا كان ذميا وأوصل بسحره ضررا لميلم يكون قد نقض العهد ويحل قتله وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه و سلم لبيد بن الأعصم على سحره وقد كان ذميا لأنه صلى الله عليه و سلم كان لا ينتقم لنفسه ولأنه خشي إذا قتل لبيد بن الأعصم أن تقوم فتنة بين المسلمين في المدينة . لأنه كان من بين زريق وهم بطن من الأنصار مشهور من الخزرج وكان الناس حديثي بالإسلام
    وقد تبين من هذا أن السحر حق وواقع وقد وقع لكثير من الناس ولا يزال يقع ولو أنه قد قل في هذا الزمان وقد وقع لسيدنا موسى عليه السلام كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز فقال تعالى : { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لاتخف إنك أنت الأعلى } غير أن هذا السحر الذي وقع له لم يكن له أي تأثير في العقل ولا في الوحي ولا فيما يبلغه للناس من الأحكام بل هو كسائر الأعراض البشرية الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا ينافي العصمة )
    ( يتبع . . . )
    ( 3 ) ( روى الإمام البخاري في صحيحه فقال : حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن هشام قال : حدثني أبي عن عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه ) وفي رواية أخرى قال البخاري رحمه الله قال : حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ( سحر رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل من بني زريق يقال له : لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي : لكنه دعا ودعا ثم قال : يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فما استفتيته فيه : أتاني رجلان فقعد أحهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لساحبه : ما وجع الرجل ؟ فقال : مطبوب قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم قال : في أي شيء . قال : في مشط ومشاطة وجف طلغ نخلة ذكر قال : وأين هو ؟ هال : في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه و سلم في ناس من أصحابه فجاء فقال : يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين قلت : يا رسول الله أفلا أستخرجته ؟ قال : قد عافاني الله فكرهت أن أثير على عيينة يقول : أول من حدثنا بن أبن جريج يقول : حدثني آل عروة عن عروة فسألت هشاما عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قال : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر "
    من هذه الروايات وغيرها تعلم أن السحر حق ثابت وقد وقع وحصل لأنه ثابت بنص القرآن الكريم قال تعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وقال تعالى : { ما جئتم به السحر إن الله سيبطله } وقال تعالى : { ولا يقلح الساحرون } وقال تعالى : { إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى } وقال تبارك وتعالى : { إنه لكبير الذي علمكم السحر } وقال تعالى : { غنا آمنا بربنا ليغفر لنا خكايانا وما أكرهتنا عليه من السحر }
    وقد ذكر العلماء الن السحر أنواع كثيرة :
    - 1 - ما يقع بخداع وتمويه فيحدث تخيلات لا حقيقة لها وهو ما يفعله المشعوذون بحذق ومهارة وخفة وسرعة مع طول المران والتدريب فيصرفون الأنظار عما يتعاطونه بشعوذتهم وهو ( السيمياء ) قال تعالى : { فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم } وقال تعالى : { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل غليه من سحرهم أنها تسعى } وهذا النوع شائع وذائع للآن خصوصا في بلاد الهند
    - 2 - ما يقع بالرقى والنفث في العقد وتصوير صورة المسحور والتأثير فيه بأمور يسمعونها من تلاوة وقراءة وكتابةن ورسوم يتوصلون به إلى الأذى والشر قال تعالى : { ومن شر النفاثات في العقد } والنفاثات السواحر وهذه الرقى والعزائم التي يتلونها قد تكون مشتملة على أسما الله الحسنى أو أسماء ملائكته الكرام . وقد تكون العزيمة مشتملة على ايمان وأقسام عظيمة يلجئ الرواح إلى الطاعة لتنفيذ ما يطلبونه منها وهذه الرقى التي يقرؤها السحرة قد تكون معلومة وقد تكون غير معلومة المعنى بل هي ألفاظ مجهولة وكأنها رطانة أو كلمات سريانية كأنها اسماء للجان أو لأرواح خفية غير معلومة
    - 3 - ما يقع عن الطلسمات والخواتم التي تكتب بطريقة خاصة مغايرة للكلمات العربية . أو أحرف عربية مقطعة لا صلة بينها موضوعة بطريقة خاصة وحقيقتها نفس اسماء خاصة لها تعلق بالأفلاكن وكذل الوقات التي ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص
    - 4 - ما يقع بواسطة الكواكب والنجوم فإن الله تعالى خص كل واحد من الكواكب وهذه النجوم بقوة وبخاصية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص قال تعالى : { فنظر نظرة في النجوم فقال : إني سقيم } قال أبن زيد : كان له نجم مخصوص وكلما طلع على صفة مخصوصة مرض إبراهيم عليه السلام فلما رآه ذلك الوقت طالعا على تلك الصفة المخصوصة . قال : إني سقيم أي هذا السقم واقع لا محالة وكان القوم نجامين فأفهمهم أنه قد استدل بأمارة من تلك النجوم على أنه سقيم لابد مشرف على السقم { فتولوا عنه مدبرين } خوفا من العدوى . وقد يضاف السحر إلى الآثار السماوي من الاتصالات الملكية وغيرها من أحوال الأفلاك
    - 5 - ما يقع باستخدام الشياطين بضرب من التقرب إليهم والإتصال بهم وساخدامهم وتسخيرهم في قضاء المصالح أو إقاع الضرر والأذى بالخلق أو الإتيان بأخبارهم الماضية عن طريق اتصاله بالقرين . وهذا أشد انواع السحر وأخطره : قال تعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وكلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى
    انفذ وهذا الصنف من الناس هم أتباع الجن وعباده قال الله تعالى { بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم به مؤمنون } وقال تعالى : { ولبئس المولى ولبئس العشير } فالشياطين لا تسخر له ولا تقضي حوائجه إلا إذا أطاعها فيما تطلبه منه وهي خبيثة كافرة لا تطلب من المؤمن إلا الكفر والضلال
    قالوا : وللسحر تأثير في المسحور فيغير مزاجه ويصيبه بأمراض عصبية وتخيلات ختلفة قود يؤثر في قوته فيضعفه وقد يصل به إلى القتلن وبالسحر يستطعيون أن يفرقوا بين المرء وزوجه ويفسدوا العلاقة الزوجية ويحولوا حياتهما إلى جحيم وقد تصل إلى الطلاق والفرقة ويوقعوا بين المحبين العداوة والبغضاء والقطيعة قال تعالى : { فيتعملون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه }
    ويندفع شر السحر بالتعوذ الله تعالى والتحصن به واللجوء إليه وبتقوى الله تعالى وأداء حقوقه ومراقتبه فمن اتقى الله تعالى تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره . قال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا }
    وقال الرسول الله صلى الله عليه و سلم لسيدنا عبد الله بن عباس : ( احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ) . ويندفع شر السحر أيضا بقوة الإيمان وصدق اليقين وثبات العيزيمة والتوكلعلى الله حق التوكل وإن السحر مهما كانت صفته فلا يضره إلا باذن الله عز و جل قال تعالى : { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } القادر على كل شي ء الذي إذا شاء اثر سحرهم ابتلاء منه سبحانه وتعالى أو عقابا للمسحور على عصيانه وإذا شاء تعالى أبطل سحرهم وحفظ المسحور من شرهم وعصمه من كيدهم
    فلا يعبأ المؤمن القوي بالسحر ولايخافه ولا يهتم له ولا يشغل فكره ولا ينعال ذلك إلا باوثوق التام بالله تعالى والاطمئنان العظيم غليه وإن كل شيء بيده تبارك وتعالى { أن يمسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله } فلا يشغل قلبه بالساحر وما صنع وإنما يشغل قلبه بالله وطاعته وحسن عباته وافكثار من ذكره عز و جل فيفوز بحفظه ونصرته . { إن تنصروا الله نيصركم ويثبت أقدامكم } وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشء كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ) فتوحيد الله تعالى واعتقادا أنه الضار النافع المعطي المانع ذلك هو الحصن العظم الذي من دخله كان من الآمنين قال بعض السلف . من خاف الله خافه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء قال تعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يجب كل خوان كفور }
    ومن فضل الله تعالى أن السحر وأهله كادا ينقرضان في هذا الزمان ومن ادعى ذلك الان فإنما هو كاذب خادع يضل الناس ويسعى لكسب المال منهم بطريق النصب والاحتيال والوهم والخديعة والحوادث كثيرة تدل على انهم مدعون كاذبون لا يعرفون من السحر إلا اسمه ومن علمه إلا رسمه { ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون }
    ويؤثر السحر غالبا في ضعاف النفوس كالأطفال والمرضى والنساء وفي ضعاف الدين وما حدث للرسل والأنبياء كان للابتلاء والاختبار والتشريع
    وأما ما وقع لرسول الله صلى الله عليه و سلم من السحر فلم يكن له أي تأثير في عقل رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا في الوحي الذي كان يبلغه للمة ولا في الأحكام التي كان يشرعها لقومه . وإنما هو أمر عارض للجسم كسائر الأعراض البشرية الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . فلا ينافي العصمة . وقد تدارك الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم وأرسل غليه الملكين فأخبراه بمكان السحر واسم صانعه فلم ينل منه ما قصده الساحر وكيف يحصل ها والله يقول في كتابه : { والله يعصمك من الناس } وكل هذا من باب التشريع ولو شاء ربك ما فعلوه لتعلم أن المؤمن المحبوب لدى ربه بصالح عمله وجميل سعيه يدافع الله عنه ويحرسه من كيد أعدائه وشر خصومه وإن الحسنات يذهبن السيئات ويمحقن الآفات وأنه صلوات الله وسلامه عليه أمام قدرة ربه عبد يبتلى فيصبر ويرضى بقضاء الله وقدره فينجيه الله من سوء ويحفظه من كل ضر كما ابتلى الله الأنبياء من قبله فصبروا فنجاهم الله تعالى { وأيوب إذا نادى ربه انى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } { ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له وأهله من الكرب العظيم }
    ومع ثبوت هذه الأحاديث التي ذكرناها الواردة في الكتب الصحاح في وقوع السحر للرسول الله صلى الله عليه و سلم فقد أنكر بعض المبتدعة هذه الحاديث وقال بعضهم إنها أخبار آحاد فلا يعمل بها وزعموا أن السحر يحط من منصب النبوة ويشكك فيها قالوا : وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل
    وقالوا : إن جواز السحر على الأنبياء يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع للعباد إذ يحتمل على هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم يحيل إليه أن يرى جبريل وليس هو ثم وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء وكلامهم هذا مردود من عدة وجوه
    - 1 - لقد قامت البراهين من المعجزات والنصوص الصريحة من القرآن والسنة النبوية على صدقه صلى الله عليه و سلم فيما بلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ قال تعالى : { ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وقال تعالى : { والله يعصمك من الناس } وقال تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فاتنهوا } وقال تعالى : { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء } فتلك الآيات وغيرها أدلة قاطعة على أنه صلى الله عليه و سلم الصادق المصدوق فيما قال وبلغ وإن الله عصمه من الضلال وحفظ عقله من الزلل
    - 2 - وقد أجمع الرواة على أن هذا السحر لم يكن له أي أثر في عقله صلى الله عليه و سلم بل كان تأثيره في جسمه وبصره كغيره من الأمراض الجسمية وقد وقع السحر لسيدنا موسى عليه الصلاة و السلام فكان يخيل غليه في رأي العين كما قال تعالى : { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } فكان هذا السحر من باب المراض الجسيمة وتلك جائزة على النبياء عليهم الصلاة والسلام فإن المراض غير المنفرة جائزة في حقهم فهي من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتهم العلية مع عصمتهم في أمور الدين والتبليغ وحفظ الوحي الشريف
    - 3 - أجمع الرواة على أن الرسول اصلوات الله وسلامه عليه لم ينطق أثناء مرضه بهذا السحر بغير الصواب والصدق والحق حتى في الأمور العادية فكان يرى ويظن كالخاطر يعرض في النفس ولا يتعداها حتى يرجع إلى الصواب والحق فينطق بهما ولم ينطق بغيرهما قط لا في مرضه هذا ولا في غيره طوال حياته صلى الله عليه و سلم
    - 4 - أجمعت الأحاديث الواردة في هذا الباب على أن السحر لم ينل إلا من جسمه الشريف صلى الله عليه و سلم فكان يرى ببصره أن هذا الشيء كذا ثم يراه على صوابه بعد قليل وأنه يخيل غليه أنه قادر على إتيان زوجاته ثم لا يستطيع أما عقله الشريف فكان على أتم ما يكون طوال مدة المرض بدليل أنه فوض أمره لله تعالى في مبدأ المرص ثم تداوى ثم لما اشتدت به وطأة المرض لجأ إلى الدعاء كما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فدعا ثم دعا وهذه الأحوال من التفويضن ثم التداوي ثم الدعاء دليل على أن عقله صلى الله عليه و سلم محفوظ محروس وعصوم لم ينل منه السحر منالا وعنها أنه سحر حتى انكره بصره فالسحر أنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وتمييزه )
    تم بفضل الله

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •