تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 13 من 15 الأولىالأولى ... 3456789101112131415 الأخيرةالأخيرة
النتائج 241 إلى 260 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #241
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 12 الى صــــــــ
    46

    الحلقة (241)




    النهي عن تخليل الخمر
    الحنفية - قالوا: إن الخمر خل الخمر حلال سواء تخللت، أو خللت لقوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (نعم الادم الخل مطلقاً) وقوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (خير خلكم خل خمركم) ولأن التخليل يزيل الوصف المفسد ويثبت وصف الصلاحية، لأن فيه مصلحة قمع الصفراء والتغذي، ومصالح كثيرة، وإذا زال المفسد الموجب للحرمة حلت، كما إذا تخللت بنفسها، وإذا تخللت طهر الإناء أيضاً، لأن جميع ما فيه من أجزاء الخمر يتخلل، إلا ما كان منه خالياً عن الخل، فقيل يطهر تبعاً.
    الشافعية - قالوا: إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظل أو نحو ذلك فأصح وجه عندهم أنها تحل وتطهر.
    المالكية - تروى عنهم ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت. وذلك لما روي عن أنس (أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ سئل عن الخمر يتخذ خلاً فقال: لا) رواه أحمد ومسلم وأبو داود رحمهما اللَّه وفيه دليل للجمهور على لأنه لا يجوز تخليل الخمر، ولا تطهر بالتخليل، وذلك بوضع شيء فيها.

    حكم دردي الخمر
    واختلف العلماء في حكم شرب (دردي) الخمر، وهو ما أسفل وعاء الخمر من عكر.
    الشافعية - قالوا: يحرم شرب دردي الخمر، وإذا شرب يقام الحد عليه، وكذلك دردي باقي المسكرات ولا يحد بشربها إذا استهلكت فيه، وذلك بأكل خبز عجن دقيقه بها، لأن عين الخمر أكلتها النار، وبقي الخبز نجساً، ولا يحد بأكل معجون هي فيه، لاستهلاكها. ولا يأكل لحم طبخ بها، بخلاف مرقه إذا شربه، أو غمس فيه، أو صنع بها ثريداً فإنه يحد، لبقاء عينها، ولا يحد بحنقه بها، بأن أدخلها مع سائل في دبره.
    ويحد بالسعوط، بأن أدخلها في أنفه، لأنه قد يطرب به، ولأنه يحصل الإفطار بهما للصائم أثناء صومه،
    وقيل: لا يحد، إذا احتقن بها، أو أدخلها في أنفه، لأن الحد للزجر، ولا حاجة إليه هنا، فإن النفس لا يدعو إليه، وذكر البلقيني بأنه يحد في السعوط، دون الحقنة، لأنه قد يطرب منه، بخلاف الحقنة.
    النفية - قالوا: يكره شرب دردي لاخمر، والامتشاط به، لأنه من أجزاء الخمر، ولا يحد شاربه، ما لم يسكره، لأنه ناقص، إذ الطباع السليمة تكرهه وتنبو عنه، وقليله لا يدعو إلى كثيره، فصار كغير الخمر، فلا يأخذ حكمه.
    حكم بيع الخمر
    اتفق العلماء على أن الخمر يكفر مستحلها لثبوت حرمتها بدليل قطعي، وإجماع الأمة على حرمتها، وتواتر الأدلة. وأنها نجسة نجاسة مغلظة لثبوتها بالدليل القطعي، ولا قيمة لها في حق لامسلم، فلا يجوز له بيعها ولا يضمن غاصبها، ولا متلفها، لأن ذلك دليل عزتها، وتحريمها دليل إهانتها. وقد روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (إن الذي حرم شربها، حرم بيعها، وأكل ثمنها) وكذلك يحرم الانتفاع بها لنجستها، ولأن في الانتفاع بها تقريبها واللَّه عز وجل يقول.. {فاجتنبوه} .
    وأفتى علماء الإسلام بأنه لا يجوز تمكين غير المسلمين من بيع الخمور ظاهراً في أمصار المسلمين وبلادهم. لأن إظهار بيع الخمر إظهار للفسق، فيمنعون من ذلك، نعم لهم أن يبيعوا الخمر بعضهم لبعض سراً، كبيع لحم الخنزير، لأنها أموال معتبرة عندهم.

    فائدة
    يحد شارب الخمر، وإن لا يسكر منها حسماً لمادة الفساد، كما تقبيل الأجنبية والخلوة بها لإفصائه إلى الوطء المحرم. وللحديث الذي رواه الحاكم (من شرب الخمر فاجلدوه) ولم ينص على السكر وغيره. ولو فرض شخص لا يسكره الخمر، لأنه مدمن عليها، وقد تشرب دمه بها، حرم عليه شربها للنجاسة لا للإسكار، ويحد بشربها.
    وإذا وجدت الخمر في دار إنسان، وعليها قوم جلسوا مجالس من يشربها. ولم يرهم أحد يشربونها، ولم تظهر رائحتها عليهم، ولم يقروا بشربها. عزرهم الإمام، لأنهم ارتكبوا أمراً محظوراً، وجلسوا مجلساً منكراً. أو وجدوا في يحملها، أو يحتفظ بها في داره عزر، لأنه ارتكب محظوراً.

    من وجد ريح الخمر توجد منه
    ومن شرب الخمر طواعية من غير إكراه. فأخذ وريحها موجودة، أو جاؤوا به إلى الحاكم وهو سكران من غير الخمر من النبيذ أو غيره من أنواع الأنبذة المعروفة، فشهد عليه شاهدان بالشراب، فإنه يقام عليه الحد. ولو أخذ وريحها توجد منه، فلما وصل إلى الحاكم انقطعت الرائحة لبعد المسافة يحد من غير خلاف أما إذا ذهب ريحها منه، وكانت المسافة قريبة فقد اختلف العلماء فيه.
    الحنفية - قالوا: لا يقام عليه الحد، لأن الحد لا يقام إلا بشهادة الشهود مع وجود الرائحة.
    أبو مُحَمَّد من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وفي رواية عن الحنابلة - قالوا: يقام عليه الحد بالشهادة مع عدم وجود وجود الرائحة فلا يشترط وجود مع البينة، أو الإقرار، حيث أنه لا حاجة إليها. ومن وجد منه ريح الخمر، ولم يقر، ولم تقم عليه الشهادة اختلف فيه.
    الحنفية، والشافعية، وجمهور أهل العراق، وعلماء لابصرة - قالوا: لا يثبت الحد عليه بالرائحة، لأن جناية الشرب لم تثبت، حيث أن رائحة الخمر تلتبس بغيرها، فلا يناط شيء من الأحكام بوجودها، ولا بذهابها، وهي شبهة تدرأ الحد.
    المالكية، والحنابلة، وجمهور أهل الحجاز - قالوا: يجب إقامة الحد بوجود الرائحة، إذا شهد بها عند الحاكم شاهدان عدلان. تشبيهاً لها بالشهادة على الخط، والصوت، لأن الرائحة من أقوى الدلائل على ثبوتها، وهي ل تلتبس على ذوي المعرفة، ويدل عليه ما في الصحيحين. عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه (أنه قرأ سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال عبد اللَّه: واللَّه لقد قرأتها على رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فقال: أحسنت، فبينا هو يكلمه، إذ وجد منه رائحة الخمر فقال: أتشرب الخمر، وتكتب بالكتاب؟ فضربه الحد - وهذا يدل على أن ابن مسعود إنما أقام عليه الحد لوجود رائحة الخمر منه. ولم تقم الشهادة، ولم يقر بالشرب) .
    وأخرج الدارقطني بسند صحيح عن السائب بن يزيد، عن عمر بن الخطاب (أنه ضرب رجلاً وجد منه رائحة شراب) .
    الإقرار بالشرب
    ومن أقر بشرب الخمر، ولم يوجد منه رائحة الخمر، فقد اختلفوا فيه.
    المالكية، والشافعية، والحنابلة، والإمام مُحَمَّد من الحنفية - قالوا: يقام الحد عليه بلإقراره، لأن الإنسان لا يتهم على نفسه في التقادم، ولأن التقادم في الإقرار بحد الزنا لا يبطله بالإتفاق.
    الحنفية - قالوا: لا يقام الحد على المقر بالشرب لإلا عند وجود الرائحة وقت لإقراره. لأن حد الشرب ثابت بإجماع الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود وقد شرط قيام الرائحة في لإقامة الحد، وهو ما روي عن أبي ماجد الحنفي قال: جاء رجل بابن أخ له سكران إلى عبد اللَّه بن مسعود فقال عبد اللَّه بن مسعود: ثرثروه، ومزمزوه، واستنكهوه. ففعلوا، فرده إلى السجن، ثم عاد به من الغد، ودعا بسوط، ثم أمر به فدقت ثمرته بين حجرين، حتى صارت درة، ثم قَالَ للجلاد: اجلد ورجع يدك، واعط كل عضو حقه، فالحديث يفيد أنه أقام عليه الحد بظهور رائحة الخمر منه، بالثرثرة، والمزمزة - والثرثرة هي التحريك، والمزمزة - هي التحريك بعنف وأن ما فعله لأجل ظهور الرائحة منه. لأن التحريك يظهرها من المعدة حيث كانت خفيفة ثم تظهر، وهو مذهبه، فلم يقبل قيام الحد عليه بالشهادة، إلا إذا كان معها الرائحة، لأجل زوال الشبهة.
    متى يقام الحد على السكران
    اتفق الأئمة على أنه لا يقام الحد على السكران حتى يزول عنه السكر، ويصحو منه حتى يتألم من الضرب - ويحصل الإنزجار، والردع له. لأن غيبوبة العقل، وغلبة الطرب تخفف الألم عن السكران.
    إقرار السكران
    -اتفق الأئمة: على أنه لا يقام الحد على السكران بإقراره على نفسه وهو في حالة الذهول والسكر، بالحدود الخالصة للَّه تعالى - كحد الزنا، والشرب، والسرقة، إذا اعترف بها وهو سكران، إلا أنه يضمن قيمة المسروق الذي أقر به. لأنه حق العبد فيثبت عليه.
    وقيد بالإقرار، لأنه لو زنا وهو سكران، وقامت عليه البينة بالشهود، فإنه يقان عليه حد الزنا وذلك بعد أن يفيق من السكر.
    وإذا سرق وهو سكران وقامت عليه البينة يقام عليه احد، وتقطع يده بعد الصحو من السكر، وإنما لا يصح إقراره في حقوق اللَّه تعالى لأنع يصح رجوعه عنه، ومن المعلوم أن السكران لا يثبت على شيء، ولا يستمر على حال.

    قَالَ العلماء: إن السكران إذا أقر بحق من حقوق العباد فإنه يقتص منه عقوبة له، لأنه أدخل الآفة على نفسه، فإذا أقر بقذف رجل أو امرأة من المسلمين، وهو سكران يحبس حتى يصحو، فيحد حد القذف، ثم يحبس حتى يخف عنه ألم الضرب، فيحد مرة ثانية حد شرب الخمر.
    وذكر العلماء: أنه يؤاخذ بلإقراره بسبب القصاص، والديات، وسائر لاحقوق من المال، والطلاق، والعتاق وغيرها.

    ولكن لا يرتد السكران، ولا تبين منه زوجته، لأن الكفر باب الاعتقاد أو الاستخفاف وباعتبار الاستخفاف حكم بكفر الهازل، مع عدم اعتقاده لما يقوله، ولا اعتقاد للسكران، ولا استخفاف منه لعدم الإدراك. وهما فرع قيام الإدراك، ولذا لا يحكم العلماء بكفر السكران بتكلمه، حيث أنه رفع القلم عنه.
    حكم من تكرر منه الشرب
    روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه) .
    إلى أن قَالَ: (فإن عاد الرابعة فاقتلوه) أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي من حديث معاوية.

    وأخرج النسائي في سننه الكبرى عن مُحَمَّد بن إسحاق عن مُحَمَّد بن المنكدر مرفوعاً من شرب الخمر فاجلدوه إلخ إلخ قَالَ: ثم أتي الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ برجل قد شرب الخمر في الرابعة فجلده، ولم يقتله، فإنهم قالوا إن القتل قد نسخ وزاد في لفظ فرأ المسلمون أن الحد قد وضع، وأن القتل قد ارتفع.

    وعن معاوية عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ في شارب الخمر (إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب الثالثة فاجلدوه، ثم إذا شرب الرابعة فاضربوا عنقه، أخرجه أحمد وهذا لفظه - والأربعة رحمهم اللَّه.

    واختلفت الروايات في قتل شارب الخمر، هل يقتل إن شرب المرة الرابعة، أو يقتل بعد شرب الخامسة؟. أخرج أبو داود من رواية أبان القصار، وذكر الجلد ثلاث مرات بعد الأولى، ثم قَالَ: (فإن شربوا فاقتلوهم) وأخرج من حديث ابن عمر من رواية نافع عنه أنه قَالَ: وأحسبه قَالَ في الخامسة (فإن شربها فاقتلوه) وإلى قتله فيها ذهب الظاهرية، واستمر عليه ابن حزم، واحتج له بأحايث ورادة عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وادعى عدم الإجماع على نسخه.

    ولكن حمهور العلماء على أن حكم قتل الشارب بعد الرابعة منسوخ بعد أن أمر به الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في بعض أحاديث عنه. ولكن لم يفعله رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مرة واحدة طول حياته. وكذلك لم يفعله أحد من الصحابة رضوان اللَّه عليهم وهذا يدل على نسخه بالإجماع. فقد أخرج الإمام الترمذي من رواية الزهري عن قبيصة بن ذؤيب قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (من شرب الخمر فاجلدوه - إلى أن قَالَ: ثم إذا شرب في الرابعة. قَالَ: فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به قد شرب فجلده، ثم أتي به شرب فجلده، ثم أتي به الرابعة فجلده، فرفع القتل عن الناس، فكانت رخصة) أي أن فعل الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ من جلد الشارب بعد الرابعة رخصة من الشارع في رفع القتل عنه، ونسخ الحكم الذي سبق أن ذكره ولم ينفذه.
    وقال الإمام الشافعي: هذا (يريد نسخ القتل) مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم، ومثله قَالَ الترمذي وقال جابر بن عبد اللَّه: فرأى المسلمون أن الحد قد وضع، وأن القتل قد ارتفع، واللَّه تعالى أعلم.
    قَالَ ابن رسلان: أجمع المسلمون على وجوب الحد على شاربها سواء شرب قليلاً أو كثيراً ولو قطرة واحدة، قَالَ: وأجمعوا على أنه لا يقتل شاربها وإن تكرر.
    كيفية إقامة الحد
    قَالَ العلماء: حد الشرب أخف من حد الزنا، لأن حد الزنا ثابت بالقرآن الكريم، وحد الشرب ثايت بالسنة. ولأن حد الزنا فيه اعتداء على الغير، وحد الشرب الشرب فيه اعتداء على نفسه، وجناية الزنا أفحش وأكبر خطراً من الشرب وحد الشرب أشد من حد القذف. لأن جريمة الشرب متيقن منها، بلا خلاف جريمة القذف لفإنها تحتمل الصدق والكذب واختلفوا في تجريده من ثيابه عند إقامة الحد عليه.

    الأئمة الأربعة - قالوا: يجرد من جميع ثيابه عند إقامة حد الشرب عليه، إلا إزار يستر عورته، كسائر الحدود، لتحقق جريمته، حتى يشعر بالألم، ويحصل اتلمقصود من إقامة الحد وهو الزجر عن إرتكاب مثلها.
    الإمام مُحَمَّد بن الحسن - قَالَ: يقام عليه حد الشرب وعليه ثيابه مثل حد القذف، ولا ينزع منه إلا الفرو والحشو، والجلد، وذلك لأن حد الشرب، حد القذف، كما قَالَ الإمام علي كرم اللَّه وجهه. إذا شرب هذا وإذا هذا افترى، وحد المفترين في كتاب اللَّه تعالى ثمانون جلدة.
    ما جاء في ضرب شارب الخمر
    الشافعية - قالوا: يتعين الضرب بالجريد، أو النعال، أو أطراف الثياب، ويجوز الجمع بين الجريد والنعال. ويجوز أن يضرب بالجريد والنعال، والثياب، والأيدي، ويجوز الضرب بالسوط أيضاً، وذلك لما روي أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، متفق عليه. - وعن عقبة بن الحارث رضي اللَّه عنه أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أتى بنعيمان، أو بابن نعيمان وهو سكران، فشق عليه، وأمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنعال وكنت ممن ضربه رواه البخاري.
    وروي عن السائب بن يزيد قَال: (كنا نؤتى بالشارب في عهد رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وفي أمرتي أبي بكر وصدراً من امرتي عمر، فنقوم إليه، نضربه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان صدراً من امرة عمر فجلد فيها أربعين حتى عتو فيها وتشفوا، جلد ثمانين) رواه أحمد والبخاري واللفظ له.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أتي رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ برجل قد شرب فقال أبو هريرة: منا الضارب بيده، والضارب بعله، الضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: اخزاك الله. قال: لا تقول كذلك، لا تعينوا عليه الشيطان، رواه الإمام أحمد والبخاري، وأبو داود.
    والمراد بالجريد سعف النخل، والمراد من الضرب بأطراف الثياب، إنما هى بعد أن نفتل حتى تؤلم المضروب.
    الحنفية والمالكية - قالوا: وان كانت السنة الضرب بالثياب، والنعال، والجريد، لكن الأفضل الضرب بالسوط. لفعل الصحابة رضوان الله عليهم من غير نكير، والسوط يأتى بالمقصود من الحد وهو الزجر.
    وقال بعض التأخرين: انه يتعين الضرب بالسوط للمتمردين، وأطراف الثياب، والنعال للضعفاء، ومن عداهم بحسب مايليق بهم.
    قَالَ ابن الصلاح: السوط هو المتخذ من المتخذ من جلود سيور تلوى وتلف، سمي بذلك لأنه يسوط اللحم بالدم، أي يخلطه.
    واختلفوا في حد الشرب.

    الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وأحد قولي الشافعية - قالوا: إنه يجب الحد على السكران ثمانين جلدة.

    قالوا: لقيام الإجماع عليه من الصحابة رضوان اللَّه عليهم من غير نكير حين شاورهم سيدنا عمر بن الخطاب في حد الشرب.
    فقد أخرج أبو داود، والنسائي (أن خالد بن الوليد كتب إلى عمر: ان الناس قد انهمكوا في الخمر، وتحاقروا العقوبة. قَالَ: وعنده المهاجرون والأنصار، فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين) .

    الشافعية في المشهور عنهم - قالوا: إن حد الشرب أربعون، لأنه الذي روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فعله، ولأنه الذي استقر عليه الأمر في خلافة أبي بكر رضي اللَّه عنه، ومن تتبع ما في الأحاديث الواردة، واختلاف رواياتها علم أن الأحوط الأربعين سوطاً، ولا يزاد عليه. وأما ما فعله سيدنا عمر من الزيادة إلى الثمانين فهو من باب التعزير لا من الحد. فالحد أربعون، وله أن يعزره إلى ثمانين سوطاً.
    ويتولى الضرب الرجال، لأن الجلد من شأن المرأة، والخنثى من المرأة. وإن كان المضروب من ذوي الهيئات يستحب ضربه في الخلوات حتى لا يفضحه، وإن كان من عامة الناس ضرب في الملأ، ولا يحد في المساجد لما روي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (لا تقام الحدود في المساجد) رواه الترمذي، والحاكم، وأخرجه ابن ماجة، لاحتمال أن يتلوث المسجد من دمه، أو من نجاسة تخرج منه، ويوالي الضرب عليه بحيث يحصل زجر، وخوف وتنكيل، ولا يجوز أن يفرق الضرب في موضع واحد، لما روي البيهقي عن علي كرم اللَّه وجهه أنه قَالَ للجلاد: أعط كل عضو حقه، واتق الوجه والمذاكير.
    الشافعية - قالوا: إن تفريق الضرب على الأعضاء واجب، لأن الضرب على موضع واحد يؤلمه، وبالموالاة، قد يؤد إلى الهلاك.
    ويتقي المواضع التي يسرع اليها بلضرب كالقلب وثغرة النحر، والفرج ولا يضرب الوجه لقول رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) ولأنه مجمع المحاسن، فيعظم أثر شينه، ولا يضرب الرأس، لشوفه كالوجه، وقال بعضهم يجوز أن يضرب الرأس، لما روي ابن شيبة عن أبي بكر رضي اللَّه عنه أنه قَالَ للجلاد: اضرب الرأس، فإن الشيطان في الرأس، ولا يجوز شديد المضروب، بل تترك مطلقة يتقي بها الضرب. ولا يربط ولا يمد ويجلد الرجل قائماً، والمرأة تشد عليها ثيابها، ولا تجرد إلا من الفرو والحشو، وتضرب جالسة ستراً لها.
    شرب الخمر عند الضرورة
    الحنفية - قالوا: يجوز عند غصة الطعام، أو عند شدة العطش بقدر ما يقع به الي، إذا لم يجد غيرها. ولا يصح التداوي بها، لأن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ نهى عن التداوي بها فقال: (أنها ليست بدواء، ولكنها داء) وقال صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن اللَّه لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) .

    أما شرب الخمر لشدة العطش لعدم وجود الماء، أو لزوال شرق الطعام، ففيه بقاء الروح وهو واجب على المسلم، فمن خاف على نفسه الهلاك من العطش، بأن كان في صحراء قاحلة، أو على ظهر سفينة في البحار والمحيطات المالحة، ولم يجد ما ينقذ به حياته إلا الخمر، فيجوز له أن يشرب منها ما يأمن به من الموت، لأن اللَّه تعالى أباح للمضطر أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، والخمر مثهلا في التحريم، فتكون مثلها في الإباحة عند الاضطرار، فإذا أمن على نفسه، زالت الضرورة، وهو خوف الهلاك، عاد التحريم لما روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن اللَّه أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام) رواه أحمد ومسلم.
    المالكية، والشافعية في إحدى رواياتهم، والحنايلة - قالوا: يجب شرب الخمر لزوال هلاك النفس في حالة شرق الطعام، ويجوز التداوي به إذا لم يوجد غيره للمريض، بشرط إخبار طبيب مسلم عدل موثوق بقوله أو معرفته للتداوي به، كالتداوي بنجس كلحم ميتة، أو بول آدمي.
    الشافعية في رواية أخرى - قالوا: الأصح تحريم تناول الخمر لمكلف - لدواء، أو عطش، أما تحريم الدواء بها، فلأنه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لما شئل عن التداوي بها قَالَ: (إنه ليس بدواء ولكنه داء) والمعنى أن اللَّه تعالى قد سلب الخمر منافعها عندما خرمها، فقد روي أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن اللَّه لما حرم الخمرة سلبها المنافع) ولأن تحريمها مقطوع به، وحصول الشفاء بها مظنون، فلا يقوى على إزالة المقطوع به، وذلك إذا لم ينته الأمر به إلى الهلاك. أما إذا وصل الأمر إلى الهلاك فيجوز. وأما تحريمها للعطش عند الضرورة، فلأنها لا تزيله، بل تزيده، لأن طبعها حار يابس، كما قَالَ أهل الطب ولهذا يحرص شارب الخمر على الماء البارد، وقيل: يجوز التداوي بها دون شربها، وشربها لدفع الجوع كشربها لدفع العطش، ومثله من تأثر من البرد وكاد يهلك، ولم يجد ما يدفع به الهلاك سوى جرعة أو كوب من خمر، وكذلك من أصابته نوبة ألم في قلبه كادت تقضي على عليه وقد علم أنه لا يدفع عنه الخطر سوى شرب مقدار من الخمر.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #242
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 12 الى صــــــــ
    46

    الحلقة (242)




    يكره لعن شارب الخمر
    روى البخاري رحمه اللَّه تعالى في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: أن رجلاً على عهد رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كان اسمه عبد اللَّه، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وكان الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً، فأقر به فجلد، فقال رجل من القوم، اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (لا تلعنوه، فواللَّه ما علمت إلا أنه يحب اللَّه ورسوله) . وفي رواية (ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) . فقد نهى الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن لعنة من أقر بالشرب، وأقيم عليه الحد حيث أن الحد قد طهره من عقوبة الذنب، فنهى عن ذلك خشية أن يوقع الشيطان في قلب العاصي، أن من لعن في حضرته صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ولم ينهه، فقد أقره على ذلك، فيحصل له تأثير نفسي.
    وقد ذكر العلماء أنه لا ينبغي تعيير أهل المعاصي، ومواجهتهم باللعن، وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل فعلهم، ويكون ذلك رادعاً، وزاجراً عن ارتكاب شيء منها، وحتى يفتح أمام المذنب باب التوبة، والقبول، فإن من قبل اللَّه توبته يكتبها له طاعة من الطاعات، ويجعلها محاءة للذنوب.
    وقد روي أن سيدنا عمر رضي اللَّه تعالى عنه افتقد رجلاً ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له: تتابع في هذا الشراب - أي شرب الخمر - فقال سيدنا عمر عمر لكاتبه: اكتب من عمر إلى فلان، سلام عليك، وأنا أحمد اليك اللَّه الذي لا إله إلا هو، بسم اللَّه الرحمن الرحيم: {حم تنزيل الكتاب من اللَّه العزيز العليم، غفر الذنب قابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير} ثم ختم الكتاب، وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحياً، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني اللَّه أن يغفر لي، وحذرني عقابه، فلم يبرح يؤددها حتى بكى، ثم نزع فأحسن النزوع، وحسنت توبته، فلما بلغ سيدنا عمر أمره قَالَ: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم قد زل زلة فسددوه، ووقفوه، وادعوا اللَّه أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشياطين عليه.
    ولا شك أن هذه سياسة حكيمة من سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين في معالجة المنحرفين والمرتكبين.
    الخمر ملعونة
    إن الخمر ملعونة على لسان رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، بل لعن كل من له صلة بالخمر من قريب أو بعيد. ومعنى اللعن - هو الطرد من رحمة اللَّه تعالى، والحرمان من رضوانه عز وجل، وذلك نهاية الشقاوة والحرمان، فقد روى ابن ماجة، والترمذي، عن ـنس بن مالك رضي اللَّه عنه قَالَ: (لعن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وأكل ثمنها، والمشتري لها، والمشترى له) وقال صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (أتاني جبريل فقال: يا مُحَمَّد إن اللَّه لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها) وهو عن ابن عباس رواه أحمد بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم وروى أبو داود وابن ماجة عن عمر حديثاً بمعناه وليس فيه ذكر جبريل.

    والعلماء يقولون: إن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وإن كان قد نهى عن لعنة المسلم الذي أقر بالشرب، وأقام عليه الحد. إلا أنه أجاز أن يلعن الناس المدمن للخمر الذي لا يتوب منها، بل يداوم عليها سواء لعن في الجملة مع غيره، أو لعن بالتعين، لأنه مستهتر ماجن، فأجازوا لعنه عسى أن يزجر، ويلوم نفسه، ويرجع عن غيه، ويتوب عن ذنبه. ويقلع عن تعاطي الخمر مخافة ملامة الناس. أما غير المدمن فلا يجوز لعنه، وتعييره. إذا أقيم عليه الحد لأنه كفارة له.

    حكم شرب البيرة والحشيش والمخدرات
    لقد زعم بعض الفساق أن البيرة حلال شربها، لأنها من ماء الشعير، وكذلك نقيع البلح "العرق" وخمير خبز الشعير "البوظة" ونبات "القات" و"الحشيش" و "الفتكة" ... زعموا أن هذه المشروبات وغيرها من المخدرات حلال شربه، بحجة أن هذه المشروبات لم تكن في عصر رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، ولم يرد نص في تحريمها.
    وقد اجتمعت كلمة العلماء على تحريم هذه المشروبات وغيرها من المخدرات المحدثة مثل الحشيش والأفيون وغيرهما.
    وقد صدرت فتوى من فضيلة الأستاذ الأكبر مفتي الديار المصرية، نشرت في مجة الأزهر في عدد شعبان سنة 1360 هـ، نلخصها هنما لعموم الفائدة حتى ينتفع بها الجميع ويقتنع بها من في قلبه شك أو ريب في حرمتها، فنقول: إنه لا يشك شاك، ولا يرتاب مرتاب في أن تعاطي هذه المواد حرام، لأنها تؤدي إلى مضار جسيمة ومفاسد كثيرة، فهي تفسد العقل، وتفتك بالبدن، إلى غير ذلك من المضار والمفاسد الخطيرة. فلا يمكن أن تأذن الشريعة بتعاطيها مع تحريمها لما هو أقل منها مفسدة، وأخف ضرراً، ولذك قَالَ بعض علماء الحنفية: (إن من قَالَ بحل الحشيش زنديق مبتدع) . وهذا منه دلالة على ظهور حرمتها، ووضوحها، وأنه لما كان الكثير من المواد يخامر العقل ويعطيه، ويحدث من الطرب واللذة وعند متناوليها ما يدعوهم إلى تعاطيها والمداومة عليها، كان داخلة فيما حرمه اللَّه تعالى في كتابه العزيز، وعلى لسان رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، من الخمر، والسكر.
    قَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (السياسة الشرعية) ما خلاصته: إن الحشيشة حرام يحد متناولها، كما يحد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر، من جهة أنها تفسد العقل، والمزاج، حتى يصير في الرجل تخنث، ودياثة، وغير ذلك من الفساد، وأنها تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر، المسكر لفظاً أو معنى _ قال ابو موسى الأشعري رضي الله عنه: يارسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: البتع وهو العسل ينبذ حتى يشتد، والمزر، وهومن الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال: (كل مسكر حرام) رواه البخاري، ومسلم.
    وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن من الحنطة خمراً، ومن الزبيب خمراً، ومن التمر خمراً، ومن العسل خمراً، وأنا أنهي عن كل مسكر) رواه أبو داود وغيره. وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) وفي رواية (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) رواهما مسلم.

    وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام) قَالَ الترمذي: حديث حسن - والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلاً، ومعناه ما أسكر كثيره فقليله حرام.

    وروى أهل السنن عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ من وجوه أنه قَالَ: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وصححه الحفاظ، وعن جابر رضي اللَّه تعالى عنه (أن رجلاً سأل الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة - يقال له: أمسكر هو؟ قَالَ: نعم، فقال كل مسكر حرام، إن على اللَّه عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال: قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ما طينة الخبال؟ قَالَ: عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار) رواه مسلم.
    وعن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (كل مخمر، وكل مسكر حرام) رواه أبو داود.
    والمخمر ما يغطي العقل، والأحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة. جمع رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطى العقل، وأسكر، ولم يفرق بين نوع، ونوع، ولا عبرة لكونه قد تذاب بالماء وتشرب. فالخمر يشرب ويؤكل، والحشيشة تؤكل، وتشرب، وكل ذلك حرام، وحدوثها بعد عصر الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، والأئمة لم يمنع من دخولها في عموم كلام رَسُول اللَّهِ عن المسكر، فقد حدثت أشربة مسكرة، بعد الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وكلها داخلة في الكلم الجوامع من الكتاب، والسنة.
    وقد تكلم الإمام ابن تيمية رحمه اللَّه عن الحشيشة غير مرة في فتاوة فقال ما خلاصته: (هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها، الموجبة لسخط اللَّه تعالى وسخط رسوله، وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة اللَّه، تشتمل على ضرر في دين المرء، وخلقه، وطبعه، وتفسد الأمزجة حتى جعلت خلفاً كثيراً مجانين، وتورث من مهانة آكلها، ودناوة نفسه، وغير ذلك ما لا تورث الخمر، ففيها من المفاسد، ما ليس في الخمر، فهي بالتحريم أولى، وقد أجمع المسلمون على أن السكر منها حرام، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال، فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل مرتداً، لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن القليل منها حرام أيضاً، بالنصوص الدالة على تحريم الخمر، وتحريم كل مسكر) وقد تبعه تلميذه الإمام المحقق ابن القيم رحمه اللَّه فقال في كتابه (زاد المعاد) ما خلاصته:

    (إن الخمر يدخل فيها كل مسكر، مائعاً كان، أو جامداً، عصيراً، أو مطبوخاً، فيدخل فيها لقمة الفسق والفجور - ويعني بها الحشيشة - لأن هذا كله خمر بنص رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ الصريح، الذي لا مطعن في سنده، ولا إجمال في متنه. إذ صح عنه قوله: (كل مسكر خمر) وصح عن أصحابه رضي اللَّه عنهم الذين هم أعلم الأمة بخطابه، ومراده، بأن الخمر ما خامر العقل، على أنه لو لم يتناول لفظه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (كل مسكر) لكان القياس الصحيح الصريح، الذي استولى فيه الأصل والفرع من كل وجه، حاكماً بالستوية بين أنواع المسكر، فالتفرقة بين نوع ونوع تفريق بين متماثلين من جميع الوجوه) .

    وقال صاحب (سبل السلام شرح بلوغ المرام) : (إنه يحرم ما أسكر من أي شيء، وإن لم يكن مشروباً كالحشيشة) .
    ونقل عن الحافظ ابن حجر (أن من قَالَ: إن الحشيشة لا تسكر، وإنما هي مخدر، سكاير، فإنها تحدث ما تحدثه الخمر من الطرب والنشوة) ....
    ونقل عن ابن البيطار من الأطباء: (إن الحشيشة التي توجد في مصر مسكرة جداً، إذا تناول الإنسان منها قدر درهم، أو درهمين) .
    وقبائح خصالها كثيرة، وقد عد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية، ودنيوية، وقبائح خصالها موجودة في الأفيون، وفيه زيادة مضار.
    وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهما من العلماء هو الحق الذي يسوق إليه الدليل وتطمئن به النفس، وإذ قد تبين أن النصوص من الكتاب والسنة تتناول الحشيش، فهي تتناول أيضاً الأفيون الذي بين العلماء أنه أكثر ضرراً، ويترتب عليه من المفاسد، ما يزيد على مفاسد الحشيش. وتتناول أيضاً ساءر المخدرات التي حدثت، ولم تكن معروفة من قيل، إذ هي كالخمر من العنب مثلاً في أنها تخامر العقل، وتغطيه، وفيها ما في هذه الخمر، من مفاسد، ومضار، وتزيد عليها بمفاسد أخرى، كما في الحشيش، بل أفظع، وأعظم، كما هو مشاهد ومعلوم ضرورته، ولا يمكن أن تبيح الشريعة الإسلامية شيئاً من المخدرات.
    ومن قَالَ بحل شيء منها فهو من الذي يفترون على اللَّه الكذب، أو يقولون على اللَّه ما لا يعلمون. وقد سبق أن قلنا أن بعض علماء الحنفية قَالَ: (إن من قَالَ بحل الحشيشة زنديق مبتدع) وإذا كان من يقول بحل الحشيشة زنديقاً مبتدعاً. فالقائل بحل شيء نت هذه المخدرات الحادثة التي هي أكثر ضرراً، وأكبر فساداً، زنديق مبتدع أيضاً. بل أولى بأن يكون كذلك.
    وكيف تبيح الشريعة الإسلامية شيئاً من هذه المخدرات التي يلحق ضررها البليغ بالأمة أفراداً وجماعات، مادياً، وصحياً، وأدبياً، حيث أن مبنى الشريعة الإسلامية على جلب المصالح الخاصة أو الراجحة، وعلى درء المفاسد، والمضار كذلك؟ وكيف يحرم اللَّه سبحانه وتعالى العليم الحكيم الخمر من العنب مثلاً كثيرها وقليلها. لما فيها من المفسدة، ولأن قليلها داع إلى كثيرها، وذريعة إليه ويبيح من المخدرات ما فيه هذه المفسدة، ويزيد عليها، بما هو أعظم منها، وأكثر ضرراً للبدن والعقل، والدين، والخلق، والمزاج؟. هذا الحكم لا يقوله إلا رجل جاهل بالدين الإسلامي، أو زنديق مبتدع كما سبق القول به. فتعاطي هذه المخدرات على أي وجه من وجوه تعاطي من أكل، أو شرب، أو شم، أو احتقان حرام، بإجماع الأمة. اه.
    إن أعداء الإسلام يروجون الحشيش وغيره من المخدرات بقصد إضعاف شباب الأمة الإسلامية وضياع مالها، ورجولتها، وقتل شهامتها، وإفساد عقول رجالها، حتى تستمر في التأخر عن مصاف الأمم المتقدمة، ويتغلب عليها الأجانب، ويقهرها الأعداء، ويستعمرون بلادهم. كما تفعل إسرائيل من ترويج الحشيش والأفيون بين البلاد العربية بقصد هلاكها.
    وقد أكثر من الكلام في هذا الموضوع لما سئلت كثيراً عن حكم الحشيش والبيرة،والويسك ي، والفنكي، وغيرها، ولما رأيت من انتشار هذه المخدرات بين كثير من الأوساط التي جرّت عليهم ضياع الصحة، وفساد الأسرة، وتبدد الثروة. ولما تبذله الحكومة من مجهود جبار في محاربة المهربين، والحشاشين، ولو أن هذه الأمور الطائلة التي تنفقها الحكومة في هذا الصدد، صرفت في مشاريع خيرية، ومصانع وشركات، لعادت على الأمة بالخير الكثير، والفائدة العظمى. ولو أن الناس فهموا هذا الحكم الشرعي ووعوده، وعملوا به، وأعرضوا عن تعاطي هذه المخدرات، وتلك المسكرات، لحفظنا على الأمة شبابها، وقوتها، وعزمها، وكرامتها، وحريتها، واستقلالها، ولوأنصفت الحكومات الإسلامية لأصدرت تشريعاً مشدداً، وحكماً رادعاً قاسياً حتى يردع كثيراً من الذي يتعاطون هذه المهلكات، ويفسدون عقولهم وأجسامهم، وأموالهم، ولو أدى ذلك إلى إصدار حكم الإعدام على المهربين، وكبار المشتغلين بتجارته.
    حكم الاتجار بالمخدرات
    لقد اشتغل بعض المسلمين بتجارة المخدرات من الخمور، والحشيش والأفيون، والكوكايين، لما تدر عليهم تجارة هذه الأشياء من الربح الطائل، من أسهل الطرق ويصلون إلى الغنى الفاحش في أقرب وقت. مع أن الشريعة الإسلامية تحرم هذه الأرباح، وتعتبر أن عيشة أصحابها من الحرام.
    وقد ورد عن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أحاديث كثيرة في تحريم بيع الخمور. منها ماروى البخاري ومسلم وعن جابر رضي اللَّه عنه أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن اللَّه حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام) .
    ووردت عنه أحاديث كثيرة تفيد أن ما حرم اللَّه الإنتفاع به، يحرم بيعه وأكل ثمنه، فيتناول التحريم بيع هذه المخدرات، لما يترتب على ترويجها من المفاسد، والمضار بين أفراد الأمة. فهو كالمتسبب في هلاكها، ودمارها، بل إنه يقتل الأنفس، ويضيع الأموال، فهي وإن كانت تجارة في ظاهرها كما يظن بعض الناس، لكنها تجارة بأرواح الناس، وفساد الشباب، وضياع الأخلاق، وهلاك الأمة.
    فلا شك في حرمة الإتجار بها، ولإنها تعين على معصية. واللَّه تعالى قد نهانا عن التعاون على الإثم والعدوان. فقال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فالتجارة في هذه الأشياء لا شبهة في حرمتها لدلالة القآن الكريم على تحريمها، وبهذا قَالَ جمهور العلماء: أن هذه المخدرات لا قيمة لها في حق المسلم فلا يجوز بيعها، ولا يضمن غاصبها، ولا متلفها، لأن ذلك دليل على عزتها، وتحريمها دليل إهانتها. وقد روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (إن الذي حرم شربها، حرم بيعها وأكل ثمنها) .
    حرمة زراعة الحشيش
    اتفق الأئمة على تحريم زراعة الحشيش، والخشخاش، لإستخراج المادة المخدرة منها لتعاطيها أو الإتجار فيها، وحرمة زراعتهما من وجوه:

    أولاً: ماروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار) فهذا دليل على حرمة زراعتهما بطريق دلالة النص.
    ثانياً: إن زراعتها لهذا الغرض رضاً من الزارع تعاطي الناس لها، وإتجارهم فيها والرضا بالمعصية معصية، وذلك لأن إنكار امنكر بالقلب، الذي هو عبارة عن كراهية القلب وبغضه المنكر، فرض على كل مسلم في كل حال.

    بل ورد في صحيح مسلم عن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (أن من لم ينكر المنكر بقلبه - بالمعنى الذي بينا - ليس عنده من الإيمان حبة خردل) وفيه مخالفة لولي الأمر الذي نهى عنها بالقوانبن التي وضعت لذلك، وفيه مخالفة لولي الامر الذي نها عنها بالقوانين التي وضعت لذلك، لوجوب طاعة ولي الامر فيما ليس لمعصية لله ولرسوله بإجماع المسلمين.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #243
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 12 الى صــــــــ
    46

    الحلقة (243)





    حرمة الربح والناتج من هذه التجارة
    لقد علم أن بيع هذه المخدرات حرام، فيكون الثمن الناتج من هذه التجارة حراماً، لقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي لا يؤخذ ولا يتبادل ببعضكم مال بعض بالباطل، وذلك من وجهين:

    الأول: أخذه على وجه الظلم، والسلب، والسرقة، والنهب، والخيانة، والتدليس وما جرى مجرى ذلك.
    الثاني: أخذه من وجهة محظورة، كأخذه بالعب القمار، أو بطريق غير مشروع، كالعقود المحرمة كما في المعاملة بالربا، وبيع ما حرم اللَّه الإنتفاع بهن كالخمر المتناول للمخدرات المذكورة. فإن هذا كله حرام مثل السرقة سواء بسواء، وإن كان بطيبة نفس من مالكه.

    ولما ورد من الأحاديث النبوية التي تنص على تحريم ثمن ما حرم اللَّه الإنتفاع به، كقوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن اللَّه إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن ابن عباس.
    وقد جاء في كتاب (زاد المعاد) ما نصه: (قال جمهور الفقهاء: إنه إذا بيع العنب لمن يعصره خمراً حرم أكل ثمنه. لخلاف ما إذا بيع لمن يأكله، وكذلك السلاح إذا بيع لمن يقاتل به مسلماً حرم أكل ثمنه. وإذا بيع لمن يغزو به في سبيل اللَّه فثمنه من الطيبات. وكذلك ثياب الحرير إذا بيعت لمن يلبسها ممن يحرم عليه لبسها حرم أكل ثمنها، بخلاف بيعها ممن يحل له لبسها) ا. هـ.
    وإذا كانت الأعيان التي يحل الإنتفاع بها إذا بيعت لمن يستعملها في معصية اللَّه على رأي جمهور الفقهاء - وهو الحق - يحرم ثمنها لدلالة ما ذكرنا من الأدلة وغيرها عليه، كان ثمن العين التي لا يحل الإنتفاع بها كالمخدرات حراماً من باب أولى.
    وإذا كان ثمن هذه المخدرات حراماً، كان خبيثاً، وكان إنفاقه في القربات، كالصدقات وبناء المساجد، وحج بيت اللَّه الحرام غير مقبول أي لا يثاب المنفق عليه، فقد روى مسلم عن أبي هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن اللَّه تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن اللَّه تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: " يا أيها الرسل كل من الطيبات واعملوا صالحاً" الآية. وقال تعالى: " يا أيها الذين أمنو كلوا من طيبات ما رزقناكم وأشكروا الله أن كنتم أياه تعبدون"، ثم ذكر الرجل يطل السفر أشعث أغبر يمد يده الى السماء، يارب، يارب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب ذلك؟.
    وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن أبي مسعود رضي اللَّه عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه، فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره، إلا كان زاده في النار، إن اللَّه لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث) .
    وروي عن أبي هُرَيْرَة عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (من كسب مالاً حراماً فتصدق به لم يكن له أجر، وكان اصره - يعني اثمه وعقوبته - عليه) .
    وما في مراسيل القاسم بن مخيمرة قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (من أصاب مالاً من مأثم، فوصل به رحمه، أو تصدق به أو أنفقه في سبيل اللَّه، جمع ذلك جميعاً، ثم قذف به في نار جهنم) .
    وروي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (أنه إذا خرج الحاج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز - أي الركاب - وقال: لبيك، ناداه ملك من السماء: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك) .
    فهذه الأحاديث التي يشد بعضها بعضاً تدل على أنه لا يقبل اللَّه صدقة، ولا حجة، ولا قربة آخرى من القربات من مال حرام، من أجل ذلك نص علماء الحنفية على أن الإنفاق على الحج من المال الحرام حرام.
    ونستطيع أن نلخص ما ذكرناه فيما يأتي:

    أولاً: تحريم تعاطي الحشيش والأفيون والقات، وغيرها من المخدرات المسكرة والمفطرة.
    ثانياً: تحريم الإتجار فيها واتخاذها حرفة تدر الربح.
    ثالثاً: حرمة تهريبها، ومساعدة التجار على رواجها، والتدليس عليها.
    رابعاً: حرمة زراعتها لإتخاذ المادة المخدرة لتعاطيها، أو الإتجار بها.
    خامساً: إن الربح الناتج من الإتجار في هذه المواد حرام خبيث، وإن إنفاقه في الطاعات غير مقبول.

    هذا وقد أطلت القول في شرح هذا الموضوع وإقامة الأدلة عليه، تبياناً للحق، وكشفاً للصواب، ليزول ما قد عرض من شبهة عند الجاهلين الذين يفتون بحل هذه المخدرات، وليعلم أن القول بحل هذه المخدرات من أباطيل المبطلين، وأباضاليل المضلين، وحتى أضع حداً لهذه المخدرات التي شاعت في هذا الزمان، وانتشرت بين جميع الأوساط والطبقات، حتى كادت تودي بالأمة الإسلامية، وتطيح بكرامتها وعزتها. واللَّه ولي التوفيق.
    مضار البيرة
    لقد أعلن البروفيسير ايت موترين مدير جامعة لاما في "كندا" أمام المؤتمر العالمي لأمراض القلب المنعقد في لندن - أنه قام بالدراسة تبين منها أن 48 رجلاً وامرأتين كانوا يعانون من أعراض تشبه مرض "البري بري" اتضح فيما بعد أنهم مصابون بمرض في القلب بسببه أحد مكونات أنواع معينة من "البيرة". وقال: (إن هؤلاء المرضى كانوا يحتسون يومياً 11. 3 ليتراً من البيرة، وأن سبب المرض هو مادة "الكبريتات والكربات" التي تستخدم لزيادة تأثيرات المادة المسكرة في أنواع معينة من البيرة وأثبتت التجارب أنها تسبب تضخماً في القلب وتمدداً في الصمامات.
    وقد ذكر الإمام مُحَمَّد رشيد رضى في تفسيره، بعد تفسير آية الخمر التي في المائدة وقد اطنب فيها ما نصه: أطلنا هذه الإطالة في بيان حقيقة الخمر، لأنه قد ظهر في الناس من عهد بعيد مصداق ما ورد في الحديث من استحلال الناس لشرب الخمر بتسميتها بغير اسمها، وقد اخترع الناس بعد زمن التنزيل أنواعاً كثيرة من الخمور أشد من خمرة العنب ضرراً في الجسم والعقل باتفاق الأطباء، وأشد إيقاعاً في العداوة والبغضاء، وصداً عن ذكر اللَّه، وعن الصلاة. والقول بأنه لا يحرم منها قطعاً إلا ما كان من عصير العنب، وأنه إنما يحرم من غيرها القدر المسكر فقط، يجرئ الناس على شرب القليل من تلك السموم المهلكة، والقليل يدعو إلى الكثير، فابلإدمان فالإهلاك، وفي هذا القول مفسدة عظيمة، وليس في تضغيفه، وترجيح قول السلف والخلف عليه إلا المصلحة الراجحة، وسد ذرائع شرور كثيرة، اه.
    هذا وإن حوادث العداوة والبغضاء التي تنشأ عن السكر، ما يحدث بين السكارى من القتل والضرب، والعداوة والسلب، والفسق والفحش، والتجرؤ على ارتكاب المحرمات، والإقدام على الزنا، ومن إفشاء أسرار الأسر والعائلات، وهتك الأستار المخبئة، وخيانة الحكومات، والأوطان - ما زالت حديث الناس في كل زمان ومكان وكثيراً ما يلجأ بعض الجواسيس إلى إسكار كبار القادة، وعظماء الساسة، لكي يسلب منه أسرار الجيوش، وسياسة الشعوب. ورب جرعة خمر من رئيس أضاعت أمة بأجمعها، وأهلكت شعباً بأكمله، وكانت سبباً في هزيمة جيش جرار. ولهذا شدد الدين الإسلامي في تحريم شرب الخمر، وذكرها في ثلاث آيات من كتاب اللَّه تعالى، وشدد رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في النهي عنها فقال صلوات اللَّه وسلامه عليه: (من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها حرمها في الأخرة) رواه البخاري وأصحاب السنن، وزاد اٌاما مسلم في رواية (فلم يسقها) ومعناها أن اللَّه حرم عليه الجنة فلا يدخلها فيشربها فيها، وقيل معناه: لا يشربها فيها وإن مات مؤمناً ودخل الجنة، لأنه استعجل شيئاً فجزي بحرمانه، إلا أن يعفو اللَّه عنه.
    وروى أحمد والبخاري وملسم وأبو داود والترمذي والنسائي، عن أبي هُرَيْرَة رضي اللَّه تعالى عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) قيل النفي لكمال الإيمان، وقيل هو خبر بمعنى النهي، وقيل: إن الإيمان يفاق مرتكب هذه الكبائر مدة ملابسته لها، وقد يعود إليه بعدها. وإذا مات وهو مرتكبها مات على غير الإيمان.
    ومن العجيب أننا نرى جميع المتعلمين مذنباً في العصر. وأكثر الناس في البلاد المتحضرة الراقية التي تنتشر فيها الجرائد والمجلات العلمية يعتقدون أن الخمر شديدة الضرر في الجسم، والعقل، والمال، والصحة العامة، وأداب الإجتماع، ولم نر هذا الإعتقاد باعثاً على التوبة منها والإقلاع عنها، حتى أن الأطباء منهم - وهم أعلم الناس بمضارها - كثيراً ما يعاقرونها، ويدمنونها مع علمهم أن السكر يحدث الأمراض، والأدواء، ويؤدي بصاحبه إلى الجنون، ويفسد عليهم شبابهم، وعفتهم، وبيوتهم، وثروتهم، ولكن ضعف الإرادة عند هؤلاء، وغريزة حب التقليد للأصحاب والخلان، ما يحدثه الخمر من لذة النشوة، والذهول عن المكدرات، ومجاملة الأخوان، جعلهم يدمنون عليه، ويقدمون على شربه، ويغضبون رب العالمين.
    (وقد لخص العلماء أضرار الخمور فيما يأتي
    أولاً: تنتزع من الشارب الخمر أنواع الإيمان حين شربه.
    ثانياً: استحق لعنة اللَّه وطرده من رحمته، لمخالفته أمره تعالى.
    ثالثاً: شرب الخمر يدعو إلى جلب الهموم، وتضييق الأرزاق وإنتشار الأزمة والسخف والمسخ، ويسبب التخنث.
    رابعاً: لا يقدم على شرب لاخمر إلا الفاجر العاصي، الذي لا يؤمن باللَّه واليوم الآخر.
    خامساً: شرب الخمر يجر إلى الوقوع في ارتكاب المعاصي كلها، لأنها أم الخبائث.
    سادساً: يعذب اللَّه شارب الخمر يوم القيامة، بشربه القذارة الخارجة من فروج الزناة. - والعياذ باللَّه -.
    سابعاً: حرم اللَّه تعالى الجنة على شارب الخمر، فلا يشم رائحتها.
    ثامناً: عقاب شارب الخمر، كعقاب عابد الوثن والصنم.
    تاسعاً: يحشر اللَّه شارب الخمر شديد الظمأ، كثير العطش.
    عاشراً: لا يقبل اللَّه عبادة شارب الخمر أربعين يوماً، ولا يجيب له دعاء.
    الحادي عشر: يستحق شارب الخمر الإهانة والإزدراء، والتحقير كما قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (لا تسموا على شربة الخمر) .
    الثاني عشر: شارب الخمر حل عليع غضب اللَّه، ولو مات في هذه الحالة حرم من ثواب اللَّه تعالى ورحمته.
    الثالث عشر: السكران إن مات على حالته يعذبه اللَّه بسكره، ويذوق مرارة فعله هذا في غيره. ويموت على غير اٌيمان.
    الرابع عشر: شارب الخمر تنبع له عين في نار جهنم تمده باقيح والصديد وأنواع الأذى (يجري منها القيح والدم) .
    الخامس عشر: شارب الخمر مسكين، مضيع فاقد الخير، (فكأنما ملك الدنيا، وسلبها) .
    السادس عشر: شرب الخمر إحدى الخصال المدمرة التالفة، المذهبة للثروة، المضيعة للعقل المهلكة للأمة.
    السابع عشر: شرب الخمر يفسد الصحة، ويحرم صاحبها من التمتع بعافيته، ويجلب له النقم والهلاك والدمار.
    الثامن عشر: إن أضرارها تنتقل من الرجل إلى أولاده وذريته، فيولدون مرضى.
    التاسع عشر: شارب الخمر لا يقبل اللَّه منه صرفاً ولا عدلاً، ولا فرضاً ولا نفلاً.
    العشرون: من فارق الدنيا وهو سكران، يدخل القبر سكران، ويبعث من قبره سكران، ويزج في النار سكران، ويؤمر به إلى حبل يقال له سكران فيه عين يجري منها القيح والصديد وهو طعامهم وشرابهم، مادامت السموات والأرض، كما أخبر بذلك رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في الحديث الشريف (ملخص من شرح الترغيب والترهيب) .

    الآيات الواردة في تحريم الخمر في كتاب اللَّه تعالى

    -1 - قَالَ اللَّه تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما} : آية 219 من سورة البقرة.
    -2 - قَالَ اللَّه تعالى: {يا أيها الذين آمنو إنما الخمر والميسر، والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} . آية 90 من سورة المائدة.
    -3 - قَالَ تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأحسنوا إن اللَّه يحب المحسنين} . آية 195 من سورة البقرة.
    -4 - قَالَ تعالى: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} . آية 2 من سورة النساء.
    -5 - قَالَ تعالى: {يا أيها الذين آمنو كلوا من طيبات ما رزقناكم} . آية 172 من سورة البقرة.
    -6 - وقال تعالى: {وكلوا مما رزقناكم حلالاً طيباً} . آية 88 من سورة المائدة.
    -7 - قَالَ تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن اللَّه كان بكم رحيماً} . آية 29 من سورة النساء.
    -8 - قَالَ تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم} . آية 51 من سورة المؤمنون.
    -9 - قَالَ تعالى: {يا أيها الذين آمنو لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} . آية 43 من سورة النساء.
    إقامة الحد في الحرب
    اتفق الأئمة على أن الحدود لا تقام في حال الغزو، ولا في دار الحرب.
    مع أن الشريعة اٌسلامية تأمر أتباعها من الضباط، والجند، والقادة، بالمحافظة على طاعة اللَّه تعالى، والتمسك بأوامر الشارع الحكيم، والتحلي بالتقوى حتى يكتب اللَّه لهم النصرة على الأعداء حيث يقول اللَّه تعالى: {ولينصرن اللَّه من ينصره إن اللَّه لقوي عزيز} .
    ويقول تبارك وتعالى:
    {إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم} ولهذا كان الأمراء والقادة يوصون الجند والضباط، بالمحافظة على الصلاة في ميدان القتال. ويأمرونهم بالبعد عن ارتكاب المعاصي والذنوب، حتى ينصرهم اللَّه تعالى على أعدائهم، {وما النصر إلا من عند اللَّه} .
    وقد ثبت أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أرسل إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه قائد جيش المسلمين في حرب الفرس بالقادسية فأرسل إليه يوصيه وجنده ويقول له: أوصيك ومن معك بتقوى اللَّه تعالى على كل حال، فإن تفوى اللَّه من أفضل العدة على العدو، ومن أقوى المكيدة في الحرب. وأمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخطر عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون بطاعتهم للَّه تعالى وإيمانهم به ومعصية عدوهم له، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة.
    ومع كل هذا فإذا وقع أحد المسلمين المجاهدين في ذنب يوجب الحد، فلا يقام عليه الحد في دار الحرب، والدليل على ذلك ما فعله سيدنا سعد بن أبي وقاص مع أبي مجحن الثقفي. فقد كان من الشجعان الأبطالفي الجاهلية والإسلام، ومن أولي البأس والنجدة. وكان شاعراً مطبوعاً كريماً، إلا أنه كان منهمكاً في الشراب، لا يكاد يقلع عنه، ولا يردعه حد ولا لوم لائم، وقد جلده عمر بن الخطاب في "الخمر" مراراً، ونفاه إلى جزيرة في البحر، وبعث معه رجلاً فهرب منه ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية وهو يحارب الفرس، وكان قد هم بقتل الحارث الذي بعثه معه عمر، فأحس الرجل بذلك فخرج فاراً ولحق بعمر، وأخبره خبره. فكتب سيدنا عمر إلى سعد بن أبي وقاص بحبس أبي محجن فحبسه. فلما كان (قس) الناطف بالقادسية والتحم القتال سأل أبو محجن امرأة سعد أن تحل قيده، وتعطيه فرس سعد، وعاهدها أنه إذا سلم عاد إلى حاله من القيد والسجن، وإن استشهد فلا تبعة غليه، فخلت سبيله وأعطته الفرس. فقاتل أيام القادسية، وأبلى فيها بلاءً حسناً ثم عاد إلى محبسه، وكان نصر المسلمين على يده، فترك سعد بن أبي وقاص إقامة الحد عليه حيث أن الحدود لا تقام في حال الغزو. والتعزير يرجع إلى الاجتهاد وقد رأى سيدنا سعد عدم إقامة حد الشرب على أبي محجن ولا تعزيره بعد أن بذل نفسه في سبيل اللَّه تعالى، وأبلى ما أبلى. ولا مطهر من الذنب أقوى من هذا، فقد ضمن اللَّه للمجاهد إن مات أن يدخله الجنة، وإن رجع يرجعه بما نال من أجر وغنيمة مغفور له، وقد أثر هذا العفو في نفس أبي محجن فتاب إلى اللَّه تعالى توبة نصوحة، وأقلع عن الشرب بعد ذلك. وهكذا يكون المؤمن قوي الإيمان، قوي العزيمة. يقلع عن الذنب بعد الادمان عليه، إذا خاف ذنبه. ورجع إلى ربه.
    وقد روي أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (نهى أن يقام حد في أرض العدو) أخرجه ابن أبي شيبة رحمه اللَّه تعالى) .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #244
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 47 الى صــــــــ
    55

    الحلقة (244)



    القسم الثاني
    الحدود المتفق عليها
    حد الزنا - تعريفه
    __________
    الحدود
    الحد لغة: المنع - ولهذا يقال للبواب حداد، لمنع الناس عن الدخول. قال في النهاية: الحد يطلق على الذنب، ومنه قله تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها) ويطلق على العقوبة التي قرنها الشارع بالذنب ومنه قولهم: اقمت عليه الحد. واصل الحد: المنع والفصل بين الشيئين. قال في المصباح: ومنه الحدود المقدرة بالشرع، لأنها تمنع من الإقدام على الذنب، اه.
    وشرعا: هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالى كما ذكر في القرآن الكريم فقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال تعالى: (والحافظون لحدود الله) .
    وثمرته: رفع الفساد الواقع في المجتمع، وحفظ النفوس من الهلاك، وحفظ والأعراض، والأنساب من الاختلاط، وحفظ الاموال سالمة عن الابتذال والانتهاك.

    قال تعالى: (ولاتفسدوا في الآرض بعد اصلاحها) معناه: ولا تفسدوا شيئاً غي الارض فيدخل فيه المنع عن إفساد العقول بسب شرب المسكراة، والنهي عن إفساد النفوس بالقتل، وقطع الاعضاء، والمهي عن إفساد الأنساب بسبب الزنا، واللواط، والقذف. والنهي عن إفساد الاموال بالغصب، والسرقة، ووجوه الحيل في المعاملات. والنهي عن إفساد الدين بالكفر، وذلك لأن والمصلح المعتبرة في الدنيا هي هذه الخمسة: (1) النفوس (2) العقول (3) الأعراض (4) الأديان (5) الأموال.
    وفائدته: الامتناع عن الفعال الموجبة للفساد في العالم. ففي حد الزنا منع ضياع الذرية وإماتتها معنوياً بسبب اشتباه النسب، ولذا ندب الشارع عموم الناس إلى حضور حده، فقال تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) . وفي باقي الحدود، زوال العقل في الخمر، وإفساد الأعراض في القذف، وأخذ أموال الناس في السرقة. وقبح هذه الأمور في العقول، وثابت في الغرائز عند الجميع. ولذا لم تبح الأموال ولا الأعراض، ولا الزنا، ولا السكر، في الملل السابقة.
    ولما كان فساد هذه الأمور عاماً في الإنسانية كلها، وخطراً من أشد الأخطار عليها لما ينجم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    منها. كانت الحدود التي تمنع منها حقوق اللَّه على الخلوص. فإن حقوقه سبحانه وتعالى دائماً تفيد مصالح عامة للمجتمع كله.
    مبحث حكمة مشروعية الحدود
    وحكمة مشروعيته هو الزجر عما يتضرر به العباد. من إفساد الفرش، وإضاعة الأنساب، وهتك الأعراض، وإتلف الأموال، وزهاق الأنفس، واضطراب الامن. والحدود دواء شاف وعلاج ناجح، لما يصيب المجتمع من الأمراض الاخلاقية الخطيرة، ولأمراض النفسية الفتاكة. التة تهلك المجتمع وتنخر في جسده، وتمزق اوصاله، وتودة به الى الهاوية.

    إنما الامم الاخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت إخلاقهم ذهبوا

    فالإسلام ينظر إلى الإنحراف على أنه خروج عن الفطرة السليمة التي قفطر اللَّه الإنسان عليها. وعصيان على الطبيعة، وتمرد عليها، ويحاول العلاج لمن انحرف عن طبعه، وغذا تعذر العلاج، ولم يفد الإصلاح كان موقف الإسلام أشد صلابة في ردع المجرم، والقسوة في الحكم عليه حتى لا يكون بقاء الفساد قضاء على المجتمع كله.
    وبهذه الطريقة يحارب الإسلام الإنحرافات، ويضع لها الحدود الرادعة، التي تناسب خطورة الذنب، وقاية للجماعة الإنسانية من الضياع والفساد. كالعضو الذي أصيب بمرض فتاك. فإذا لم يمكن علاجه اضطر إلى بتره حماية للجسد كله.
    حد الزنا
    الزنا عبارة عن وطء مكلف في فرج امرأة مشتهاة، خال عن الملك وشبهته، ويثبت به حرمة المصاهرة، نسباً ورضاعة.
    ولما كانت جريمة الزنا من ابشع الجرائم التي ترتكب ضد الشرف والأخلاق، والفضيلة، والكرامة، وتؤدي إلى تفويض بناء المجتمع، وتفتيت الأسر، واختلاط الأنساب، وقطع العلاقات الزوجية، وسوء تربية الأولاد، بل تقضي إلى ضياع الطفل الذي هو قتل له معنى. فإن ولد الزنا، ليس له من يربيه، والأم بمفردها لا تستضيع تربية والقيام بشؤونه، لقصور يدها. فيشب على أسوأ الأحوال، ويصير عضواً فاسداً في جسد المجتمع الإنساني، ينشر الحقد، والبغضاء. ويبث الفساد، والإجرام، لأنه ثمرة الجريمة البشعة المنكرة.

    فجريمة الزنا من أخطر أمور الحياة كلها، بل أشدها تعلقاً بنظامها، ودوام سعادتها، وهنائها. وتمسكها، وترابطها، ولذلك اهتم الشارع الحكيم بهذا الحد أكبر اهتمام، صوناً للحياة المنزلية من الانهيار، وحفظاً للروابط الأسرية مما يتهددها من بلاء وأطار، فذكر غقاب من لا يحفظ فرجه، وبينه أعظم بيان، وجعله من أشد العقوبات، وأفظعها، وأوجب أن لا تأخذنا شفقة، ولا رحمة. بالجناة.

    وأن يشهد إقامة الحد جماعة من المؤمنين فقَالَ تَعَالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} . آية رقم /2 / من النور.
    ثم بين ما يجب علينا أن نراعيه في حفظ الفروج، وما تحتاج إليه لصيانتها من الضياع، وما يجب للإبضاع من الحرمة والصون، والإحتياط والمحافظة. فأمرنا بغض النظر إلى الأجنبيات، لأن النظر يريد الزنا. وأمرنا بصون أجساد النساء من التبذل، والظهور أمام الأجانب، وحث المرأة على حفظ جسدها بالإحتشام والتستر، والبعد عن مواطن الريبة، وبؤر الفساد، وعن الإختلاط بالرجل الأجنبي حتى لا تقع في محرم، ولا يجرها الإختلاط والتبذل إلى الوقوع في الذنب، وتستوجب إقامة الحد عليها. قَالَ تَعَالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} فقد خاطب اللَّه تعالى أمهات المؤمنين ونساء النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وهن الصالحات القانتات، الائي تربين في مدرسة النبوة، ونشأن في أعظم جامعة إسلامية. وتأدبن بأداب النبوة، وتخلقن بأخلاق الرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه، وقد كن لا يخرجن من بيوتهن إلا لعذر شرغي، كحج أو عمرة، أو زيارة أبوين، أو صلة أرحام، أو عيادة مريض، أو نحو ذلك. وإذا خرجن لا يبدين زينتهن، ولا يظهرن شيئاً من محاسنهن، ولا يلبسن ثياب براقة، فإذا كان اللَّه تَعَالى قد أمرهن هذا الأمر، وهن على هذا الحال، فغيرهن من سائر النساء أولى أن يخشى عليهن، لو خرجن ومشين في الطرقات على أعين الناس، وفيهم من في قلبه مرض من العصاة الفجرة، والمجرمين الفسقة، الذين لا يخشون اللَّه، ولا يخافونه، عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ: (إن المرأة عورة. فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وإن أقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في عقر بيتها) .
    واتفقت كلمة الفقهاء على أن خروج المرأة من بيتها قد يكون كبيرة. إذا تحققت منه المفسدة، كخروجها متعطرة متزينة. سافرة عارية. مبدية محاسنها للرجال الأجانب، كما هو حاصل في هذا الزمان، مما يوجب الفتنة. ويكون الخروج من المنزل حراماً، وليس كبيرة إذا ظنت وقوع الفتنة، ويصد عنها المفسدين المعتدين.

    وتبرج الجاهلية الأولى - وهي التي كانت قبل الإسلام، التبختر في تثن مع إظهار المحاسن، والزينة، وما يجب ستره من العنق، والصدر، والشعر، والقفا، والظهر، والذراعين، والساقين.

    ومما يدمي قلب الحر المؤمن الغيور، ما نشاهده في هذا الزمان من تبرج النساء، والفتيات، وخروجهن متبذلات، كاسيات عاريات. مائلات مميلات. عاريات الشعور والظهور، من غير حياء ولا مبالاة. حتى صرن أكثر تبذلاً، وانحلالاً من أهل الجاهلية التي كانت قبل الإسلام. وإثم ذلك راجع إليهن أولاً وإلى أولياء أمورهن ثانياً، من الأزواج والآباء، والأخوة. لعنهن اللَّه، ولعن من يرضى بذلك منهن، ولعن من ينظر إليهن، ومن يوافقهن من الرجال. وصدق رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم إذ يقول: (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) وهذا الحديث من دلائل النبوة حيث أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قد حدث عما يحدث في المستقبل، وأخبر عن المغيبات التي حصلت بعد حياته صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه بتسعين وثلاثمائة وألف عام.
    فتشريع حد الزنا من أهم الحدود التي تعالج مرضاً قوي الاستحكام في النفوس، قوي التأثير فيها، والتمكن منها، وهو سلطان الشهوة في الإنسان، وقوة طغيانها على العقل، لأنه تَعَالى ركبها في البشرية بهذه القوة الجامحة لعمارة الكون، ودوام الجنس البشري، ولكنها قد تخرج بصاحبها عن حدود الفضيلة. فسن الشارع لها الحد حتى يردعها من غيها، ويرجعها إلى طريق الصواب.
    مضار الزنا
    أما مضار الزنا الشنيعة، وآثاره الممقوتة، فهي أكثر من أن تحصى، لأنها مضار أخلاقية، ودينية، وجسمانية، واجتماعية، وأسرية، وناهيك بجريمة يرتكبها صاحبها وهو جزلان مسرور، بينما يجني على نفسه بإغضاب ربه، وتعرضه لمقته وغضبه، وشديد عقابه. بل يتعرض لانتزاع الإيمان من قلبه، كما يخلع الإنسان قميصه من عنقه. فإن مات وهو متلبس بجنايته، مات على ملة غير ملة الإسلام. قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) رواه البخاري وغيره.

    أما الأضرار التي تعود على المرأة من جراء هذه الفاحشة. فهو هتك عرضها، وسلب شرفها، واقتراف جريمة من أفظع جرائم المجتمع، وهي لاهية مسرورة، بلحظات قليلة، وشهوة حقيرة.

    ولا ننسى تدنس شرف أسرتها، وإلحاق العار بأهلها الأبرياء، نساء ورجالاً، بلا ذنب ولا جريرة ثم الجناية على الجنين الذي قد يولد من طريق الزنا، ويأتي ثمرة هذه الجريمة، فيتعرض للقتل وهو الغالب وإن عاش فالضياع، والفساد، والعار الملازم له طول حياته. واحتقار المجتمع له، ونفورهم منه، حتى يصبح الموت أفضل عنده من هذه الحياة. فإن من لم يثبت نسبه ميت حكماً.
    والجناية على زوجها إن كان لها زوج، وهتك عرضه، وضياع شرفه وسمعته، وسقوطه بين أصحابه، وجيرانه ومعارفه، وملاحقة العار له مدة حياته، وبعد وفاته. والجناية على الأولاد والذرية من ذكور وإناث، جناية تعدل القتل، وسلب الروح من الجسد، فهذه الجريمة البشعة لا تنسى مع الزمن، ولا تخفى على أحد، لأن رائحتها الكريهة تزكم النفوس، وتنتشر انتشار الريح العاصف وقد قيل: إن الجريمة لها أجنحة تطير بها.
    وإذا تصورت ما يترتب على هذه الجريمة حينما تدخل الزوجة على أولادها، وأسرة زوجها مولوداً ليس منهم، وتقحم عليهم شخصاً غريباً عنهم، يشاركهم بلا حق، في معيشتهم وشرفهم، وأسمهم وميراثهم وكل خواصهم، وما يتبع ذلك من أضرار جسيمة ما يعلمها إلا علام الغيوب. علمت فظاعة هذه الجريمة.
    ثم إذا نظرت إلى الأضرار الصحية التي تترتب على فاحشة الزنا من أمراض الزهري، والسيلان، وغيرهما مما أثبته الطب من مضار الزنا، وأفردت له كتباً مؤلفة في هذا الشأن، أدركت حكمة تشديد الشرع في تحريمه.

    وبعد فإن هذا البلاء الخطير متى وقع فيه الشخص مرة استمرأ، وتلذلذ به، ولا يستطيع الإقلاع عنه. وأحب التنقل فيه، بعد أن ذاق لذته، فيتفاقم شره، ويتزايد ضرره، ويصبح وباء للمجتمع الإنساني.

    فلا غرابة إذاً في أن يكون الأسلوب الذي يعالج به مرتكب هذه الجريمة، أن يضرب بالسوط مائة جلده إن كان بكرة ويفتضح أمره على مرأى من أصحابه وجيرانه، حتى يحتقر في نفوسهم، وتسقط منزلته بينهم، ويأخذوا منه حذرهم، ويبتعد عن مصاحبته، لأنه أصبح كالمريض الأجرب، لخبث نفسه، وسوء سريرته، وشناعة فعله، وشددة خطره على الأفراد الذين يتصلون به. وهذه عقوبته الدنيوية، ولعذاب الأخرة إن لم يتب أشد وأبقى.
    أما عقوبة الرجم بالحجارة للزاني المحصن، ففيه معنى إسقاط منزلة الزاني وتجريهما من الإنسانية الكاملة الفاضلة، وإلحاقهما بالعجماوات التي لا تفهم تأديب والزجر إلا بالضرب الشديد المؤلم. أو الموت الشنيع، حيث لا ينفع معهما ردع، ولا نصح، ولا يبقى له وسيلة تؤدبه إلا الضرب المبرح، فجعل الشارع الحيكم الجلد، أو الرجم، امام طائفة من امؤمنين ليكون الخزي والعار أبلغ وأكمل في حقهما، وليرتدع من تسول له نفسه الوقوع في ذلك الذنب بعد أن رأى عاقبته ونهايته.
    فالشارع الحكيم قصد من تشريع عقوبة الزنا، الردع للمجتمع، والزجر والتخويف للغير أكثر من التنفيذ على الجاني، فإن العبد حينما يقارن بين ما سيحصله من اللذة المعارضة بالزنا وبين ما سيتبع هذه اللذة من العقوبات الشديدة، والخزي، والعار، والفضيحة أمام المجتمع في حياته أو بعد مماته أمتنع عن الوقوع فيها وفضل بعقله البعد عنها، والفرار منها صوناً لنفسه، وعرضه، وشرفه وكرامته.

    وزيادة من الشارع في الإحتياط عن الوقوع في هذه الجريمة، وحفظ المجتمع منها حتى يعيش في سلام ومحبة. فليس هنا من يقطع أوصال المجتمع، وينشر العداوة بين أفراده وجماعته مثل جريمة الزنا. من أجل ذلك كله نهى الشارع المؤمنين من الإقتراب من الزنا والوقوع في مقدماته، وأسبابه، خوفاً من أن يقعوا في شركه كما ينهى النهندس المواطنين عن الإقتراب من موقع الخطر كتجمع الكهرباء، وحقول الألغام، ومخازن المفرقعات، حتى لا يدهمهم خطرهم، وهم لا يشعرون.

    قَالَ تَعَالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} أي ولا تقتربوا من الزنا بمباشرة أسبابه القريبة أو البعيدة، فضلاً عن مباشرته، وإنما نهي الشرع عن قربانه لأن قربانه داعه إلى مباشرته {إنه كان فاحشة} لأن فعله ظاهر القوى، متجاوز عن الحد، {وساء سيبلاً} أي بئس طريقة طريقاً فإنه غضب الإضياع المؤد إلى اختلال أمر الأنساب، وهيجان الفتن، وفساد المجتمع، كيف لا وقد عده اللَّه تَعَالى بعد الشرك والقتل فقال تعالى: {والذين لا يدعون مع اللَّه إلهاً آخراً، ولا يقتلون النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق ولا يزنون، ومن يفل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً} وبين لبرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه بعض أضراره ومساوئه فقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (إياكم والزنا فإن فيه ستة خصال، ثلاثة في الدنيا، وثلاثة في الأخرة، وأما التي في الدنيا: فذهاب البهاء، ودوام الفقر، وقصر العمر. وأما التي في الأخرة: فسخط اللَّه تَعَالى، وسوء الحساب، والخلود في النار) ، ورواه أبوحذيفة بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ.
    وقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان على رأسه الظلة، فإذا انقطع رجع إليه) ..
    وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي وردت بالنهي عن الزنا والأسباب التي تقرب منه.
    عورة المرأة
    اختلف العلماء فيما يباح للمرأة كشفه من أعضائها أمام الرجل الأجانب، وما لا يباح كشفه تبعاً لإختلافهم في فهم المراد من قوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} الآية. والمراد بغض البصر يعني كف النظر إلى المحرم، والمراد بحفظ الفروج حفظها من النظر إليها، ومن لمسها، ومن وطئها إلا على زوجها، قَالَ تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} - {ولا يبدين زينتهن} أي لا يظهرن محل زينتهن {إلا ما ظهر منها} ، وقد اختلف العلماء في تحديد العورة على مذاهب.
    الشافعية في إحدى روايتين والحنابلة قالوا: جميع بدن الحرة عورة، ولا يصح لها أن تكشف أي جزء من جسدها أمام الرجال الأجانب إلا إذا دعت لذلك ضرورة، كالطبيب للعلاج والخاطب للزواج، والشهادة أمام القضاء، والمعملة في حالة البيع والشراء، واستثنوا من ذلك الوجه والكفين لأن ظهورهما لضرورة، أما القدم فلا جرم اختلفوا فيه هل هو عورة أم لا؟ فيه وجهان، والأصلح أنه عورة.
    الحنفية والرأي الثاني للشافعية والمفتي به عند المالكية، قالوا: جميع بدن المرأة الحرة عورة إلا الوجه والكفين فيباح للمرأة كشف وجهها وكفيها في الطرقات، وأمام الرجل الأجانب ولكنهم قيدوا هذه الإباحة بشرط أمن الفتنة، أما إذا كان كشف لاوجه واليدين يثير الفتنة لجمالهما الطبيعي أو لما فيهما من الزينة وأنواع الحلي فإنه يجب عليها سترهما ويصيران عورة كبقية أعضاء جسدها، وذلك من باب سد الزرائع وقطع دابر الفتنة وصيانة الأداب وحفظ الأعراض والأناب، فإن النظرة رسول الشهوة وبريد الزنا ورائدة الفجور وسهم مسموم يصب في القلوب، ورد نظرة كانت بذرة لأخبث شجرة.
    وقيل: مكتوب في التوراة: النظرة تزرع في القلب الشهوة ورب شهوة أورثت حزناً طويلاً.
    وروي عن أم سلمة: أنها كانت عند النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وميمونة، إذ أقبل ابن متكوم فدخل عليهما، فقال عليه الصلاة والسلام احتجبا منه. فقلت يَا رَسُولَ اللَّه أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟.
    حكم صوت المرأة
    اختلف العلماء في صوت المرأة فقال بعضهم إنه ليس بعورة، لأن نساء النبي كن يروين الأخبار للرجال، وقال بعضهم إن صوتها عورة، وهي منهية عن رفعه بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها، وقد قَالَ اللَّه تَعَالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} فقد نهى اللَّه تَعَالى عن استماع صوت خلخالها لأنه يدل على زينتها، فحرمة رفع صوتها أولى من ذلك، ولذلك كره الفقهاء أذان المرأة لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت، والمرأة منهية عن ذلك، وعلى هذا فيحرم رفع صوت المرأة بالغناء إذا سمعها الأجانب سواء أكان الغناء على آلة لهو أو كان بغيرها، وتزيد الحرمة إذا كان الغناء مشتملاً على أوصاف مهيجة للشهوة كذكر الحب والغرام وأوصاف النساء والدعوة إلى الفجور وغير ذلك.
    مبحث حكم الغناء
    اختلف العلماء في حكم الغناء، واستماعه.
    الحنفية - قالوا:
    الغناء إما أن يكون من امرأة أو رجل، فإن كان من امرأة وكان بصوت غير مرتفع بحيث لا يسمعه الناس فلا مانع منه، أما إذا كان الغناء بصوت مرتفع يسمعه الأجانب فهو حرام، وخصوصاً إذا كان مشتملاً على كلام مهيج للشهوة، ومثير للفتنة كتحسين الخمور وأوصاف النساء أو دعوة إلى الحب والغرام إلى غير ذلك.
    أما الرجل فإن كان غناؤه لدفع الوحشة عن نفسه، أو كان لحماس الجند أو الحث على العمل والجهاد فهو جائز، أما إذا كان الغناء مشتملاً على ذكر الحب والغرام، ويخشى أن تفتتن به امرأة أجنبية تسمعخ فيكون في هذه الحالة حراماً، كما هو حاصل في الإذاعة والسينمات ودور الملاهي والتمثيل. وكذلك غناؤه في حادث سرور مباح إذا كان بغير آلة ولم تكن فيه عبارات مهيجة ولم تحصل منه فتنة، وكان الاجتماع غير محذور لا تختلط فيه النساء مع الرجال وكان الغناء على غير آلة لهو، ولم يكن سبباً لمحرم، أما إذا لم يستوف هذه الشروط فغناؤه حرام، كما هو الحال في الأغاني التي يذيعها المطربون والمغنون.
    المالكية - قالوا: الغناء حرام على النساء وسماعه حرام. إلا إذا كانت الأغاني من الرجال بعبارات حماسية يف لاحرب أو تسلية للإبل على السير في الصحراء ولم تصحبه آلة لهو وطرب.
    وقد سئل الإمام مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عما ترخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إن ما يفعله عندنا الفساق، فقد روي عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) . وعن يزيد بن الوليد أنه قَالَ: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن لاخمر ويفعل ما يفعله السكر.

    الشافعية - قالوا: إن الغناء الماجن مع آلات الطرب واللهو حرام على النساء والرجال، وسماعه حرام، فقد نقل عن الإمام الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: الغناء لهو مكروه يشبه الباطل، من استكثر منه فهو سفيه وترد شهادته.
    الحنابلة - قالوا: الغناء حرام سواء أكان من النساء أم من الرجال إذا كان القول يثير الشهوة، لمن استمع إليه، أو أدى إلى اختلاط الرجال بالنساء، أو خروج عن حشمة ووقار.
    والاستماع يأخذ حكمه، فإن الشخص إذا سمع وصف الخمر والصدر والخد والشدي وذكر وتحتد وباعث الشر، وتستيقظ دوافع الفتنة، وتنبه الآعضاء إلى لذة الفاحشة، وذلك نصر لحزب الشيطان، وتخذيل للعقل المانع منه، الذي هو حزب الرحمن، فهو يؤدي إلى حرام وما أدى إلى حرام فخو حرام، كالنظر إلى الأجنبية بشهوة أو لمسها أو الخلوة بها.
    الزنا معطل للنسل الصالح
    إن الإسلام بتشريعه حد الزنا، وعنايته التامة بإقامته واهتمامه الزائد بتنفيذ أمام طائفة من عباد اللَّه المؤمنين، ونزول الآبات الكثيرة بشأنه والنهي عن اقتراف مقدماته وأسبابه والاقتراب منه، وتحريم الأشياء المقربة منه، كالاختلاط والغناء والرقص وخلافه، واعتباره من أعظم الفواحش ومن أكبر الذنوب ومقارنته بالشرك باللَّه تعالى وقتل الأنفس، ووصفه في القرآن الكريم بأنه يكون سبباً في مضاعفة العذاب يوم القيامة والخلود في نار جهنم، وأنه يسبب المقت والمهانة، ويجلب على صاحبه العار والفضحية ويجرفه إلى أسوأ السبيل، وقول النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (بأنه يخلع الإيمان من قلب الزاني والزانية كما يخلع الرجل قميصه من عنقه) ، وتشريع ضرب الزاني المحصن بالحجارة حتى يموت، هو أشنع عقاب وأشد عذاب في التشريع.
    فالإسلام يقصد من وراء ذلك كله إلى صيانة الأعراض أيما وحفظها من التلوث والدخالة، لأن الأعراض الطاهرة تستوجب الطمأنينة السعيدة في الأسرة، وتنبت ذرية قوية صالحة، وأفراداً شرفاء فضلاء، وأشبالاً أشداء أقوياء، ترفع الإنسانية وتسمو بها، وتعلي من قدرها، وما من شك في أن الأسرة المتهدمة والعائلة المتفرقة، لا تكون أمة نبيلة ولا شعباً كريماً، لأن بناء المجتمع الصالح إنما يكون من لبنات متينة قوية متماسكة. والشعوب التي يفشو فيها الزنا وتظهر فيها الفاحشة وتنتشر بينها المفاسد يسارع إليها الخراب المادي والأدبي، وينتشر فيها الفساد الخلقي انتشار النار في الهشيم، وينخر فيها المنكر كنخر السوس في الخشب، ويستحيل أهلها إلى شراذم متهدمة لا تناصر بينهم ولا تعارف ولا محبة ولا تآلف لعدم وجود عاطفة القرابة ورابطة الأخوة والدم فتتنافر وتتشاحن وتتفرق، وتذهب قوتها وهيبتها وتضيع كرامتها.
    وقد أشار ذلك الرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه حيث قَالَ: (لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، أوشك أن يعمهم اللَّه بعقابه) .
    فالزنا من الأسباب التي تقوض دعائم الأمم وتهدم مجدها، وتجلب لها الذل والاستعمار لأنه معطل للنسل القوي الصالح المتناصر، وقاتل للنخوة والشهامة ومميت للجرأة والشجاعة، وقاطع للرحم التي تربط بين الناس، والتي على نظامها وتقديرها تبنى كافة الروابط الإنسانية، من الأبوة والنبوة والآخوة وسائر القرابات.
    ولهذا كان النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم يفتخر بحسبه ونسبه وأن اللَّه حفظ أصله وآباءه من هذا الوباء، فقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (ولدت من نكاح، ولم أولد من سفاح) وولد الزنا لا يغار على وطن ولا إلى أهل، وكان من قول الخنساء رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وهي تنصح أولادها الأربعة في حرب القادسية وتحرضهم على الثبات والجلد والقتال: (أي بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حشبكم ولا غيرت نسبكم) فهي تشير إلى أمر مهم في القتال وهو أنهم قد ولدوا من بطن طاهر ومن أصل طاهر ومن حسب نقي ومن أبوين عفيفين غير ملوثين) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #245
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 56 الى صــــــــ
    65

    الحلقة (245)

    مبحث حد المحصن

    -أما حد الزنا فقد فرقت الشريعة فيه بين الذي تزوج والذي لم يتزوج، فشددت العقوبة على الأول لأنه عرف معنى الزوجية، وقدر قيمة العدوان على العرض حق قدره، فكان جزاؤه الإعدام (1) .
    ولا ريب أنه جزاء يناسب هذه الجريمة مناسبة تامة، لأن العدوان على العرض بهذه الصورة الشنيعة كالعدوان على النفس، بل ربما فضل الغيور على عرضه، قتله على الزنا بحليلة أو محرمة (2) .
    مبحث حد غير المحصن
    أما غير المتزوج فقد قدرت له مائة جلدة، لما عرفت من أنه لم يعرف معنى الغيرة على الزوجة، فكان له حق في التخفيف (3)
    مبحث من قتل الرجل الذي زنى بامرأته
    وكثيرا ما نرى الناس يقتل بعضهم بعضاً من جراء الزنى، ولذلك نجد القوانين في كل الشرائع قد رفعت القصاص عن قاتل الزاني بامرأته، لأنها ترى أن هذه الخيانة تستوجب قتل مرتكبها (4) .
    __________
    محبة ولا تآلف لعدم وجود عاطفة القرابة ورابطة الأخوة والدم فتتنافر وتتشاحن وتتفرق، وتذهب قوتها وهيبتها وتضيع كرامتها.
    وقد أشار ذلك الرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه حيث قَالَ: (لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، أوشك أن يعمهم اللَّه بعقابه) .
    فالزنا من الأسباب التي تقوض دعائم الأمم وتهدم مجدها، وتجلب لها الذل والاستعمار لأنه معطل للنسل القوي الصالح المتناصر، وقاتل للنخوة والشهامة ومميت للجرأة والشجاعة، وقاطع للرحم التي تربط بين الناس، والتي على نظامها وتقديرها تبنى كافة الروابط الإنسانية، من الأبوة والنبوة والآخوة وسائر القرابات.
    ولهذا كان النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم يفتخر بحسبه ونسبه وأن اللَّه حفظ أصله وآباءه من هذا الوباء، فقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (ولدت من نكاح، ولم أولد من سفاح) وولد الزنا لا يغار على وطن ولا إلى أهل، وكان من قول الخنساء رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وهي تنصح أولادها الأربعة في حرب القادسية وتحرضهم على الثبات والجلد والقتال: (أي بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حشبكم ولا غيرت نسبكم) فهي تشير إلى أمر مهم في القتال وهو أنهم قد ولدوا من بطن طاهر ومن أصل طاهر ومن حسب نقي ومن أبوين عفيفين غير ملوثين) .
    تعريف المحصن
    -1 - اتفق الأئمة على أن من شرائط الإحصان.
    -2 - الحرية.
    -3 - البلوغ.
    -4 - العقل.
    -4 - أن يكون متزوجاً بامرأة محصنة مثل حاله بعقد صحيح.
    -5 - وأن يكون دخل بها ووطئها في حالة جاز فيها الوطء، وهما على صفة الإحصان.
    فلا يقام الحد على عبد، ولا على صبي، ولا مجنون، ولا غير متزوج زواجاً صحيحاً كما وصفنا، ولو وطئ زوجته في الدبر فليس بمحصن أو وطئ جاريته في القبل فليس بمحصن، أو وطئ في نكاح فاسد كأن تزوجها بلا ولي أو بلا شهود فليس بمحصن، أو وطئ زوجته وهو عبد ثم عتق، أو كان صبياً ثم بلغ، أو كان مجنوناً ثم أفاق.
    وانما اشترط الوطء في نكاح صحيح لأنه به قضي الواطئ والموطوءة شهوتهما فحقه ان يمتنع عن الحرام _ واعتبر وقوعه حال الكمال لأنه مختص بأهل الحالات وهو النكاح الصحيح فاعتبر حصوله من كامل حتى لا يرجم من وطيء وهو ناقص ثم زنا وهو كامل، بل يرجم من كان كاملاً في الحالين.
    واختلف الفقهاء في شرط الاسلام في الاحصان.
    الحنفية والمالكية - قالوا: ان الاسلام من شروط الإحصان لأن الاحصان فضيلة ولا فضيلة مع عدم الاسلام، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من اشرك بالله فليس بمحصن) ولأن إقامة الحد طهارة من الذنب والمشرك لا يطهر إلا في نار جهنم _ والعياذ بالله.
    الشافعية والحنابلة - قالوا: إن الاسلام ليس بشرط في الإحصان لأن الرَسُول صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم
    اليهودية واليهودي اللذين زنيا في عهده حينا رفع اليهود امرهم اليه كما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، وهو حديث متفق عليه.

    اتفق الفقهاء على وجوب شروط الإحصان في المرأة المزني بها مثل الرجل في الاتفاق، والخلف، فإذا توفرة شروط الاحصان في احد الزوجين دون الاخر ففيه خلاف.

    الحنفية والحنابلة - قالوا: لا يثبت الإحصان لواحد منهما فلا يرجمان بل يجلدان.
    الشافعية والمالكية - قالوا: يثبت الإحصان لمن تتوافر فيه الشروط فيرجم ويسقط الإحصان عمن لاتتوافر فيه هذه الشروط، فإن زنيا كان الجلد في حق من لم يثبت له الإحصان الرجم إلى من يثبت له الإحصان واستدلوا على مذهبهم بما خرجه أهل الصحاح عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهمي انهما قلا إن رجلاً من اهل الأعراب اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله أنشدك الله إلاقضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم، وهو أفقه منه: نعم اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم فقال النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: قل، فقال إن ابني كان عسيفاً عند هذا فزنا بامرأته وإني اخبرت أن على ابني الرجم فافتديه بمائة شاة ووليذة، فسأت اهل العلم فأخبروني انما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم فقال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس - امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها أنيس اعترفت فأمر النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بها فرجمت)
    إقامة الحد على المحصن
    (1) اتفق الأئمة على ان من كملت فيه شروط الإحصان ثم زنا بامرأة قد كملت غيها شروط الإحصان بأن كانت حرة بالغة عفلة مدخولاً بها في نكاح صحيح وهي مسلمة_ فهما زانيان محصنان يجب على كل واحد منهما الرجم حتى الموت لقول الرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البته نكالا من الله حديث متفق عليه.

    وقل النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) كما ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها وأبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما.
    ولما روي عن النبي أنه قال: (إن الرجم حق في كتاب الله إلى من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، او كان الحمل، او الإعتراف) حديث متفق عليه
    ولأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم ماعزاً، ورجم الخامدية وغيرهما، ولإن الخلفاء الراشدون أقاموا حد الرجم بلإجماع من غير نكير من واحد منهم، فحد الرجم ثابت بالأحاديث المتواترة، وفعل الرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وإجماع الأمة. وثابت بالكتاب على رأي من يقول ان حديث الردم كان آية من القرآن ثم نسخت وبقي حكمها ,
    كيفية اقامة حد الرجم
    (2) وإذا وجب إقامة حد الرجم على الزاني أو الزانية بإقرار، أو شهادة شهود، أو بينة فيرجم بحجارة معتدله، لابحصيات خفيفة لئلا يفوت التنكيل المقصود من اقامة الحد، بل يضرب بحجر ملء الكف وينفى ضرب الوجه لما روي مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال (نهى رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم فيه، وهو الكي بالنار، ولأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لما أمر برجم الغامدية أخذ حصاة ورماها بها ثم قال للناس ارموا واتقوا الوجه.
    والرجل الزاني وقت الحد لا يربط، ولا يقيد، ولا يحفر له حفرة، أما المرأة فيجوز أن يحفر لها حفرة عند رجمها إلى صدرها حتى لا تنكشف عورتها وتشد عليها ثيابها وقت إقامت الحد عليها كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم ايام رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم.
    واتفق الفقهاء على ان حد الرجم يقام على الزاني في الحر او البرد الشديدين ويقام على المريض، لأن النفس مستوفاة به فلا يؤخر حده إلى البرء بخلاف الجلد.
    واتفقوا على ان حد الرجم لا يقام على المرأة الزانية اذا كانت حبلى ويؤخر إلى أن تلد ويرضع الطفل حتى يأكل، كما فعل النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في حد الغامدية، ولأن إقامة الحد على الحامل فيه قتل للجنين الذي في بطنها وهو قتل لنفس بريئة من غير وجه حق واتفقوا: على انه إذا مات الزاني في الحد يغسل ويكفن ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين. كما فل الرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فيمن مات بالحد.
    زنا العاقل بالمجنون
    إذا مكنت امرأة مسلمة بالغة عاقله مجنونا أجنبياً عنها من نفسها فزنى بها، أو زنى عاقل بالغ بمجنونة اختلف الفقهاء في حكمهما.
    الحنفية - قالوا: لو زنى الرجل العاقل البالغ بصبية لا تعقل أو مجنونة مسلوبة العقل يقام الحد عليه، وهو خاص بالرجل.
    وإذا أطاعت المرأة العاقلة البالغة صبيا غير بالغ، أو مجنونا ومكنته من نفسها فلا يجب عليها إقامة الحد ولا على من واقعها، لأن الحد يجب على الرجل بفعل الزنا ويجب على المرأة بالتمكين من الزنا والمأخوذ في حد الزنا الحرمة المحضة وذلك غير موجود في فعل الصبي لعدم التكليف فلا يكون معها تمكيناً من الزنا فلا يجب عليها الحد وفعل البالغ العاقل تمحص حراماً فيوجب الحد.
    أبو يوسف، ومحمد، وزفر - قالوا: يجب على المرأة العاقلة التي مكنت منها صبياً أو مجنوناً وزنت به لأنها عاقلة مكلفة فتسأل عن أفعالها وذلك هو الراجح) .

    جلد غير المحصن

    (3) اتفق الفقاء على ان البكرين الحرين العاقلين البالغين المسلمين إذا زنيا فعلى كل واحد منهما الجلد مائة جلدة، وذلك ثابت في كتاب الله تعالى حيث قال الله عز وجل (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من الؤمنين)

    قال المفسرون خصصت هذه الآية بلأحاديث الواردة في رجم المحصن وبقيت في حكم غير المحصن.
    كيفية قانون حد الجلد
    قال الفقهاء: ضرب التعزير أشد من ضرب الزنا، وضرب الزنا أشد من ضرب شارب الخمر وفي حالة الجلد لا يضرب بسوط جديد حتى لا يزيد الألم، ولا بسوط قديم بال حتى لا يؤلمه الضرب،وإنما يضرب بسوط وسط مصنوع من الجلد، قالوا: ولا يمد المضروب ولا يشد ولا يبالغ الجلاد في الضرب ولا يجرد من جميع ثيابه فيترك عليه قميص يستر عورته ويرفع عنه الفرو وثياب الجلد ويفرق الضرب إلى جميع الأعضاء حتى يعطى كل عضو حظه من الضرب لأنه قد ذاق اللذة في كل عضو، ولأن جمع الجلدات في عضو واحد ربما يؤدي إلى الإتلاف، والإتلاف غير مستحق فيرق الضرب على الأعضاء كي لا يؤدي إلى الإتلاف المنهي عنه بقول النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، زنا بعد إحصان، وارتداد بعد إسلام، ومقتل نفس بغير نفس) رواه الترمذي عن سيدنا عثان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
    ويتقي في الضرب المقاتل، كثغرة النحر والفرج والوجه لأنه يجمع بين المحاسن ولقول النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) وما روي عن سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ للجلاد دق الرأس فإنه فيه شيطاناً، ويضرب الرجل قائماً.
    أما المرأة فتضرب جالسة مستورة ولا تجرد من ثيابها لأنه عورة مستورة وكشف العورة حرام، إلا أنه ينزع عنه الحشو والفرو، والجلد، ليخلص الألم إلى جسدها حتى يحصل المطلوب من إقامة الحد وهو الشعور بالألم لتتزجر وتقلع عن الذنب، وإنما تضرب وهي قاعدة. لقول سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يضرب الرجل قائماً والمرأة قاعدة، ولأن مبنى حال الرجل على الانكشاف والظهور حتى يعتبر به غيره، ومبنى حال المرأة على الستر والخفاء.
    جلد المريض
    إذا كان المطلوب جلده نحيفاً، أو هزيلاً شديد الهزال، أو مريضاً خبيثاً لا يرجى برؤه، كالمسلول والمجذوم، والمصاب بالسرطان، وغير ذلك من الأمراض الفتاكة الخطيرة، يجلد بمكتال النخل، أي (عرجون عليه غصن) وبه مائة غصن أو خمسون ففي المائة يضرب به مرة واحدة، وفي الخمسين يضرب به مرتين مع ملاحظة مس الاغصان لجميع جسمه، أو يضرب بطرف ثوب مفتول، او يضرب بالنعال، كما حدث أيام الرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقد روي البخاري رحمه الله وأبو داود، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: أتي النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم برجل قد شرب الخمر فقال: اضربوه، منا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله فقال عليه الصلاة والسلام: (ولا تقولواهكذا لاتعينوا عليه الشيطان)
    فيفهم من الحديث جواز الضرب في حالة الحد بكل شئ يؤلم، فيستعمل هذا في حالة المرض الشديد تيسيراً من الله على المرضى.
    أما في حالة الصحة فلا يجوز استعمال هذه الآلات. حيث انه لا يؤدي الخرض المطلوب، من إقامة الحد، وهو التألم والانزجار عن الوقوع في الجلد، فيتعين الضرب بسوط الجلد حتى يحصل المقصود.
    واتفق الفقهاء على انه لا يجوز جلد الزاني في حالة الحر الشدي، ولا في حالة البرد الشديد، بل يجب تأخيره الى اعتدال الجو.
    واتفق الأئمة على ان الزاني غير المجصن اذا كان مريضاً بمرض يرجى برؤه لا يقام عليه الحد، بل يؤخرويسجن حتى يبرأ منه كي لا يهلك اجتماع الضرب مع المرض.

    حد النفساء والحامل

    اتفق الفقهاء على ان الرأة لاتجلد في حالة الحمل بل تؤخر حتى تضع الجنين، تزول ألم اولادة وتبرأ من النفاس حفظاً للجنين والمرأة لئلا يهلكا باجتماع الجلد وألم الولادة ومرض النفاس، لما روي عن الإمام علي كرم الله وجهه أنه خطب المسلمين فقال: أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بالنفاس، فخشيت إن جلدتها قتلتها، فذكرت ذلك للنَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: (أحسنت) .
    وروى الخمسة غير البخاري عن عمران بن حصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أن امرأة من جهينة أتت رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وهي حبلى من الزنا. فقالت: يا نبي اللَّه أصبت حداً فأقمه عليّ، فدعى نبي اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وليها فقال: (أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل، فأمر بها النَبِي اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال عمر: تصلي عليها يا نبي اللَّه وقد زنت؟ فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها للَّه تعالى؟) .
    فيؤخذ من الحديث إقامة الحد على العبد والأمة، من ككان محصن أو غير محصن، كما يؤخذ من الحديث تأخير الحد عن النفساء حتى تصح ويتم نفسها وترضع طفلها، حتى يستغنى عنها رحمة بالجنين وهذا من يسر الإسلام.
    الجمع بين الجلد والرجم
    المالكية، والشافعية، والحنفية - قالوا: لا يجوز الجمع بين الجلد والرجم على المحصن، لأن حد الرجم نسخ حد الجلد ورفعه، ولأن الحد الأصغر ينطوي تحت الحد الأكبر، ولا تحصل منه الفائدة المرجوة، وهو الزجر والإقلاع عن الذنب حيث أن الجاني سيموت.
    الحنبلة قالوا: إن المحصن يجلد في اليوم الأول ثم يحد بالرجم في اليوم الثاني، لما روي عن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أنه جلد رجلاً يوم الخميس ورجمه يوم الجمعة.
    ولكن الراجح هو قول الجمهور لأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم ماعزاً، ورجم امرأة من جهينة، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه جلد واحداً منهما قبل رجمه.
    قَالَ الإمام الشافعي رحمه اللَّه فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر ساقط عن الثيب. وكل الأئمة عندهم رجم بلا جلد.
    الجمع بين الجلد والتغريب

    اختلف الفقهاء في ذلك.
    المالكية - قالوا: يجب تغريب البكر الحر الزاني غير المحصن، بعد اقامة الحد عليه، بعيداً عن موطنه الذي يقيم فيه مسافة قصر، ولمدة عام، لتقبيح الزنا في عين الزاني، ورحمة به لبعده عن المكان الذي حصل فيه الزنا، لانه يحصل له اذى وخزي كلما رآه اهل بلده وجيرانه ويحتقرونه في المساجد والمجتمعات، ويحصل لهم الاثم، من تعييره، فتغريبه أفضل له ولهم.
    وأما المراة الزانية فلا تغريب عن بلدها خوفاً من شيوع الفتنة وإنتشار الفساد، ولإنها عورة وفي تغريبها تضييع لها وقد نهى الشارع أن تسافر المرأة بغير ذي رحم محرم معها، والواجب عليها الجلوس في عقر بيتها والبعد عن المجتمع، وهو الامساك في البيوت.
    الحنفية - قالوا: لا يجوز الجمع بين الجلد والتغريب، لان التغريب لم يذكر في آية النور، فهو زيادة على النص، التغريب ثابت بخبر واحد فلا يعمل به، ولا يكون من تمام الحد، وإنما يترك الرأي للإمام، ويكون من باب التعزير فإن رأي الإمام فيه فائدة غربه، وإن ير فيه فائدة فلا يبغده عن وطنه، وقال الإمام أبو حنيفه في هذا المقام حكمته الشهورة: (كفى بالنفي فتنه) . وما فعله بعض الصحابة كان باجتهاده.
    الشافعية، والحنابلة - قالوا: إنه يجمع في حق الزانيين البكرين الحرين العاقلين، بين الجلد والتغريب إلى حد قصر فيه الصلاة، حتى يحصل لهما الوحشة بالبعد عن الاهل والوطن، فيحصل فيه زجر عن الوقوع في الخطيئة. وبه حكم ابو بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والإمام علي رضي الله عنهم حتى قال بعضهم: وأرى فيه الإجماع لما ثبت ان عمر غرب الى الشام وعثمان غرب إلى مصر وعلي غرب الى البصره. وما روي أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قال: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث العسيف (على ابنك جلد مائة وتغريب عام) ويغرب الذكر والانثى على السواء مع ملاحظة ان يكون مع الزاني ذو رحم محرم على نفقتها في حالة غربتها، يرافقها ويقيم معها.
    (4) اختلف العلماء في حكم من وجد مع امرأة رجلا، وتحقق وجود الفاحشة منهما. فقتله هل يقتل ام لا؟ .

    الجمهور - قالوا: لا يصح ان يقدم الرجل على قتل رجل وجده عند زوجته، وتحقق من ارتكابه الفاحشة لما روى البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه: (ان سعد بن عبادة رضي اله عنه قال: يارسول الله أرأيت ان وجدة مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (نعم فإن قتله يقتص منه، إلا أن يأتي ببينة على ارتكابه جريمة الزنا وهومحصن أو يعترف القتول بذلك، أما اذا قتلهما أو أحدهما، ولم يستطع ان يأتي بالبينة وإحضار الشهداء على الزنا، او الإعتراف. فإنه يطالب بالقود، والقصاص، أو الدية لأنه يجوز لرجل أن يدعو رجلاً آخر لدخول بينه لعمل شيء ثم يقتله لضغن في نفسه ويقول: وجدته مع امرأتي كذباً.
    ويجوز ان يقتل الرجل زوجته ليتخلص منها لشيء في نفسه، ثم يدعي عليها زوراً، أنه وجد معها رجلاً يزني بها، لذلك احتاط الشارع في هذا حفظاً للأرواح بأنه يجب على القاتل إقامة البينة على دعواه، فإن استطاع إقامة البينة فلا شيء عليه) .
    وذهب بعض السلف: إلى انه لا يقتل أصلاً، ويعذر فيما فعله، إذا ظهرت أمارات صدقه، بكشف الطبيب الصادق عليهما، أو وجود شبهات سابقة على سوء سلوك الزوجة، أو اشتهار المقتول بالزنا أو غير ذلك.
    الحنابلة، والمالكية -: قالوا: إن أتى بشاهدين إلى انه قتله بسبب الزنا، وكان القتول محصناً فلا شيء عليه.
    الهادوية - قالوا: يجوز للرجل أن يقتل من وجده مع زوجنه. أو أمته، أو ولده حال الفعل، ولا شيء عليه، وأما بعد انتهاء الفعل فيأتي ببينة أو يقتص منه إن كان بكراً.
    الشافعية - قالوا: إذا وجد الرجل مع امرأته رجلاً فادعى أنه ينال ينال منها ما يوجب الحد، وهما ثيبان فقتلهما. أو أحدهما، ولم يأت بالبينة كان عليه القود أيهما قتل، إلا أن يشاء أولياء الدم أخذ الدية، أو العفو.
    ولو ادعى على أولياء المقتول منهما أنهم علموه قد نال منها ما يوجب عليه القتل إن كان الرجل، أو ميلاً من المرأة إن كانت المرأة المقتولة، اكن على أيهما ادعى ذلك عليه أن يحلف أنه ما علم.
    وهكذا لو وجد رجلاً يتلوط بابنه، أو يزني بجاريته، لا يختلف الحكم. ولا يسقط عنه القود، والقتل إلا إذا أتى ببينة على الفعل.
    ولو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً ينال منها ما يوجب حد الزاني فقتلهما والرجل محصن والمرأة غير محصنة بأن كانت غير مسلمة، أو أن العقد بغير شهود فلا شيء في الرل، وعليه القود في المرأة، وإذا كان الرجل غير محصن والمرأة محصنة كان عليه القود في الرجل، ولا شيء عليه في المرأة، إذا استطاع أن يأتي بابينة على ارتكابهما الزنا.
    فقد روي عن ابن المسيب أن رجلاً بالشام وجد مع امرأته رجلاً فقتله وقتلها، فكتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري بأن يسأل له عن ذلك علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فسأله فقال علي كرم اللَّه وجهه: (أنا أبو الحسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته) . أي يقتل.
    وروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ أنه أهدر دم المقتول، وقال: هذا قتيل اللَّه، واللَّه لا يودى أبداً.
    وهذا الذي صدر عن سيدنا عمر، لأن البينة قامت عنده على أن المقتول ارتكب الزنى وهو محصن، أو على أن ولي القمتول أقر عنده بما وجب به أن يقتل المقتول.
    وقد قَالَ: إن كان القاتل معروفاً بالقتل فاقتلوه، وإن كان غير معروف بالقتل فذروه ولا تقتلوه ...
    وأما الأديان السابقة، فقد أجمعت على تحريم الزنا، كما ثبت ذلك في الكتب المزلة من السماء.
    موقف القوانين الوضعية من هذه الجريمة
    لقد انقسمت القوانين الوضعية في معلجتها لهذه الجريمة البشعة إلى ثلاثة أقسام:
    -1 - قوانين لا تعاقب على جريمة الزنا إطلاقاً، بل تبيحها كالقانون الإنكليزي.
    -2 - قانون يعاقب على الجريمة بالتساوي دون التفرقة بين الزوج والزوجة، كالقانون الألماني.
    -3 - قانون يعاقب على الجريمة، ولكنه يفرق بين الزوج والزوجة، كالقانون الفرنسي، وهو الذي، تسير عليه القوانين الحالية في محاكم الجمهورية العربية.

    مقارنة بين القانون السماوي والقانون الوضعي

    إن الدين الإسلامي يعتبر كل اتصال جنسي محرم بي رجل وامرأة. أو بين رجل ورجل جريمة زنا، سواء أكان الرجل محصناً، أم غير محصن، أم غير محصن إذا كان مميزاً، بالغاً، عقلاً، غير مكوه، ولا دخل للمكان فيه.

    أما القانون الوضعي: فلا يعتبر هذه الجريمة زنا إلا إذا كان الفعل بين رجل متزوج، وامرأة متزوجة، أو كان أحدهما متزوجاً، ووقعت الجريمة بالشروط، والأوضاع التي بينها القانون.

    فبالنسبة للرجل، لا تتحقق الجريمة إلا في منزل الزوجية، فلو وقعت في غير هذا المكان لا تعد حناية، ولا يعاقب عليها، وبالنسبة للمرأة، فإن الجريمة تقع منها متى ارتكبتها في أي مكان، ما دامت مقترنة بزوج.
    ويتضح الفرق في القانون الوضعي بين الزوج، والزوجة فيما يأتي:
    -1 - يثبت الزنا على الزوجة إذا ارتكبته في أي مكان، أما الزوج فلا يثبت عليه الزنا إلا إذا ارتكبه في منزله - المادة (274 - 277) من القانون.
    -2 - تعاقب الزوجة بالحبس إذا ضبطت متلبسة بالجريمة، مدة لا تزيد عن سنتين، أما الزوج فيحبس لمدة ستة أشهر.
    -3 - لا يجوز للزوجة أن تسامح زوجها بعد الحكم النهائي عليه، وإن كانت تستطيع أن تسامحه قبل صدور الحكم عليه. أما الزوج فيستطيع أن يعفو عن زوجته حتى بعد صدور الحكم النهائي عليها، لأنه تنازل عن حقه - المادة (274) .
    -4 - يخفف القانون عقوبة الزوج الذي تعفو عنه زوجته، إذا ضبط متلبساً بجريمة الزنا، بينما هي لا تستفيد من هذا التخفيف.
    -5 - من فاجأ زوجته حال تلبسها بجريمة الزنا فقتلها، وقتل من يزني بها يعاقب بالحبس مدة متناسبة بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين (234 - 236) في شأن من قتله رجل آخر.
    وقد جرى قانون النقض في المحاكم المصرية على أن القتل في هذه الحالة يعتبر جريمة جنحة، فلا يعاقب على الشروع فيه لعدم النص.
    مبحث دفاع الرجل عن ماله وحريمه
    اتفق الفقهاء: على أن الرجل إذا هجم عليه رجل يريد أخذ ماله، أو قتله في مصر فيه غوث، أو كان في صحراء لا غوث فيها، أو أريد هتك حريمه في واحد منهما، فالإختيار له، أن يكلم المجرم، الذي يريده ويستغيث بالمسلمين، أو الجند، فإن منع أو امتنع وتركه ورجع عنه لم يكن له قتاله، وإن أبى أن يمتنع وهجم عليه يطلب ماله، أو يريد قتله، أو قتل بعض أهله، أو دخول على حريمه، زوجة، أو بنت، أو أخت، أو أم، أو إحدى المحارم، أو خادمة، أو أمة، أو صبي. أو قتل اللص الحامية التي من خارج الدار، حتى يتمكن من الدخول على النساء لإرتكاب الفاحشة، أو اغتصاب إحداهن، كرهاً فيجب على رب الأسرة أن يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة، وسلاح، فإذا لم يستطع رده إلا بالضرب، باليد، أو العصا، أو السلاح، أو غيره، فله ضربه في هذه الحالة، ولكن ليس له تعمد قتله من أول وهلة، بل يضربه في غير مقتل. فإن ضربه دفاعاً عن نفسه، أو ماله، أو عرضه، ومات المعتدي، فلا عقل عليه، ولا قود، ولا دية، ولا كفارة، ولا إثم يوم القيامة، ولا تعزيز من الحاكم، ويكون دمه هدراً، وإن قتل الرجل المدافع بسلاح اللص الظالم فهو شهيد، وله أجر مجاهد في سبيل اللَّه عز وجل.
    روى الترمذي وغيره عن سعد بن زيد رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) قَالَ: وهو حديث حسن.
    وروى مسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: (جاء رجل إلى رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: يا رسول اللَّه أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قَالَ: لا تعطه مالك، قَالَ أرأيت إن قاتلني؟ قَالَ: قالته، قَالَ: أرأيت إن قتلني؟ قَالَ: فأنت شهيد، قَالَ: أرأيت إن قتلته؟ قَالَ: هو في النار) . ويقاس عليه من دافع عن نفسه، وعرضه، ودينه كما سبق في الحديث الشريف.
    ضرب المرأة لتأديبها
    اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على جواز ضرب الزوجة إذا نشزت، أو خالفت أمره، أو ارتكبت فاحشة.

    لقوله الله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجرونهن في المضاجع، واضربوهن} أي ضرباً مؤلماً غير مبرح فلا يكسر عضواً، ولا يسيل دماً، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم لستم تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نشائكم حقاً، ولنشائكم عليكم حقاً فحقكم عليهن أن لا يوطئن، فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا غليهن، وكسوتهن وطعامهن" رواه الترمذي رحمه الله.
    -

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #246
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 66 الى صــــــــ
    76

    الحلقة (246)

    مبحث رأي المعتزلة والخوارج

    -ولم يخالف في هذا الحد إلا بعض المعتزلة، والخوارج، فإنهم قالوا: إن عقوبة الرجم كانت موجودة في صدر الإسلام، ثم نسخت بقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} فالزانيان يستحقان الجلد سواء كلنا محصنين أو لا. ولكن دليلهم هذا لا يتم إلا إذا ثبت أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لم يرجم أحداً بعد نزول هذه الآية.
    ولكن الجمهور قالوا: إن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قد رجم بعد نزول هذه الأية، بدليل أن أبا هريرة حضر الرجم، وهو لم يسلم ب سنة سبع، وسورة النور نزلت سنة ست أو خمس، وقد رجم الخلفاء الراشدون بعد النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، وصرجوا بأن الرجم حد، وقد نازع هؤلاء بأن الكتاب لا يصح نسخه بالسنة.
    وأجيب بأن السنة المشهورة تخصص الكتاب بلا خلاف، وهنا خصصت السنة. الزاني، بغير المحصن، وهذا الخلاف لا يترتب عليه فائدة كبيرة عملية (1)
    مبحث الشهادة في الزنا
    -لأن حد الزنا منوط في الوقع بلإقرار الزاني، فإذا لم يقر الزاني، فإنه لا يمكن إثباته عليه بالبينة، لأنه لا يثبت إلا بأربعة شهود عدول، يرون الإيلاج بالفعل، وذلك إن لم يكن محالاً، فهو متعذر (2) .
    __________
    (1) (حكي في البحر عن الخوارج أن الرجم غير واجب عندهم، وكذلك حكاه عنهم أيضاً ابن العربي رحمه اللَّه تعالى، وحكاه أيضاً عن بعض المعتزلة، كالنظام وأصحابه، ولا مستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن الكريم، وهذا باطل، فإن الرجم قد ثبت بالسنة المتواترة المجمع عليها، وأيضاً هو ثابت بنص القرآن لحديث عمر بن الخطاب عند الجماعة أنه قَالَ: (كان مما أنزل على رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم آية الرجم، فقرأناها، وحفظناها، ووعيناها، ورجم رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم ورجمنا بعده) ونسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم، كما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُما، وقد أخرج أحمد والطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة بن سهل عن خالته العجماء: أن فيما أنزل اللَّه من القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة) .
    وعن ابي هريرة، وزيد بن خالد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنمها قالا: (إن رجلاً من الأعراب أتى رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه الا قضيت لي بكتاب اللَّه، وقال الخصم الآخر، وهو أفقه منه نعم، فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَم قل، قَالَ: إن ابني كان عسيفاً عند هذا فزنى بامرأته - وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها قَالَ: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فرجمت) رواه الجماعة.
    وعن عبادة بن الصامت قَالَ: (قال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم خذوا عني خذوا عني قد جعل اللَّه لهن سيبلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي، وعن جابر بن عبد سمرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم ماعز بن مالك رواه أحمد. وقد أجمعت الأمة على وجوب حد الرجم على الزاني المحصن) .
    (2) (اتفقت كلمة الفقهاء على أن جريمة الزنا تثبت بالشهادة، أو الإقرار، واتفقوا على أن عدد الشهود في هذه الجريمة المنكرة، أربعة، بخلاف سائر الحقوق، لقوله تعالى: {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} وقوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} وقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم للذي قذف امرأته (ائت بأربعة يشهدون على صدق مقالتك - وإلا فحد في ظهرك) واجماع الأمة على ذلك.
    وافق الأئمة على أن صفة الشهود أن يكونوا عدولاً، وأن يكونوا ذكوراً، غير محدودين.
    واتفقوا على أن من شروط هذه الشهادة أن تكون بمعاينة فرجه في فرجها، وأن تكون الشهادة بالتصريح، لا بالكناية لأن في اشتراط العدد بالأربعة يتحقق معنى الستر على عباد اللَّه تعالى، الذي دعا إليه الشارع، ولأن الشيء كلما كثرت شروطه قل وجوده، وذلك قصد الشارع.
    واختلف الفقهاء في اشتراط عدم تعدد المجلس.
    الحنفية والمالكية، والحنابلة - قالوا: إنه يشترط في أداء الشهادة. أن يشهدوا بالزنا في مجلس واحد، وإلا فهم فسقة، ويقام عليهم حد القذف، وذلك لأن الشارع طلب التحقيق في إقامة الحدود، وأداء الشهادة في مجالس متفرقة شبهة تمنع قبول شهادة الشهود وتقبل شهادتهم إذا ادوها في مجالس متفرقة، وذلك للمبادرة إلى تطهير المسلم من الذنوب إذا كمل النصاب في الشهود بحسب اجتهاد الحاكم، وما يراه من المصلحة للمسلمين في دينهم ودنياهم.
    اتحاد المكان والزمان

    واختلف الفقهاء في اشتراط أن تكون الشهادة من الأربعة في مكان واحد، وفي زمان واحد.
    الحنفية، والمالكية - قالوا: يشترط أن تكون شهادة الأربعة في مجلس واحد، واشترطوا كذلك أن يحضر الشهود الأربعة مجتمعين في زمان واحد. فإن جاؤوا متفرقين واجتمعوا في مجلس واحد، لا تقبل شهادتهم، ويقام عليهم حد القذف لوجود شبهة في أداء الشهادة. وهي عدم اتحادهم في الحضور، لأن الشاهد الأول لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة من الشهداء فوجب عليه الحد.
    الشافعية - قالوا: لا يشترط اتحاد الشهود في الزمان، ولا في المكان، بل متى شهدوا بالزنا، ولو كانوا متفرقين واحداً بعد واحد، قبلت شهادتهم، ويقام الحد عليهما لهذه الشاهدة.
    وذلك لأن الإتيان بأربعة شهداء قدر مشترك بين الإتيان بهم مجتمعين أو متفرقين، فالآتي بهم متفرقين يكون عاملاً بالنص. ولأن كل حكم يثبت بشهادة الشهود إذا جاؤوا مجتمعين، يثبت إذا جاؤوا متفرقين كسائر الأحكام، بل هذا أولى لأنهم إذا جاؤوا متفرقين كان أبعد عن التهمة، وعن أن يتلقن بعضهم من بعض، ولأنه لا يشترط أن يشهدوا معاً في حالة واحدة.
    الحنابلة - قالو: المجلس الواحد شرط في اجتماع الشهود، وفي أداء الشهادة. فإذا جمعهم مجلس واحد، وأدوا الشهادة سمعت شهادتهم، وإن جاؤوا متفرقينـ قبل أداء الشهادة، لأن الشبهة إنما تظهر في اختلاف المكان فقط.
    اختلاف الشهود في مكان الحادث

    واختلف الفقهاء في اشتراط عدم اختلاف اغلشهود في تحديد الماكن الذي وقعت فيه الفاحشة. كأن شهد اثنان من الشهود أنه زنا بها في هذه الزاوية من المنزل. وشهد اثنان آخران أنه زنا بها في زاوية أخرى من نفس المنزل.

    الحنفية، والحنابلة - قالوا: إن هذا الخلاف لا يضر في أداء الشهادة. بل تقبل ويقام الحد.
    المالكية، والشافعية - قالوا: لا تقبل الشهادة في هذه المسألة، ولا تجب إقامة الحد لأن اختلاف الشهود في تحديد المكان شبهة تدرأ الحد عن الزنا، فيشترط أن يأتي الأربعة في وقت واحد، يشهدون على وطء واحد، في موضع واحد، بصفة واحدة، بهذا تتم الشهادة.
    اختلافهم في البلد
    وإن شهد اثنان على رجل بأنه زنى بها في الكوفة، وشهد آخران بأنه زنى بها في البصرة مثلاً، فلا تقبل الشهادة، ولا يقام عليهما الحد بالإجماع، ويحد الشهود حد القذف.

    إذا ظهر أن الزانية بكر

    وإن شهد أربعة من الرجال العدول على امرأة بالزنا بآخر ثم وجدت بعد ذلك بكراً. فإن الشهادة ترد ولا تقبل بالإجماع، ويدرأ الحد عنها لوجود الشبهة، ولا يحد الشهود. فإن وجود البكارة دليل على عدم وقوع الزنا.
    عدم التقادم في أداء الشهادة
    وإذا شهد الشهود بحد متقادم لم يمنعهم من إقامته بعدهم عن الإمام الحاكم اختلف فيه الفقهاء.
    الحنفية - قالوا: إنه لا تقبل شهادتهم في هذه الحالة لوجود شبهة التقادم في أداء الشهادة لأن الأصل عندهم أن الحدود الخالصة للَّه تعالى تبطل بالتقادم، لأن الشاهد مخير بين حسبتين إحداهما أداء الشهادة، وثانيتهما: التسر على المسلم، فالتأخير في أداء الشهادة لاختيار الستر، فالاقدام على الأداء بعد ذلك لوجود ضعينة هجيتهم، أ, لعداوة حركتهم بعد السكوت، فيتهمون في شهادتهم - إلا إذا وجد عذر لهم.
    أما إذا كان التأخير لغير سبب يصير الشاهد فاسقاً، فترد شهادته لتيقنا بالمانع.
    المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: إن الشهادة في الزنا، وفي حد القذف، وشرب الخمر، تسمع بعد مضي زمان طويل من الواقعة. وذلك لأن الحد بعد الشهادة أصبح حقاً. ولم يثبت لنا ما يبطله، وقد يكون عندهم عذر، منعهم من أداء الشهادة في وقت وقوع الفاحشة. بأن الفتنة كانت قائمة لم تخمد إللا ذلك الوقت الذي يقام الحد فيه، فيعذرون في تأخيرهم.
    اختلاف الشهود في الاستكراه
    إذا شهد اثنان على رجل بالزنا، وقالا: استكراهاً، وقال آخران: بل كان الزنا طواعية. فقد اختلف الفقهاء في ذلك.

    الإمام أبو حنيفة، والمالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: لا حد عليهما في هذه الحالة وترد شهادة الشهود لوجود شبهة تدرأ الحد، وهي تضارب الشهود في أقوالهم.

    وقال الصاحبان رحمهما اللَّه تعالى: يحد الرجل خاصة، لأن الشهود الأربعة شهدوا، واتفقوا على أنه زنى، ولكن اختلفوا في هل هو مكره، أم لا؟ فيقام الحد عليه. أما المرأة فلا يقام عليها الحد لأنها في هذه الحالة مكرهة، بشهادة الشهود، والمكرهة على الزنا لا تحد إجماعاً. ويجب على الزاني دفع صداقها، ويلحق به ولدها إن حملت منه.
    شهادة الزوج
    وهل يجوز أن يكون الزوج من الشهود الأربعة في شهادة الزنا على زوجته؟
    المالكية - قالوا: يجوز كون الزوج من الشهود على زوجته بالزنا، لأن الزوج يلحقه العار من هذا الأمر، خصوصاً إذا كان له منها أولد، فلا يكون متهماً في أداء الشهادة. فتقبل شهادته وتحد الزوجة.
    الحنفية، والشافعية والحنابلة - قالوا: لا يجوز شهادة الزوج مع شهود الزنا على زوجته لأنه متهم في أداء هذه الشهادة. فلا تقبل شهادته.
    سؤال الشهود
    وإذا حضر الشهود في مجلس الحاكم لأداء الشهادة على حصول الزنا، سألهم الحاكم عن الزنا ماهو؟، وكيف هو؟، وأين زنا؟، وبمن زنا؟، وكيف زنا؟، فإن اتفقوا جميعاً في هذه الأمور وقالوا: رأينا إيلاج الذكر في الفرج، كالميل في المكحلة، بالتفصيل لأنه لا يكفي الإجمال في هذه الحالة فيجب على الحاكم لإقامة الحد على الزانيين، فربما يكون لمسها، أو يكون النى في دار الحرب، أو في الصبا، أو في زمان متقادم.
    المالكية - قالوا: إنما تصح الشهادة إذا اتحد الزنا عندهم في صفته. من اضطجاع، أو قيام، أو قعود، أو هو فوقها، أو تحتها، في مكان كذا، في وقت كذا، ولا بد من ذكر ذلك كله للحاكم على انفرادهم بعد تفرقهم قبل الأداء بأمكنة، ور, يا، في وقت واحد لا متفرقين في أوقات، ولا بد في التشديد عليهم، وطلباً للستر ما أمكن، فإن تخلخل واحد منهم في أداء الشهادة، أو لم يوافق غيره ردت شهادتهم، وحدوا للقذف.
    شهادة الأعمى على الزنا
    المالكية - قالوا:
    تقبل شهادة المسلم العدل وإن كان في الأقوال فقط سواء تحملها قبل العمى، أم بعده، وذلك لضبط الأقوال بسمعه، وكذلك بالحس، كما إذا تحسس على الفاعلين.
    الحنفية - قالوا: لا تقبل شهادة الأعمى على الزنا، لنه لا يتمكن من تمييز الزاني والزانية.
    والحدود لا بد فيها من التحقيق واليقين.
    الحنابلة والشافعية - قالوا: إذا تحمل الشهادة قبل العمى. بأن رأى الفعل وهو مبصر ثم طرأ عليه العمى قبلت شهادته، أما إذا كانت بعد العمى فلا تقبل شهادته.
    إنكار الإحصان
    إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فأنكر أنه محصن، وله زوجة قد ولدت منه، فإنه يرجم ولا يقبل قوله، لبيان كذبه، بوجود الزوجة والولد.
    وإن شهد أربعة على رجل بالزنا، فأنكر الاحصان، فشهد عليه رجلان بأنه تزوج امرأة ودخل بها في نكاح صحيح، ثبت الاحصان عليه، ويرجم.
    اعتراض ما يخرج الشاهد عن أهليته للشهادة

    أجمع العلماء على أنه يسقط الحد باعتراض ما يخرج الشاهد عن أهليته للشهادة. كما لو ارتد عن الإسلام - والعياذ باللَّه تعالى - أو عمي أحد الشهود، أو خرس، أو فسق، أو أقيم عليه حد القذف، لا فرق في ذلك بين كونه قبل القضاء أو بعده قبل إقامة الحد، وكذلك موت الشهود أو موت أحدهم مسقط للحد.

    اشتراط أن يبدأ الشهود بالرجم
    الحنفية - قالوا:
    يجب أن يبدئ الشهود برجم الزاني أولاً ويجبرهم الإمام على ذلك، ثم الإمام، أو نائبه، ثم الناس بعد وهذا شرط لا بد منه في إقامة الحد، حتى لو امتنع الشهود عن رجم الزني يسقط الحد عن المشهود عليهما، ولا يحد الشهود حد القذف، لأن امتناعهم ليس صريحاً في رجوعهم، ولكنه شبهة في درء الحد. لأن امتناع الشهود عن رجم الزاني دليل على الرجوع في أقوالهم، فإن الشاهد ربما يتساهل في الأداء أولاً. ولكن عند مباشرة الفعل يتعاظم ذلك عليه، ويرق قلبه، ويرجع عن شهادته. فيرتفع الحد عن المتهمين، وفيه تثبيت وزجر، لما روي من حديث أبي بكرة أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم امرأة، وكان هو أول من رماها بحصاة مثل الحمصة، ثم قَالَ: (ارموها واتقوا الوجه) .
    روي عن عامر الشعبي قَالَ: كان لشرحة زوج غائب بالشام، وأنها حملت فجاء بها مولاها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ، فقال: إن هذه زنت واعترفت فجلدها يوم الخميس مائة، ورجمها يوم الجمعة، وحفر لها إلى السرة، وأنا شاهد، ثم قَالَ: إن الرجم سنة سنها رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، ولو شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد، يشهد ثم يتبع شهادته حجره، ولكنها أقرت فأنا أول من رماها بحجر، ثم رمى الناس وأنا منهم، فكنت واللَّه فيمن قتلها.
    أبو يوسف من علماء الحنفية - قال: إن بداءة الشهود مستحبة، وليست مستحقة، فإذا امتنعوا أو غابوا، أو ماتوا - يقيم الإمام الحد، ولا يتركه، لأنه ثبت بالشهادة. فيجب إقامته.
    الشافعية - قالوا: يبدأ بالرجم الإمام، أو نائبه، ولا يشترط أن يبدأ الشهود، وليس له أن يرجم نفسه لأن من فعل موجب القتل لا يصح له أن يقتل نفسه - بل ذلك للإمام، أو نائبه -.
    الحنابلة - قالوا: يجوز للإمام أن يحضر رجمه وأن لا يحضر. وكذا الشهود لأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أمر برجم ماعز، ولم يحضر رجمه.
    رجوع الشهود
    إذا شهد أربعة على رجل بالزنا بفلانة، وأربعة غيرهم شهدوا بالزنا بامرأة أخرى، فرجم، ثم رجع الفريقان. في شهادتهم ضمنوا ديته إجماعاً، وحدوا للقذف جميعاً، عند الإمام أبي حنيفة، وأبي يوسف.
    والإمام مُحَمَّد بن الحسن - قال: يضمنون الدية، ولكن لا يقام عليه حد القذف.
    الحنفية - قالوا: إذا رجع الشهود بعد الرجم حد الراجع وحده وغرم ربع الدية، وإذا رجع واحد منهم قبل إقامة الحد حدوا جميعاً، لأنه كان سبباً في قتل المتهم ظلماً.
    إذا تبين عدم عدالة الشهود

    اختلف الفقهاء فيما إذا حكم القاضي على الزاني بالجلد فمات أو جرح ثم تبين له أن الشهود غير عدول. بل هم ممجرحون. أو تبين أنهم فسقة، أو عبيد، أو غير مسلمين. أو أحدهم محدود في قذف أو أعمى: فإنهم يحدون باتفاق العلماء:

    أبو حنيفة - قال: لا ضمان على القاضي فيما حكم به، ولا على الشهود ولا على بيت المال، وقال الصاحبان: الأرش والدية على بيت المال.
    المالكية - قالوا: إن قامت البينة على فسقهم لا يضمن القاضي، وإن قامت البينة على الرق والكفر يضمن، وعليه الدية لعائلة الذي أقيم عليه الحد، لتفريطه. في التأكد من عدالة الشهود.
    الشافعية، والحنابلة - قالوا: يجب على القاضي ضمان الدية فيما يحصل من أثر الضرب في حالة الجلد، أو الأرش في حالة الجرح.
    واتفق العلماء على أنه إذا كان الحد الرجم. فرجم ثم ظهر أحد الشهود على ما ذكرنا. فديته على بيت المال، ويقام الحد على الشهود.
    إذا مات الجاني من الجلد
    المالكية - قالوا:
    إذا سرى الموت إلى الجاني بسبب الجلد أو الضرب. إن كان الحاكم قد ظن السلامة من فعله فلا إثم ولا دية عليه. وإذا شك في السلامة ضمن ما سرى على نفس، أو عضو، أي ضمن الدية، وهي على العلاقة وهو يدفع كواحد منهم، فإن ظن عدم السلامة، فعليه القصاص، ويعلم ظن السلامة، أو عدمها، أو الشك، من إقرار الحاكم، ومن قرائن الأحوال، وذلك في حالة التأديب على المعاصي التي ليست فيها حدود، أما المعاصي التي يجب فيها إقامة الحد مثل جلد البكر بالزنا،أو شرب الخمر، أو حد القذف، وضربه ضرباً عادياً غير منفذ فلا يجب عليه شيء إذا مات من أثر ذلك.
    فقد روي أن سيدنا عمر بن الخطاب بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها ففزعت منه فأسقطت فاستشار سيدنا عمر علياً كرم اللَّه وجهه في سقطها، فقال علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عليه الدية للجنين الذي مات من السقط. فأمر علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن يضرب بها على قومه. ففعل.
    فقد ذهب الصحابة رضوان اللَّه عليهم إلى أن الإمام وإن كانت له الرسالة العظمى، فعليه أن لا يتلف بها أحداً من غير إقامة حد، فإن تلف ضمن. وكان المأثم مرفوعاً عنه. لأنه مأذون في التأديب على الذنوب التي لا حد فيها، وفي حالة إقامة الحد يكون الضرب مؤلماً غير جارح ولا مهلك.
    الحنفية - قالوا: لا ضمان على الشهود لأن الواجب بشهاداتهم هو الضرب غير المهلك، ولا على القاضي لأنه لم يقض بالضرب المهلك، بل يقتصر على الجلاد إلا إنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح، لأنه لم يتعمده، وإذا لا يجب الضمان أصلاً.
    خطأ الإمام في إقامة الحدود
    واختلف العلماء فيما إذا حصل خطاء في حكم القاضي في الحدود والقصاص.
    الحنفية - قالوا: ارش الخطأ والدية تكون في بيت مال المسلمين في حالة الخطأ، ولا غرامة على القاضي لأنه اجتهد فأخطأ، فلا ذنب عليه - روي أن الإمام علياً كرم اللَّه وجهه قَالَ: ما أحد يوت في حد فأجد في نفسي منه شيئاً، لأن الحق قتله، إلا من مات في حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، فمن مات فيه فديته إما على بيت المال، وأما على الإمام - شك من الرواي -.
    المالكية - قالوا: إذا مات الشخص في حد من حدود اللَّه فدمه هدر، ولا ضمان فيه على أحد.
    الشافعية والحنابلة - قالوا: روايتان عنهما - إحداهما - أن الضمان في هذه الحالة على بين المال ولا شيء على عائلة القاضي. والرواية الثانية: أن ضمان الدية تكون على القاضي وعائلته، ولا يذهب ماله هدراً، لأن القاضي مكلف بالمحافظة على أرواح الناس في حالة إقامة الحد، مثل قطع اليد في السرقة، فيجب عليه ألا يتعدى المكان، وأن يحسم الدم بأن يغمس في الزيت المغلي، ولا يضرب المجلود ضرباً مبرحاً يفضي إلى التلف، ولذلك يجب عليه الدية. لأن عمله أفضى إلى الموت فهو متسبب كالذي ضرب صيداً، فأصاب إنساناً. فتجب عليه الدية لأنه أخطأ في ضرب سهمه.
    رجوع شهود الزنا والإحصان
    إذا شهد أربعة بالزنا على رجل، وشهد اثنان بالإحصان، فأقام الحاكم الحد عليه ثم رجع الجميع في شهادتهم، شهود الزنا - وشهود الإحصان.
    الحنفية - قالوا: تجب الدية على شهود الزنا الأربعة فقط، ولا ضمان على شهود الإحصان.
    الشافعية - قالوا: الدية تجب أثلاثاً - الثلثان على شهود الزنا، والثلث على شهود الإحصان.
    الحنابلة - قالوا: الدية تجب عليهم نصفان، على شهود الزنا النصف، وعلى شاهدي اٌحصان النصف الآخر لأن الحد إنما تم بشهادتهم جميعاً، فلو شهدوا بالزنا ولم يشهد عليه بالإحصان جلد، فشهادة الإحصان هي التي تسببت في قتله ظلماً من غير وجه حق. فيضمون معاً مناصفة.
    المالكية - قالوا: فيه روايتان - أظهرهما أن الدية على شهود الزنا فقط، مثل الحنفية، وفي رواية عنهم: الدية مناصفة مثل قول الحنابلة.
    فائدة
    اتفقت كلمة العلماء على أن غير الإمام لا يجوز له أن يقيم الحد لقوله تعالى: {فاجلدوهم} فقد أجمعت الأمة على أن المخاطب بذلك هو الإمام، ثم احتجوا بهذا على وجوب نصب الإمام، لأنه سبحانه أمر بإقامة الحد، وأجمعوا على أنه لا يتولى إقامته إلا الإمام واجباً.

    وإذا فقد الإمام فليس لآحد الناس إقامة هذه الحدود، بل الأولى أن يعينوا واحداً من الصالحين للحكم، يقوم به.
    الشهادة على الشهادة
    الحنفية والمالكية والحنابلة، وفي رأي عند الشافعية - قالوا:
    إذا شهد أربعة على شهادة أربعة رجل بالزنا لم يحد لما فيها من زيادة شبهة لتحققها في موضعين، تحميل الأصول، وفي نقل الفروع، وإن كان الشرع اعتبر الشهادة على الشهادة، وألزم القضاء بموجبها في المال لكنها ضعيفة، ولا يلزم من اعتبارها في الجملة، اعتبارها في كل موضع كشهادة النساء، فإنها معتبرة صحيحة في ذلك وليست معتبرة في الحدود ولزيادة شبهة فيها، فالشهادة مع زيادة مثل تلك الشبهة معتبرة إلا في الحدود، وسببه أن يحتاط في درئها، فكان الاحتياط رد ما كان كذلك ولأنها بدل، واعتبار البدل في موضع يحتاط في إثباته، لا فيما يحتاط في إبطاله.
    الشافعية، وفي رأي آخر - قالوا: إن الشهادة على الشهادة تقبل ويقام الحد بها، إذا تكاملت شروطها.
    مبحث رجوع أحد الشهود بعد الشهادة
    الحنفية - قالوا:
    إذا رجع واحد من الشهود بعد القضاء، وقبل إقامة الحد حدوا جميعاً حد القذف، لن الامضاء من القضاء، فكان رجوعه قبل الإمضاء كرجوعه قبل القضاء، وتظهر ثمرة كون الإمضاء من الإمضاء من القضاء، فيما إذا اعترضت أسباب الجرح في الشهود، أو سقوط إحصان المقذوف، أو عزل القاضي يمتنع استيفاء حد القذف وغيره.
    ولو رجع واحد من الشهود في شهادته قبل القضاء حدوا جميعاً، لأن كلامهم قذف في الأصل، وإنما يصير شهادة باتصال القضاء به، ولم يتصل به لأن رجوعهم منع من ذلك فبقي قذفاً، فيحدون حد القذف.
    أما إذا امتنع الرابع عن أداء الشهادة فإنه يحد الثلاثة ولا يحد الرابع، ولا يكون الحد بسبب سكوت الرابع بل يقول الثلاثة انه زنى ولا ننظر إلى سكوت الرابع، فكل واحد يؤاخذ بذنبه لا بذنب غيره، لأنهم قذفة.
    إذا كان الشهود خمسة
    الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا:
    إذا كان عدد الشهود خمسة فرجع أحدهم بعد رجم الزاني المشهود عليه لا شيء عليه من الحد والغرامة، لأنه بقي بعد رجوعه من يبقى بشهادته كل الحق، وهو شهادة الأربعة.
    الشافعية - قالوا: عليه الغرامة، أي خمس الدية.
    رجوع اثنين من الشهود

    الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا: إذا كان الشهود في حد الزنا خمسة ورجم المشهود عليه ثم رجع اثنان من الشهود حد كل منهما حد القذف وغرما ربع الدية لورثة المرجوم، أما الرجم فلأن الشهادة تنقلب قذفاً للحال، لعدم بقاء تمام الحجة من رجوع الثاني، وأما الغرامة فلأنه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق، والمعتبر في قدر لزوم الغرامة، بقاء من بقي لا رجوع من رجع.
    الشاقعية - قالوا: إن قَالَ الشهادان اللذان رجعا في شهادتهما أخطأنا، وجب عليهما قسطهما من الدية، وفيه وجهان، في وجه خمساها وفي وجه آخر ربعها، كما قَالَ الأئمة الثلاثة.
    أما إذا قالا: تعمدنا الكذب والشهادة فإنهما يبطلان بالرجوع، حداً.
    رجوع المزكين للشهود
    اتفق الأئمة على أنه: إن شهد أربعة على رجل بالزنا وزكوا، بأن قَالَ المزكون هم أحرار مسلمون عدول، أما لو اقتصروا على قولهم عدول، فلا ضمان على المزكين إن ظهروا عبيداً، فإذا زكوا كما ذكرنا فرجم ثم ظهر بعضهم كافراً أو عبداً فإما أن يستمر المزكون على تزكيتهم قائلين هم أحرار مسلمون فلا شيء عليهم اتفاقاً، وإن قالوا: أخطأنا في ذلك فلا يضمنون لظهور كفر أحدهم، فربما طرأ الكفر بعد أداء التزكية.

    الحنفية - قالوا: إذا قَالَ المذكون: تعمدنا فقلنا هم أحرار مسلمون مع علمنا بخلاف ذلك منهم فيضمنون، وتكون الدية على المزكين، وخالف الصاحبان في ذلك فقالا على بيت المال.
    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا: في هذه الصورة السابقة لا ضمان على المذكين بل الدية على بيت المال، لأنهم لو ضمنوا لكل ضمان عدوان، والضمان يكون بالمباشرة أو التثبت، وعدم المباشرة ظاهر، وكذلك التسبب، لآن سبب الإتلاف الزنا وهم لم يثبتوه، وإنما اثنوا على الشهود خيراً، فصار كما لو أثنوا على المشهود عليه بالإحصان فكما لا يضمن شهود الإحصان بعد رجم المشهود عليه به، إذ ظهر أنه غير محصن لأنه لم يثبت السبب، كذلك لا يضمن المذكون.
    وحجة الإمام أبي حنيفة في وجوب الضمان عليهم، أن الشهادة بالزنا إنما تصير حجة موجبة للحكم بالرجم على الحاكم، بالتزكية، فكانت التزكية في معنى علة العلة للإتفلاف وعلة العلة كالعلة في إضافة الحكم إليها، على ما عرف بخلاف الإحصان فإنه ليس موجباً للعقوبة، ولا لتغليظها، بل الزنا هو الموجب، فعند الإحصان يوجبها غليظة لأن كفران نعمة اللَّه، فلم تضف العقوبة إلى نفس الإحصان الذي هو النعمة، بل إلى كفران النعمة، فكانت الشهادة به شهادة بثبوت علامة على إستحقاق تغليظ العقوبة، والسبب هو وضع الكفران في موضع الشكر.
    وقالوا: لا يسقط لفظ الشهادة في التزكية، ولا يشترط مجلس القضاء، ولا يشترط العدد عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال الإمام محمد: يشترط في التزكية الإثنين في سائر الحقوق، والأربعة في الزنا، ويجوز شهادة رجل وامرأتين، في الإحصان، ثم لا يحد الشهود حد القذف، لأنه قذفوا حياً فمات، ولا يورث استحقاق حد القذف، وإذا ظهروا عبيداً ورجعوا وجب تعزيزهم بالإتفاق.

    من قتل المحكموم عليه بالرجم

    الحنفية - قالوا: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا، فأمر القاضي برجمه فقتله رجل عمداً، أو خطأ بعد الشهادة قلب التعديل، يجب القود على القاتل في العمد، والدية في الخطأ على عاقلته، وكذا إذا قتله بعد التزكية قبل بالرجم، أما إذا حكم القاضي برجمه فقتله رجل عمداً، أو خطأ فلا شيء عليه، وإن قتله بعد القضاء ثم وجد الشهود عبيداً، أو كفاراً، أو محدودين في قذف، فالقياس أن يجب القصاص، لأن قتل نفساً محقونة الدم عمداً، لكنه لما ظهر أن الشهود عبيد تبين أن القضاء لم يصح، ولم يصر مباح الدم، وقد قتله بفعل لم يؤمر به، إذ المأمور به الرجم، وقد حزر رقبته، فلم يوافق أمر القاضي ليصير قتله منقولاً إليه مقصوراً عليه.
    وفي الإستحسان تجب الدية لأن قضاء القاضي بالرجم نفذ من حيث الظاهر، وحين قتله كان القضاء صحيحاً. فأورث شبهة الإباحة، وهذا لأنه لو نفذ ظاهراً وباطناً تثبت حقيقة الإباحة، فإذا نفذ من وجه دون وجه تثبت شبهة الإباحة بخلاف ما لو قتله قبل القضاء لأن الشهادة لم تصر حجة فيقتص منه في العمد، فصار كمن قتل إنساناً على ظن أنه حربي وعليه علامتهم، ثم ظهر أنه مسلم فعليه الدية في ماله لأنه عمد، والعاقلة لا تعقل العمد، وتجب في ثلاث سنين، لأنه وجب بنفس القتل، وما يجب بنفس القتل يجب مؤجلاً كالدية، بخلاف ما وجب بالصلح عن القود حيث يجب حالاً، لأنه مال وجب بالعقد لا بنفس القتل، أم إذا رجمه ذلك الرجل حتى قتله رجماً، ثم وجدوا أن الشهود عبيد تجب الدية في بيت المال لأنه نفذ حكم القضاء.

    حكم نظر الشهود إلى فرجي الزانين

    اتفق الأئمة الأربعة على أنه إذا شهد أربعة بالزنا، وقالوا: تعمدنا النظر إلى فرجيهما قبلت شهادتهم لأنه لضرورة ثبوت القدرة على إقامة الحسبة، والنظر إلى العورة عند الحاجة لا توجب فسقاً، كنظر القابلة والحاضنة والختلن والطبيب والإحتقان والبكارة في العنة والرد بالعيب، والمرأة في حق المرأة أولى، وإن لم توجب ستر ما وراء موضع الضرورة.
    أما إذا قَالَ الشهود: تعمدنا النظر إلى فرجيهما للتلذذ بالنظر، فإنه لا تقبل شهادتهم بالإجماع.
    إذا كان الشهود أقل من أربعة
    وإذا شهد على الزنا أقل من أربعة لا يثبت الزنا، ولا يجب إقامة الحد، واختلفوا في حد الشهود، قَالَ بعضهم: لا يجب على الشهود حد القذف، لأنه جاؤوا مجيء الشهود، قَالَ ولآنا لو حددنا لانسد باب الشهادة على الزنا، لأن كل واحد لا يأمن أن لا يوافقه صاحبه فيلزمه الحد.
    الحنفية - قالوا: يجب حد القذف على الشهود، إذا كانوا أقل من أربعة، لأن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة من الشهداء فوجب عليه الحد لقوله تعالى {والذين يومون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} ، ولما روي أن المغيرة بن شعبة شهد عليه بالزنا عند عمر بن الخطاب أربعة: أبو بكرة، ونافع ونفبع، وقال زياد وهو رابعهم رأيت استاً تنبو ونفساً يعلو ورجلاها على عاتقه كأذني حمار، ولا أدري ما وراء ذلك، فجلد عمر الثلاثة ولم يسأل هل معهم شاهد آخر؟ لأنه تبين أنه كان نأئماً مع زوجته.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #247
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 76 الى صــــــــ
    81

    الحلقة (247)


    مبحث الإقرار بالزنى

    -ومن يتبع أحاديث الرجم الذي وقع في زمن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، وزمن الخلفاء الراشدين، فإنه يجد أن مرتكب الجريمة هو الذي كان يذهب بنفسه ويعترف بأنه زنى، وكان مع هذا يناقش مناقشة تذل على عدم الرغبة في توقيع العقوبة، فكأن هذه العقوبة لا تنفذ إلا على من أراد أن يطهر نفسه من هذه الفاحشة، ومن إثم الإعتداء على عرض غيره (1)
    __________

    (1) (اتفق الأئمة الأربعة: على أن الزنا يثبت بالإقرار، سواء أكان المقر ذكراً أم أنثى، وسواء أكان محصناً، أم غير محصن، وسواء أكان حراً أم عبداً، بشرط أن يكون بالغاً عاقلاً مميزاً، غير مستكره على إقراره.
    اشتراط العدد في الإقرار
    الحنفية والحنابلة، وابن أبي ليلى - قالوا: يشترط العدد في الإقرار بالزنا، ولا يثبت إلا بإقراره أربع مرات على نفسه، مرة بعد مرة، مع وجود العقل والبلوغ، لأن الشرط طلب التثبيت في إقامة الحدود، فإن اللَّه تعالى يحب بقاء العالم أكثر من ذهابه، كما أشار إليه بقوله تعالى {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على اللَّه} أي اترك القتل، إذا ركن أعدائك إلى السألة وعدم الحروب، وقال اللَّه تبارك وتعالى {من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} ولأن إزهاق الأرواح من الكبائر لا يصح الإقدام عليه إلا بعد التثبت والتأكد من الأسباب الدافعة عليه.
    ولأنهم اعتبروا الإقرار مثل الشهادة، فكأنما أوجب الشارع في الشهادة على الزنا أربعاً على خلاف المعتاد في جميع الحقوق، فكذلك يعتبر إقراره أربعاً، إنزالاً بكل لإقرار بمنزلة شهادة واحدة، وقد ورد الإقرار أربعاً في حديث ماعز وغيره.
    المالكية والشافعية - قالوا: يكفي في وجوب الحد عليه إقراره بالزنا مرة واحدة، ولا يشترط العدد، كغيره من سائر الأحكام كالقتل والسرقة وشرب الخمر وغيرهم، وبه قَالَ داود والحسن البصري والطبري وجماعة من العلماء المحققين في الفقه، وحجتهم ما جاء في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وزيد بن خالد من قول النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في حديث العسيف (واغد يأنس على امرأة هذا، فإذا اعترفت فارجمها) فغدا عليها أنيس فاعترفت فأمر النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بها فرجمت، ولم يذكر العدد ولأن الإنسان إذا أقر على نفسه بما يوجب الجلد أو الرجم دل هذا على صدقه في قوله، فلا يحتاج إلى التكرار عدة مرات، بل يكفي مرة واحدة فإن هذا الإعتراف، لا يقع إلا من أهل الإخلاص في اليقين، وأصحاب الإيمان الصادق، وقليل ماهم.
    فلما رأيناه شهد على نفسه، حملناه على كمال الإيمان وصدق اليقين بالعذاب وأنه ما طلب التطهير بلإقامة الحد عليه إلا لتحققه في نفسه أنه وقع في الزنا، وخاف من عذاب اللَّه يوم القيامة، فيقبل اعترافه، ولو مرة واحدة، ولا حاجة للتكرار والعدد وإنما رد النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم ماعزاً عدة مرات، لأنه شك في أمره، لذلك قَالَ له: (أبك جنون) ، وسأل أهله عنه.
    الإقرار في مجالس مختلفة
    والذين قالوا باشتراط العدد في الإقرار اختلفوا في كونه في أربعة مجالس.
    الحنابلة وابن ليلى - قالوا: يكتفي بالإقرار أربع مرات ولو في مجلس واحد.
    الحنفية - قالوا: يشترط كون الإقرار أربع مرات في أربعة مجالس من مجالس المقر واستدلوا على مذهبهم بما روي في صحيح مسلم عن أبي بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن ماعز بن مالك أتى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فرده، ثم أتاه الثانية من الغد فرده، ثم أرسل إلى قومه فسألهم هل تعلمون بعقله بأساً؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحنا، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً فأخبروه بأنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابة حفر له حفرة فرجمه.
    وما روي عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جاء الأسلمي النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات كل ذلك يعرض عنه، فأقبل في الخامسة، فقال: (أنكتها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: كما يغيب المرود في المكحلة وكما يغيب الرشاء في البئر؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فهل تدري ما الزنا؟ قَالَ: نعم، أتيت منها حراماً مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً قَالَ: فما تريد بهذا القول؟ قَالَ: أريد أن تطهرني. فأمر به فرجم فسمع النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر اللَّه عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما ثم سار ساعة، حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا نحن ذان يَا رَسُولَ اللَّه فقال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: ومن يأكل من هذا يَا رَسُولَ اللَّه؟ فقال: فما نلتما آنفاً أشد من الأكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها) .
    فقد صرح الحديث بتعداد المجيء في مجالس متفرقة، وتعدد الافراد كل مرة بعد رده.
    ويؤيده ما روي من أحاديث أخرى بأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لم يقبل من المقر بالزنا إقراره مرة واحدة بل طلب تكرار الإقرار منه حتى يتأكد له أنه صادق في إقراره، مصر على إقامة الحد، روي البخاري رحمه اللَّه تعالى عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أتى رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجل من الناس وهو في المسجد فناداه يَا رَسُولَ اللَّه إني زنيت، فأعرض عنه النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال: يَا رَسُولَ اللَّه إني زنيت، فأعرض عنه فجاء لشق وجه النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: (أبك جنون؟ قَالَ: لا يَا رَسُولَ اللَّه، فقال: أحصنت؟ قَالَ: نعم يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: اذهبوا به فارجموه) .
    فهذا نص صريح على تعداد الإقرار أربع مرات، عسى أن يرجع المقر عن إقراره ستراً له.
    وروي في مسند الإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى عن أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ لماعز بن مالك بحضرته صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: إن اعترفت الرابعة رجمك.
    وما روي عن أبي داود والنسائي أنه قَالَ: كان أصحاب رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم يتحدثون أن الغامدية، وماعز بن مالك، لو رجعا عن اعترافهما لم يطلبهما بعد الرابعة.
    وأجابوا عن حجة الشافعية والمالكية بأن ما ورد في بعض الروايات أنه أقر مرة ومرتين وثلاثاً، فهو تقصير من الراوي، ومن قصر فليس بحجة على من حفظ.
    وأما قولهم في حديث العسيف، فإن اعترفت فارجمها، فمعناه الاعتراف المعهود في حد الزنا، بناء على لأنه كان معلوماً بين الصحابة، خصوصاً لمن كان قريباً من خاصته صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، وعلم أن حكم الإقرار أربعاً مثل "أنيس" رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ.
    مناقشة المقر
    وإذا أقر الزاني، أربع مرات، سأله القاضي عن الزنا ما هو؟ وكيف هو؟ وأين الزنا،؟ وبمن زنى؟ فإذا بين ذلك كله وصرح به لزمه الحد، لتمام الحجة عليه، ولم يشترط السؤال عن الزمان، كما اشترط في شهادة الشهود لأن تقادم العهد يمنع قبول الشهادة دون الإقرار.
    وقيل: لو سأله عن الزمان لجاز، لاحتمال أن يكون قد وقع في الزنا في صباه، أو قبل إسلامه.
    إقرار الرجل بأنه زنا بامرأة لا يعرفها
    ومن أقر أربع مرات في أنه زنى بامرأة لا يعرفها يقام عليه الحد بإجماع العلماء.
    وكذا إذا أقر أنه زنى بفلانة، وهي غائبة عن البلد الذي يقيم فيه، يجب عليه الحد لحديث العسيف، لأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أقام عليه الحد حين اعترف أمامه بالزنا ثم أرسل إلى المرأة بعد ذلك، ولأنه أقر بالزنا ولم يذكر ما يسقط كون فعله زنا، ولم توجد شبهة ترد عنه الحد، بل إن إقراره قد تضمن أنه لا ملك له في المرأة المزنى بها، لأنه لو كان له ملك فيها لعرفها، ولو كان عنده شبهة لذكرها، لأن الإنسان لا يجهل زوجته، أو أمته.

    الإقرار بالزنا لا يتعدى صاحبه

    ومن أقر أنه زنى بفلانة، وكذبته، وقالت: لا أعرفه اختلف العلماء في حكمه.
    الإمام أبو حنيفة - قال: لا يقام الحد على الرجل، ولا على المرأة، لوجود شبهة تدرأ الحد، وهو الإنكار، ويقام عليه حد الفرية فقط "ثمانين جلدة" وأجيب عن ذلك بأنه لا يبطل إقراره.
    المالكية، والشافعية، والحنابلة، والصاحبان - قالوا: يقام الحد على الرجل فقط وهو حد الزنا، ولا يؤخذ إقراره حجة على المرأة التي زنى بها، ولا يقام عليه حد القذف.
    فقد روى الإمام أحمد في صحيحه، وأبو داود، عن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن رجلاً جاء إلى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فأقر بالزنا بامرأة سماها، فأرسل رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في طلبها، فسألها عما قال: فأنكرت، فأقام الحد عليه، وتركها، ولم يقم عليها الحد.
    وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما (أن رجلاً من بكر بن ليث أتى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فأقر أربع مرات أنه زنى بامرأة، فجلده مائة جلدة وكان بكراً، ثم سأله البينة على المرأة فقالت: كذب يا رسول اللَّه، فجلده حد القذف ثمانين) .
    وهذا من يسر الدين الإسلامي، وسماحته ودقته في تحري الحقائق، ودرء الحدود.
    وقال بعضهم: يحد الرجل حد القذف، وحد الزنا، وفاء بحق الخالق، والمخلوق.

    إقرار المرأة بالزنا

    إذا أقرت المرأة بالزنا أربع مرات عند الحاكم، وقالت: مع فلان وذكرت اسمه، وكذبها الرجل. وقال: ما زنيت بها، ولا أعرفها.
    الإمام أبو حنيفة رحمه اللَّه - قال: لا يقام الحد على المرأة، ولا على الرجل، وذلك لأن الحد انتفى في حق المنكر بدليل موجب للنفي عنه، فأوردت شبهة الانتفاء في حق المقرة. حيث إن الزنا فعل واحد فيما بينهما، فإن تمكنت فيه الشبهة تعدت إلى طرفيه.
    المالكية، والشافعية، والحنابلة، والصاحبان - قالوا: يقام الحد على المرأة المقرة بالزنا لأن الإقرار حجة فيما في حق المقر، وعدم ثبوت الزنا في حق الغير، لا يورث شبهة العذم في حق المقر، كما لو كان غائباً عن البلد وسمته، وادعت عليه، وهو الراجح.
    الإقرار على الأخرس أو الخرساء
    ومن أقر بأنه زنى بامرأة خرساء، لا تنطق، أو أقرت بأنها زنت برجل أخرس.

    الإمام أبو حنيفة رحمه اللَّه - قال: لا يقام الحد على واحد منهما لوجود الشبهة التي تعدت إلى طرفه الآخر.

    الأئمة الثلاثة والصاحبان - قالوا: يقام الحد على المقر، دون الأخرس، أو الخرساء وذلك لإتمام الإقرار على نفسه، فيثبت الحد عليه، دون الآخر، لعدم إقراره.

    مبحث إقرار الأخرس

    اتفق الأئمة على أن الأخرس إذا أقر بالزنا بكتابة، أو إشارة، ولو كانت مفهومة، لا يقام عليه الحد، للشبهة بعدم الصراحة في الإقرار، وهي تدرأ الحد عن الزاني.
    واتفقوا كذلك: على أن الشهادة على الأخرس بالزنا لا تقبل، لاحتمال أن يدعي شبهة على الشهادة. بخلاف الأعمى.
    فقد اتفق العلماء: على أنه يصحإقرار الأعمى بالزنا، ويقام عليه الحد، وتصح الشهادة عليه وتقبل.
    الرجوع في الإقرار
    ومن أقر بالزنا ثم رجع في إقراره اختلف الأئمة في حكمه.
    الحنفية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: إذا رجع المقر بالزنا في قوله، يقبل رجوعه ولا يقام عليه الحد. ويترك سواء وقع عليع بعض الحد، أو لم يقع، لأنه ثبت أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قرر ماعزاً، ورده مرة بعد مرة، لعلهيرجع في إقراره، ولا يعود إليه، وفي ذلك ستر عليه وهو خير، وورد أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ للغامدية بعد إقرارها، لعله قبلك أو كذا، وفيه إشارة إلى قبول رجوعها بعد الإعتراف، وقول الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه (ادرؤوا الحدود بالشبهات) ورجوع المقر فيه شبهة.
    وخالفهم في ذلك ابن ليلى، وعثمان البتي وقالا: لا يقبل رجوعه، ويقام عليه الحد.
    المالكية - قالوا: إن رجع عن الإقرار بشبهة قبل رجوعه، ولا يقام عليه الحد، أما إذا رجع في إقراره من غير وجود شبهة، فلا يقبل لإقراره. وقيل: يقبل وهو الراجح.
    ورى الخمسة والترمذي واللفظ له قَالَ: جاء ماعز رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: انه قد زنى فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر، فقال إنه زنى فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر، فقال: إنه قد زنى، فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة، فلما وجد مس الحجارة فر يشتد، فلقيه رجل معه لحي جمل فضربه به، وضربه الناس حتى مات، فذكروا ذلك للنَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: (هلا تركتموه، وفي رواية قَالَ له: أبك جنون؟ قَالَ: لا - وفي أخرى، ليعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت؟ فقال: لا. قَالَ: أحصنت؟ قَالَ: نعم، فأمر برجمه) .
    وقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (هلا تركتموه يشير إلى يقوط الحد بالفرار، وقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في الرواية الثالثة لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت، تعريض من رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم له بالرجوع عن الإعتراف، والستر على نفسه، ولكنه لم يرجع حتى قَالَ له تبكيتاً، هلا نكتها؟ قَالَ: نعم. فأمر برجمه) .
    فكل هذه الروايات وغيرها تفيد بأن المقر بالزنا إذا رجع في إقراره قبل منه، وكان ذلك توبة له، ولا يقام عليه الحد، حيث ان الإسلام يحب الستر، ويكره إشاعة الفاحشة) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #248
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 81 الى صــــــــ
    94

    الحلقة (248)


    مبحث الشبهات في الزنى

    -على أنه إذا وجد مع امرأة لا زوج لها فإن له أن يدعي أنه تزوجها، وذلك شبهة تدرأ الحد في بعض المذاهب (1) .
    __________
    (1) (الشبهة: هي ما يشبه الثابت وليس بثابت، وقد وقع خلاف بين الفقهاء في بعض الأفعال: هي شبهة صالحة للدرء أم لا؟ وكون الحد يحتال في درئه بالاستفسار عنه حتى يتضح قصد الزاني. أأخطأ في التهم أم لا، أكانت عنده شبهة الحل وقت أن وقع في الخطأ أم لا؟ ومن المعلوم أن هذه المناقشات وهذه الاستفسارات المفيدة لقصد الاحتيال للدرء كانت بعد الثبوت، لأنه كان بعد صريح الإقرار لقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (ادرؤوا الحدود بالشبهات) .
    الحنفية قالوا: الشبهة عندهم قسمان، شبهة الفعل، وهي واقعة في ثمانية مواضع وهي:
    - 1 - أن يطأ جارية أبيه، وأمه، أو جده، أو جدته، وإن علا، لشبهة الملك.
    - 2 - أن يطأ جارية زوجته، لشبهة أن مال الزوجة ملك للزوج.
    - 3 - أن يطأ المطلقة ثلاثاً وهي في العدة، لزوال الملك المحلل من كل وجه فتكون الشبهة منطقية لقوله تعالى {وإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} ولإجماع الأمة على حرمة الزوجة بعد الطلاق الثلاث.
    ولكن يرفع الحد إذا قَالَ ظنت أنها تحل له لأن الظن في موضعه حيث أن أثر الملك قائم له في حق النسب، فإن ولدها يثبت له إذا جاءت به لأقل من سنتين. وله حسبها عن الخروج، ويجب عليه نفقتها، ويحرم نكاح أختها في هذه العدة، ويحرم عليه زواج أربعة سواها، وتمنع شهادة كل منهما لصاحبه. فأمكن أن نقيس حل الوطء على بعض هذه الأحكام فنجعل الاشياء عليه عذراً في سقوط الحد عنه.

    - 4 - أن يطأ المطلقة طلاقاً بائناً على مال. لثبوت الحرمة بالإجماع.
    - 5 - أن يطأ زوجته "المنخلعة" أي التي خلعت نفسها من زوجها، وردت إليه المهر الذي دفعه لها. وذلك لوقوع الخلاف بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم، في كون الخلع، يكون فسخاً للعقد، أم طلاقاً بائناً.
    - 6 - أن يطأ أم ولده التي أعتقها، وهي في العدة، لشبهة بقاء ملكه لها، ولثبوت نسب ولدها منه.
    - 7 - أن يطأ العبد جارية مولاه، لأن بين العبد وبين سيده انبساطاً في الانتفاع فيظن أن من هذا الانبساط جواز الاستمتاع بجواريه. فكان شبهة.
    - 8 - والمرتهن يطأ الجارية المرهونة عنده، لأن عقد الرهن لا يفيد ملك المتعة بحال، فقيامه لا يورث شبهة حكمية قياساً على الإجارة، فإنها لا تفيد ملك المتعة بحال. فما أورث قيامها في المحل شبهة حكمية، وعلى هذا كان يجب عليه الحد اشتبه أو لم يشتبه، كما في الجارية المستأجرة للخدمة، إلا أنه لا يجب عليه الحد إذا اشتبه عليه، وقال ظننت الحل، لأنه موضع اشباه، لأن ملك المال في الجملة سبب لملك المتعة، وإن لم يكن سبب ملك المتعة بحال. فقد اشتبه عليه ما لا يشتبه، فيجب عليه الحد ظن الحل أم لا؟
    ففي هذه المواضع وما أشبهها لا يقام الحد على الزاني إذا قَالَ: إني فعلت ذلك العفل وأنا أعتقد في قرارة نفسي أنها حلال لي، ولا حرمة في هذا العمل - ولو علمت حرمته لما فعلته.

    أما إذا قَالَ: عملت هذا العمل وأنا أعلم أنها علي حرام، وأنها لا تحل لي، فيجب أن يقام عليه الحد - أما إذا ادعى أحدهما ظن الحل، والآخر لم يدع، فلا حد عليهما أيضاً حتى يقرا معاً أنهما كانا يعلمان الحرمة، وذلك لأن الشبهة إذا ثبتت من أحد الجانين تعدت إلى الآخر بالضرورة.
    والشبهة الثانية عند الأحناف - تكون في المحل - وهي ست مواضع:

    - 1 - إذا وطأ جارية ابنه، أو ابن ابنه، وإن سفل وإن كان حياً، وذلك لقول الرسول صلوات اللَّه عليه وعلى آله وسلم للولد الذي شكا إليه أباه (أنت ومالك لأبيك) ولأنه يثبت نسب ولد الجارية من سيدها، ومن والد سيدها وجده، وإن كان الولد الذي هو سيد الأمة حياً.
    - 2 - إذا وطأ زوجته المطلقة بائناً بالكنايات كأن قَالَ لها: أنت خلية، أو أمرك بيدك، فاختارت نفسها، ونحوها، ثم وطئها في العدة. وذلك لاختلاف الصحابة رضوان اللَّه عليهم في الكناية، فمذهب سيدنا عمر أن الكنايات رجعية، وكذا مذهب ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما. ففي مصنف عبد الرزاق، حدثنا الثوري عن منصور حدثني إبراهيم عن علقمة، والأسود، أن ابن مسعود جاء إليه رجل، فقال: كان بيني وبين امرأتي كلام فقالت: لو كان الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع، قَالَ: فقلت لها، قد جعلت أمرك بيدك. فقالت أنا طالقة ثلاثاً، قَالَ ابن مسعود: أراها واحدة، وأنت أحق بالرجعة. وسألنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال: ماذا قلت؟ قَالَ: قلت أراها واحدة، وهو أحق بها قَالَ: وأنا أرى ذلك، وزاد من طريق آخر ولو رأيت غير ذلك لم تصب.

    وأخرج ابن أبي شيبة عنهما في مصنفه أنهما قالا: في البرية، والخلية، هي تطليقة واحدة، وهو أملك برجعتها.
    ومن مذهب الإمام علي كرم اللَّه وجهه في خلية، وبرية، أنها ثلاث على ما أخرجه عنه ابن أبي شيبة.
    - 3 - والجارية المرهونة في حق المرتهن، وفي رواية، لأنه انعقد له فيها سبب الملك، لأنه بالهلاك يصير مستوفياً حقه من وقت الرهن، وإذا كان كذلك فقد انعقد له فيها سبب الملك في الحال، ويحصل حقيقة الملك عند الهلاك.

    - 4 - إذا وطأ الجارية المشتركة بينه وبين غيره. لأنه وطأ جارية انعقد له فيها سبب الملك لأن الشراء سبب لملك المتعة، فقد دفع له فيها شبهة تمنع عنه وجوب الحد.
    - 5 - إذا وطأ البائع جاريته المبيعة قبل تسليمها إلى المشتري.
    - 6 - إذا وطأ الجارية المجعولة مهراً قبل أن يسلمها إلى زوجته، لأن الملك فيها لم يستقر للزوجة ولا للمشتري. والمالك كان مسلطاً على وطئها بتلك اليد مع الملك.
    وملك اليد ثابت، والملك الزائل مزلزل، فهي شبهة في حقيقة الملك بحكم الشرع.
    ففي جميع هذه المواضع التي ذكرناها لا يجب إقامة الحد على الواطئ، وإن قَالَ: علمت أنها علي حرام. لأن المانع من إقامة الحد هو الشبهة، وهي هنا قائمة في نفس الحكم، أي الحرمة القائمة فيها شبهة أنها ليست بثابتة نظراً إلى دليل المحل. والزنا أمر محظور، فلا يثبت بالظن، ولا مع الشبهة القوية، بل لابد فيه من التحقيق، والتثبت من غير شك ولا ريبة، وقد أوصانا رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بالتثبت في هذا الحكم، حتى لا تزهق الأرواح البريئة بغير حق فقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (ادرؤوا الحدود بالشبهات) وقد قَالَ بعض الفقهاء هذا الحديث متفق عليه، وقد تلقته الأمة بالقبول.
    واسند ابن أبي شيبة عن ابراهيم النخعي قَالَ: قَالَ عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (لأن أعطل الحدود بالبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات) . وهو الحريص على إقامة شعائر الإسلام.
    وأخرج عن معاذ بن جبل، وعبد اللَّه بن مسعود، وعقبة بن عامر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم قالوا: إذا اشتبه عليك الحد فادرأه.
    وبما روي في البخاري من قول رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (ومن اجترأ على ما يشك فيه من الاثم، أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى اللَّه تعالى، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه) ومعناه أن من جهل حرمة شيء وحله، فالورع أن يمسك عنه، ومن جهل وجوب أمر وعدمه، فلا يوجبه، ومن جهل أوجب الحد أم لا؟ وجب أن يقمه، وسواء أكان هذا قبل ثبوت الحد، أم بعد ثبوته، لأن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ لماعز، لما أقر بالزنا: (لعلك قبلت، لعلك لمست، لعلك غمزت) كل ذلك يلقنه أن يقول: نعم بعد إقراره بالزنا بين يديه. وشؤال أهله عنه أهو عاقل أم به جنون؟ وسؤاله عن كيفية الفعل، حتى قال: أنكتها؟ قَالَ نعم كما يكون الميل في المكحلة: وليس لذلك فائدة إلا كونه إذا قالها تركه، وإلا فلا فائدة ولم يقل لم أعترف عنده بدين - لعله كان وديعة عندك فضاعت. ونحو ذلك.

    وكذلك قوله للسارق الذي جيء به إليه أسرقت؟ ما أخاله سرق، وقوله للغامدية حينما جاءت واعترفت له بالزنا وهي حامل مثل ذلك، وردها من مجلسه حتى تلد، عسى أن لا ترجع إليه بعد طول هذه المدة، وأن لا تطالبه بإقامة الحد عليها.
    وطذلط ما روي عن الصحابة رضوان اللَّه عليهمفي درء الحدود، فقد روي أن الإمام علياً كرم اللَّه وجهه قَالَ لشراحة التي أقرت بالزنا وظهر الحمل عليها لعله وقع عليك وأنت نائمة، لعله استكرهك، لعل مولاك زوجك منه، وأنت تكتمينه، الخ..
    وذكلك قول سيدنا عمر بن الخطاب للمرأة، التي جاءت إلى الراعي وطلبت منه لبناً، فلم يعطها حتى مكنته من نفسها، فلم يقم عليها الحد، بل قَالَ: دفع إليها مهرها واعتبر ذلك شبهة تدرأ الحد عنها وعنه.

    ولم يكن من سنة رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أن يأخذ بالظنة، ولا يقيم الحد إلا بعد التأكد.
    فقد روي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما (أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لاعن بين العجلاني وامرأته، فقال شداد بن الهاد، هي المرأة التي قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: لو راجماً أحداً بغير بينة لرجمتها، قَالَ: لا. تلك مرأة كانت قد أعلنت في الإسلام) متفق عليه.
    والمعنى أنها كانت تعلن بالفاحشة بين المسلمين، ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا إقرار. فلم يقم عليها الحد، بالاشاعة.
    وروي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (لو كنت راجماً أحداً بغير بينة رجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها، وهيئتها، ومن يدخل عليها) رواه ابن ماجة وقد احتج به من لم يحد المرأة بنوكها عن اللعان.
    وقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (لو كنت راجماً بغير بينة لرجمتها) فيه دليل واضح وصريح على أنه لا يجب إقامة الحد بالتهم، لأن إقامة الحد إضرار كبير بمن لا يجوز الإضرار به، وإلحاق العار والفضيحة به وبأهله. وهذا قبيح عقلاً وشرعاً، فلا يجوز إلا ما أجازه الشارع الحكيم كالحدود والقصاص. وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين، ورفع الشك والشبهة، من قلب الحاكم، لأن مجرد الحدس والتخمين لا ينفع في إقامة الحدود وإزهاق الأرواح، والتهمة، والشك مظنة الخطأ والغلط. وما كان كذلك فلا يستباح به إيذاء المسلم، وإلحاق الضرر به وإيلامه، وتشويه سمعته، وإهدار كرامته.
    عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين، ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العقو، خير من أن يخطئ في العقوبة) رواه الترمذي.
    وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم.
    وروي عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قبل عذر رجل زنى في بلاد الشام، وادعى الجهل بتحريم الزنا، ولم يقم عليه الحد لهذه الشبهة، التي يستطيع أن يتذرع بها كل أحد.
    وروي أيضاً عنه وعن سيدنا عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية، وادعت أنها لم تكن تعلم تحريمه.
    وقد روي عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، لما لاعن بين هلال بن أمية وبين زوجته حين اتهمها بشريك بن السحماء قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (اللهم بين) .
    قَالَ أنس: فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها، ومع هذا الدليل لم يقم رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم الحد، لأن البينة لم تقم. ولم يحصل منها اعتراف، ومجرد ظهور الحمل عليها لا يقوم دليلاً على إقامة الحد، وقد درأ عنها وقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (لولا الإيمان لكان لي ولها شأن) . ولم يلحق الولد بالرجل الذي اتهم بأنه كان عندها.
    فهذا الأمر الخطير الذي يفضي إلى هلاك النفوس لابد فيه من البينة أو الإقرار حتى يثبت على فاعله.
    اتفق الأئمة الأربعة: على أن الحدود تدرأ بالشبهات، ولكنهم اختلفوا في هذه الشبهات.
    من وجد على فراشه امرأة فوطئها
    الحنفية قالوا:
    إذا وجد الرجل على فراشه امرأة فظن أنها امرأته فوطئها ثم تبين له أنها أجنبية عنه، يحد الرجل في هذه الحال، لأنها ليست بشبهة حيث أنه يمكن معرفة زوجته بكلامها، وجسمها،وحركتها، ولمسها، ومس جلدها، فلا تكون هناك شبهة تدرأ عنه الحد، وإذا ادعى أنه ظن ذلك صدق بيمينه.
    وكذلك الأعمى إذا دعا زوجته إلى فراشه فأجايته امرأة أجنبية، ولم تقل له أنا فلانة ثم جامعها، وتبين له بعد ذلك أنها أجنبية عنه، يقام عليه الحد، ولا يعتبر هذا شبهة فقد يكون الأعمى، والظان فطناً، حاذقاً، لا يخفى عليه زوجته من غيرها.
    فأراد علماء الأحناف سد هذا الباب، حتى لا يكون وسيلة إلى انتشار الفساد في المجتمع. شفقة على دين الأمة حتى لا يتجرأ المفسدون على فعل ذلك عمداً، ويزعمون أنه لا يجب عليهم الحد، لوقوع هذه الشبهة عندهم، فمجرد وجود امرأة على فراشه لا يكون دليل الحل ليستند إلى الظن.
    المالكية، والشافعية، والحنابلة، قالوا: لا يقام الحد في هاتين الحالتين، لوجود شبهة لهما، وقيام العذر المجوز للإقدام على الوطئ في الجملة، لوجودها على فراشه، وإجابة طلبه وقياسه على "المزفوفة" لجامع الحل في كل.
    إذا وعد جاريته فأتته غيرها
    الحنفية، والمالكية، والحنابلة، قالوا:
    إذا تواعد رجل مع جاريته، فجائته جارية أجنبية في المكان والموعد المحدد، فوطئها من غير علم بها، ثم ظهر له أنها أجنبية بعد جماعها. فلا يقام عليهما الحد لوقوع هذه الشبهة، حيث سبق أن ضرب لها موعداً، وحدد لها مكاناً.
    الشافعية - قالوا: يقام الحد على المرأة في هذه الحال لأنها زنت وهي تعلم، وكذلك الرجل، لما روي أن رجلاً كان قد واعد جارية له مكاناً في خلاء، فعملت جارية أخرى بذلك، فأتته فحسبها جاريته فوطئها ثم علم بها بعد ذلك. فأتى عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقال له: ائت علي بن أبي طالب فسأل علياً كرم اللَّه وجهه، فقال له: أى أن تضرب الحد في خلاء، وتعتق رقبة، وعلى المرأة حد الزنا.
    من زفت إليه غير امرأته
    اتفق الأئمة الأربعة:
    على أن الرجل إذا زفت إليه، غير امرأته ليلة الدخول بها، وقال له النسوة: هي امرأتك. فوطئها ثم تبين له أنها ليست زوجته، وأنه غرر به عليه الحد لوجود هذه الشبهة، ويجب عليه المهر، وعلى المزفوفة العدة ويثبت النسب، ولا يحد قاذفه، بذلك حكم سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ولأن الرجل لا يرف امرأته أول مرة إلا بإخبار النساء له، فقد اعتمد دليلاً شرعياً، مبيحاً للوطء، ولأن الملك ثابت له من حيث الظاهر بإخبارهن، ولأن قول الشاهد الواحد مقبول ويعمل به المعاملات.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #249
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 81 الى صــــــــ
    94

    الحلقة (249)


    ظهور الحمل على امرأة لا زوج لها
    الحنفية - قالوا:
    إذا ظهر على المرأة الحرة حمل، ولا زوج لها، أو كانت أمة لا زوج لها ولا سيد. يسألونها، فإذا قالت: استكرهت على الزنا، أو وطئت بشبهة، يقبل قولها ولا يقام عليها الحد، لأنها بمنزلة من أقر ثم ادعى الاستكراه.
    واحتجوا على ذلك بما جاء في حديث شراحة، أن الإمام علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لها: لعله استكرهك؟ قالت: لا. قَالَ لعل رجلاً أتاك في نومك؟ وهكذا.
    ولأن الشرع يحب الستر في الحدود.
    وروي أن سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قيل له: إن امأة ادعت أنها ثقيلة النوم وأن رجلاً استكرهها ثم تركها فمضى عنها، ولم تدر من هو بعد. فلم يقم عليها الحد، وقبل عذرها، لهذه الشبهة.
    ولا خلاف بين أهل الإسلام في أن المستكرهة، لاحد عليها، وإنما اختلفوا في وجوب الصداق لها.
    وسبب الخلاف هو: هل الصداق عوض عن البضع، أو نحلة؟
    فمن قَالَ: هو عوض عن البضع أوجبه في البضع الحلال والحرام.
    ومن قَالَ: إنه نحلة خص اللَّه به الأزواج، لم يوجبه إلا على الزوج خاصة.

    الشافعية - عندهم روايتان أظهرهما، أنها لا تجب عليها الحد، وإن لم تأت في دعوى الاستكراه بأمارة تدل على صدقها، ولم تأت في دعوى الزوجية ببينة، لأن الحد لا يثبت إلا بشهود أو لإقرار، ولم يثبت هنا، ولأن الحدود تقسط بالشبهات، وهذه شبهة فمجرد الحنل لا يثبت به الحد. بل لا بد من الاعتراف، أو البينة.

    المالكية - قالوا: إن كانت المرأة مقيمة بالحي، وليست طارئة، فإنه يقام عليها الحد، ولا يقبل قولها إلا ان يظهر ذلك، بأن تأتي بأمارة على استكراهها أو تقيم البينة على زواجها، أو شيء مما يظهر به صداقها، لأن الحد ثبت بالحمل، فلا يرفع إلا ببينة.
    أما إذا كانت المرأة طارئة، قبل قولها، لوجود شبهة، وعدم التوثق في ثبوت حدها.
    زنا المحصن بغير المحصنة
    إذا زنا رجل محصن، حر، ببكر، أو بأمة، أو بمستكرهة.
    قَالَ جمهور جمهور العلماء:
    على المحصن في هذا كله الرجم، لعدم وجود شبهة تدرأ الحد، وعلى المرأة البكر الجلد، مائة جلدة، وعلى الأمة، خمسون جلدة. وليس على المستكرهة شيء.
    إكراه السلطان
    ومن أكرهه السلطان حتى زنا بامرأة، فلا حد عليه، لأن السبب الملجئ إلى الفعل قائم، وهو قيام السيف، وكذا المرأة المكرهة، لا تحد بالإجماع.
    فإن حصل الإكراه من غير السلطان. اختلف فيه.

    الحنفية - قالوا: يقام عليه الحد، لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بعد انتشار الآلة فيه، وهذه علامة الطواعية، والرضا.
    الشافعية، والمالكية، والحنابلة، - والصاحبان - قالوا: لا يقام الحد على المكره بغير السلطان.

    استكراه الرجل المرأة على الزنا
    الشافعية - قالوا:
    إذا استكره الرجل المرأة على الزنا، أقيم عليه الحد، ولا يقام عليها، لأنها مستكرهة، مغلوبة على أمرها، ولها مهر مثلها، حرة كانت أو أمة، ويثبت النسب منه إذا حملت المرأة وعليها العدة.
    فإذا كانت أمة نقصت الإصابة من ثمنها شيئاً، قضى عليه مع المهر بما نقص من ثمنها.
    وأما إذا كانت حرة فجرحها جرحاً له أرش، قضي عليه بأرش الجرح.
    وكذلك لو ماتت من وطئه كانت عليه دية الحرة. وقيمة الأمة، والمهر.
    استئجار المرأة للزنا
    الحنفية - قالوا:
    إذا استأجر الرجل امرأة للزنا - قبلت، ووطئها، فلا يقام الحد عليهما ويعزران بما يرى الإمام، وعليهما إثم الزنا يوم القيامة. لما روي أن امرأة طلبت من راعي غنم في الصحراء أن يسقيها، لبناً - فأبى أن يعطيها اللبن حتى تمكنه من نفسها، ونظراً لضرورتها وحاجتها إلى الطعام قبلت المرأة. ووطئها الراعي - ثم رفع الأمر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فدرأ الحد عنهما وقال: ذلك مهرها، وعد هذا استئجار لها. ولأن الإجارة تمليك المنافع، فأوردت شبهة عندهما. ولأن اللَّه تبارك وتعلى قد سمى المهر أجراً في كتابه العزيز فقال تعالى: {فأوتوهن أجورهن فريضة} فهو كمن قَالَ: أمهرك كذا فهو نكاح فاسد.
    وسواء كان المؤجر لها، وليها، أم سيدها، حرة كانت، أو أمة، إذا لم تكن في عصمة رجل.
    ولأن عقد الإجارة عنده شبهة تدرأ الحد عنه، مع أنه يحرم الإقدام على ذلك.
    الصاحبان قالا: يجب إقامة الحد عليهما. لأن منافع البضع لا تملك بالإجارة فأصبح وجود الإجازة، وعدمها سواء، فلا تعد شبهة تدرأ الحد عنهما. وصار الرجل كأنه وطأها، من غير شرط، وذلك الرأي هو الراجح المعمول به في المذاهب.
    المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: يقام الحد عليهما، ولا يصير الاستئجار شبهة تدرأ الحد عنهما، لأن حد الإجارة لا يستباح به الفرج شرعاً، وعرفاً، فصار كما لو استأجرها، للطبخ ونحوه من الأعمال، ثم زنا بها، فإنه يقام عليه الحد في هذه الحال. من غير خلاف من أحد من العلماء.
    من زنا بكراً ومحصناً
    الحنفية، والمالكية، والشافعية - وفي رواية عن الحنابلة - قالوا:
    لو زنا رجل وهو بكر، ثم زنا بعد ذلك، وهو محصن، قبل إقامة الحد عليه فلا يجمع عليه الجلد والرجم وإنما يجب عليه إقامة حد الرجم خاصة، لأنه لا فائدة في الجلد مع وجوب قتله ورجمه، حيث لا يحصل منه الانزجار.
    الحنابلة - قالوا: في رواية عنهم: إنه يجب الجمع بين الجلد أولاً، والرجم بعد ذلك تنفيذاً للحدين، حتى يكون عبرة لغيره. وحتى نأخذ لكل فعل حده.
    العقد على المرأة في عدتها
    المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا:
    إذا عقد رجل على امرأة وهي في عدة زوجها الأول ودخل عليها، فإنه يجب عليه إقامة الحد. فإن كان بكراً جلد مائة جلدة وإن كان محصناً رجم بالحجارة.
    ولا يكون هذا العقد شبهة تدرأ الحد عنهما.
    الحنفية - قالوا:
    لا يجب عليهما إقامة الحد، وإنما يجب عليهما التعزير حيث ان العقد شبهة مقبولة تدرأ الحد عنها، والحدود تدرأ بالشبهات.
    العقد على الخامسة
    المالكية - قالوا:
    إذا عقد رجل على امرأة خامسة ومعه أربع نسوة. فإن كان يعلم بحرمتها أقيم عليه الحد، أما إذا جرى العقد ولم يعلم بتحريمها فلا يقام عليه الحد، ويكون عدم علمه شبهة تدرأ الحد عنه.
    ولا يعمل بقول الخوارج الذين قالوا: إنه بجوز العقد على تسع نسوة، مستدلين، بجمع النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لثمان نسوة ولا يكون ذلك خصوصية له، لأنه قدوة لنا نقتدي به، ويحتجون بقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} .
    والرد عليهم، بأن الزيادة على الأربع من خصوصيات الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه وبأن حرف "الواو" في الآية بمعنى "أو" التي للتخير لا للجمع.
    وبما روي أن رجلاً أسلم وتحته عشر نسوة، فأمره النبي أن يمسك أربعاً ويفارق الباقي.
    العقد على المحارم
    المالكية، والشافعية، والخنابلة، وأبو يوسف، والإمام محمد من الحنفية - قالوا:
    إذا عقد رجل على امرأة لا يحل له نكاحها، بأن كانت من ذوي محارمه، كأمه وأخته، مثلاً، أو محرمة من نسب أو رضاع، ثم وطأها في هذا القعد، وهو عالم بالتحريم، فإنه يجب عليه إقامة الحد، لأن هذا العقد لم يصادف محله، لأنه لا شبهة فيه عنده، ويلحق به الولد.
    الإمام أبو حنفية - قال: لا يجب عليه إقامة الحد، وإن قَالَ: علمت أنها علي حرام، لكن يجب عليه بذلك المهر، ويلحق به الولد، ويعاقب عقوبة هي أشد ما يكون من أنواع النعزير سياسياً لا حد مقدراً شرعاً، إذا كان عالماً بذلك.
    فإذا كان يجهل الحكم ولم يعلم بالحرمة، فلا حد، ولا عقوبة، تعزير. والقول الراجح قول الجمهور.
    وعلى هذا الخلاف كل محرمة برضاع أو مصاهرة. ومحل الخلاف أن هذا العقد يوجب شبهة أم لا؟.
    فعند الجمهور لا. وعند الإمام أبي حنيفة وسفيان الثوري وزفر نعم، يوجب شبهة. ومدار كونه يوجب شبهة على أنه ورد على ما هو محله أولا. فعند الجمهور لم يرد على محله، لأن محل العقد لا يقبل حكمه، وحكمه الحل، وهذه من المحرمات في سائر الحالات فكان الثابت صورة العقد، لا انعقاده، لأنه لا انعقاد في غير المحل، كما لو عقد على ذطر مثلاً.
    والفتوى على قول الأئمة الثلاث والصالحين، لأنه الراجح.
    قَالَ العلماء: والعقد ليس شبهة وإنما هو جناية توجب العقوبة، انضمت إلى الزنا.
    الزنا بالمحارم
    ومن زنا بالمحارم سواء أكان بالمصاهرة، أو بالقرابة، أو بالرضاع، قَالَ سيدنا جابر بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: يضرب عنقه، ويضم ماله إلى بيت المال عقوبة له على ما فعل وزجراً لغيره، عن الوقوع في هذه الجناية الخطيرة.

    ونقل عن الإمام أحمد وإسحاق: وجوب قتله سواء أكان بكراً أم محصناً، إذا كانت المفعول بها امرأة أبيه، لحديث البراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حيث قَالَ: لقيت خالي ومعه راية. فقلت له: (أين تريد؟ فقال: بعثني رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم إلى رجل نكح امرأة أبيه، أن أضرب عنقه، وآخذ ماله) رواه أبو داود والترمذي. وقال حديث حسن.
    وروى ابن ماجة عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ: (من وقع على ذات محرم منه، فاقتلوه) لأنه اعتبر مسنحلاً لما حرم اللَّه، مرتداً عن الإسلام فحل قتله، وضم ماله إلى بيت مال المسلمين. وذلك لازم للكفر.
    والحديث الشريف يشمل كل ناكح، وكل زان بمحرمه، وقد أجمع العلماء على أن من نكح محرماً، بأي نوع من أنواع المحارم المؤبدة، فإنه يقتل حيث انه خرج عن الفطرة الإنسانية وانحط إلى درجة الحيوان الأعظم. وأصبح ساقط فاقد الكرامة عديم الشرف والشعور فيقتل جزاء هذا الفعل الشنيع الذي تنفر منه العقول السليمة.
    وقد روي عن معاوية بن قرة عن أبي أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بعث جدَّ "معاوية" إلى رجل عرس بامرأة ابنه. (أن يضرب عنقه ويخمس ماله) وهذا دليل على أنه استحل ذلك الفعل. فارتد بسببه عن الإسلام، ولأنه وطئ في فرج محرم، مجمع على تحريمه من غير ملك، ولا شبهة ملك. والواطئ أهل للحد، عالم بالتحريم، فيجب إقامة الحد عليه.
    إذا وطئ السيد أمته المتزوجة
    الحنفية، والمالكية، والشاقعية - قالوا:
    إذا وطئ السيد أمته المتزوجة برجل آخر، فإنه لا يجب عليه إقامة الحد، لوجود شبهة الملك السابق، فيدرأ عنه الحد.
    الحنابلة - قالوا: يجب إقامة الحد عليه، ولا يقبل عذره، لعدم قيام شبهة الملك. حيث أنها تزوجت، وخرجت عن ملكه، وأصبحت في عصمة غيره، وصارت محرمة عليه بيقين، ولا قيام بشبهة عنده بعد أن خرجت من ملكه، وحرمت عليه بالإجماع من غير خلاف.
    جهل الرجل بحالة المرأة
    الشافعية - قالوا:
    لو أن رجلاً أخذ مع امرأة أجنبية عنه، وكانا في خلوة فاعترف أنه نكحها، وقال انه لا يعلم أن لها زوجاً، أو أنها في عدة من زوج، أو أنها قريبة له ذات محرم، أو أنها أخته من الرضاع، أو أنها أم زوجته، فإنه يحلف على ذلك، فإذا حلف اليمين يدرأ عنه الحد، ولا يقام عليه لوجود هذه الشبهة التي ادعاها، ويلزمه دفع المهر. وكذلك المرأة إذا ادعت الجهالة بأن لها زوج، أنها في عدة، أحلفت وبعد اليمين تقبل دعواها، ويدرأ عنها الحد وإن نكلت عن حلف اليمين حدت.
    أما إذا قَالَ الرجل: أنا أعلم أن لها زوجاً، أو أنها في عدة من زوج، أو أنها ذات محرم وأعلم أنها محرمة علي، ففي هذه الحالة يجب أن يقام عليه حد الزنا، ويلزمه مهرها، وإذا اعترفت المرأة بأنها تعلم أنها متزوجة، وفي عصمة زوجها، أو أنها لم تنقض عدتها، وغير ذلك أقيم عليها حد الزنا لعدم وجود الشبهة.

    المالكية - قالوا: يجب الحد عليه إذا وطئ معتدة منه بعد العدة، أو في عدة من غيره، وإذا وطئ أختاً تزوجها على أختها فإنه يؤدب إلا إذا قَالَ: لا أعلم الحكم فإنه يعذر بجهله، واختلف في إقامة الحد عليه إذا أكره على الزنا بامرأة وكانت طائعة ولا زوج لها ولا سيد، والشمهور أنه يحد، أما إذا كان لها زوج أو سيد فإنه يحد انفاقاً لحق الزوج والسيد.
    من وطئ جارية زوجته
    الحنفية - قالوا:
    إذا وطئ الرجل جارية زوجته بإذان منها: فإن قَالَ: ظننت أنها علي حلال قبل قوله، وصار شبهة فلا يقام الحد عليه، لأن مال الزوجة فيه شبهة الملك للزوج خصوصاً إذا اذنت له الزوجة في نكاحها. فكأنها أعطته حق الملك.
    أما إذا قَالَ الرجل علمت التحريم، فإنه يقام عليه الحد، لعدم وجود شبهة تدرأ الحد عنه.
    المالكية، والشافعية - قالوا: يقام الحد عليه فيجلد إن كان غير محصن، ويرجم إن كان محصناً. لأنه وطء دون ملك تام، ولا شركة ملك، ولا شبهة نكاح، فوجب عليه الحد.
    الحنابلة - قالوا: يجلد مائة جلدة وإن كان محصناً، ولا يرجم لوجود الشبهة، فيخفف عنه الحد ولكن لا يرفع الحد كما قَالَ الأحناف، لما رواه أصحاب السنن بسند حسن: أن رجلاً وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو أمير على الكوفة، فقال: لأقضين فيك بقضية رسول اللَّه (إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة. وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك) .
    زنا الحربي
    الحنفية - قالوا
    : إذا زنى الحربي - غير المسلم - بذمية، والمكره إذا زنا بمطاوعة، تحد الذمية والمطاوعة، ولايحد الحربي، ولا المكره، لحديث (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) . وإذا دخل الحربي دار الإسلام، فأسلم ثم زنى، وقال: ظننت أن الزنا حلال فلا يلتفت إلى قوله، ويقام عليه الحد، وإن كان قد فعله في أول يوم دخل فيه الدار، لأن الزنا محرم في جميع المذاهب والأديان.
    زنا المجاهد
    إذا وطئ الجندي المسلم المجاهد جارية من إماء المغنم قبل القسمة فلا يقام عليه الحد لوجود شبهة حيث لا يقام حد في أرض الحرب، ولا في حال الغزو، حتى لا يلحق بالعدو.

    زنا أهل الكتاب

    إذا زنا المشركان وهما ثيبان وثيت الزنا بالشهود أو الإقرار اختلف رأي الفقهاء فيه.
    الحنفية، والمالكية - قالوا: لا يرجم واحد منها لعدم وجود الإحصان في المشرك، وإنما يعزران.
    الشافعية، والحنابلة - قالوا: إذا تحاكم إلينا أهل الكتاب، وقبلوا أن نحكم بينهم في قضاياهم التي عرضوها علينا، وثبت الزنا على أحدهم يقام عليه الحد، ويرجم إن اكن محصناً، ويجلد البكر مائة جلدة، وينفى سنة كاملة بعيداً عن وطنه مسافة قصر، فقد روى نافع عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أنه رجم يهودياً، ويهودية بالمدينة المنورة - وقعا في الزنا - ثم احتكما اليه، وهذا معنى قول اللَّه تبارك وتعالى للنَبِيه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم {وإذا حكمت فاحكم بينهم بالقسط} وقوله تعالى {وإن احكم بينهم بما أنزل اللَّه} فلا يجوز أن يحكم بينهم في شيء من أمور الدنيا إلا بحكم المسلمين، لأن حكم اللَّه واحد بين عباده جميعاً لا يتغير.
    عدم العلم بحرمة الزنا
    الحنفية، والشافعية، والحنابلة - قالوا:

    يشترط في إقامة حد الزنا أن يكون الزاني عالماً بحرمة الزنا، فلو قَالَ الشهود عليه بالزنا، وقت إقامة الحد عليه: إنه لا يعلم بتحريم الزنا، ولا علم له بحكمه، وحلف اليمين على ذلك، قبل قوله، لا يقام عليه الحد، لوجود شبهة تدرأ الحد عنه، لما روي أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم سأل الذي أقر عنده بالزنا، بقوله (فهل تدري ما الزنا؟) .
    المالكية - قالوا: من قَالَ حين أقيم عليه الحد: لا أعلم تحريم الزنا شرعاً ولا دراية لي بحكمه وكان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء، لا يقام الحد عليه، لاحتمال صدقه في ذلك القول، وهو شبهة تدرأ الحد عنه.
    وإن لم يكن كذلك، بأن كان قد مضى عليه زمن في الإسلام، يمكنه من التعليم والمعرفة أو نشأ ببادية قريبة من أهل العلم، واختلط بأهل الحضر المسلمين وسمع منهم عليه الحد حينئذ، ولا يقبل عذره بالجهل لظهور كذبه فيما ادعاه بعد إقراره بالزنا أمام المحاكم، أو بعد ثبوت الزنا عليه بشهادة الشهود.

    وطء الأجنبية فيما دون الفرج

    اتفق الأئمة على أن من وطئ امرأة أجنبية فيما دون الفرج بأن أولج ذكره في مغابن بطنها، ونحوه، بعيداً عن القبل، والدبر، لا يقام عليه الحد، ولكنه يعزر، لأنه أتى فعلاً منكراً يحرمه الشرع، وقد حكم الإمام علي كرم اللَّه وجهه على من وجد مع امرأة أجنبية مختلياً بها، ولم يقع عليها، بأن يضرب مائة جلدة تعزيراً له، لأنه من الأسباب التي توقع في الزنا ومن زنا بامرأة ميتة لا يقام عليه الحد، وإنما يعزر حسب ما يراه الإمام رادعاً له لأن النفوس البشرية تنفر منه لبشاعته، وهي لذة ناقصة فلا يقام عليه الحد.
    إفساد المرأة على زوجها
    إن الدين الإسلامي يحرم السعي بالفساد بين الزوجين، ويعتبره من أكبر الكبائر عند اللَّه وقد اختلف الفقهاء في حكم من أفسد امرأة على زوجها حتى طلقها.
    المالكية - قالوا: إن من أفسد زوجة غيره ليتزوجها بعده، تحرم عليه تحريماً مؤبداً، معاملة له بنقيض قصده. وقد روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أنه قَالَ (من خبب على امرئ زوجته، أو مملوكه فليس منا) ومعنى - خبب - أي خدع، وأفسد.
    الحنفية، والشافعية - قالوا: إن إفساد الزوجة على زوجها لا يحرمها على من أفسدها، بل يحل له زواجها، ولكن هذا الإنسان يكون من أفسق الفساق وعمله يكون من أنكر أنواع العصيان، وأفحش الذنوب عند الله عز وجل يوم القيامة.
    روى الطبراني في الصغير والأوسط من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أفسد امرأة على زوجها فليس منا" أي ليس على هدينا، ولا على شريعتنا لأنه ارتكتب عملا مشينا، لا يقره الإسلام) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #250
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 94 الى صــــــــ
    101

    الحلقة (250)

    تشديد الشريعة في إثبات جريمة الزنا

    -ولعل قائلا يقول: إن هذا لا يجعل للحد كبير فائدة لأن إثباته منوط بأربعة شهداء، والشهود الذين يعلمون أن من ورائهم حد القذف، وهل ترى أنه إذا وجد الزوج أجنبياً مع امرأته يتركها على هذه الحالة، ويخرج يتلمس الشهود، حتى إذا جاؤوا وجدوا الرجل قد قضى وطره من المرأة، وضاع حق الزوج؟.
    والجواب: أن هذه الجريمة الشنيعة، والفاحشة المنكرة، لم يقتصر ضررها على الزانية والزاني وحدهما، بل يتعداهما إلى الأسرة بتمامها، فتهدم شرف قوم غافلين لا ذنب لهم ويعرضهم للمهانة والعار، وتسقطهم عن مرتبتهم المحترمة بين الناس.
    فحرصا على كرامة الأسرة وصيانة لأعراض الناس شددت الشريعة الإسلامية في إثبات هده الجريمة، كي لا يجرؤ الناس على اتهام بعضهم بعضا بدون مبالاة.
    وفي الوقت نقسه جعل لها أقصى عقوبة (إذا كان فاعلها محصنا) تقديرا لفظاعتها، وإشعارا للناس بأنها تساوي جريمة القتل.
    وبذلك يزدجر المؤمنون الذين يخافون الله تعالى، ويخشون غضبه وبطشه ويحسبون لغيرته على عباده حساباً.
    فالمؤمن الذي يقرأ قول الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه كجهنم خالدا فيها، وغضب الله علي ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} .
    ويعلم أن حد الزنا يساوي القتل، فإنه يدرك عظم المسؤولية إذ افلت من عقوبة الزنا.
    ولهذا ذهب بعض المؤمنين حقا" إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه واعترف بجريمة الزنا الموجبة للقتل، لينجو من عذاب الآخرة بالحد الدنيوي (1)
    مبحث اللعان
    -أم حق الزوج فإن الشارع لم يهمله في هذه الحالة بل جعل له حداً معقولاً، يدفع عنه أذى الغضب والغيظ من جهة، ويشكك الناس في أمر الزوجة فلا تتأذى أسرتها بشرها من جهة أخرى.
    وبيان ذلك أن الأجنبي إذا رمى امرأة عفيفة، أو رجلا عفيفا بالزنا، ولم يأت بأربعة شهداء كان جزاؤه أن يحد حد القذف، (ثمانين جلدة) .
    أما الزوج فإنه إذا ادعى أن امرأته قد زنت، فان الشارع لم يكلفه الإثبات كالأجنبي إذ لا مصلحة للزوج العاقل في قذف زوجته واتهامها بالزنا جزافا"، فان عار ذلك - وان لم يلحقه هو دائما لإمكانه أن يتخلص منها - لكنه يلحق أبناءه فانه، فإنه لم يكن له منها أبناء وبنات، فانه يضن بكرامته عن الامتحان بين الناس مؤقتا، ولهذا لم يسو الله عز وجل بين الزوج وبين الأجنبي، إذا اتهم زوجته، فشرع لهما في هذا الحالة (اللعان) وهو أن يقول الزوج أما القاضي: اشهد بالله أنني صادق فيما رمينها به من الزنا، ويكرر ذلك أربع مرات، ثم يقول بعد ذلك: لعنة الله عليه، إن كان من الكاذبين.
    وتقول الزوجة: اشهد بالله بأنه لكاذب فيما يرميها به من الزنا، وتكرر ذلك أربع مرات، ثم تقول: أن غضب الله عليها أن كان من الصادقين (2) .

    __________
    (1) (أخرج أبو داود والنسائي وعبد الرزاق في مصنفه عن آبي هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: جاء الأسلمي، نبي الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه انه أصاب امرأة حراما، أربع مرات كل ذلك يعرض عنه، فأقبل في الخامسة فقال انكحتها؟ قال: نعم. قال حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم. قال: كما يغيب المرود في المكحلة، وكما يغيب الرشاء في بئر؟ قال: نعم، قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به رجم. وكذلك جاء إليه ماعز بن مالك واعترف بالزنا وجاءت إليه الغامدية واعترفت بالزنا - وذلك يدل على خوفها من الله تعالى ومن عذابه) .
    (2) (قال الفقهاء: يسن للإمام أن يقوم بوعظ المتلاعنين قبل اللعان تحذيراً لهما من الكذب، وتخويفا لهما من الوقوع في المعصية، كما فعل النبّي صلى الله عليه وسلم حينما قذف هلال بن أمية زوجته بالزنا مع شريك بن السحماء، فتلا عليه آيات الله تعالى، ووعظه، وذكره بعقاب الله تعالى، واخبره بأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال الرجل: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعا المرأة فوعظها وخوفها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، ثم تلاعنا بعد ذلك وكان هذا أول لعان وقع في الإسلام.
    واتفق الأئمة على أن من السنة أن يبدأ الإمام بالرجل في اللعان كما حكاه الإمام المهدي في البحر ولكنهم اختلفوا في الوجوب.
    الشافعية، وأشهب من المالكية، والحنابلة - قالوا: يجب على الإمام أن يبدأ في اللعان بالرجل، ولا يصح له أن يبدأ بالمرأة لأنه هو الذي اتهمها، ورفع الأمر إلى الحاكم، وطلب وقوع اللعان، فهو صاحب الدعوة.
    وقد بدأ الله تعالى، بذكر الزوج في آيات اللعان قبل الزوجة، فقال تعالى: {والذين يرمون أزواجهم، ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} الآيات. ولان اللعان شرع لدفع الحد عن الرجل الذي قذفها بالزنا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للهلال بن أمية: (البينة وإلا حد في ظهرك) ، فلو بدأ اللعان بالمرأة لكان دفعا لأمر لم يثبت بعد.
    الحنفية والمالكية وابن القاسم - قالوا: يسن الابتداء في اللعان بالرجل، ولكن لا يجب فلو وقع الابتداء بالمرأة قبل الزوج صح اللعان، واعتد به كالابتداء بالرجل، لأنه لم يترك واجبا، ولأن الله تعالى عطف آيات اللعان في القرآن بحرف الواو وهو لا يقتضي الترتيب، وصفة اللعان أن يبدأ الإمام بأزواج فيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا، ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتك به من الزنا، وإن كان القذف بالزنا ونفي الولد يقول: فيما رميتك به من الزنا ونفي الولد، وإن كان اللعان بنفي الولد فقط يقول فيما رميتك به من نفي الولد، لأنه المقصود باليمين، ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل مرة: أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، أو من نفي الولد، وتقول في الخامسة، غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا، وفي نفي الولد تذكره كذلك.
    أول لعان في الإسلام
    ذكر الجمهور أن قصة هلال بن أمية هي السبب في مشروعية اللعان في الدين الإسلامي لأنه أول رجل لاعن في الإسلام.
    وقد حكى الماوردي أن قصة هلال بن أمية أسبق من قصة عويمر العجلاني وزوجته خولة بنت عاصم.

    وقال الخطيب، والنووي، وتبعهما الحافظ، يحتمل أن يكون هلال قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا،ثم سأل بعده عويمر العجلاني فنزلت الآيات في شأنهما معا وقال أبن الصباغ في الشامل، قصة هلال بن أمية نزلت فيها الآيات الكريمة.
    واختلف العلماء في الوقت الذي وقع فيه اللعان، فجزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان أنه كان في شهر شعبان سنة تسع من الهجرة.
    وقيل: كان في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما وقع في البخاري عن سهل بن سعد أنه شهد قصة الملاعنة وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: كانت القصة سنة عشر ووفاته صلوات الله وسلامه عليه كانت في سنة إحدى عشر وروي عن ابن عمر قال: (فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني عجلان وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ثلاث) متفق عليه.
    والمراد بقول: أخوي - الرجل وامرأته، قال ابن منده في كتاب الصحابة: واسم الرجل عويمر من بني بكر واسم المرأة: خولة بنت قيس، وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم.
    تعريف اللعان
    اللعان في اللغة:
    الأبعاد، يقال: لعنه الله أي أبعده من رحمته، وهو مصدر لاعن يلاعن ملاعنة، وفي الشرع هو مختص بملاعنة تجري بين الزوجين بسبب مخصوص، بصفة مخصوصة.
    واللعان شعيرة من شعائر الإسلام، وهو في حقه كحد القذف، فإن كان الزوج كاذباً التحق به كالحج، حتى لا تقبل شهادته بعد اللعان أبدا، وهو في حق الزوجة كحد الزنا وبهذا لا يثبت اللعان بالشهادة على الشهادة ولا بكتاب القاضي ولا بشهادة النساء كالحدود سواء بسواء، ولابد من طلبها، لأن الحق لها كما في حد القذف.
    واللعان: خصلة من خصال الدين الحنيف، وحكم من أحكام الشريعة، ومن خصوصيات الأمة المحمدية، وقد كان موجب القذف الحد في الأجنبية والزوجة معا"، بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة ابد" وأولئك هم الفاسقون} [آية 4 من سورة النور] .
    ثم نسخ هذا الحكم في شأن الزوجات، ونقل إلى اللعان بقوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [آيات 6، 7، 8، 9 من سورة النور] .
    وسبب نزول هذه الآيات الشريفة ما روي عن ابن عباس رحمهما الله تعالى أنه قال: لما نزل قول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} قال عاصم بن عدي الأنصاري رضي الله تعالى عنه: (إن دخل منا رجل بيته فوجد رجلا على بطن امرأته، فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج، وإن قتله قتل به، وإن قال: وجدت فلانا مع تلك المرأة ضرب، وإن سكت سكت على غيظ) ، اللهم افتح وكان لعاصم هذا ابن عم يقال عويمر، وله امرأة يقال لها: خولة بنت قيس، فأتى عويمر عاصما فقال لقد رأيت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة، فاسترجع وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بهذا في أهل بيتي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ذاك؟) فقال: أخبرني عويمر ابن عمي بأنه رأى شريك بن السحماء على بطن امرأته خولة، وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بنو عاصم.
    فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعا وقال لعويمر: اتق الله في زوجتك وابنة عمك ولا تقذفها، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسم بالله أني رأيت شريكا على بطنها وأني ما قربتها منذ أربعة أشهر، وأنها حبلى من غيري، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله، ولا تخبري إلا بما صنعت) ، فقالت: يا رسول الله إن عويمرا رجل غيور، وإنه رأى شريكا يطيل النظر إلي ويتحدث معي، فحملته الغيرة على ما قال، فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودي الصلاة جامعة فصلى العصر ثم قال لعويمر: (قم وقل أشهد بالله أن خولة لزانية، وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثانية قل: أشهد بالله أني رأيت شريكا على بطنها، وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثالثة قل: أشهد بالله أنها حبلى من غيري وإني لمن الصادقين، ثم قال في الرابعة قل: أشهد بالله أنها زانية وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين، ثم قال في الخامسة قل: لعنة الله على عويمر - يعني نفسه - إن كان من الكاذبين فيما قال، ثم قال اقعد، وقال لخولة قومي فأقمت وقال: أشهد بالله ما أنا زانية، وإن زوجي عويمرا لمن الكاذبين، وقالت في الثانية: أشهد بالله ما رأى شريكا على بطني وإنه لمن الكاذبين، وقالت في الثالثة: أشهد بالله أني حبلى منه وإنه لمن الكاذبين وقالت في الخامسة: غضب الله على خولة إن كان عويمر من الصادقين في قوله. ففرق رسول الله بينهما) .
    واعلم أنه إذا رمى الرجل امرأته بالزنا يجب عليه الحد إن كانت محصنة والتغرير إن لم تكن محصنة كما في رمي الأجنبية لا يختلف موجبهما، غير أنهكا يختلفان في المخلص، ففي قذف الأجنبي لا يسقط الحمد عن القاذف إلا بإقرار المقذوف، أو ببينة تقوم على الزنا وفي قذف الزوجة يسقط عنه الحد بأحد هذين الأمرين أو باللعان، وإنما اعتبر الشرع اللعان على هذه الصورة دون الأجنبيات لوجهين:
    الأول: أنه لا معرة عليه في زنا الأجنبية والأولى له الستر عليها، أما إذا وقع الزنا على زوجته فيلحقه العار والنسب الفاسد، فلا يمكنه الصبر عليه، وتوقيفه على البينة كالمعتذر، فلا جرم خص الشرع هذه الصورة باللعان.
    الثاني: أن الغالب في المتعارف من أحوال الرجل مع امرأته أنه لا يقصدها بالقذف إلا عن حقيقة، فإذا رماها نفس الرمي يشهد بكونه صادقاً، إلا أن شهادة الحال ليست بكاملة قضم إليها ما يقومها من الإيمان، كشهادة المرأة لما ضعفت قويت بزيادة العدد والشاهد الواحد يتقوى باليمين على قول كثير من الفقهاء.
    إذا نكل الزوج أو الزوجة عن اللعان
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا:
    إذا قذف الزوج زوجته، فالواجب هو الحد، ولكن المخلص منه باللعان، كما أن الواجب في قذف الأجنبية الحد، والمخلص منه بالشهود، فإذا امتنع الزوج عن اللعان يلزمه الحد للقذف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأهل بن أمية حين قذف زوجته: (إما البينة وإما إقامة الحد عليك) ، فإذا لاعن الزوج وامتنعت الزوجة عن اللعان يلزمها حد الزنا، وإذا صدقته يقام عليها حد الزنا أيضا، لأن الزاني يحد عندهم بالإقرار مرة واحدة، وإن القرآن الكريم ذكر أن مقتضى قذف الأجنبيات الإتيان بالشهود أو الجلد، فكذا موجب قذف الزوجات الإتيان باللعان أو الجلد، فكذا موجب قذف الزوجات الإتيان باللعان أو الحد ولإن قوله تعالى: {ويدرأ عنها العذاب} يدل على أنه الحد، ثبت أنها لو لم تلاعن لحدت وأنها بالإتيان باللعان دفعت عنها الحد، وهو العذاب، وكأن المرأة تقول: إن كان الرجل صادقاً فحدوني، وإن كان كاذباً فخلوني، فما بالي والحبس وليس حبسي في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله ص، ولا في إجماع الأمة ولا في القياس.
    ولأن الزوج قذفها ولم يأت بالمخرج من شهادة غيره أو شهادة نفسه، فوجب عليه الحد لقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم} وإذا ثبت ذلك في حق الرجل ثبت في حق المرأة، لأنه لا قائل بالفرق، ولأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال لخولة حينما رماها زوجها بالزنا: (فالرجم أهون عليك من غضب الله تعالى) .
    الحنفية - قالوا: إذا امتنع الرجل عن اللعان حبس حتى يلاعن، لأنه إذا كذب نفسه فيما رماها به من الزنا، سقط اللعان، وإذا سقط اللعان وجب عليه الحد، لأن القذف لا يخلو من موجب، فإذا سقط اللعان صرنا إلى حد القذف، إذا هو الأصل في الباب.
    وإذا لاعن الرجل وجب على المرأة اللعان بنص القرآن الكريم، فإذا امتنعت عن اللعان وعن الإقرار حبست حتى تلاعنه، أو تصدقه فلا حاجة إلى اللعان، ولا يجب عليها حد الزنا، لأن من شرطه أن يقر الزاني أربع مرات مثل الشهادة، ولأنها ما فقلت شيئا" سوى أنها تركت اللعان، وهذا الترك ليس ببينة على الزنا، ولا إقراراً منها به، فوجب ألا يجوز رجمها لقول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل رجم امرئ إلا بإحدى ثلاث) الحديث. وإذا لم يجب الرجم إذا كانت محصنة لم يجب الجلد في غير المحصنة لأنه لا قائل بالفرق، ولأن النكول ليس بصريح في الإقرار فلم يجز إثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنا ولغيره.
    من يصح لعانه
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا:
    من صح يمينه صح لعانه، فيجري اللعان بين الحرين، والعبدين، والعادلين، والفاسقين، والذميين، والمحدودين، أو أحدهما رقيقاً، أو كان الزوج مسلماً والمرأة ذمية!.
    وحجة الأئمة الثلاثة في ذلك قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} فهو يتناول الكل، ولا معنى للتخصيص ولأن القياس طاهر من وجهين:
    الأول: أن المقصود من اللعان دفع العار عن النفس ومدفع ولد الزنا عن النفس، وكما يحتاج غير المحدود - أي العدل - إليه، فيجوز له اللعان.
    والثاني: أجمعنا على أنه يصح لعان الفاسق والأعمى وإن لم يكونا من أهل الشهادة فكذلك أقول في غيرهما، والجامع هو الحاجة إلى دفع عار الزنا.
    الحنفية - قالوا: إذا لم يكن الزوج من أهل الشهادة بأن كان عبداً، أو محدوداً في قذف، أو كافراً، لا يصح لعانه، وكذلك الزوجة إذا كانت ممن لا يجب على قاذفها الحد إذا كان أجنبيا"، نحو أن تكون الزوجة مملوكة، أو ذمية، أو محدودة في قذف، أو صبية، أو مجنونة، أو زانية، فلا حد عليه ولا لعان لان المانع من جهتها، فصار كما إذا صدقته في قوله الذي رماها به.
    وعلى الحاكم أن يعزر الزوج في هذه الحالة لأنه ألحق الشين بها، ولم يجب الحد عليه لذا العذر فوجب عليه التعذير حسما لهذا الباب، وحفظا للأعراض.
    وإذا لم يكن الزوج من أهل الشهادة كما ذكرنا، ورمى زوجته بالزنا، فيجب أن يقام عليه حد القذف لآن اللعان امتنع من جهته فيرجع إلى الموجب الأصلي.
    وان لم يكونا من أهل الشهادة، بأن كانا محدودين في قذف حد الزوج لأن اللعان امتنع من جهته.
    واحتج الأحناف بما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من النساء ليس بينهن وبين أزواجهن ملاعنة: اليهودية والنصرانية تحت المسلم، والحرة تحت المملوك، والمملوكة تحت الحر) .
    ولأن الواجب على الذي يقذف الزوجة أو الأجنبية الحد بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات} ثم نسخ ذلك الحكم عن الأزواج قائما مقام الحد في الأجنبيات لم يجب اللعان على من لا يجب عليه الحد لو قذفها أجنبي.
    ولأن اللعان شهادة، فوجب أن لا يصح إلا من أهل الشهادة، إنما قال الأحناف: إن اللعان شهادة لوجهين: الأول قوله تعالى: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} فسمى الله تعالى لعانهما شهادة، كما قال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} ، وقال تعالى: {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} .
    الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام حين لاعن بين زوجين آمرهما باللعان بلفظ الشهادة، ولم يقتصر على لفظ اليمين، إذا ثبت ذلك في المحدود ثبت في العبد والكافر، أما الإجماع على أنهما ليسا من أهل الشهادة أو لأنه لا قائل بالفرق فقد أجاب الشافعية بأن اللعان ليس شهادة في الحقيقة، بل هو يمين لأنه لا يجوز أن يشهد الإنسان لنفسهن ولأنه لو كان اللعان شهادة كما قال الأحناف لكانت المرأة تأتي في اللعان بثمان شهادات لأنها على النصف من الرجل، ولأنه يصح اللعان من الأعمى والفاسق بالإجماع ولا تجوز شهادتهما، فإن قيل: الفاسق والفاسقة قد يتوبان قلنا وكذلك العبد قد يعتق فتجوز شهادته، ثم أكد الشافعي رحمه الله ذلك الرأي بأن العبد إذا عتق تقبل شهادته في الحال، أما الفاسق إذا تاب فلا تقبل شهادته في الحال، ثم ألزم أبا حنيفة رحمه الله بأن شهادة أهل الذمة مقبولة بعضهم على بعض، فينبغي أن يجوز اللعان بين الذمي والذمية.
    الشافعية - قالوا: إن الحدود تختلف بمن وقعت له، ومعناه أن الزوج إن لم يلاعن فنصف حد القذف عليه لرقه، وإن لاعن ولم تلاعن اختلف حدها بإحصانها وعدم إحصانها، وحريتها ورقها.
    الشافعية - قالوا: يتعلق باللعان خمسة أحكام: درء الحد، ونفي الولد، والفرقة، والتحريم المؤبد، ووجوب الحد عليهما، وكلها تثبت بمجرد لعانه، ولا يفتقر فيه إلى لعان الزوجة، ولا إلى حكم الحاكم، فإن حكم الحاكم به كان تنفيذا منه لا إيقاعا للفرقة لأن الفرقة حصلت بمجرد أن انتهى الزوج من شهادته وقسمه، ولا يتوقف ذلك على صدور حكم الحاكم بالفرقة، فأن اللعان طلاق بائن لما رواه الجماعة عن نافع عن ابن عمر (أن رجلاً لاعن بامرأته، وانتفى من ولدها ففرق النبّي بينهما وألحق الولد بالمرأة) .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #251
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 101 الى صــــــــ
    110

    الحلقة (251)


    وقوع الفرقة باللعان

    -وبذلك تبين منه مؤبداً - أي تطلق منه - وهذا المعنى يسجل غضب الله ولعنته على الكاذب حقاً (1)
    __________
    (1) (اختلف الفقهاء في وقوع الفرقة باللعان.
    الحنفية والحنابلة - قالوا:
    لا تقع الفرقة بفراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما، ولا تقع الفرقة قبل صدور الحكم.
    الشافعية - قالوا: إذا اكمل الزوج الشهادة والا لتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبداً التعنت أو لم تلتعن وذلك لقوله تعالى: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين} فدل هذا على أنه لا تأثير للعان المرأة إلا في دفع العذاب عن نفسها، وأن كل ما يجب باللعان من الأحكام فقد وقع بلعان الزوج، ولأن لعان الزوج وحده مستقل بنفي الولد، فوجب أن يكون الاعتبار بقوله في الإلحاق لا بقولها، ألا ترى أنها في لعانها تلحق الولد به ونحن ننفيه عنه فيعتبر نفي الزوج لا إلحاق المرأة، ولهذا إذا أكذب الزوج نفسه ألحق به الولد، وما دام يبقى مصراً على اللعان فالولد منفي عنه وإذا ثبت أن لعانه مستقل بنفي الولد وجب أن يكون مستقلاً بوقوع الفرقة، لأن الفرقة لو لم تقع لم ينتف الولد وجب أن يكون مستقى بوقع الفرقة، لآن الفرقة لو لم تقع لم ينتف الولد لقوله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش) فما دام يبقى الفراش التحق به، فلما انتفى الولد عنه بمجرد لعانه وجب أن يزول الفراش عنه بمجرد لعانه.
    المالكية، والليث، وزفر - قالوا: إذا فرغا من اللعان وقعت الفرقة بعد لعانها خاصة وإن لم يفرق الحاكم بينهما، وقد احتج الحنفية على مذهبهم بما روى سهل بن سعد في قصة العجلاني، مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً، وبما روي في قصة عويمر أنهما لما فرغا (قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، هي طالق ثلاثاً) فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله الله صلى اللله عليه وسلم، والاستدلال بهذا الخبر من وجوه:
    (أحدها) : أنه لو وقعت الفرقة باللعان لبطل قوله (كذبت عليها إن أمسكتها) لأن إمساكها غير ممكن.
    (وثانيها) : ما روي في هذا الخبر أنه طلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله الله صلى اللله عليه وسلم، وتنفيذ الطلاق إنما يمكن إذا لم تقع الفرقة بنفس اللعان.
    (وثالثها) : ما قال سهل بن سعد في هذا الخبر (مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبداً) ولو كانت الفرقة واقعة باللعان استحال التفريق بعدها، وعن ابن عباس أن النبّي صلى الله عليه وسلم قال: (المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً) .
    وقد قال أبو بكر الرازي: قول الشافعي خلاف الآية لأن الله تعالى إنما أوجب اللعان بين الزوجين.

    ولأن اللعان شهادة لا يثبت حكمه إلا عند الحاكم فوجب ألا يوجب الفرقة إلا بحكم الحاكم، كما لا يثبت المشهود به إلا بحكم الحاكم، ولأن اللعان تستحق به المرأة نفسها كما يستحق المدعي بالبينة، فلما لم يجز أن يستحق المدعي ما ادعاه إلا بحكم الحاكم وجب مثله في استحقاق المرأة نفسها. ولأن أكثر ما فيه أنها زنت، ولو قامت البينة على زناها، أو هي أقرت بذلك فذلك لا يوجب التحريم، فكذا اللعان، وإذا لم يوجد فيها دلالة على التحريم وجب ألا تقع الفرقة به، فلا بد من إحداث التفريق بين الزوجين إما من قبل الزوج أو من قبل الحاكم.

    وأما حجة المالكية فلأنهما لو تراضيا على البقاء على النكاح بعد اللعان لم يخليا، بل يفرق بينهما، فدل ذلك على أن اللعان قد أوجب الفرقة إن لم يفرق الحاكم بينهما.
    اجتماع الزوجين بعد اللعان
    الشافعية، والمالكية، والحنابلة، وأبو يوسف والثوري - قالوا:
    المتلاعنان لا يجتمعان أبداً بعد الفرقة، وهو قول علي وعمر وأبن مسعود لما روي عن النبّي صلى الله عليه وسلم أنه قال للملاعن بعد اللعان: (لا سبيل لك عليها) ولم يقل حتى تكذب نفسك ولو كان الإكذاب غاية لهذه الحرمة لردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغاية، كما قال في المطلقة بالثلاث (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره) .
    ولآن اللعان فسخ فيكون التحريم مؤبداً كالرضاع، فلا تحل له أبداً وفي الحديث (المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً) . ولما روي عن الإمام علي كرم الله وجهه، وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهم أنهم قالوا: لا يجتمع المتلاعنان أبداً.
    وما رواه الزهري عن سهل بن سعد في قصة العجلاني (مضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً، فدلت هذه الروايات كلها على أن تحريم الزوجة على زوجها مؤبد.
    الحنفية - قالوا: إذا أكذب الرجل نفسه وأقيم عليه الحد، زال تحريم العقد، وحلت له بنكاح جديد، فهو تحريم مؤقت احتجوا على ذلك بقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} وقوله تعالى: {فأنكحوا ما طاب لكم من النساء} فاللعان طلاق ثلاثا، لا يتأبد به التحريم.
    إذا أتى أحدهما ببعض كلمات اللعان
    الحنفية - قالوا: أكثر كلمات اللعان تعمل عمل الكل إذا حكم به الحاكم.
    الشافعية - قالوا:
    لو أتى أحدهما ببعض كلمات اللعان لا يتعلق به الحكم فإنها لا تدرأ العذاب عن نفسها إلا بتمام ما ذكره الله تعالى.
    اتفق الفقهاء: على أن اللعان كالشهادة فلا يثبت إلا عند الحاكم. وقالوا: يشترط في اللعان أن يكون من الزوج سواء دخل بها أم لا، وأن يكون بالغاً عاقلاً، مسلماً.

    وقالوا: يشترط حضور جماعة للعان لا تقل عن أربعة عدول ذكور، لا احتمال نكول الزوج، أو إقرارها. ويشترط أن تكون الزوجة في عصمته، بنكاح صحيح، دون الفاسد أو تكون في العدة. ويصح لعان الأخرس إذا كان يحسن الكتابة، ويشترط أن يكرر الكتابة خمس مرات قبل الشهادة.

    الشافعية، والحنابلة - قالوا: أن اللعان يمين.
    الحنفية، والمالكية - قالوا:
    أن اللعان شهادة مؤكدة بالأيمان، موثقة باللعن، والغضب، وذلك لقوله تعالى: {فشهادة أحدهما أربع شهادات بالله} ولقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه (فجاء هلال فشهد ثم جاءت فشهدت) كما رواه أبن عباس رضي الله عنهما.
    وقيل: أن اللعان شهادة شائبة بيمين.
    اللعان على الحمل
    الشافعية والمالكية - قالوا:
    يصح اللعان على الحمل قبل الوضع مطلقاً، ويصح كذلك نفي الحمل.
    إلا أن المالكية اشترطوا أن يكون استبراؤها بثلاث حيضات أو بحيضة واحدة على خلاف بينهم. واستدلوا بالحديث السابق، وأن اللعان وقع والزوجة حامل، ولأن الحمل قرينة قوية يتأكد منها وجوده، ولحصول الريبة بمجرد الحمل، فيصح اللعان لأجله مبادرة للخلوص من العار الذي يلحقه من جراء ذلك.
    الحنفية والحنابلة - قالوا: لا يصح اللعان، النفي قبل الوضع لعدم التيقن لاحتمال أن يكون الحمل ريحاً.
    الحنفية - قالوا: لا يصح نفي الولد بعد الإقرار بهن لأنه لو صح الرجوع بعد الإقرار لصح في كل إقرار، لا يمكن أن يتقرر حق من الحقوق، والثاني باطل بالإجماع وقد روي أن رجلاً اعترف بولده في بطنها ثم أنكره بعد ولاجتها فجلده عمر رضي الله تعالى عنه وألحق به الولد.
    اتفق الفقهاء على أن المرأة المفسوخة باللعان لا تستحق في مدة العدة. نفقة ولا سكنى، لأن النفقة إنما تستحق في عدة الطلاق، لا في عدة الفسخ، وكذلك السكنى ومن قال أن اللعان طلاق كأبي حنيفة يقول بوجوب النفقة والسكنى.
    حكم الأخرس
    الحنفية - قالوا: لا يصح قذف الأخرس، ولا لعانه، لوجود شبهة تذرا الحد عنه.
    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا: يصح قذف الأخرس، ويصح لعانه لزوجته، إذا كانت له إشارة مفهومة توضح قصده ويعلم ما يقوله أو كان يحسن الكتابة، ويلزمه الحد في هذه الحال، لأن من كتب أو أشار إلى القذف إشارة يفهمها الناس فقد رمى المحصنة وألحق العار بها، فوجب أدراجه تحت الظاهر، وعول معاملة الناطق.
    ولد المتلاعنين
    ذكر الفقهاء أن ولد المتلاعنين ينسب إلى أمه، فيرث منها إذا ماتت، وترثه إذا مات قبلها، ولا يصح لأحد أن يرمي المرأة بالزنا، بالرجل الذي اتهمها به زوجها، ومن قذفها بالزنا يحد حد القذف، وذلك لأنه لم يتبين صدق ما قاله الزوج فهي محصنة، والأصل عدم الوقوع في المحرم،ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها من العفاف، والأعراض محمية عن الثلب ما لم يحصل اليقين، ولا يصح لأحد أن يرمي ولد المتلاعنين بأنه أبن زنا، ومن دعاه ولد الزنا يجلد ثمانين جلدة، وقرابة الولد المنفي قرابة أمه، لما روي عن أبن عباس رضي الله عنهما (وقضى أنه ليس عليه قوت ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها) وقول (وألحق الولد بالمرأة) وفي رواية (فكان الولد ينسب إلى أمه) أي صيره لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما، وعصبة أمه تصبر عصبة له، وروي أن النبّي صلى الله عليه وسلم قال في حديث اللعان (ومن رماها به جلد ثمانين جلد) وفي رواية (وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولها فعليه الحد) .
    لا يصح للملاعن أن يسترد مهره
    قال الفقهاء:
    إذا تم اللعان فإن الزوجة يفسخ عقدها، وتستحق المال الذي صار إليها من المهر بما استحل الزوج من فرجها في المدة السابقة للعان فقد روي أن هلال بن أمية بعدما لاعن امرأته قال: يا رسول الله (مالي) أي الصداق الذي سلمه أتليها يزيد أن يرجع به عليها فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا سبيل لك عليها) وإنها قد استحقته بذلك السبب وأوضح له استحقاقها له على فرض صدقه وعلى فرض كذبه، لأنه مع الصدق قد استوفى منها ما يوجب استحقاقها له، وعلى فرض كذبه كذلك مع كونه قد ظلمها برميها بما رماها به، وهذا الرأي مجمع عليه في المدخول بها عن أبن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله للمتلاعنين: حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي، قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها متفق عليه.
    أما في الزوجة التي لم يدخل بها زوجها فذهب الجمهور إلى أنها تستحق نصف الصداق كغيرها من المطلقات قبل الدخول، وقال حماد والحكم أنها تستحق جميعه، وقال الزهري ومالك: لاشيء لها.
    مخالفة لون الابن لأبيه
    الحنفية والمالكية - قالوا:
    لا يجوز للأب أن ينفي ولده بمجرد كونه مخالفاً له في اللون.
    الشافعية - قالوا: إذا لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا لم يجز النفي، فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح.
    الحنابلة - قالوا: يجوز نفي الولد الذي جاء لونه مخالفاً للون أبيه مع القرينة مطلقاً، وأما بدون القرينة فلا. فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل من بني فزارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ولدت امرأتي غلاماً أسود وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه، فقال له النبّي الله صلى اللله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فما لونها؟ قال لونها؟ قال: حمر، قال هل فيها أورق؟ قال: إن فيها لورقاً، قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعة عرق، قال: فهذا عسى أن يكون نزعة عرق، ولم يرخص له في الانتفاء منه، رواه الجماعة. ولأبي داود في رواية (إن امرأتي ولدت غلاماً اسود وإني أنكره) .

    وروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مجزراً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض) . رواه الجماعة وذلك أن الناس كانوا قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة - وكان زيد ابيض وأسامة اسود، فتكلم في ذلك بقول كان يسوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع قول المدلجي فرح به، وسري عنه، لأنه رفع التهمة عن سيدنا زيد، وأثبت صدق نسب أسامة منه، وذلك حق، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده، وأسامة قد ثبت فراش أبيه شرعاً، ولما وقعت القالة بسبب اختلاف اللون، كان قول المدلجي دافعاً لمقالة السوء.
    حكم طلاقها بعد القذف
    الحنفية - قالوا:
    لو طلق الرجل زوجته التي رماها بالزنا، بعد القذف ثلاثاً، أو بائناً فلا لعان بينهما، ولا حد بذلك القذف، ولو قال لها: أنت طالق ثلاثاً (يا زانية) فعليه الحد دون اللعان، لأنه قذف امرأة أجنبية عنه ولو قال: يا زانية أنت طالق ثلاثاً، فلا حد ولا لعان، لأنه طلقها ثلاثاً بعد وجود اللعان، فسقط عنه بالبينونة.
    ولو قذف أربع نسوة له لاعن مع كل زوجة منهن، ولو قذف أربع أجنبيات حد لهن حداً واحداً، والفرق في ذلك أن المقصود في المسألة الثانية الزجر، وهو يحصل بحد واحد أما الأول فالمقصود باللعان هو دفع العار عن المرأة المتهمة، وإبطال نكاحها عليه، وذلك لا يحصل بلعان واحد، ولو قال لها: ليس حملك مني، فلا لعان، لأنه لم يتيقن بقيام الحمل، لم يعد قاذفاً، ولو نفى ولد زوجه الحرة فصدقته، فلا حد ولا لعان، لأنه لم يتيقن بقيام الحمل، فلم يعد قاذفاً، ولو ننفى ولد زوجه الحرة فصدقته، فلا حد ولا لعان، وهو ابنهما لا يصدقان على نفيه، لأن النسب حق الولد، والأم لا تملك إسقاط حق ولدها، فلا ينتفي بتصديقها، وإنما لم يحسب الحد واللعان لتصديقها، لأنه لا يجوز لها أن تشهد إنه لمن الكاذبين بعد ذلك، وقد قالت إنه لمن الصادقين، وإذا تعذر اللعان لا ينتفي النسب ولو طلقها بعد القذف طلاقاً رجعياً وجب اللعان لقيام الزوجية، ولو تزوجها بعد الطلاق البائن فلا لعان ولا حد بذلك القذف.
    نفي الولد بعد الولادة
    واتفق العلماء على أن الزوج لو نفى الولد عقب الولادة انتفى، وإذا لم ينفه حتى حالت المدة بعد الوضع لم يكن له نفيه، لأنه قبل التهاني بالولادة وابتاع حاجات الولادة، وقبل هدايا الأصدقاء، فإذا فعل ذلك، ومضت مدة عليه وهو ممسك كان فعله اعترافاً ظاهراً بالولد، فلا يصح نفيه بعده وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال (قضى عمر بن الخطاب في رجل أنكر ولد امرأته وهو في بطنها، ثم اعترف به وهو في بطنها حتى إذا ولج أنكره، ف - أمر به عمر فجلد ثمانين جلدة لفريته عليها ثم ألحق به ولدها) . وورد في حديث أبن عباس رضي الله عنهما (أن النبّي صلى الله عليه وسلم لاعن بين هلال بن أمية وامرأته،وفرق بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ويرمى ولدها، ورماها، أو رمى ولدها فعليه الحد) قال عكرمة رضي الله عنه: (فكان ذلك الولد بعد ذلك أميراً على مصر من الأمصار، وما يدعى لأب) رواه أحمد وإذا كان الزوج غائباً في بلد نائية، علم بولادة زوجته عند حضوره من سفره، فكأنها ولدت حال علمه. فيصح له نفيه عقب علمه بولادته، فإذا مكث مدة بعد العلم، فلا يصح له أن ينفيه، لأنه رضي به.
    واتفق الفقهاء: على أنه لا ينفى نسب الحمل قبل الولادة لأنه حكم عليه، ولا حكم على الجنين قبل الولادة، كالإرث، الوصية، وإنما يؤجل الحكم عليه حتى تلد.
    الحنفية - قالوا: من ولدت ولدين في بطن واحد فاعترف بالأول ونفى الثاني، ثبت نسبهما، ولاعن وإن عكس فنفى الأول، واعترف بالثاني ثبت نسبهما وأقيم عليه الحد، أما ثبوت النسب فلأنهما توأمان خلقا من ماء واحد فمتى ثبت نسب أحدهما باعترافه ثبت نسب الآخر ضرورة، ولأنه لما نفى الثاني لم يكن مكذباً نفسه فيلاعن، ولما نفى الأول صار مكذباً نفسه باعترافه بالثاني، فيحد.

    من قذف زوجته برجل سماه
    الحنفية والمالكية رحمهم الله -
    قالوا لو قذف رجل زوجته برجل بعينه وسماه، فقال: زنى بك فلان، لاعن للزوجة، وحد للرجل الذي قذفه إن طلب الحد، ولا يسقط حد القذف باللعان.
    الشافعية في أرجح أقوالهم - قالوا: أنه يجب عليه حد واحد لهما، والرأي الثاني - لكل منهما حد عليه، فإن ذكر القذف في لعانه، سقط الحد عنه.
    الحنابلة - قالوا: عليه حد واحد لهما، ويسقط بلعانها.
    روي عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه (أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإسلام قال: فلاعنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبصروها فإن جاءت به ابيض سبطاً، فضيء العينين فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به أكحل، جعداً، حمش الساقين، فهو لشريك بن سحماء، قال: فأنبئت أنها جاءت به أكحل، جعداً، حمش الساقين) رواه أحمد، ومسلم، والنسائي والسبط - هو المسترسل من الشعر: وقوله (فضيء العينين) هو فاسد العينين - والأكحل الذي في عينيه سواد - والجعد من الشعر خلاف السبط. أو القصير منه، وقوله (حمش الساقين) أي رقيق الساقين، وفي رواية فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل، مصفراً، قليل الشعر، سبطه، وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلاً، آدم، كثير اللحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بين) فوضعت شبيهاً بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.
    حكم اللعان من غير رؤية
    المالكية - قالوا:
    لو قال لزوجته - يا زانية - وجب عليه الحد إن لم يثبته، وليس له أن يلاعن حتى يدعي رؤيته بعينه، لأن الرؤية شرط في اللعان عندهم.
    الحنفية، والشافعية - قالوا: إن للزوج أن يلاعن زوجته، ولو لم يذكر رؤيته، لأنها ليست بشرط عندهم.
    إذا رآها في العدة تزني
    المالكية - قالوا: إذا بانت زوجته منه، ثم رآها تزني في أيام العدة، فله أن يلاعنها، ولو ظهر بها حمل بعد طلاقه، وقال: كنت استبرأتها بحيضة فله أن يلاعنها أيضاً.
    الشافعية - قالوا: إن كان هناك حمل، أو ولد فله أن يلاعن، وإلا فلا حق له.
    الحنفية، والحنابلة - قالوا: ليس له أن يلاعن أصلاً، لأنها صارت أجنبية له بعد طلاقها.
    من طلق امرأته عقب العقد وأتت بولد
    المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا:
    لو تزوج امرأة ثم طلقها عقب العقد مباشرة من غير أماكن وطئها وأتت بولد لستة أشهر من العقد، لم يلحق به، كما لو أتت به لأقل من ستة أشهر، للتأكد من أنه حملت به قبل إجراء العقد.
    الحنفية - قالوا: إنه يلحقه إذا عقد عليها بحضرة الحكم، ثم طلقها عقب العقد، وأتت به لستة أشهر لا قل ولا أكثر منها، فإن الولد حينئذ يلحقه لحدوثه قبل الطلاق وبعد العقد.
    من تزوج بامرأة وغاب عنها
    الحنيفية - قالوا:
    لو تزوج رجل بامرأة، وغاب عنها سنتين، فأتاها خبر وفاته، فاعتدت منه، ثم تزوجت وأتت بأولاد من الزوج الثاني، ثم قدم الأول. وحجتهم في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) رواه الجماعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وفي لفظ للبخاري (الولد لصاحب الفراش) فقد صارت فراشاً له بالعقد، فأولده بنص الشارع، إذ الإحكام يرجع وضعها إليه ولو لم يقبلها بعض العقول.
    وقد اختلف العلماء في معنى (الفراش) .
    الحنفية - قالوا: إن الفراش في الحديث الشريف اسم للزوج وأنشد أبن الأعرابي مستلا على هذا المعنى قول جرير: باتت تعانقه، وبات فراشها.
    وقوله (وللعاهر الحجر) العاهر الزاني - يقال: عهر أي زنى - قيل، ويختص ذلك بالليل، ومعنى له الحجر، الخيبة، أي لاشيء له في الولد، وقيل: أن المراد بالحجر، أنه يرجم بالحجارة إذا زنى وكان محصناً.

    روى الجماعة عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (اختصم سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله أبن أخي عتبة بن أبي وقاس، عهد إلي أنه ابنه، اظهر إلى شبهه، وقال عبد الله بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولج على فارش أبي فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبهاً بيناً بعتبة، فقال: هو لك يا عبد الله بن زمعة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قال: لم ير سودة قط) رواه الجماعة، وسودة هي أم المؤمنين رضي الله عنها.

    فالحنفية يثبتون النسب بمجرد العقد، وقالوا: إن مجرد المظنة كافية، بل قالوا: لو أن رجلاً تزوج امرأة بالمغرب وهو بالمشرق لستة اشهر كان الولد ملحقاً به، ورد بمنع حصولها بمجرد العقد، بل لابد من إمكان الوطء، ولا شك أن اعتبار مجرد العقد في ثبوت الفراش مجرد ظاهر، وذهب أبن تيمية إلى أنه لابد من معرفة الدخول المحقق: وكيف تأتي الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بامرأته، ولا دخل بها، ولا اجتمع بها، بمجرد إمكان ذلك؟
    أجاب الأحناف على ذلك بأن معرفة الوطء المحقق متعسرة، فاعتبارها يؤدي إلى بطلان كثير من الأنساب وهو يحتاط فيها، واعتبار مجرد الإمكان يناسب ذلك الاحتياط.
    الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: في هذه المسألة أن الأولاد يكونون للزوج الثاني للتأكد من أنه تزوج المرأة ووطأها، وهي فارشه وذلك هو المعقول.
    ولابد في ثبوت الولد أن تأتي المرأة به بعد مضى أقل مدة الحمل وهو ستة اشهر من وقت إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد عند الأئمة الثلاثة أو تأتي به من وقت العقد وإن لم يجتمع لها عند الحناف، أو معرفة الوطء المحقق عند أبن تيمية، وهذا مجمع عليه فولدت قبل مضي المدة لقطعنا بأن الولد من قبل العقد، فلا يلحق بأحد. وقالوا: لا يجوز إلحاق الولد بأكثر من رجل واحد.

    رأي الخوارج
    قال الخوارج:
    إن الزنا والقذف كفر، ورد عليهم أهل السنة بقوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} الآيات واحتجوا بالآية من وجهين:
    الأول - أن الرامي إن صدق فهي زانية وإن كذب فهو قاذف فلا بد على قولهم من وقوع الكفر من أحدهما، وذلك يكون ردة: فيجب على هذا أن تقع الفرقة، ولا لعان أصلاً. وأن تكون فرقة الردة حتى لا يتعلق بذلك توارث البتة.
    الثاني - أن الكفر إذا ثبت عليها لعانه - كما قالوا - فالواجب أن تقتل، لا أن تجلد، أو ترجم، لأن عقوبة المرتد مباينة للحد في الزنا.
    وقال أهل السنة: إن الآية دالة على بطلان قول من يقول: إن وقوع الزنا يفسد النكاح. وذلك لأنه يجب إذا رماها بالزنا أن يكون قوله هذا كأنه معترف بفساد النكاح حتى يكون سبيله سبيل من يقر بأنها أخته من الرضاع، أو بأنها كافرة، ولو كان كذلك لوجب أن تقع الفرقة بنفس الرمي، من قبل اللعان، وقد ثبت بالإجماع فساد ذلك الرأي.

    رأي المعتزلة
    المعتزلة - قالوا:
    دلت آية اللعان على أن القاذف مستحق للعن الله تعالى إذا كان كاذبا، وأنه قد فسق، وكذلك الزاني والزانية، يستحقان غضب الله تعالى وعقابه، وإلا لم يحسن منهما أن يلعنا أنفسهما. كما لا يجوز أن يدعو أحد ربه أن يلعن الأطفال، والمجانين، وإذا صح ذلك فقد استحق العقاب، والعقاب يكون دائما كالثواب، ولا يجتمعان، فثوابهما أيضا محبط، فلا يجوز إذا لم يتوبا أن يدخلا الجنة، لأن الأمة مجمعة على أن من دخل الجنة من المكلفين فهو مثاب على طاعاته، وذلك يدل على خلود الفساق في نار جهنم.
    الأئمة - قالوا: لا نسلم أنه كونه مغضوبا عليه بفسقه يتأتى كونه مرضيا عنه لجهة إيمانه، ثم لو سلمناه، لم نسلم أن الجنة لا يدخلها إلا مستحق الثواب، والإجماع ممنوع، وقيل: إنما خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله تغليظا عليها لأنها هي أصل الفجور ومنبعه بخيلائها وأطماعها، ولذلك كانت في مقدمة آية الجلد) .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #252
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 57 الى صــــــــ
    61

    الحلقة (252)




    مبحث حرص الشريعة على محو الرذائل الخلقية
    - لأن الشريعة الإسلامية حريصة على محو الرذائل الخلقية والضرب على أيدي العابثين بالأخلاق التي عليها قوام الأمم وسعادتها . حريصة على كرامة الناس وأنسابهم فلم يبق أمام الأمة إلا أن تمسك بالصيانة والحياء ولا تجاهر بالفواحش وإلا أوشك الله أن سلط عليها من لا يرحمها ( 1 )
    ------------------------------
    ( 1 ) لقد نهى الشارع الحكيم عن الزنا ونفر من النكاح الحرام وجعله من الذنوب التي تحبط الأعمال وتدخل فاعلها النار فقال تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } الآية 22 من النساء

    وقال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق إثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } فقد قرنه الله تعالى بالشرك وقتل النفس التي حرم الله وهما من أفحش الذنوب وأكبر الكبائر التي حرمها الله تعالى فدل ذلك على عظم حرمة الزنا وأنه من أعظم الذنوب وأفحشها حيث عقب الله تعالى على ذكر هذا الذنب بأن فاعله يرتكب إثما عظيما ويضاعف الله له العذاب في نار جهنم ويمكث فيه مدة طويلة محتقرا مهانا كأنه مخلد فيها . وقال الله تعالى : { قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن }
    الآية 33 من سورة الأعراف . وقال تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } آية 2 و 3 من سورة النور
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه والمفارق للجماعة ) . رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي رحمهم الله تعالى
    وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( يا بغايا العرب يا بغايا العرب إن أخوف عليكم الزنا والشهوة الخفية ) رواه الطبراني
    وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان ) رواه أبو داود واللفظ له
    وفي رواية للبيهقي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإن تاب رد عليه )
    وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ) رواه مسلم والنسائي - ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه : ( لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني ولا العجوز الزانية )
    وروي عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إن السموات السبع والأرضيين السبع ليلعن الشيخ الزانين وإن فروج الزناة ليؤذي أهل لنار نتن ريحها ) رواه البزار
    حد العبد
    اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى : على أن العبد والأئمة إذا زنيا فلا يكمل حدهما وأن حد كل واحد منهما خمسون جلدة وأنه لا فرق بين الذكر والأنثى منهم
    واتفقوا على أنهما لا يرجمان وإن أحصنا بل يجلدان لأنهم اشترطوا في شروط الإحصان الحرية فإن العبد ليس بمحصن وإن كان متزوجا واحتجوا على ذلك بقوله تعالى { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) والحد لا يمكن أن ينصف

    الشافعية والمالكية - قالوا :
    إن الرقيق إذا زنى يجلد خمسين جلدة ويغرب نصف سنة لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إذا زنت أمة أحدكما فتبين زناها فليجلها الحد ولا يثرب عليها - أي لا يوبخها - ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فلبيعها ولو بحبل من شعر ) رواه الخمسة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
    وروي عن عبد الله بن أحمد في المسند عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه . قال : أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أمة سوداء زنت لأجلدها الحد قال : فوجدتها في دمها فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته بذلك فقال لي : إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين )
    وروي عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال : ( أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد المارة خمسين خمسين في الزنا ) رواه الإمام مالك في كاتبه الموطأ
    فالذكر من العبيد إذا زنى يجلد مائة جلدة والأمة إذا ثبت عليها الزنا تجلد خمسين جلدة . واحتج الأئمة الأربعة على أن الأمة غير المتزوجة يقام عليها الحد بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهم ( أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الأمة زنت ولم تحصن فقال : ( إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو يضفير - أي بحبل مضفور - قال أبن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة متفق عليه )

    وقال أبن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير :
    إن العبد والأمة إذا لم يحصنا فلا يقام عليهما الحد وإنما يجب عليهما التعزير بحسب ما يرى الحاكم وإذا أحصنا فحدهما خمسون جلدة بالتساوي . وسبب اختلافهم - الاشتراط الذي في اسم الإحصان في قوله تعالى : { فإذا أحصن } فمن فهم من الإحصان التزوج والإسلام وقال بدليل الخطاب قال لا يجلد غير المتزوجة ومن فهم من لفظ الإحصان الإسلام جعله عاما في المتزوجة وغير المتزوجة وهو الرجح
    الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا : لا يجب التغريب في زنا العبد والأمة لأن العبد دنيء فلا يتأثر بالتغبير من الناس مثل الحر ولا العار بعظم الشرف والنسب والعبد مجرد منهما
    الشافعية - قالوا في أصح أقوالهم : أن العبد والأمة إذا ثبت الزنا على واحد منهما يغرب نصف عام لأنه على النصف من الحر في كثير من الأحكام

    حق السيد في إقامة الحد على عبيده
    الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : للسيد أن يقيم الحد على عبده وأمته إذا قامت البينة عنده أو أقر بين يديه لا فرق في ذلك بين الزنان والقذف وشرب الخمر وغير ذلك . لن العبد معدود من مال السيد فله تفويت المنفعة فيه على نفسه . إيثارا لحق الله تعالى
    المالكية في بعض آرائهم والحنابلة - قالوا : يستثنى من ذلك حد السرقة فلا يجوز للسيد أن يقطع في حد
    السرقة بدون إذن الإمام أو نائبه
    الحنفية - قالوا : ليس للسيد إقامة الحد على إمائه في كل الأحول التي يجب فيها الحد بل يجب أن يرده إلى الإمام لأن إقامة الحدود بالأصالة من منصب الإمام الأعظم ومن خصوصياته وإنما جعل الشارع إقامة الحدود إلى الإمام الأعظم أو نائبه دون كل من قدر على إقامتها من المتغلبة ونحوهم دفعا للفساد في الأرض وعدم إشاعة الفوضى في المجتمع لغلبة عدم قدرة الرعية على رد نفوسهم عن تنفيذ غضبهم في بعضهم بعضا حمية جاهلية لا نصرة للإسلام ولا شريعة بخلاف الإمام الأعظم فإنه ليس له غرض عند أحد دون أحد في غالب الأحوال لقوة إرادته . ولأنه يقدر على تنفيذ حكمه في غيره ولا عكس فإذا قتل الإمام شخصا في حد ولو ظلما فلا يقدر عصبته أن يقتلوا الإمام لأجله عادة لأنه متحصن بالقانون ولأن قوة الجند والشرطة في يده
    حد الذمي
    الشافعية والحنابلة - قالوا : إذا زنى الذمي يقام عليه الحد مثل المسلم
    المالكية - قالوا : لا يقام الحد عليه لأنه غير محصن لأن الإحصان شرف يختص به المسلم فقط

    حد اليهودي
    الشافعية والحنابلة - قالوا : يقام الحد على اليهودي كغيره من النصارى والذميين والمستأمنين وذلك لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة خصوصا إذا رفعت دعواهم إلينا ولأن إقامة الحد يخفف عنهم العذاب يوم القيامة ولأن السنة أثبتت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد أقام حد الزنا على اليهودي واليهودية التي رفع يهود المدينة أمرهما إليه صلوات الله وسلامه عليه . فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ( أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه و سلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال : ما تجدون في كتابكم ؟ قالوا : تسخم وجوههما - أي تسود - ويخزيان . قال : كذبتم : ( إن فيهما الرجم فأتوا التوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) فجاؤوا بالتوراة وجاؤوا بقارئ لهم فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه فقيل له : ارفع يدك فرفع يده فإذا هي تلوح فقال أو قالوا : يا محمد إن فيها الرجم ولكننا كنا نتكاتم بيننا فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجما قال : فلقد رأيته يجنأ عليها ويقيها الحجارة بنفسه ) ومعنى يجيأ ( ينحني )
    وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة )
    وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ( مر على النبي صلى الله عليه و سلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم ؟ قالوا : نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال : أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم ؟ قال : لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم ولكن كثر في أشرافنا وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحريم والجلد مكان الرجم . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( اللهم إني أول من أحيا أمك إذ أماتوه ) فأمر به فرجم فأنزل الله عز و جل : { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا : آمنا بأفواههم إلى قوله : إن أوتيتم هذا فخذوه } يقولون : ائتوا محمدا فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تبارك وتعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } وقلوه تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } قال : هي في الكفار كلهم رواه أحمد مسلم وأبو داود فهذه الحاديث تدل على أنه يحد الذمي كما يحد المسلم
    الحنفية والمالكية - قالوا : لا يقام الحد على اليهودي ولا المسيحي ولا الذمي ولا المستأمن لأنهم اشترطوا في الإحصان الإسلام فغير المسلم لأي يكون محصنا فلا يرجم وإنما يجلد ولأن الرجم تطهير من الذنب والذمي وغير المسلم ليس من أهل التطهير بل لا يطهر أبدا إلا بحرقه بنار جهنم ولأنه ليس مخاطبا بفروع الشريعة بل هم مخاطبون بأصولها أولا وقبل كل شيء وما روي من حديث أبن عمر مرفوعا وموقوفا ( من أشرك بالله فليس بمحصن ) ورجح الدر قطني وغيره الوقوف وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده على الوجهين
    وقد أجاب الحنفية والمالكية عن الحاديث التي تدل على جواز رجم غير المسلم بأنه صلى الله عليه و سلم إنما أمضى حكم التوراة على أهلها ولم يحكم عليهم بحكم الإسلام . وقد كان ذلك عند مقدمة المدينة وكان إذ ذاك مأمورا بأتباع حكم التوراة ثم نسخ ذلك الحكم بقوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } فقد شرع الله هذا الحكم الوارد في الآية الشريفة بالنسبة إلى نساء المسلمين فقط
    قال الشوكاني : - ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف ونصب فعله في مقابلة أحاديث الباب من الغرائب وكونه صلى الله عليه و سلم فعل ذلك عند معدمه المدينة لا ينافي ثبوت الرعية فإن هذا حكم شرعه الله لهل الكتاب وقرره رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا طريق لنا إلى ثبوت الحكام التي توافق أحكام الإسلام إلا بمثل هذا الطريق ولم يتعقب ذلك في شرعنا ما يبطله ولا سيما وهو مأمور بأن يحكم بينهم بما أنزل الله ومنهي عن اتباع أهوائهم كما صرح بذلك القرآن الكريم . وقد أوه صلى الله عليه و سلم يسألونه عن الحكم ولم يأتوه ليعرفهم شرعهم فحكم بينهم بشرعه ونبههم على أن ذلك ثابت في شرعهم كثبوته في شرعه ولا يجوز أن يقال : إنه حكم بينهم بشرعهم مع مخالفته لشرعه لأن الحكم منه عليهم بما هو منسوخ عنده لا يجوز على مثله وإنما أراد إلزامهم الحجة
    غيرة المسلم على عرضه
    إن الإسلام قد حارب الزنا من أول وهلة فدعا الناس إلى العفاف والتمسك بالطهر والفضيلة وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( عفوا تعف نساؤكم ) ورغب في التزوج بالنساء المصونات الصالحات العفيفات الحافظات لفروجهن فقال تعالى : { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } وقال تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } وقال صلى الله عليه و سلم : ( خير النساء الودود الولود التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنه حفظتك في مالك وعرضها )
    ولما ظهرت حادثة الإفك واتهم الناس السيدة عائشة رضي الله عنها وهي الطاهرة البريئة أنزل الله تبارك وتعالى براءتها في الفران الكريم ودافع عنها بخمسة عشرة آية في سورة النور حتى يطهر ساحتها ويظهر للعالم براءتها من هذه الفاحشة المنكرة ودافع الله عز و جل عن السيدة مريم أم سيدنا عيسى من تهمة الزنا في عدة آيات من كتاب الله تعالى : { ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها } وقال تعالى : { والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا } وقال تعالى : { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } ودافع الله تعالى عن التهمة التي قالها بنو إسرائيل على سيدنا موسى فقال تعالى : { فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها } حتى تظل ساحتها طاهرة وشرفه محفوظا أمام قومه
    وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن السكوت عن المنكر إذا علم به المرء في زوجته أو أهل بيته أو شك في سلوكهن فإن السكوت على المنكر من أفظع الأمور التي تضيع كرامة المرء في الدنيا وتوجب العقاب الشديد في الآخرة . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يدخل الجنة ديوث ) والديوث هو الذي انعدمت شهامته وغيرته على عرضه فأصبح لا يبالي بمن يدخل على أهل بيته ومن يخرج ولا يهمه سلوك نسائه وبناته بك يسكت على المهانة ويرضى بالدون ويقر الخطيئة في أهله فهذا من أبغض الناس عند الله يوم القيامة ولن تنفعه عبادة ولا طاعة ولا قربة يتقرب بها إلى الله ما دام فيه هذا الداء الخطير
    روى الإمام أحمد واللفظ له والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : ( ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق لوالديه والديوث الذي يقر في آهل الخبث ) . وروى الطبراني بسند صحيح قال الحافظ المنذذري : لا أعلم فيه مجرحا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر قالوا : يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث ؟ قال : الذي لا يبالي بمن يدخل على أهله . قيل : فما الرجلة من النساء ؟ قال : التي تشبه بالرجال )
    كل هذه القضايا التي ذكرناها في هذا الباب والتي تركناها ولم نذكرها خوفا من الإطالة والملل لنقيم الدليل على أن جريمة الزنا من أفحش الأمور ومن أخطر الجرائم على الأفراد والأسر والجماعات وعلى أنها سبب في ضياع الأموال وانتشار الخمور وقتل الأنفس وفساد المجتمع وأنها توقع العداوة والبغضاء بين صفوف المؤمنين وتوهن من قوتهم وتضعف من عزيمتهم وتسلبهم العزة والكرامة والمروءة أركانه فلا تتعجب من اهتمام الشارع بهذه الجناية وتحريم مقدماتها من النظرة المريبة ولمس المرأة الأجنبية وسماع صوتها والخلوة بها وغير ذلك حتى يسد الباب عن الوقوع في الزنا
    ولا تتعجب من سن الشارع هذا الحد الرادع من جلد مائة جلدة وضرب المحصن بالحجارة حتى يموت وعدم الشفقة والرحمة بهم وتشريع اللعان وتحريم القذف وإقامة الحد على القاذف حتى تحفظ على الناس أعراضهم ويبقى المجتمع في أمن وسلام وسعادة واطمئنان ولا تنس أن أول جناية قتل حصلت في الوجود بعد أن خلق الله الأرض وعمرها سيدنا آدم إنما هي من جراء شهوة الفرج ومن أجل النساء وهي قضية قابيل وهابيل
    فائدة
    قال الله تعالى : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } قال المفسرون : يحتمل أن يكون المراد أن لا تأخذكم رأفة بأن يعطل الحد أو ينقص منه والمعنى لا تعطلوا حدود الله ولا تتركوا إقامتها للشفقة والرحمة وهذا قول مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير

    وقيل : يحتمل أن لا تأخذكم رأفة بأن يخفف الجلد ويحتمل كلا الأمرين والأول أولى لأن الذي تقدم ذكره في الآية الشريفة الأمر بنفس الجلد ولم يذكر صفته فما يعقبه يجب أن يكون راجعا إليه وكفى برسول الله أسوة في ذلك حيث قال : ( لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ) . ونبه بقوله : ( في دين الله ) على أن الدين إذا أوجب أمرا لم يصح استعمال الرأفة في خلافه
    وأما قوله تعالى : { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فهو من باب التهييج والتهاب الغضب لله تعالى ولدينه . قال الجبائي تقدير الآية : { إن كنتم مؤمنين فلا تتركوا إقامة الحدود } وهذا يدل على أن الاشتغال بأداء الوجبات من الإيمان بخلاف ما تقوله المرجئة . والجواب عليهم : أن الرأفة لا تحصل إلا إذا حكم الإنسان بطبعه أن الأولى أن لا تقام تلك الحدود - كما ظن بعض الجهلة - وحينئذ يكون منكرا للدين فيخرج عن الإيمان بهذا الفهم الخاطىء ورد في الحديث ( يؤتى بوال نقص من الحد سوطا فيقال له : لم فعلت ذاك ؟ فيقول : رحمة لعبادك فيقال له : أنت أرحم بهم مني فيؤمر به إلى النار ويؤتى بمن زاد سوطا فيقال له : لم فعلت ذلك ؟ فيقول : لينتهوا عن معاصيك فيقول أنت أحكم بهم مني فيؤمر به إلى النار )
    وجوب الستر على من وقع في هذه الجريمة
    اتفقت كلمة العلماء على أن الجريمة التي لم يصل خبرها إلى الحاكم لا يقام من أجلها حد وأن الجريمة التي علم بها الحاكم ولم تثبت لديه بالإقرار او بشهادة الشهود لا يقام الحد عليها لما روي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمت فلانة فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها ) رواه أبن ماجة ومعنى ( ظهر منها الريبة ) أي أنها كانت تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة أو إقرار
    وفي قصة هلال بن أمية حين لاعن زوجته قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن أتت به على الصفة الفلانية فهو لشريك بن السحماء وإن أتت به على الصفة الفلانية فهو لزوجها هلال بن أمية ) ولما أتت بالولد على الوجه المكروه قال صلى الله عليه و سلم : ( لولا الإيمان لكان لي ولها شأن )

    واتفقت كلمة الأئمة على أن من أقر بحد من الحدود أمام الحاكم ولم يفسرهن فلا يطالب بتفسيره وبيانه ولا يقام عليه الحد إن لم يثبت ويتعين لما روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال : ( كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فجاءه رجل فقال : يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي فلم يسأله قال : وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم قام إليه الرجل فقال : يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله قال : أليس قد صليت معنا ؟ قال : نعم . قال فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك ) قال النووي في شرح مسلم هذا الحديث معنا أنه فعل معصية من المعاصي الموجبة للتعذير وهي هنا من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة ولو أنها موجبة لحد أو غيره لم تسقط بالصلاة فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الوجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة . وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن المراد الحد المعروف قال : وإنما لم يحده لأنه لمس يفسر موجب الحد ولم يستفسره النبي صلى الله عليه و سلم إيثارا للستر بل استحب تلقين الرجل صريحا . لأن الإسلام أمر بالستر على الأعراض حتى لا تشيع الفاحشة بين المجتمع لقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( من ستر عورة مسلم ستر الله عورته يوم القيامة ) وقال : ( من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا مؤودة ) رواه أبو داود . وقد جاء ماعز إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأقر عنده بالزنا واعترف بجنايته فرده النبي ( أربع مرات عسى أن يتوب ويستر نفسه ولا يرجع إليه ) . وروي عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أنه قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لرجل من أسلم يقال له : هزال - وقد جاء يشكو رجلا بالزنا - وذلك قبل نزول حج القذف - : ( يا هزال لو سترته بردائك كان خيرا لك ) وذلك كناية عن عدم إذاعة هذه الفاحشة فإن الرسول صلى الله عليه و سلم يقول : ( ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة )
    أخرج الحاكم والبيهقي في صحيحيهما : أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه ارتحل من المدينة المنورة إلى عقبة بن عامر - أمير مصر - في ذلك الوقت فخرج إليه فعانقه ثم قال : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ قال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( من ستر مؤمنا في الدنيا على عورة ستره الله يوم القيامة ) فقال له أبو أيوب : صدقت ثم قفل راجعا إلى المدينة . والشاهد إذا رأى الجريمة بعينه فهو مخير في أداء الشهادة حسبة لله تعالى وغيرة على حدوده ومحارمه أن تنتهك فقد ورد في الحديث الشريف ( الحد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا ) أو ترك الشهادة رغبة في الستر على أخيه الممن وعدم إشاعة الفاحشة لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( ومن ستر على أخيه المسلم ستر الله عليه في الآخرة ) ولآن الله يحب الستر على عباده ويكره إشاعة الفاحشة وفضيحة المسلمين بل نفر من شيوع خبرها والحديث عنها والميل إلى إشاعتها فقال تعالى : { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة }

    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #253
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 57 الى صــــــــ
    61

    الحلقة (253)





    ستر المسلم على نفسه
    إن الإسلام قد أوجب على المسلم إذا وقع في ذنب من هذه الكبائر أن يقلع عن الذنب ويتوب إلى الله تعالى ويستر على نفسه ولا يفضحها بالتحدث بالذنب أما الناس والتجاهر بالمعصية . وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى ) ذلك لأن المجاهرة بهذه الفاحشة تبجح في عصيان الله تعالى واستهتار بمحارمه وجليل على انهيار المجتمع وانحلالهن وضياع الحياء من أفراده لأن المخطئ لابد أن يكون عنده بقية من حياء يمنعه من الإعلان عن خطئه بين الناس وحجبه عن المجاهرة بذنبه في المجتمع الذي يعيش فيه وخلع برقع الحياء مع الله عز و جل فالإنسان إذا فقد الحياء من الله وأما الرأي العام كان خطرا على نفسه وعلى الناس جميعا لأنه فقد أعز شيء لديه ولن في المجاهرة بالمعصية إشاعة للفساد وتحرضا عليه وحملا للغير على اقترافه كالمريض الذي يخالط الصحيح فلا شك أن يعديه وينقل أثر المرض إليه ولهذا ندبنا الشارع الحكيم وعلمنا رسوله الأمين صلوات الله وسلامه عله أن الواحد منا إذا وقع في معصية أن يكتم على الخبر ويعتصم بالستر ويطلب من الله المغفرة ولا يحدث أحدا عما وقع منه كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( من أتى من هذه القاذورات ( المنكرات ) فليستتر بستر الله عز و جل ) وقد شدد الإسلام النكير على المتجاهرين بالمعصية وجعلهم من المحرومين من مغفرة الله وعفوه ورحمته . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل العبد عملا بالليل ثم يصبح وقد ستره الله تعالى فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا
    قد بات ستره الله عز و جلن ويصبح يكشف ستر الله عليه عنه ) . أما أرباب الحياء والدب من الله تعالى الذين يتركون الذنوب ويكتمون على أنفسهم ولا يحدثون الناس بهفواتهم ويندمون عما حدث منهم من المعاصي ( إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره من الناس وقرره بذنوبه فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) رواه الإمام أحمد
    الحدود كفارات لأصحابها
    اتفقت كلمة العلماء على أن الحدود كفارات لأربابها لأن في إقامتها كسرا لشوكة الظالمين وإخافة لهل الشر والمفسدين وحفظا للمجتمع من الدمار والهلاك والفساد والضياع لما روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا استحلت أمتي خمسا فعليهم الدمار إذا ظهر التلاعن وشربوا الخمر ولبسوا الحرير واتخذوا القيان واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ) رواه الترمذي والبيهقي
    فإقامة الحدود على من وقع فيها تكفر ذنبهن وترفع عنه العقاب في الدار الآخرة لأن الله تعالى لا يجمع على عبده عقابين على ذنب واجد فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في شأن المرأة الغامدية التي وقعت في الزنا ثم ندمت واعترفت بين يديهن وأقيم الحد عليها ( لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أنها جادت بنفسها لله تعالى )
    وكما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه أقسم على ماعز بن مالك السلمي الذي أقر بالزنا وندم على ذنبه وأقيم عليه الحد وجم بالحجارة بأن الله غفر له ذنبهن وأدخله الجنة وتاب عليه توبة صادقة وان إقامة الحد عليه كان فارة له فقال صلى الله عليه و سلم لمن اعترض عليه ( والذي نفس بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ) . وروى عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم فقال : بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه
    إن شاء عذبه ) زاد في رواية ( فبايعناه على ذلك ) رواه الخمسة إلا أبا داود
    فقول النبي صلى الله عليه و سلم ( فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ) صريح في أن الحدود كفارة الذنوب . وجوابر للمحدود لا زاجرات فقط وقد ورد في رواية للترمدذي رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة ) قال الإمام الشافعي رحمه الله لم أسمع في الحدود حديثا أبين من هذا وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( وما يدريك لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب ) فهذه الرواية تشبه الحديث السابق وتؤيده في معناه . فإقامة الحدود مطهرات للنفوس من الذنوب والخطايا وللمجتمع من الفساد والضياع وهذا هو رأي جمهور العلماء من السلف وعليه الأئمة الأربعة رحمهم الله تبارك وتعالى وذهب بعضهم إلى أن الحدود زواجر فقط وعليه العقاب يوم القيامة . ولكن الراجح هو الرأي الأول وهو اللائق بالكرم الإلهي والفيض الرباني وهو الذي أخبر به الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم
    التحريم بالمصاهرة
    الحنفية - قالوا : إن حرمة المصاهرة تثبت بواحد من الأمور الآتية وهي :
    - 1 - العقد الصحيح
    - 2 - الوطء الحلال
    - 3 - الوطء بالنكاح الفاسد وكذا الوطء بشبهة
    - 4 - اللمس بينهما بشهوة
    ( تابع . . . 2 ) : - لأن الشريعة الإسلامية حريصة على محو الرذائل الخلقية والضرب على
    - 5 - النظر إلى بشهوة ولا يثبت بالنظر إلى سائر الأعضاء أو الشعر ولو بشهوة
    - 6 - وتثبت الحرمة بالزنا أو اللمس أو النظر بشهوة بدون نكاح والمراد بالشهوة هو يشتهي بقلبه ويعرف ذلك بإقراره وقيل : يصحب ذلك تحرك الآلة وانتشارها والدليل على ذلك ما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( من نظر إلى فرج امرأة لم تحل أمها ولا بنتها ) وفي رواية ( حرمت عليه أمها وبنتها ) . وبما روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( ملعون ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها ) فمن زنا بامرأة أو وطئها بشبهة حرمت عليه أصولها وفروعها وتحرم الموطوءة على أصول الواطىء وفروعه وكذلك اللمس بشهوة من الجانبين والنظر إلى الفرج من الجانبين والمعتبر إنما هو لنظر إلى فرجها الباطن دون الظاهر والأصل في ذلك قول الله تعالى : { ولاتنكحوا لما نكح آباؤكم من النساء } والحمل على الوطء أولى وقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( من نظر إلى فرج امرأة بشهوة أو لمسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وحرمت على ابنه وأبيه ) وحرمة ماء الزنا كحرمة الماء الحلال سواء بسواء في النكاح . المالكية - قالوا : إن الزنا بالبنت لا يحرم أمها على الزاني كما أن الزنا في الأم لا يحرم بنتها عليه والبنت المخلوقة من ماء الزنان لا تحرم على من خلقت من مائه ولا على أصوله وفرعه سواء كانت أمها المزني بها مطاوعة أم كرها وسواء تحقق الرجل أنها من مائه أم لا فهي أجنبية عنه ولا حرمة لماء الزنا ولكن يكره للزاني أن يتزوجها من باب الاحتياط فقط وتحري الحلال في النكاح وإنجاب الذرية الصالحة . الحنابلة - قالوا : إن الوطء الحرام كالوطء الحلال كلاهما تثبت به حرمة المصاهرة فمن زنى بامرأة حرمت على أبويه وحرمت عليه أمها وبناتها ولو وطئ أم امرأته حرمت عليه ابنتها ووجب مفارقتا وكذلك لو وطئ بنت زوجته حرمت عليه أمها ( وهي زوجته ) وقالوا : بحرمة نكاح الرجل ابنته من الزنا مثل الحنفية . روي أن رجلا سأل النبي عن امرأة كان زنا بها في الجاهلية : أينكح الآن ابنتها ؟ فقال : ( لا أرى ذلك ولا يصلح لك أن تنكح امرأة تتطلع على ابنتها على ما اطلعت عليه منها ) فقد حرم الرسول صلى الله عليه و سلم زواجها وهذا نص في الباب
    فالذكر من العبيد إذا زنى يجلد مائة جلدة والأمة إذا ثبت عليها الزنا تجلد خمسين جلدة . واحتج الأئمة الأربعة على أن الأمة غير المتزوجة يقام عليها الحد بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهم ( أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الأمة زنت ولم تحصن فقال : ( إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو يضفير - أي بحبل مضفور - قال أبن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة متفق عليه )
    أحكام بنت الزنا
    قال العلماء : البنت المتولدة من الزنا أجنبية عن الزانين فلا ترثه إن مات قبلها ولا تنسب إليه ولا يجب عليه الإنفاق عليها ولا يجوز له أن يختلي بها ولا يملك عليها ولاية التزوج أي لا يكون وليا عليها ولا يصح له أن يرثها إن ماتت قبله وتركت مالا فهي في المحرمات والميراث أجنبية عنه وفي حكم الزواج والمصاهرة قريبة منه لا يصح زواجها ولا مصاهرتها ولا نكاح أصولها وفروعها ولا يصح لها أن تتزوج منه ولا من أصوله وفرعه وذلك هو القول الراجح وساء تأكد إنا من مائه أو شك في ذلك ما دام قد زنى بأمها وجاء الحمل بها في أثناء الاتصال بالزنا فترجح كفة أنها خلقت من ماء الزنا
    أضرار الزنا
    لقد لخص العلماء أضرار الزنا بعد فهم الآيات والأحاديث الواردة في هذا الشأن بما يأتي :
    أولا : أن الزنا يذهب نور الإيمان من قلب الزاني ( حين يزني ) ومات ولم يتب من ذنبه
    ثانيا : أن فاحشة الزنا اشد من القتل والسرقة وغيرهما ولذلك أبيح قتل مرتكبها إن كان محصنا
    ثالثا الزنا نذير الرعب والفزع - ولا يستجيب الله دعاء الزاني المدمن على الزنا
    رابعا : تشتعل نار جهنم في وجهه يوم القيامة عقوبة له
    خامسا : يرمي الله الزاني في داخل فرن مشتعلة في وسط نار جهنم يصهر جسمه ويحرق بدنه
    سادسا : رائحتهم في وسط نار جهنم تكون نتنة قذرة مثل المراحيض - حتى يتأذى منها أهل النار
    سابعا : يمحو الله اسم الزاني من سجل الطاهرين الأبرار ويطرد من حظيرة المؤمنين الخيار
    ثامنا : لا ينظر الله عز و جل يوم القيامة إلى الزناة نظرة رحمة ورضا وإنما ينظر إليهم نظرة غضب
    تاسعا : يحرم الله الجنة على الزاني الذي استحل الزنا ومرن عليهن واستمرأه ولم يتب منه فلا يشم رائحة الجنة
    عاشرا : انتشار الزنا يسبب وجود ذرية فاسدة مخزية تؤذي المجتمع وتهدمه وتجلب له الدمار
    الحادي عشر : إذا ظهر الزنا في قرية فإن الله تعالى أنذرهم بالخراب والهلاك والدمار كما فعل بقوم لوط
    الثاني عشر : الزنا يكون سببا في الفضيحة والعار في الدنيا والآخرة
    الثالث عشر : الممتنع عن الزنا خوفا من عذاب الله تعالى يظلله الله في ظله يوم القيامة ويعفو عنه ويسامحه وينجيه من الأهوال
    الرابع عشر : البعد عن ارتكاب فاحشة الزنا خشية من الله تعالى يزيد في الرزق ويجلب الخير ويجعل في وجه المؤمن مهابة وبهاء ونورا والله تعالى أعلم

    حكم المخنث
    المخنث : هو الذي يشبه في كلامه النساء تكسرا وتعطفا أو الذي يتشبه بالنساء في ثيابهن وزينتهن كما يفعل بعض الشبان في هذا العصر من ترك الشعور وإرخاء السوالف ولبس حلي النساء وبعض ثيابهن وترقيق أصواتهم في التحدث وغير ذلك وقد اتفقت كلمة العلماء على أن المخنث يجب نفيه من بلاد المسلمين إلى مناطق نائية مسيرة قصر عقابا لهم حتى يشعر الواحد بالوحشة والحسرة لبعده عن أهله وقرناء السوء فقد قال العلماء : لا ينفى إلا ثلاثة بكر زان ومخنث ومحارب . أما إذا كان المخنث يؤتى من الخلف فإنه يحد رجما بالحجارة حتى يموت . ولا ينفع فيه النفي إذا ثبت عليه فقد روي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لعن النبي صلى الله عليه و سلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء . وقال : أخرجوهم من بيوتكم واخرج فلانا واخرج عمر بن الخطاب فلانا رواه البخاري رحمه الله
    وأتي النبي صلى الله عليه و سلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( ما بال هذا ؟ فقالوا يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى البقيع قالوا : يا رسول الله ألا نقتله ؟ قال : إن نهيت عن قتل المصلين ) رواه أبو داود
    فقال العلماء : يجوز للإمام أن يعزر المخنث بما يراه رادعا له وزاجرا عن الوقوع في الذنب ويجوز له نفيه إلى بلج لآخر مسيرة سفر وذلك إذا لم يثبت عليه اللواطة باعتراف أو شهادة شهود كما ثبت في الحديث النبوي الشريف . وروي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كتب إلى أبي بكر أني وجت رجلا في تبعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة فجمع أبو بكر رضي الله عنه الصحابة رضوان الله عليهم وسألهم في هذا الشأن فكان من أشدهم في ذلك قولا سيدنا على بن أبي طالب كرم الله وجهه وbه . فقال : هذا ذنب لم يعص به إلا أمة واحدة صنع الله بها ما علمتم نرى أن نحرقه بالنار . فاجتمع رأي الصحابة على ذلك فأمر سيدنا أبو بكر خالد بن الوليد أن يحرقه بالنار وذلك بعد رجمه وإقامة الحد عليه وموته لأن التحريق بالنار لا يجوز لمخلوق . والنبي صلى الله عليه و سلم حرم التعذيب بالنار حتى في الحيوان الأعجم . روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعث فقال : ( إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين من قريش سماهما فأحرقوهما بالنار ثم قال رسول الله ين أردنا الخروج : إن كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما ) . رواه البخاري رحمه الله
    حكم نكاح الزانية
    الحنفية والشافعية - قالوا : إذا زنى رجل بامرأة يجوز له أن يتزوجها بعد ذلك بعقد صحيح وذلك لآن ماء الزنا لا حرمة له ولما روي أن رجلا زنى بامرأة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجلدهما مائة جلدة لأنهما كانا غير مصنين ثم زوج أحدهما من الآخر ونفاهما سنة وروي مثل ذلك عن عمر وأبن مسعود وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم وقال أبن عباس رضي الله عنهما في هذا الحكم : أوله سفاح وآخره نكاح والنكاح مباح فلا يحرم السفاح النكاح ذلك مثل رجل سرق من حائط ثمرة ثم أتى صاحب البستان فاشترى منه ثمرة فما سرق حرام وما اشترى حلال
    المالكية - قالوا : إذا زنى الرجل بالمرأة فلا يصح له أن ينكحها حتى يستبرئها من مائه الفاسد لأن النكاح له حرمة ومن حرمته ألا يصب على ماء السفاح فيختلط الحلال بالحرام ويمتزج ماء المهانة بما بماء العزة ولأن الله تعالى يقول : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } ثم قال { وحرم ذلك على المؤمنين } . وقد وري عن أبن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبدا ) فإن الله تعالى يقول : { وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } فأباح نكاح غير المسافحين وأبطل نكاح غيرهما . واتفقوا على أنه إذا عقد عليها ولم يدخل بها حتى أستبراها من مائه الحرام فإن ذلك جائز وروي عن عائشة رضي الله عنهما أنها سئلت عن رجل زنى بامرأة ثم تزوجا فكرهته
    الحكم إذا زنت الزوجة أو الزوج
    احتج جماعة من العلماء بقول الله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } . فقالوا : من زنى فسد النكاح بينه وبين زوجته وإذا زنت الزوجة فسد النكاح بينها وبين زوجها ووجب عليه أن يفارقها . وقال بعضهم : لا يفسد النكاح بذل ولا ينفسخ العقد بالزنى من أحدهما ولكن يؤمر الرجل بطلاقها إذا وقعت الزوجة في الزنا ولو أمسكها أثم ولا يجوز التزوج بالزانية التي اشتهرت بذلك ولا يجوز التزوج من الزاني الذي يتظاهر بالفاحشة واشتهر بها إلا إذا ظهرت التوبة الصادقة عليه . وقالوا : من كان معروفا بالزنى أو بغيره ن الفسوق معلنا به مستهترا بمحارم الإسلام فتزوج من أهل بيت محافظين وغرهم من نفسه ثم علموا بذلك فلهم الخيار في البقاء معه أو فراقه وأصبح ذلك كعيب من العيوب التي تفسخ العقد واحتجوا بقول صلى الله عليه و سلم ( لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ) أما من لم يشتهر بالفسق فلا يصح أن يفرق بينه وبين زوجه . وقال بعضهم : إذا زنت زوجة الرجل لم يفسد النكاح وإذا زنى الرجل لم فسد نكاحه مع زوجته . وقالوا إن الآية منسوخة - وروي أن رجلا سأل الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن امرأتي لا ترد يد لامس فقال : طلقها فقال : إني أحبها فقال : أمسكها )
    حكم نكاح المتعة
    المتعة - كما في كتب الإمامية - هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول وغايتا إلى خمسة وأربعين يوما ويرتفع النكاح بانقضاء المؤقت في المنقطعة الحيض وبحيضتين في الحائض وبأربعة أشهر وعشر في المتوفى عنها زوجها وحكمه : أنه لا يثبت لها مهر غير المشروط ولا يثبت لها نفقة ولا توارث ولا عدة إلا الاستبراء بما ذكر ولا يثبت به نسب إلا أن يشترط وتحرم بسببه المصاهرة . وقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص في نكاح المتعة في صدر الإسلام للضرورة ثم نهى عنها واستمر النهي ونسخت الرخصة وإلى نسخها ذهب الجماهير من السلف والخلف . قال النووي : الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت المتعة مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا والى هذا التحريم ذهب أكثر الأمة . روي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : ( رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنها ) . رواه مسلم . وعن علي رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المتعة عام خيبر ) متفق عليه . قال الإمام البخاري : بين على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه منسوخ وأخرج أبن ماجة عن عمر بإسناد صحيح أنه خطب فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة وقال أبن عمر : ( نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم وما كنا مسافحين ) إسناده قوي
    وقال الصنعاني : والقول بأن إباحتها قطعي ونسخها ظني غير صحيح لأن الراوين لإباحتها رووا نسخها وذلك إما قطعي في الطرفين أو ظني في الطرفين جمعيا وفي نهاية المجتهد : إنها تواترت الأخبار بالتحريم اه )
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #254
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 62 الى صــــــــ
    65

    الحلقة (254)





    مبحث حد اللواط
    - أما اللواط فإنه من الجرائم الخلقية التي لا تليق بالنوع الإنساني وفطرته التي فطره الله عليها . فاللواط فيه عدوان ظاهر على الإنسانية وخروج عن سنن الله الطبيعية ولهذا سماه الله فاحشة كالزنى قال تعالى : { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } : فمن ارتكب هذا الفعل الشائن فقد اختلفت فيه آراء الأئمة : فمنهم من قال : إنه يعاقب عقوبة الزاني وهي الإعدام . إن كان محصنا أما الموطوء فعقوبته الجلد كالبكر لأنه لا يتصور فيه إحصان . ومنهم من يقول : إن عقاب اللائط من باب التعزير لا من باب الحد فعلى القاضي أن يحبسه أو يجلده بما يراه رادعا له عن الجريمة فإذا تكررت منه ولم يزدجر عزر بالإعدام ( 1 )
    -----------------------------
    ( 1 ) ( اتفق الأئمة عليهم رضوان الله تعالى على تحريم اللواط في نظر الشرع وعلى أنه من الفواحش العظام بل إنه لأفحش من جريمة الزنا وإنه كبيرة من الكبائر وذلك للأحاديث المتواترة في تحريمه ولعن فاعله . ولكنهم اختلفوا في تحديد البينة على إثبات جريمته

    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إن البينة على اللواط مثل البينة على إثبات الزنا فلا يثبت إلا بشهادة أربعة من الرجال العدول ليس فيهم امرأة يرون الميل في المكحلة
    الحنفية - قالوا : إن بينة اللوط غير بينة الزنا لأن ضرره أخف منه وجنايته اقل من جنايته حيث لا يترتب على اللواط اختلاط النساب ولا هتك الأعراض . . فثبتت البينة بشاهدين فقط فلا يلحق بالزنا إلا بدليل ولم يوجد دليل من الكتاب ولا من السنة فبقي الحكم على الأصل مثل باقي الأحكام والشهادات
    واختلف الأئمة في اللواط هل يوجب الحد أم التعزيز ؟
    المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا :
    إن اللواط إذا ثبت يوجب الحد لكنهم اختلفوا في صفة الحد قياسا على حكم الزنا بجامع إيلاج فرج محرم في فرج محرم
    المالكية والحنابلة وفي رواية عند الشافعية - قالوا : إن حد اللوط الرجم بالحجارة حتى يموت الفاعل والمفعول به بكرا كان أو ثيبا ولا يعتد فيه بالإحصان وشرائطه المذكورة في حد الزنا أو يقتلان بالسيف حدا واحتجوا على رأيهم بأن التلوط نوع من أنواع الزنا لأنه إيلاج فرج في فرج بشهوة ولذة فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزاني المحصن والبكر الزاني . ولقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه ( اقتلوا الفاعل والمفعول به ) وقول صلى الله عليه و سلم ( اقتلوا الأعلى والأسفل ) وبما أخرجه البيهقي من حديث سعيد بن جبير ومجاهد عن أبن عباس رضي الله عنهم أنه سئل عن البكر يوجد في اللواط قال : ( يرجم ) وقال صلى الله عليه و سلم ( اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أم لم يحصنا ) رواه أبو هريرة رضي الله عنه وروى حماد بن إبراهيم عن إبراهيم - يعني النخعي - قال : لو كان يستقيم أن يرجم مرتين لرجم اللوطي ) وعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا أتى الرجل الرجل فهم زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان )
    وقالوا : إن هذا الفعل زنا يتعلق به حد الزنا بالنص فأما من حيث الاسم فلأن الزنا فاحشة وهذا الفعل فاحشة بنص القرآن الكريم قال الله تعالى في شأن قوم لوط { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } ومن حيث المعنى - إن الزنا فعل معنوي له غرض وهو إيلاج الفرج في الفرج على وجه محظور لا شبهة فيه لقصد اللذة وسفح الماء وقد وجد ذلك كله في اللواطه فإن القبل والدبر كل واحد منهما فرج يجب ستره شرعا وهو عورة في الصلاة وخارجها ويحرم النظر إلى واحد منهما ولك واحد منهما مشتهى طبعا متلذذ بلمسه ورؤيته ونكاحه حتى إن من لا يعرف الشرع لا يفصل بينهما . وقد نشرت الجرائد في العام الماضي أن مجلس الشيوخ الإنكليزي أصدر قانون يجيز زواج الرجل بالرجل وإجراء العقد عليه ومعاشرته معاشرة الزوجة ونشرت صورة تثبت عقدا أجري في الكنيسة لذلك وهذا من سخرية القدر وانحطاط النفوس - والعياذ بالله تعالى - . والمحل إنما يصير مشتهى طلبا لمعنى الحرارة واللين وذلك لا يختلف بلا قبل والدبر ولهذا أوجب الشارع الاغتسال بنفس الإيلاج في الموضعين ولا شبهة في تمحيص الحرمة هنا لأن المحل باعتبار الملك ويتصور هذا الفعل مملوكا في القبل ولا يتصور الملك في الدبر فكان تمحيص الحرمة هنا أبين وأظهر حيث لا توجد شبهة ملك بحال وكذلك معنى سفح الماء هنا أبلغ منه في قبل المرأة لأن المحل هناك ينبت الولد فيتوهم أن يكون الفعل حرثا وإن لم يقصد الزاني ذلك ولا توهم في اللواطة فكان تضييع الماء هنا أبين وليس هذا القول على سبيل القياس فالحد في القياس لا يثبت ولكن هذا إيجاب الحج بالنص وما كان اختلاف اسم المحل إلا كاختلاف اسم الفاعل
    الشافعية في رواية - قالوا : حده مثل حد الزنا فيعتبر فيه الإحصان وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وقتادة والنخعي والثوري والأوزاعي وأبو طالب والإمام يحيى رحمهم الله قالوا يجلد البكر ويغرب ويرجم المحصن منهما حتى يموت لأنه نوع من الزنا
    الحنفية - قالوا : لا حد في اللواط ولكن يجب التعزير حسب ما يراه الإمام رادعا للمجرم فإذا تكرر منه الفعل ولم يرتدع أعدم بالسيف تعزيرا لا حدا حيث لم يرد فيه نص صريح . قال الشوكاني رحمه الله في التعليق على هذا الرأي : ولا يخفى ما في هذا المذهب من المخالفة للأدلة المذكورة في خصوص اللواط والدلة الواردة في الزاني على العموم من الآيات والحاديث المتواترة في ذلك . أبو يوسف والإمام محمد من الحنفية - خالفوا الإمام الأعظم في هذا الرأي فقالوا : إن اللواطه فضاء للشهوة . وربما وصلت عند تعض الرجال إلى شهوة النساء من غير تفريق فهي شهوة في محل مشتهى على وجه الكمال . لذلك يجب إقامة حد الزنا عليهما فيجلد البكر ويرجم الثيب المحصن المستوفي لشروط الإحصان وأن الله تعالى سمى قوم لوط لارتكابهم هذه الفعلة الشنيعة ( مفسدين ) والمفسد عقابه القتل والعذاب الأليم قال تعالى : { قال رب انصرني على القوم المفسدين } آية 30 من سورة العنكبوت . قال الصاحبان : اتفق الصحابة رضوان الله عليهم أنه لا يسلم لهما أنفسهما وإنما اختلفوا في كيفية تغليط عقوبتهما فأخذنا بقولهم فيما اتفقوا عليه رجحنا قول الإمام علي رضي الله عنه بما يوجب عليهما من الحد
    رأي الصحابة في عقوبة اللواط
    لقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في كيفية حد اللواط بعد اتفاقهم على إقامته . أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - قال : يقتلان بالسيف حدا ثم يحرقان بالنار زجرا لهما وتخويفا لغيرهما وهو رأي الإمام علي كرم الله وجهه وكثير من السحابة رضي الله عنهم . قال الحافظ المنذري : حرق اللوطية بالنار أبو بكر وعلي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وهشام بن عبد الملك وذلك بعد قتلهما بالسيف أو الرجم بالحجارة . وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلي من العقوبة بما يكون في اشدن والشناعة مشابها لعقوبتهم وقد خسق الله بهم القرى وجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل واستأصل بذلك العذاب بكرهم ومحصنهم وصغيرهم وكبيرهم ونسائهم وجالهم جزاء ارتكابهم هذه الفاحشة وسماهم القرآن ظلمة ظلموا أنفسهم وظلموا الإنسانية كلها بهذا العمل الشنيع فقال تعالى في كتابه العزيز : { فما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عنند ربك وما هي من الظالمين ببعيد } . آية 81 ، 83 من هود . وروي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ينكان من مان مرتفع مثل جبل شاهق أو بناء مرتفع ويهدم عليهما الجدار ويتبعان بالأحجار حتى يموتا كما حصل لقوم لوط . وروي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه أنه قال : يحبسان في أنتن الواضع حت يموتا . ولكن الراجح من هذه الآراء أن حده الرجم مطلقا بكرا أو ثبا . فإن الله تعالى شرع فيه الرجم على الأمم السابقة فقال تعالى في شأن قوم لوط : { لنرسل عليهم حجارة من طين } ولأن القرآن الكريم سماهم فسقة خارجين عن حدود الدين وتعاليم الشارع الحكيم فقال تعالى : { بل أنتم قوم مسرفون } وقال تبارك وتعالى : { إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } آية 33 من العنكبوت ولأن الرسول صلى الله عليه و سلم لعن اللائط وأخبر عنه بأنه مطرود من رحمة الله تعالى فقد روى النسائي رحمه الله تعالى في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) واللعن هو الطرد من رحمته ولأن هذا المنكر من الفواحش التي تقوض دعائم الأمم وتعلك المجتمع وتفسد شبابه ونساءه ولهذا كان الحد فيه مشددا عن غيره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( مانقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ) وروى الترمدذي بسند صحيح أن غريب وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا استحلت أمتي خمسا ععليهم الدمار : إذا ظهر التلاعن وشربوا الخمر ولبسوا الحرير واتخذوا القيان والكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ) رواه البيهقي في صحيحه ومثل هذا الحد ينطبق على من أى امرأة اجنبية في دبرها روى أبو هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( الذي عمل عمل قوم لوط فارجموا العلى والأسفل وارجموهما جميعا ) . ولأن الله تعالى بين في قوم لوط أنهم خرجوا عن مقتضى الفطرة الإنسانية وما اشتملت عيه من الغريزة الجنسية من الحكمة التي يثصدها الإنسان العاقلن والحيوان العجم فسجل عليهم أنهم يتقون من عملهم هذا الشهون ويقصدون اللذة وحدها بل إنهم أخس درجة من العجماوات وأصل سبيلا فإن ذكورها تطلب أناثها بدافع الشهوة لأجل النسل الذي يحفظ به نوع كل منه فهو قصد شريف فإذا حملت النثى فلا يقربهان ولا ينزو الذكر على الذكر ابدا . ولهذا وصفهم الله تعالى بأنهم مسرفون وأنهم مجرمونن وأنهم ظالمون وانهم مرنوا على عمل السيئاتن قال تعالى : رأتأتون الذكران من العالمينن وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } آية 165 ، 166 نت الشعراء وقال تعالى : { قال رب انصرني على القوم المفسدين ولماجاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين } آية 30 و 31 من العنكبوت وقال تعالى : رإنانزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } آية 34 من العنكبوت وقال تعالى : { ولوطا اذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } [ آيات 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 48 ، من سورة الأعراف ]
    فإن عاقبة المجرمين لا تكون إلا وبالا عليهم ويستحقون أشد العذاب جزاء ما ارتكبوا هذه الفاحشة الشنيعة روى الطبراني في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إذا ظلم أهل الذمة كانت الدولة دولة العدو وإذا كثر الزنا كثر السباء واذاكثر اللواط رفع الله يده عن الخلق فلا يبالي في أي واد هلكوا ) رواه جابر بن عبد الله النصاري رضي الله عنهما . فاللواط من السباب التي تودي بالأمم وتهلك الشعوب وتجعل أهلها محرمين من معونة الله وعنايته لآنه يدعهم إلى انفسهم ويتركهم في شهواتهم يعمهون ويرفع عنهم ولايته ومعونته وتأييده ونصره . وروى الترمذي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا ينظر الله عز و جل إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبرها ) رواه النسائي . وروى الطبراني في الوسط عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ثلاثة لاتقبل لهم شهادة أن لا إله إلا لله : الراكب والمركوب والراكبة والمركوبة والإمام الجائر )
    اللواط يستوجب لعنة الله حقا إن اللواط يستوجب لعنة الله وغضبه ولعنة الملائكة والناس أجمعين لآنه فعل شاذ ينتافى مع العقل السليم والذوق المستقيم ويدل على أن صاحبه قد خلع جلباب الحياء والمروءة وتخلى عن سائر صفات أهل الشهامة وتجرد حتى من عادات البهائم بل أقبح وأفظع من العجماوات فناهيك برذيلة تتعفف عنها الكلاب والحمر والخنازوير فكيف يليق فعلها ممن هو في صورة كبيرة أو غني أو عظيمن كلان بل هو اسف من قدره وأشأم من خبةه
    انت من الجيفة القذرة وأحق بالشرور وأولى بالفضيحة من غيره وأهل للخزي والعار فإن القاتل والسارق والزاني لا يكون في نظر المجتمع مثل الائط بل يكونون أحسن منه حالا واشرف بالنسبة له لأنه خائن لعهد الله تعالى وما له من المانة فبعدا وسحقا وهلاكا في جهنم ورئس المصير ولهذا شدد علماء الإسلام في البعد عن هذه الجريمةن من إطالة النظر إلى الغلام الأمرد ولا سيما إن كان صاحب صورة جميلة . وبعضهم اشترط في تحريمها أن تكون بشهوة لأنها ذريعة للفاحشة ومهيجة للشهوة الكامنة . عن الحسن بن ذكوان رحمه الله أنه قال : لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا جميلة كصورة النساء وهم أشد فتنة من النساء . وعن النجيب بن السدي رحمه الله أه قال : كان يقال : ( لايبيت الرجل في بيت مع الأمرد ) وعن أبن سهل أنه قال : سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون وهم على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون وصنف يصافحون وصنف يعملون ذلك العمل
    وعن مجاهد أنه قال : لو أن الذي يعمل ذلك العمل ( يعني عمل قوم لوط ) اغتسل بكل قطرة نزلت من السماء وكل قطرة في باطن الأرض لم يزل نجسا حتى يتوب من ذنبه . وجاء رجل إلى مجلس الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومعه صبي حسن الوجهن جميل الصورة فقال له الإمام من هذا منك ؟ قال : أبن أختي قال له لا تجىء به هنا مرة ثانية ولا تمشي معه في الطريق لئلا يظن بك من لا يعرفك ويعرفه . وجخل سفيان الثوري رحمه الله الحمام العام فدخل عليه صبي حسن الوجه عاري الجسد فصرخ أغمض عينيه وقال : أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطانا وأرى مع كل صبي أرد بضعة عشر شيطانا . وذلك كله لأن ضرر هذه الفعلة الشنيعة من أخطر الأضارار على الرجال والنساء بل على الفرد والمجتمتع والإنسانية كلها فنسأل الله الحفظ والعصمة أنه سميع الدعاء

    حرمة المصاهرة باللواط

    الحنفية والشافعية المالكية - قالوا : بعدم تحريم المصاهرة بسبب اللواطة
    الحنابلة - قالوا : تثبت حرمة المصاهرة باللواطة مثل الزنان فمن لاط بولد يطيق الجماع أو لاط برجل حرم كل منهما على أم الآخر وابنته نصا لأنه وطء في فرج مشتهى ينشر الحرمة كوطء المرأة فتثبت حرمة المصاهرة عقابا لهما . وقد لخص العلماء مضار اللواط فيما يأتي
    أولا - جناية على الفطرة البشرية السليمة لآن النفوس السليمة تستفحشه وتراه أقبح من الزنا لقذارة المحل
    ثانيا - مفسدة للشبان بالإسراف في الشهوة لأنها تنال بسهولة
    ثالثا - تذل الرجال بما تحدثه فيهم من داء - الأبنة - ولا يستطيع أن يرفع رأسه بعد أن وضع نفسه
    رابعا - تفسد النساء اللواتي تنصرف أزواجهن عنهن بسبب حبهم للواطة فيقصورا فيما يجب عليهم من إحصانهن وإشباع شهواتهن فيعرضهن ذلك للتهاون في أعراضهن
    خامسا - قلة النسل بانتشار هذه الفاحشة لأن من لوازمها الرغبة عن الزواج والإعراض عن النساء
    سادسا - الرغبة في إتيان النساء في أدبارهن وفي ذلك الفساد كل الفساد
    سابعا - من يتعود هذه الفاحشة يميل إلى استمناء اليد وإتيان البهائم وهما جريمتان فبيحتان شديدتا الضرر في الأبدان مفسدتان للأخلاق مضعيتان للصحة البدنية وهما محرمتان كاللواطة والزنا في جميع الملل والأديان لما لهما من الأضرار الخطيرة المهلكة
    ثامنا - إفساد الحياة الزوجية وتفكك العائلات والأسر وغرس العداوة والبغضاء
    تاسعا - يحمل الشبان على الإضراب عن الزواج وتحمل مسؤولية الأسرة وفي ذلك ما فيه من المفاسد المقوضة لدعائم المجتمع لأن الحيان الزوجية فيها إحصان كل من الزوجين
    عاشرا - تسبب أضرارا خطيرة للفاعل مثل مرض الزهري والسيلان وغيرهما وأضرارا للمفعول به فتنزل منه الأشياء الكريهة من غير أن يستطيع إمساكها . وعلى العموم فإن أضرار هذه الفاحشة لا نستطيع حصرها لكثرتها وشناعتها وخطورتها على الفرد والمجتمع

    فإنها نذير الرعب وداعي الخيبة ودليل السقوط وسبب الدناءةن وفقدان الشهامة والنجدة وتدعو إلى انتشار الأوبئة والأمراض الخبيثة الفتاكةن وتجلب السل والصفرة وترفع رحنة الله وتحل غضبه وتوجب اللعنة والعقاب على الفاعلين والمفعولين وتوجد الصغار في نفس اللائط وترفع الحياء من الوجوه وترد شهادة الفاعل والمفعول به وتوجب عليهما اشد العقاب في الدنيا والدار الآخرة . ولهذا أمر النبي صلى الله عليه و سلم بنفي المخنث من المدينة حتى لا يفسد مجتمعها واهتم الشارع الحكيم بالنهي عنها وفرض العقاب الرادع لها . ووردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم تنفر المسلمين من الوقوع فيها وتحذرهم من عواقبها الوخيمةن وتهول من شناعتهان وتبين لهم فظاعتها وخطرها الجسيم . عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : ( لعن الله سبعة من خلقه من فوق سبع سمواته وردد اللعنة على كل واحد منهم ثلاثا ولعن كل واحد منهم لعنة تكفيه قال : ملعةن من عمل عمل قوم لوط ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من ذبح لغير الله ملعون من أتى شيئا من البهائم ملعون من عق والديه ملعون من جمع بين امرأة وابنتها ملعون من غير حدود الأرض ملعون من ادعى إلى غير مواليه )

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #255
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 62 الى صــــــــ
    65

    الحلقة (255)





    حرمة اتيان النساء في أدبارهن
    اتفقت كلمة علماء المسلمين على أن من أتى امرأته أو أمته في دبرها وترك القبل فلا يقام عليه حد حيث لم يرد من الشارع الحكيم حد في هذه الحالات
    ولكنهم قالوا : بأن من يعمل هذا العمل الشنيع يكون آثما مستوجبا للعقاب الأخروي حيث ارتكب فعلا ممنوعا شرعا غير مسموح بهن بل منهي عن الوقوع فيه والالتجاء إليه فقد وردت أحاديث كثيرة عن الرسول المعصوم صولات الله وسلامه عليه تحرم إتيان النساء في أدبارهنن روى خذيمة بن ثابت وأبو هريرة وعلي بن طلق رحمهم الله تعالى كلهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لا تأتوا النساء في أدبارهن )
    وروي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( هي اللوطة الصغرى ) يعني إتيان النساء في أدبارهن . وروى حماد بن سلمة عن حكيم بن الثرم عن أبي تميم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من أى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما نزل على محمد ) رواه الترمذي والإمام أحمد . وحدد القرآن مكان النكاح وهو القبل لأنه محل الحرث والمكان الذي ينبت منه الولد وحرم غيره روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن اليهود قالوا للمسلمين فيمن أى امرأة وهي مدبرة - في قبلها . جاء ولده أحول فأنزل الله تعالى : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا انكم ملاقوه وبشر المؤمنين } آية : 223 من البقرة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( مقبلة ومدبرة ما كان في المخرج )
    وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه . فقد روي عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا يحل لكم أن تأتوا النساء في حشوشهن ) وروى الإمام أحمد عن خذيمة بن ثابت ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها ) ( ومن طريق أخرى ) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ) رواه النسائي وأبن ماجة من طريق خذيمة وروى الترمذي والنسائي عن أبن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا ينظر الله إلى رجل أى رجلا أو امرأة في الدبر ) ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وقال عبد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر بن طاوس عن ابيه أن رواه النسائي عن طريق أبن المبارك عم عمر به نحوه - وقال عبد ايضا في تفسيره : حدثنا إبراهيم عن الحاكم عن ابيه عن عكرمة قال جاء رجل إلى أبن عباس وقال : كنات آتي أهلي في دبرها وسمعت قول الله تعالى : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فظننت أن ذلك لي حلال فقال : يا وكيع إنما قوله : { فأتوا حرثم أنى شئتم } قائمة وقادعدة ومقبلة ومدبرة في أقبالهن لا تعدو ذلك إلى غيره وروى الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا قتادة عن عمرو بن شعيبن عن أبيه عند جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطة الصغرى )
    وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول : ادخلوا النار مع الداخلين : الفاعل والمفعول به والنكاح يده وناكح البهيمة وناكح المرأة في دبرها وجامع بين امرأة وابنتها والزاني بحليلة جاره ومؤذي جاره حتى يلعنه )
    وروى الإمام أحمد قال : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا يظر الله إليه )
    وروى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قل : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ملعون من أتى امرأته في دبرها ) وفي رواية أخرى : ( ملعون من أت النساء في أدبارهن ) . قال النسائي : حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة قال : ( إتيان الرجال النساء في ادبارهن كفر ) ثم رواه عن بندار عن عبد الرحمن به قال : من أتى امرأة في دبرها وتلك كفر ) هكذا رواه النسائي من طريق الثوري عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرية عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من أتى شيئا من الرجال والنساء في ادبارهن فقد كفر ) والمراد بالكفر في الحديث إنما هو كفر النعمة وهي النساء اللاتي احلهن الله عز و جل . وروى أبن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم إنه قال : ( محاش النساء حرام ) . وقال الثوري عن الصلت بن بهرام عن أبي المعتمر عن أبي جويرية قال : سأل رجل عليا عن إتيان المرأة في دبرها فقال : سفلت سفل الله بك الم تسمع قول الله عز و جل : { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } قال الإمام أبن كثير في تفسيره وقد تقدم قول أبن عباس وأبن مسعود وأبي الدرداي وابي هريرة وعبد الله بن عمرو في تحريم ذلك وهو الثابت بلا شك عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما انه يحرمه فقد روي إنه سئل عن ذلك فقال : وهل يفعل ذلك احد من المسلمين ؟ وروي أن رجلا سأل الإمام مالك بن أنس : ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن قال : ما أنتم إلا قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع ؟ لا تعدوا الفرج . قال : يا أبا عبد الله إنهم يقولن إنك تقول ذلك قال يكذبون
    علي ) فهذا هو الثابت عنه رحمه الله تعالى . فقد اتفقت كلمة الأئمة جميعا الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية من غير خلاف منهم على تحريم هذا الفعل وشناعته وعدم جوازه بحال من الأحوال في الزوجة والأمة وغيرهما وهو قول سعيد بن المسيب وابي سلمة وعكرمةن وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير ومجاهد بن جبر والحسن البصري وغيرهم من السلف جميعا أنكروا ذلك الفعل اشد الإنكار ومنهم من يطلق على فعله الكفر وهو مذهب جمهور العلماءز ومما يدل على تحريم هذا العمل قول الله تعالى : { وقدموا لأنفسكم } فإن معناه من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات التي نهيتكم عنها . لذلك قال : { واتقوا الله واعلموا انكم ملاقوه } أي اتقوا الله في اتيان نسائكم فلا تأتوهن إلا في موضع الحرث وهو الفرج فهو سيحاسبكم على اعمالكم جميعا ومن جملتها هذا العمل المشين وقول الله تعالى : { وبشر المؤمنين } أي المطيعين لله تعالى فيما أمرهم التاركين ما عنه زجرهم
    ( تابع . . . 2 ) : - أما اللواط فإنه من الجرائم الخلقية التي لا تليق بالنوع الإنساني
    فإن قيل : قول الله تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين } يقتضي إباحة وطء النساء في أدبارهين لورود الإباحة مطلقة غير مقيدة بشيء ولا فالجواب على ذلك : أنه قال الله تعالى : { فأتوهن من حيث أمركم الله } ثم قال تعالى : { فأتوا حرثكم أنى شئتم } فأبانت هذه الآية الموضع المأمور به شرعا وهو موضع الحرث الذي يأتي منه الولد ولم يرد إطلاق الوطء بعد حظره إلا في موضع الولد فهو مقصور عليه دون غيره وهو قاض مع ذلك على قوله تعالى : { إلا على أزواجهم } فكانت هذه الآية مرتبة على ما ذكر من حكم الحائض فالآية التي في البقرة تدل على أن إباحة الوطء مقصورة على الجماع الجائز في الفرج دون غيره لأنه موضع الحرث الذي نصت عليه الآية الكريمة حيث قال : { فأتوا حرثكم } وهو موضع الولد قال أبو بكر الرازي الحصاص في كتابه ( أحكام القرآن ) عند ذكر إتيان النساء في أدبارهن : كان أصحابنا يحرمون ذلك وينهون عنه أشد النهي . وعن علي بن طلق رحمه الله أنه قال : سمعت رسول للث صلى الله عليه و سلم يقول : ( لا تأتوا النساء في أستاههن فإن الله لا يستحي من الحق ) رواه الإمام أحمد والترمذي وقال : حديث حسن . من هذا يتضح أن إتيان النساء في أدبارهن عمل شنيع وجرم فظيع لا يقره شرع ولا يرضى به عاقل . ومفاسده لا تعد ولا تحصى . بل ربما كان أخطر على الفرد والسر ؟ ؟ والجماعات من أي جناية أخرى غيرها من أنواع المحرمات فليتق الله هؤلاء السفلة الذين يأتون نساءهم في أدبارهن ويعملون عمل قوم لوط ويظنون أنه جائز في الإسلام . نسأل الله تعالى الحفظ والعصمة عن الزلل
    حرمة وطء البهيمة
    اختلف الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم في حد وطء البهيمة بعد اتفاقهم على حرمتها وشناعتها
    الحنفية - قالوا :
    لا حد في هذه الفاحشة حيث إنه لم يرد شيء عن ذلك في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه . ولم يثبت ان الرسول صلى الله عليه و سلم أقام الحد على من وقع في هذه الفاحشة . ولكن يجب عليه التعزير بما يراه الحاكم من الحبس أو الضرب أو التوبيخ أو غير ذلك مما يكون زاجرا له ولغيره عن ارتكابه
    المالكية - قالوا : إن حده كحد الزنا فيلج البكر ويرجم المحصن وذلك لأنه نكاح فرج محرم شرعا مشتهى طبعا مثل القبل والدبر فأوجب الحد كالزنا
    الشافعية - قالوا : عندهم ثلاثة آراء : أهرها الحد كما قال المالكية فحكمه مثل الزنا
    القول الثاني : إنه يقتل بكرا أو ثيبا وذلك لما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( منوقع على بهيمة فاقتلوهن واقتلوا البهيمة ) رواه غلإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبن عباس رقد روى هذا الحديث أبن ماجة في سننه من حديث إبراهيم بن اسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن أبن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من وقع على ذات محرم فاقتلوه ومن وقع على بهيمة فاقتله واقتلوا البهيمة ) . القول الثالث : إنه يعزر ولا حد فيه حسب ما يراه الإمام موافقة لمذهب الحنفية
    الحنابلة - قالوا : يجب عليه الحد وفي صفة الحد عندهم روايتان إحداهما كاللواطة وثانيهما أنه يعزر وهو الراجح عندهم مثل قول الحنفية . ولعل هذه الأحكام تختلف باختلاف أحوال الناس في الدين والورع كمالا ونقصا شبابا وكهول فيخفف عن الآراذل والشبان وويشدد العقاب على أشراف الناس وكبارهم بالحد أو القتل على قاعدة - كل من عظمت مرتبته عظمت صغيرته وزاد عقابه جزاء فعله لآن حسنات الارار سيئات المقربين . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخط الله قلت : من هم يا رسول الله ؟ قال : المتشبهون من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال والذي يأتي البهيمة والذي يأتي الرجال ) رواه الطبراني رحمه الله
    حكم البهيمة الموطوءة
    واختلف الأئمة في حكم البهيمة الموطوءة
    المالكية - قالوا :
    لا يجب قتلها سواء أكانت مما يؤكل لحمها أم لا وذلك لنه لم يرد في الشرع شيء صريح في الأمر بذبحها وما ورد في رواية أبن عباس في المر بقتلها رواية ضعيفة ولا يعمل بها
    الحنفية - قالوا :
    إن كانت البهيمة ملكه يجب قتلها وذلك حتى لا يتكلم الناس عليه كلما رأوها ذاهبة وراجعة فيقولون هذه التي فعل بها فلان فيقعون في إثم الغيبة وتسقط مكانة الفاعل عندهم وبما يكون قد تاب من ذنبه ولأن الرجل إذا رآها يميل إلى مواقعتها مرة ثانية فكان من الأحوط قتلها . ولما أخرجه البيهقي عن أبن عباس رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( ملعون من وقع على بهيمة ) وقال في رواية أخرى : ( اقتلوه واقتلوها معه لا يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا ) ومال اليهقي إلى تصحيحه لما رواه أبو يوسف بإسناده إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه أتي برجل وقع على بهيمة عزره بالضرب وأمر بلابهيمة فذبحت وأحرقت بالنار . وإنما قتلها حتى لا تأتي بولد مشوه ولا تؤكل بعد ذبحها لأن لحمها قد تنجس منه . وقد روي أن راعيا أتى بهيمة فولدت حيوانا مشوه الخلقة
    أما إذا كانت البهيمة ملكا لغيره فلا يجب ذبحها

    الشافعية - عندهم روايتان - إحدهما : إن كانت البهيمة مما يؤكل لحمها ذبحت وإلا فلا لأن في قتلها إتلاف المال من غير فائدة وذلك أمر منهي عنه
    والرواية الثانية عندهم : ان البهيمة تعدم مطلقان سواء أكانت مما يؤكل لحمها أم لا وذلك قطعا للإشاعات وسترا للفضيحن لن الله تعالى أمر بالستر على المسلم فمن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة
    الحنابلة - قالوا : يجب ذبح البهيمة سواء أكانت ملكه أم لا وسواء أكانت مما يؤكل لحمها أم لا ويجبيب عليه ضمان قيمتها فيما إذا كانت البهيمة ملكا لغيره لأنه تسبب في إتلافها ومن أتلف شيئا فعليه ثمنه عقوبة له وذلك خيفة الفضيحة على صاحب البهيمة وعلى الفاعل فيها لنه كلما رأوها ذكرتهم بهذه الفعلة الشنيعة
    حكم البهيمة بعد ذبحها
    واختلف الأئمة في جواز أكل لحم البهيمة الموطوءة بعمد ذبحها
    الحنفية والحنابلة - قالوا : إن البهيمة إن كانت مما يؤكل لحمها تحرق بالنار ولا يجوز أكلها
    المالكية - قالوا : يجوز الأكل منها بعد ذبحها فيأكل منها هو وغيره من غير تحرج لأنه لم يرد في الشرع دليل يحرم أكلها فيبقى الحكم على الأصل وهو الجواز
    الشافعية - عندهم روايتان : إحداهما جواز الأكل منها هو وغيره موافقة للمالكية رحمهم الله تعالى . الرواية الثانية عندهم : أنه يحرم أكلها عليه وعلى غيره موافقة للحنفية والحنابلة وعلى الفاعل أن يضمن قيمتها لصاحبها إن كانت ملكا للغير تأديبا له وعقوبة على فعله المذموم شرعا وعقلا

    الاستمناء باليد
    ومن نكح يده - وتلذذ بها أو إذا أتت المرأة المرأة وهو - السحاق فلا يقام حد في هذه الصور بإجماع العلماء لأنها لذة ناقصة وإن كانت محرمة والوجاب التعزير على الفاعل حسب ما يراه الإمام زاجرا له عن المنكر . والاستمناء باليد ذنب كبير وإثم عظيم نهى عنه الشارع وحذر منه الرسول صلى الله عليه و سلم لما يترتب عليه من الأمراض الصحية والاجتماعية وقد ورد أن صاحبه يأتي يوم القيامة ويده حبلى إذا مات ولم يتب من ذنبه
    قال تعالى في كتابه العزيز { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } فهذا بيان في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم من الإماء وهذا يفيد تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الايمان ويبن الله تعالى أن نكاح الازواج وما ملكت اليمن من شأن الآدمي دون البهائم ثم أكد ذلك بقوله تعال : { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } فلا يحل اتعمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء لأنه تعد على الفطرة فهذا يفيد حرمة الاستمناء باليد لأنه من شأن العادين على حدود الله تعالى الخارجين عن الفطرة الإنسانية وقال تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } أي ليصبروا على الشهوة وكبح جماحها حتى يغنيهم الله من فضله ويسهل لهم طرق النكاح المشروع فهي عادة قبيحة محرمة بالكتاب والسنة . وإن كان ذنبها أقل من الزنا حيث أنه لم يترتب عليها ما يترتب على الزنا من الفساد واختلاط الأنساب

    المالكية - استدلوا على تحريم الاستمناء باليد بقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه :
    ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء ) رواه أبن مسعود رضي الله تعالى عنه . وقالوا : لو كان الاستمناء باليد مباحا في الرشرع لأرشد إليه الرسول صلى الله عليه و سلم لأنه أسهل من الصوم ولكن عدم ذكره دل على تحريمه قال صاحب كتاب - سبل السلام - وقد أباح الاستمناء بعض الحنابلة وبعض علماء الحنفية إذا خاف على نفسه في الوقوع في الزنا - وهو رأي ضعيف لا يعتد به )

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #256
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 66 الى صــــــــ
    68

    الحلقة (256)





    كتاب حد السرقة
    - أما حد السرقة ( 1 ) فقد بينه الله تعالى بقوله في كتابه العزيز فقال : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهم جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم } آية - 37 - من سورة المائدة
    أي اقطعوا اليد من كل واحد سرق سواء كان رجلا أو امرأة ( 2 )
    ---------------------------
    ( 1 ) ( حد السرقة من الحدود الثابتة بالكتاب والسنة واجماع الأمة فذكر الله تعالى حده في الآية الكريمة . وأمر بقطع يد السارق ذكرا كان أو أنثى عبدا أو حرا مسلما أو غير مسلم . صيانة للأموال وحفظا لها .

    ولقد كان قطع يد السارق معمولا به في الجاهيلة قبل الإسلام فلما جاء الإسلام أقره وزاد عليه شروطا معروفة كالقسامة والدية وغيرهما من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه في الجاهلية وزيادات هي من تمام المصالح للإنسانية . ويقال : إن أول من قطع في الجاهلية اهل قريشن قطعوا رجلا يقال له ( دويك ) مولى لبني عليج بن عمرو بن خزاعة لأنه سرق كنز الكعبة المشرفة فحكموا عليه بقطع يده . وأول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه و سلم في الإسلام من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ومن النساء - مرة بنت سفينان بن عبد الأسد من بني مخزوم وقطع سيدنا أبو بكر يد ( اليمنى ) الذي سرق العقد من أسماء بنت عميس زوج أبي بكر الصديق وكان اقطع اليد اليمنى فقطع أبو بكر رضي الله عنه يده اليسرى . وقطع سيدنا عمر بن الخطاب يد - أبن سمرة أخي عبد الرحمن بن سمرة ولا خلاف في ذلك . وقد لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم السارق الذي يبذل اليد الثمينة الغلية في الشياء الرخيصة المهينة وقد اعترض بعضهم على هذا الحكم وقال :
    كيف يحكم بقطع يد قيمتها في الدية خمسمائة دينار في ثلاثة دراهم ؟ وأجابوا عليه : بأن اليد لما كانت أمينة كانت ثمينة ولما خانت هانت - وقالوا : إن ذلك من أسرار أحكام الشريعة الغراء لأن الشارع جعل قيمة اليد في باب الجنايات بخمسمائة دينار حتى تحترم فلا يجنى عليها اما في باب السرقة فلما خانت الأمانة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار لئلا يسارع الناس في سرقة الأموالز ولهذا علل الله تعالى قطع اليد في السرقة بقوله عز و جل { جزاء بما كسبا نكالا من الله } أي تقطع مجازاة على صنيعها السيء في أخذها أموال الناس بأيديهم فناسب أن يقطع العضو الذي استعانا به على ذلك ( نكالا من الله ) أي تنكيلا من الله بهما على ارتكاب ذلك الفعل وعبرة لغيرهما فإن قطع اليد يفضح صاحبه طول حياته ويجلب له الخزي والعار ويسقطه في نظر المجتمع وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة وتأمين الناس على أموالهم وارواحهم وأعراضهم .
    ومعى الآية الكريمة - أن كلا من السارق السارقة يجب قطع أيديهمان فإذا سرق الذكر حرا أو عبدا تقطع يده وإذا سرقت الأنثى تقطع يدها لأن كلا من الذنبين يقع من كل منهما فأراد الله زجر كل منهما ( والله عزيز ) لا يغالب ولا يقهر ( حكيم ) فيما يفعله ويشرعه فهو يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة وتطهر المجتمع من المنكرات والمفاسد وتجلب له السعادة والأمان
    وذكر الله تعالى حد السرقة في كتابه العزيز ونص عليه ووضحه كما ذكر حد الزنا أيضا لأهمية كل منهما للمجتمع ونص على ذكر الذكر والأنثى فيهما وإن كانت الأحكام الشرعية مشتركة بينهما عند الإطلاق وتغليب وصف الذكورة وضمائرها في الكلام إلا ما خص الشرع به الرجال كالإمامة والقتال للتأكيد وحتى لا يظن ظان أن السرقة والزنا كما كان في الرجال أظهر كان الحد على الرجال دون النساء وإنما بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر السارق في هذه الآية قبل ذكر السارقة وفي آية الزنى بدأ بذكر الزانية قبل الزاني لأن حب المال عند الرجال أقلب من النساء والسرقة تقع من الرجال أكثر من النساء لذلك بدأ بذكر الرجال في حد السرقة ولما كانت شهوة الاستمتاع على النساء أغلب فصدرها تقليظا لتردع شهوتها وإن كانت قد ركب فيها الحياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله ولأن الزنى في النساء أعز وهو لأجل الحبل أضرن ولأن العار في النساء ألحق اذ موضعهن الحجب في البيوت والصيانة في المنازل .
    فقد ذكرهن في آية الزنى تغليظا واهتماما . وقد جعل الله تعالى حد السرقة قطع اليد وهو العضو الذي يتناول المال وياخذه عقوبة له ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع أنه العضو الذي باشر الفاحشة به واتصل بالأنثى لآنه يوجد للسارق مثل اليد التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية ووجد عوضا عنها ولكن لا يوجد للزاني مثل ذكره فإذا قطع لا يعتاض بغيره ولا يجد عضوا يسد مسده . وأيضا لأن قطع الذكر فيه إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله . فضرره على المجتمع أخطر وقوله تعلى { فاقطعوا } القطع معناه الإبانة والإزالة ولا يجب القطع إلا بوجود أوصاف تعتبر في السارق وفي الشيء المسروق وفي الموضع المسروق منه وفي صفته . فأما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف :
    البلوغ - فلا يقطع الصبي إذا سرق لنه غير مكلف في نظر الشريعة
    العقل - فلا يقطع المجنون لأن القلم مرفوع عنه حتى يفيق
    أن يكون غير مالك للمسروق منه فلا يقطع الأب إذا سرق من مال ولده ولا الولد إن سرق من مال أبيه
    وأن لا يكون له عليه ولاية فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده وكذلك السيد إن أخذ من مال عبده لا قطع بحال لأن العبد وماله لسيده ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده لأنه آخذ لماله
    وأن لا يكون محاربا في دار الحرب - وأن يكون مختارا غير مكره كالمجاهد إن سرق من مال الغنيمة وقد روي أن عبدا من مال الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم فلم يقطعه وقال : ( مال الله سرق بعضه بعضا ) ولا تقام الحدود في ميدان الجهاد
    وأما ما يعتبر في الشيء المسروق فأربعة أوصاف :
    - 1 - وهي النصاب . على اختلاف بين العلماء في مقداره فلا يقطع من سرق أقل من النصاب
    - 2 - وان يكون مما يتمول ويتملك ويحل بيعه فلا يقطع من سرق الخمر والخنرير وآلات اللهو والطرب
    - 3 - وان لا يكون للسارق ملك كمن سرق ما رهنه أو ما استأجره ولاشبهة ملك . كالذي يسرق من المغنم أو من بيت المال لأن له فيها نصيبا وروي عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه أنه أتي برجل سرق مغفرا من الخمس فلم ير عليه قطعا وقال : له فيها نصيب

    أن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير والأعجمي الكبير لأن ما لا تصح سرقته كالعبد الفصيح فإنه لا يقطع فيه
    وأما ما يعتبر في الموضع المسروق منهن فوصف واحد . وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق وجملة القول فيهن أن كل شيء له مكان معروف فمكانه حرزه وكل شيء معه حافظ فحافظه حرزهن فالدور والمنازل والحوانيت حرز لما فيها غاب عنها أهلها أو حضروا وكذلك بيت المال حرز لجماعة المسلمين والسارق لا يستحق فيه شيئا وإن كان قبل السرقة ممن يجوز أن يعطيه الإمام وإنما يتعين حق كل مسلم بالعطية الا ترى أن الإمام قد يجوز ان يصرف جميع المال إلى وجه من وجوه المصالح ولا يفرقه في الناس أو يفرقه في بلد دون بلد آخر ويمنع منه قوما دون قوم ففي التقدير أن هذا السارق مما لا حق له فيه فيقطع إذا سرق منه . وظهور الدواب حرز لما حملت وأفنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موقف البيع وإن لم يكن هناك حانوت كان معه أهله ام لا سرقت بليل أو نهار . وكذلك موقف الشاة في السوق مربوطة أو غير مربوطة والدواب على مرابطها محرزة كان معها أصحابها أم لا فإن كانت الدابة بباب المسجد أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ ومن ربطها بفنائها أو اتخذ موضعا مربطا لدوابه فإنه حرز لها
    والسفينة حرز لما فيها من المتاع والمال سواء كانت سائبة أم مربوطة فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة إن كانت سائبة فليست بمحرزة وإن كان صاحبها ربطها في موضع وأرساها فيه فربطها حرر وهكذا إن كان معها أحد حيثما كانت فهي محرزة كالدابة التي بباب المسجد ومعها حافظ لها . إلا أن ينزلوا بالسفينة منزلا في سفرهم فيربطوها فهو حرز لها كان معها صاحبها ام لا . والساكنون معا في دار واحدةن كالفنادق التي يسكن كل رجل بيته على حدة أو عمارة الطلاب التي يسكن فيها كل طالب منهم في حجرة مستقلة يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا ضبط وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار وإن لم يدخل بها بيته ولا خرج بها من الدار . أما من سرق منهم من قاعة الدر شيئا قيمته نصاب فلا يقطع فيه وإن أدخله بيته أو أخرجه من باب الدار لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء إلا أن تكون دابة في مربطها أو دراجة مربوطة أو ما يشبهها من المتاعن فإنه يقطع فيها في هذه الحال
    تعريف السرقة وأركانها
    واركان السرقة ثلاثة لا بد منها سارق ومسروق وسرق ولكل منهم شروط كما سبق .
    والسرقة : أخذ العاقل البالغ نصابا محرزا أو ما قيمته نصاب ملكا للغير لا ملك له فيه ولا شبهة ملك على وجه الخفية مستترا من غير أن يؤتمن عليهن وكان السارق مختارا غير مكره سواء أكان مسلما أم ذميا أو مرتدا ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا . إذا وجدت هذه الشروط وجب إقامة الحد وهو قطع يد السارق اليمنى إن كانت سليمة فاما إن كانت مقطوعة' أو مشلولة فإنه تقطع اليد اليسرى وذلك فإجماع آراء علماء الأمة من غير خلاف منهم وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس تميل إليه الطباع البشريةن خصوصا عند الضرورة والحاجة ومن الناس من لا يردعهم عقل ولا يمنعهم الحياء ولا تذجرهم الديانة ولا تردهم المروءة والأمانة فلولا الزواجر الشرعيةن من القطع والصلب ونحوهما لبادروا إلى اخذ الأموال مكابرة من أصحابها على وجه المجاهرة أو خفية على وجه الاستمرار وفيه من الفساد ما لا يخفى فناسب شرع هذه الزواجر في حق المستمر والمكابر في سرقتي الصغرى والكبرى حسما لباب الفساد وأصلاحا لأحوال العباد . والعبد والحر في القطع سواء لإطلاق النصوص ولأن القطع لا يتنصف فيكمل في العبد صيانة لموال الناس

    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #257
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 66 الى صــــــــ
    68

    الحلقة (257)





    مقدار النصاب
    الحنفية - قالوا : نصاب حد السرقة دينار أو عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة أو قيمة احداهما وقيل : إن غير الدراهم تعتبر قيمته بالدراهم وإن كان ذهبا ويشترط ان تكون رائجة واستدلوا على ذلك بما نقل عن أبن عباس وأبن أم أيمن رضي الله عنهما قالا : كانت قيمة الممجن الذي قطع فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرة دراهم - وما رواه عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن ) وكان ثمن المجن عشرة دراهم قالوا : فهذا أبن عباس وعبد الله بن عمرون قد خالفا أبن عمر في ثمن الممجن فالاحتياط الأخذ بالأكثر لأن الحدود تدرأ بالشبها وفي الأقل شبهة عدم الجنايةن وعلى هذا فالأخذ بالأكثر أولى وهة أدخل في باب التجاوز والصفح عن يسير المال وشرف العضو
    المالكية - قالوا : نصاب حد السرقة ثلاثة دراهم مضروبة خالصة فمتى سرقها أو مما يبلغ ثمنها فما فوق من العروض والحيوان وجب إقامة الحد عليه وقطع يده واحتجوا على ذلك بما روي عن نافع عن أبن عمر رضي الله تعالى عنهم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم كما اخرجه الصحيحان البخاري ومسلم - قال الإمام مالك رحمه الله : وقطع عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في أترجة قومت بثلاثة دراهم وهو أحب ما سمعت في ذلك وهذا الأثر عن سيدنا عثمان رضي الله عنه قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن ابيه عن عروة بنت عبد الرحمن أن سارقا سرق في زمن سيدنا عثمان أترجة فأمر بها عثمان ان تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثن عشر درهما بدينار فقطع عمان يده قال المالكية : ومثل هذا الصنع يشتهر ولم يكر فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي قالوا وفيه دليل على جواز القطع في الثمار وعلى اعقبار ثلاثة دراهم في نصاب حد السرقة فإن لم يساوها ولو ساوى ربع دينار لا يقطع
    الشافعية - قالوا : نصاب السرقة ربع دينار أو ما يساويه من الدراهم والأثمان والعروض فصاعدا فالأصل في تقويم الأشياء هو الربع دينار وهو الأصل ايضا في الدراهم فلا يقطع في الثلاثة دراهم إلا أن تساوي ربع دينار واستدل الشافعية على مذهبهم بما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم عن طريق الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( تقطع يد السارق في ربع ديار فصاعدا ) متفق عليه ولمسلم عن طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا )
    قال الشافعية : فهذا الحديث فاصل في المسألة ونص في اعتبار ربع الدينار لا ماسواه قالوا : وحديث ثمن المجن وإن كان ثلاثة دراهم .
    لا ينافى هذا لأنه اذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهما فهي ثمن ربع دينار فأمكن الجمع بهذا الطريق ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وبه يقول عمرو بن عبد العزيز والليث بن سعد والأوزعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور رحمة الله تعالى عليهم أجمعين . قالوا : والراجح من الآراء ان قيمة المجن ثلاثة دراهم لما ورج من حديث أبن عمر المتفق عليه عند المحدثين ولأن باقي الأحاديث المخالفة له لا تساويه في الصحة . وقال أبن العربي : ذهب سفيان الثوري مع جلالته في الحديثن إلى أن القطع في حد السرقة لا يكون إلا في عشرة دراهم - كما هو مذهب الحنفية - وذلك ان اليد محرمو بالإجماع فلا تستباح إلا بما أجمع عليه العلماء والعشرة متفق على القطع بها عند الجميع فيستمسك به ما لم يقع الاتفاق على دون ذلك .
    الحنابلة - قالوا : إن كل واحج من ربع الدينار والثلاثة دراهم مراد شرعي فمن سرق واحدا منهما أو ما يساويه قطع عملا بحديث أبن عمرن وعملا بحجيث عائشة رضي الله تعالى عنهما ووفع في لفظ عن الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اقطعوا في ربع دينار ولاتقطعوا فيما هو أدنى من ذلك ) وكان ربع الدينار يومئذ يساوي ثلاثة دراهم والدينار اثني عشر درهما وفي لفظ للنسائي : ( لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن ) قيل لعائشة رضي الله عنها وما هو ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار ) فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم والله تعالى أعلم . )
    ( 2 ) ( محل القطع . اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن السارق إذا وجب عليه القطع وكان ذلك اول سرقة له وأول حد يقام عليه بالسرقة وكان صحيح الأطراف فإنه يبدأ بقطع يده اليمنى مع مفصل الكف ثم تحسم بالزيت المغلي وذلك لأن السرقة تقع بالكف مباشرة والساعد والعضد يحملان الكف كما يحملهما معها البدن والعقاب إنما يقع على العضو المباشر للجريمة وإنما تقطع اليمنى أولا لأن التناول يكون بها في غالب الأحوال إلا ما شذ عند بعض الأفراد . ولأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه فعل ذلك حينما قطع يد المخزومية وغيرها ممن أقام عليهم حد السرقة وقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه تبين الإجمال في آية السرقة وتوضح المراد من الأيدي فإنه قرأ ( فاقطعوا أيمانهما ) وهذا الحكم بإجماع المة من غير خلاف منهم . فإن عاد وسرق مرة ثانية ووجب عليه القطع تقطع رجله اليسرى من مفصل القدم ويكوى محل القطع بالنار لينقطع نزيف الدم أو يغمس العضو المقطوع في الزيت المغلي كما أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وكما فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
    فقد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم امر بقطع يد السارق من الزند وقال لأصحابه ( فاقطعوه واحسموه ) ولأنه إذا لم يحسم العضو يؤدي إلى التلف لأن الدم لا ينقطع إلا به والاحد زاجر غير متلف ولهذا لا يقطع وقت الحر الشديد لأنه يؤذي السارق ثم اختلف الأئمة فيما إذا عاد وسرق مرة ثالثة أيقطع ام لا ؟
    الحنفية - قالوا : فإن عاد وسرق بعد أن قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى يقف إيقاع الحد ولا يجب عليه القطع في المرة الثالثة بل يضمن السرقة ويحبس ويضرب حى يتوب عن السرقة والأصل أن حد السرقة شرع زاجرا لا متلفا لأن المحدود شرعتم للزجر عن ارتكاب الكبائر لا متلفة للنفوس المحترمة فكل حد يتضمن إتلاف النفس من كل وجه أو من وجه واحد لم يشرع حدا وكل قطع يؤدي إلى إتلاف جنس المنفعة كان إتلافا للنفس من وجه فلا يشرع وقطع اليد اليسرى في المرة الثالثة والرجل اليمنى في المرة الرابعة يؤدي إلى إتلاف جنس منفعة البطش والمشي فلا يشرع حدا واليه الإشارة بقول علي رضي الله تعالى عنه : إني استحي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ويستنجي بها ورجلا يمشي عليها ( وبهذا حاج بقية الصحابة فحجهم فانعقد اجماعا - جماعا ) .
    وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه أي برجل أقطع اليد والرجل قد سرق يقال له ( سدوم ) فأراد أن يقطعه فقال له على بن أبي طالب كرم الله وجهه : إنما عليه قطع يد ورجل فحبسه عمر رضي الله تعالى عنه ولم يقطعه ففتوى على ورجوع عمر رضي الله عنهما إليه من غير نكير ولا مخالفة من غيرهما دليل على إجماعهم عليه أو أنه كان شريعة عرفوها من رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا بخلاف القصاص لأنه حق العبد فيستوفى جبرا لحقه - ولأنه نادر الوجود فيندر أن يسرق الإنسان بعد قطع يده ورجله والحد لا يشرع إلا فيما يغلب . وما روي من الحديث في قطع اربعة السارق طعن في الطحاوي رحمه الله تعالى - أو نقول : لو صح لا حتج به الصحابة على الإمام على رضي الله عنه ولرجع إليهم وحيث أنه قد حجهم ورجعوا إلى قوله من غير معارضة منهم جل على عدم صحته . فإن كانت يده اليمنى ذاهبة أو مقطوعة تقطع رجله اليسرى من المفصل وإن كانت رجله اليسرى مقطوعة فلا قطع عليه لما فيه من الاستهلاك على ما بينا وضمن السرقة ويحبس حت يتوب .
    وإن كان اقطع اليد اليسرى أو امثلها أو ابهامها أو إصبعين سواها وفي رواية ثلاث أصابع أو اقطع الرجل المينى أو اشلها أو بها عرج يمنع المشي عليها فلا تقطع يده اليمنى ولا رجله اليسرى . والحاصل : أنه متى كان بحال لو قطعت يده اليمنى لا ينتفع بيده اليسرى أو لا ينتفع برجله اليمنى لآفة كانت قبل القطع لا يقطع لأن فيه تفويت جنس المنفعة بطشا أو مشيا وقوام اليد بالإبهام فعدمها أو شللها كشلل جميع اليد ولو كانت اصبع واحدة سوى الإبهام مقطوعة أو شلاء قطع لان قوات الواحدة لا يوجب نقصا ظاهرا في البطش بخلاف الأصبعين لأنهما كالإبهام في البطش ولو كانت اليد اليمنى شلاء شللا جزئيا أو ناقصة الأصابع يقطع في ظاهر الراوية
    المالكية والشافعية - قالوا : إذا سرق السارق اولا قطعت يده اليمنى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار أو الزيت المغلي فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من المفصل ثم حسمت بالنار ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل ثم حسمت بالنار ثم إذا سرق الخامسة حبس وعزر ويعزر كل من سرق إذا كان سارقا من حيث يدرأ عنه القطع فإذا درأ عنه القطع لشبهة عزر حسب مايراه الإمام زاجرا له عن ارتكاب الجريمة وكيفية القطع ان يجلس ويضبط ثم تمد يدخ بخيط حتى يبين مفصله ثم تقطه بحديدةحادة ثم يحسم وإن وجد ارفق وأمكن من هذا قطع به لأنه إنما يراد به غقامة المحد لا التلف ولهذا لا يقطع السارق ولا يقام حد دون القتل على امرأة حبلى ولا مريض دنف ولا بين المرض ولا في يوم مفرط البرد ولا في يوم شديد الحر ولا في أسباب التلف -
    ومن أسباب التلف الي يترك إقامة الحد فيها إلى البرء ان تقطع يد السارق فلا يبرأ حتى يسرق فيؤخر حتى تبرأ يده ومن ذلك ان يجلد الرجل فلا يبرأ جلده حتى يصيب حدا فيترك حتى يبرأ جلده وكذلك كل قرح أو مرض أصابه . وحجتهم في جواز القطع في المرة الثالثة والرابعة ما روي من محديث جابر بن عبد اله رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه و سلم أي بعبد سرقن فقطع يده اليمنى ثم أي به في الثانية فقطع رجله ثم أتي به في الثالثة فقطع يده اليسرى ثم أتي به في الرابعة فقطع رجله اليمنى .
    وأخرج الدار قطني من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في السارق : ( إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ) . وبما روي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال : أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه ان رجلا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أب بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فشكا إليه أن عامل اليمن طلمه فكان يصلي من الليل فيقول أبو بكر : وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم إنهم افتقدوا حليا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر فجعل الرجل يطوف معهم ويقول : اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاء فاعترف به الأقطع أو شهد عليه فأمر أبو بكر رضي الله عنه فقطعت يده اليسرى وقا أبو ذر :
    ( والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته ) . قال الشافعي رحمه الله : فبهذا نأخذ فإذا سرق أولا قطعت يده اليمنى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من المفصل ثم حسمت بالنار ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل ثم حسمت بالنارن فإذا سرق الخامسة حبس وعزر قال أبن المنذر : ( ثبت عن أبي بكر وعمر أنهما قطعا اليد بعد اليدن والرجل بعد الرجل ) واحتج الحنفية على قولهم بعدم جواز القطع في الثالثةن وإنما يجب حبسه وتعزيره وغرامتهن بما رواه اليهقي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال بعد أن قطع رجله وأتي به في المرة الثالثة :
    ( بأي شيء يتمسح وبأي شيء يأكل ) لما قيل له يقطع يده اليسرى ثم قال : أقطع رجله على أي شيء يمشي ؟ إني لأستحي من الله عز و جل ثم ضربه وأدخله السجن ) - وهو تكريم لابن آدم وتعظيم لحرمته على حرمة المال . وقد أجاب المالكية والشافعية عن هذا الدليل : بأن هذا الرأي لا يقاوم النصوص وإن كان المنصوص فيه ضعيف كما قال الحنفية فقد عاضدته الروايات الأخرى الواردة بهذا المعنى . فإذا ذهب محل القطع من غير سرقة بأن كانت اليد اليمنى شلاء ينتقل القطع إلى اليد اليسرى وقيل إلى الرجل اليمنى
    الحنابلة - قالوا : في إحدى الروايات عنهم ان السارق لا يقطع في الثالثة موافقة لمذهب الحنفية مراعاة لحرمة المؤمن وأن منزلته أعظم من المال وتخفيفا من الشرع على عباده . وفي رواية أخرى عنهم : أن السارق تقطع يده اليسرى في المرة الثاثلة فإن عاد تقطع رجله اليمنى في المرة الرابعة موافقة منهم لمذهب المالكية والشافعية لأنهم يراعون حرمة المال والتشديد على المنحرفين السارقين المفسدين في الأرض . وقال بعض العلماء : إن السارق في المرة الخامسة يقتل حتى يكون عبرة لغيره ولا يحبس ويغرم واحتجوا على مذهبهم بحديث خرجه النسائي عن الحارث بن حاطب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتي بلص فقال : ( اقتلوه ) فقالوا : يا رسول الله إنما سرق قال : ( اقتله ) قالوا : يا رسول الله إنما سرق قال : ( اقطعوا يده ) 9 قال : ثم سرق فقطعت رجله ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه حتى عطعت قوائمه كلها ثم سرق أيضا ( الخامسة ) فقال أبو بكر رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم بهذا حين قال :
    ( اقتلوه ) ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه فيهم عبد الله بت الزبير رضي الله عنه وكان يحب الامارة فقال : ( أمروني عليكم فأمروه عليهم فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه ) وبحديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بسارق في الخامسة قال : ( اقتلوه ) فال جابر : فانطلقنا به فقتلناه ثم اجتررناه فرميناه في بئر ورمينا عليه الحجارة )

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #258
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 69 الى صــــــــ
    70

    الحلقة (258)





    قوانين المعاملات في الإسلام
    - واعلم أن الشريعة الإسلامية قد وضعت قوانين المعاملات وفصلتها أحسن تفصيل فوضعت نظما للبيع والشراء والرهن والاجارة والشركة والشفعة ووعضت قوانين للاقتصاد والتجارة والزراعة والصناعة ولم تترك شيئا إلا وضعت له نظاما مبنيا على مصلحة النوع الإنساني وترقية حاله ورفع الخصومات من بين الناس وتوطيد علائق الثقة فيما بينهم ونزع العداوة والبغضاء من قلوبهم وحفظ حقوق الضعفاء ورفع الحيف عنهم وقد أخذ المجتهدون من النصوص التي جاء بها الكتاب الكريم أو السنة الصحيحة ما فيه مصالح الناس التي اقتضتها حادثات الأزمنة المختلفة فكان للمسلمين أعظم ثروة فقهية يمكنهم أن يجعلوها اصلا لكل قانون صالح ينتفع به المجتمع وتقوم عليه دعائم العمران وتسعد به الشعوب والأمم سعادة حقيقية ومع هذا فإنها لم تضع عقوبات خاصة لمن خالف قوانين المعاملات المالية بل تركت أمر هذه العقوبات للحاكم ليضع لها ما يناسب كل زمان ومكان وهذا هو باب التعزير فقد جعلت الشريعة للحاكم سلطة يضع بها العقوبات التي تليق بمن يخالف أمر الشريعة أو نهيها بحسب اليئات والزمنة وبحسب ما يترتب على مخالفتها من اشر والفساد ما عدا السرقة فإنها قد وضعت لها الحد الذي سمعته ( 1 )
    -------------------
    ( 1 ) ( مايثبت به حد السرقة . اتفق الأئمة الربعة - على أن حد السرقة يثبت على السارق بشهادة رجلين شاهدين عدلين كشائر الحقوق واتفقوا - على أنه يثبت أيضا بإقرار الحر واعترافه باقتراف الذني

    الحنفية المالكية والشافعية - قالوا : يثبت الحد بإقرار البالغ مالعاقل ولو مرة واحدة لأنه لا تهمة فيه كسائر الحقوق التي تثبت بالإقرار مرة واحدة . فلا حاجة إلى الإقرار مرة ثانية كالقصاص وحد القذف والتنبيه في الشهادة منصوص عليه فلا يقاس عليه الإقرار ولأنه يفيد تقليل تهمة الكذب ولا كذلك الإقرار لأن المقر لا يتهم بالكذب على نفسه واشترط الزيادة في الزنى على خلاف القياس فيقتصر على مورد النص على أن الإقرار الأول إما صادق فبالثاني لا يفيد شيئا إذ لا يزداد صدقا وإما كاذب فبالثاني لا يصير صدقا " فظهر أنه لا فائدة في
    تكراره
    الحنابلة وأبو يوسف من الحنفية - قالوا :
    يثبت بلإقراره مرتين والإقرار مرة واحدة لا يثبت الحد . واحتجوا بما روي عن أبي أمية المخزمي رض الله عنه أنه قال : أتي الرسول صولات الله وسلامه عليه بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما أخالك سرقت ) قال : بلى يا رسول الله فأعادها عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع وجيء به فقال له : استغفر الله وتب إليه فقال : أستغفر الله وأتوب إليه فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : ( اللهم تب عليه ثلاثا ) أخرجه ا مد والنسائي وأبو داود واللفظ له ورجله ثقات ويجب على القاضي أن يلقن المقر الرجوع احتياطا للدرء فقد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أتي بسارق فقال له : ( أسرقت ؟ مأخاله سرق ) .
    وإذا رجع المقر عن إقراره صح في القطع لأنه خالص حق الله تعالى فلا يكذب فيه ولكن لا يصح الرجوع في المال لأن صاحبه يكذبه واشترطوا أن يكون الإقراران في مجلسين مختلفين لأنه إحدى الحجتين فيعتبر الأخرى وهي الينة . واسند الطحاوي إلى سيدنا علي كرم الله وجهه أن رجلا أقر عنده بسرقة مرتين فقال له : قد شهدت على نفسك شهادتينن فأمر أن تقطع يده فعلقها في عنقه . وأما المعنى فإلحاق الإقرار بها بالشهادة عليها في العدد فيقال : حد فيعتبر عدد الإقرار به بعدد الشهود نظيره إلحاق الإقرار في حد الزنا في العدد بالشهادة فيه . فلو شهد على السارق رجل وامرأتان ثبت عليه المال فيجب أن يرده أو قيمتهن ولكن لا يجب القطع لعيه لأن شهادة النساء لا تقبل في الحدودز
    كيفية الشهادة
    قالوا : وينبغي للإمام أن يسأل الشاهدين عند أداء الشهادة عن كيفية السرقة أي كيف سرقلاحتمال كونه سرق على كيفية لا يقطع معها كأن نقب الجدار وادخل يده فأخرج المتاع فإنه لا يقطع على طاهر المذاهب الثلاثةن أو أخرج بعض النصاب ثم عاد وأخرج البعض الآخر أو ناول رفيقا له على الباب ويسألهما عن ماهيتها لأنهاتطلق في اللغة على استراق السمع والنقص من اركان الصلاةن قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته ) ويسألهما أيضا عن رمانها لاحتمال التقادم وعند التقادم إذا شهدوا يضمن المال ولكن لا يقطع عليهن ويسألهما عن المكان لاحتمال أنه سرق في دار الحرب من مسلم - بخلاف ما لو كان ثبوت السرقة بالإقرار حيث لا يسأل القاضي الشخص المقر عن الزمان لأن التقادم لا يبطل الإقرار ولا يسأل المقر عن المكان لكن يسأله عن باي الشروط من الحرز وغيره .
    وذلك باتفاق العلماء . وقال بعضهم ويسأل المقر عن الشيء المسروق ( إذ سرقة كل مال لا توجب القطع كما في التمر والكرم وغيره ولا حتمال كون المسروق أقل من النصاب - ويسأله أيضا عن المسروق منه لأن السرقة من بعض الناس لاتوجب القطع كذي الرحم المحرم والعبد من سيده والزوج من زوجته والوالد من مال ولده . ولاحتمال ان يهبه المسروق أو يملكه فيسقط القطع . وقال بعضهم : لا حادة إلى السؤال عن المسروق منه لأنه حاضر في المجلس يخاصم المذنب ويطالب بعقوبته والشهود حضور يشهدون على السرقة منه فلا حاجة إلى السؤال عنه ولأن شهادتهم بأنه سرق من هذا الحاضر وخصومة الحاضر لا يستلزم بيانها النية من السارق ولا رفع الدعوى تستلزم أن يقول : سرق مالي وأنا مولاه وينبغي أن يسأل عن هذه الأمور احتياطا للدرء وإذا بينوا ذلك على وجه لا يسقط الحد فإن كان القاضي عرف الشهود بالعدالة قطعه وإن لم يكن يعرف حالهم حبس المشهود عليه حتى يدلوا لأنه صار متهما بالسرقة والتوثيق بالتكفيل ممتنع لأنه لا كفالة في الحدود .
    وإذا عدل الشاهدان والمسروق منه حاضرا والشاهدان غائبان لم يقطع ايضا حتى يحضرا لاحتمال رجوعهما في الشهادة أو رجوع احدهما في شهادته وكذلك الموت وهذا في كل الحدود سوى حد الرجم . وقد أفتى العلماء : بأنه إذا كان لص معروف بالسرقة ووجده رجل في منزله يذهب في حاجة له غير مشغول بالسرقة ولا ملتبس بها فليس له أن يقتله ولكن له ان يقبض عليه ويأخذه وللإمام أن يحبسه حتى يتوب لأنه متهم بالفساد في الأرض ( والحبس للزجر عن التهمة مشروع وجائز )
    خطأ الشهود
    الحنفية المالكية والحنابلة - قالوا :
    إذا أخطأ الشاهدان في أداء الشهادة على السارق وقطعت يده ثم طهر كذبهما بأن اعترف رجل آخر بأنه هو الذي سرق أو قامت البينة على غيره أو اعترف الشاهدان بخطئهما في أداي الشهادة . فيجب على الإمام أن يغرمهما بدفع دية يد المقوع عقوبة لهما على خطئهما في أداء الشهادة عليه أما إذا قال الشاهدان : إننا تعمدنا اداء الشهادة عليه نكاية به فإنه يجب عليهما في هذه الحالة دفع دية يد المقطوع ولا يجوز أن يقطع يديهما بيد واحدة لنه جور وظلم . الشافعية - قالوا : إذا شهد رجلان على آخر بأنه سرق متاعا من حرز قيمته نصاب ثم تبين كذبهما بعد قطع يده فيقررهما الإمام فإن قالا : أخطأنا في الشهادة عليه فإنه يغرمهما دية يد المقطوع .
    وإن قالا : تعمدنا أن نشهد عليه بباطل قطعت يداهما بيده قصاصا له . وهذه أشبه بالقياس لأنه إن كان يجوز أن يقتل اثنان بواحد فلم لا تقطع يدان بيد ؟ واليد أقل من النفس وإذا جاز القليل فلم لا يجوز الكثير ؟ واحتجوا على مذهبهم بما روي عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه عن الشعبي . ( أن رجلين أتيا الإمام عليا كرم الله وجهه فشهدا على رجل أنه سرق فقطع الإمام يده ثم أتياه بآخر فقالا : هذا الذي سرق وأخطأنا على الول فلم يجز شهادتهما على الآخر وغرمهما دية يد الول وقال لهما : لو أعلمكما تعمدتما لقطعتكما ) فهذا نص في الباب . وإذا شهد رجل وامرأتان على رجل بالسرقة فإنه يضمن المال ولا يقطع يده . وإذا أقر الرجل على نفسه بالسرقة أمام الحاكم ثم رجع في إقراره فإنه يلزمه غرامة المال الذي أقر به ولا قطع عليه - ولا عكس - حتى لو قال المسروق منه أريد قطع يده ولا أريد المال لا تسمع خصومته فإنما يصح حق القطع تبعا للمال وقد انتفى المال فانتفى القطع
    خطأ الحداد
    الحنفية والحنابلة - قالوا : إذا قال الحاكم للحداد - الذي يقيم الحد - اقطع يمين هذا في سرقة سرقها فقطع يساره خطأ أو عمدا فلا شيء عليه ولكن يعزره الإمام لأنه اخطأ في اجتهاده وخطأ المجتهد موضوع بالإجماع وهذا موضع اجتهاد لأن ظاهر النص يسوي بين اليمين واليسار ولأنه وإن أتلف بلا حق ظلما لكنه أخلف من جنسه ما هو خير له وهو اليد اليمنى فإنها لا تقطع بعد قطع اليسرى وهي خير لأن قوة البطش بها أتم والعمل بها أكثر فلا يضمن شيئا وعلى هذا لو قطع اليد غير الحدتد لا يضمن أيضان عمدا أو خطأ لن اليمين كانت على شرف الزوال فكانت كالفائتة فأخلفها إلى خلف استمرارها وبقائها . الصاحبان من الحنفية - قالا : إذا أخطأ الحداد وقط اليد اليسرى بعد أن أمره الحاكم بقطع اليمنى فلا ضمان عليه في حالة الخطأ . أما إذا كان متعمدا فإنه يجب عليه أن يضمن أرش اليد اليسرى .
    الشافعية والمالكية - قالوا : إذا كان الحداد أخطأ فلا شيء عليه أما إذا كان فعل هذا الفعلن وعطع اليسرى بعد أن امره الحاكم بقطع اليمنى فإنه يجب عليه القصاص وتقطع يده اليسرى وذلك قياسا على ما إذا قطع رجل يد السارق بعد الشهادة قبل القضاء بالقطع في انتظار التعديل ثم عدلت فلا تقطع على السارق لفوات محله وبحيث أن المسروق لو كان أتلفه لن سقوط الضمان باستيفاء القطع حقا لله تعالى ولم يوجد وكذا لو قطع يده اليسري يقتص له ويسقط عنه قطع اليمنى . والخطأ في الاجتمها معناه أن يقطع اليسرى بعد قول الحاكم : اقطع يمينه عن اجتهاد في أن قطعها يجزىء عن قطع السرقة نظرا إلى إطلاق النصن وهو قوله تعالى { فاقطعوا أيديهما } أما الخطأ في معرفة اليمين من الشمال فلا يجعل عفوا لآنه بعيد يتهم فيه مجعيه وعلى هذا فالقطع في الموضعين عمد وإنما يكون معنى العمد حينئذ أن يتعمد القطع لليسار لا عن اجتهادفي اجزائها . أما إذا قال الحاكم للحداد : اقطع يد هذا ولم ينص على اليمنى - فقطع اليسار فلا يضمن اتفاقا وإذا قطع رجل يسار السارق بعد حكم القاضي بقطع يمينه من غير إذن الإمام في قطعها فإذا كان متعمدا وجب عليه القصاص فتقطع يده وفي الخطأ الدية بالاتفاق وسقط القطع عن اليمنى
    إذا سرق رجل من السارق
    الحنفية والحنابلة والشافعية في قول - قالوا : إن قطع سارق بسرقة ثم سرقت منه لم يكن له ولا لرب المال أن يقطع السارق الثاني لن المال لما لم يجب على السارق ضمانه كان ساقط التقوم في حقه وكذا في حق المالك لعدم وجوب الضمان له فيد السارق الول ليست يد ضمان ولايد أمانة ولا يد ملك فكان المسروق مالا غير معصوم فلا تقطع فيه وأصبح كأنه مال ضائع ولا قطع في أخذ مال ضائع وإذا ظهر هذا الحال عند القاضي فإنه لا يرد الحال إلى الأول ولا إلى الثاني إذا رجه لظهر خيانة كل منهما بل يرجه من يد السارق الاثني إلى المالك إن كان حاضرا وإلا حفظه في بيت المال كما يحفظ أموال الغيب . المالكية والشافعية في قول آخر - قالوا : تقطع يد السارق الثاني بخصومة المالك لأنه سرق نصابا محرزا من حرز لا شبهة فيه فيقطع بخصومة الول لأن سقوط التقوم ضرورة القطع ولم يوجد فصارت يده كيد الغاصب
    الحنفية - قالوا : إذا قضي على رجل بالقطع في سرقة فوهبها له المالك وسلمها إليه أو باعها منه فلا يقطع
    الشافعية المالكية والحنابلة - قالوا : يقطع في هذه الحالة لأن السرقة قد تمت انعقادا بفعلها بلا شبهة وظهورا عند الحاكم وقضي عليه بالقطع ولا شبهة في السرقة فيقطع واحتجوا بما ورد في حديث صفوان أنه قال : يا رسول الله لم أرد هذا ردائي عليه صدقة فقال عليه الصلاة و السلام : ( فهلا قبل أن تأتيني به ) رواه أبو داود وأبن ماجة زاد النسائي في رواية : ( فقطعه رسول الله صلى الله عليه و سلم ) )
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #259
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 71 الى صــــــــ
    73

    الحلقة (259)





    عناية الشريعة بالسرقة دون غيرها
    - ولقائل أن يقول : لماذا عنيت الشريعة الإسلامية بالسرقة دون غيرها من الأنواع المؤذية للمجتمع فتركت الغاصب والمختلس والخائن كما تركت الذي ينفق أمواله في الشهوات الضارة المفسدة أو في إيذاء المجتمع أو نحو ذلك ؟ والجواب : أن الذي جاءت به الشريعة الإسلامية من ذلك هو تقدير العزيز الحكيم وهو غين الحكمة والصواب . بيان ذلك : أن السرقة هي أخذ مال الغير خفية من حرز ( أي محل محفوظ فيه ) ( 1 ) ولا ريب أن الذي يقدم على هذا الفعل خطره يطرد في كل زمان ومكان لأنه لا يبالي في سبيل الوصول إلى غرضه بارتكاب اية جريمة يتوفق عليها الحصول على ما يرج فهو ينقض الدرا ويكسر القفل ولا يتأخر عن قتل من يقف في سبيله أو التمثيل به فهو مهدد للناس في حياتهم واموالهم واعراضهم فإذا لم يضرب على يد السارق من أول الأمر وذا لم تشدد عليه العقوبة كان شره عظيما وخطره تشديدا وقد عرفتنا الحوادث أن السارقين قد قتلوا أنفسا كثيرة في سبيل وصولهم إلى سرقة المال واعتدوا على أعراض كثيرة
    ----------------------------------
    ( 1 ) ( صفة الحرز : الحنفية - قالوا : إن صفة الحرز الذي يقطع من سرق منه هو أن يكون حرزا لشيء من الأموال فكل ما كان حرزا لشيء منها كان حرزا لجميعها ثم حرز كل شيء على حسب ما يليق به قال عليه الصلاة و السلام : ( فإذا آواه الجرين ( موضع التمر اليذي يجفف فيه ) - يعني اليدر - ففيه القطع ) وقال صلوات الله وسلامه عليه : ( لا قطع في حريسة ( أي المحروسة به فليس بالجبل إذا سرق قطع لأنه ليس بحرز وقيل الحريسة : الشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها ) الجبل وما آواه المراح ( هو المكان الذي تأوي إليه الماشية ليلا للمبيت فيه ) ففيه القطع ) . والحرز ما يكون به المال محروزا من أيدي اللصوص ويكون بالحافظ كمن جلس بالصحراء أو في المسجد أو في الطريق العام وعنده متاعه فهو محرز به وسواء كان نائما أو مستيقظا وذلك لما روي أنه عليه الصلاة و السلام قطع سارق رداء ( صفوان ) مت تحت رأسه وهو نائم في المسجد وسواء كان المتاع تحته أو عنده لأنه يعد حافظا له في ذلك كله عرفا فيقطع من يسرق ماله أو متاعه .
    والحرز بالمكان : هو ما أعد للحفظ كالدور والبيوت والحانوت والصندوق فهي حرز لما فيها غاب صاحبها أو حضر فلا يعتبر فيه الحافظ لأنه محرز بدونته وهو المكان الذي اعد للحفظ إلا أن القطع لا يجب من الأخذ بالحرز بالمكان إلا بالإخراج منه لأنن يد المالك قائمة ما لم يخرجه السارق والمحرز بالحافظ يجب القطع لما أخذه لان يد المالك زالت بمجرد الأخذ فتمت السرقة ولو كان باب الدار مفتوحا فدخل نهارا واخذ متاعا لم يقطع لآنه مكابرة وليس بسرقة لعدم الاستسرار على ما بينا . ولو دخل ليلا قطع لأنه مكان بني للحرز ولو خل بين المغرب والعشاء والناس منتشرون فهو بمنزلة النهار ولو علم صاحب الدار باللص واللص لا يعلم أو بالعكس قطع لأنه مستخف وان علم كل واحد منهما بلآخر لا يقطع السارق لأنه مكابرة .
    وإذا سرق من الحمام ليلا قطع وبالنهار لا يقطع لأنه مأذون بالدخول وهو الدواب حرز لما حملت وافنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موفق البيع وغن لم يكن هناك حانوت كان معه أهله ام لا سرقت ليلا أو نهارا وكذلك موفق عربات الباعة المتجولين في السواق وموفق الشاة في اسوق مربوطة أو غير مربوطة حرز والدواب على مرابطها في الحقول والخلاء محرزة كان معها اصحابها أم لا فإن كانت الدابة بباب المسجد أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ ومن ربطها بفنائه أو اتخذ موضعا مربطا لدوابه فإنه حرز لها ولو سرق لؤلؤة من الاصطبل لم يقطع لأنه ليس حرزا لها والسفينة حرز لما فيها سواء كانت سائبة أو مربوطة فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة إن كان معها احد حيثما كانت فهي حرز كالدابة بباب المسجد معها حافظ ولوسرق ثوبا على شاة لم يقطع لان الشاة لا تحرز إلا أن ينزلوا لها كان صاحبها معها ام لا .
    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : ( إن الحرز يختلف باختلاف الامال المحفوظة فيه وقيمتها والعرف معتبر في ذلك لأنه لا ضابط له لغة ولا شرعا وهو يختلف باختلاف المال ونوعه وثمنه ويختلف باختلاف البلاد ويكون بحسب عدل السلطان وجوره وما كان كذلك فمرجعه العرف والعادة فالدور والحوانيت حرز ومرابط الدواب حرز لها وكذلك الأوعية وما على ظهور الدواب والسيارات تكون حرزا لما فيها وما على الإنسان من الملابس فالإنسان حرز لكل ما عليه أو هو عنده نائما أو مستيقظا ولا يقطع سارق ما على الصبي من الحلي وغيره إلا أن يكون معه حافظ يحفظه كما في الدواب وغيرها
    السرقة في المدن الجامعية والفنادق : اتفق الأئمة على أن الساكنين في دار واحدة - كالعمارات والفنادق والمدن الجامعية وأروقة المساكن التي يسكن فيها كل رجل بيته على حدة وعليه باب يغلق يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا أخذه وخرج بسرقته إلى قاعة الدار وغن لم يدخل بها بيته ولا خرج بها من الدار لأن الإخراج إلى صحن الدار كالإخراج إلى السكة العمومية واتفقوا : على أنه لا يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئا وإن أدخله في بيته أو أخرجه من الدار لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء كالطريق العام إلا أن تكون دابة في مربطها أو مايشبهها من المتاع : كالدراجة وغيرها .
    واتفق الأئمة الأربعة : على أن باب البيت وغلقه حرز وحرز الثياب والنقود والجواهر الصناديق المقفلة وحرز الأمتعة للبياعين الدكاكين المقفلة عليها وبوجود حارس لها ليلا وحرز الدواب الثمينة الإصطبل وحرز الأواني والأوعية وثياب البذلة مدخل البيت وعرضه واختلفوا في الدار المشتركة بينهم . المالكية والفقهاء - قالوا : تقطع يد السارق من الدرا المشتركة بينهم في السكن إذا اخرج المتاع من الحجرة التي هو فيها لأنه حرز له . الصاحبان من الحنيفة - قالوا : لا قطع عليه إلا إذا اخرج المال من الدار لأنه مأذون له في دخولها ولن الدار مع جميع بيوتها حرز واحد فلا بد من الإخراج
    سرقة الحوانيت : الشافعية - قالوا : لو ضم العطار أو البقال ونحوه المتهة وربطها بحبل على باب الحانوت للعرض . أو ارخى عليها شبكة أو خالف لوحين على باب حانوته كانت محرزة بذلك في النهار لأن الجيران والمارة ينظرونها وفيما فعل ما ينبهم إذا قصدها السارقن فإن لم يفعل شيئا من ذلك وترك البضاعة مهملة أو ترك الباب مفتوحا فلا تقطع يد السارق لأنها ليس محرزة . وأما في الليل فمحرزة لذلك لكن مع وجود الحارس ولا يقطع فيما إذا ترك ثقبا بالحانوت يدخل منه السارق يده وليس له حارس والبقل ونحوه كالفجل والكرات والجرجير إن ضم بعضه إلى بعض وترك على باب الحانوت وطرح عليه حصير أو نحوها فهو حرز بحارس .
    والأمتعة النفيسة التي تترك على الحوانيت في ايام العياد ونحوها لتزيين الحانوت وتستر بنطع ونحوه وكذلك لمبات الكهرباء التي على أبواب الحوانيت والمنازل ليالي الأفراح تكون محرزة بحارس ولأن أهل السوق يعتادون ذلك فيقوى بعضهم ببعض بخلاف سائر الليالين والثياب الموضوعة على باب حانوت القصار للعرض كأمتعة العطار الموضوعة على باب حانوته كما مر .
    والحانوت المغلق بباب وقفل بلا حارس حرز لمتاع البقال وذهب الجواهرجي وفضته وساعات التاجر وغيرها من الأمتعة الثمينة التي توضع في بترينة الحوانيت بقصد البيع ليلا ونهارا ولو بلا حارس في زمن المن بخلاف الحانوت المفتوح المأذون في دخوله للعامة لا يقطع في سرقته وكذلك المغلق زمن الفتنة والخوف والأرض حرز للبذور والزرع للعادة وقيل : ليست حرزا إلا بحارس . والتحويط بسور بلا حارس لا يحرز الثمار وإن كانت على الأشجار إلا ان اتصلت بجيران يراقبونها أما اشجار أفينة الدور فهي محرزة بلا حارس بخلافها في البرية .
    والثلج في الثلجة والجمدة في المجمدة والتين في المتين والحنطة في المطامير والفول المطمور في باطن الرض كل منها في الصحراء غير محرز إلا بحارس . وأبواب الدور والبيوت التي فيها والحوانيت بما عليها من مغاليق وحلق ومسامير محرزة بتركيبها ولو كانت مفتوحة . أو لم يكن في الدور والحوانيت أحد يحرسها ومثلها سقوف الدرا والرخاف والاصطبل - حرز لما به من الدواب الثمينة وغيرها إن كانت متصلة باور والمنازل اما إذا كانت موجودة في الصحراء بعيدا عن العمران فلا تكون حرزا إلا بوجود حارس قوي عليها يلاحظها
    سرقة ما يسرع إليه الفساد :
    الحنفية - قالوا : لا قطع فيما يتسارع إليه الفساد كاللبن واللحم والفواكه الرطبة لقوله عليه الصلاة و السلام : ( قطع فيما يتسارع في ثمر ولا كثر ) والكثر الجمار ( الكثر - الجمار - وهو شجر النخل وهو شيء أبيض يقطع من رؤوس النخل ويؤكل ) وقيل : الودي ( الودي - صغار النخل ) وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا قطع في الطعام ) والمراد به - والله أعلم - ما يتسارع إليه الفساد كالمهيأ للأكل منه مثل الخبز واللحم والتمر والفواكه الرطبة لأنه يقطع في سرقة الحنطة والسكر بالإجماع إذا لم يكن العام عام مجاعة وقحط اما إذا كان كذلك فلا قطع سواء كان مما يتسارع إليه الفساد أو لا . ووجهتهم الاحتياط في قطع عضو المسلم .
    والشافعية والمالكية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية - قالوا : يجب القطع فيما يسرع فساده إذا بلغ المسروق الحد الذي يقطع في مثله بالقيمة للأحتياط في إبراء الذمة من حقوق العباد ولأنه مال متقوم عند الجميع واحتجوا على مذهبهم بما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه سئل عن التمر المعلق فقال : ( من أصاب بقية من ذي حاجة غير متخذ خبنة ( الخبنة - ما تحمله في حضنك ) فلا شيء عليه ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد ان يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ) أخرجه أبو داود والنسائي . وفي رواية ان رجلا من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الحريسة التي تؤخذ من مراتعها فقال : ( فيها ثمنها مرتين وضرب ونكال ومال أخذ من اجرانه ففيه القطع ) رواه أحمد والنسائي وفي لفظ : ( ما ترى في التمر المعلق فقال : ليس في شيء من التمر المعلق قطع إلا ما آواه الجرين فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات ونكال رواه الحاكم بهذا المتن والجرين : هو الموضع الذي يلقى فيه الرطب ليجف وجمعه جرن يقتضي أنه يكون فيه الرطب في زمان وهو اول وضعه واليابس وهو الكائن في آخر حاله فيه وما روي ( ان سارقا سرق اتوجة في زمان عثمان بن عفان فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت بثلاث دراهم فقطع عثمان يده ) .
    والجواب : أنه معارض بإطلاق قوله صلى الله عليه و سلم : ( لا قطع في ثمر ولا كثر ) وقوله : ( لا قطع في الطعام ) وبما روي أن غلام سرق وديا من حائط فرفع إلى مراوان فأمر بقطعه . فقال رافع بن خديج : قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( قطع في ثمر ولا كثر ) وقد تلقت الأمة هذا الحديث بالقبول . فقد تعارضا في الرطب الموضوع في الجرين وفي مثله من الحدود يجب تقديم ما يمنع الحدود درأ للحد ولأن ما تقدم متروك الظاهر فإنه لا يضمن المسروق بمثلي قيمته وإن نقل عن الإمام أحمد فقلماء المة على خلافه لأنه لا يبلغ قوة ثبوت كتاب الله تعالى' وهو قوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } فلا يصح عنه عليه الصلاة و السلام ذلك . وقد روي عن عبد بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل ) ( والحريسة قيل : هي التي ترعى وعليها حرس وقيل هي السيارة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها )
    الحنفية - قالوا : لا قطع فيما يوجد تافها مباحا في دار الاسلام كالخشب والحشيش والقصي والسمك والطير والصيد لما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشيء التافه ) أي الحقير وما يوجد جنسه مباحا في الأصل بصورته غير مرغوب فيه حقير تقل الرغبات فيه والطباع لا تضن به إذا أحرز حتى إنه قلما يوجد اخذه على كره من المالك ولا ينسب إلى الخيانة على أن الضنه بها تعد من الخساسة وما هو كذلك لا يحتاج إلى شرع الزواجر فيه ولأن الحرز ناقص يهذه الأشياء فالطير من شأنه أن يطير وبذلك تقل الرغبات فيه وكذلك وجود الشركة العامة التي كانت في الصيد قبل الإحراز بقول صلى الله عليه و سلم : ( الصيد لمن أخذه ) وقوله صلوات الله وسلامه عليه : ( الناس شركاء في ثلاثة في الكلأ والماء والنار ) فهذه الشركة تورث شبهة بعد الإحراز فيمتنع القطع والحدود تدرأ بالشبهات ويدخل في السمك المالح والطري ويدخل في الطير جميع أنواعه والدجاج البط والحمام ولقوله صلى الله عليه و سلم : ( لا قطع في الطير ) .
    والشافعية والمالكية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية - قالوا : يجب القطع في كل شيء أحرز وبلغ النصاب إلا في الماء والتراب والطين والحصى والمعازف والنبيذ وما سوى هذه أموال متقومة محرزة فصارت كغيرها والإباحة الأصلية قد زالت وزال أثرها بالإحراز بعد التملك ولعموم الأدلة من الكتاب والسنة ولا أثر لكونها مباحة الأصل وكذلك التبن والحطب وغيرها من الأشياء التي يباح أصلها متى أحرزت
    سرقة التمر المعلق على الشجر
    الشافعية والحنفية - قالوا :
    لا قطع في أكل الفاكهة على الشجر والزرع الذي لم يحصد لعدم الإحراز ولا الجمار ولقوله صلى الله عليه و سلم : ( لا قطع في ثمر ولا كثر ) قال محمد : الثمر ما كان على رؤوس النخل والكثر : الجمار . وقال عليه الصلاة و السلام : ( إني لا أقطع في الطعام ) وذكره عبد الحق ولم يعد بغير الإرسال وهو ليس بعلة عندهم
    المالكية - قالوا : يجب القطع في الفاكهة المعلقة على الشجر إذا كان له حرز لما روي أن سيدنا عثمان بن عفان قطع من سرق ثمرة ( أترجة ) ووافقه الصحابة على ذلك ولآنه مال متقوم وكذلك الثمر الرطب إذا كان محرزا مراعان لحرمة المال
    الحنابلة - قالوا : يجب أن يقوم قيمته مرتين - والأئمة الثلاثة قالوا : يجب على السارق قيمة الثمار فقط .
    الشافعية - قالوا : لا يقطع في الثمر الرطب إذا كان غير محرز اما إذا كان الثمر في بيت أو في حرز فإنه يقطع فيه

    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #260
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,732

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 71 الى صــــــــ
    73

    الحلقة (260)





    سرقة الإشربة المحرمة
    اتفق الأئمة بأنه لا يجب القطع في سرقة الأشربة المسكرة مثل الخمر والأنبذة والخل وغيرها ولأن السارق يتأول في تناولها قصد الاراقة ولأن بعضها ليس بمال مقوم فتتحقق شبهة عدم المالية فلا يقطع ولا يقطع في سرقة مال غير محترم مثل الخنزير وجلد الميتة قبل دبغها وآلات الطرب ولو كانت لمشرك ولو بلغ ثمنها نصابا وبعد كسرها وكذلك لا يقطع فيها وأما بعد ذبحها فلا قطع لخروجها لله بالزبح ولو سرق قدر نصاب من لحمها أو جلدها الذي ملكه الفقير بصدقة أو هبة فإنه يقطع فيه
    الحنفية والشافعية والحنابلة - قالوا : من سرق الخمر أو الخنزير لا يغرم بقيمتها لنها ليست بمال وإن كانت ملكا لكافر أو مسلم لأن مسلم لأن العلماء اختلفوا في تقومه ولأن السارق يحمل حاله على أنه يتأول فيها الإراقة فتثبت شبهة الإباحة بإزالة المنكر ولأنه مما لا يتمول . المالكية - قالوا : إذا سرق الخمر أو الخنزير إن كان مالكها ذميا فإن السارق يغرم بدفع قيمتها إليه أو ورد عينها إن كانت قائمة لأنه مال متقوم عندهم وأما إن كانت لمسلم فلا .
    المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إن سرق آلات الطرب فلا قطع عليه ولا غرامة سواء كانت ملكا لمسلم أو غير مسلم لأنها غير متمولة ومنهي عن حيازتها واستعمالها .
    الحنفية - قالوا : إن آلات الطرب لا يضمن قيمتها إن كانت تستعمل للهو اما إذا كانت هذه الآلات والمعازف لا تستعمل في اللهو فإنه يضمن قيمتها لصاحبها لأنه يجوز استعمال أصله وقال بعضهم : إن كان مما يجوز اتخاذ اصله وبيعه فصنع منه ما لا يجوز استعماله كالطنبور والملاهي والعود والمزمار وماشبهه من آلات الطرب واللهو فينظر فيها فإن كان يبقى منها بعد فساد صورها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر يقطع السارق وكذلك الحكم في أواني الذهب والفضة التي لا يجوز استعمالها ويؤمر بكسرها فإنما يقوم ما فيها منذهب أو فضة دون صنعة وكذلك سرقة الصليب من ذهب أو فضة والزيت النجس إن كانت قيمته على نجاسته نصابا قطع فيه وإلا فلا وكذلك حكم سرقة النرد والشطرنج وآلات الميسر المحرمة
    سرقة المصاحف وكتب العلم والأدب :
    الحنفية - قالوا :
    إذا سرق المصحف لا يقطع فيه وإن كانت قيمته تبلغ نصابا وإن كان محلى بالذهب لأنه يتأول فيه القراءة ولأن الإحراز لأجل المتكتوب ولا مالية له وما وراءه تبع له كالجلد والورق والحلية . ولا عبرة للتبع - لأن الأصل أنه متى اجتمع ما يجب فيه القطه وما لا يجب لا يقطه لأنه اجتمع فيه دليلا القطع وعدمه فأورث شبهة وكذلك لا يقطع في سرقة كتب العلم والدين لنه يتأول قراءتها لن المقصود منها ما فيها من العلم وهو ليس بمال ولو سرق الجلد والورق قبل الكتابة قطع لأنه سلعة مقومة بمال . واما كتب الشعر والأدب ودفاتر الحساب فإن كان ما فيها من الجلد والكواغد تبلغ نصابا قبل الكتابة قطع وإلا فلا .
    الشافعية - قالوا : يقطع سارق المصحف وكتب العلم الشرعي وما يتعلق به لأنه مال متقوم حتى يجوز بيعه وتجارته وحيازته وكذلك كتب الأدب والشعر النافع فإن لم يكن نافعا مباحا قوم الورق والجلد فإن بلغا نصابا قطع وإلا فلا وبه قال أبو ثور وأبن القاسم وأبن المنذر لأنه مال له اعتبار . وقال أبو يوسف من الحنفية : إذا كان المصحف محلى بذهب وبلغت الحلية نصابا فإنه يقطع لآنها ليست من المصحف
    هل يقطع النباش : وقد اختلف الأئمة في قبر الميت أهو حرز للكفن ام لا ؟ .
    الحنفية - قالوا : إن القبر ليس بحرز لغير الكفن فلا يكون حرزا لكفن فلا يقطع النباش لأن السارق أخذ مالا من غير حرز معرضا للتلف لا مالك له لأن الميت لا يملك وهو قول أبن عباسن والثوري والأوزاعي ومكحول والزهري وذللك لأن القبر حفرة في الصحراء مأذون للعموم في المرور به ليلا ونهارا ولا غلق عليه ولا حارس متصد لحفظه فلم يبق إلا مجرد دعوى أنه حرز تسمية ادعائية بلا معنى وهو ممنوع ولزوم التضييع لو لم يكن حرزا ممنوع بل لو لم يكن مصروفا إلى حاجة الميت . والصرف إلى الحاجة ليس تضييعا فلذا لا يضمن ولو سلم فلا ينزل عن ان يكون في حرزيته شبهة وبه ينتفي القطع ويبقى ثبوت الشبهة في كونه مملوكا وفي ثبوت الخلل في المقصود منشرعية الحد فكل منهما يوجب الدرء أما الأول فلأن الكفن غير مملوك لأحد لاللميت ولذا يقطع بسرقة التركة المستغرقة لنها ملك للغريم حت كان له أن يأخذها بحقه فإن صح ما قلنا : من أه لا ملك فيه لحد لم يقطع وإلا فتحققت شبهة في مملوكيته بقولنا فلا يقطع به أيضا وأما الاستدلال بتسميته بيتا فابعد لأن إطلاقه إما مجازا فإن البيت ما يحوطه أربع حوائط توضع للبيت وليس للغبر كذلك على أن حقيقة البيت لا يستلزم الحرز فقد بصدق مع عدم الحرز أصلا كالمسجد .
    والشافعية المالكية والحنابلة والإمام أبو يوسف - قالوا : يجب القطع على الذي يسرق أكفان الموتى وهو مذهب عمر وأبن مسعود وعائشة رضي الله تعالى عنهم ومنالعلماء أبو ثور والحسن والشعبي وقتادة وحماد والنخعي . ثم قالوا : إن الكفن الذي يقطع به ماكان مشروعا فلا يقطع في الزائد على كفن السنة وكذا ما ترك معه من طيب أو مال أو ذهب وغيره لأنه تضييع وسفه فليس محرزا . واحتجوا على مذهبهم بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( من نبش قطعناه ) وهو حديث منكر وإنما أخرجه البيهقي
    وما روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم قوله : ( لا قطع على المختيفي ) قال : وهو النباش بلغة أهل المدينة أي بعرفهم . وأما الآثار فقال أبن المنذر : روي عن أبن الزبير أنه قطع نباشا وهو ضعيف . وما روي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه وجد قوما يختفون القبور باليمن على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب فيهم إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر أن اقطع ايديهم .
    وما روي عن الزهري أنه قال : أتي مروان بقوم يختفون - أي ينبشون القبور - فضربهم ونفاهم والصحابة متوافرون رضوان الله عليهم . وما روي عن الزهري أيضا قال : أخذ نباش في زمن معاوية وكان مروان على المدينة فسأل من بحضرته من الصحابة والفقهاء فأجمع رأيهم على أن يضرب ويطاف . وام من جهة المعنى فلأن الكفن مال متقوم محرز يحرز مثله فإن القبر حرز للميت وثيابه تبع له فيكون حرزا له أيضا فيقطع من يسرقه ولأنه لا يجوز ترك الميت عاريا فصارت هذه الحاجة قاضية بأن القبر حرز .
    وقد سمى النبي صلى الله عليه و سلم القبر بيتا في حديث أبي ذر حيث قال له النبي صلى الله عليه و سلم : ( كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون الموت فيه بالوصيف - يعني القبر - قلت : الله ورسوله أعلم أو ما خار الله لي ورسوله قال صلى الله عليه و سلم : عليك بالصبر ) . وقد بوب أبو داود عليه قال : باب قطع النباش قال أبن المنذر : واستدل به أبو داود لأنه سمى القبر بيتا والبيت حرز والسارق من الحرز يقطع بلا خلاف ولأنه حرز مثله لأن حرز كل شيء ما يليق به فحرز الدواب بالإصطبل وحرز الدرة بالحق والصندوق والخزينة والشاة بالحظيرة فلا يقطع فكان أخذا الكفن من القبر عين السرقة ولأن الله تعالى جعل الأرض للإنسان ليسكن فيها حيا ويدفن فيها ميتا وهذا إذا كان القبر في صحراء أما إذا كان القبر داخل بيت عليه باب مفاق كما هو الحال في أموات القاهرة وأن كل أسرة تختص بمكان متسع مبني يقال له : ( حوش ) وبداخله قبور الموتى ويغلق عليهم فقال بعض العلماء : يقطع السارق لأكفان الموتى من دار هذا المبنى لوجود الحرز وهو الباب والغلق .
    الحنفية - قالوا : لا يقطع ايضا في هذه الحال وإن كان الحرز موجودا للموانع الأخرى من نقصان المالية وعدم الملوكية ولأن المال ما يجري فيه الرغبة والضنة به والكفن ينغر عنه كل من علم أنه كفن به ميت إلا نادرا من الناس ولن شرع الحد للأنزجار والحاجة إليه لما يكثر وجوده فأما ما يندر فلا يشرع فيه وكذلك الخلاف إذا سرق من تابوت في القافلة وفيه الميت
    الحنفية - قالوا : لو اعتاد لص سرقة أكفان الموتى فللإمام أن يقطعه سياسة لا حدا وهو محمول على ما رووه من الأحاديث والآثار إن صحت . اتفق الأئمة على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع من المال . فإذا جمع الثايب في البيت ثم ضبط قبل أن يحملها فلا قطع عليه وكذلك إذا شعر به أهل الدار فترك المتاع بعد حزمه وهرب ثم ضبط خارح الدار ولم يكن معه مسروقان فلا قطع عليه لأن الدار كلها حرز واحد ولكن للحاكم أن يعزره في هذه الحال بما يراه من السجن والغرامة والضرب وغير ذلك
    إذا سرق مسلم من مستأمن
    الحنفية - قالوا : لو سرق مسلم نصابا من مال مستأمن فلا يجب على السارق القطع لأن هذا المال في الأصل ملك للحربي ومال الحربي غنيمة لا يقطع بسرقته . الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إذا سرق مسلم مقدار نصاب من مال ملك لرجل مستأمن يجب القطع على السارق لأنه مال محرز مملكوك للمستأمن فتجري عليه أحكام أهل الذمة وأهل الإسلام ما دام في بلادنا
    إذا سرق مستأمن أو معاهد

    المالكية والحنابلة - قالوا : إذا سرق مستأمن أو معاهد من مال مسلم أو ذمي وجب عليهما القطع . الحنفية - قالوا : أنه لا يجب القطع عليهما فإنه ربما يكون لنا أسرى في بلاد الحرب عند الأعداء فينتقمون منهم بسبب قطعنا للمعاهد والمستأمن فيترك القطع مراعاة للمصلحة العامة ولن شريعة الإسلام لا تطبق عليهم . الشافعية - قالوا : إذا سرق معاهد أو مستأمن مال مسلم أو ذمي أو معاهد فأرجح الأقوال : ان شرط عليه في عهده قطعه بالسرقة يجب القطع لا لتزامه وإلا فلا يقطع لعدم التزامه . وقالوا : إن الأظهر عند الجمهور أنه لا يجب القطع عليهما بالسرقة
    إذا سرق مسلم مال ذمي
    الأئمة رحمهم الله قالوا : يقطع المسلم إذا سرق من مال ذمي على المشهور لأنه معصوم بذمته وقيل : لا يقطع كما أنه لا يقتله . وأما الذمي فأنه يقطع إذا سرق نصابا من مال مسلم أو مال ذمي مثله لا لتزامه الأحكام الإسلامية سواء أرضي بحكمنا أم لا لن الدين أمرنا بذلك . واتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أنه - لا يجب القطع على الفقير الذي سرق طعاما من مسلم أو ذمي وذلك في زمن القحط والبؤس وانتشار الغلاء لأنه عذر يمنع القطع ولا يقطع صبي ولا مجنونن ولا مكره - إذا سرق واحد منهم مقدار نصاب من حرز لرفع القلم عنهم ولا على حربي لعدم التزامه بأحكامنا ولا على أعجمي جهل التحريم
    سرقة آلات اللهو
    الحنفية والمالكية قالوا :
    لا يجب القطع على من سرق صليبا من الذهب والفضة ولا على من سرق تمثالا من الذهب أو الفضة أيضا ولا على من سرق الشطرنج ولو كانت قطعة من الذهب ولا على من سرق النرد ولا الطاولة ولو بلغ ثمنها نصابا ولا على من سق آلات الطرب واللهو إذا كانت تستعمل للهو والرقص والمنكر ولا على من سرق آلات القمار ولعب الميسر لأن الشرع قد أباح للمسلم أخذها للكسر لأنه مطالب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فصارت شبهة تمنع إقامة الحد عليه والكن يجب عليه ضمان مافيه من المالية وكذلك الحكم في أواني الذهب والفضة الي لا يجوز استعمالها ويؤمر كسرها .
    وقال أبو يوسف : إن كان الصليب في معابد النصارى لا يجب عليع القطع بسرقته لعدم الحرز لأنه بيت مأذون في دخوله وإن كان في يد رجل في حرز لا شبهة فيه يقطع لأنه قد سرق مالا ملكا للغير محرزا على الكمال من غير وجود شبهة تدرأ الحد .
    المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا : لا قطع على من سرق آلات الطرب مثل الطنبور والمزمار والعود والكما وغيرها ولا عقطع على من سرق الصليب والصنم ولو كانا من ذهب أو فضة وكذلك سرقة الشطرنج وآلات لعب القمار والميسر لأن الشرع الحكيم حث الناس على كسرها وإتلافها محاربة للمنكر ووسائله .
    ولأن التوصل إلى إزالة المعصية مندوب إليه فصار شبهة في درء الحد كإراقة الخمر .
    الشافعية في الرأي الثاني قالوا : إن بلغ ما كسره نصابا قطع لأنه سرق نصابا من حرزه وكذلك إذا سرق ما لا يحل الانتفاع به من الكتب فإنه يقطه إذا كان الجلد والقرطاس يبلغ ثمنه نصابا وكذلك الزيت النجس إن كانت قيمته على نجاسته نصابا قطع فيه وذكروا أن محل الخلاف إذا لم يعصد المسلم التغيير أما إذا كان يقصد بعمله وإخراجه التغيير ومحاربة المنكرات فلا قطع عليه قطعا لأن الشرع أباح له ذلك . ولا قطع إذا كانت هذه الأشياء ملكا لمسلم لأنه منهي بالشرع عن إحرازها فإن كانت ملكا لذمي يجب القطع قطعا إذا بلغ ثمنه نصابا
    ولو كسر إناء الخمر أو الطنبور ونحوه في الحرز ثم أخرجه منه مكسرا وجب القطع إن بلغ نصابا لأنه قصد السرقة من غير شبهة في ذلك وهو مال مقوم محرز )


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •