تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 12 من 15 الأولىالأولى ... 23456789101112131415 الأخيرةالأخيرة
النتائج 221 إلى 240 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #221
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث الإيلاء]
    صـــــ 413 الى صــــــــ
    430

    الحلقة (221)

    المالكية - قالوا: إذا حلف أن لا يقرب زوجته، على التفصيل المتقدم، ثم وطئها قبل مضي أربعة أشهر انحل الإيلاء ولزمه اليمين، فإن كان يميناً بالله لزمته الكفارة، وإن كان طلاقاً وقع الطلاق، وإن كان عتقاً لزمه الخ، فإن لم يطأها تنتظر له أربعة أشهر ويوماً لأن مدة الإيلاء لا بد أن تزيد على أربعة أشهر، ثم يكون لها الحق في أن ترفع أمرها إلى الحاكم ولو كانت صغيرة، بشرط أن تكون صالحة للوطء، فإن كانت مريضة أو بها علة تمنع الوطء من العلل المتقدمة في عيوب النساء، فإنه لا يكون لها الحق في الشكوى للحاكم، وإن كانت أمة يكون لها الحق في الشكوى لسيدها وعلى الحاكم أن يأمره بالفيئة، وهي تغييب الحشفة كلها في القبل، وإن كانت بكراً فلا فيء، إلا بإزالة البكارة، فمتى فعل ذلك معها انحل الإيلاء وحنث، فإن أمره الحاكم بالرجوع وامتنع أمره بأن يطلقها، فإن امتنع طلق عليه الحاكم طلقة واحدة رجعية، وقيل: لا يطلق الحاكم، بل يأمر الحاكم الزوجة أن تطلق نفسها ثم يحكم به، بمعنى أنه يسجله، كما تقدم في مسألة العنين، وقد تقدم توضيح ذلك في صحيفة 166، فارجع إليه، فإن لم يوجد حاكم فإنه تطلق عليه جماعة المسلمين ومتى صرح بالامتناع فإنه لا ينتظر مدة أخرى، أما إذا لم يمتنع، بأن وعد بالوطء فإن وفى بالوعد فذاك وإلا فيؤمر به مرة أخرى، فإن امتنع طلق عليه وإن وعد ترك ليفي بوعده وهكذا إلى ثلاث مرات، بشرط أن تكون الثلاث مرات في يوم واحد، ثم يؤمر بالطلاق، وإلا طلق القاضي عليه، أمرها بأن تطلق نفسها على القولين المذكورين، فإن ادعى الوطء وأنكرت كان القول له بيمينه، فإن حلف بقيت زوجة. وإن نكل حلفت هي، فإن حلفت بقي لها حقها المذكور، وإن نكلت بقيت زوجة وانحل الإيلاء ولا فرق في ذلك بين أن تكون بكراً، أو ثيباً.
    وإذا آلى منها وهو مريض ثم مضت مدة الإيلاء، وهو عاجز عن وطئها، أو آلى منها ثم مضت مدة الإيلاء وهو محبوس لا يستطيع تخليص نفسه فإن لذلك حالتين:
    الحالة الأولى: أن تكون يمينه قابلة للانحلال قبل الحنث، وهي اليمين بالله والنذر المبهم الذي مخرجه كفارة اليمين فيصح فيهما التكفير قبل الحنث، فإذا قال: والله لا أطؤك ومضت أربعة شهور ويوم فإن لها الحق في مطالبته بأن يكفر عن يمينه، فإن أبى كان لها الحق في الطلاق، على الوجه المتقدم وكذا إذا قال: علي نذر إن وطئتك، فإن هذا نذر مبهم مخرجه كفارة اليمين، فإذا انقضت مدة الإيلاء وهو مريض، فلها الحق في مطالبته بإخراج كفارة يمين وينحل الإيلاء بإخراج الكفارة في الحالتين. ومثل المريض العاجز عن الوطء المحبوس الذي لا يستطيع الخلاص، أما المريض القادر على الوطء، والمحبوس القادر على الخلاص فإن فيئتهما بإيلاج الحشفة في قبل المرأة ويلحق بذلك ما إذا انحلت اليمين وهو عاجز عن الوطء، وتنحل اليمين بأمور:
    منها ما إذا علق وطؤها على عتق عبده ثم زال ملكه منه، فإذا قال لها: إن وطئتك فعبدي هذا حر، فإنه يكون مولياً من وقت حلفه، فإذا وطئها عتق عليه العبد وإن امتنع عنها، ثم زال ملكه عن العبد بأن باعه أو مات العبد أو وهبه لغيره أو تصدق به فإن الإيلاء ينحل، وله وطء زوجته بدون أن يكون ليه شيء فإذا امتنع عن وطئها وهو قادر كان ذلك إضراراً بها، فإذا لم ترض به كان لها الحق في المطالبة بالطلاق على الوجه السابق، للاضرار بها، أما إذا كان مريضاً أو محبوساً فإن اليمين تنحل بمجرد أن يزول ملكه عن العبد المعلق عليه وليس لها الحق في مطالبته بالوطء إلا عند القدرة، لأن امتناعه في هذه الحالة يكون لعذر فلا مضاررة به فإذا عاد العبد إلى ملكه بغير إرث، كأن اشتراه ثانياً: أو وهبه له من اشتراه منه، فإن الإيلاء يعود إذا كان غير مقيد بوقت. وكان مقيداً بوقت بقي منه أكثر من أربعة أشهر مثلاً إذا قال لها إن وطئتك فعبدي حر، ثم باع العبد انحلت اليمين، وله وطؤها، فإذا اشترى العبد ثانياً كان مولياً بحيث لو وطئها عتق العبد عليه، وإن امتنع فعلى معه ما تقدم، وإذا قال لها إن وطئتك في مدة سنة فعبدي حر، ثم باع العبد انحلت اليمين، فإذا اشتراه ثانياً أو وهب له، فإن كان ذلك بعد مضي سبعة أشهر من تاريخ اليمين عاد الإيلاء ثانياً، لأنه قد بقي من السنة أشهر، وهي أكثر من مدة الإيلاء، وإن كان بعد مضي ثمانية أشهر فإن الإيلاء لا يعود، لأن المدة الباقية أقل من مدة الإيلاء، وهي أربعة أشهر ويوم، فإذا عاد إليه العبد بإرث فإن الإيلاء لا يعود على أي حال، لأنه دخل في ملكه بطريق جبري لا اختيار له فيه.
    ومنها ما إذا علق طلاق زوجته فاطمة على وطء ضرتها، كما إذا قال: إن وطئتك فضرتك هند طالق، ثم امتنع عن وطئها مخافة أن تطلق ضرتها، ففي هذه الحالة يكون مولياً من زوجته فاطمة فإذا طلق هنداً الضرة طلاقاً بائناً بغير الثلاث انحل الإيلاء. وله وطء زوجته فاطمة كما يشاء، فإذا رجعت إليه هند ثانياً بعقد جديد عاد الإيلاء من فاطمة ثانياً، إلا إذا كان الإيلاء مؤقتاً بوقت وانقضت قبل عودتها، أما إذا طلق هنداً طلاقاً ثم تزوجت بغيره، وطلقت ورجعت إليه ثانياً فإن الإيلاء لا يعود.
    هذا إذا طلق هنداً المحلوف بطلاقها، أما إذا طلق فاطمة المحلوف على وطئها ففي حكمها خلاف، فبعضهم يقول: إن حكمها كحكم هند، وإذا طلقها ثلاثاً وتزوجت بغيره وعادت إليه انحل الإيلاء وله وطؤها كما يشاء، وبعضهم يقول: إذا عادت لزوجها الأول بعد تطليقها ثلاثاً يعود الإيلاء كما كان ما لم تطلق هنداً.
    والحاصل أنه إن علق طلاق إحدى الضرتين على وطء الأخرى، كما إذا قال: إن وطئت فاطمة، فهند طالق، فإن تحتها صورتين:
    الصورة الأولى: أن يطلق هنداً بما دون الثلاث، وفي هذه الحالة ينحل الإيلاء وله وطء فاطمة. بشرط أن يتزوج بهند ثانياً، فإن تزوج بها عاد الإيلاء من فاطمة ثانياً، أما إن طلق هنداً ثلاثاً وتزوجت غيره وطلقها الزوج الثاني ورجعت للأول، فإن الإيلاء لا يعود.
    الصورة الثانية: أن يطلق فاطمة المحلوف على وطئها. ثم يتزوجها ثانياً، وفي هذه الحالة إما إن يكون قد طلقها ثلاثاً وتزوجها بعد أن تزوجت رجلاً آخر وطلقها أو لا، فإن كان الأول فإن الإيلاء ينحل وله وطؤها بدون أن تطلق ضرتها على المعتمد، وقيل: لا ينحل وإن كان الثاني فإن إيلاءها لا ينحل باتفاق، فإذا كان المولي مريضاً وانقضت مدة الإيلاء وهو عاجز عن الوطء، ولكنه طلق هنداً ضرتها كان ذلك فيئة منه، وانحل الإيلاء، وليس لها أن تطالبه بعد ذلك بالوطء أو الطلاق.
    الحالة الثانية: لإيلاء المريض العاجز عن الوطء والمحبوس أن يحلف على ترك وطئها يميناً غير قابل للانحلال قبل الحنث، كما إذا قال لها: إن وطئتك فأنت طالق واحدة أو ثنتين، وقد جاء لأجل وهو مريض، فإنه في هذه الحالة لا يمكنه حل الإيلاء بطلاقها طلقة واحدة. لأنه إن طلقها يقصد حل الإيلاء ثم وطئها، وقع عليه طلقتان: الطلاق الذي حلفه على أن لا يطأها والطلاق الثاني، لأن المطلقة رجعياً زوجة فطلاقها واحدة رجعية لم يخرجها عن الزوجيه، فلو طلقها من غير وطء حسب عليه طلاق، وإذا راجعها ووطئها وقع عليه الطلاق الأول، فلا فائدة حينئذ من حل الإيلاء، بل فيه ضرر، وهو نقصان عدد الطلقات، فإذا طلقها طلاقاً بائناً انحل اليمين، ولكن لا فائدة فيه، فتركها بدون وطء يترتب عليه تطليقها رجعياً، وهذا بائن، فالأولى عدمه، وحينئذ تكون فيئة المريض العاجز عن الوطء والمحبوس في هذه الحالة هي الوعد بالوطء بعد برئه، أو بعد خلاصه من السجن، ومتى وعد بذلك ارتفع حقها في الطلب بقدر، ومثل ذلك ما إذا علق على وطئها نذراً معيناً، كما قال لها: إن وطئتك، فعلي صوم شهر شعبان، وانقضت مدة الإيلاء، وهو مريض ولم يأت شعبان، فإن النذر في هذه الحالة لا يمكن أداؤه، فلا ينحل الإيلاء، فتكون فيئة بالوعد، وبذلك يتضح أن فيئة العاجز عن الوطء لمرض مؤقت أو سجن تكون بانحلال اليمين إذا كان يمكن إخراج الكفارة عنه قبل الحنث، ويكون بالوعد إذا لم يكن.
    هذا ولا تحصل الفيئة بالوطء في الدبر ولا بين الفخذين، ولكنه إن فعل يحنث وتلزمه الكفارة إلا أن ينوي الوطء في الفرج فإنه لا يحنث بالوطء بين الفخذين، ولا تلزمه الكفارة ولكن لا تسقط مطالبتها بالوطء أو الطلاق بذلك على كل حال، وكذا لا تحصل الفيئة بالوطء المحرم، كما إذا وطئها وهي حائض أو نفساء ولكن يحنث به أيضاً، ولا تسقط مطالبتها إلا إذا أخرج الكفارة.
    وإذا كان بها مانع من الوطء كصغر، ورتق، أو مرض لا يمكن معه وطؤها، فإن لها أن تطالب بالفيئة بمعنى الوعد بحيث يعدها بأن يطأها بعد زوال المانع منها.
    هذا، ولا تحصل الفيئة في البكر إلا بإزالة بكارتها، وإذا آلى منها عاقل ثم جن ووطئها سقط حقها، وبقيت الكفارة، فلا يلزم به إلا بعد شفائه.
    الشافعية - قالوا: قد ذكرنا في التعريف أن الإيلاء لا يتحقق إلا بأحد أمور ثلاثة: الأول: الحلف بالله أو صفه من صفاته. الثاني: تعليق الطلاق أو العتق ونحوه على الوطء، الثالث: التزام ما يصح التزامه من نذر، فأما الأول فحكمه أنه إذا حلف بالله أو صفه من صفاته ووطئها لزمته كفارة اليمين وسقط الإيلاء وأما الثاني فإنه إذا علق الطلاق أو العتق على الوطء، بأن قال: إن وطئتك فأنت طالق. أو إن وطئتك فعبدي فلان حر، ثم وطها وقع الطلاق وعتق العبد، وذلك لأنه قد علق الطلاق أو العتق على وطئها، فالوطء معلق عليه والطلاق أو العتق معلق، ومتى وقع المعلق عليه وقع المعلق، فإذا قال: إن وطئتك فعبدي فلان حر، ثم مات أو باعه أو وهبه لغيره، ووطئها فلا شيء عليه لانحلال الإيلاء بزوال ملك العبد. فإن عاد إلى ملكه ثانياً لم يعد الإيلاء، وأما الثالث فإنه يكون مخيراً بين أن يفعل ما التزمه وبين كفارة اليمين. فإن قال لها: إن وطئتك فلله علي حج، أو صدقة، أو صلاة، أو صوم، أو عتق، ثم وطئها كان بالخيار بين أن يفعل ما التزمه وبين كفارة اليمين.
    ومما ينبغي التنبه له أن هناك فرقاً بين التعليق الصرف وبين التزام النذر، فلأول ما تقدم في قوله: إن وطئتك فعبدي حر، أو فأنت طالق، أما هنا فقد علق النذر، وإذا كان بالرجل أو بالمرأة مرض، وقال لها: إن وطئتك فلله علي صلاة أو صيام يريد بذلك إن شفاني الله وقدرت على وطئتك صليت له أو صمت له لم يكن ذلك إيلاءً، بل كان نذراً يلزمه أداؤه بوطئها، وإذا قال لها: إن وطئتك فعلي صوم شهر شعبان مثلاً، ومضى شهر شعبان قبل حلول مدة الإيلاء، وهي أربعة أشهر، سقط الإيلاء ولا يلزمه شيء بوطئها.
    فهذا هو حكم الإيلاء في حال ما إذا وطئ زوجته، أما إذا أصر على حلفه ولم يطأها، فإنها يجب عليها أن تصبر له مدة أربعة أشهر ولحظة، ولو كانت هذه اللحظة يسيرة لا تسع رفع الأمر للقاضي، سواء كان الزوج حراً أو عبداً، فإذا انقضت هذه المدة وأصر على عدم الوطء كان لها الحق في رفع الأمر إلى القاضي مطالبة له بالرجوع إلى الوطء، والقاضي يأمره بالرجوع بدون مهلة إلا إذا طلب مهلة يتمكن فيها من الوطء، كما إذا كان لا يقدر على الوطء لجوع أو شبع وطلب مهلة يأكل فيها أو يهضم فإنه يجاب إلى ذلك. وكذا إذا كان صائماً رمضان وطلب مهلة حتى يفرغ النهار فإنه يجاب إلى ذلك فإن رجع ووفى بوطئها سقط الإيلاء ولزمه ما تقدم من كفارة ونحوها: وإن لم يوف وأصر على عدم وطئها طلق عليه القاضي وصورة طلاق القاضي أن يقول: أوقعت على فلانة طلقة عن فلان. أو طلقت فلانة عن فلان. أو يقول لها: أنت طالق عن فلان فإذا قال: أوقعت طلاق فلانة، أو طلقت فلانة، أو أنت طالق. ولم يقل: عن فلان فإن طلاقه لا يقع، لأن القاضي إنما يطلق عن الزوج، فإذا لم يذكر كلمة - عن - فلا يصح بل لا بد أن يقول: طلقت عن فلان، أو أوقعت عن فلان، أو حكمت بطلاقها عن فلان.
    ومتى أمكن حضور الزوج أمام القاضي كان حضوره لازماً، فإذا شهد عدلان في غيبته بأنه آلى وأنه ممتنع بعد مضي المدة وطلق عنه القاضي فإن طلاقه لا يصح، نعم إذا تعذر حضوره، فإن طلاق القاضي يصح في غيبته، ثم إن طلاق القاضي يكون رجعياً بحيث لو زاد على واحدة رجعية لم تقع، فإذا كانت مدخولاً بها، أو لم تكن طلقت من قبل ثنتين، فلا يلزمه إلا واحدة رجعية، وإلا بأن كانت غير مدخول بها كانت الطلقة بائنة، كما لو طلقها زوجها، لأن غير المدخول بها لا عدة لها، فطلاقها الرجعي بائن، وكذا إذا كانت مدخولاً بها ولكن لم يبق لها سوى طلقة، فإنها تبين بها وهذا هو ظاهر.
    وإذا طلق القاضي في غيبته ولم يعلم بالطلاق، وطلقها هو، وقع طلاقه وطلاق القاضي، وكذا لو طلقها معاً في آن واحد، أما إذا طلق الزوج أولاً، ثم طلق القاضي بعده فإن طلاق القاضي لا يقع وكذا إذا ثبت أنه وطئها قبل أن يطلق عليه القاضي، فإن طلاق القاضي لا يقع.
    والوطء الذي تحصل به الفيئة بالنسبة إلى الثيب إيلاج الحشفة، أو قدرها من مقطوعها في فرج الزوجة، وبالنسبة إلى البكر إزالة بكارتها، ويشترط له ثلاثة شروط:
    الشرط الأول: أن يكون في القبل لا في الدبر، فإذا أولج في دبر الزوجة فإن الفيئة الشرعية لا تحصل، نعم تنحل اليمين ويلزمه الكفارة ونحوها بهذا الفعل، وتسقط مطالبة المرأة بالوطء متى مكنته من ذلك، ولكن لا يرتفع عنه إثم الإيلاء إلا بالوطء في القبل. فها هنا ثلاثة أمور: الأول: الفيئة الشرعية، أي الرجوع إلى وطء زوجته وطئاً يرفع عنها الضرر ويرفع عنه الإثم وهذا لا يتحقق إلا بالوطء في القبل، أي إيلاج الحشفة، أو افتضاض البكر. الثاني: انحلال اليمين ولزوم الكفارة، وهذا يحصل بالوطء في الدبر ما لم يكن مقيداً بالوطء في القبل، بأن قال: والله لا أطؤك في قبلك، فإنه في هذه الحالة إذا وطئها في الدبر لا يحنث ولا تلزمه الكفارة. الثالث: مطالبة الزوجة بالوطء أو الطلاق وهذا يسقط بالإيلاج في الدبر، فقولهم: إن الفيئة لا تحصل بالوطء في الدبر لا يلزم منه عدم الحنث وسقوط حق المرأة في المطالبة، فإنك قد عرفت أن الفيئة الشرعية لا تتحقق، ومع ذلك يحنث في يمينه وتسقط مطالبتها، فلا منافاة على التحقيق وبعضهم يقول: إن اليمين لا تنحل بالوطء في الدبر، فلو قال: والله لا أطؤك ثم وطئها في الدبر لا يلزمه الكفارة، وهذا غير ظاهر، لأن الإتيان في الدبر وطء كما لا يخفى.
    الشرط الثاني: أن يكون مختاراً فلا تحصل الفيئة بالإكراه، فإذا أكره على وطء زوجته بالضرب ونحوه فإن الفيئة الشرعية لا تحصل بذلك الوطء ولا يقع عنه الإثم به، ولكن يسقط حقها في المطالبة بلا كلام، ولا ينحل اليمين على التحقيق فلا تلزمه الكفارة بهذا الفعل، لأنه يعتبر كالعدم، فالوطء بالإكراه لا يترتب عليه إلا سقوط حقه في المطالبة فقط.
    الشرط الثالث: أن لا يكون ناسياً فإذا وطئها ناسياً سقط حقها ولا تلزمه كفارة، ولا يرتفع عنه الاثم كما في المكره.
    فتحصل أن الفيئة الشرعية التي يرتفع بها الإثم والضرر، وتوجب الكفارة ونحوها من طلاق وعتق ونذر، وتسقط بها مطالبة المرأة باتفاق، هي التي تكون في القبل حال الاختيار والعمد، أما الوطء في الدبر فتسقط به المطالبة ويوجب الكفارة ونحوها، ولا يرتفع به الاثم والوطء حال الإكراه والنسيان فلا يرتفع به الإثم ولا يوجب الكفارة، ولكن تسقط به مطالبة المرأة.
    هذا، ويسقط حقها في المطالبة أيضاً إذا كان بها مانع يمنع من الوطء حتى يزول ذلك المانع، كما إذا كانت حائضاً أو نفساء، أو كانت مريضة أو صغيرة لا تطيق الوطء، وإن كان المانع قائماً بالزوج، فلا يخلو إما أن يكون طبيعياً، كالمرض الذي يرجى برؤه، وإما أن يكون شرعياً فإن كان طبيعياً، كما إذا كان مريضاً لا يستطيع الوطء، فإن فيئته تكون بالوعد، كأن يقول لها إذا قدرت وطئتك، وإن كان شرعياً، كما إذا كان محرماً للنسك، فإن كان قد قرب من التحلل بحيث لم يبق عليه سوى ثلاثة أيام فأقل، فإنه يمهل حتى يتحلل، وإن كان أكثر فإنه لا يمهل، ولها المطالبة بالطلاق، كذا إذا كان المانع صيام فرض، فإن لها أن تطالب بالطلاق ولا يمنعه صيامه من المطالبة، لما عرفت من أنه إذا طلب مهلة للفيء بإزالة الجوع والشبع وفراغ الصوم ونحو ذلك فإنه يجاب إلى طلبه، فإذا وعد بالرجوع بعد فراغ الصوم فإنه يصح، وتحسب المدة من تاريخ الإيلاء بشروط ثلاثة:
    الأول: أن يرتد أحدهما، فإن آلى من زوجته ثم ارتد هو أو هي، فلا يخلو إما أن تكون الزوجة مدخولاً بها - والمراد بالدخول الوطء ولو في الدبر - أو تكون غير مدخول بها، فإن كانت غير مدخول بها انقطع النكاح بينهما بمجرد الردة، فلا إيلاء بينهما، وإن كانت مدخولاً بها فإن النكاح بينهما لم ينقطع. بل يوقف حتى إذا أسلم المرتد منهما قبل انقضاء العدة عاد النكاح فيعتبر الإيلاء منها في هذه الحالة، فإذا فرض وكان الزوج المولي هو المرتد ثم أسلم قبل انقضاء عدة زوجته عاد النكاح بينهما لأن لا تبين منه إلا إذا انقضت عدتها فلا ينقطع النكاح بينهما وفي هذه الحالة لا يحسب شيء في زمن الردة من مدة الإيلاء، قليلاً كان، أو كثيراً، حتى ولو مضت كلها، فإذا كانت زوجته حاملاً وآلى منها ثم ارتد ومكث أربعة أشهر ولحظة، وهو مرتد، ثم تاب قبل أن تضع الحمل عاد النكاح بينهما، وبقي الإيلاء، ولكن تلغى المدة التي كان فيها مرتداً، وهي الأربعة أشهر ولحظة كلها، وتستأنف مدة جديدة من وقت توبته، لأن الردة أحدثت خللاً في النكاح.
    الثاني: أن لا يقوم بالزوجة مانع من الوطء، سواء كان حسياً، كمرض وصغر وجنون. أو كان شرعياً، كنشوز وصيام فرض وإحرام، وليس من المانع الشرعي الحيض، لأن المدة لا تخلو عنه، ويلحق به النفاس أيضاً فلا يعتبر مانعاً، فإذا قام بالزوجة مانع حسي أو شرعي غير الحيض والنفاس، فإنه يقطع المدة الماضية وتحسب المدة من وقت زواله، فإذا آلى منها ومضى شهر مثلاً، ثم مرضت مرضاً لا تستطيع معه الوطء ألغي ذلك الشهر مع مدة مرضها، وتحسب المدة من ابتداء شفائها، أما إذا آلى منها وانقضت مدة الإيلاء كلها ثم مرضت عقبها مباشرة بدون أن ترفع أمرها للقاضي، فإن المرض لا يلغي المدة كلها، بخلاف الردة، فإنها تلغي المدة كلها.
    هذا ولا يعتبر المانع الشرعي إذا كان من قبل الزوج، كما تقدم، وكذلك المانع الطبيعي، إلا أن فيئته تكون بالوعد، وإذا كانت الزوجة صائمة صيام نفل أو محرمة إحرام عمرة، فإنه لا يكون مانعاً لأن للزوج إبطال نفلها بالوطء.
    الثالث: أن يكون مولياً من مطلقة طلاقاً رجعياً، فإذا آلى من مطلقته طلاقاً رجعياً، فإن مدة الإيلاء تحسب من وقت رجعتها لا من وقت حلف اليمين، وذلك لأنه قبل رجعتها لا يحل له وطؤها فلا يعتبر مولياً منها إلا من حين رجعتها التي تجيز له وطؤها.
    الحنابلة - قالوا: حكم الإيلاء هو أنه حلف بالله أو بصفة من صفاته على أن لا يطأها ثم وطئها، فإنه يحنث في يمينه ولزمته الكفارة، وإلا انتظرت أربعة أشهر، فإن لم يطأها بعد مضي الأربعة أشهر كان لها الحق في رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بالفيئة - بكسر الفاء - وهي الجماع، وسمي الجماع فيئة، لأنه رجوع إلى فعل تركه بالحلف، مأخوذ من الفيء وهو الظل بعد الزوال، وسمي الظل فيئاً، لأنه رجع من المغرب إلى المشرق، فإن أبى أن يجامعها أمره الحاكم بالطلاق، فإن لم يطلق طلق الحاكم عليه واحدة أو اثنين أو ثلاثاً، لأن الحاكم قائم مقام الزوج في هذه الحالة، فهو يملك الطلقات الثلاث، إلا أن إيقاع الثلاث بكلمات واحدة حرام، فلا يحل للحاكم أن يفعله، كما لا يحل للرجل، وإذا قال الحاكم: فسخت نكاحها فإنه يصح، ويكون ذلك فسخاً لا طلاقاً، ومثل ذلك ما إذا قال: فرقت بينكما، وليس للحاكم أن يأمره بالطلاق إلا إذا طلبت المرأة منه ذلك، فإذا قالت له: مره بطلاقي أمره، ثم إن أمره ولم يطلق فليس للحاكم أن يطلق إلا إذا قالت له الزوجة: طلقني وإذا طلق الزوج أو الحاكم المدخول بها طلقة واحدة رجعية كان للزوج الحق في رجعتها ما دامت في العدة.
    وأقل الوطء الذي تتحقق به الفيئة، هو أن يولج حشفة ذكره كلها أو قدرها إذا لم تكن له حشفة في قبل المرأة لا في دبرها، ولا يشترط أن يكون عاقلاً عامداً مختاراً، فلو أكره على ذلك أو كان ناسياً، أو نائماً وأدخلت ذكره، أو كان مجنوناً وأولج فيها فإن حقها في المطالبة يسقط بحيث لو لم يطأها بعد ذلك ومضت مدة الإيلاء لم يكن لها الحق في المطالبة بالطلاق، ولكن لا تحنث بهذا فلا كفارة عليه، لأن فعل المكروه والناسي، والمجنون، كالعدم بالنسبة للحنث، وإذا أولج في دبرها فإن مطالبتها لا تسقط به ولا تجب به الكفارة، لأن حد الإيلاء هو الحلف على ترك الوطء في القبل خاصة، والرجوع عن ذلك لا يتحقق إلا بالوطء فيه. فإذا وطئها في القبل، وكانت حائضاً أو نفساء أو كانت صائمة صيام الفرض، فقد انحلت يمينه وسقط حقها في المطالبة. وإن كان آثماً، فإذا جامعها كرهاً جماعاً محرماً لم يسقط حقها، وإذا مضت المدة وأعفته من الشكاية للحاكم سقط حقها، لأنها تملكه، وقد أعفته عنه، فإن كان المولي معذوراً بعد مضي المدة، بأن كان مريضاً، أو مسجوناً، فإن فيئته تكون بالوعد، كأن يقول: إني أطؤها متى قدرت، وإذا ادعت انقضاء المدة وادعى عدم انقضائها، سمع قوله بيمينه، فإذا نكل عن اليمين فلا يقضي عليه، وإن ادعى أنه أصابها وأنكرت، فإن كانت ثيباً فالقول قوله بيمينه، وإن كانت بكراً فإن شهدت امرأة خبيرة بإزالة بكارتها فالقول قول الزوج بيمينه لأن البينة عضدته، وإلا فالقول قولها بيمينها، إذ لو وطئها لزالت بكارتها، وإذا لم تشهد بينة بإزالة البكارة وعدمها، فالقول قوله بيمينه.
    هذا إذا حلف بالله أو بصفة من صفاته، أما إذا علق الطلاق أو العتق على وطئها، أو التزم بنذر فإنه لا يكون مولياً كما عرفت، ولكنه إن وطئها بأن أولج الحشفة في داخل القبل وقع عليه الطلاق ولزمه العتق والنذر، كالحلف بذلك على ترك الأكل والشرب، وإن لم يطأها وأصر على تنفيذ يمينه كان لها الحق في رفع أمره إلى الحاكم ليطلب منه تطليقها أو يطلقها هو عليه، ولكن لا يكون طلاقها من أجل الإيلاء بل لرفع الضرر عن الزوجة كما تقدم. وتحسب المدة وقت الإيلاء بشرطين:
    الشرط الأول: أن لا يوجد مانع من قبل الزوجة، سواء كان المانع طبيعياً، كما إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء، أو كانت مريضة أو مجنونة لا تخضع لزوجها، أو كانت مغمى عليها، أو كان المانع شرعياً، كما إذا كانت صائمة صيام الفرض أو معتكفة أعتكاف الفرض، أو متلبسة بالإحرام للنسك، أو كانت ناشة، أو كانت نفساء، ويلحق بذلك ما إذا كانت محبوسة فإن وجد مانع من هذه الموانع حال الحلف بترك وطئها فإن مدة الإيلاء تبتدئ من حين زواله، وإن طرأ المانع بعد الحلف، فإن في ذلك تفصيلاً، وهو أنه إن كان قد حلف أن لا يطأها مدة ستة أشهر مثلاً، ثم مضى منها شهر ونصف شهر ووضعت حملها فصارت نفساء، فإن النفاس يقطع المدة التي تقدمت، وهي الشهر ونصف وتبتدئ مدة جديدة تحسب من تاريخ زوال نفاسها وذلك لأن المدة الباقية أربعة أشهر ونصف وهي أكثر من المدة المضروبة للمولي، فالإيلاء في هذه الحالة لا يبطل، أما إذا صارت نفساء بعد مضي ثلاثة أشهر، فإن الإيلاء يبطل، لأن الباقي من المدة التي حلف عليها ثلاثة أشهر، وهي أقل من مدة الإيلاء، إذا لو فرض وحلف من زوال النفاس على أن لا يقربها في هذه المدة وهي ثلاثة أشهر لم يكن مولياً.
    هذا، ولا يحسب الحيض مانعاً يسقط المدة، سواء كان في أول مدة الإيلاء أو في أثنائها، أما إذا كان المانع من جهة الزوج، سواء كان طبيعياً أو شرعياً، كمرضه، وحبسه، وإحرامه وصيامه رمضان فإنه يحسب عليه، ولا يطرح من مدة الإيلاء، سواء كان موجوداً حال الحلف أو طرأ عليه.
    الشرط الثاني: أن لا يرتد الزوجان أو أحدهما، فإذا آلى منها قبل الدخول بها، ثم ارتد أو ارتدت انقطع النكاح بينهما وبطل الإيلاء، وإذا آلى منها بعد الدخول، فإن مدة الردة كلها لا تحسب من الإيلاء، مثلاً إذا آلى منها، ثم ارتد ثم أسلم وهي في العدة قبل أن تبين منه فإن المدة التي كان فيها مرتداً لا تحسب من الإيلاء بل تحسب المدة من تاريخ إسلامه. ومثل ذلك ما إذا كانت المرتدة المرأة.
    هذا، وينقطع الإيلاء بأمور: أحدهما أن يطلقها في نظير عوض أثناء مدة الإيلاء فإذا حلف أن لا يقربها خمسة أشهر ثم طلقها في نظير عوض مالي أو طلقها طلاقاً ثلاثاً، فإن الإيلاء يسقط فإن تزوجها ثانياً فإن الإيلاء لا يعود إلا إذا كان الباقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر. أما إذا بقي منها أربعة أشهر فأقل فإن الإيلاء لا يعود. وعلى هذا إذا حلف لا يطأ امرأته المدخول بها ستة أشهر أبانها بالخلع بعد مضي شهرين. ثم مكثت بعد إبانتها شهراً وعادت له فإن الإيلاء لا يعود. ثانياً أن يولي منها ثم يزيد بعد شهر، وتظل مرتدة حتى تنقضي عدتها فتبين منه بذلك، فإن الإيلاء يسقط بالإبانة، فإذا بانت وتزوجها ثانياً، فإن الإيلاء لا يعود إلا إذا كان باقياً على المدة أكثر من أربعة أشهر، كما ذكرنا، ومثل ذلك ما إذا بانت بفسخ النكاح أو أسلم أحد الزوجين الكافرين، فإذا آلى اليهودي مثلاً من زوجته، فإن إيلاءه يصح، فإذا أسلم في أثناء مدة الإيلاء بانت منه زوجته وانقطع الإيلاء فإذا أسلمت قبل انقضاء عدتها عادت له، ثم إن كان الباقي من زمن الإيلاء أكثر من أربعة أشهر رجع الإيلاء وإلا سقط. ثالثها: أن يحلف أن لا يطأ زوجته مدة خمسة أشهر مثلاً، ثم يطلقها بعد مضي شهر طلقة رجعية ثم تنقضي عدتها بعد شهر ونصف مثلاً فتبين منه بانقضاء العدة وتنقطع مدة الإيلاء.
    فإن تزوجها بعد ذلك فإن الإيلاء لا يعود لأنه لم يبقى سوى شهرين ونصف، والإيفاء لا يعود إلا إذا كان الباقي أكثر من أربعة أشهر، وعلى هذا القياس فإذا حلف أن لا يطأها بعد مضي ثلاثة أشهر من الخمسة، ثم طلقها طلاقاً رجعياً، ولم تنقض عدتها في نهاية الشهر الرابع التي تنقضي به مدة الإيلاء، فإن لها الحق في المطالبة بالوطء أو بتطليقها على الوجه السابق، كما لو كانت زوجة بلا فرق، لأن المطلقة رجعياً زوجة) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #222
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث الظهار]
    صـــــ 431 الى صــــــــ
    443

    الحلقة (222)



    (1) (الحنفية - قالوا: للظهار ركن واحد، وهو صيغة، كما تقدم غير مرة، أما الشروط المتعلقة بالزوج. فهي أن يكون مسلماً، فلا يصح ظهار الذمي، وقد تقدم تعليله في التعريف. وأن يكون عاقلاً، فلا يصح من المجنون والمعتوه، والمغمى عليه، والنائم أما السكران فيصح ظهاره إن كان متعدياً، كما تقدم في الطلاق، وأن يكون بالغاً، فلا يصح ظهار الصبي ولو مميزاً، أما الزوجة فلا يشترط فيها شيء من ذلك. فيصح الظهار من المجنونة، والعاقلة، والصغيرة، والكبيرة، إنما الشرط أن تكون زوجة، ولو أمة، أما إذا كانت مملوكة، فلا ظهار منها، ويصح ظهار المكره، والناسي والخاطئ، والهازل، ويصح من الأخرس بكتابته إن كان يعرف الكتابة وإلا فبإشارته المعهودة، كما تقدم في الطلاق فهذه شروط المظاهر، والمظاهر منها.
    وأما المشبه بها فيشترط أن تكون امرأة محرمة على التأبيد، فلو شبهها برجل فإنه لا يكون مظاهراً، سواء كان الرجل قريباً، أو أجنبياً، فلو شبهها بامرأة غير محرمة عليه أو محرمة عليه تحريماً مؤقتاً كأختها، وعمتها، ومطلقته ثلاثاً، أو شبهها بامرأة مجوسية، فإنها وإن كانت محرمة عليه تحريماً ولكن التحريم ليس مؤبداً لجواز أن تسلم فتحل له، ومن المحرمات مؤبداً زوجة الابن، والأب، فإذا شبهها بواحدة منهما كان مظاهراً خلافاً للشافعية، وكذا إذا شبهها بأم امرأة زنى بها، أو ببنتها فإنه يكون ظهاراً وكذا إذا شبهها بامرأة زنى بها أبوه أو ابنه على الصحيح، وإذا شبهها بعين محرمة غير امرأة، كما إذا قال لها: أنت علي كالخمر، والخنزير، والنميمة، والرشوة ونحو ذلك، فإنه لا يكون ظهاراً، ولو نوى به الظهار، أما إذا نوى به الطلاق فإنه يكون طلاقاً وكذا إذا نوى به الإيلاء.
    وأما الصيغة فإنها قسمان: صريحة، وكناية، فأما الصريحة فيشترط فيها أن تشتمل على تشبيه زوجته أو تشبيه جزء يعبر به عنها عرفاً كالرأس، والرقبة، ونحو ذلك مما تقدم بيانه في مبحث - إذا أضاف الطلاق إلى جزء المرأة - أو تشبيه جزء شائع في بدنها، كنصفها وثلثها، وربعها بعضو يحرم النظر إليه من أعضاء محرمة عليه نسباً، أو رضاعاً، أو صهرية كأن يقول أنت علي كظهر أمي، أو أمك، أو رأسك كظهر أمي، أو بطنها، أو فرجها، أو أمك، أما إذا قال: كرأس أمك لا يصح لأنه يشترط في العضو المشبه به أن يكون من الأعضاء التي لا يحل النظر إليها أو يقول: بضعك كظهر أمي، أو كظهر أختي، أو عمتي، أو كفرج أمي أو أختي، أو كبطنها، أو نحو ذلك، فإنه في كل ذلك يكون مظاهراً، ولو لم ينو به الظهار لأنه صريح، فإن نوى به غير الظهار فإنه لا يصدق قضاء ويصدق ديانة.
    ومن هذا تعلم أنه يشترط في الصريح أن يذكر العضو الذي لا يحل النظر في المشبه به، وأما الكناية فإنه لا يشترط فيها ذلك وذلك كأن يقول: أنت علي مثل أمي، أو كأمي، أو مثل أختي أو نحو ذلك فإن قال ذلك فإنه لا يكون ظهاراً إلا إذا نوى الظهار، أما إذا نوى تشبيهها بأمه، أو بأخته في كرامتها عليه فإنه لا يقع به شيء، وكذا إذا لم ينو شيئاً أو حذف أداة التشبيه إذا قال لها: أنت أمي فإنه لا يلغو ولا يقع شيء، كما تقدم التعريف.
    المالكية - قالوا: يشترط في المظاهر أن يكون مسلماً فلا يصح من ذمي، فلو أسلم بعد ظهاره لم يعامل به، وكذا إذا تحاكما إلينا فإننا لا نقضي بينهما فيه، ومثل الظهار غيره من التصرفات المتقدم ذكرها في التعريف وأن يكون مكلفاً فلا يصح ظهار الصبي، والمجنون والمغمى عليه والنائم، والسكران بشيء حلال أما السكران بمحرم فإن ظهاره يقع كطلاقه، وأن يكون مختاراً فلا يصح ظهار المكره، ويصح الظهار من المجبوب، ومقطوع بعض الذكر أو العنين على المعتمد. لأنه يمكنه الاستمتاع بغير الجماع أما المظاهر منها فإن الشرط فيها أن تكون ممن يحل له وطؤها، سواء كانت زوجة، أو أمة، وسواء كانت صغيرة عاقلة أو مجنونة ولو كانت رتقاء أو قرناء أو غير ذلك من العيوب.
    أما المشبه به فهو على ثلاثة أنواع: الأول: أن تكون محرماً من محارمه بحيث لا يحل له نكاحها بنسب أو رضاع أو مصاهرة وهذه يكون التشبيه بها ظهاراً على كل حال سواء كان بها جميعها أو بظهرها أو بجزء منها ولو كان جزءاً غير ثابت كالشعر والظفر والريق إلا أنه إن كان بظهرها كان صريحاً وإلا كان كناية فلا يلزم إلا بالنية كما ستعرفه.
    النوع الثاني: أن تكون أنثى أجنبية، وهذه يشترط في صحة ظهارها أن يكون التشبيه بظاهرها بخصوصه، وأن ينوي به الظهار وإلا فلا ظهار، كما يأتي قريباً، ومثل الأجنبية في ذلك من تأبد عليه تحريمها بلعان، أو طلاق ثلاث، فإن التشبيه بظهور يكون كناية لا صريحاً.
    النوع الثالث: التشبيه بظهر رجل، وفيه خلاف، والمشهور أنه ظهار، إنما لا بد فيه من التشبيه بالظهر وأن ينوي به الظهار، وأما صيغة الظهار، فإنها تنقسم إلى أربعة أقسام:
    الأول: صريح الظهار، ويشترط لتحققه أن يكون المشبه به محرماً من المحارم، وأن يكون التشبيه بالظهار خاصة، كأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، أو كظهر أختي. أو كظهر عمتي أو خالتي، أو كظهر أمك، أو أختك، أو نحو ذلك من المحرمات عليه بنسب أو رضاع، أو مصاهرة، وهل التشبيه بظهر المحرمة عليه بلعان أو بطلاق ثلاث كالتشبيه بالمحرمة عليه بنسب ونحوه أو لا؟ خلاف، والتحقيق أن التشبيه في مثل هذا كالتشبيه بظهر الأجنبية، مثلاً إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر فلانة التي طلقتها ثلاثاً، أو التي بانت مني باللعان، فإن ذلك لا يكون صريحاً بل كناية، فإذا نوى بالظهار الصريح الطلاق، فهل يصح أو لا؟ خلاف، فبعضهم يقول إنه لا يصح بل تلغى نية الطلاق، ويعامل بالظهار فقط، قضاء وإفتاء، وهذا هو الراجح وبعضهم يقول: بل يعامل بالظهار في الإفتاء فقط، وأما في القضاء فإنه يعامل بهما معاً، بحيث ينظر إلى العظة فيحكم عليه بالظهار، وينظر إلى نيته فيحكم عليه بالطلاق الثلاث، بحيث لو تزوجت غيره ورجعت إليه فلا يحل له أن يطأها، حتى يخرج كفارة الظهار، وهذا مرجوح، لأن معنى كونه صريحاً أن له حكماً خاصاً به، فلا يصح أن ينوي به غيره.
    الثاني: كناية الظهار الخفية، وهي كل كلام نحو اذهبي، وقومي، وكلي واشربي ونحو ذلك ويشترط في صحة الظهار بمثل هذا أمران: أحدهما: أن ينوي الظهار، فإذا لم ينو الظهار كان كلاماً له معناه من أكل وشرب ونوم، ونحو ذلك. ثانيهما: أن لا يكون صريح طلاق أو يمين بالله، فإذا قال لها: أنت طالق ونوى الظهار فإنه لا يصح ويلزم بالطلاق، وكذا إذا قال والله لا آكل مثلاً، ونوى به الظهار فإنه لا يصح.
    الثالث: كناية الظهار الظاهرة، وتحته قسمان أحدهما: أن يكون التشبيه بغير الظهر، وأن تكون المشبه بها محرماً من المحارم كأن يقول لامرأته: أنت علي كأمي، أو أنت أمي.
    ثانيهما: وهو القسم الرابع أن يكون التشبيه بالظهر وأن تكون المشبه بها أجنبية، كأن يقول لامرأته: أنت علي كظهر فلانة الأجنبية، ويشترط في صحة الظهار بالأمرين أن ينوي الظهار، فإذا نوى تشبيهها بأمه في الشفقة والمودة، أو في الكرامة وعلو المنزلة، أو تشبيهها بظهر الأجنبية في الاستواء والاعتدال، أو نحوه فإنه لا يكون ظهاراً، وإن نوى به الظهار كان ظهاراً، وإن نوى الطلاق، فإن كانت مدخولاً بها لزمه الثلاث، ولو لو ينو العدد أو نوى أقل، وإن كانت غير مدخول بها فإنه يلزمه الثلاث ما لم ينو أقل، فإنه يلزم ما نواه، فإذا لم يذكر لفظ الظهر، أو لفظ الأم، أو نحوها من المحارم، بل قال: أنت كفلانة الأجنبية ونوى به الطلاق، فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها، ولكن إن نوى أقل من الثلاث في غير المدخول بها فإنه يصدق، فإن قال، إنه نوى بقوله: أنت كفلانة الأجنبية الظهار صدق ديانة ويلزمه الظهار فقط في الفتوى، أما في القضاء فإنه يلزمه الظهار والطلاق الثلاث في المدخول بها، وفي غيرها إلا أنه يعامل بنيته في غير المدخول بها إن ادعى أنه نوى أقل من الثلاث، فإذا قضي بطلاقها ثلاثاً ثم تزوجت غيره وعادت له فإنه لا يحل له وطؤها حتى يخرج كفارة الظهار، وإذا قال لها أنت علي كابني، أو كغلامي ناوياً به الظهار فإنه يلزمه به الثلاث، ولا يكون ظهاراً على المعتمد، أما إذا قال: أنت علي كظهر ابني ناوياً به الظهار فإنه يكون ظهاراً ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت علي ككل شيء حرمه الكتاب فإن الكتاب قد حرم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وهذه يلزم بها الثلاث في المدخول بها لغيرها،
    إلا أن ينوي أقل من الثلاث في غير المدخول بها.
    واعلم أن صيغة الظهار كما تكون منجزة تكون معلقة، فإذا علق ظهارها على مشيئتها أو مشيئة شخص غيرها، كأن قال لها: أنت علي كظهر أمي إن شئت أو إن رضيت، فإن يصح، ولا يقع الظهار إلا إذا شاءت الظهار ورضيت به، ولا يسقط حقها في ذلك أما إذا وقفت ولم تقض برد أو إمضاء فإن للحاكم أن يبطل خيارها في هذه الحالة، وإن علقه بشيء محقق كأنت علي كظهر أمي بعد سنة، أو إن جاء رمضان، فإنه يلزمه حالاً، وإن قال، أنت علي كظهر أمي في هذا الشهر تأبد الظهار ولا ينحل إلا بالكفارة، وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك فلانة، فإنه يكون مظاهراً عند اليأس من الزواج، إما بموت فلانة التي عينها أو بعجزه عن الوطء، أو عند عزمه على عدم الزواج،وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن دخلت دار أبيك وأرادت أن تدخل فإنه لا يصح له إخراج الكفارة قبل دخولها.
    الشافعية - قالوا: يشترط في المظاهر كونه زوجاً، ولو مجبوباً، أو عنيناً، أو خصياً، أو نحو ذلك، فلا يصح الظهار من الأمة المملوكة ولا من امرأة أجنبية لم يتزوجها وإن تزوجها لم يقع الظهار، وكونه عاقلاً، فلا يصح من المجنون ونحوه، وكونه مختاراً، فلا يصح من مكره وبالجملة فكل من يصح طلاقه يصح ظهاره، وقد تقدم ذلك في مباحث الطلاق مفصلاً.
    ويشترط في المظاهر منها أن تكون زوجة، ولو أمة، أو صغيرة، أو مجنونة أو مريضة، أو رتقاء، أو قرناء، أو كافرة، أو مطلقة طلاقاً رجعياً، وخرج بذلك الأجنبية ولو كانت مطلقة طلاقاً بائناً، فلو قال لأجنبية: إذا تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، ثم تزوجها فإنه لا يصح ظهاره وكذا إذا قال لأمته: أنت علي كظهر أمي فإنه لا يصح إلا إذا عقد عليها ويشترط في المشبه به ثلاثة شروط:
    الأول: أن تكون أنثى فإذا شبه بظهر ذكر قريب أو بعيد فإنه يكون لغواً، لأنه ليس محلاً للاستمتاع، ومثله الخنثى.
    الثاني: أن تكون من محارمه التي لا يحل له نكاحها بنسب، كأمه وأخته، وبنته، أو برضاع كمرضعته، أو مرضعة أبيه، أو مصاهرة، كأم زوجته، أو بنتها.
    الثالث: أن لا تكون له حلالاً من قبل، كامرأة أبيه التي تزوجها قبل ولادته. أو مع ولادته، أما التي تزوجها بعد ولادته فإنها كانت حلالاً له قبل أن يتزوجها أبوه ومثله زوجة ابنه فإنها كانت حلالاً له قبل أن يتزوجها ابنه، ومطلقته ثلاثاً، ومن حرمت عليه مؤبداً بسبب اللعان، فإن التشبيه بهن لا يكون ظهاراً، لأنهن كن حلالاً له من قبل. والتحريم عرض بعد ذلك ويلحق بذلك التشبيه بإحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي عائشة أو حفصة زوج الرسول فإنه لا يكون ظهاراً، لأن حرمة زوجات الرسول عارضة لا أصلية.
    وخرجت الأجنبية، فإنه إذا شبهها بها، أو بظهرها فلا يكون ظهاراً، ويشترط في الصيغة كونها لفظاً يشعر بالظهارة، وتنقسم إلى قسمين: صريحة، وهي ما اشتهر استعمالها في معنى الظهار كقوله أنت علي كظهر أمي، أو رأسك علي كظهر أمي، أو يدها، أو رأسها، وكناية، وهي ليست كذلك، كقوله: أنت كأمي، أو كعينها، أو نحو ذلك مما يستعمل في الظهار وفي الإعزاز والكرامة، وهي لا يقع بها الظهار إلا بالنية، فإذا قال لها: أنت علي حرام كما حرمت أمي فإنه يصح أن يكون كناية ظهار إذا نواه، ويصح أن يكون كناية طلاق إذا نوى الطلاق، ثم إن التشبيه تارة يكون بجميع المرأة، أو بجزئها، ولكن يشترط في الجزء أن يكون من الأجزاء الظاهرة، كاليد والرأس والعين. أما التشبيه بجزء من الأجزاء الباطنة التي لا يمكن الاستمتاع بها، سواء من المشبه، أو المشبه به، كالقلب، والكبد، ونحوهما، فإنه لا يكون ظهاراً. فإذا قال لامرأته: كبدك كظهر أمي، أو رأسك كقلب أمي فإنه لا يكون ظهاراً وكذا يشترط أن لا يكون الجزء فضلة، كاللبن والريق، والمني، ونحو ذلك، فلو شبه ريقها بظهر أمه فإنه لا يصح أما الأجزاء الزائدة فإنه يصح الظهار بتشبيهها أو التشبيه بها كالظفر، والشعر والسن.
    فالحاصل أن كل ظاهر يصح التشبيه به، وكل جزء باطن لا يمكن الاستمتاع به لا يكون التشبيه به ظهاراً.
    هذا ويصح توقيت الظهار بوقت معين قليلاً كان أو كثيراً، فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي يوماً، أو شهراً فإنها تحرم عليه في الوقت الذي عينه بحيث لو وطئها في المدة بإيلاج حشفته وجبت عليه الكفارة، وسيأتي أن العود في الظهار المؤقت إنما يكون بإيلاج الحشفة، أو قدرها لمن ليست له حشفة، فإذا فعل ذلك وجب عليه أن ينزع ولا يستمر في الوطء حتى يخرج الكفارة، فإيلاج الحشفة لازم لوجوب الكفارة، أما الاستمرار في الوطء قبل الكفارة فهو حرام، وإذا قال: أنت كظهر أمي خمسة أشهر كان ظهاراً وإيلاء فإذا وطئها في المدة لزمته كفارة الظهار، وإذا استمر حتى اقضت مدة الإيلاء ولم يطأها كان لها الحق في طلب الطلاق، على الوجه السابق، وإذا قال: والله أنت علي كظهر أمي ثم وطئها في المدة لزمه كفارتان: كفارة للظهار وكفارة لليمين.
    وكذلك يصح تعليق الظهار، فإذا قال: إن ظاهرت من ضرتك فأنت علي كظهر أمي، ثم ظاهر من ضرتها كان مظاهراً منهما معاً، وإذا علق ظهار زوجته على امرأة فإن ذلك يحتمل حالتين:
    الأولى: أن يقول: إن ظاهرت من فلانة فأنت علي كظهر أمي ولم ينطق بلفظ الأجنبية، وهذه تحتها صورتان:
    الصورة الأولى: أن يقصد لفظ الظهار لا معناه الشرعي، ثم يقول لها قبل أن يتزوجها: أنت علي كظهر أمي، وفي هذه الحالة يلزمه ظهار زوجته لأن المعلق عليه - وهو لفظ الظهار - قد تحقق.
    الصورة الثانية: أن يقصد معنى الظهار الشرعي، وفي هذه الحالة إذا قال لها قبل أن يتزوجها: أنت علي كظهر أمي لا يلزمه الظهار من امرأته، لأنك قد عرفت أن الأجنبية محلاً للظهار الشرعي أما إذا قال لها ذلك بعد تزوجه بها فإنه يلزمه الظهار من زوجته الأولى، وذلك لأنه قال: إن ظاهرت من فلانة ولم يقل: الأجنبية. فالمعلق عليه، وهو الظهار الشرعي، قد تحقق من فلانة.
    الثانية: أن يقول: إن ظاهرت من فلانة وهي أجنبية، بحيث يصرح بلفظ أجنبية، وهذه تحتها صورتان أيضاً إحداهما: أن يريد النطق بلفظ الظهار، وفي هذه الحالة يلزمه الظهار متى نطق به، سواء كان ذلك قبل أن يتزوج بها أو بعد.
    ثانيتهما: أن يريد الظهار الشرعي، وفي هذه الحالة لا يلزمه الظهار الأول، سواء ظاهر منها قبل الزواج بها أو بعده، وذلك لأن تصريحه بالأجنبية جعل تحقق الظهار الشرعي مستحيلاً.
    الحنابلة - قالوا: يشترط في المظاهر أن يكون رجلاً، فلا يصح ظهار المرأة، وقد تقدم في التعريف أنها إذا فعلت لزمها كفارة ظهار متى مكنته من نفسها طائعة، وهو واجب عليها، بحيث لا يحل
    لها أن تمتنع عنه، وأن يكون بالغاً، فلا يصح ظهار الصبي، سواء كان مميزاً أو لا، وبعضهم يقول: يل يصح ظهار المميز الذي يعقل معنى الظهار، كما يصح طلاقه، وأن يكون عاقلاً فلا يصح ممن زال عقله بجنون أو إغماء أو نوم، أو شرب دواء مسكر، أما إذا شرب حراماً فإنه يقع، كما تقدم، وأن يكون مختاراً، فلا يصح ظهار المكره، ولا يشترط الإسلام، فيصح ظهار الكافر، لأنه تجب عليه الكفارة، ويصح من العبد، ومن المريض، ويشترط في المظاهر منها أو المشبه بها أن تكون زوجة، فلا يصح الظهار من الأجنبية، إلا إذا علقه على زواجها، كأن قال: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، فإنه إذا تزوجها لزمه الظهار، ولا يصح له أن يطأها قبل الكفارة، وهذا بخلاف الطلاق، فإنه لا يصح طلاق الأجنبية مطلقاً، ولو علقه على زواجها كما تقدم، والفرق بينهما أن الطلاق حل لقيد النكاح فلا معنى لحله، فيلغى، أما الظهار فهو يمين له كفارة، فينعقد متى تحقق شرطه، كاليمين بالله تعالى، فإذا قال: والله العظيم إن تزوجت فلانة لا أطؤها انعقدت اليمين، بحيث لو وطئها لزمته الكفارة.
    وكذا لا يصح الظهار من الأمة الموطوءة بملك اليمين، إلا إذا عقد عليها، فإنها تصير زوجة، فإذا ظاهر من أمته المملوكة لزمته كفارة يمين لا كفارة ظهار، كما تقدم في التعريف، ومتى كانت زوجته فإنه يصح الظهار منها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، حرة أو أمة، مسلمة أو ذمية وطؤها ممكن أو غير ممكن، الخ ما تقدم.
    ويشترط في المشبه به أن يكون التشبيه به نفسه أو بعضو من أعضائه الأصلية، أما الأعضاء الزائدة، كالشعر، والسن، والريق، والمني، والظفر، والدم والعرق والدمع والروح، فإن التشبيه بها لا يكون ظهاراً، فلو قال: شعرك علي كظهر أمي لا يصح الظهار. وهكذا، ولا يشترط أن يكون المشبه امرأة، بل يصح أن يكون رجلاً، لأن الغرض هو تشبيهها بمن لا يحل وطؤه سواء كان رجلاً أو امرأة، وإذا شبه بأنثى فلا يلزم أن تكون من محارمه على التأبيد، فيصح أن يشبه بأمه وأخته، كما يصح أن يشبه بأخت امرأته، وعمتها وخالتها. وكذا يصح أن يشبه بظهر الأجنبية.
    ويشترط في صيغة الظهار أن تؤدي معنى الظهار وتستعمل فيه، فلو قال أنا مظاهر فإنه يكون لغواً. لأن هذه ليست صيغة ظهار. وكذا إذا قال: وجهي من وجهك حرام. فإنه ليس بظهار.
    وتنقسم صيغة الظهار إلى قسمين. صريح وكناية. فالصريح ما كان ظاهراً في معنى الظهار نحو: أنت علي كظهر أمي، أو أنت مني مثل أمي، أو أنت علي كأمي، لأن التشبيه بأمه كالتشبيه بعضو منها، بل هو زائد. فإن ادعى أنه أراد التشبيه بها في الكرامة فإنه يسمع منه قضاء لأن اللفظ وإن كان ظاهراً في معنى الظهار، ولكنه يحتمل هذا المعنى الذي ادعاه.
    وأما الكناية، فهي أن يكون اللفظ غير ظاهر الاستعمال في الظهار، كأن يقول لامرأته: أنت أمي، ولم يقل: علي مثل أمي، أو يقول لها: أنت كأمي، ولم يقل: علي أو مني، أو يقول: أنت مثل أمي، ولم يقل: علي أو يقول امرأتي فإن كل هذا لا يقع به الظهار إلا إذا نواه أو تقوم قرينة على إرادة الظهار،وإذا قال أمي امرأتي، أو أمي مثل امرأتي فإنه لم يكن مظاهراً لأن اللفظ لا يصلح للظهار على أي حال.
    وإذا قال علي الظهار، أو علي الحرام أو الحرام لازم لي. أو أنا عليك حرام، أو أنا عليك كظهر رجل، فإن كل هذا يصح أن يكون كناية في الظهار، فلا يلزم إلا بالنية.
    ويصح الظهار منجزاً ومعلقاً، كقوله: إن دخلت دار أبيك فأنت علي كظهر أمي، فمتى دخلت الدار صار مظاهراً، وكذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن شئت، أو شاء زيد فمتى شاء زيد صار مظاهراً، وكذا يصح مطلقاً وموقتاً، كأن يقول: أنت علي كظهر أمي شهراً، أو شهر رمضان، فإذا انقضى الوقت المحدد حلت له بدون كفارة. فإن وطئها في المدة لزمته الكفارة. وإذا قال إن شاء الله انحل الظهار لأنها يمين، كما تقدم في مباحث الأيمان، في الجزء الثاني) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #223
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث الظهار]
    صـــــ 444 الى صــــــــ
    450

    الحلقة (223)

    مبحث متى تجب كفارة الظهار

    -وقد عرفت أن للظهار حكمين: أخروي، وهو الاثم المستوجب لعقوبة الله، فتجب منه التوبة والعزم على عدم العود والله يقبل التائب ويغفر له ذنبه، ودنيوي، وهي الكفارة.
    وفي وقت وجوب الكفارة على المظاهر تفصيل المذاهب (1) .
    كيفية كفارة الظهار
    -كفارة الظهار ثلاثة أنواع مرتبة: أحدها عتق رقبة مؤمنة (2) ولا بد منها للقادر عليها. فمن لم يجد فكفارته صيام شهرين متتابعين بحيث يصوم ستين يوماً، أو يصوم شهرين بالهلال بدون أن يفطر يوماً واحداً، فمن عجز عن صيام شهرين متتابعين، فكفارته إطعام ستين مسكيناً، ويتحقق العجز عن الصيام بأمور مفصلة في المذاهب (3) .
    ولكل نوع من هذه الأنواع شروط مفصلة في المذاهب (4) .
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: تجب عليه كفارة الظهار عند عزمه على استباحة وطئها عزماً مستمراً لا رجوع فيه، وذلك لأنه حرم وطأها عليه بالظهار منها، ولا تجب عليه الكفارة إلا بالعود إلى استباحة الوطء، كما قال تعالى: {ثم يعودون لما قالوا} ، أي يعودون لتحليل ما قالوا أي ما حرموه بقولهم أو يعودون لنقض ما قالوا، ومعنى يعودون على هذا يصيرون، لأن العود معناه الصيرورة ومنه قوله تعالى: {حتى عاد كالعرجون القديم} أي صار، ويصح أن يكون المراد يرجعون عما قالوا فتكون اللام بمعنى عن، والمعنى ثم يرجعون عن قولهم الأول، وعلى كل حال فرجوعهم عن قولهم أو عودتهم لتحليل ما ترتب عليه من تحريم زوجاتهم، أو عودتهم إلى نقضه فإنما يكون بالعزم على استباحة الوطء عزماً مستمراً، بحيث لو عزم ثم بدا له أن لا يطأ، لا تجب عليه الكفارة.
    فإن قلت: إذا ظاهر منها ثم تركها ولم يعزم على استباحة وطئها ولم يكفر حتى مضت مدة أربعة شهور فهل تبين منه بذلك كما لو آلى أن لا يقربها أربعة شهور. أو لا؟
    والجواب: تبين، لأن الإيلاء لا يتحقق إلا باليمين، أو بالتعليق على أمر شاق على النفس، والظهار ليس بيمين، لأنه منكر من القول وزور. ولا تعليق فيه وقد يقال: إن الزوج قد يظاهر من امرأة لكراهته إياها، ثم يتركها كالمعلقة فلا يطؤها ولا يكفر فيكون ضرر الظهار أشد من ضرر عدم الوطء، والجواب: أن الحنفية لهم رأيان في مثل هذه الحالة، فمنهم من يقول: إن قواعد المذاهب وإن كانت تقضي بعدم إجباره على الوطء إلا في العمر مرة واحدة فلا يمكن إجبار المظاهر على التكفير ليرفع الضرر على امرأته بالوطء ولكن من حيث أن الظهار معصية حرمها الله تعالى وجعل لرفع هذه المعصية حداً في الدنيا فإنه يجب على القاضي إلزامه بالتكفير بالحبس أولاً فإن لم يفعل يضربه إلى أن يكفر أو يطلق ومنهم من يقول: إن الرجل مكلف بإعفاف المرأة ودرء الفساد عنها فإذا هجرها حتى طالبته بالوطء كان معنى ذلك توقانها، فليس من الدين أن يقال لها: متى جاءك مرة فقد سقط حقك، لأن في هذا تعريضاً لها للفساد، بل الواجب في هذه الحالة إرغامه على إتيانها أو تطليقها وهذا الرأي هو المعقول المناسب وربما يكون القول مبنياً على ما إذا لم يتعمد قصد الضرر والإيذاء، بأن عرض عليه مرض يمنعه من الوطء، أو كان الوطء يضر صحته فإنه في هذه الحالة لا يرغم على شيء، ويقال لها: متى أتاك مرة واحدة فقد سقط حقك، إذ لا يليق في هذه الحالة أن تخرج المرأة على زوجها وتطالبه وهو عاجز، فإذا استمر عجزه ورآها تواقة للرجال حرم عليه إمساكها، كما بيناه في مبحث الطلاق السني والبدعي.
    وإذا كان الظهار مؤقتاً بوقت فإنه يسقط بمضي الوقت، وإذا علق الظهار بمشيئة الله بطل أما إذا علقه بمشيئتها أو مشيئة زيد، فإنها إذا شاءته أو شاء فلان في مجلس كان ظهاراً، وإلا فلا يحرم عليه أن يطأها أو يستمتع بها بقبلة أو مباشرة قبل إخراج الكفارة، وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يخرج الكفارة، فإن وطئ قبل إخراج الكفارة فقد أثم، ولا تلزمه أخرى بالوطء وعليه أن يتوب ويستغفر من فعل هذه المعصية.
    وبهذا تعلم أنه لا فرق في عودة بين أن يكون من ظهار مطلق أو مؤقت بوقت، أو من مطلقة رجعية، لأنه متى عزم على وطئها بدون رجوع عن عزمه فقد وجبت عليه الكفارة فإذا طلقها طلاقاً بائناً قبل إخراج الكفارة ثم تزوجها وعزم على وطئها وجبت عليه الكفارة وكذا إذا طلقها ثلاثاً وتزوجت بغيره ثم رجعت له فإن الكفارة لا تسقط، وتجب عليه بمجرد عزمه على وطئها عزماً أكيداً.
    المالكية - قالوا: تجب الكفارة بالعود، ومعنى وجوب الكفارة صحة فعلها ومعنى العود العزم على الوطء، فإذا عزم على وطئها صح إخراج الكفارة، فلو أخرجها قبل العزم فلا تصح، وليس المراد بوجوبها عند العزم افتراضها عليه بحيث لا تسقط عنه أبداً لأنه إذا طلقها وفارقته سقطت الكفارة عنه، فإذا وطئها ولو ناسياً، تحتمت عليه الكفارة تحتماً لا يقبل السقوط، بحيث لو طلقها أو ماتت كان عليه أن يكفر لأنها بالوطء تصير حقاً لله تعالى.
    وهل يشترط في العود أن ينوي إمساكها مدة ولو أقل من سنة، أو يكفي مجرد العزم؟ في ذلك قولان مشهوران، ويترتب على القول الأخير عدم سقوط الكفارة بطلاقها، لأنه عزم على الوطء وعلى إمساكها مدة، فإذا طلقها قبل المدة لزمته كفارة ظهار، لأنه لا يشترط بقاء العصمة مع نية الإمساك مدة، أما على القول الأول فإنه إذا عزم على وطئها ثم طلقها سقطت الكفارة لأن الشرط في وجوبها بقاء العصمة، وإنما تسقط بالطلاق البائن لا الطلاق الرجعي فإذا أبانها سقطت الكفارة ما لم يتزوجها ثانياً،فإن تزوجها عاد الظهار، فلا يحل له أن يقربها حتى يخرج الكفارة، وتسقط بموتها أو موته، فلا يخرجها عنه وراثه.
    ويحرم عليه أن يطأها أو يستمتع منها بغير الوطء قبل أن يخرج الكفارة، ويجب عليها أن لا تمكنه من نفسها، وإن خافت أن يرغمها فلترفع أمره للحاكم ليحول بينه وبينها فإن أمنت منه جاز له أن ينظر إلى وجهها وكفيها، وأن يمكث معها في بيت واحد.
    الشافعية - قالوا: تجب الكفارة عند العود على الوطء على التراخي، ثم إن العود له ثلاث حالات:
    الحالة الأولى: أن يعود من ظهار مؤقت بامرأة غير مطلقة رجعياً وفي هذه الحالة يتحقق العود بإمساكها بعد الظهار من غير تطليق، فإذا ظاهر من امرأة ثم أمسكها بعد الظهار مدة يمكنه أن يطلقها فيها بدون مانع شرعي، فإن الكفارة تجب عليه، فإذا ظاهر منها وهي حائض ثم أمسكها ولم يطلقها فإنه لا يكون عائداً عن الظهار بذلك، لأن الحيض مانع من الطلاق شرعاً فإذا انقطع حيضها ومضى وقت بعد الانقطاع يمكنه أن يطلق فيه، ولم يطلق كان عائداً، ووجبت عليه الكفارة وهل سبب وجوب الكفارة العود أو سببها الظهار نفسه، ولكن العود شرط لتحقق الوجوب، أو وجبت بهما معاً؟ خلاف، والصحيح أنها وجبت بالظهار والعود معاً ككفارة اليمين، فإنها تجب باليمين والحنث، وعلى هذا إذا ظاهر، ثم أخرج الكفارة قبل العود فإنه يصح، لأن الظهار سبب أما إذا أخرج الكفارة قبل أن يظاهر، فإنها لا تجزئ لأنه أخرجها قبل سبب الوجوب، أما على القول بأنها وجبت بالظهار والعود سبب فإنه إذا أخرج الكفارة قبل العود فإنها لا تجزئه لأنه يكون قد أخرجها قبل السبب، أما على القول بأنها وجبت بالعود فقط فالأمر ظاهر، إذ لا يصح إخراجها قبله، ولا قبل الظهار، كما لا يخفى، وإذا ظاهر منها ثم طلقها عقب ظهاره مباشرة بأن قال: أنت علي كظهر أمي أنت طالق ووصل أنت طالق بصيغة الظهار فإن العود يبطل بذلك بشرط أن يكون الطلاق بائناً.
    والحاصل أنه متى مضى زمن عقب ظهار أن يقول لها فيه: أنت طالق ولم يقل، فإنه يكون عائداً، وتجب عليه الكفارة إن كانت حائضاً كما ذكرنا، فإذا قال لها: أنت طالق عقب الظهار مباشرة بطل العود وسقطت الكفارة.
    الحالة الثانية: أن يعود من ظهار مؤقت، كما إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي شهر رمضان فإنها تحرم عليه في هذا الشهر، وتحل له بدون كفارة بعد انقضائه، فإذا أراد أن يأتيها في ذلك الشهر، فإن عودته الموجبة للكفارة هي تغييب حشفته أو قدرها ممن ليست له حشفة في فرجها فإذا فعل ذلك وجبت عليه الكفارة كما تقدم، ولكن لا يحل له أن يستمر في وطئها، بل عليه أن يولج الحشفة فقط كي يجب عليه الكفارة ثم يخرج فوراً، فإن استمر الوطء كان آثماً.
    الحالة الثالثة: أن يعود من ظهار مطلقة طلاقاً رجعياً، فإذا قال لمطلقته طلاقاً رجعياً، أنت علي
    كظهر أمي فإنه يكون مظاهراً منها فإذا أراد أن يعود عن ظهاره، وجب عليه أن يراجعها باللفظ على الوجه المتقدم في المراجعة، ومتى راجعها فقد عاد من ظهاره، ووجبت عليه الكفارة.
    هذا ويحرم عليه أن يطأها قبل إخراج الكفارة، كما يحرم عليه أن يستمتع منها بما بين السرة والركبة فقط، أما ما عدا ذلك فيجوز لأن الظهار لا يحل بملك الزوجية، كالحيض، فيحرم ما حرمه الحيض، فلو اضطر للوطء دفعاً للزنا، بحيث لا يقدر على منع الزنا إلا إذا وطئ المظاهر منها، فإنه يحل له أن يطأها بالقدر الذي يدفع عن نفسه الزنا، كما يحل له ذلك في حالة الحيض، وهذه رخصة لا بأس بها.
    الحنابلة - قالوا: إن الكفارة لا تجب إلا بالوطء، ولكن يحرم الوطء قبل إخراجها فهي تؤدى قبل وجوبها، لأن إخراجها شرط في حل سبب الوجوب، وهو الوطء فيؤمر بها من أراد الوطء ليستحله بها، كما يؤمر بعقد النكاح من أراد الوطء فمعنى العود في الآية الوطء في الفرج خاصة، فهو السبب في وجوب الكفارة، ولكنه يحرم قبل إخراجها، ومعلوم أن إخراج الكفارة قبل وجوبها صحيح كإخراج كفارة اليمين قبل الحنث، فإذا مات أحدهما سقطت الكفارة لأنها لم تجب، وكذا إذا طلقها طلاقاً بائناً، ولكن إذا عادت إليه ثانياً رجعت الكفارة، بحيث لا يحل له وطؤها قبل إخراج الكفارة، حتى ولو تزوجت غيره، ثم رجعت إليه لا يحل له وطؤها والاستمتاع بأي جزء من أجزاء بدنها قبل إخراج الكفارة، فإذا وطئها استقرت عليه الكفارة فلا تسقط بالموت ولا بالطلاق، وتجزئه كفارة واحدة) .

    (2) (الحنفية - قالوا: لا يشترط في كفارة الظهار أن تكون الرقبة مؤمنة بل يجزي عتق الكافرة) .
    (3) (
    الحنابلة - قالوا: يتحقق العجز عن الصيام بواحد من خمسة أمور: أحدها: أن يكون مريضاً ولو كان مرضه غير مستعص، ولو لم يستمر شهرين. ثانيها: أن يكون شيخاً كبيراً لا يقدر على الصيام. ثالثها: أن يخاف زيادة مرض قائم به أو يخاف طول مدته عليه. رابعها: أن يكون ذا شبق، أي توقان للجماع فلا يستطع الصبر عن جماع زوجته، وليس له زوجة غيرها يمكنه إتيانها. خامسها: أن يترتب على صيامه ضعف عن أداء عمله الذي يعيش منه، فإذا كان في حالة من هذه الأحوال وعاد عن ظهاره فإنه يجب عليه إطعام ستين مسكيناً.
    الشافعية - قالوا: يتحقق العجز عن الصيام بواحد من أربعة أمور: الأول: أن يطرأ عليه مرض يغلب على الظن أنه يستمر شهرين بإخبار طبيب، أو بحكم العادة، وأولى أن يكون المرض شديداً لا يرجى برؤه. الثاني: يخاف زيادة المرض بالصيام. الثالث: أن تلحقه مشقة شديدة بالصيام أو بمتابعة ستين يوماً، بحيث لا يحتمل ذلك عادة. الرابع: أن يكون عنده شبق، فلا يستطيع الصبر عن الجماع كل هذه المدة، فإذا وجد واحد من هذه الأمور انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً.
    الحنفية - قالوا: العجز عن الصوم لا يتحقق إلا إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، أو كان ممن لا يقدر على الصيام، فلو كفر المريض ثم برئ وجب عليه الصوم، وتسقط الكفارة بالموت، وبالطلاق البائن فقط إذا لم ترجع إليه.
    المالكية - قالوا: يتحقق العجز عن الصيام بالمرض الذي لا يقوى صاحبه بعده على الصوم بحيث لا ينتقل إلى الإطعام إلا إذا ظن أن مرضه لا يرجى برؤه ويئس من القدرة على الصيام في المستقبل وبعضهم يقول: إذا طال به المرض ولا يدري أيبرأ أم لا، ولعله يحتاج إلى امرأته فله أن يطعم ويصيب امرأته، ثم إن عوفي من مرضه أجزأه ذلك الإطعام، حتى ولو كان المرض من الأمراض التي يرجى برؤها) .
    (4) (الحنفية - قالوا: يشترط في الرقبة أن تكون كاملة الرق، وأن تكون في ملكه، وأن تكون مقرونة بنية الكفارة، وأن تكون سليمة من العيوب التي تعطل المنفعة كلها، كالصم التام والخرس لأن جنس المنفعة وهو السمع، والكلام معدوم، فإن كان يسمع قليلاً أو ينطق بتكلف فإنه يصح، لأن الشرط قيام جنس المنفعة، وعلى هذا القياس، مثلاً إذا كان أعور، فإن عوره لا يعيبه، بخلاف الأعمى، لأن منفعة البصر معدومة منه، وكذا إذا كان مقطوع إحدى اليدين أو الرجلين، وقوله: كاملة الرق، خرج به المكاتب، فإنه لا يصح إلا إذا عجز عن دين الكتابة، ولم يؤد شيئاً من دين الكتابة فإذا لم يجد رقبة فكفارته صيام شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان، ولا يوم الفطر ولا يوم النحر، ولا أيام التشريق بنية الكفارة، ولا يحل له أن يجامع زوجته التي ظاهر منها في أيام الصيام لا ليلاً ولا نهاراً، فإذا جامعها بالليل عامداً أو ناسياً فقد بطل صومه وعليه أن يستأنف مدة جديدة، كذا إذا جامعها بالنهار عامداً لا ناسياً، والفرق أن جماع الناسي في النهار لا يبطل صومه، فلا يقطع الكفارة، وقيل: الجماع في النهار كالجماع في الليل يقطع الكفارة، سواء كان عمداً أو نسياناً فإن كان متزوجاً غيرها وجامعها بالليل فإنه لا يضر، أما إذا جامعها وهو صائم فقد بطل صيامه واستأنف مدة جديدة، ولكن إذا جامعها بالنهار ناسياً فإنه لا يضر، وإذا أفطر لعذر من مرض أو سفر فقد بطل صيامه ولو صام، وجاء يوم الفطر أو النحر، أو أيام التشريق فإن صيامه يبطل وعليه أن يستأنف مدة جديدة، ويصح أن يصوم بالأهلة، ولو كان كل شهر تسعة وعشرين يوماً، فإن صام بالأيام لا بالأهلة حتى مضت تسعة وخمسون يوماً ثم أفطر يوماً واحداً فقط أبطل صومه، وعليه أن يصوم شهرين من أول الأمر، وإذا أكل ناسياً، وهو صائم، فإنه لا
    يضره، وإن صام شهرين إلا يوماً ثم قدر على العتق قبل غروب شمس اليوم الأخير فإن صيامه يكون باطلاً ويجب عليه العتق، أما إذا قدر على العتق بعد نهاية صوم الستين يوماًفإن الكفارة تتم بالصوم، ولا يجب عليه العتق وإذا عجز عن الصيام أطعم ستين مسكيناً لكل مسكين قدح وثلث من قمح ونحوه، على الوجه المتقدم في كفارة الإيمان في الجزء الثاني وإذا وطئها في خلال الإطعام فإنه لا يستأنف ما مضى منه، فإذا أطعم عشرين فقيراً أو مسكيناً، ثم جامع زوجته فإنه يأثم، ولكن لا يبطل إطعام عدد العشرين، بل يبقى عليه إطعام أربعين، ولا تسقط الكفارة بالعجز عن الإطعام.
    وحاصل المباحث المتعلقة بالكفارة أن لها ركناً، وشرط وجوب ووقت وجوب وشرط صحة ومصرفاً وصفة وحكماً. فأما ركنها الذي تتحقق به، فهو الفعل المخصوص من إعتاق أو صيام أو إطعام، كما بينا، وأما شرط وجوبها، فهو القدرة عليها، وأما وقت وجوبها فهو العزم على الوطء عزماً مستمراً. بحيث لو عزم ثم رجع فإنها لا تجب، وأما شرط صحتها فهو النية المقارنة لفعلها، فلو أخرج الكفارة بدون نية ثم نوى، فإنها لا تجزئه، وأما مصرفها إن كانت إطعاماً، فهو مصرف الزكاة، ولكن يصح صرفها للذمي دون الحربي، وأما صفتها، فهي عقوبة من حيث وجوبها على الشخص، وهي عبادة حال أدائها، لأن فيها امتثال أمر الشارع، وأما حكمها فهو سقوط الواجب عن الذمة، وحصول الثواب المقتضي لتكفير الخطايا، وهل هي واجبة على التراخي، أو على الفور؟ رأيان، وقد تقدم أنه يجبر على التكفير كي لا تتضرر المرأة بالهجران، فالصحيح أنها واجبة على الفور.
    الشافعية - قالوا: يشترط في جميع الأنواع نية الكفارة، سواء كانت عتقاً، أو صياماً، أو إطعام، ولكن يجب اقتران النية بنوع من هذه الأنواع فلو نوى أن يعتق هذا العبد كفارة عن الظهار ثم مضى زمن طويل، وأعتقه بدون أن ينوي فإنه يصح، وقيل: بل يجب اقترانها بالفعل، إلا في الصوم، فإنه ينوي بالليل، ويلزم تعيين الظهار، فإذا كان عليه كفارة صيام وكفارة ظهار، وأخرج الكفارة ولم يعين عن إحداهما، فإنها تصح عن إحداهما ولا يطالب بكفارة واحدة، فإن عين وأخطأ، بأن قال: نويت كفارة الصيام وعليه كفارة الظهار فإنها لا تصح، ويشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة، وأن تكون سليمة من العيوب المخلة بالعمل إخلالاً بيناً، فيجزئ عتق الصغير والكبير، والأقرع، والأعور، والأصم والأخرس الذي يفهم بالإشارة، لأنه يمكنه أن يعمل في الحياة، وإنما يجب الإعتاق إذا كان يملك رقبة، أو يملك ثمنها زائداً على كفايته هو ومن يعول من نفقة وكسوة مدة عمره الغالب عادة، وقيل بل يملك نفقته ونفقة من يعوله سنة، بحيث لا يترتب على شراء الرقبة ضرر يلحقه أو يلحق من يعول، وإن فاته بعض رفاهية، ومن ملك رقيقاً لا يستغني عن خدمته لمرض أو كبر أو نحو ذلك فلا يجب عليه عتقه، ولا يلزمه أن يبيع عقاره أو رأس مال تجارته أو ماشيته المحتاج إليها ليشتري عبداً يعتقه، فإن عجز عن الإعتاق انتقل إلى الصيام، ويعتبر العجز وقت أداء الكفارة لا وقت الوجوب، لأن وقت وجوبها هو عقب الظهار مباشرة، أما وقت أدائها فليس فوراً، ولكن يحرم تأخيرها والصيام شهران متتابعان، ولكن لا يلزمه أن ينوي التتابع، بل يكفيه نية الكفارة، وينقطع التتابع بإفطار يوم ولو لعذر لمرض أو سفر، ولو كان اليوم الأخير من الستين، ولا ينقطع بإغمائه طول اليوم، فإن عجز عن الصيام على الوجه المتقدم انتقل إلى إطعام ستين
    مسكيناً بالشروط الموضحة في الجزء الثاني، فإن عجز عن إطعام ستين مسكيناً، فإن الكفارة تبقى ديناً في ذمته، بحيث يخرجها متى ملك، فإذا ملك جزءاً منها أخرجه، ولا تتجزأ الكفارة في الصيام والعتق حالة عجزه عن الإطعام يجوز له وطؤها، وإن لم يشق عليه الترك، وإذا شرع في الإطعام، ثم قدر على الصيام والعتق، فإنه لا يجب عليه الانتقال إلى الصوم والعتق.
    المالكية - قالوا: يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة وأن لا تكون جنيناً، وأن تكون سليمة من العيوب، فلا يجزئ الأعمى، والأبكم، والمريض في حال النزع، ويجزئ الأعور والمغصوب والمرهون إن دفع دينه، أما المريض مرضاً خفيفاً، والمعيب عيباً خفيفاً، كالعرج الخفيف فإنه لا يضر، فإن لم يكن عنده رقبة وكان معسراً لا يستطيع شراءها، أو كان يملك رقبة محتاجاً إليها ولا يملك غيرها فإن كفارته تكون بالصيام، فعليه أن يصوم شهرين متتابعين بالهلال بحيث ينوي الصوم كفارة عن الظهار وينوي التتابع أيضاً، وتكفي نية واحدة في أول يوم من الشهر، فإن صام في أثناء الشهر وجب عليه أن يتمه ثلاثين يوماً، وإذا صام ثلاثة أيام وفي أثناء الرابع قدر على شراء رقبة، فإنه يجب عليه أن يتمادى على الصوم، ولا يرجع إلى العتق إلا إذا فسد صومه بمفسد آخر، فإنه يتعين عليه الرجوع إلى العتق، أما إذا قدر على العتق فيما دون اليوم الرابع، فإن كان في اليوم الأول وقبل الشروع في الثاني وجب العتق مع وجوب إتمام صوم اليوم، وإلا ندب.
    ويقطع تتابع الصيام وطء المرأة المظاهر منها حال الكفارة، ولو في آخر يوم منه، ويستأنف مدة من جديد، لا فرق بين أن يكون الوطء عمداً أو نسياناً، ليلاً أو نهاراً، أما إذا وطئ امرأة غير مظاهر منها ليلاً فإنه لا يضر. وإذا وطئها نهاراً عمداً فإنه يقطع التتابع، أما إذا وطئها ناسياً، فإنه لا يقطع على المشهور، وينقطع التتابع بالفطر بسبب السفر، وبالمرض الذي ينشأ من السفر حقيقة أو توهماً، أما إذا مرض مرضاً لا علاقة له بالسفر وأفطر فإن فطره لا يقطع التتابع. وكذا لو مرض وهو مقيم فأفطر فإن الفطر لا يقطع ويقضيه متصلاً بصيامه. ولا يقطع التتابع فطر يوم العيد بشرط أن يصوم وهو يجهل أن صيامه يتخلله صيام يوم العيد. أما إن كان يعلم وصام، ثم جاء يوم العيد، فإن تتابعه ينقطع، ولو كان يجهل حرمة صيام يوم العيد. ومثل ذلك ما إذا جهل رمضان. فإذا عجز عن الصيام على الوجه المتقدم انتقل إلى الإطعام بالشروط المتقدمة في صحيفة 81 في الجزء الثاني طبعة ثالثة، ولا تسقط الكفارة إلا بالموت أو الطلاق البائن. وإن عجز عن الإطعام.
    الحنابلة - قالوا: لا تلزم الرقبة إلا لم ملكها أو أمكنه ملكها بثمن مثلها، أو مع زيادة لا تجحف بحاله، ولو كان يملك مالاً غائباً عنه فإنه يجب عليه بشرط أن يكون الثمن زائداً على حاجته وحاجة من يعول من زوجة وأولاد وخادم وقريب، من نفقة ومسكن وخادم ومركوب وملبس يليق به وكتب علم ووفاء دين وغير ذلك. ويشترط أن تكون الرقبة مؤمنة. وأن تكون سليمة من عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً، كالعمى، والشلل وأن لا تكون مريضة مرضاً ميئوساً من شفائه، فإن لم يجد الرقبة وجب عليه صيام شهرين متتابعين ولا يقطع التتابع صيام رمضان ولا فطر يوم العيد، أو أيام التشريق. أو الجنون، أو المرض المخوف، أو الإغماء أو الفطر ناسياً أو مكرهاً، أو لعذر مبيح الفطر، كسفر ونحوه، وإذا جامع المظاهر منها ليلاً أو نهاراً، عامداً أو ناسياً انقطع التتابع، أما إذا جامع غيرها ليلاً أو نهاراً ناسياً فإن التتابع لا ينقطع، فإذا عجز عن الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكيناً على الوجه السابق في الجزء الثاني، ولا يضره أن يطأ امرأته المظاهر منها في أثناء الإطعام) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #224
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث العدة]
    صـــــ 451 الى صــــــــ
    464

    الحلقة (224)

    مباحث العدة

    تعريفه
    -العدة في اللغة مأخوذة من العدد، فهي مصدر سماعي لعد، بمعنى أحصى، تقول: عددت الشيء عدة إذا أحصيته إحصاء، والمصدر القاسي العد، إذ يقال: عد الشيء عداً، كرده رداً إذا أحصاه وتطلق العدة لغة على أيام حيض المرأة. أو أيام طهرها، وهذا غير المعنى الشرعي، لأن المعنى الشرعي ليس هو نفس أيام حيض المرأة، بل هو انتظار المرأة انقضاء هذه الأيام بدون أن تتزوج على أن المعنى الشرعي أعم من انتظار مدة الحيض أو الطهر، إذ قد يكون بالأشهر، كما يكون بوضع الحمل، أما معنى العدة شرعاً، ففيه تفصيل المذاهب (1) .
    أنواع العدة، وأقسامها
    -للعدة أنواع ثلاثة: الحمل، والأشهر، والإقراء، والمعتدة - هي التي تجب عليها العدة - إما أن تجب عليها العدة بفراق زوجها بموته، وهذه تنقسم إلى قسمين: أحدهما أن يتوفى عنها وهي حامل، أو يتوفى عنها وهي حائل، أي غير حامل، والأولى تنقضي عدتها بوضع الحمل. والثانية تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام بالشرائط الآتية، وإما أن تجب عليها العدة بفراق زوجها في الحياة بسبب الطلاق أو الفسخ، وهذه تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    الأول أن يطلقها وهي حامل وهذه تنقضي عدتها بوضع الحمل. الثاني: أن يفارقها وهي ليست بحامل وهي من ذوات الحيض، وهذه تنقضي عدتها بثلاثة أقراء. الثالث: أن يفارقها وهي آيسة من المحيض وهذه تنقضي عدتها بثلاثة أشهر فالمعتدات خمس
    (1) معتدة الوفاة الحامل
    (2) معتدة الوفاة غير الحامل
    (3) معتدة الطلاق الحامل
    (4) معتدة الطلاق الحائل وهي من ذوات الحيض
    (5) معتدة الطلاق الآيسة من الحيض، وقد عرفت أن العدة لا تخرج عن الأنواع الثلاثة. الأول: الحمل، فتنقضي عدة الحامل بوضعه، سواء كانت مفارقة بالموت أو الطلاق. الثاني: الأشهر، وتنقضي بها عدة الآيسة وعدة المتوفى عنها زوجها. الثالث: الأقراء، وتنقضي بثلاثة منها عدة اللائي يحضن فلنذكر ما في كل نوع منها من الأحكام، ونبدأ بعدة الحوامل فنقول:مبحث انقضاء العدة بوضع الحمل
    -شروطه - عدة الزوجة الصغيرة الحامل - عدة الحبلى بوطء الشبهة - أو النكاح الفاسد - عدة الحبلى من زنا - تداخل العدتين في بعضهما - أكثر مدة الحمل وأقلها.
    تنقضي العدة بوضع الحمل، سواء كانت الزوجة مطلقة أو متوفى عنها زوجها بشروط مفصلة في المذاهب (2) .
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: للعدة اصطلاحاً تعريفان مشهوران: أحدهما أنها أجل ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح أو الفراش، فقوله: أجل ضرب، المراد به ما يشمل عدة ذوات الحيض، وهي ثلاثة قروء. وعدة اليائسة من الحيض لكبر أو صغر، وهي ثلاثة أشهر. وعدة الحامل، وهي وضع الحمل. وعدة المتوفى عنها زوجها إذا لم تكن حاملاً، وهي أربعة أشهر وعشر، وقوله لانقضاء ما بقي من آثار النكاح معناه أن النكاح له آثار مادية، وهي الحمل، وأدبية، وهي حرمة الزوج، فضرب هذا الأجل لتنقضي به هذه الآثار، وظاهر أن النكاح يشمل الصحيح والفاسد والنكاح بشبهة، فأما النكاح الصحيح فإن العدة فيه تجب بأحد أمرين: الوطء، والخلوة، فإذا تزوج امرأة وجامعها وجبت عليها العدة، وكذا إذا خلا بها ولم يجامعها، فإن العدة تجب أما العقد الفاسد فإن العدة لا تجب فيه بالخلوة، لأنه لا حرمة له، بخلاف الصحيح، فإن الخلوة تجعل بين الزوجين علاقة خاصة ينبغي مراعاتها، إذ ربما يعلق أحدهما بصاحبه فيندمان بعد الفراق، فالعدة تجعل للرجل فرصة العودة، فإذا تزوج امرأة بدون شهود وجامعها وفرق بينهما فإنه يجب عليها العدة من وقت التفريق، سواء كانت الفرقة بقضاء أو بغيره، أما إذا خلا بها ولم يجامعها فلا عدة عليها.
    وهذا التعريف يشمل المطلقة رجعياً، لأن طلاقها جعل له الشارع أجلاً يزول النكاح به، وهو العدة، وقوله أو فراش شمل الأجل المضروب للأمة الموطوءة بملك اليمين لا بالنكاح، فهذا التعريف جامع مانع، وهو أحسن تعريف للعدة الشرعية.
    ثانيهما: أنها تربص مدة معلومة تلزم المرأة بعد زوال النكاح، سواء كان النكاح صحيحاً أو بشبهة إذا تأكد بالدخول أو الموت، فقوله: تربص، أي انتظار، وقوله: مدة معلومة، المراد بها الأجل الذي ضربه الشارع، كما بيناه، ومعنى كون المرأة تنتظر في هذه المدة، أي تنتظر نهايتها حتى يحل لها التزوج والزينة، أما فيها فلا، وباقي التعريف ظاهر، ولكن يرد عليه ثلاثة أمور:
    أحدها: أنه لا يشمل عدة المطلقة رجعياً، لأنه قال: إن الانتظار لا يلزمها إلا بعد زوال النكاح ونكاح المطلقة رجعياً لا يزول بالطلاق الرجعي.
    ثانيها: أنه قال: أن الانتظار يلزم المرأة، وهذا يخرج عدة الصغيرة، لأنها ليست أهلاً للالتزام.
    ثالثها: أنه لا يشمل عدة الأمة، لأنه قال: يلزم المرأة بعد وال النكاح، فالتعريف الأول أوضح وأشمل، ولا يخفى أن التعريف الأول لا يشمل منع الرجل من تزوج المرأة بسبب حتى يزول ذلك السبب، لأن هذا المنع ليس أجلاً مضروباً لانقضاء ما بقي من آثار النكاح بالنسبة للرجل وإنما هو بالنسبة للمرأة، مثلاً إذا كان متزوجاً بامرأة وطلقها، وأراد أن يتزوج بأختها فإنه يمنع من ذلك حتى تنقضي عدة أختها المطلقة، فهذه المدة لا تسمى عدة بالنسبة للرجل، وإنما هي عدة المرأة، وإنما منع الرجل كي تهدأ غيرة المطلقة وتيأس منه، فلا تحقده على أختها كل الحقد، ألا ترى أنها إذا ماتت فله أن يتزوج بأختها بدون انتظار، وكذا إذا ارتدت وذهبت إلى دار الحرب فإن له أن يتزوج بأختها بدون عدة، كما لو ماتت، أما التعريف الثاني فإنه قد نص على أن العدة خاصة بالمرأة حيث ذكر أن انتظار المدة يلزم المرأة لا الرجل، وعلى هذا يكون انتظار الرجل انقضاء مدة بدون تزوج ليس عدة شرعية، ثم انتظار الرجل تارة يكون محدوداً بعدة المرأة وتارة يكون بسبب آخر، فالأول أن يريد التزوج بأخت امرأته المطلقة، كما ذكرنا، ومثلها عمتها وخالتها، وبنت أخيها، وبنت أختها فإنه لا يحل أن يتزوج واحدة منهن حتى تنقضي عدة زوجته المطلقة وكذا إذا كان متزوجاً أربعاً وطلق واحدة منهن فإنه لا يحل له أن يتزوج خامسة إلا إذا انقضت عدة الرابعة المطلقة، ولا فرق بين أن يكون قد وطئ الرابعة بنكاح صحيح ثم طلقها، أو وطئها بنكاح فاسد، أو بشبهة وفرق بينهما، فإنها تعتد على كل حال، وما دامت في العدة فلا يحل له أن يتزوج خامسة، وكذا إذا أراد أن يتزوج امرأة معتدة من مطلقها الأجنبي، فإنه لا يحل له زواجها إلا إذا انقضت عدتها، فهو ممنوع من زواجها ما دامت في العدة، أما إذا طلق هو امرأة وكانت معتدة منه،
    فإن له أن يتزوجها ثانياً وهي في العدة. وأما الثاني: فمنه أن يطلق امرأته ثلاثاً، ويريد تزوجها ثانياً، فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويطلقها وتنقضي عدتها من ذلك الغير، فهو ممنوع من زواجها إلا إذا تزوجت بغيره وانقضت عدتها من ذلك الغير، ومنه أن يعقد على امرأة حامل من زنا، فإن العق يصح ولكن لا يحل وطؤها حتى تلد، ولا يقال: إن وضع الحمل انقضاء للعدة، فهو من الأول، لأنه لو كان عدة لم صح له العقد عليها، ومثل ذلك ما إذا تزوج حربية هاجرت إلينا مسلمة، وهي حامل فإنه يحل له العقد عليها لا وطؤها حتى تضع الحمل، ومن ذلك المسبية فإنه لا يحل وطؤها حتى تحيض حيضة، واحدة إن كانت من ذوات الحيض، وإلا انتظر شهراً. ومنه نكاح الوثنية، والمرتدة، والمجوسية، فإنه لا يحل حتى تسلم، فالرجل ممنوع من تزوج واحدة منهن بسبب الكفر.
    والحاصل أن الرجل يمنع من التزوج عند وجود سبب المنع، فإذا زال السبب رفع المنع ثم إن المدة الممنوع فيها تارة تكون عدة للمرأة وتارة تكون مدة استبراء، وتارة تكون مدة كفر، ونحو ذلك، وعلى كل حال فمدة انتظاره لا تسمى عدة.
    وبذلك تعلم أن ركن العدة هو شيء يلزم المرأة في زمن خاص بحيث يحرم عليها أن تتعداه، إذا يلزم المرأة أن تمنع عن التزوج بالغير. وتمتنع عن الزينة المعتادة للأزواج ما دامت في هذه المدة متى تحقق السبب ووجد الشرط، وأسباب وجوب العدة ثلاثة: العق الصحيح، وهذا تجب به العدة إذا توفي عنها زوجها، ولو لم يدخل بها، صغيرة كانت، أو كبيرة فسبب العدة في هذه الحالة أمران: العقد الصحيح والوفاة، فمن قال: إن الوفاة سبب في العدة لا يعني إلا وفاة الزوج بالعقد الصحيح كما هو ظاهر. ثانيها: الوطء سواء كان بعقد صحيح، أو فاسد، أو كان وطء شبهة، أما الوطء بالعقد الباطل، ووطء الزنا فإنهما لا عدة فيهما، وقد تقدم الفرق بين الفاسد والباطل في صحيفة 107 وما بعدها، وكذا تقدم بيان الوطء بشبهة في صحيفة 112 وما بعدها فارجع إليهما فالعقد الفاسد بدون وطء لا يوجب العدة كما تقدم، والباطل من باب أولى، ثالثها: الخلوة، سواء كانت صحيحة أو فاسدة على المعتمد، كما تقدم في صحيفة 105.
    المالكية - قالوا: العدة هي مدة يمتنع فيها الزواج بسبب طلاق المرأة، أو موت الزوج أو فسخ النكاح، وقوله: يمتنع فيها الزواج يشمل المدة التي يمتنع فيها الرجل عن الزواج، كما إذا كان متزوجاً أربعة، وطلق الرابعة أو كان متزوجاً امرأة وطلقها وأراد أن يتزوج أختها، وهو قول لبعضهم، فإن انتظار الرجل يقال له عدة. وبعضهم يقول: إن منع الرجل لا يسمى عدة، وعلى هذا يزيد قيد المرأة، فيقول: مدة تمتنع فيها المرأة عن الزوج، أو طلاقه، فهذا التعريف يخرج انتظار الرجل مدة، ولكن يرد عليه أن العدة تكون لمن ثبتت براءة رحمها، كالصغيرة، وأجيب بأن الأصل فيها أن تكون لبراءة الرحم. ولكن هذا الجواب غير ظاهر، إذ لا دليل على أن الأصل فيها ذلك وعلى فرض أن الأصل فيها ذلك، فإن التعريف على كل حال ناقص، فالتعريف الأول هو الصحيح، لأن الشارع قد ضرب مدة يجل على المرأة أن لا تتزوج فبها سواء كان ذلك لبراءة الرحم أو تعبداً، كما يقولون.
    وبذلك تعلم أن الوطء بالعقد الفاسد، ووطء الشبهة، ووطء الزنا لا يوجب العدة بهذا المعنى ولكن على كل واحدة من هؤلاء، سواء وطئت بزنا، أو بشبهة، أو بعقد فاسد، أو باكراه أن تستبرئ رحمها بقدر العدة، بدون فرق، فهو استبراء قدر العدة إلا الزانية إذا أريد استبراؤها لإقامة الحد عليها لا للتزوج بها، فإنها تستبرأ بحيضة واحدة. فلا تقتل قبل ذلك مخافة أن تكون حاملاً، ومثلها المرتدة، فإنها لا تقتل إلا بعد استبرائها بحيضة، ومثلها الاستبراء في اللعان الآتي بيانه.
    واعلم أن عدة الأمة نصف عدة الحرة، ولكن إذا كانت من ذوات الحيض فعدتها حيضتان أما استبراؤها في الزنا، والوطء بشبهة فإنه يكفي فيه حيضة واحدة، وقد عرفت من قوله بسبب طلاق المرأة أو موت الزوج أن سبب العدة أمران فقط: أحدهما فراق الزوجة في حال الحياة بالطلاق أو فسخ النكاح: ثانيهما: موت الزوج، أما ما عدا ذلك من زنا، أو وطء شبهة، أو نحوهما فإن ما يترتب عليه لا يسمى عدة ولكنه استبراء وإن كان قدر العدة، ويقوم مقام الوطء الخلوة كانت خلوة اهتداء، أو خلوة زيارة، وقد تقدم بيانهما في صحيفتي 102، 103 بشرط أن يكون بالغاً قادراً على الوطء غير مجبوب، ولو أنزل بالمساحقة على المعتمد، وأن تكون مطيقة للوطء ولو حائضاً وأن يمكث معها زمناً يمكن وطؤها فيه ولو قالا: أنه لا وطء لا يسمع لهما، لأن العدة حق الله تعالى ولكنهما يعاملان بإقرارهما فيما هو حق لهما، فتسقط نفقتها ولا يتكمل لها الصداق، لأنها تكون مطلقة قبل الدخول، ويسقط حقه في الرجعة إذا طلقها طلاقاً رجعياً وإذا أقر أحدهما دون الآخر عومل بإقراره وحده.
    ولا تعتد بقبلة، أو عناق، أو نحوهما في غير خلوة فإذا قالت: إنه وطئها ولم تعرف له خلوة بها عوملت بإقرارها ولزمتها العدة، سواء صدقها أو كذبها، وإن ادعى هو الوطء ولم تعرف له خلوة وكذبته، فلا عدة عليها، وعومل بإقراره في الصداق، والنفقة، والسكنى.
    فإذا أنكر الوطء، وظهر بها حمل ولم تعرف له خلوة بها فإنها تعتد بوضع الحمل إن لم ينف الولد بلعان، أما إذا نفاه بلعان فإنها تنتظر حتى تضع الحمل أيضاً، ولكن انتظارها في هذه الحالة لا يقال له عدة، وإنما يقال له استبراء، ولا عدة عليها من الزوج، فلا بد لحلها للأزواج من وضع الحمل، إلا أنه على الأول تنقضي به العدة ويترتب على وجود الحمل أحكام العدة من توارث، ورجعة ونفقة، وعلى الثاني ينقضي به الاستبراء ولا يترتب على وجوده أحكام العدة المذكورة.
    الشافعية - قالوا: العدة مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبد أو لتفجعها على زوج، فقوله: تتربص: أي تنتظر وقوله: المرأة خرج به المدة التي ينتظر فيها الرجل فإنها لا تسمى عدة. وقوله: لمعرفة براءة الرحم المراد بالمعرفة ما يشمل الظن واليقين، فأما اليقين فهو بوضع الحمل، وأما الظن فهو غير ذلك، وهذا كاف، إذ لا يلزم أن تبحث المرأة بحثاً يفضي إلى التيقن من براءة رحمها، بل يكتفي بالحيض، وقوله: أو للتعبد أراد به عدة الصغيرة نحوها ممن ثبتت براءة رحمها، وقد يقال: إن وجوب العدة على مثل هذه لاحترام علاقة الزوجية إذ قد يندمان على الفرقة فتكون لهما فرصة العودة بخلاف ما إذا لم يكن لها عدة وتزوجت بغيره، فإن الفرصة تضيع عليه، مع كونه أحق بها من غيره، ولا يرد غير المدخول بها فإن عدم مباشرتها لم تجعل لها مكانة في نفسه، فإذا لم تشرع لها عدة، والمراد بالمرأة الموطوءة بعقد صحيح أو فاسد أو شبهة فإنها تجب عليها العدة لبراءة رحمها أما الموطوءة بزنا، أو بعقد باطل فإنها لا عدة عليها، وقد تقدم بيان الفاسد والباطل في صحيفتي 110 و 111 وقوله: لتفجعها للإشارة إلى أن العدة قد تترتب على مجرد العقد الصحيح بدون وطء في حالة ما إذا توفي عنها زوجها، فأسباب العدة وفاة الزوج بالعقد الصحيح والوطء، سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو وطء شبهة ويقوم مقام الوطء إدخال مني الزوج في فرجها بأنبوبة ونحوها، أما الخلوة: فإنها لا توجب العدة، ومثلها الوطء بالعقد الباطل أو الزنا.
    الحنابلة - عرفوا العدة بأنها التربص المحدود شرعاً، والمراد به المدة التي ضربها الشارع للمرأة، فلا يحل لها التزوج فيها بسبب طلاقها أو موت زوجها بالشرائط الآتية، ولا يخفى أن هذا التعريف حسن لأنه لم يتعرض فيه لبراءة الرحم، ولا لغيره، فمن قصره على ذلك لم يكن له وجه.

    ثم إن هذه المدة التي ضربها الشارع للزوجة تارة تترتب على وفاة الزوج بالعقد الصحيح سواء دخل بها أو لم يدخل وتارة تترتب على الوطء بالعقد الفاسد أو بشبهة أو بزنا فالزنا عندهم يوجب العدة ومثله الوطء بالعقد الباطل، إلا أنها تعتد في الزنا والعقد الباطل بثلاثة قروء من وقت وطئها ولو مات عنها، ويقوم مقام الوطء إدخال مني زوجها في فرجه. فإن كان مني أجنبي ففيه قولان مصححان: وجوب العدة به وعدمها وتارة تترتب على الخلوة، سواء كانت صحيحة أو فاسدة، وسواء كان العقد صحيحاً أو فاسداً، فمتى خلا بها وهو عالم فإن العدة تجب، ولو لم يمسها أو يضع يده عليها، إلا إذا خلا بها رغم أنفها، أو كانت صغيرة لا يوطأ مثلها، أو كان هو صغيراً لا يطأ مثله، فإنه لا عدة عليها، على أي حال، حتى ولو وطئها، والصغير هو من كان دون عشر سنين، والصغيرة هي من كانت دون تسع سنين، وأما العقد الباطل فإن الخلوة فيه لا توجب العدة والمراد بالباطل ما كان مجمعاً على بطلانه "كنكاح الخامسة، والمعتدة" ونحو ذلك. فأسباب العدة عندهم تتناول الخلوة مطلقاً. والوطء بالعقد الباطل، والزنا) .
    (2) (الحنفية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بوضع حمل المطلقة والمتوفى عنها زوجها ثلاثة شروط: أحدها: أن ينفصل الحمل منها جميعاً، فإن نزل بعضه ولو ثلثاه، فإن عدتها لا تنقضي، وفائدة هذا الشرط تظهر عملياً فيما إذا مات الجنين في بطنها، واحتاج إخراجه منها إلى تقطيعه، فأخرج معظمه وبقيت منه قطعة، فإن عدتها لا تنقضي، ولو كانت القطعة صغيرة إلا إذا يئست من إخراجها على المعتمد، ثانيها: أن يكون الولد متخلقاً، فإذا أسقطت قطعة لحم لم يظهر فيها جزء انسان، فإن عدتها لا تنقضي بها، بل لا بد من انقضاء عدتها بثلاث حيض، ثم إن أمكن اعتبار دم السقط حيضاً، بأن لم يزد على أكثر مدة الحيض، وهي عشرة أيام، ولم يقل عن أقلها وهي ثلاثة أيام وثلاث ليال احتسب حيضة لها، وإلا كان استحاضة فلا يحسب. ثالثها: أنها إذا كانت حاملة باثنين أو أكثر، فإن عدتها لا تنقضي إلا بنزول الولد الأخير وانفصاله منها جميعه، فلا يكفي انفصال واحد.
    ولا يشترط لانقضاء عدة الحامل بوضع الحمل أن يكون الزوج بالغاً، بل تنقضي عدة زوجة الصغير الذي لا يولد لمثله بوضع حملها إذا فارقها في حال الحياة، ولا يلحقه نسبه طبعاً لأنه زنا، والعدة تجب بخلوة الصغير ولو لم يطأ. كما تجب بوطئه، وحيث كانت حاملاً من غيره فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، فإن قلت: أن الصغير عند الحنفية لا يصح طلاقه، فكيف يتصور وجوب العدة على امرأته المطلقة؟ والجواب: أنه يتصور في حالتين: إحداهما: أن يخلو بها وهو صغير ويتركها ثم يطلقها بعد بلوغه، الحالة الثانية: أن تكون ذمية بالغة متزوجة بذمي صغير، ثم تسلم ويأبى ولي الصغير أن يسلم فإنها تبين منه في هذه الحالة وتعتد بالخلوة الصحيحة، والمراد بالصغير غير المراهق، وهو من لم يبلغ سنه ثنتي عشرة سنة، وتجب بخلوة الصغير ووطئه العدة دون المهر.
    هذا إذا كانت امرأة الصغير الحامل مطلقة، أما إذا توفي عنها وهي حامل أو مات عنها وحملت في العدة. ففي عدتها خلاف، فبعضهم يقول: إن عدتها تنقضي بوضع الحمل أيضاً، كالمطلقة، وقيل: بل تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام، وهي عدة الوفاة، فإذا مات عنها ثم وضعت حملها بعد شهرين من وفاته مثلاً، فإنه يجب عليها أن تنتظر شهرين وعشرة أيام بعد الحمل، وإذا انقضت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل وضع الحمل فإن عدتها تنقضي قبل الوضع، ويصح العقد عليهم، ولكن لا يصح جماعها إلا بعد الوضع، ولا يثبت النسب من الصغير على أي حال، سواء ولدت لأقل من ستة أشهر من تاريخ العقد عليها. أو لستة أشهر فأكثر، والقول الثاني هو الصحيح. وهو رأي المالكية والشافعية كما ستعرفه في مذهبهم.
    ثم إن عدة الحامل المطلقة تنقضي بوضع الحمل، سواء كان المطلق صغيراً أو كبيراً فإذا وطئ شخص امرأة الآخر بشبهة، كما إذا زفت عروس إلى غير زوجها فوطئها، وحملت منه فإنه يحرم على زوجها أن يطأها حتى تنقضي عدتها من وطء الشبهة بوضع الحمل، فإذا طلقها زوجها أيضاً فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وتتداخل العدتان، ولا يحل للواطئ الذي أحبلها أن يتزوجها إلا بعد وضع الحمل، لأنها مشغولة بعدة مطلقها، ومثل ذلك ما إذا طلق شخص امرأته طلاقاً بائناً، ثم وطئها على ظن أنها تحل له في أثناء العدة فإنها في هذه الحالة يجب عليها عدتان: إحداهما عدة الطلاق والثانية عدة وطء الشبهة، ولكن العدتين تتداخلان بمعنى أنها تستأنف عدة أخرى، بحيث إذا حملت منه فإن عدتها لا تنقضي إلا بوضع الحمل، أما إذا لم تحمل فإنه يحسب لها ما مضى من الحيض من مجموع العدتين المتداخلتين، مثلاً إذا وطئها بعد أن حاضت مرة فإنه يجب عليها أن تستأنف العدة بثلاث حيض من وقت الوطء، منها حيضتان تحسب مضمومة إلى عدتها الأولى.
    والعدة الثانية تحسب من تاريخ الوطء وهي ثلاث حيض، منها الحيضتان المضمومتان إلى الحيضة الأولى، وهذا معنى التداخل وكذا إذا وطئها أجنبي بشبهة، وهي تحت زوجها ثم طلقها زوجها أو وطئها أجنبي بشبهة، أو بعقد فاسد، وهي في العدة، فإنها تلزم بعدتين، عدة بالوطء الفاسد وعدة لزوجها، ولكنهما تتداخلان، فتستأنف العدة بالحيض، فإذا حاضت ثلاث مرات انقضت العدتان جميعاً، فإن كانت قد حاضت مرة بعد طلاق زوجها فإنه يضم إليها حيضتان من الثلاث، تنقضي بهما عدة زوجها، ثم تحسب الثلاث حيض من تاريخ الوطء، وبها تنقضي عدة الثاني، فالحيضتان الحاصلتان بعد الوطء تحسبان تارة من العدة الأولى، وتارة من العدة الثانية، وإن كانت قد حاضت ثنتين قبل الوطء الفاسد، فإن عليها أن تستأنف عدة بثلاث حيض من تاريخ الوطء، تضم منها واحدة إلى عدة الزواج الأول، وتضم هي بعينها إلى عدة الثاني، فتدخل الحيضة مرة في هذه العدة ومرة في هذه العدة، وعلى هذا القياس.
    وبهذا تعلم أنها إذا حملت بعقد صحيح، أو عقد فاسد، أو وطء شبهة، فإنها تعتد بوضع الحمل، ويثبت نسب الولد من الواطئ الذي علقت منه، أما الحبلى من زنا فإنها لا عدة عليها، بل يجوز العقد عليها، ولكن لا يحل وطؤها حتى تضع الحمل، فإذا طلقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة عليها، أما إذا خلا بها، أو وطئها وهو يظن حلها له، ثم طلقها بعد ذلك وقبل أن تضع الحمل، فإن عدتها تنقضي بوضع حملها من الزنا، ولا عدة له عليها.
    هذا والحنفية يقولون: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر كغيرهم من الأئمة الثلاثة، وأكثرها سنتان، خلافاً للجميع، كما ستعرفه من مذاهبهم.
    فإذا تزوجت المطلقة، أو المتوفى عنها زوجها وهي في العدة بزوج آخر ثم جاءت بولد فإن ولدته لأقل من سنتين من تاريخ طلاقها من الأول، أو تاريخ وفاته، فإنه ينظر هل ولدته لأقل من ستة أشهر من تاريخ الزواج الثاني أو ولدته لستة أشهر فأكثر من ذلك التاريخ؟ فإن كان الأول فإن الولد يلحق بالمطلق أو المتوفى، مثلاً إذا طلقها في شهر المحرم، ومضت عليها سنة ونصف لم تحض فيهما مع كونها من ذوات الحيض، ثم تزوجت بغيره وجاءت بولد بعد خمسة أشهر فإنه يكون للأول، لأنها جاءت به لأقل من سنتين من تاريخ طلاقها، ولأقل من ستة أشهر من تاريخ زواجها الثاني، أما إذا جاءت به لستة أشهر من تاريخ الزواج فأكثر فإنه يكون للثاني، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فيحتمل أنها علقت من الثاني، وأن أكثر مدة الحمل سنتان، وقد مضى في هذه الحالة أكثر منها من تاريخ طلاقها من الأول، فلا يمكن نسبة الولد إليه، ويكون النكاح صحيحاً في هذه الحالة، لأنه يتبين أن عدتها قد انقضت بحملها من الثاني فإذا ولدته لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول، ولأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني، كما إذا تزوجت بعد سنة وثمانية أشهر من تاريخ طلاقها، ثم ولدت لأربعة أشهر من تاريخ زواجها، فتكون قد ولدت لسنتين وشهرين من تاريخ طلاقها ولأربعة أشهر من تاريخ زواجها، فإن الولد لا ينسب لا للأول ولا للثاني، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج الثاني يعلم بأنها في العدة أو لا، لأنه متى أمكن نسبة الولد إلى واحد منهما على الوجه الذي ذكرناه فإنه ينسب إليه، سواء كان العقد صحيحاً أو فاسداً، لأن نسبة الولد إلى أحدهما أولى من ضياعه ونسبته إلى الزنا، على أنه إذا كان الثاني لا يعلم بأنها في العدة فإن نكاحه يكون صحيحاً، وسيأتي إيضاح ذلك في مباحث النسب.
    المالكية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بالحمل أربعة شروط: الشرط الأول: أن يلحق الولد بالزوج، بأن يثبت نسبه منه ولو نفاه بسبب اللعان الآتي بيانه، متى ثبتت خلوته بها، لأنه وإن نفاه في الظاهر، ولكن يحتمل أنه منه في الواقع، فتنقضي عدتها بوضعه، فإذا لم يلحق نسب الولد بالزوج المتوفى، فإن العدة لا تنقضي بالوضع، مثلاً إذا تزوج امرأة وهي حائض، ثم طهرت من الحيض ولم يقربها، ثم حملت سفاحاً وظهر حملها ومات زوجها عنها، فلا تنقضي عدتها بوضع الحمل، بل لا بد من مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، وهي عدة الوفاة فإن وضعت بعد ثلاثة أشهر من وفاته مثلاً فإن عدتها لا تنقضي، بل لا بد من أن تنتظر شهراً وعشرة أيام بعد الوضع حتى تكمل أربعة أشهر وعشراً، وإذا انقضت أربعة أشهر وعشر قبل أن تضع فلا تنقضي عدتها إلا بالوضع.
    هذا في المتوفى عنها زوجها، أما المطلقة فإنها إذا حملت من زنا وهي تحته فإن عدتها لا تنقضي إلا بثلاثة أطهار تحسب لها بعد وضع الحمل، بحيث تحيض بعد الوضع ثلاث حيض وتطهر منها، ولا تنقضي عدتها إلا إذا رأت دم الرابعة.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #225
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث العدة]
    صـــــ 451 الى صــــــــ
    464

    الحلقة (225)


    الشرط الثاني: أن تثبت خلوته بها زمناً يمكنه أن يطأها فيه، وليس معه نساء متصفات بالعدالة والعفة، ولو واحدة، فإذا خلا بها لحظة صغيرة، أو كان معهما واحدة متصفة بالعدالة والعفة فلا تعتبر الخلوة، أما إذا كان معها نساء متهتكات معروفات بالسقوط فإنهن لا يمنعن صحة الخلوة فإذا لم تثبت الخلوة وظهر بها حمل فإنها تعتد بوضعه ما لم ينفه الزوج بلعان، فإن نفاه فإن وضعه لا يكون عدة لها،ولكن يكون استبراء ولا نفقة لها عليه ولا يتوارثان. أما إذا ثبتت الخلوة ونفاه بلعان فإنها تعتد بوضعه. لأن نفيه إياه في الظاهر لا يرفع احتمال أن يكون منه في الواقع.
    الشرط الثالث: أن ينفصل الولد كله منها بعد الطلاق فلو نزل بعضه فإن عدتها لا تنقضي. وفي انقضاء العدة بنزول ثلثيه الخلاف المتقدم في عدة المتوفى عنها زوج وهي حامل.
    الشرط الرابع: أن يكون حملاً ولو قطعة لحم. وقد عرفت أنه يعرف بصب الماء الحار عليه فإن لم يذب كان حملاً.
    ثم إن المالكية قالوا: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأكثرها خمس سنين، وهذا هو المشهور الذي درج عليه القضاء عندهم، فإذا طلق امرأته واعتدت بالحيض أو بالأشهر في حال ما إذا مات عنها زوجها، وانقضت عدتها بثلاث حيض في الحالة الأولى، أو بأربعة أشهر وعشرة في الحالة الثانية ثم جاءت بولد لأقل من خمس سنين تحسب من زمن انقطاع وطئه عنها، فإن الولد يلحق نسبه بالزوج إن كان ميتاً بلا كلام، ويلحق بالمطلق إن كان حياً ما لم ينفه بلعان، بأن يدعي أنه ابن زنا ويلاعن بالكيفية الواردة في القرآن، كما يأتي في مباحث اللعان.
    هذا إذا لم تتزوج حتى انقضت عدتها بالأشهر إذا كانت متوفى عنها زوجها أو بالحيض إن كانت مطلقة، وليس الحيض دليلاً على انقضاء العدة عند ظهور الحمل، لأن الحامل قد تحيض عند المالكية، أما إذا تزوجت غيره قبل الحيض، أو بعد الحيض، ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من الزواج الثاني، فإن الولد ينسب إلى الزوج الأول، ويفسد نكاح الزوج الثاني، لأنه يتبين في هذه الحالة أنه نكحها وهي في العدة، وتنقضي عدتها في الاثنين بوضع الحمل، أما إذا ولدته لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني فإنه يلحق بالثاني، ولو ولدته قبل انقضاء أقصى مدة المحل من انقطاع وطء الثاني، وهي الخمس سنين، ولا يفسخ النكاح.
    وإذا ارتابت المرأة في وجود الحمل بعد انقضاء عدتها، فإنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تزول الريبة، ولو مكثت أقصى مدة الحمل، وهي خمس سنين، فإن تزوجت وهي مرتابة، فإن تزوجت قبل مضي الخمس سنين بأربعة أشهر، وولدت لخمسة أشهر من وطء الثاني، فإن الولد لا ينسب لواحد منهما، أما الأول فلأنها ولدته بعد الخمس سنين بشهر، وأما الثاني فلأنها ولدته لأقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر، وتحد المرأة لأنها تكون زانية، وقد استشكل بعض العلماء هذا فقال: إن الخمس سنين ليست محددة بكتاب الله، خصوصاً أن بعضهم قال: إن مدة الحمل قد تكون سبع سنين، وعلى هذا فينسب الولد الأول، ولا تحد المرأة.
    الشافعية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بوضع الحمل ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكون الحمل منسوباً إلى رجل له حق في العدة، ولو احتمالاً، فدخل بذلك الوطء بالعقد الصحيح والفاسد والوطء بشبهة الحمل الحاصل بسبب واحد من هذه الأشياء ينسب إلى الواطئ فيوجب العدة، أما وطء الزنا فإنه لا عدة فيه، ويحل التزوج بالحامل من الزنا ووطؤها وهي حامل على الأصح، فلو جهل حالها هل هو من الزنا، أو من وطء الشبهة، عوملت بوطء الشبهة بالنسبة للحد، فلا تحد، عوملت بوطء الزنا بالنسبة للعدة عليها، وقوله: ولو احتمالاً لإدخال وضع الحمل المنفي بلعان، فإنه وإن كان الولد لا ينسب إلى الواطئ لأنه زعم أنه تولد من الزنا، ولكن يحتمل أنه كاذب في الباطن فتنقضي العدة بوضعه، ولذا لو استلحقه بعد نفيه، يلحقه وينسب إليه، فإن حملت بزنا أو بوطء وهي تحت زوجها، ثم مات عنها فإنها تعتد عدة وفاة فلا تنقضي عدتها إلا بمضي أربعة أشهر وعشرة أيام، مثلاً إذا كانت متزوجة صبياً لا يولد لمثله، بأن كان دون تسع سنين، أو متزوجة برجل ممسوح، أي مقطوع الذكر والأنثيين، ثم مات فوجدت حاملاً، فإن عدتها لا تنقضي إلا بمضي أربعة أشهر وعشرة، بحيث لو وضعت قبلها فإن عدتها لا تنقضي، وذلك لأن الولد في هذه الحالة لا يمكن نسبته إلى الزوج لا حقيقة ولا احتمالاً. وهذا بخلاف ما إذا كان مقطوع الانثيين دون الذكر، أو العكس، فإنه في الحالة الأولى يحتمل أن ينزل ماءً تحمل منه، وفي الحالة الثانية يحتمل أن يساحقها فينزل المني بواسطة الانثيين. وعلى كل حال فلا تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل، لأن الولد ينسب إلى الميت.
    أما إذا طلقها فوطئها شخص آخر، وهي في عدتها بعقد فاسد، أو وطئها بشبهة فحملت منه فإنها في هذه الحالة تعتد عدتين: عدة وطء الشبهة وعدة الطلاق. وتبدأ بالعدة الأولى، فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الوطء الفاسد، ثم تعتد بعد انقضاء النفاس عدة كاملة بثلاثة أطهار، فإذا لم تحمل بالوطء الفاسد فإنها تبدأ بعد الطلاق، فتقضي ثلاثة قروء كاملة من وقت طلاقها بحيث لو كانت طاهرة بعد انقضاء نطقه بالطلاق، ثم حاضت يحسب لها ذلك طهراً كاملاً. وبعد أن تنتهي من عدة الطلاق تعتد عدة أخرى للوطء الفاسد بثلاثة قروء أخرى.
    وبهذا تعلم أن عدة الوطء الفاسد تقدم في حالة ما إذا حملت به، أما إذا لم تحمل فإن عدة الطلاق تقدم حتى ولو كان الوطء الفاسد قبل الطلاق، مثلاً إذا وطئها شخص بشبهة، وهي في عصمته، ولم تحمل من وطئه، ثم طلقها زوجها فإنها تعتد لطلاقه أولاً.
    هذا إذا وطئها شخص غير زوجها، أما إذا طلقها زوجها طلاقاً رجعياً قبل أن يراجعها فقد تقدم حكم ذلك في مبحث الرجعة، وهو إن كانت من ذوات الحيض تبتدئ عدتها من بعد الفراغ من الوطء وما مضى من العدة يسقط، أما ما بقي فإنه يدخل في العدة الجديدة لا فرق في ذلك بين أن تحمل من هذا الوطء أو لا، مثلاً إذا طلقها وهي غير حامل، ثم وطئها بعد مضي قرء من عدتها، فأحبلها بذلك الوطء، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل ويدخل فيها ما بقي لها من قرأين فلا تطالب بهما بعد انقضاء الوضع، وكذا إذا طلقها وهي حامل ثم وطئها قبل الوضع فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، ولا تطالب بعدة الاقراء بعد الوضع لأن الغرض من العدة معرفة براءة الرحم وهو مشغول، فلا حاجة لعدة أخرى، بل تدخل في عدة الحمل، لأنه هو صاحب العدة، وإذا كانت مكن ذوات الأشهر، فكذلك تبدأ عدتها من وقت الوطء، ويدخل فيها ما بقي من الأشهر وقولهم: إذا طلقها طلاقاً رجعياً احترز به عما إذا طلقها طلاقاً بائناً، ثم وطئها وهو عامل بالتحريم، فإن ذلك يكون زنا لا عدة له عندهم.
    وحاصل ذلك أنه إذا طلقها طلاقاً رجعياً، ثم وطئها قبل الرجعة كان ذلك الوطء وطء شبهة تعتد له، لأن بعض الأئمة يقول بجوازه، فلا فرق فيه بين أن يكون عالماً بالتحريم أو جاهلاً أما إذا طلقها طلاقاً بائناً ثم وطئها، فإن كان عالماً بالتحريم فإن وطأه يكون زنا، وإلا بأن كان قريب عهد بالإسلام ويجهل، أو يعلم التحريم، ولكنه ظنها امرأته الأخرى، فإنه يكون وطء شبهة يجب فيه العدة.
    هذا، وليس له أن يطأ حاملاً بوطء الشبهة، حتى ولو راجعها قبل وضع الحمل.
    الشرط الثاني: أن ينفصل منها الولد، فلو مات في بطنها ومكث سنين كثيرة ولم تلد، فإن عدتها لا تنقضي، ولو كانت حاملاً باثنين، فإن عدتها لا تنقضي إلا بانفصال الولد الثاني.
    الشرط الثالث: أن يكون الولد مخلقاً، بأن أخبر القوابل أنه حمل لظهور يد أو أصبع، أو ظفر بخلاف ما إذا وجد شك في أنه لحم إنسان، فإنها لا تنقضي به العدة، وكذا إذا أسقطت علقة غير مخلقة، فإنها لا تنقضي بها العدة.
    واعلم أن أقل مدة الحمل عند الشافعية ستة أشهر كغيرهم، وأكثرها أربع سنين فإذا فارق امرأته بطلاق بائن، أو رجعي، أو فسخ فجاءت بولد بعد أربع سنين، وتحسب من ابتداء فراقها ناقصة لحظة الوطء التي أحبلها بها قبل طلاقها لأن المعقول أن مدة الحمل تحسب من وقت علوق الولد لا من وقت طلاق المرأة، وأكثرها أربع سنين، فإذا حسبت من تاريخ فراق المرأة بطلاق ونحوه كانت أكثر من أربع سنين، فلا بد إذاً من أن يقال أربع سنين من وقت علوق الولد أو يقال: أربع سنين من وقت الفرقا ناقصة لحظة الوطء التي حملت فيها قبل الفراق، وعلى كل حال فإذا جاءت المرأة بولد بعد أربع سنين كان الولد ابناً للمطلق، إلا إذا تزوجت بغيره وكان الزوج الثاني قادراً على الوطء، أما إذا تزوجت ممن لا يمكنه الوطء لصغر أو غيره وجاءت بولد فإنه ينسب للمطلق أيضاً، لأن الزوج الثاني لعدمه، فإذا تزوجت المطلقة وهي في العدة، وكان الزوج الثاني يجهل كونها في العدة فولدت له لأكثر من أربع سنين من طلاق الزوج الأول كان الولد للزوج الثاني بشرط أن تلده لستة أشهر فأكثر من تاريخ وطئها، مثلاً إذا طلقت وهي من ذوات الحيض ومضت عليها ثلاث سنين وأربعة أشهر ولم تحض، ثم تزوجت بآخر ووطئها ثم ولدت بعد ثمانية أشهر.
    فإن الولد يكون للثاني، لأن أقصى مدة الحمل، وهي أربع سنين فقد انقضت وجاءت به لأكثر من ستة أشهر، ولو كان طلاق الأول رجعياً، على المعتمد، أما إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت وطء الثاني أو لأقل من أربع سنين من وقت طلاق الأول، فإن الولد يلحق بالأول، ثم إن المرأة تنقضي عدتها بوضع الحمل بالنسبة للزوج الأول، وتعتد ثانية للوطء الثاني المبني على نكاح الشبهة.
    هذا، وإذا أمكن نسبته لهما معاً بأن جاءت به لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني، ولأقل من أربع سنين من طلاق الأول، فإن الولد في هذه الحالة يعرض على القائف، أي الذي يعرف الشبه، فيقول:وجه هذا الولد كوجه فلان، أو يده، أو رجله، أو أصابعه، أو نحو ذلك، وما يحكم به القائف يعمل به، فإذا لم يوجد قائف، أو اختلفت القافة في أمره، فإن الولد يترك للبلوغ، وبعد البلوغ يختار أيهما شاء، وينسب إليه.
    وقولهم: ولو كان الزوج الثاني يجهل كونها في العدة خرج به ما إذا كان يعلم أنها في العدة، فإنه يكون زانياً لا يترتب على وطئه نسب ولا عدة، كما تقدم.
    الحنابلة - قالوا: يشترط في انقضاء العدة بوضع الحمل ثلاثة شروط:
    الشرط الأول: أن يلحق الولد الزوج، فإن لم يلحقه، كما إذا كان الزوج صغيراً دون عشر سنين أو كان ممسوحاً، وهو مقطوع الذكر والأنثيين أو مقطوع الأنثيين فقط، لأنه لا يلد، ثم توفي وتبين أن امرأته حامل، فإن عدتها لا تنقضي بوضع الحمل، لظهور أن الولد ليس ابنه، فلا يلحق نسبه به، ومثل ذلك ما إذا تزوجها، ثم مات عقب العقد بدون أن يمضي وقت يتمكن فيه من وطئها. أو دخل بها ثم مات عنها، وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت العقد، فإنها في كل هذه الأحوال لا تنقضي عدتها بالوضع، بل لا بد من مضي أربعة أشهر وعشراً إذا كانت حرة، ونصفها إذا كانت أمة، وتبدأ عدتها بعد وضع الحمل، فعليها عدتان: عدة الوطء الفاسد، وتنقضي بوضع الحمل، وعدة الزوج المتوفى، وتنقضي بأربعة أشهر وعشرة أيام، تبدأ فيها عقب الوضع، وإذا عقد عليها عقداً فاسداً، كما تزوجها بغير ولي أو شهود، ثم وطئها فحملت، وتوفي عنها، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإذا لم تحمل فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، كالمتوفى عنها زوجها بالعقد الصحيح، وهذا بخلاف ما إذا عقد عليها عقداً مجمعاً على بطلانه، كما إذا عقد على امرأة وهي في عدة غيره ووطئها، فإنه إذا توفي عنها وهي غير حامل، فإن عدتها تنقضي بثلاث حيض، لأن هذا العقد كالعدم، فالغرض من العدة ثبوت براءة الرحم بالحيض كما إذا زنا شخص بامرأة، فإنها يجب عليها أن تعتد بثلاث حيض، ولا تجب العدة بالخلوة في العقد الباطل المجمع على بطلانه، وإنما تجب بالخلوة في العقد الفاسد.
    والحاصل أن العدة تجب بالوطء، سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو زنا، وسواء كانت المرأة مكرهة أو مطاوعة، ولكن إذا توفي الزوج ولم تكن حاملاً، فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشراً في العقد الصحيح، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مدخولاً بها أو غير مدخول بها، فإن كانت حاملاً، وكان زوجها كبيراً يولد لمثله، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإن كان صغيراً لا يولد لمثله، أو ثبت أن الحمل ليس من زوجها المتوفى، فإن عدتها لا تنقضي بوضع الحمل، بل لا بد من أربعة أشهر وعشر تحسب لها عقب الولادة، ومثل العقد الصحيح العقد الفاسد، وهو الذي لم يصح عند الحنابلة، ولكن قال به غيرهم من الأئمة، كالعقد بغير ولي، أو شهود، أما العقد الباطل المجمع على بطلانه، فإنه إن وطئها ولم يحبلها، ومات عنها، فإن عدتها تنقضي بثلاث حيض، ومثل ذلك ما إذا زنى بها، وقد عرفت حكم ما إذا أحبلها، أما إذا طلقها وهو حي فسيأتي حكمه بعد، ولكن بفارق حكمه حكم المتوفى عنها زوجها فيما إذا طلقها وهو صغير لا يولد لمثله، فإنها لا عدة عليها أصلاً.
    الشرط الثاني: أن تضع كل الحمل، فإذا وضعت بعضه كثيراً كان أو قليلاً، فإن عدتها لا تنقضي وإذا كانت حاملاً باثنين فإن عدتها لاتنقضي إلا بوضع الثاني كله، ويصح العقد عليها بمجرد الوضع، ولكن يحرم وطؤها حتى تطهر من النفاس، ولو انقطع الدم. وإن وضعت ولداً وشكت في وجود آخر، فإن عدتها لا تنقضي حتى يزول الشك.
    الشرط الثالث: أن يكون الولد مخلقاً. فإن أسقطت مضغة فإن العدة لا تنقضي بها إلا إذا أخبر النساء الخبيرات بأن هذه المضغة إنسان فإن العدة تنقضي به. بخلاف ما إذا قالت الخبيرات إنه مبدأ خلق آدمي. فإنه لا تنقضي به العدة، بل لا بد أن تشهد بأن به صورة إنسان خفية. ومن باب أولى ما إذا وضعت علقة. أو دماً فإنه لا تنقضي به العدة.
    ثم اعلم أن أقل مدة الحمل عند الحنابلة ستة أشهر. كغيرهم. أما أكثرها فهي أربع سنين. وفاقاً للشافعية، وخلافاً للحنفية القائلين: إنها سنتان. والمالكية القائلين: إنها خمس سنين.
    فإذا تزوجت المطلقة. أو المتوفى عنها زوجها وهي في العدة فإن النكاح يقع باطلاً على كل حال ولا تنقطع عدتها حتى يطأها الزوج الثاني. سواء علم بالتحريم أو لم يعلم. فإذا فارقها الثاني بنت على عدتها من الأول. مثلاً إذا طلقها فحاضت حيضة وتزوجت بغيره زواجاً باطلاً كانت عدتها الأولى ما لم يطأها الثاني، فإذا وطئها انقضت العدة من الأول، فإذا فارقها الثاني بنت على عدة الأول، واستأنفت العدة من الثاني، فلا تتداخل العدتان، فعليها لزوجها الأول عدة قضت منها حيضة، وبقي عليها حيضتان، وعليها من الوطء الحرام عدة أيضاً تقضيها بعد عدة الزوج الأول ولا فرق في عدة الأول بين أن تكون حيضاً أو شهراً، فإذا جاءت بولد، فإن كان لأقل من ستة أشهر من تاريخ وطء الثاني فإنه يكون للأول، بشرط أن لا يكون سقطاً، بل يعيش كالأولاد، كما تقدم، وبه تنقضي عدة الزوج الأول، ويكون عليها عدة للوطء الثاني بثلاثة قروء، أما إذا ولدته لستة أشهر فأكثر، فإنه ينسب للثاني وبه تنقضي عدة الوطء الثاني، وتبقى عليها عدة كاملة للزوج الأول، فتعتد به بثلاثة قروء بعد ولادتها أيضاً.
    هذا إذا أمكن نسبته إلى الثاني فقط، بأن جاءت به لستة أشهر فأكثر من تاريخ وطئه، ولأربع سنين فأكثر من تاريخ طلاقها من زوجها الأول، كأن كانت تحيض كل ثلاث سنين ونصف مرة. أو تأخر حيضها بسبب من الأسباب، ثم حاضت بعد هذه المدة، وتزوجت بآخر قبل أن تحيض الحيضتين الباقيتين، فوطئها وولدت لستة أشهر فأكثر من تاريخ وطئه، فإن الولد في هذه الحالة ينسب للثاني بلا كلام، لأنها ولدته بعد انقضاء أكثر من مدة الحمل من تاريخ الفراق، وأقل مدة الحمل من تاريخ الوطء، فلا شبهة في كون الولد للثاني، أما إذا أمكن نسبة الولد لهما معاً بأن جاءت به لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني، ولأقل من أربع سنين من تاريخ طلاقها من الأول، فإن الولد يبحث بمعرفة القافة، بأن ينظر القائف في الواطئين وفي الولد، فإذا ألحقوه بواحد منهما كان ابنه وانقضت به عدتها، وبقيت عليها عدة الآخر ثلاثة قروء، والمراد بالقافة من لهم خبرة بشبه الولد بأبيه.
    هذا ما قاله الفقهاء، ولعله يقوم مقامه في زماننا تحليل الدم، فإذا أمكن معرفة كون دم الطفل من دم والده يكون حسناً، وإذا لم يمكن معرفة شبهه بواحد منهما، أو اختلف القافة في أمره، فإن عليها أن تعتد بثلاث حيض بعد وضعه على أي حال، سواء كانت العدة للأول أو للثاني أو يتزوجها بعد انقضاء الثلاث حيض بعقد صحيح.
    واعلم أنه إذا تزوج معتدة، وهما عالمان بالعدة وعالمان بتحريم النكاح فيها، ووطئها كانا زانيين عليهما حد الزنا، ولا مهر لها لأنها زانية مطاوعة. ولا نظر لشبهة العقد لأنه باطل مجمع على بطلانه إلا إذا كانت معتدة من الزنا. فإنها تعتد عند الحنابلة بثلاثة قروء وإن كانت من ذوات الحيض وبثلاثة أشهر إن كانت آيسة، كما تقدم، فإذا زنى رجل بامرأة واعتدت من الزنا، وتزوجها آخر، وهي في العدة، ووطئها لم يكونا زانيينن بل يكون وطء شبهة، لن نكاحهما في هذه الحالة قال بجوازه الحنفية، والشافعية، إلا أن الشافعية يقولون بجواز وطئها ولو حاملاً أما إذا جهلا انقضاء العدة، فإن النسب يثبت وينتفي الحد ويجب المهر، وإن علم هو دونها فعليه الحد وعليه المهر دونها بالعكس إذا علمت هي دونه، فإن عليها الحد ولا مهر لها) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #226
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث العدة]
    صـــــ 465 الى صــــــــ
    464

    الحلقة (226)

    دليل عدة الحامل، وحكمة مشروعيتها

    -اتفق الأئمة على أن وضع الحمل تنقضي به عدة المتوفى عنها زوجها، ولو بعد وفاته بلحظة، بحيث يحل لها بعد نزول ما في بطنها جميعه وانفصاله منها أن تتزوج، ولو قبل دفن زوجها المتوفى، ودليلهم على هذا قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} إذ هو عام يشمل المتوفى عنها زوجها، وغيرها، وهذا هو رأي ابن مسعود ومن تبعه من الأئمة الأربعة وخالف علي، وابن عباس، ومن تبعهما، فقالوا: إن المتوفى عنها زوجها وهي حامل إذا وضعت حملها قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن عدتها لا تنقضي بوضع الحمل بل لا بد من انتظار مضي المدة بتمامها، أما إذا انقضت مدة أربعة أشهر وعشرة أيام قبل الوضع فإن عدتها لا تنقضي إلا بوضع الحمل، لأنه حمل الزوج المتوفى فتجب صيانته، ودليلهم على ذلك قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً} فإنها عامة تشمل الحامل والحائل، وقد يقال في وجهة نظر علي، وابن عباس رضي الله عنهما: إن عدة المتوفى زوجها لوحظ فيها أمران: براءة الرحم، وحرمة الزوج المتوفى، ورعاية خاطر أهله الأحياء، فحظر الله علي المرأة المتوفى عنها زوجها أن تبادر بمفاجأة أهله المكلومين بالتزوج بغير المتوفى، حرصاً على نفوسهم من التألم بآلام الغيرة، فقدر لها أقل مدة يسهل فيها على نفوس أهل الميت أن تتزوج امرأته بغيره، ويرشد لذلك ما كان عليه أهل الجاهلية بإزاء ذلك فإنهم كانوا يحبسون المرأة التي مات زوجها فيحرمونها من الزينة، ومن التزوج، ومن كل شؤون الحياة طول حياتها، فأنزلهم الله عن عادتهم هذه تدريجاً،كما هو الشأن في أحكام الشريعة الإسلامية، ففرض على المرأة أن تنتظر سنة بعد وفاة زوجها، فلما استقر ذلك الحكم في أنفسهم أنزل العدة إلى أربعة أشهر وعشراً وهي أقل مدة ممكنة، وجعلها حكماً مستمراً، وإنما قدرت بهذا العدد بخصوصه، لأنك قد عرفت أن الغرض من مشروعية العدة براءة الرحم من جهة، وحقوق الزوجية من جهة أخرى، ولما كان الولد في أول خلقه يمكث في الرحم أربعين يوماً نطفة، وأربعين بوماً علقة، وأربعين يوماً مضغة، ثم ينفخ فيه الروح التي بها الحياة، والحس، والحركة، فقد قدر لبراءة الرحم هذه الأشهر الأربعة مضافاً إليها عشرة أيام تظهر فيها حركته، فتتحقق المرأة من شغل الرحم وعدمه بعد هذه العدة، وتؤدي حقوق الزوج وأهله، ولا يقال: إن هذا التعليل إنما يصح إذا كانت المرأة من ذوات الحيض المستعدات للحمل، أما إذا كانت صغيرة لا تحيض، أو آيسة، أو كانت غير مدخول بها، فإن هذا التعليل لا ينطبق عليها، لأنا نقول: إن هذه المدة وإن كانت لذوات الحيض، ولكن جعلت مقياساً عاماً للجميع، طرداً للباب على وتيرة واحدة.
    ولا يخفى حسن التعليل ونفاسته، ومنه يتضح أن الظاهر المعقول يؤيد رأي علي، وابن عباس رضي الله عنهما، فإن المرأة إذا وضعت حملها في الأسبوع الأول مثلاً من وفاة زوجها وتزوجت بغيره لم يكن لضرب مدة الأربعة أشهر وعشر للمتوفى عنها زوجها فائدة مع أن فائدته ظاهرة، وهي احترام علاقة الزوجية وتعظيمها بين الناس، والحرص على قلوب أهل الزوج المتوفى من التصدع، ولا يقال: إنه قد توجد ظروف قاسية توجب الرحمة بالزوجة والشفقة عليها، وتجعل زواجها سريعاً أمراً ضرورياً لحياتها، خصوصاً إذا وجدت الزوج الكفء الذي لا يصبر، وقد يضيع منها، ولكنا نقول: إن هذا الكلام يأتي في غير الحامل أيضاً إذ ربما تكون في حالة تحتاج معها للزواج. ومع ذلك فإنه لا يحل لها أن تتزوج إلا بعد انقضاء أربعة شهور وعشرة أيام مهما وجد الكفء أو ذهب، ومهما توقفت حياتها عليه، ولكن الأئمة الأربعة لم ينظروا إلى هذه العلل فلذا قالوا: إن العدة أمر تعبدي ليست له حكمة ظاهرة ولكني أعتقد أن قضايا الشريعة السمحة قسمان: قسم يتعلق بالعبادات، وهذه يصح أن يقال فيها: إنها أمور تعبدية، لأنها جميعها أمارات للخضوع والخشوع، والسلطان له أن يضع منها ما يريد بدون أن يقال له: لم فعلت هذه الرسوم دون تلك، وقسم يتعلق بمعاملات الناس بعضهم بعضاً من بيع وشراء وأحوال شخصية، وهذه لا بد لها من حكمة معقولة تناسب أحوال الناس ومصالحهم على أن العبادات في الشريعة الإسلامية قد اشتملت على كثير من الحكم الظاهرة والأسرار البديعة، كما هو ظاهر لمن يتتبع أسرار الطهارة، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، فإن منافعها المادية والأدبية ظاهرة في المجتمع الإنساني ظهور الشمس في رابعة النهار.
    هذا ما يتعلق بحكمة التشريع، أما ما يتعلق بفهم ذلك من الآيتين الكريمتين، فحاصله أن آية {والذين يتوفون منكم} عامة من وجه فرض انتظار مدة أربعة شهور وعشراً عن المتوفى عنها زوجها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، وخاصة من وجه، وهو كون الكلام في خصوص المتوفى عنها زوجها، لأنه قال: {والذين يتوفون منكم} أما الآية الثانية، وهي قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فكذلك عامة من وجه، وهو أن وضع الحمل تنتهي به عدة المرأة مطلقاً سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها، وخاصة من وجه، وهو كون الكلام في عدة الحامل بخصوصها، لا في عدة المتوفى عنها زوجها، فكان الاجتهاد في مثل هذا لازماً لا بد منه لدفع ما ظاهره التضارب بين الآيتين، فيمكن أن يقال في بيان اجتهاد علي وابن عباس أنهما قد فهما الآية الأولى على ما هي عليه من كونها خاصة بالمتوفى عنها زوجها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، وجعلا انقضاء مدة أربعة أشهر لازماً للحامل وغيرها، وفهما الآية الثانية على حالها أيضاً، فوافقا على أن وضع الحمل تنقضي به عدة المفارقة حال الحياة وبعد الموت، إلا أنهما قيداه في المفارقة بعد الموت بأربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا وضعت قبلها تنتظرها، فخصا الآية الثانية في المتوفى عنها زوجها بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام المنصوص عنها في الآية الأولى، عملاً بحكمة التشريع التي ذكرناها. أما ابن مسعود ومن تبعه من الأئمة الأربعة فإنهم قالوا: إن الآية الثانية نسخت الآية الأولى بالنسبة للحامل، فمتى وضعت الحمل فإنها لا تنتظر لحظة واحدة، بل تحل للأزواج ولو لم يدفن زوجها، وعلى هذا تكون مدة الأربعة أشهر وعشراً، كان حكماً مؤقتاً للحامل المتوفى عنها زوجها، ثم نسخ.
    وقد روى صاحب أعلام الموقعين: أن الصحابة قد اتفقوا بعد ذلك على أن وضع الحمل تنقضي به العدة على أي حال تيسيراً للنساء، فقال ما نصه: وقد كان بين السلف نزاع في المتوفى عنها زوجها أنها تتربص أبعد الأجلين، ثم حصل الاتفاق على انقضائها بوضع الحمل اهـ. على أنه لم يذكر لدعوى الاتفاق هذه سنداً، والمفسرون لم يذكروا هذا الاتفاق، ومع هذا فإنني لا أدري كيف يوفق بين هذا وبين قوله بعد هذا بأسطر قليلة ما نصه: وليس المقصود بالعدة ههنا مجرد استبراء الرحم، كما ظنه بعض الفقهاء لوجوبها قبل الدخول، ولحصول الاستبراء بحيضة واحدة ولاستواء الصغيرة والآيسة وذوات الحيض في مدتها، فلما كان الأمر كذلك قالت طائفة هي تعبد محض لا يعقل معناها وهذا باطل لوجوه: منها أنه ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة، يعقله من عقله، ويخفى على من خفي عليه، ومنها أن العدة ليست من باب العبادات المحضة، فإنها تجب في حق الصغيرة والكبيرة والعاقلة والمجنونة والمسلمة والذمية ولا تفتقر إلى نية، ومنها أن رعاية حق الزوج والولد والزوج الثاني ظاهرة فيها.
    فالصواب أن يقال: هي حرام لانقضاء آثار النكاح، ولهذا تجد فيها رعاية لحق الزوج وحرمة له الخ ما قال.
    فأنت ترى من عبارته هذه أنه لا يوافق بعض الفقهاء الذين يقولون: إن العدة شرعت لبراءة الرحم في ذوات الحيض، وما زاد على حيضة واحدة فهو للاحتياط، أما غير ذوات الحيض فالعدة فيهن أمر تعبدي، وأنه يرى ما قررناه من أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالحقوق لا بد فيها من مراعاة الحكم الموافقة لمصلحة الناس، على أن ظاهر عبارته تفيد أن الحكمة لا بد منها حتى في العبادات وقد عرفت أنه ليس بضروري، لأن العبادات هي أمارات الخضوع، فلا يسأل السلطان عن حكمتها. وإذا كان كذلك فأين رعاية حق الزوج المتوفى إذا وضعت الحمل بعد موته بيوم، ثم تزوجت بغيره. وما حكمة مدة أربعة أشهر وعشرة أيام التي ضربها الله للمتوفى عنها زوجها إذا لم يكن ذلك لمراعاة حق الزوج المتوفى وحق أهله؟!، ولماذا لم يجعل الله عدة المتوفى عنها زوجها كغيرها، فإن كانت حاملاً كانت عدتها وضع الحمل، وإذا كانت من ذوات الحيض كانت عدتها ثلاث حيض. أو ثلاثة أطهار، وإذا كانت آيسة لم تكن لها عدة، كما إذا كانت غير مدخول بها، لأن براءة رحمها محققة؟ لا شك أن هذا واضح، وأن القائلين بتعليل العدة لا يسعهم إلا اتباع علي، وابن عباس، أما الأئمة الأربعة الذين قالوا: إن عدة الحامل تنقضي بمجرد انفصال الجنين منها، ولها أن تتزوج ولو لم يدفن زوجها المتوفى، فإنهم قالوا: إن قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} نسخ عموم قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم} الخ، وأن العدة إما لبراءة الرحم. وإما أمر تعبدي تعبدنا الله به من غير حكمة، فلا يرد عليهم ما ورد على صاحب اعلام الموقعين.
    انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وهي حامل
    -قد عرفت مما تقدم أن عدة المتوفى عنها زوجها وهي حامل تنقضي بوضع الحمل، ولو بعد وفاته بلحظة باتفاق المذاهب، وعرفت شروط انقضاء العدة بوضع الحمل، وعرفت رأي المخالفين في بعض الصور، ودليل كل، والآن نذكر لك في عدة المتوفى عنها زوجها، وهي حائل، أي غير حامل، وهي أربعة أشهر وعشر للحرة، ونصفها، وهي شهران وخمسة أيام للأمة، لا فرق في ذلك بين أن تكون الزوجة صغيرة أو كبيرة، مدخولاً بها. أو لا، آيسة من المحيض. أو من ذوات الحيض، ولانقضاء العدة المذكورة شروط مفصلة في المذاهب (1) .
    مبحث عدة المطلقة إذا كانت من ذوات الحيض وفيه معنى الحيض وشروطه

    -إذا فارق زوجته حال الحياة بطلاق، أو فسخ، وكانت من ذوات الحيض، فإنها تعتد بثلاثة قروء، لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ، والمراد بالمطلقات في الآية غير الحوامل طبعاً، بدليل قوله تعالى: {وأولات الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فإنها عامة تشمل المطلقات، والمتوفى عنهن أزواجهن، فخصصت قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن} بغير الحوامل، وهذه عدة الحرة، أما عدة الأمة فعلى النصف من عدة الحرة ولكن لم كان القرء لا ينتصف كانت عدة الأمة قرأين كاملين، ويتعلق بهذا المبحث مسائل: أحدها: ما المراد بالقرء؟ ثانيها: هل المرضعة التي يتأخر حيضها بسبب الرضاع تعتد بالحيض بعد فطام الطفل، أو تهتد بالأشهر؟. ثالثها: ما عدة المريضة التي انقطع حيضها بسبب المرض؟. رابعها: ما عدة المرأة الني يستمر بها الدم، ويقال لها: المستحاضة؟ خامسها: ما عدة المرأة التي تأتيها الحيضة كل سنة، أو سنتين إلى خمس سنين مرة، أو كل عشر سنين مرة؟.
    سادسها: ما عدة المرأة التي تبلغ بغير الحيض، ولم تر الحيض بعد ذلك؟ في الجواب عن هذه المسائل تفصيل المذاهب (2) .
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بمضي أربعة أشهر وعشر من وقت وفاة الزوج شروط:

    أحدها: أن الوفاة إذا وقعت في غرة الشهر، أي وقت شروق هلاله فلا بد من انقضاء أربعة شهور هلالية وعشرة أيام بلياليها، فلو مات بعد الفجر يحسب اليوم الذي مات فيه وتسعة أيام بعده، فيكون عشرة أيام وتسع ليال، فلا بد حينئذ من انقضاء الليلة العاشرة على المعتمد أما إذا توفي في أثناء الشهر فتحسب العدة بالأيام، فلا تنقضي إلا بمرور مائة وثلاثين يوماً بلياليها وقيل: إذا توفي في أثناء الشهر يحسب لها ما بقي من الشهر الذي مات فيه بالأيام، أما الشهر الذي يليه فيحسب بالأهلة، وكذا ما بعده، ثم تكمل الأيام الناقصة من الشهر الخامس مضافة إلى العشرة أيام، وقد تقدم لذلك إيضاح في مباحث الإيلاء، ومبحث العنين.
    ثانيها: أن يكون الزواج بصحيح العقد، فإذا عقد عليها عقداً فاسداً ووطئها ثم مات عنها، تعتد بثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض وإن كانت آيسة أو حاملاً فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر أو وضع الحمل، فعدة الموطوءة بعقد فاسد أو بشبهة إن كانت حرة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر إن كانت آيسة أو وضع الحمل، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها فإن كانت أمة فعدتها حيضتان. أو شهر ونصف، أو وضع الحمل.
    ثالثها: أن يستمر النكاح صحيحياً إلى الموت، فإذا فسد قبل الموت وجبت عليها عدة النكاح الفاسد، مثلاً إذا كان المكاتب متزوجاً أمة مملوكة للغير، ثم اشتراها ومات عنها فإن ترك ما لا يفي ما عليه من دين الكتابة وثمنها فإن العقد يفسد لأنه يكون كالحر في هذه الحالة، والحر لا يصح له أن ينكح أمة بعقد الزواج، وفي هذه الحالة تعتد عدة النكاح الفاسد، وهو حيضتان إن كان قد وطئها، وإلا فلا عدة لها أصلاً، لأن الفاسد لا عدة له، أما إذا مات ولم يترك ما يفي بدينه، فإن العقد يظل صحيحياً، لأن الاثنين يكونان مملوكين فتعتد عدة الوفاة، وهي شهران وخمسة أيام في حق الأمة.
    رابعها: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً في المرض الذي مات فيه، ويقال لهذا الطلاق: طلاق الفار وهو أن يطلق زوجته طلاقاً بائناً في المرض الذي يموت فيه بدون رضاها، ثم يموت قبل انقضاء عدتها وحكم هذا أن المرأة تعتد عدتين: عدة طلاق وعدة وفاة، على أن تحسب لها ما يدخل في إحداهما، مثلاً إذا كانت من ذوات الحيض وحاضت بعد طلاقها، ثم توفي، فإن عدتها تبتدئ من وقت الوفاة بأربعة أشهر وعشر. بشرط أن تحيض ثلاث حيض من وقت الطلاق، فتحسب لها الحيضة التي حاضتها قبل وفاته، ولا بد لها من حيضتين في عدة الوفاة، فإذا لم تحض في المدة فلا تنقضي عدتها حتى تحيض الحيضتين الباقيتين، فإذا لم تحض لا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن الإياس، فإذا طلقها، وهي من ذوات الحيض، ولم تحض قبل وفاته ثم توفي اعتدت عدة وفاة، فإذا رأت فيها ثلاث حيض، فذاك، وإلا كان عليها أن تنتظر حتى تحيض ثلاث حيض.
    والحاصل أن عدتها تنقضي بأربعة أشهر وعشرة من وقت الوفاة. وثلاث حيض من وقت الطلاق، فإن حاضت بعضها خارج المدة، وبعضها في المدة حسبت لها، كما إذا حاضتها كلها في المدة وإذا لم تحضها كلها في المدة ولا بعضها، فإنه يلزمها أن تنتظر ثلاث حيض بعدها، فإذا لم تحض فإن عدته لا تنقضي.
    هذا ما يختص بالعدة. أما الميراث فإن حقها لا يسقط فيه، فالزوجية باقية حكماً في حق الإرث.
    وقولنا: طلاقاً بائناً خرج به ما إذا طلقها طلاقاً رجعياً، فإنه إن مات بعد انقضاء عدتها، فقد انقطعت الزوجية بينهما وسقط حقها في الميراث، ولا تعتد عدة وفاة، وإن مات وهي في العدة فإنها تعتد عدة وفاة بلا كلام، كما لو كانت زوجته. ولا فرق في هذه الحالة بين أن يطلقها في مرض الموت أو في حالة صحته، ثم يموت قبل انقضاء عدتها، لأنها زوجته وترث منه، وقولنا: بدون رضاها خرج به ما إذا طلقها طلاقاً بائناَ برضاها، فإنها تعتد عدة طلاق، ولا يكون لها حق في الميراث وقولنا: في المرض الذي يموت فيه خرج به ما إذا طلقها في حال صحته طلاقاً بائناً، فإنها لا ترث، ولا تنتقل عدتها إلى عدة الوفاة.
    واعلم أن عدة الوفاة تنقضي بأربعة أشهر وعشرة أيام في غير عدة الفار مطلقاً، سواء كانت المتوفى عنها من ذوات الحيض أو لا، كما ذكرنا، وسواء حاضت في العدة المذكورة أو لا. كما إذا كانت مرضعة وتأخر حيضها أو حاضت مرة في حياتها. وامتد طهرها إذ لا دخل للحيض في عدة الوفاة، إلا إذا كانت حاملاً فإنها لا تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل كما تقدم.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #227
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث العدة]
    صـــــ 465 الى صــــــــ
    464

    الحلقة (227)

    المالكية - قالوا: يشترط لانقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وهي غير حامل - بانقضاء أربعة أشهر وعشر - شروط:
    أحدها: أن يكون العقد صحيحاً مجمعاً على صحته، أو مختلفاً في صحته عند الأئمة، كما إذا عقد عليها وهي محرمة بالنسك، فإن العقد مختلف في صحته، إذ الحنفية يقولون أنه صحيح، أما إذا كان فاسداً فساداً مجمعاً عليه. كنكاح الخامسة، والمحرم، فإن عدتها تكون كعدة المطلقة وهي ثلاثة أطهار إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن كانت آيسة من المحيض، فمن عقد على امرأة عقداً مجمعاً على فساده ووطئها ثم مات عنها فإن عدتها تكون كعدة المطلقة، وقد تقدم بيان الفاسد المجمع على فساده، وغيره في صحيفة 120 إذا لم يدخل بها فإنه لا عدة عليها. ثانيها: أن يكون مسلماً، فإذا كان ذمياً تحته ذمية مات عنها، وأراد مسلم أن يتزوجها فإن عدتها تكون ثلاثة أشهر إن كانت آيسة من المحيض، وثلاثة أطهار إن لم تكن، وكذا إذا أراد أن يتزوج بها غير مسلم، وترافعا إلينا لنقضي بينهما في ذلك. هذا إذا كانت مدخولاً بها، وإلا فلا عدة عليها أصلاً.
    ثالثها: أن تتم أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها.
    رابعها: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً ثم يموت عنها وهي في العدة، فإن حدث ذلك فإنها لا تنتقل عدتها إلى الوفاة، بل تعتد عدة الطلاق وتستمر على عدتها، وهذا بخلاف المطلقة رجعياً، فإنه إذا مات عنها وهي في العدة فإن عدتها تنتقل إلى عدة الوفاة، بحيث يلزمها أن تتربص أربعة شهور وعشراً من وقت وفاته، ولو حصلت الوفاة قبل تمام الطهر الثالث بيوم، وإن كانت أمة تنتقل عدتها إلى الوفاة على النصف من الحرة.
    خامسها: يشترط في المدخول بها أن تنتقضي مدة أربعة أشهر وعشر قبل أن يأتيها زمن حيضها، وأن تقول النساء: إنه لا ريبة في براءة رحمها من الحمل. ومعنى ذلك أنها إذا كانت مرضعة مثلاً وتوفي عنها زوجها، ومن عادتها أن لا تحيض في مدة الرضاع وانقضت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل حلول موعد حيضها، فإن عدتها تنقضي إذا قالت النساء: إنها لا ريبة حمل بها، ومثل ذلك ما إذا كانت تحيض كل خمسة أشهر مرة، وتوفي في أول طهرها، فإنها تمكث أربعة أشهر وعشرة أيام طاهرة قبل أن يأتي زمن حيضها، وفي هذه الحالة تنقضي عدتها إذا قالت النساء أنه لا ريبة بها، أما إذا ارتابت في حملها النساء أو ارتابت هي، فإنها يجب عليها أن تنتظر تسعة أشهر، فإن زالت ريبة الحمل فذاك، وإلا انتظر حتى تحيض أو يمضي عليها أقصى مدة الحمل وهي خمس سنين على الراجح. وقيل: أربع سنين وقيل غير ذلك، فإن كانت تحيض في أثناء المدة وحاضت فإن عدتها تنقضي بالمدة، وإن لم تحض فإن تأخرت عادتها فإن عدتها لا تنقضي حتى تحيض فإذا حاضت انقضت عدتها، وإن لم تحض تنتظر الحيض إلى تسعة أشهر فإن انقضت تسعة أشهر وارتابت في حملها، أو ارتاب النساء فيه فإنها تنتظر حتى تزول الريبة، أو يمضي أقصى زمن الحمل المذكور.
    ولا يخفى أن نظرية المالكية في اعتمادهم على قرار النساء خصوصاً الخبيرات يرفع الإشكال في زماننا بتاتاً، لأن الطبيبات المتعلمات يمكنهن الحكم بوجود الحمل وعدمه جزماً بدون انتظار زائد على أربعة أشهر وعشر.
    والحاصل أن المدخول بها إن توفي عنها زوجها، فإنه ينظر أولاً لعادتها في الحيض، فإن كانت لا تأتيها الحيضة في مدة أربعة أشهر وعشرة أيام بأن كانت تحيض كل خمسة أشهر مرة وتوفي زوجها، وهي في أول طهر انقضت عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام، بشرط أن لا ترتاب في براءة رحمها، بأن تشعر بحمل، أو ترتاب النساء التي تراها، فإن ارتابت فإن عدتها لا تنقضي، بل تنتظر على الوجه الذي تقدم، أما إن كانت تأتيها الحيضة في أثناء أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن حاضت فيها ولو مرة فإن عدتها تنقضي بانقضاء مدة أربعة أشهر وعشراً، وإن لم تحض لسبب مجهول، أو لمرض على الراجح، فإن عدتها لا تنقضي حتى تحيض، وإلا انتظرت تسعة أشهر، فإن لم تحض وارتابت في الحمل، أو ارتاب النساء انتظرت حتى تزول الريبة. أو تمضي خمس سنين، وهي أقصى مدة الحمل.
    الشافعية - قالوا: يشترط لانقضاء عدة المتوفى عنها غير الحامل بالأشهر المذكورة شروط:
    أحدها: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً. فإن طلقها طلاقاً بائناً وتوفي عنها، وهي في العدة، فإنها تستمر على عدتها للطلاق، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، فإذا كانت حاملاً وكان طلاقها بائناً استمرت نفقة عدتها إلى أن تضع الحمل، بخلاف ما إذا طلقها طلاقاً رجعياً. وتوفي عنها، وهي في العدة، فإن عدتها تنتقل من الطلاق إلى عدة الوفاة، وتسقط بقية عدة الطلاق، كما تسقط نفقتها، وذلك لأن العدة التي استحقت عليها النفقة بطلت وانتقلت إلى عدة جديدة، ولذا يجب عليها الإحداد، وهو ترك الزينة، بخلاف المطلقة طلاقاً بائناً، فإنه لا يجب عليها، لما علمت أنها باقية على عدتها الأولى، فلم تنتقل إلى عدة الوفاة.
    ثانيها: أن لا ترتاب في براءة رحمها من الحمل، فإن ارتابت، أي شكت في وجود حمل لثقل أو لحركة في بطنها، فلا يخلو إما أن تحدث لها الريبة قبل انقضاء العدة، أو بعدها، فإذا حدثت لها قبل انقضائها، فإنه يجب عليها أن تنتظر حتى تزول الريبة، بحيث لو انقضت عدتها وتزوجت غير زوجها المتوفى وقع النكاح باطلاً، حتى ولو تبين أنها غير حامل في الواقع، فعليها تجديد عقد، وبعضهم يقول: إن النكاح الأول يبقى على حاله، لأن الواقع دل على أنه صحيح، فإذا استمرت مع الزوج الثاني على النكاح الباطل، فولدت لأكثر من ستة أشهر لحق الولد به، وإن أمكن كونه من الأول، بأن ولدته لأقل من أربع سنين من تاريخ طلاقها، لأنها في هذه الحالة تكون قد ولدته لأقل مدة الحمل، فيمكن نسبته للأول، أما إن ولدت لأقل من ستة أشهر، فإن الولد يلحق بالأول، وإن أمكن نسبته إلى الثاني، بأن ولدته لأكثر من أربع سنين، أما إذا حدثت لها الريبة بعد انقضاء عدتها، فإنه يسن لها أن تصبر على الزواج، حتى تزول الريبة، فإذا خالفت السنة وتزوجت بآخر لم يبطل النكاح لانقضاء العدة ظاهراً، إلا إذا قامت قرينة قاطعة على بطلانه، بأن تلد لأقل من ستة أشهر من إمكان علوق الولد بعد العقد، بأن يتمكن الزوج الأول من وطئها وإحبالها، فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر من ذلك التاريخ، فإنه يتبين بذلك بطلان العقد الثاني، وأن عدتها من الأول لم تنقض، ويلحق نسب الولد للأول، إذا أمكن نسبته إليه بحيث لا تلده لأقل من أربع سنين، وهي أكثر مدة الحمل، أما إذا ولدته لأكثر من أربع سنين، فإنه لا يمكن إلحاقه به، كما تقدم، أما إذا ولدت لأكثر من ستة أشهر، فإن العقد الثاني يكون صحيحاً، ويكون الولد للثاني، ولم يذكر الشافعية هنا ما إذا أمكن إزالة الريبة بالوسائل الطبية، ومعرفة النساء الخبيرات، ولكنهم قالوا:
    إنه يعمل برأي القابلة في الاخبار عن السقط، بأنه لحم إنسان، فقالوا: إذا أخبرت بذلك أربع قابلات - أي مولدا - فإن لها أن تتزوج ظاهراً وباطناً، ويقوم مقام القوابل الأربع رجلان خبيران، وإذا أخبرت قابلة واحدة فإنها يصح لها أن تتزوج باطناً، وعلى هذا فمبدأ الاعتماد على المرأة الخبيرة معتبر عند الشافعية، والغرض واحد، وهو التحقق من براءة الرحم، فيصح حينئذ أن تعرض المرأة المرتابة نفسها على الطبيبات الخبيرات عند الريبة لتتحقق من عدم الحمل، وتستريح من هذا العناء.
    واعلم أن هذا الشرط ليس خاصاً بانقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، بل يتناول عدة المطلقة أيضاً، والمفسوخ نكاحها.
    وقد عرفت من مبحث - انقضاء العدة بوضع الحمل - أن الصبي. والممسوح، وهو مقطوع الذكر والأنثيين، إذا ماتا عن زوجة فإن عدتها أربعة أشهر وعشر من تاريخ الوفاة، ولو ظهر بها حمل، فقد عرفت أنه إن كان حملها من الوطء بشبهة فعليها عدتان: بأن تنتظر حتى تضع وتنقضي به عدة الوطء بشبهة ثم تشرع في عدة الوفاة بعد الوضع، وتنتظر أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن مات عنها زوجها وهي غير حامل، ثم في أثناء عدتها وطئت بشبهة وحملت من هذا الوطء، فإن عدة الوطء بشبهة تنقضي بوضع الحمل، ويحسب لها ما انقضى قبل الوطء من عدة الوفاة، فتبني عليه بعد الوضع، أما إذا كان حملها من زنا، كأن زنى بها شخص وهي تحته، فأحبلها الزاني ومات عنها الزوج فإن عليها أن تعتد عدة وفاة، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، وبذلك تنقضي عدتها، سواء وضعت الحمل. أو لا. ويحل للأزواج تزوجها ووطؤها. وهي حامل على الأصح. لأن المتولد من ماء الزنا لا حرمة له. فإذا أراد شخص أن يتزوج بها. وهي حامل. وجهل حالها. فلا يدري إن كان حملها من زنا. أو من وطء بشبهة. ففيه قولان مصححان: أحدهما أنه يحمل على الزنا فله العقد عليها ووطؤها. ثانيهما: يحمل على وطء الشبهة، فيتركها حتى تنقضي عدتها، والصحيح أنه يحمل على الوطء بشبهة ليندفع عنها الحد، ويحمل على الزنا في جواز العقد عليها ووطئها، فيحل تزوجها ووطؤها بدون عدة.
    وبهذا تعلم أنها إذا حملت بعد وفاته، وهي في العدة، من الزنا، فإن حملها لا يقطع عدة الوفاة.
    الشرط الثالث: أن تنقضي أربعة أشهر هلالية وعشرة أيام بلياليها، والشرط اعتبار الهلال بقدر الإمكان، فإذا مات في غرة الشهر، أي في أول رؤية هلاله، فلا بد من انقضاء أربعة أشهر هلالية وعشرة أيام بلياليها، كما ذكرنا، أما إذا مات أثناء الشهر فإنها تحسب الباقي من الشهر الذي مات فيه بالأيام، وتكمل الناقص من أيام الشهر الخامس، وما بينهما تحسبه بالأهلة، مثلاً إذا مات في نصف شهر شعبان فإنها تحسب خمسة عشر يوماً من شعبان، وتحسب ثلاثة أشهر بالأهلة، وهي رمضان. وشوال. وذو القعدة. وتأخذ من ذي الحجة، وهو الشهر الخامس لوفاته خمسة عشر يوماً تكمل بها شعبان. لتتم أربعة أشهر كاملة، ثم تأخذ منه عشرة أيام بلياليها فتنقضي عدتها في ست وعشرين ذي الحجة، وعلى هذا القياس، وإذا تعذرت عليها رؤية الهلال. وعدم معرفة الشهر الناقص والكامل، فإنها تحسبه كاملاً دائماً.
    الحنابلة - قالوا: يشترط لانقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وهي غير حامل. بالمدة المذكورة شروط: الأول أن لا يرتاب في براءة رحمها. فإن وجد شك في أنها حامل قبل انقضاء أربعة شهور وعشرة أيام. كأن أحست بحركة أو انتفاخ بطن. أو انقطع دم حيضها. أو نزل اللبن في ثديها. أو نحو ذلك. فإن عدتها لا تنقضي حتى تزول الريبة. فإن ظهر أنها حامل انقضت عدتها بالحمل. وإن ظهر أنها خالية من الحمل انقضت عدتها بعد ذلك وحلت للأزواج فإذا تزوجت مع وجود هذا الشك غير المتوفى فإنه يقع باطلاً، ولو تبين عدم الحمل. وكذا إذا حصلت الريبة بعد انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام فإنه يجب عليها الانتظار حتى تزول الريبة. ولو تزوجت يقع الزواج باطلاً. لأنها في هذه الحالة تكون معتدة. أما إذا لم تحصل ريبة بعد انقضاء العدة ثم عقد عليها ودخل بها. وارتابت. فإن النكاح لم يفسد. لأنه وجد بعد انقضاء العدة ظاهراً. ولكن يحرم عليه أن يطأها حتى تزول الريبة ويتبين عدم حملها. فإن تبين أنها حامل بأن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت عقده عليها. فإن النكاح يبطل حينئذ. لأنه ظهر أن العقد عليها وقع في العدة. ومثل ذلك ما إذا عقد عليها ولم يدخل بها. ثم وجدت الريبة. فإنه يحرم عليه أن يطأها حتى تزول الريبة. فإن وضعت ولداً لأقل من ستة أشهر من وقت العقد عليها. فإنه يتبين بطلان العقد، كما ذكرنا، لكن يشترط أن يكون الولد الذي جاءت به غير سقط، بحيث يعيش كغيره، وإلا فلا يبطل به العقد، لاحتمال أن يكون سقطاً علقت به بعد وفاة زوجها.
    الشرط الثاني: أن لا يموت عنها وهي حامل من غيره، كما إذا كان صغيراً لا يولد لمثله، أو كان خصياً - وهو مقطوع الأنثيين - أو كان مجبوباً - وهو مقطوع الذكر - فإن كليهما لا يلد، أو مات عنها عقب العقد ولم يدخل بها، فإنها في هذه الحالة تلزمها عدتان: عدة تنقضي بوضع الحمل، وعدة الوفاة، وتبتدئ بعد وضع حملها، فيجب عليها أن تنتظر بعد الوضع أربعة أشهر وعشرة أيام.
    الشرط الثالث: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً في حال صحته، فإذا فعل ومات عنها وهي في العدة، فإن عدتها لا تنتقل إلى عدة الوفاة، بل تستمر على عدتها الأولى، لأنها أجنبية منه في هذه الحالة، بخلاف ما إذا طلقها طلاقاً بائناً وهو مريض مرضاً مخوفاً ومات عنها في عدتها، فإن عدتها تنتقل إلى عدة الوفاة، إلا أن تكون عدة الطلاق أطول فتعتد بها، مثلاً إذا كانت ممن يحضن كل ثلاثة أشهر مرة وطلقها بائنة فحاضت واحدة بعد طلاقها، ومات عنها، فإن عليها أن تنتظر أربعة أشهر وعشرة أيام عدة الوفاة، وهي لا تكفي للحيضتين الباقيتين، فيلزمها الانتظار بعد انقضاء المدة التي تحيض ما بقي لها، فهي تعتد بأبد الأجلين، من عدة الطلاق، أو عدة الوفاة، لأنها في هذه الحالة ترثه، أما إذا طلقها طلاقاً رجعياً، ثم مات عنها وهي في العدة، انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة، فعليها أن تنتظر أربعة أشهر وعشرة أيا م من وقت وفاته، وسقطت عدة الطلاق، لأنها في هذه الحالة زوجة له، لها أحكام الزوجية من ميراث وغيره، فإن طلق امرأته في مرض وهي لا ترثه، كما إذا طلق العبد زوجته الحرة، أو الأمة وهو في مرض الموت. ثم مات عنها وهي في العدة فإنها تعتد عدة طلاق، لأنها لا ترث منه، ومثل ذلك ما إذا كانت ذمية تحت مسلم وطلقها في مرض موته فإنها تعتد عدة طلاق لأنها لا ترث منه، وكذا إذا كانت مسلمة ولكن طلقها في مرض الموت طلاقاً بائناً برضاها، كأن سألته الطلاق فأجابها. فإنها تعتد عدة طلاق، لأنها لا ترث في هذه الحالة فإن طلق شخص زوجته وانقضت عدتها بالحيض أو بغيرها ثم مات عقب انقضائها، فلا عدة له عليها، سواء كان الطلاق رجعياً، أو بائناً.
    هذا، ولا يعتبر الحيض في عدة الوفاة إلا إذا وجدت ريبة) .
    (2) (المالكية - قالوا: أما الجواب عن السؤال الأول، فهو أنه قد اختلف في معنى القرء، فالمشهور أن معناه الطهر من الحيض، فإذا طلقها في أخر لحظة من طهرها، ثم حاضت بعد فراغه من لفظ الطلاق بلحظة حسب لها هذا طهراً، فإذا حاضت مرة أخرى وطهرت، حسب لها طهراً ثانياً، فإذا حاضت وطهرت، حسب لها طهراً ثالثاً، وتنقضي عدتها بنهاية الطهر الثالث بالدخول في الحيضة الرابعة، وقال بعضهم: بل معنى الطهر الحيض، كما يقول الحنفية، والحنابلة، وأن الذي يتتبع مذهب المالكية يجدهم لا يطلقون القرء إلا على الحيض، ولذا رجح أن القرء هو الحيض لا الطهر، وقد أيد بعضهم القول الأول بأن إطلاق القرء على الحيض مجاز، وعلى الطهر حقيقة، ومتى أمكن العمل بالحقيقة فإنه لا يصح العمل بالمجاز، وهذا التأييد غير سديد، لأن التحقيق أن القرء مشترك بين الحيض والطهر، فهو مستعمل فيهما على السواء وليس استعماله في أحد المعنيين أولى في اللغة وإذا كان كذلك فالذي تحصل به براءة الرحم حقيقة إنما هو الحيض لا الطهر، هذا ما قرره بعض محققي المالكية، ولم يرده أحد، فالطاهر أنه يرجحون إطلاق القرء على الحيض، ولكن لم يذكروا ما إذا طلقها أثناء الحيض، فهل تحسب لها الحيضة الناقصة. أو لا؟ وقواعد مذهبهم تقتضي أنها تحسب كماحسب الطهر، أما الحيض المعتبر في العدة، فهو دم خرج تنفسه لا بسبب ولادة، ولا افتضاض بكارة، ولا غير ذلك، من قبل امرأة تحمل عادة، ولا تنقضي به العدة إلا بشروط.
    أحدها: أن يستمر يوماً أو بعض يوم على الأقل، أما إذا نزل مدة يسيرة، كاللحظة، فإنه لا يعتبر حيضاً يترتب عليه الطهر الذي تنقضي به العدة، وإن كان يعتبر حيضاً في باب العبادة، فلا يحل لها أن تصلي إلا إذا اغتسلت منه، وإن كانت صائمة يفسد صيامها، على أن الحيض في باب العدة إذا انقطع لأقل من يومين، فإنه تسأل عنه الخبيرات من النساء، فإذا قالت واحدة ظاهرة العدالة، إنه حيض فذاك، وإلا فلا، وسيأتي،
    ثانيها: أن لا تكون صغيرة دون تسع سنين، فإن رأت الدم وهي في هذا السن، فإنها لا تكون حائضاً، ومثلها ما إذا بلغت سن الإياس من الحيض، وهو سبعون سنة، وتسأل النساء عن حيض بنت تسع إلى ثلاثة عشر، فإن قلن: إنه حيض فذاك، وإن شككن فيه، أو جزء منه بأنه ليس حيضاً فإنه يعمل برأيهن، وكذا عن حيض بنت الخمسين إلى السبعين، فإنه تسأل فيه النساء كذلك.
    ثالثها: أن يكون أحمر، أو أصفر، أو أكدر، والكدرة لون بين السواد، والبياض، وهذا هو المشهور، وقيل: إن لم يكن أحمر فلا يكون حيضاً.
    رابعها: أن لا يخرج بعلاج، فإذا عالجت نفسها بدواء لتستعجل الحيض قبل وقته المعتاد فرأت الدم، فإنه لا تنقضي به العدة، وإذا كان كذلك فلا يكون حيضاً يمنع الصلاة والصيام، والاحتياط أن يقضى الصيام، لجواز أن يكون حيضاً، وإذا عالجت نفسها بدواء لتقطع الحيض فانقطع، فإنه يحكم لها بالطهر، وأكثر الحيض لمن لم تر الحيض، ويقال لها: مبتدأة، خمسة عشر يوماً، ولمن لها عادة تحسب لها عادتها، فإن لم ينقطع انتظرت ثلاثة أيام وهكذا في كل مرة تزيد ثلاثة أيام حتى تصل إلى خمسة عشر يوماً ولا تنتظر بعدها، ومحل كونها تستطهر بثلاثة أيام ما لم تكن عادتها خمسة عشر يوماً، فإن كانت فإنها لا تكون حائضاً بعدها، ولو نزل الدم، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، ثم إن المالكية يقولون: إن الحامل قد تحيض.
    وأما الجواب عن السؤال الثاني، فهو أن المرضعة تعتد باقراء سواء كان حيضاً، أو كان طهراً من حيض، ولو مكثت ترضع سنين، فعليها أن تنتظر بعد انقطاع الرضاع حتى تحيض ثلاث حيض، فإن انتظرت ولم تحض حتى انقضت سنة بعد فطام الطفل، فإنها تحل للأزواج، ولا فرق في ذلك بين الحرة والأمة، فالأمة المرضعة لا تنقضي عدتها إلا بالحيض، وانقطاعه في زمن الرضاع لا ينقل عدتها إلى الاعتداد بمرور الزمن، وللزوج أن ينتزع الولد منها ويسلمه لمرضعة أخرى لتنقضي عدتها إذا كان في ذلك مصلحة له، كما إذا خاف على نفسه أن يموت وهي في العدة فترثه، إن لم يكن مريضاً، لأن الموت قد يحصل مفاجأة، أو كان يريد التزوج بأختها، وهي تطيل العدة لتحول بينه وبينها، أو كان يريد التزوج برابعة، أو كان يريد قطع نفقة عدتها، ولكن يشترط لذلك ثلاثة شروط:الأول: أن يقبل الولد ثدي غيرها، بحيث توجد مرضعة غيرها يقبل ثديها، ولا يضره فراق ثدي أمه.
    الشرط الثاني: أن تكون عادتها في الحيض قد تأخرت بسبب الرضاع، أما إذا كانت لا تحيض إلا كل سنتين مرة بحيث لو قطعت الرضاع لا تحيض، فإنه ليس له أن ينزع الولد.
    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #228
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث العدة]
    صـــــ 465 الى صــــــــ
    464

    الحلقة (228)

    الشرط الثالث: أن ترضعه المرضعة، وهو في حضانتها بأن ترضعه وهو عندها، فإن الحضانة لا تسقط بذلك.
    أما الجواب عن السؤال الثالث، وهو ما إذا تأخر حيضها بسبب المرض فإنها تنتظر تسعة أشهر استبراء، أي للتحقق من براءة رحمها، لأن هذه المدة هي مدة الحمل غالباً، وهل تعتبر من وقت الطلاق، أو من وقت انقطاع حيضها؟ قولان: فإذا انقضت الأشهر التسعة التي للاستبراء تعتد بعد ثلاثة أشهر، سواء كانت حرة، أو أمة، وبعضهم يجعل السنة كلها عدة، والأمر في ذلك سهل لأنها على كل حال لا بد لها من انتظار سنة كاملة حتى تنقضي عدتها، فإذا حاضت قبل مضي السنة انتظرت حتى تحيض حيضتين، فإن لم تحض حتى انقضت السنة، فإنها تحل للأزواج، وإلا فإن حاضت، ولو في آخر يوم منها انتظرت الحيضة الثالثة، فإن جاءتها فذاك، وإلا انتظرت حتى تنقضي السنة الثالثة، فإما أن تحيض، وإما أن تحل للأزواج بدون حيض.
    هذا إذا كانت حرة أما إذا كانت أمة فإنها تحل بالحيضة الثانية، أو بتمام سنة لم تحض فيها، فإن تزوجت بعد انقضاء السنة الني لم تر فيها الحيض بزوج آخر، ثم طلقت ولم تحض، فإنها تعتد بثلاثة أشهر، لأنها تكون في هذه الحال آيسة من الحيض سواء كانت حرة، أو أمة.
    وأما الجواب عن السؤال الرابع، فهو كالجواب عن السؤال الثالث، وهو أن المستحاضة تنتظر تسعة أشهر استبراء لرحمها، لأنها مدة الحمل غالباً، ثم تعتد بثلاثة أشهر، فتنقضي عدتها بسنة كاملة.
    أما الجواب عن السؤال الخامس، فهو أن المرأة التي اعتادت أن تحيض كل سنة مرة كالمرأة التي اعتادت أن تحيض كل خمس سنين مرة تعتد بالحيض، بمعنى أنها تنتظر عادتها، فإن جاءتها في آخر يوم من أيام السنة، أو السنتين أو الخمس، فإنها تنتظر الحيضة الثانية، وإن لم تأتها فإنها تحل للأزواج، أما التي تأتيها عادتها بعد خمس سنين، كما إذا كانت تحيض كل ست سنين أو سبع سنين إلى عشر سنين، فقيل: بل تعتد بالاقراء، بأن تنتظر عادتها، فإن لم تأتها حلت، وإلا انتظرت الحيضة الثانية، وهكذا، وقيل: بل تعتد بانقضاء سنة بيضاء، أي لم تر فيها الحيض، فإذا انقضت سنة ولم تحض، فإنها تحل للأزواج، وهذا هو الصواب، وبعضهم يقول: إنها تكون آيسة من المحيض، فتعتد بثلاثة أشهر، ولكنهم استبعدوا هذا الرأي.
    وأما الجواب عن السؤال السادس: فهو أن عدة التي تبلغ ولم تر الحيض، أصلاً ثلاثة أشهر، كعدة الآيسة من المحيض، وكعدة الصغيرة التي لم تحض لصغرها، والكبيرة التي يئست من المحيض.
    الحنفية - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول: إن المراد بالقراء الحيض عندهم بلا خلاف لأنه هو الذي به تعرف براءة الرحم، كما تقدم في عبارة المالكية، فلا تنقضي عدة الحرة إلا بثلاث حيض كوامل، بحيث إذا طلقها قبل الحيض بلحظة ثم حاضت حسبت لها حيضة أما إذا حاضت قبل طلاقه بلحظة ثم طلقها فإنها لا تحسب لها، وتنقضي عدة الأمة بحيضتين كاملتين، ثم إن الحيض الذي تنقضي به العدة، هو دم يخرج من رحم الولادة، بشرائط مخصوصة، فلو خرج من الدبر لا يكون دم حيض، ويتوقف كونه حيضاً على أمور: أولاً: أن ينزل من بنت يسع سنين إلى أن تبلغ سن خمس وخمسين سنة على المختار، فإن رأت الدم وهي أقل من تسع سنين فإنه لا يكون دم حيض وكذا إذا رأته وهي أكثر من خمس وخمسين سنة، وهو سن اليأس على المفتى به. ثانياً: أن يخرج الدم إلى الفرج الخارج ولو بسقوط القطنة أو الحفاض، فإذا حاضت ولكن حبسته بقطنة ونحوها بحيث لم يخرج إلى الفرج الخارج فإنه لا يعتبر حيضاً، ولا يشترط في الحيض السيلان، ثالثاً: أن يكون على لون من ألوان الدم الستة، وهي: السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والترابية، يعني يكون كلون التراب. رابعاً: أن ينزل ثلاثة أيام وثلاث ليال، فإذا نزل الدم يوماً أو بعض يوم، أو أقل من ثلاثة أيام بلياليها، فإنه لا يكون حيضاً، وأكثره عشرة أيام ولياليها. خامساً: أن يتقدمه أقل أيام الطهر، وهي خمسة عشر يوماً فإذا رأت ثلاثة أيام دماً، ثم مكثت أربعة عشر يوماً طاهرة، ثم رأت الدم ثانياً فإنه لا يكون حيضاً ولو استمر ثلاثة أيام فأكثر. سادسها: أن يكون الرحم خالياً من الحمل، فإذا رأت الحامل دماً فإنه لا يكون حيضاً.
    ومن هذا تعلم أن الحيض الذي تراه الصغيرة جداً والحامل لا يسمى حيضاً، وإنما يسمى استحاضة ومثله الحيض الذي لا يستمر ثلاثة أيام بلياليها، والحيض الذي يأتي قبل أن تنتهي مدة الطهر، وكذلك الدم الذي ينزل بسبب الولادة، فإنه ليس بحيض، وإنما هو دم نفاس، وأما الدم الذي ينزل بسبب افتضاض البكر، فهو غير خارج من رحم الولادة، كما لا يخفى.
    وأما الجواب عن السؤال الثاني: فهو أن الحنفية يقولون: إن المرأة إذا حاضت مرة واحدة أقل الحيض، وهو ثلاثة أيام وثلاث ليال، فإنها تكون من ذوات الحيض، فإذا انقطع عنها الحيض بسبب رضاع، أو بسبب آخر، فإن عدتها لا تنقضي حتى تبلغ سن اليأس المتقدم ذكره، وقولهم: إذا حاضت ثلاثة أيام خرج به ما إذا بلغت بغير حيض، أو رأت الحيض يوماً واحداً أو يومين، ثم انقطع عنها، ومكثت سنة لم تحض ولم تلد وطلقها زوجها، فإنها تعتد بثلاثة أشهر وإذا بلغ سنها ثلاثين سنة حكم بإياسها من المحيض.
    وأما الجواب عن السؤال الثالث: فهو كالجواب عن السؤال الثاني، فإنها ما دامت من ذوات الحيض وهي التي حاضت مرة ولو أقل الحيض، فإنها لا تعتد إلا بالحيض، فإن لم تحض ثلاث مرات لا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن اليأس، وقد عرفت أن لها أن تعالج نفسها بدواء ونحوه لإنزال الحيض، ولو في غير وقته، فإن نزل انقضت عدتها.
    واعلم أن الحنفية اختلفوا في جواز تقليد المالكية في هذه المسألة، فقال بعضهم: إنه يجوز الإفتاء بمذهب المالكية، بحيث تنقضي عدة المرأة التي تحيض، ثم يمتد طهرها بعد انقضاء سنة بيضاء لا ترى فيها حيضاً وبعضهم يقول: لا يجوز للمفتي أن يفتي بهذا، وإنما يجوز له أن يقلده لخاصة نفسه، نعم إذا قضى به قاض مالكي فإنه يصح للحنفي تنفيذه بدون كلام، والذي أظنه معقولاً هو الرأي الأول، لأني لم أفهم معنى لقولهم: يجوز للمفتي أن يعمل بهذا الرأي ولا يجوز له أن يفتي به، لأنه لا يخلو إما أن يكون ضعيفاً فليس من الدين في شيء أن يعمل المفتي بالضعيف أو الفاسد ويكون ذلك جائزاً بالنسبة له وممتنعاً بالنسبة لغيره، وإما أن يكون قوياً وحينئذ لا معنى لانفراد المفتي به دون غيره، والظاهر المناسب جواز الافتاء به.
    وأما الجواب عن السؤال الرابع: فهو أن المستحاضة التي استمر بها الدم إن كانت لها عادة قبل استمرار الدم ترد إلى عادتها. مثلاً إذا كانت تحيض في أول الشهر أو في وسطه ستة أيام ثم حاضت واستمر الدم فإن حيضها يعتبر ستة أيام من أول كل شهر أو وسطه، وما بقي طهر فتنقضي عدتها بثلاثة أشهر، وعلى هذا القياس، أما إذا لم تعرف عادتها فإن عدتها تنقضي بسبعة أشهر على المفتى به، وذلك بأن يقدر لحيضها عشرة أيام، وهي أكثر الحيض، ويقدر لطهرها شهران بحيث نفرض أنها تحيض كل شهرين مرة أكثر الحيض، فيكون مجموع الحيض الثلاث شهراً، ومجموع الأطهار الثلاثة ستة أشهر. وأما الجواب عن الخامس فظاهر، لأن المرأة إذا كانت من ذوات الحيض ولو لم تحض إلا كل خمس عشرة سنة مرة فإن عدتها لا تنقضي عند الحنفية إلا بالحيض، فإذا لم تحض فإن عدتها لا تنقضي حتى تبلغ سن اليأس، وقد عرفت أنه يجوز تقليد المالكية في انقضاء عدتها.
    وأما الجواب عن السؤال السادس، فهو أن المرأة التي تبلغ ولم تر الحيض أصلاً، ومكثت سنة مع زوجها لم تحمل ثم طلقها فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، لأنها تكون في حكم اليائسة من المحيض لصغر أو كبر، فإذا بلغت ثلاثين سنة حكم بإياسها، كما تقدم، أما إذا حملت ووضعت الحمل، ثم طلقها وانقضت سبعة أشهر من غير أن ترى الدم، فإن عدتها لا تنقضي بالأشهر، لأن التي تحمل لا يحكم بإياسها، ولو لم تر الدم، لا قبل الولادة، ولا بعدها، وهذه ينبغي أن يقلد فيها المالكية أيضاً، رفعاً للحرج عن عباد الله.
    الشافعية - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول: إن المراد بالقرء الطهر قولاً واحداً، فلا تنقضي عدة الحرة إلا بانقضاء ثلاثة أطهار، ويحسب لها الطهر الذي طلقها فيه ولو بقيت منه لحظة واحدة، بحيث لو قال لها: أنت طالق، وهي طاهرة ثم حاضت بعد فراغه من النطق بطالق فإن ذلك يحسب طهراً لها وتنقضي عدتها بطهرين بينهما حيضتان بعد ذلك، على أن تدخل في الحيضة الثالثة تحيض بعد الطهر الذي طلقها فيه، ثم تطهر ثم تحيض، ويحسب ذلك طهراً ثانياً، ثم تحيض ثانياً، ثم تطهر، ثم تشرع في الحيضة الثالثة ويكون ذلك طهراً ثالثاً، فالطهر لا يعتبر إلا إذا كان بين حيضتين، كما تقدم، وإذا كان بين حيضتين، فلا بد أن يكون خمسة عشر يوماً على الأقل، وقد تقدم بيان الوقت الذي تسمع فيه دعواها بانقضاء العدة في مباحث الرجعة. أما الأمة فإن عدتها تنقضي بقرائن على هذا الوجه، ثم إن الحيض المعتبر في العدة هو دم يخرج من فرج المرأة إذا بلغت تسع سنين على الأقل، لا بسبب علة ولا ولادة، والمراد تسع سنين تقريباً فإذا انقضت قليلاً فإنه لا يضر، بشرط أن يكون النقص زمناً لا يسع الحيض والطهر، فإذا رأت الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين الدم لا يعتبر حيضاً، بل يكون دم علة وفساد، ومثلها الآيسة من الحيض - وهي من بلغت سن اثنتين وستين سنة على الأصح - وعدتهما ثلاثة أشهر، كما يأتي:
    وقوله: من فرج المرأة خرج به الدم الذي يخرج من دبرها. فإنه ليس بحيض طبعاً وقوله: لا لعلة خرج به الاستحاضة، وهو المستمر بسبب المرض، وقوله: ولا ولادة خرج به النفاس فإنه لا يسمى حيضاً، ويشترط لانقضاء العدة بالطهر المترتب على هذا الحيض:

    - (1) أن يكون الحيض على لون من ألوان الدم، وهي خمسة: السواد، وهو أقواها، ثم الحمرة، ثم الشقرة، ثم الصفرة، ثم الكدرة.
    - (2) وأن يستمر يوماً وليلة، أعني أربعاً وعشرين ساعة، وهي أقل مدة الحيض، فإن مكث أقل من هذه المدة فلا يكون حيضاً.
    - (3) أن يفصل أقل الطهر بين الحيضتين، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، لأن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، فإذا فرضنا امرأة عادتها خمسة عشر يوماً حيضاً كان الباقي من الشهر طهراً، وهو أقل الطهر، ولا حد لأكثره.

    ثم إن الحامل تحيض على المعتمد، فإذا رأت الدم، وهي حامل ثم انقطع وولدت بعد عشرة أيام من تاريخ انقطاع الدم اعتبرت هذه العشرة طهراً فاصلاً بين الحيض والنفاس، ولا يقال: إن أقل الطهر الفاصل خمسة عشر يوماً، لأن مرادهم به الفاصل بين الحيضتين، أما الفاصل بين حيض الحبلى ونفاسها فلا يلزم أن يكون خمسة عشر يوماً، ومثل ذلك ما إذا تقدم النفاس على الحيض كما إذا ولدت، ثم نفست وانقطع دم النفاس، لأكثر مدته مثلاً، ثم طهرت يوماً أو يومين وحاضت بعد ذلك، فإن هذا يعتبر طهراً فاصلاً بين حيض ونفاس، وإن لم يكن خمسة عشر يوماً فإذا طلقها وهي نفساء، ثم طهرت من نفاسها يوماً أو يومين مثلاً، ثم حاضت فإن ذلك يحسب طهراً لها، وإذا حاضت وهي حبلى فسد صيامها وحرم عليها ما يحرم على الحائض الخ.
    أما الجواب عن السؤال الثاني: فإن الشافعية، كالحنفية يقولون: إن المرأة إذا كانت من الحيض فإن حاضت ولو مرة واحدة فإن عدتها لا تنقضي إلا بثلاثة أطهار بحيث إن انقطع عنها الحيض، فلا تنقضي عدتها إلا إذا بلغت سن اليأس، فمن تأخر حيضها برضاع، أو بمرض فإن عليها أن تصبر حتى تفطم الرضيع وتشفى من المرض، ثم تحيض، ولها أن تعالج الحيض بدواء ونحوه فإذا حاضت ولو قبل ميعاد حيضتها فإنه يعتبر، ولا حق للزوج في قطع النفقة والسكنى مهما تضرر على المعتمد.
    وهذا جواب عن السؤال الثالث أيضاً، إذ لا فرق بين المرضعة والمريضة.
    وأما الجواب عن السؤال الرابع: فهو أن التي يستمر بها الدم ولو كان متقطعاً، فإن كانت لها عادة معروفة، كأن كانت تحيض في أول كل شهر سبعة أيام مثلاً، فإنها ترد إلى عادتها، كما يقول الحنفية، وإن لم تكن لها عادة فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر هلالية، إن طلقت في أول الشهر، لأن كل شهر يشتمل على طهر وحيض لا محالة، لما علمت من أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، فما بقي منه أقل الطهر، وهو خمسة عشر يوماً، أما إن طلقت في أثناء الشهر فإن كان قد بقي منه أكثر من خمسة عشر يوماً حسب لها طهراً لاشتماله على الطهر لا محالة، وإن بقي منه خمسة عشر يوماً فأقل، فإنه لا يحسب لها، فلا بد لها من ثلاثة أشهر هلالية بعده. وقد قال بعض الحنفية: إن عدة المستحاضة ثلاثة أشهر، فيكون موافقاً للشافعية في الموضوع. وأما الجواب عن السؤال الخامس، فهو كالجواب عن السؤال الثالث، لأنك قد عرفت أن المرأة التي تحيض، ولو مرة في حياتها تكون من ذوات الحيض، سواء حاضت كل عشر سنين مرة أو كل خمس سنين مرة، أو لم تحض أصلاً بعد، فإن عدتها لا تنقضي إلا ببلوغ سن اليأس.
    وأما الجواب عن السؤال السادس، فهو أن التي تبلغ ولم تر دماً فإنها تكون في حكم الآيسة من المحيض، عدتها ثلاثة أشهر، فإن شرعت في العدة بالأشهر ثم حاضت انتقلت عدتها للحيض كما تقدم.
    الحنابلة - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول: إن القرء هو الحيض قولاً واحداً، كما يقول الحنفية، وقد استدلوا على ذلك بأن هذا المعنى منقول عن كبار الصحابة، ومنهم عمر وعلي وابن عباس، وأبو بكر وعثمان، وأبو موسى، وعبادة، وأبو الدرداء، فهؤلاء كلهم قالوا: إن القرء معناه الحيض، ثم إن الحيض المعتبر في العدة هو دم يخرج من داخل الرحم لا لمرض ولا بسبب الولادة، يعتاد أنثى إذا بلغت في أوقات معلومة، ويتحقق الحيض بأمور: منها أن يكون لون دم الحيض، وهو الحمرة والصفرة، والكدرة، ومنها أن يستمر يوماً وليلة، وهو أقل الحيض، فإن انقطع لأقل من ذلك فإنه لا يكون حيضاً، بل دم فساد وأكثره خمسة عشر يوماً ومنها أن يفصل بين الحيضتين أقل الطهر، وهو ثلاثة عشر يوماً، ومنها أن تكون بنت تسع سنين على الأقل، فلو كانت أقل من ذلك ورأت دماً فإنه لا يكون حيضاً ولا يعتبر، ومنها أن تكون آيسة من المحيض، وهي من بلغت سن خمسين سنة فهذه تعتد بالأشهر ولا عبرة بالدم الذي تراه بعد ذلك.
    والحامل لا تحيض عند الحنابلة، كالحنفية، فإذا رأت الدم وهي حامل كان دم فساد لا يمنع الصلاة، والصوم، والوطء عند الحاجة، فلا توطأ إلا عند الحاجة، وإذا رأت الحامل الدم ثم انقطع، فإنها تغتسل منه استحباباً، كما تقدم في مباحث الحيض.
    فالحرة التي تحيض ولو مرة لا تنقضي عدتها إلا بثلاث حيض كاملة، بحيث لو طلقها وهي حائض فلا تحسب لها الحيضة، أما إذا طلقها قبل الحيضة ولو بلحظة، فإنها تحسب لها، كما يقول الحنفية، أما الأمة التي تحيض، فإن عدتها تنقضي بحيضتين على الوجه المذكور، وإذا انقضت عدة الحرة بانقطاع دم الحيضة الثالثة فإنها لا تحل للأزواج إلا إذا اغتسلت، فإن لم تغتسل لا تحل، ولو مكثت زمناً طويلاً، ومثلها الأمة عند انقضاء عدتها.
    أما الجواب عن السؤال الثاني، فإن من حاضت ولو في عمرها مرة، ثم انقطع حيضها بسبب معروف من رضاع أو مرض فإن عدتها لا تنقضي حتى يعود الحيض، فتعتد بثلاث حيض، فإن لم يأتها الحيض فلا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن اليأس، وبعضهم يقول: إذا لم يأتها الحيض فإنها تعتد بسنة، والأول موافق للشافعية، والحنفية، والثاني موافق للمالكية، وقد استدلوا على ذلك بما رواه الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر أنه أخبره أن حبان بن منقذ طلق امرأته - وهو صحيح - وهي مرضعة. فمكثت سبعة أشهر لا تحيض، يمنعها الرضاع ثم مرض حبان، فقيل له: إن مت ورثتك، فجاء إلى عثمان وأخبره بشأن امرأته، وعنده علي، وزيد، فقال لهما عثمان: ما تريان؟ فقالا: نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت، فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض، وليست من اللائي لم يحضن، ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير، فرجع حبان إلى أهله فانتزع البنت منها، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة، ثم أخرى، ثم مات حبان قبل أن تحيض الثالثة، فاعتدت عدة الوفاة وورثته اهـ.
    وفي هذا جواب عن السؤال الثالث، إذ لا فرق بين المرضعة والمريضة عند الحنابلة، كالشافعية والحنفية، والذي فرق بينهما هم المالكية، وذلك لأن الرضاع سبب يمكن إزالته بخلاف المرض.
    وأما الجواب عن السؤال الرابع، فهو أن المستحاضة التي يستمر بها نزول الدم إن كانت لها عادة أو يمكنها أن تميز بين الدم الصحيح والدم الفاسد، فإنها تعمل بذلك، بحيث لو كانت تحيض قبل استمرار الدم خمسة أيام في وسط كل شهر، فإنها تعتبر هذه المدة حيضاً، وإن لم تكن لها عادة، بل ابتدأها الحيض في أول بلوغها واستمر، فإنها إن كانت حرة فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، وإن كانت أمة فإن عدتها تنقضي بشهرين.
    وأما الجواب عن السؤال الخامس، فهو أن الحنابلة يقولون: إن المرأة إذا حاضت مرة وارتفع عنها الحيض بدون سبب معروف من مرض أو رضاع، فإن عدتها تنقضي بسنة عند انقطاعه بعد الطلاق. فإن انقطع قبل الطلاق فإنها تصبر سنة أيضاً، ولكن منها تسعة أشهر للعلم ببراءة الرحم من الحمل، وثلاثة أشهر عدة.
    هذا إذا كانت حرة، أما إذا كانت أمة فإن عدتها تنقضي بأحد عشر شهراً، منها تسعة أشهر



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #229
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث العدة]
    صـــــ 482 الى صــــــــ
    492

    الحلقة (229)





    مبحث عدة المطلقة الآيسة من المحيض
    دليلها
    -تعتد المطلقة الآيسة من المحيض بثلاثة أشهر من تاريخ طلاقها وقد عرفت أن الآيسات من المحيض نوعان: إحداهما الصغيرة التي دون تسع سنين، فإنها إذا رأت الدم كان دم فساد. وفي بيان الصغيرة التي تجب عليها العدة تفصيل المذاهب (1) .
    ثانيتهما: الكبيرة، وفي سن إياسها التفصيل المتقدم في عدة الحائضات، ويلحق بهاتين، النساء اللائي بلغن بغير الحيض، ولم يحضن بعد، قال تعالى: {واللائي يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} ، فهذه الآية خصت عموم قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} لأن - المطلقات - تشمل الآيات، ثم إن الكبيرة الآيسة إذا اعتدت بالأشهر وانقضت عدتها، ثم حاضت بعد انقضاء العدة حيضاً صحيحاً، فإنها لا شيء عليها بعد ذلك، سواء تزوجت بعد انقضاء عدتها. أو لم تتزوج. وإذا تزوجت بعد انقضاء عدة الأشهر فإن الزواج يكون صحيحاً، ولو حاضت بعده، أمل إذا شرعت في العدة بالأشهر، ثم حاضت أثناء عدتها حيضاً صحيحاً لا دم علة وفساد، فإن عدتها تنتقل من الأشهر إلى الحيض (2) ، فيجب عليها أن تستأنف عدة أخرى، وكذلك الصغيرة بنت تسع سنين إذا حاضت أثناء عدتها بالأشهر، تنتقل إلى عدة الحيض، ولا تنقضي عدتها إلا بثلاث حيض، أما إذا حاضت بعد انقضاء العدة فإنها لا شيء عليها.
    وإذا شرعت التي تحيض في العدة بالحيض، فحاضت مرة، أو اثنتين، ثم انقطع الدم لبلوغها سن اليأس، انتقلت عدتها إلى الأشهر، وبطلت عدة الحيض فلا تحسب لها.
    واعلم أن الثلاثة أشهر عدة الآيسات من الحرائر، أما الأمة فعدتها نصف عدة الحرة، وهي شهر ونصف (3) ، لأن الزمن يتنصف، وتعتبر الأشهر بالأهلة إن طلقها في أول الشهر، فإن طلقها أثناء الشهر حسب الشهر الذي طلقها فيه بالأيام، وما بعده بالأهلة، ثم تؤخذ الأيام الباقية من الشهر الرابع.
    مباحث النفقات
    تعريفها - حكمها - أسبابها - مستحقوها دليلها

    -النفقة في اللغة: الإخراج والذهاب، يقال: نفقت الدابة، إذا خرجت من ملك صاحبها بالبيع أو الهلاك كما يقال: نفقة السلعة، إذا راجت بالبيع، وبابه دخل، فمصدره النفوق كالدخول والنفقة اسم المصدر، وجمعها نفقات، ونفاق - بكسر النون - كثمرة وثمار.
    أما في اصطلاح الفقهاء، فهو إخراج الشخص مؤنة من تجب عليه نفقته من خبز، وأدم، وكسوة، ومسكن، وما يتبع ذلك من ثمن ماء، ودهن، ومصباح. ونحو ذلك، مما يأتي.
    أما حكمها التي توصف به، فهو الواجب، فتقول: نفقة واجبة على الزوج، أو الأب، أو السيد.
    وأما أسباب وجوبها، فثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك، وقد ثبتت النفقة لهؤلاء بالكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} ، وقال: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب النفقة على الزوجة، والأولاد، والوالدين، والأقارب وأما السنة فهي مملوءة بالحث على الإنفاق على الأهل، والأقارب، والمماليك، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث: " وابدأ بمن تعول"، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلا من تدعني. وفي رواية" أنفق علي" بدل" أطعمني"، ولا يخفى ما في الحديث من الحث على الإنفاق على مستحقيه، وقد أجمع العلماء على وجوب النفقة لهؤلاء، وكما أن الزوجية سبب في وجوب النفقة على الزوج، فكذلك الفرقة قد تكون سبباً في وجوب النفقة، كالمطلقة رجعياً ونحوها، مما سيأتي بيانه في مبحث - نفقة العدة -.
    مبحث نفقة الزوجة وتتعلق بها مسائل
    -تتعلق بنفقة الزوجية مسائل
    أحدها: بيان أنواعها
    ثانيها: هل تفرض النفقة بحسب حال الزوج، أو بحسب حال الزوجة، أو بحسب حالهما معاً؟.
    ثالثها: هل تقدر النفقة بالنقود أو تقدر بالطعام والقماش ونحوهما؟.
    رابعها: ما شرط وجوب نفقة الزوجية؟.
    خامسها: هل تثبت النفقة قبل المطالبة بها وفرضها؟.
    سادسها: إذا تجمدت النفقة بعد فرضها فهل يمكن اسقاطها وبماذا تسقط؟

    أنواع نفقة الزوجية
    -تشمل نفقة الزوجية ثلاثة أنواع:
    -1 - إطعام الزوجة من خبز وأدم، وما يلزم لهما من عجن وطبخ وشرب.
    -2 - كسوة الزوجة.
    -3 - إسكانها، وفي كل هذه الأمور تفصيل المذاهب (1) .
    __________
    للحمل وشهران للعدة، فإن أتاها الحيض في أثناء المدة المذكورة فإن العدة تنتقل للحيض، أما إذا أتاها بعد انقضاء المدة، ولو لم تتزوج، فإن العدة لا تنتقل إليه، ولكن إذا عاد الحيض بعد سنة. أو سنتين. أو ثلاث. أو خمس. أو عشر. أو غير ذلك، وأصبح عادة لها فإن عدتها لا تنقضي إلا بالحيض، وإن طالت، لأنها تصبح بعد ذلك من ذوات الحيض.
    وأما الجواب عن السؤال السادس، فإن المرأة التي لا تحيض أصلاً تنقضي عدتها بثلاثة أشهر كاليائسة) .
    (1) (المالكية - قالوا: لا تجب العدة على الصغيرة إلا إذا كانت لا تطيق الوطء، ولو كانت دون تسع سنين، أما إذا لم تطق الوطء فإنها لا تجب عليها العدة، ولو كانت تزيد على تسع، وعلى كل حال فعدتها بالأشهر ما لم تحض.
    الحنابلة - قالوا: إذا طلق الزوج صغيرة لا يوطأ مثلها، وهي التي دون تسع سنين، فإنها لا تعتد، ولو دخل بها وأولج فيها، وقد عرفت أنه لا عدة عليها أيضاً إذا وطئها صغير دون عشر سنين أما بنت تسع فإن عليها العدة إذا وطئها ابن عشر، لاحتمال التلذذ والإمناء.
    الشافعية - قالوا: الصغيرة التي لا تطيق الوطء لا تجب عليها العدة. وكذا إذا كان طفلاً، فإنه لا يعتد بوطئه، كابن سنة مثلاً.
    الحنفية - قالوا: العدة تجب على الصغيرة، ولو طفلة، ثم إنه إن طلق الصغيرة التي لم تحض وكانت دون تسع سنين، فإن عدتها تنقضي بالأشهر قولاً واحداً، ولو رأت الدم فيها على المعتمد لأنه لا يكون دم حيض، أما إذا كانت بنت تسع سنين فأكثر ولم تحض - ويقال لها المراهقة - ففيها قولان: أحدهما أن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر دون غيرها، وإذا حاضت في أثنائها انتقلت عدتها إلى حيض، وإلا فلا. القول الثاني: أن عدتها لا تنقضي بالأشهر الثلاثة، بل ينبغي أن توقف حتى يتحقق من براءة رحمها بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام لأنها هي المدة التي يظهر فيها الحمل ويتحرك، فتنتظر زيادة على عدتها شهراً وعشرة أيام. فإذا لم يظهر الحمل بعد ذلك فإنه يعلم أن العدة قد انقضت بانقضاء ثلاثة أشهر. فإذا ادعت أنها بلغت خمس عشرة سنة فإنه يؤخذ بقولها، وإذا ادعت أنها بلغت بالاحتلام والإنزال، وهي دون خمس عشرة سنة فإنها تصدق أيضاً، وكذلك إذا ادعت الكبيرة أنها بلغت سن اليأس فإنه يؤخذ بقولها، على القول المختار من تحديده بالمدة، وقد عرفت أن الصغير مطلقاً متى خلا بامرأته وفارقها فإنها تعتد منه ومثله المجبوب، وهل إدخال مني الزوج في الفرج بدون وطء يوجب العدة كما يقول الشافعية. أو لا؟ والجواب: نعم، ولكن ذكر هذه المسألة في كتب الحنفية ليس له فائدة عملية، لأنهم يقولون: إن الخلوة توجب العدة، وإدخال المرأة مني زوجها إنما يتصور فيما إذا باشرها فيما دون الفرج وأنزل، فأدخلت ماءه لتتلذذ به، وهذا لا يكون إلا في الخلوة، أما إنزاله بعيداً عنها وحفظه ووصوله إليها عن طريقه أو طريق غيره لتضعه في فرجها، فإنه وإن كان ممكناً ولكن الفقهاء صرحوا بأنه لا يحبل في هذه الحالة.
    أما الشافعية فلهم الحق في ذكره، لأنهم يقولون: إن الخلوة لا توجب العدة فيتصور في هذه الحالة إدخال المني بدون وطء.
    وبقي أيضاً الوطء في الدبر، فإن الشافعية يقولون: إنه يوجب العدة. والحنفية يخالفونهم في المبدأ. فيقولون: إنه لا يوجب. ولكن يوافقونهم في الأثر المترتب عليه من ناحية أخرى. وهو أنه لا يقع إلا في الخلوة. والخلوة توجب العدة، ولو فرض ووضع في غير الخلوة فإنه لا يوجب العدة.)
    (2) (الشافعية - قالوا: إذا حاضت الآيسة أثناء عدة الأشهر انتقلت عدتها إلى الحيض وبطلت عدة الأشهر بلا كلام. أما إذا حاضت بعد انقضاء عدة الأشهر، ففيه تفصيل، وهو أنه إذا تزوجت بعد انقضاء عدة الأشهر، ثم حاضت بعد ذلك فلا شيء عليها، لأن العقد صحيح وقع بعد انقضاء عدة مشروعة، وللزوج الثاني الحق فيها، أما إذا لم تتزوج، ثم حاضت مرة، فإنها لا تعتبر أيضاً، ولها أن تتزوج بعدها، أما إذا حاضت مرة ثانية قبل أن تتزوج انتقلت عدتها إلى الحيض، فلا يحل لها أن تتزوج إلا إذا حاضت الثالثة، فإذا انقطع الدم بعد الثانية ولم يأتها، وجب عليها أن تستأنف عدة إياس أخرى بثلاثة أشهر، ومثلها في هذا التفصيل الصغيرة بنت تسع إذا حاضت أثناء العدة أو بعدها.
    المالكية - قالوا: إذا بلغت المرأة سن اليأس، وهو سبعون سنة بالتحقيق، وشرعت في العدة بالأشهر بعد الطلاق، ونزل عليها دم، فإنه لا يعتبر حيضاً، وتستمر في العدة بالأشهر، ويكون ما رأته دم فساد وعلة، وأما إذا كانت مشكوكاً في إياسها، بأن بلغت سن الخمسين إلى قبيل السبعين ونزل عليها دم، فإنه يرجع في أمرها إلى الخبيرات من النساء، فإن قالت خبيرة ولو واحدة: بأنه دم حيض انتقلت عدتها إلى الحيض، وإن قالت الخبيرات: إنه ليس بدم حيض فلا تنقطع عدة الأشهر وإنما يكتفى فيه بخبيرة واحدة، بشرط أن تكون سليمة من جرحة الكذب.
    والمالكية يقولون: إنه يرجع للنساء الخبيرات أيضاً فيما إذا رأت الدم يوماً، أو يومين، أو أقل من ذلك وانقطع، فإنه في هذه الحالة ينبغي الرجوع إلى الخبيرات، فإذا قالت خبيرة: إنه دم حيض عمل به، وإلا فلا، كما تقدم، وكذا يرجع إلى النساء فيمن عملت له عملية جراحية فقطعت أنثياه أو واحدة منهما، أو قطع ذكره وأنثياه، أو أحدهما، أو تعطل شيء منهما لمرض، فتسأل الخبيرات عما إذا كان يولد لمثله أو لا؟ وهل يشترط الرجوع إلى النساء الخبيرات، أو المطلوب التحقق من أهل المعرفة، نساء كن أو رجالاً أطباء؟ خلاف، فمنهم من يقول: إن مسألة كون الرجل لا يلد ينبغي الرجوع فيها إلى الطب والتشريح، فمجرد الخبرة الناشئة من تجارب النساء لا تكفي، وبعضهم يقول: إن هذا الباب تكفي فيه معرفة النساء، وعلى كل حال فإن النساء إذا كن طبيبات فإنهن يجمعن بين الأمرين، فهذا مبدأ حسن من جميع وجوهه.
    هذا في اليائسة، أما الصغيرة التي يمكن أن تحيض فإنها إذا شرعت في العدة بالأشهر، ثم حاضت انتقلت عدتها إلى الحيض، ولو بقي من عدة الأشهر يوم واحد، أما إذا انقضت عدتها وحاضت، فلا شيء عليها، ولا يرجع في أمرها إلى النساء) .
    (3) (المالكية - قالوا: في عدة الأمة الآيسة من المحيض أقوال ثلاثة: أحدها أن عدتها مساوية لعدة الحرة، فتعتد بثلاثة أشهر، وهذا هو المشهور، ووجهه أنها إذا كانت حاملاً لا يظهر حملها غالباً إلا بعد ثلاثة أشهر.
    ثانيها: أنها تعتد بشهرين كما يقول الحنابلة.
    ثالثها: أنها تعتد بشهر ونصف كما يقول الحنفية، والشافعية، وهو المذكور أعلى الصحيفة.
    الحنابلة - قالوا: عدة الأمة الآيسة شهران كاملان، وذلك لأن عدتها إذا كانت من ذوات الحيض قرءان، فينبغي أن يجعل بإزاء كل حيضة شهر) .
    (1) (الحنفية - قالوا: أما الإطعام، فهو واجب على الزوج لزوجته، وسيأتي إنه يقدر لها على حسب حالهما، وهل الواجب اعطاؤها الحبوب والخضر واللحم، وعليها هي الخبز والطهي، أو الواجب اعطاؤها خبزاً مهيئاً وطعاماً ناضجاً؟ والجواب: أن ذلك يتبع حال الزوجة، فإن كانت من الأسر التي لا تخدم نفسها، فعليه أن يأتيها بطعام مهيأ، وكذا إذا كانت بها علة تمنعها من الخدمة، أما إذا كانت قادرة على الطحن والعجن والطبخ بنفسها، فإنه يجب عليها أن تفعل ولا يحل لها أن تأخذ على ذلك أجره، فالفصل في هذا للعرف، فمتى كان العرف جارياً على أن مثل هذه الزوجة ممن لا تخدم وامتنعت عن الخبز والطهي والخدمة كان لها ذلك، وإلا فلا، بل يجب عليها أن تفعل من الخدمة ما هو متعارف بين أمثالها من الناس، قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} ، أي عليهن من الواجبات والحقوق مثل الذي لهن بحسب المتعارف بين الناس ويؤيد هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أمال الحياة بين علي وفاطمة، فجعل على علي كرم الله وجهه أعمال الخارج، وجعل على فاطمة أعمال الداخل، وقد كانت يومئذ أعمال المنزل شاقة، لأنهم كانوا يطحنون على الرحى.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #230
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث العدة]
    صـــــ 482 الى صــــــــ
    492

    الحلقة (230)





    وقولهم: إن هذا لا يصلح حجة، لأن بيت النبوة كان المثل الأعلى في الزهد والتواضع، فلا يقاس عليه غيره، مردود بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو وأهل بيته قدوة للناس جميعاً، وأعماله وأقواله شريعة خالدة، يجب على الناس الاقتداء بها، فعمل النبي صلى الله عليه وسلم دستور عام يبين للناس أن المرأة التي تعودت خدمة منزلها يجب عليها أن تخدم في دار زوجها، وينظر في ذلك للبينة، فمتى كانت أمثالها تخدم وجب عليها أن تخدم، بصرف النظر عن قدرتها وجاهها.
    وعندي أن هذه النظرية يجب أن تعم جميع نساء زماننا، لما فيها من تمرين السيدة على مباشرة منزلها، وتدريبها على تربية أبنائها وبناتها وصرفها عن التبرج في الطرق. والتنقل من منزل إلى منزل ومن ملهى إلى آخر، واحتكاكها بالفاسدات ونقلها إلى ذريتها أسوأ العادات وأقبح أنواع السرف والمجون، إن المرأة التي تباشر خدمة منزلها وتدبير شأنه ومراقبة أبنائها وبناتها مراقبة فعلية تقوم بوظيفتها خير قيام وتؤدي للمجتمع خير خدمة، وإن للمسلمات المؤمنات أسوة حسنة في السيدة فاطمة سيدة نساء العالمين وبنت سيد خلق الله أجمعين عليه الصلاة والسلام، وليس معنى هذا أن تكلف المرأة بما فوق طاقتها ولا تستعين بخادم وطاه إذا كانت موسرة، كلا، بل الغرض أن تدير الأعمال المنزلية النافعة واستعداد لما عساه أن يطرأ من الظروف والأحوال، وقد يختفي الخادم فجأة، وقد تكون الأسرة في مكان لا طعام به، فليس من الحسن أن تظل الأسرة جائعة لجهل السيدة بالأعمال المنزلية، فضلاً عما في التدريب على الأعمال من سلوى للسيدة تحول بينها وبين التسكع في الطرق والتنقل في دور الملاهي كما قلنا.

    ثم إنه إذا وجب على المرأة الخبز والطهي وخدمة المنزل، كما ذكرنا، فإنه يجب على الزوج أن يحضر لها الآلات اللازمة لذلك بحسب البيئة فإذا كانت في بلاد لا تطحن إلا على الرحى وجب عليه أن يستحضر لها الرحى، وإذا كانت في جهات تطحن بغير الرحى كالآلات البخارية والطواحين، فإنه يجب عليه أن يحضر لها الغربال والمنخل، والماعون الذي تعجن فيه وكذا يجب عليه أن يحضر لها آلة الطبخ من كانون ومغرفة وملاعق، ونحو ذلك، على حسب حالها، وعليه أيضاً الماء، فغن كانت في بلد اعتادت نساؤها أن تحضر الماء بنفسها كان عليها احضاره كما في القرى الصغيرة التي تنقل فيها النساء الماء بأنفسهن، وإذا أذن لها في استحضاره، وإلا وجب عليه أن يحضر لها الماء بالوسائل المعتادة من سقاء، أو من شركات المياه - الحنفيات - وعليه أن يحضر لها الماء الكافي للغسل والوضوء والنظافة، وعليه أن يحضر لها الآلات اللازمة لذلك، بما في ذلك الزير والكوز، أما الكسوة فإنها تفرض لها في كل نصف حول مرة، إلا إذا تزوج وبنى بها، ولم يبعث لها كسوة، فإن لها أن تطالبه بها قبل نصف الحول، ويجب أن يلاحظ الفصول في تقدير الكسوة فينبغي أن يزاد لها في فصل الشتاء ما يدفع أذى البرد، وفي فصل الصيف ما يدفع أذى الحر، ويجب أن يلاحظ أيضاً ما جرى عليه العرف بين أمثالها في تقدير الكسوة، وتشمل الكسوة أيضاً ما تلبسه في رجلها من حذاء، وعلى رأسها من مزر ونحوه، وأما السكنى فإنه يجب عليه إسكانها في منزل لائق بحالهما، خال عن أهله وولده. إلا إذا كان طفلاً صغيراً لا يفهم معنى الجماع، فإنه لا يضر وجوده، وهل له أن يسكن مع أمته؟ خلاف، والراجح أن له إسكانها معها بشرط أن لا يطأها أمامها، أما إذا كانت له أم ولد، فالصحيح أنه ليس له إسكانها معها، لأن الأمة بعد أن تلد تكون كالضرة أو أشد.
    هذا كله إذا لم ترض، أما إذا رضيت فسكنت مع أهله فإنه يصح، وله منع أهلها من السكنى معها، ولو سكنى ولدها من غيره. ولو كان صغيراً لا يفهم معنى الجماع، وكذا له منعها من إرضاعه وتربيته.
    هذا إذا كان في بيته، سواء كان ملكه أو مستأجره، أما إذا كان في بيتها هي، فليس له منعها من إسكانهم، وإنما له منعها من إرضاع ابنها وتربيته، لأنه يشغلها عنه ويضر بجمالها ونظافتها، وذلك حقه وحده، ويشترط في المسكن أن يكون مشتملاً على جميع المنافع اللازمة من دورة مياه، ومطبخ ومنشر تنشر عليه غسيلها، ونحو ذلك مما تقدم في صحيفة 221 ويجب عليه أن يحضر في المسكن جميع الأدوات اللازمة له بحسب الحالة الأتي بيانها من فقر وغنى، فعليه أن يستحضر الفرش والغطاء والمقاعد، وما يلزم لذلك حسب العرف وعليه أن يستحضر أيضاً ما تتنظف به من صابون ونحوه، وما تزيل به الأوساخ التي تعلق بالشعر، كالمشط والدهن وغير ذلك، مما يستعمل عادة في النظافة، ومن ذلك الروائح العطرية التي تقطع رائحة العرق والصنان، فإنها تجب عليه، وكذا لا يلزمه دواء ولا فاكهة، واعترض بعضهم بأن الدواء من الأمور الضرورية لحياة الإنسان، والفاكهة قد تكون ضرورية لمن اعتاد عليها من الموسرين، والجواب: أن الدواء والفاكهة لا تجبان في حالة التنازع ورفع الأمر للقاضي، فالواجب على الزوج في هذه الحالة، هو الحاجيات التي تقوم عليها الحياة غالباً. أما في حالة الرضا فهو مكلف بينه وبين الله بمعاملة زوجته أحسن معاملة، هذا ما قرره الحنفية.
    وقد يقال: إن هذا يكون ظاهراً فيما إذا كانا غنيين أو فقيرين، أو كانت الزوجة غنية والزوج فقيراً، فإنهما إن كانا غنيين، أو الزوجة غنية، فإنها يمكنها أن تعالج نفسها وتتفكه بدون ضرر، وإذا كانا فقيرين فالأمر ظاهر، إذ ليس من المعقول أن يكلف الفقير بالدواء والفاكهة وهو لا يقدر على القوت الضروري إلا بجهد ومشقة أما إذا كانت الزوجة فقيرة والزوج غني فإن قواعد الإسلام تقضي بإلزامه بمعالجتها، فإنه يجب على الأغنياء أن يغيثوا المكروب ويعينوا المريض، فالزوجة المريضة إذا لم يعالجها زوجها الغني وينقذها من كربها، فمن يعالجها غيره من الأغنياء؟ أليس من المعقول الظاهر أن يعالجها زوجها ويدفع لها ثمن الدواء إلزاماً؟ وهذا الكلام تستريح له النفس، ولكن فقهاء الحنفية أجمعوا على ما ذكرنا طرداً للأحكام لأن حق الزوجة على الزوج من حيث هي زوجة يوجب عليه أن ينفق ما به قوام الحياة العامة، وهي حياة الصحيحة لا المريضة، فلا يجب عليه الدواء على أي حال بل إن بعض المذاهب يرى أن النفقة لا تجب إلا في نظير الاستمتاع، والزوجة المريضة لا تصلح للاستمتاع فلا تجب لها نفقة، ولكن الحنفية قالوا: إن النفقة تجب في نظير حبس الزوجة في منزل زوجها، ولم لم تكن صالحة للاستمتاع كما ستعرفه في الشروط.
    وإذا كان الدواء وأجرة الطبيب لا يجبان عليه، فكذلك لا يجب عليه ثمن الدخان والقهوة والشاي ونحوهما، ولو تضررت من تركها، وقد اختلف في أجرة القابلة - الداية - فقيل: عليها، وقيل: عليه، وقيل: على من استدعاها منهما، واستظهر بعضهم أنها على الرجل، لأن منفعتها راجعة إلى الولد ونفقته على والده، وهو المعقول.
    المالكية - قالوا: يفرض على الزوج لزوجته النفقة بأنواعها الثلاثة، فأما الإطعام وما يلزم له فإنه ينظر في تقديره للعادة سواء كان خبزاً، أو أدماً، أو لحماً، فإن كان موسراً وكان من عادتهم أكل اللحم يومياً فرض لها ذلك. ومع ما يلزم لطهيه الناسب لها، وإن لم يكن من عادتهم ذلك فرض لها في الأسبوع مرة على زوجها متوسط الحال، ويرض لها باقي الأسبوع الأدم الذي يأتدم به أمثالها، ويفرض لها الخبز بحسب ما جرت به العادة من قمح أو غيره. وعليه كفايتها من ذلك ولو كانت كثيرة الأكل، إلا إذا اشترط عند زواجها كونها غير أكولة فإن له ردها ما لم ترض بالوسط. وإن كانت ضعيفة الأكل فرض لها بقدر كفايتها فقط على المعتمد. ويزاد للمرضع ما تقوى به على الرضاع.
    ويفرض عليه الماء الكافي لشربها وغسلها للنظافة وللجنابة وغير ذلك. وغسل ثيابها وآنيتها، ورش أرضها ونحو ذلك، وكذا يفرض لها جميع الآنية والأدوات اللازمة للطبخ والخبز والشرب، من وقود وكانون وفرن وملح وسمن لإصلاح الطعام، أما ما عدا ذلك فإنه لا يفترض عليه، فلا يفترض عليه السمن للحلوى كما لا تفترض عليه الحلوى ولا الفاكهة أما ثمن الدواء وأجرة الطبيب، ففي وجوبهما عليه قولان، والذي في المتون أنهما لا يجبان عليه ولعل التفصيل الذي ذكرته في مذهب الحنفية يؤيده القول بالوجوب، لأن المفروض أنه قادر على الدواء.
    وبعض علماء المالكية يقول: إنه يفترض عليه أن يعالجها بقيمة النفقة التي تفترض لها وهي سليمة من المرض، ومثل الطبيب القابلة - الداية - فإن في وجوب أجرتها على الزوج خلاف والظاهر أن عليه أجرتها ولو مطلقته، وأما الكسوة فتفرض مرتين في السنة بحسب حالهما كما يأتي بيانه، على أن تكسى في الشتاء بما يناسب فصل الشتاء، والصيف بما يناسب فصل الصيف، ويشترط أن تبلى الكسوة، أما إذا ظلت قريبة من جدتها صالحة للاستعمال فإنها لا تفرض لها كسوة أخرى حتى تخلق، ولا يفرض عليه ثياب الخروج لزيارة أهلها أو للعرس من ثوب حرير - بدلة الفرح -، كما لا يلزمه الحبرة - والبالطو - أو نحو ذلك، وقيل: إن كان غنياً يلزمه ويفرض عليه ما تتزين به النساء عادة وتتضرر بتركه كالكحل والدهن المعتادين، والحناء والمشط، وقد اختلف في الطيب ونحوه، والذي يظهر من كلامهم أنه لا يجب عليه من زينتها إلا ما اعتادته بحيث تتضرر بتركه، كالكحل ونحوه، وعلى أن هذه النظرية تنتج أن المرأة إذا اعتادت مساواة الحواجب وتزيين وجهها بالأبيض - التواليت - بحيث لو تركته تنقص زينتها وتتضرر بتركه فإنه يجب عليه احضاره، هذا ما يفهم من كلام السادة المالكية على التحقيق، أما أنا فأعتقد أن الكحل وما يتبعه من أنواع الزينة يرجع في الواقع للزوج، لأنه هو الذي يستمتع بها وحده دون سواه فإن كان في ذلك رضاً له ومحبة فيه بحيث لو تركته تقل رغبته فيها فإنه يلزم به، أما إذا كانت رغبته تنبعث إليها بدونه أو كان يكره فعله منها، فإنه لا يلزمه به، بل يجب عليها تركه لأن الشريعة الإسلامية تحث دائماً على توطيد علائق المحبة بين الزوجين، فكل ما يوجب النفرة بينهما لا يحل فعله، وأظن أن هذه النظرية لا يخالف فيها أحد من أئمة المذاهب، ولعل من أوجب على الزوج بعض أدوات الزينة التي تتضرر المرأة

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #231
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث العدة]
    صـــــ 482 الى صــــــــ
    492

    الحلقة (231)




    يتركها لاحظ أن تركها ينقص جمالها في نظر زوجها فتقل رغبته فيها.
    هذا، وإذا كانت المرأة موسرة لا تخدم نفسها أو كان الزوج ذا جاه وقدر بحيث لا يصح لامرأته أن تخدم نفسها، فإنه يفرض عليه خادم لها إذا كان ذا سعة يستطيع ذلك، وإلا فإنها تلزم بخدمة المنزل من طبخ وعجن وكنس وغير ذلك، وعليه أن يساعدها بنفسه في أوقات فراغه من عمله، ولا تلزم بخدمة غير منزلية كخياطة وتطريز ونحوها، وإذا كان للزوج خادم وكان لها خادم، وأبت إلا استخدامه قضي لها بخادمها، إلا إذا وجدت ريبة ثابتة بشهود.
    أما المسكن فإنه يشترط فيه أن يكون مشتملاً على المنافع اللازمة، ثم إن الزوجة إذا كانت وضيعة لا قدر لها، أي ذات صداق قليل لها الامتناع عن السكنى مع أقاربه ومثلها الشريفة ذات الصداق الكثير إذا اشترط عليها السكنى معهم عند الزواج، فإنها تعامل به بشرطين: الأول أن يكون للزوجة محل خاص بها بحيث لا يمكن أحد من أقاربه الاطلاع على عورتها التي تريد إخفاءها عنهم. الثاني: أن لا يثبت ضررها بإساءتهم إياها، ولو لم يطلعوا على عوراتها، فإذا تخلف أحد هذين الشرطين، فإن لكل من الوضيعة والشريفة التي اشترط عليها أن تسكن معهم الامتناع من السكنى، أما الشريفة ذات المهر الكثير التي لم يشترط عليها السكنى مع أهله، فإن لها أن تمتنع عن السكنى معهم بدون شروط حتى ولو رضيت أن تسكن معهم في أول أمرها، ولو لم يثبت تضررها بمشاجرة ونحوها.
    وإذا كان مع أحد الزوجين ولد صغير فإن الآخر أن يمتنع من إسكانه معه، إلا إذا دخل بعد علمه بالصغير، فإذا علم به قيل البناء ثم بنى، فلا حق له في الامتناع، سواء كان للولد حاضن آخر أو لا، أما إذا لم يعلم به قبل الدخول فإن له الامتناع من اسكانه معه بشرط أن يكون له حاضن آخر، وإلا فلا.
    هذا، وقد تقدم في صحيفة 159 أن المالكية يقولون: إن الزوجة ملزمة بأن تجهز نفسها من المهر المقبوض جهازاً يناسب مثلها لمثل زوجها، وعلى هذا إذا قبضت المرأة صداقها بالشروط المفصلة هناك، فإنها ملزمة بأثاث المنزل وحاجاته وللزوج الحق في الانتفاع بهذه الأشياء من فرش وغطاء ولباس وآنية، فيستعمل من ذلك ما يجوز له أن يستعمله، وإذا امتنعت قضي له بذلك وليس لها بيع جهازها إلا بعد مضي أربع سنين وهو بين زوجها يستمتع به فإذا خلق الجهاز فإن الزوج لا يلزمه ببدله، إلا الغطاء والفرش، فإنه يلزمه لأنه ضروري، فإذا جدد شيئاً من جهازها وطلقها فإنها لا يقضى لها بأخذه.
    هذا إذا قبضت الصداق، أما إذا لم تقبضه وتجهزت من مالها فله الانتفاع به حتى يبلى ولكن ليس له منعها من بيعه، نعم له الحجر عليها في التبرع بما زاد على الثلث.
    الشافعية - قالوا: يفرض على الزوج المعسر لزوجته في فجر كل يوم مد من الطعام والمد عند الشافعية بالوزن مائة وأحد وسبعون درهماً وثلاثة أسباع درهم، أما منزلة المد من القدح المصري، فهو نصف قدح إلا عشرة دراهم وخمسة أسداس درهم، لأن القدح المصري مدان إلا ثمن، فالمد نصف قدح إلا قليلاً، ومن أراد الاحتياط فليقل: نصف قدح.. والقدح ثمن كيلة مصرية.
    فزوجة المصري لها نصف قدح من غالب قوت أهل بلدها وحد العسر هو من لا مال له أصلاً أو له مال ولكن لا يكفيه لو وزع على عمره الذي يعيش إليه غالباً، فإن وصل إلى السن الذي يعيش فيه أمثاله غالباً، فإنه يكون معسراً إذا لم يكفه سنة، مثلاً يوزع ما يملكه عليه هو ومن تلزمه نفقاته كل يوم، فإن زاد عنده مد ونصف لم يكن معسراً بل متوسطاً، فيقضى لها بمد ونصف، وكذا إذا زاد عنده بعد التكاليف مدان، فإنه يكون موسراً.
    والحاصل أن المعسر عندهم من لا يقدر إلا على مد واحد بعد توزيع ماله عليه وعلى من تجب عليه نفقته العمر الغالب، إن كان عنده مال، فإن لم يكن عنده مال فكذلك، فالمد أقل نفقة تجب على الزوج المعسر، فإن زاد الفاضل عنده على مد ولكنه لم يبلغ مدين فإنه يكون متوسطاً فيقضى عليه بمد ونصف، فإن بلغت الزيادة مدين فإنه يكون موسراً، ويقضى عليه بمدين، أي قدح مصري إلا ثمن تقريباً.
    الشافعية - يعتبرون تقدير النفقة بهذا الاعتبار، ولا يعتبرونها بكفاية الزوجة، لأن الزوجة قد تكون مريضة أو لا تستطيع أن تأكل لأمر ما، فلها هذا القدر وهي تتصرف فيه كما تحب، إلا إذا اتفقت على أن تأكل معه، فإن نفقتها تسقط في هذه الحالة، ولا بد أن يدفع لها الحب، فلا يجزءه أن يدفع الدقيق أو القيمة أو الخبز، ولا بد أن يكون الحب سليماً من السوس ونحوه، فإذا بذل غير الحب فإنها لا تلزم بقبوله، فإذا تجمد لها نفقة ماضية، فإن لها أن تأخذ من الزوج ومن غيره، ممن ينيبه عنه عوضاً نقوداً وثياباً ونحو ذلك، أما النفقة المستقبلة فليس لها أن تأخذ عوضاً نقوداً لا من الزوج ولا من غيره أما النفقة الحاضرة، وهي نفقة اليوم، فإنه يجوز لها أن تأخذ عوضها نقوداً إلا من الزوج خاصة، بحيث لو فعله فيها غيره فإنه لا يصح، إلا إذا كان العوض رباً فإنه لا يجوز على أي حال، كخبز عن بر، أو دقيق عن حب.
    ويجب عليه الطحن والعجن والخبز، ولو اعتادته بنفسها فإنه لا يلزمها، ثم يفرض عليه بعد ذلك اللحم المناسب لحاله، والأدم المعتاد من خضر وخبز وسمن وعسل ونحوها، ثم إن كان اللحم يكفي فذاك، وإلا وجب عليه أن يكمل لها الأدم، وتجب الفاكهة لمن اعتادتها زيادة على الأدم ومثل الفاكهة ما اعتيد فعله في أيام الموسم من كعك ونقل وسمك وحلوى في عاشوراء ونحو ذلك، وكذا يجب عليه ثمن القهوة والدخان إن اعتادتهما الزوجة، وكذا ما يلزمها وهي وحمى، كما إذا وحمت على ملوحة ونحوه ويجب أن يملكها إياه بحيث لو فاتها ترجع عليه به، ويجب عليه، الماء اللازم للشرب والنظافة والاغتسال منه، أما الاغتسال بسبب غيره، كالحيض والاحتلام فلا يجب عليه، وتجب عليه الآلات اللازمة للطبخ والشرب بحسب ما يناسب حال كل زمان، وكذا يجب عليه آلة تنظيف، كمشط ودهن وصابون ونحو ذلك، وعليه أجرة الحمام المعتاد لأمثالها في كل شهر أو في كل جمعة حسب العادة، أما الخضاب والزينة" التولت" فإنها لا تجب عليه، لأن ذلك تابع له، فما يراه زينة لها فإنها تلزم به، ولا يلزمه دواء مرض ولا أجرة طبيب وحاجم وفاصد ونحو ذلك.
    هذا ما يتعلق بالطعام والشراب وما يتبع ذلك، أما الكسوة فتقدر لها منها كفايتها في كل فصل من فصول السنة، وهي تختلف باختلاف طولها وقصرها، واختلاف حال الزوج من اعسار ويسر، واختلاف عادة الناس، واختلاف الحر والبرد وهكذا، ويتبع الكسوة فرش المسكن بما هو معتاد من حصر وبساط وغطاء، وكل ذلك يتبع القاضي في تقديره عادة المحل، حتى ولو كانت ممن لا تفرش دارها لا يفرش لها، وتعطى الكسوة كل ستة أشهر مرة، فإن تلفت، ولو بلا تقصير، فلا حق لها في غيرها.
    ويجب لها مسكن يليق بحالها لا بحاله هو، ولو كان معدماً، سواء كان مملوكاً أو مكترى، ويجب عليه أن يأتيها بخادم ولو كان معسراً، بشرط أن يكون مثلها ممن يخدم وإن لم يخدم بالفعل، وأن تكون حرة، وإلا فلا يجب عليه الخادم إلا إذا كانت مريضة أو هرمة، فإنه يجب لها خادم وإن لم تكن ممن يخدم عادة، ويشترط أن يكون الخادم ممن يحل نظره للزوجة من أمة أو صبي أو ممسوح، وعليه إطعام الخادم مما يليق به، فله مد وثلث على الموسر. ومد واحد على متوسط ومعسر.
    الحنابلة - قالوا: أما الطعام والشراب وما يتعلق بهما فإنه يجب عليه أن يدفع لها الخبز والأدم الكافي لمثلها، فلا تلزم بالحبوب ولا بالبدل، فإذا تراضيا على شيء فإنه يصح، ويجب عليه عند طلوع شمس كل يوم، وإن اتفقا على تعجيله أو تأجيله مدة خاصة، فإنه يصح، وإذا أكلت الزوجة معه عادة سقطت نفقتها.
    وإن رضيت بالحبوب لزمته أجرة طحنها وخبزها، وعليه أدم الخبز المناسب لها وجرت عادة أمثاله بأكله من أرز ولبن وغيرهما، وإن سئمت أدماً خاصاً عليه أن ينقلها إلى غيره، وعليه أدوات الطبخ والوقود. ويفرض لها اللحم في كل أسبوع مرت
    ين. في كل مرة رطل عراقي، وهو 129 درهماً تقريباً، فهو أقل من الرطل المصري. لأن الرطل المصري 144 درهماً، وعليه تبييض النحاس عند الحاجة. ويجب عليه أن يجلب لها الماء اللازم لنظافتها وغسلها ووضوئها وشربها، وما تحتاج إليه من إنارة ودهن أو سمن أو زيت للطبخ حسب عادة قومها. وإذا طلبت مكان الخبز حباً أو نقوداً فإنه لا يلزمه ذلك، وكذا إذا أعطاها بدله فلا يلزمها أخذه إلا إذا تراضيا على أخذه، ومع هذا فلكل منهما الرجوع بعد التراضي.
    وعليه مؤنة نظافتها من صابون ودهن لرأسها ومشط، ولا تجب عليه أدوات الزينة، كالحناء والخضاب وشراء الحلي" التواليت" ونحو ذلك، وكذا لا يجب عليه ثمن الدواء وأجرة الطبيب، وإذا أراد منها الزينة وجب عليه أن يحضر لها ما تتزين به، وكذا إذا كره منها شيئاً كرائحة ونحوها فإنه يجب عليه أن يحضر لها الدواء الذي يزيلها.
    وإن كانت الزوجة ممن لا يخدم مثلها نفسه فإنه يجب عليه أن يحضر لها خادماً يخدمها بكراء أو شراء، بشرط أن تكون حرة، فلا خادم للأمة، ولا يصح أن يكون الخادم ممن يحرم نظره إليها، فلا يحل له أن يأتيها بخادم بالغ شاب، بل ينبغي أن يكون الخادم صغيراً أو ممسوحاً أو امرأة، وإذا قال لها: أنا أخدمك بنفسي فإنها لا تلزم بقبوله، وللزوج تبديل الخادم بغيره بدون اعتراض ولو كانت خادمة ألفتها الزوجة، ويلزمه نفقة الخادم وكسوته بحسب ما يليق بالخادم.
    وأما الكسوة فإنها تفرض لها بحسب حالها أيضاً، فإن كان مثلها يلبس حريراً فرض لها الحرير، وإلا فالقز والقطن حسب حالها، وتقدر حسبما اعتاده الناس، ويلاحظ فصل الشتاء فيزداد فيه ما يقيها البرد، وينبع الكسوة فرش المنزل من حصر وبساط ولحاف ومخدة ومرتبة ونحو ذلك فإنه يلزمه ويفرض عليه، وينظر في كل ذلك لما جرت به عادة أمثالها، ولا يلزمه أن يأتيها بالثياب التي تتزين بها عادة، كبذلة العيد والفرح ونحو ذلك، وعليه ما تغطي به رأسها أو تلبسه في رجلها، أما الإزار التي تخرج به "الحبرة" أو "البالطو" فإنه لا يلزمه. وأما المسكن فإنه يفرض لها حسب حالها، بحيث يكون مشتملاً على الأدوات المطلوبة من آنية وفرش على الوجه المتقدم) .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #232
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث النفقة]
    صـــــ 492 الى صــــــــ
    505

    الحلقة (232)





    مبحث هل تفرض النفقة بحسب حال الزوج أو الزوجة أو حالهما؟
    -في هذا المبحث تفصيل المذاهب (1) .
    مبحث هل تقدر النفقة بالحبوب والقماش أو بقيمتهما نقداً؟

    -في تقدير النفقة بالنقود، أو غيرها تفصيل المذاهب (2) .
    مبحث وجوب شروط النفقة

    -يشترط لوجوب النفقة على الزوج شروط مفصلة في المذاهب (3) .
    مبحث هل تثبت النفقة قبل المطالبة بها؟

    -إذا سلمت الزوجة نفسها للزوج فتركها بدون نفقة، فهل تلزمه نفقتها من وقت تسليم نفسها أو تلزمه بمجرد العقد؟ وإذا لزمته، فهل تكون ديناً في ذمة الزوج لها المطالبة به؟ أو لا؟ وفي ذلك تفصيل المذاهب (4) .
    مبحث ما تسقط به النفقة
    -تسقط النفقة بأمور مفصلة في المذاهب (5) .
    مبحث نفقة العدة
    -ليس للمعتدة عدة وفاة نفقة، حاملاً كانت، أو حائلاً، وأما المعتدة بطلاق أو فسخ، ففي عدتها تفصيل المذاهب (6) .
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: إذا كان الزوجان موسرين أو معسرين فلا خلاف في أمرهما، فتقدر في حال اليسر بنفقة اليسار، وفي حالة العسر بنفقة الإعسار، أما إذا كان أحدهما موسراً والآخر معسراً، ففيه رأيان مصححان:
    الرأي الأول: تقدر النفقة بحسب حالهما معاً، بمعنى أنها تجب لها نفقة الوسط، فإذا كان الزوج موسراً وهي فقيرة، وجبت لها نفقة الوسط بحيث تكون زائدة عن حالها ناقصة عن حاله، وهذا لا إشكال فيه، أما إذا كانت هي غنية وهو فقير، فقد يقال: إن النفقة الزائدة عن حاله يعجز عن أدائها، ويجاب: بأنه تجب عليه نفقة الوسط، ولكن لا يكلف إلا بدفع نفقة الفقير، والباقي يبقى ديناً في ذمته.
    الرأي الثاني: اعتبار حال الزوج فقط، فإن كان غنياً وهي فقيرة، فرضت عليه نفقة الموسرين وإذا كان فقيراً وهي غنية، فرضت عليه نفقة المعسرين وكلا القولين مصحح، ولا يخفى أن الثاني هو المنضبط في باب الأحكام، وحيث كان صحيحاً فينبغي الأخذ به، وإن كانت المتون على الأول.
    المالكية - قالوا: ينظر في تقدير النفقة إلى حال الزوجين معاً، سواء كانا غنيين، أو فقيرين، أو أحدهما غنياً والآخر فقيراً، فإذا تساويا غنى وفقراً فالأمر ظاهر، وإن اختلفا بأن كان أحدهما غنياً والآخر فقيراً فاللازم حالة وسطى بين الحالتين، فإذا كان فقيراً وهي غنية، قدر لها نفقة أكثر مما لو كانت فقيرة تحت فقير، وهذا هو المعتمد، أما اعتبار حال الزوج وحدها فلم يقبل بها المالكية فالمالكية متفقون على الرأي الأول عند الحنفية.
    الشافعية - قالوا: قد عرفت أن النفقة ثلاثة أنواع: إطعام، وكسوة، ومسكن، فأما الإطعام والكسوة فيقدران بحسب حال الزوج إعساراً ويساراً، فلا نظر فيهما لحال الزوجة، وقد عرفت حق الزوج الموسر والمعسر، وأما المسكن فيفرض لها بحسب حالها هي لا بحسب حاله هو، وذلك لأن الإطعام والكسوة يعتبر فيهما التمليك، بمعنى أن الزوج يملكها إياهما، وهو لا يملك إلا ما يقدر عليه، أما المسكن فالمعتبر فيه المتعة، إذ الزوج لا يملك زوجته المسكن وهو ملزم بأن يمتعها حسب حالها.
    الحنابلة - قالوا: أن المعتبر حال الزوجين معاً، يسراً وعسراً، عند التنازع لا عند العقد، فإن كان أحدهما غنياً والآخر فقيراً، فرضت نفقة الوسط، وإن كانا موسرين، فرض لها نفقة الموسرين، وهكذا.
    وبهذا تعلم أن المالكية، والحنابلة والحنفية في أحد الرأيين متفقون على أن المعتبر هو حال الزوجين، ولكن عرفت أن للحنفية رأياً آخر صحيحاً، وهو اعتبار حال الزوج، أما الشافعية فيوافقون على هذا الرأي إلا في المسكن) .
    (2) (الحنفية - قالوا: ذلك موكول للقاضي، فإنه يجب عليه أن ينظر إلى حال الزوج أو إلى حالهما معاً، على التفصيل المتقدم، ثم ينظر إلى حال الزوجة، فإن كان من مصلحتها أن يفرض لها أصنافاً من حبوب وقماش وآنية ونحو ذلك فعل، وإن كان من مصلحتها النقود فرض لها نقوداً بعد ما ينظر إلى سعر البلد، وينظر إلى ما هما عليه من عادة وعرف، وينظر إلى الأصناف اللازمة لها، ولا يجب في تقدير النفقة نقود معينة، بحيث لا تقل عنها، فإن لكل زمان ما يناسبه من ذلك، ويفرض لها كل يوم، أو كل شهر، أو كل سنة، حسبما يرى المصلحة في الصرف، فإذا كان موظفاً ينقد راتباً شهرياً، فرض لها كل شهر، وإذا كان عاملاً ينقد كل أسبوع فرض لها أسبوعياً، وإذا كان زراعياً يأتيه المحصول سنوياً، فرض لها النفقة عليه سنوياً لتأخذ قوت السنة دفعة واحدة، وهكذا بحسب الحال.
    هذا، وإذا اشترط في عقد الزواج أن ينفق عليها تمويناً، وأن يأتي لها في الشتاء بكسوة وفي الصيف بكسوة، فإن هذا الشرط لا يعمل به، ولها بعد ذلك أن تطلب تقدير النفقة لتتقرر وتصير ديناً في ذمته، فلا تسقط بعد ذلك.
    المالكية - قالوا: تفرض النفقة أصنافاً من إطعام وكسوة ولوازمها، على الوجه الذي تقدم بيانه، وللزوج أن يعطيها الثمن المناسب لسعر البلد إذا رضيت بذلك، وإلا فلها الحق في الأصناف وتفرض على الزوج بحسب ما يجد، فإذا كان موظفاً له راتب شهري، قدرها شهرياً وإن كان عاملاً ينقد راتباً أسبوعياً أو يومياً، قدرها كذلك، وإن كان زارعاً يملك المحصول سنوياً أو كل نصف سنة مرة، قدرها كذلك وإذا كان عليها دين له وطلبه، فإن له خصمه من النفقة، إذا لم يضر ذلك بها.
    الشافعية - قالوا: لا بد من تقدير النفقة أصنافاً، على الوجه المتقدم، وقد عرفت أنها لا تلزم بأخذ ثمنه وليس لها أن تأخذ ثمن النفقة المستقبلة، لأنها لم تجب لا من الزوج ولا من غيره، أما النفقة المتجمدة فلها أن تأخذ عوضها منه أو من غيره، وأما النفقة اليومية فلها أن تأخذ بدلها نقداً أو غيره، إذا لم يكن رباً من الزوج وحده.
    الحنابلة - قالوا: لا بد من تقدير النفقة أصنافاً، على الوجه المتقدم، وإذا أراد الزوج أن يعطيها ثمنها نقداً أو عوضاً آخر، فإنه لا يلزمها أخذه، وكذا إذا طلبت منه نقوداً، فإنه لا يلزم بها إلا إذا تراضيا على ذلك، فإنه يصح، ومع ذلك فلكل منهما أن يرجع بعد الرضا، كما تقدم) .
    (3) (الحنفية - قالوا: يشترط لوجوب النفقة على الزوج شروط: أحدهما أن يكون العقد صحيحاً، فلو عقد عليها فاسداً أو باطلاً وأنفق عليها، ثم ظهر فساد العقد أو بطلانه فإن له الحق في الرجوع عليها بما أنفقه، وذك لأن النفقة إنما تجب على الرجل في نظير حبس المرأة وقصرها عليه، والمعقود عليها عقداً فاسداً لا حبس له عليها، فإن قلت: إنه إذا وطئها بعقد فاسد فإنها تعتد منه، وتكون - وهي في العدة - محبوسة عليه، فهل تجب لها نفقة العدة في نظير ذلك الحبس؟ الجواب: كلا فإن حبسها في هذه الحالة لم يكن بسبب العقد، وإنما ثبت لتحصين الماء والمحافظة على الولد، فلا تجب لها نفقة على أي حال، ومن ذلك ما إذا غاب عنها زوجها فتزوجت بزوج آخر ودخل بها، ثم حضر زوجها الغائب، فإن نكاحها الثاني يكون فاسداً، ويفرق القاضي بينهما، وتجب عليه العدة بالوطء الفاسد، ولا نفقة لها على الزوج الثاني، وإذا تزوجت برجل، وهي معتدة من غيره، ودخل بها، ثم فرق القاضي بينهما، كان لها نفقة العدة على الزوج الأول.
    الشرط الثاني: أن تكون الزوجة مطيقة للوطء منه أو من غيره، ولا يشترط لذلك سن خاص، بل يقدر بحسب حال الزوجة، إذ قد تكون صغيرة بدينة تطيق، وقد تكون كبيرة هزيلة لا تطيق، فإذا كانت صغيرة تطيق الوطء وسلمت نفسها فإن النفقة تجب على الزوج، ولو كان صغيراً لا يعرف الوطء، ثم إن النفقة في هذه الحالة تجب في مال الصغيرة لا في مال الأب، فإن لم يكن للصغير مال، فإن الأب لا يلزم بالإنفاق على زوجته، ولكن يلزم بالاستدانة والإنفاق، ثم عند بلوغ الصغير ويساره يرجع عليه بما أنفق، على أنه لا يصح للأب أن يزوج ابنه الصغير الذي لا يشتهي، إذا كان معروفاً بسوء الاختيار، وقد تقدم في مباحث الولي تحرير هذا. في صحيفة 33، فارجع إليه، ويجب لها النفقة أيضاً إذا كانت تشتهى للمباشرة والتلذذ بها في غير الفرج، ولو لم تطق الجماع في الفرج، كما إذا كانت رتقاء أو قرناء، فإذا لم تطق الوطء ولم تصلح للاستمتاع بها، فإذا كانت تصلح للخدمة والاستئناس بها، وأمسكها في بيته، فإن النفقة تجب لها.
    الشرط الثالث: أن تسل نفسها، وإلا كانت ناشزة، فلا تجب لها نفقة.
    والناشزة، هي التي تخرج من بيت زوجها بدون إذنه بغير حق، أو تمتنع من تسليم نفسها إليه، فلا تدخل داره، أما إذا لم تطاوعه في الجماع، فإن هذا، وإن كان حراماً عليها، ولكن لا تسقط به نفقتها، لأن الحبس الذي تستحق به النفقة موجود. وإن كانت في منزل مملوك لها ومنعته من الدخول عليها، فإنها تكون ناشزة بذلك، فإذا خرجت بغير إذنه، أو سافرت بغير إذنه، ثم عادت ثانياً، فإن النفقة تعود لها وقولنا: بغير حق خرج به ما إذا خرجت أو منعت نفسها بحق، وذلك فيما إذا لم يقبضها جميع صداقها المقدم. أو خرجت لزيارة أبويها ونحو ذلك، مما هو موضح في مباحث المهر، بصحيفة 143.
    الشرط الرابع: أن لا تكون مرتدة، فإذا ارتدت سقطت نفقتها، كما بيناه في مباحث الردة صحيفة 202 وهذا بخلاف ما إذا كانت ذمية تحت مسلم، فإنها تجب لها النفقة، سواء كانت نفقة زوجية أو عدة فإذا تابت المرتدة وأسلمت، وهي في العدة فإن نفقتها لا تعود بخلاف الناشزة، وذلك لأن ردتها ترتب عليها فرقة جاءت من قبلها، فأبطلت نفقتها، ومتى بطلت النفقة بالفرقة فإنها تعود، بخلاف النشوز فإنه أمر عرضي يوقف النفقة ولا يبطلها. فإذا كانت مطلقة وخرجت بدون إذنه وهي في العدة. فإن نفقتها لم تبطل بالنشوز، فإذا عادت إلى الطاعة عادت لها النفقة، وإذا طلق امرأته وارتدت وهي في العدة سقطت نفقة عدتها، ولو عادت وأسلمت فإن نفقتها لا تعود.
    الشرط الخامس: أن لا تفعل ما يوجب حرمة المصاهرة فلو طاوعت ابن زوجها، أو أب زوجها، ومكنته من نفسها، أو لمسته بشهوة، فإنها تبين منه ولا نفقة لها عليه، لما علمت بأنها فعلت ما يوجب الفرقة، فكانت فرقة من قبلها مبطلة للنفقة فإن كانت مطلقة وفعلت ذلك في العدة. فإن كانت معتدة عن طلاق رجعي، فإن نفقتها تسقط، أما إذا كانت معتدة عن طلاق بائن، أو عن فسخ بدون طلاق، فإن لها النفقة والسكنى
    الشرط السادس: أن لا تكون معتدة عدة وفاة، كما يأتي في نفقة العدة.
    الشرط السابع: إذا كانت أمة يشترط فيها أن تكون مبوأة، ومعنى هذا أنه إذا تزوج شخص أمة مملوكة للغير، فإن نفقتها لا تجب على الزوج إلا إذا بوأها السيد بيتاً خاصاً بها وبزوجها بمعنى أنه أعد لها مكاناً خاصاً بها هي وزوجها، ولم يستخدمها فيه، فلو طلقها زوجها فاستولى عليها سيدها، فإن نفقة عدتها تسقط.
    والحاصل أنه لا نفقة لإحدى عشرة امرأة:- (1) الناشزة (2) المرتدة (3) مطاوعة ابنه أو أبيه أو مقبلته بشهوة أو نحو ذلك، مما يوجب حرمة المصاهرة (4) معتدة الوفاة (5) المعقود عليها عقداً فاسداً، والموطوءة بشبهة (6) الصغيرة التي لا تطيق الوطء (7) المسجونة، ولو ظلماً إذا حيل بينه وبينها (8) المريضة إذا لم تزف، فإذا تزوج امرأة ولم يدخل بها، ثم مرضت مرضاً لا تستطيع منه الانتقال إلى دار زوجها على أي حال لانعدام تسليم نفسها في هذه الحالة، أما إذا مرضت في دار زوجها مرضاً شديداً، فإن عليه نفقتها (9) المغصوبة، فلو غصب شخص زوجة الآخر لا تجب على الزوج نفقتها على التحقيق (10) الحاجة فإذا خرجت لحج الفريضة مع محرم فإن لها ذلك، ولو بدون إذنه، لكن لا نفقة لها عليه لعدم احتباسها، إلا إذا خرج معها حاجاً، فإن عليه نفقة الحضر لا السفر، فيجب عليها أن تنفق أجرة الجمال والبواخر وغير ذلك، ويجب عليه إطعامها وكسوتها وما يتعلق بذلك، ولا يحل لها أن تسافر مع غير محرم (11) الأمة التي لم تبوأ مكاناً خاصاً بها هي وزوجها.
    وبهذا تعلم أن مدار شروط النفقة على حبس المرأة بمنزل زوجها بالفعل أو بالقوة، فلا يشترطون لوجوب النفقة الدخول، كما لا يشترطون مطالبة الزوج بالدخول. إنما الشرط أن لا تمتنع عن تسليم نفسها عند طلبه ما دامت قبضت جميع مقدم صداقها، وأيضاً لا يشترطون تمكينه من الوطء عند طلبه ما دامت محبوسة في داره، فلا تخرج إلا بإذنه، ولا يشترطون أن لا يكون لها مانع يمنع الوطء كرتق ونحوه، كما إذا كانت عجوزاً غير صالحة للوطء، ومثلها المجنونة إذا سلمت له نفسها ومنعته من الوطء، وكذا لا يشترطون كون الزوج بالغاً.
    المالكية - قالوا: تنقسم شروط وجوب النفقة للزوجة على زوجها إلى قسمين: شروط لوجوبها قبل الدخول وشروط لوجوبها بعد الدخول، فيشترط لوجوبها قبل الدخول أربعة شروط:
    الأول: أن تدعوه الزوجة أو وليها المجبر إلى الدخول فلم يدخل، فإذا لم تدعه إلى الدخول فلا حق لها في النفقة.
    الثاني: أن تكون مطيقة للوطء، فإذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء فإنه لا تجب عيها نفقتها إلا إذا دخل بها، ولا يجب عليه الدخول إذا دعته ولا يجبر عليه، راجع صحيفة 142: وما بعدها.
    الثالث: أن لا تكون مريضة مرضاً شديداً بحيث أصبحت في حالة النزع أو كان هو مريضاً كذلك، وإلا فلا نفقة لها.
    الرابع: أن يكون الزوج بالغاً، فلو كان الزوج صغيراً فإن نفقتها لا تجب عليه ولو كان قادراً على وطئها، فهذه الشروط إنما تشترط لوجوب النفقة على الزوج قبل الدخول، أما بعد الدخول فإن النفقة تجب عليه، سواء كانت الزوجة تطيق الوطء أو لا، وسواء كانت مريضة مرض الموت أو لا وسواء كان بالغاً أو لا، وهذا هو الظاهر، وبعضهم يقول: انها شروط لوجوب النفقة مطلقاً، فلا تجب على الصغير ولو دخل بها ووطئها، وكما لا تجب على الكبير إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء، ومثل ذلك المريضة التي بلغت حد النزع، فإنه لا نفقة لها في هذه الحالة، ويشترط لوجوبها بعد الدخول أن تمكنه من الوطء، بحيث إذا طلبه منها لا تمتنع، وإلا فلا حق لها في النفقة، وأن تكون سليمة من عيوب النكاح، كالرتق ونحوه، فإذا كانت كذلك فلا حق لها في النفقة، إلا إذا تلذذ بها بغير الوطء وكان عالماً بالعيب، فإن النفقة تجب عليه في هذه الحالة.
    الشافعية - قالوا: يشترط لوجوب النفقة على الزوج شروط: أحدها أن تمكنه من نفسها، وذلك بأن تعرض نفسها عليه، كأن تقول: إني مسلمة نفسي إليك. فإن لم يكن حاضراً عندها بعثت إليه تقول: إنني مسلمة نفسي إليك، فاختر وقتاً أجيء فيه إليك أو تجيء إلي أو نحو ذلك، فإن لم يكن حاضراً في البلد أنذرته بواسطة، فإن لم يحضر بعد ذلك كان لها الحق في النفقة.
    والحاصل أن عليها أن تخطره بأنها مستعدة لاجتماعها به ودخوله عليها كما يشاء، فإذا لم تخطره بذلك فإنها لا حق لها في النفقة حتى ولو كانت لا تمتنع إذا طلبها، فالشرط في وجوب النفقة أن تخطره بأنها مستعدة لتمكنه من نفسها متى شاء، ويجب أن تمكنه من نفسها في أي وقت يحب، فإذا كان لها عمل بالنهار لا يتمكن منها فيه فإن نفقتها لا تجب عليه، فإذا كانت صغيرة أو مجنونة عرضها لوليها.
    ثانيها: أن تكون مطيقة للوطء، فإذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء فإنها لا تستحق النفقة سواء كان زوجها بالغاً يريد الوطء أو صغيراً لا يطأ، وإذا كان صغيراً فإن النفقة لا تجب عليه إلا إذا سلمت الزوجة لوليه، وكذا إذا كان مجنوناً، فإن النفقة لا تجب عليه إلا إذا سلمت زوجته للولي فلو استمتع المجنون بها بدون أن يستلمها وليه فلا نفقة عليه بذلك وبعضهم يقول: إذا كان الزوج صغيراً لا يطأ مثله، وكانت الزوجة صغيرة لا تطيق الوطء فإن نفقتها تجب، وذلك لأن المانع منهما معاً لا من الزوجة وحدها، بخلاف ما إذا كان الزوج كبيراً وهي صغيرة لا تطيق الوطء فإن المانع من جهتها وحدها فلا تستحق. ثالثها: أن لا تكون ناشزة أي خارجة عن طاعة زوجها، وله صور: منها أن تمنعه من الاستمتاع بها من لمس وتقبيل ووطء، ونحو ذلك، فإذا منعته سقطت نفقتها في اليوم الذي منعته فيه وذلك لأن النفقة تجب يوماً فيوماً، فإذا منعته في أول اليوم سقطت نفقتها فيه، فإذا عادت ومكنته فإن نفقتها لا تعود ما لم يستمتع بها بالفعل، على أن نشوز يوم واحد يسقط كسوة الفصل كلها، وذلك لأن الكسوة تقدر لكل فصل بحسب ما يناسب، فإذا كانت في فصل الشتاء ونشزت في يوم من الأيام سقطت كسوتها في هذا الفصل ولو عادت للطاعة ولا تكون ناشزة إذا منعته من الوطء لعذر كما إذا كان ضخم الآلة بحيث لا تطيقه، أو كانت مريضة مرضاً يضره الوطء، ومثل ذلك ما إذا كانت حائضاً أو نفساء، ومنها أن تخرج من المسكن بدون إذنه، فإذا خرجت بدون إذنه فلا تجب عليها نفقتها، إلا إذا خرجت لعذر كخوف من انهدام مسكن أو لعيادة أهلها ونحو ذلك، مما لا يغضب أمثاله عرفاً، ومنها أن تسافر لقضاء حاجة لغير زوجها ولو بإذنه، فإن نفقتها تسقط بذلك أما إذا سافرت لقضاء حاجة له بإذنه فإن نفقتها لا تسقط.
    ومثل ذلك ما إذا سافرت معه ولو بدون إذنه، لأنها في هذه الحالة تكون في قبضته، ولكن لا يحل لها أن تخرج معه بدون إذنه، فإن منعها من الخروج فأبت وتغلبت عليه سقط حقها في النفقة وإذا أحرمت بحج أو عمرة وهي موجودة معه في داره فإن نفقتها لا تسقط بمجرد الإحرام، لأن له الحق في تحليلها إن لم يأذن لها، فهي في قبضته ما لم تخرج للسفر فإن خرجت سقطت نفقتها لأنها تكون خارجة لحاجتها.
    هذا، وللزوج أن يمنع زوجته من صيام النفل، وقضاء الفرض الموسع، وعليها أن تمتثل فإن أبت فإن نفقتها تسقط.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #233
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث النفقة]
    صـــــ 492 الى صــــــــ
    505

    الحلقة (233)



    الحنابلة - قالوا: يشترط لوجوب نفقة الزوجية على الزوج شروط:
    أحدها: أن تسلم له نفسها تسليماً تاماً في أي بلدة أو مكان يليق بها، فإذا امتنعت عن تسليم نفسها في بلد دون بلد فإن نفقتها تسقط.
    ثانيها: أن تكون ممن يوطأ مثلها، أي بأن تكون صالحة للوطء، وقيده بعضهم بشرط أن تكون بنت تسع سنين، فإذا كانت ضخمة تطيق الوطء، وهي دون تسع، فإنها لا نفقة لها على هذا القيد وظاهر كتب الحنابلة أنه لا تجب لها النفقة، وهي دون تسع على أي حال فإن كانت صغير تطيق الوطء فإن على وليها أن يقول لزوجها: تعال استلم زوجتك، فمتى سلمت الزوجة نفسها أو أسلمها وليها، وكانت تطيق الوطء وجبت نفقتها على الزوج، وسواء كان صغيراً أو كبيراً. وسواء كان يمكنه الوطء أو لا، كما إذا كان مجبوباً أو عنيناً، لأن النفقة تجب في مقابل الاستمتاع، فمتى سلمت نفسها وجبت عليه نفقتها، سواء استمتع بالفعل أو لا وإذا تعذر وطؤها لمرض أو حيض أو نفاس أو رتق أو قرن، أو هزال، فإنه لا يمنع نفقتها، وإنما المدار على تسليم نفسها ما دامت بلغت تسع سنين؛ سواء حدث لها ذلك قبل الدخول، أو حدث لها وهي عنده فإذا كانت صحيحة وبذلت نفسها ليستمتع بها بغير الوطء، فإنها لا حق لها في النفقة، فإذا امتنعت عن تسليم نفسها للجماع سقطت نفقتها، فإذا عرض لها عارض يمنع من الوطء سلمت نفسها بعد ذلك فإن نفقتها لا تعود ما دامت مريضة عقوبة لها على منع نفسها وهي صحيحة، وإذا ادعت أن ذكره كبير لا تطيقه، أو ادعت أن بها آلاماً لا تطيق معها الوطء، فإن قولها يقبل إذا عرضت نفسها على امرأة ثقة - طبيبة - وأقرت دعواها، ولا تسقط نفقتها.
    وإذا كان الزوج صغيراً فالنفقة تلزمه كالكبير ويجبر وليه على الإنفاق عليها من ماله، الصبي ومثله السفيه والمجنون فإذا كانت الزوجة صغيرة دون تسع، فإنها لا نفقة لها، ولو سلمت نفسها أو سلمها وليها، وإذا اشترطت في العقد أن لا تسلم نفسها إلا في بلد كذا أو مكان كذا فإنه يعمل بهذا الشرط، فإذا عقد شخص على امرأة ولم تبذل له نفسها، فإن النفقة لا تجب عليه ولو مكثت على ذلك سنين
    وإن كان الزوج غائباً وجب اعلانه بمعرفة الحاكم، بأن تقول له: إنني تحت طاعتك أو مستعدة لتسليم نفسي لك في أي وقت تحب. وبذلك تجب لها النفقة.
    ثالثها: أن لا تكون ناشزاً وللنشوز صور منها أن تخرج من منزله بدون إذنه ومنها أن لا تمكنه من وطئها ومنها أن تسافر بدون إذنه ومنها أن تتطوع بحج أو بصوم نفل أو تحرم بحج منذور في الذمة ولو بإذنه فإنها إن فعلت ذلك ودعاها للفراش فأبت سقطت نفقتها، فإن له أن يبطل صوم التطوع ونحوه ومنها أن لا تبيت معه في فراشه، ومنها أن تمنعه من الاستمتاع بها بغير الوطء، كالتقبيل ونحوه، ومنها أن لا تسافر بغير إذنه لحاجته، فإن سافرت لحاجته بإذنه فلها حق النفقة، ومثل ذلك ما إذا سافرت لحج الفريضة، فإن نفقتها لا تسقط، ولها ذلك مع محرم ولو بدون إذنه، كصيام رمضان، ومثلاً سنن الصلاة المكتوبة، وكذا إذا طردها من منزله، فإن لها النفقة، أما إذا سافرت لحاجتها أو لحجة التطوع، ولو بإذنه، فلا نفقة لها.
    رابعها: أن لا تلزمها عدة بوطء غيره، كما إذا وطئها شخص بشبهة فاعتدت منه، فلا نفقة لها عليه، ولا فرق في النشوز بين قدرة الزوج على ردها أو لا، فإن عادت عن النشوز وسلمت له نفسها عادت لها النفقة، وإذا أسلمت المرتدة عادت لها نفقتها، وإذا أطاعته نهاراً وعصته ليلاً كان لها نصف نفقة مثلها. خامسها: أن لا يحول بينه وبينها حائل، كما إذا حبست ولا يستطيع الوصول إليها، فإن حقها يسقط في النفقة، وكذا إذا حبست الزوج من أجل نفقتها أو صداقها، فإنها لا نفقة لها إلا إذا كان الزوج موسراً مماطلاً وحبسته، فإن نفقتها لا تنقطع، لأنه يكون في هذه الحالة ظالماً) .
    (4) (الحنفية - قالوا: لا نفقة للزوجة بمضي المدة قبل القضاء، فإذا لم ينفق عليها، بأن كان غائباً عنها أو كان حاضراً وامتنع، فإنه لا يطالب بما مضى، بل تسقط بمضي المدة، إلا إذا كانت مدة قليلة، وهي ما دون الشهر، فإن نفقتها لا تسقط، أما بعد القضاء فإنها تصبح ديناً، ولا تسقط إلا بموت أحدهما أو طلاقها أو نحو ذلك، مما يأتي، وذلك لأن المرأة تملك النفقة بعد القضاء، ولها أن تتصرف فيها بما لا يضر جمالها وصحتها، فإذا لم تأكل ونحفت، فإن له الحق في إجبارها على الإنفاق على نفسها كي لا تهزل، فإذا أنفقت على نفسها بعد القضاء من مالها أو من مال غيرها، ولو بلا أمر قاض، فإن لها أن ترجع على زوجها بما فرضه عليه القاضي، ومثل ذلك ما إذا اصطلحا على نفقة، فإنها تلزمه وتصبح ديناً في ذمته، وترجع بها عليه، حتى ولو لم يقل القاضي: حكمت، وذلك لأن طلب تقدير النفقة بشروطه، وهي شكوى مطل الزوج، وكونه غير صاحب مائدة، وعدم غيابه دعوى، فإذا قدر القاضي النفقة كان ذلك حكماً، فلا تسقط بعد ذلك، وإذا فرض لها كل يوم أو كل شهر كان ذلك قضاء، ما دامت الزوجية قائمة، فإذا أبرأته عن النفقة قبل فرضها بالقضاء أو بالتراضي، فإنه لا يصح الإبراء، لأنها لا تصير ديناً قبل الفرض، فلا معنى للإبراء من، أما بعد الفرض فإنه يصح، ولكن يستثنى من ذلك ما إذا خالعها على أن تبرئه من نفقة العدة، فإنه يصح. لأنه إبراء في نظير عوض. وهو ملكها لنفسها وهو استيفاء قبل الوجوب، فيصح، بخلاف إبرائه لا في نظير عوض، فإنه إسقاط للشيء قبل وجوبه فلا يصح، فإذا أبرأته من النفقة بعد تقديرها، فإن الإبراء يصح من المتجمد الماضي ومن شهر في المستقبل.
    المالكية - قالوا: تجب نفقة الزوجية في ذمة الزوج الموسر متى تحققت الشروط المتقدمة. ولها حق الرجوع عليه في المتجمد وإن لم يفرضه عليه الحاكم، فإن أعسر الزوج بعد يسر سقط عنه زمن العسر فقط، أما المتجمد زمن اليسر فهو باق في ذمته. ترجع به عليه إذا أيسر. الشافعية - قالوا: متى سلمت نفسها أو آذنه وليها بتسليمها إن كانت صغيرة واستوفت الشروط المتقدمة، فإنه يجب عليه وجوباً موسعاً أن يدفع لها عند فجر كل يوم النفقة المتقدم بيانها فإن طالبته وماطل، فإنه يأثم، على أنه يجب أن يملكها النفقة اللائقة بحاله، وإلا فإنها ترجع عليه بها) .
    (5) (الحنفية - قالوا: تسقط النفقة بموت أحد الزوجين، بشرط أن لا يأمرها القاضي بالاستدانة، فإن أمرها القاضي بالاستدانة تقررت بذلك النفقة، كما لو استدان الزوج نفسه، ولا شك أن موته أو موت زوجته لا يسقط دينه، أما إذا لم يأمرها القاضي بالاستدانة فإنها تسقط بالموت، لأنها صلة.
    أما سقوط النفقة المتجمدة بالطلاق، ففيه خلاف، والصحيح أنها لا تسقط بالطلاق، فأما الطلاق الرجعي فظاهر، وأما الطلاق البائن، فإن النفقة المتجمدة إذا سقطت به اتخذه الرجال ذريعة لإسقاط حقوق النساء، وظاهر كتب الحنفية أن الطلاق الرجعي لا يسقط النفقة على الصحيح لظهور جعله حيلة لتضييع حق الزوجة، ثم يراجعها بعد ذلك، أما الطلاق البائن فعلى القاضي أن يتأمل في الحالة قبل الحكم بإسقاط المفروض، فإذا ظهر له من قرائن الأحوال أن الغرض من الطلاق إسقاط النفقة وتضييع حق الزوجة، فإنه لا يعتبر، وإلا اعتبره مسقطاً، وتسقط النفقة المتجمدة بالنشوز إذا لم تكن مأمورة بالاستدانة، وإلا فإنها لا تسقط على أي حال، وإذا رضيت أن تأكل تمويناً فإن فرض النفقة السابقة يبطل، وكذا إذا كانت له مائدة فإن لها أن تأكل منها بدون إذنه، وتسقط أيضاً بالردة، وبمطاوعتها لابن زوجها أو لأبيه أو نحو ذلك، كما تقدم في الشروط.
    المالكية - قالوا: تسقط النفقة بأمور: الأول: عسر الزوج، سواء كانت الزوجة مدخولاً بها أو لا، فإذا أيسر الزوج فليس لها الحق في الرجوع عليه بالنفقة مدة إعساره، ولو كانت مفروضة بحكم حاكم مالكي، ولا حق لها في مطالبته بالنفقة ما دام معسراً، الثاني: أن تأكل معه فتسقط ولو كانت مقررة، ولا فرق في ذلك بين الطعام أو الكسوة، فإذا كساها معه سقطت كسوتها، الثالث: أن تمنعه من الوطء أو الاستمتاع بها، فتسقط نفقتها في اليوم الذي منعته فيه، الرابع: أن تخرج من محل طاعته بدون إذنه، ولم يقدر على ردها بنفسه أو رسوله أو حاكم، ولم يقدر على منعها ابتداء من الخروج، فإن قدر على ردها إلى طاعته، أو على منعها من أول الأمر، وخرجت وهو حاضر فإن نفقتها لم تسقط، لأن خروجها في هذه الحالة كخروجها بإذنه، إلا إذا حملت منه وخرجت فإن نفقتها لم تسقط، لأن النفقة تكون للحمل لا لها.
    الخامس: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً بخلع أو بتات، فإن طلقها بائناً سقطت النفقة، إلا إذا كانت حاملاً فإن لها نفقة حملها، كما سيأتي بيانه في نفقة العدة، أما الطلاق الرجعي فإنه لا يسقط النفقة على أي حال، ولا تسقط نفقتها إذا حبست في دين عليه أو حبسته هي في دين عليه لها لاحتمال أن معه مالاً أخفاه، وكذا لا تسقط بخروجها إلى حجة الفرض ولو بغير إذنه، ولها نفقة الحضر في حال سفرها بشرط أن تكون مساوية لها، فإذا كانت نفقة السفر أقل، فإنها لا تستحق سواها.
    وتسقط كذلك بالوفاة، بمعنى أن النفقة تسقط بوفاة أحد الزوجين، وسيأتي بيان ذلك في نفقة العدة.
    الحنابلة - قالوا: تسقط النفقة بالنشوز المتقدم بيانه، بمعنى أن اليوم الذي تنشز فيه لا تستحق نفقتها، فإذا عادت إلى طاعته عادة لها النفقة، أما النفقة التي تقررت فلا تسقط، ولا تنقطع النفقة بالطلاق الرجعي، أما البائن فإن كانت حاملاً، فإن نفقتها لا تنقطع، ولها السكنى والكسوة، وإلا انقطعت نفقتها، وتنقطع نفقتها بموته، ولو كانت حاملاً، وسيأتي في نفقة العدة.
    ومن ترك الإنفاق على زوجته مدة لعذر أو لغير عذر، فإن نفقتها تبقى ديناً في ذمته، فلا تسقط، لأنها دين، سواء فرضها حاكم أو لم يفرضها، لأن المعول في وجوبها على الشرائط المتقدمة، فمتى تحققت وجبت ديناً في ذمته، ولا تسقط) .
    (6) (الحنفية - قالوا: الفرقة الواقعة بين الزوجين إما أن تكون بالطلاق الرجعي أو البائن أو تكون بفسخ العقد الصحيح أو الفاسد، أو تكون بالموت، فإذا كانت بالطلاق الرجعي فقد عرفت أن لها النفقة بجميع أنواعها، فإذا مات زوجها انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة، وسقطت نفقة عدتها المفروضة، إلا إذا كانت مأمورة بالاستدانة واستدانت بالفعل فإنها لا تسقط، وكذا إذا كان الطلاق بائناً ولو بالثلاث، فإن عدتها بجميع أنواعها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، بشرط أن لا تخرج من البيت التي أعده لها لتقضي عدتها.
    فإذا خرجت بدون إذنه كانت ناشزة وسقطت عدتها، ومثل الطلاق فسخ العقد الصحيح، كما تقدم في مبحث فرقة الطلاق، أما الفرقة بفسخ العقد الفاسد ووطء الشبهة، كما إذا فرض وتزوجت بغيره وهي في العدة، ودخل بها ثم فرق بينهما لبطلان العقد، إنك قد عرفت أن عليها عدتين تبدأهما من وقت التفريق على أن يدخل فيها ما انقضى قبل وطئه. فإن كانت من ذوات الحيض فعليها انتظار ثلاث حيض عدة الوطء الثاني. ثم إن كان حاضت حيضة مثلاً قبل وطئه إياها حسبت من عدة الزوج الأول. وحسب لها حيضتان من عدة الوطء الثاني. وبذلك تعلم أن العدتين تداخلتا. بمعنى أن الحيضتين حسبتا من عدة الثاني مرة ومن عدة الأول مرة أخرى، كما تقدم، ولكن النفقة تكون على الزوج الأول، لأن الوطء بنكاح فاسد، وإن كان يوجب العدة، ولكن لا يوجب نفقة العدة، ومثله الوطء بشبهة، فإنه لا يوجب نفقة العدة على الواطئ وإنما تجب العدة على الزوج الأول، بشرط أن لا تخرج من البيت الذي اعتدت فيه، وإلا سقطت نفقتها.
    ويتفرع على هذا أن الرجل إذا غاب عن زوجته وظنته قد مات، وتزوجت غيره ودخل بها، ثم حضر زوجها يفرق بينها وبين الثاني، واعتدت منه، فلا نفقة لها في عدتها لا من الأول ولا من الثاني، لأن الأول لم يطلقها، فلا عدة له عليها، ونكاح الثاني فاسد يوجب العدة، ولا يوجب النفقة، وأما إذا كانت الفرقة بموت الزوج فإنها لا نفقة لها في العدة، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، ولا يستثنى من هذه أم الولد، على المعتمد، فإذا كانت تحته أمة وطئها بملك اليمين فحملت منه ثم مات عنها فإنها لا نفقة لها، لأنه قد وطئها بغير العقد، فهو بمنزلة الوطء بالعقد الفاسد وإذا كانت الحامل بالوطء بصحيح العقد لها فالموطوءة بملك اليمين من باب أولى، وإذا ادعت المطلقة أن طهرها قد امتد ولم تر الحيض، فالقول قولها بيمينها، وتستمر نفقتها إلى أن يثبت أن عدتها قد انقضت، بأن يأتي ببينة تشهد بأنها أقرت بانقضاء عدتها، وإن ادعت أنها حامل فلها النفقة إلى سنتين منذ طلقها، فإذا مضت سنتان، ثم تبين أنها غير حامل، فليس له الرجوع عليها بما أنفقه وتسقط نفقة العدة إذا انقضت، ولم تطالب بها، أما إذا فرضت بالقضاء أو الصلح، فإن المختار أنها لا تسقط ولو انقضت العدة وإذا كانت مستدانة بأمر القاضي، فإنها تتقرر ولا تسقط. بلا خلاف، ويصح الصلح على نفقة العدة، بشرط أن تكون بالأشهر لا بالحيض، بأن يعطيها نفقة ثلاثة أشهر أو أربعة مثلها، لا نفقة ثلاث حيض، لأن الحيض مجهول.
    المالكية - قالوا: المطلقة رجعياً تجب لها نفقة العدة حاملاً كانت أو حائلاً ولا تسقط نفقتها إذا خرجت من بيت العدة بدون إذن، سواء قدر على منعها من الخروج أو لم يقدر، فإذا مات زوجها انتقلت إلى عدة الوفاة وسقطت نفقتها، كما لو مات عنها وهي في عصمته، ولكن يبقى لها حق السكنى حتى تنقضي عدتها، وهي أربعة أشهر وعشراً، بشرط أن يكون المنزل الذي تسكنه مملوكاً له، أما إذا كان بالأجرة فإن حقها في السكنى يسقط أيضاً، أما المطلقة طلاقاً بائناً فإنها لا نفقة لها إلا بالسكنى، فإنها تجب لها حتى تنقضي عدتها.
    هذا إذا كانت غير حامل، أو طلقها بائناً وهي حامل، فإن النفقة بأنواعها الثلاثة من طعام وكسوة ومسكن تجب للحمل لا للمطلقة حتى يولد، ولا تسقط بخروجها من بيت العدة، لأنها ليست لها، وتثبت لها الكسوة، سواء أبانها في أول الحمل أو في أثنائه، فإذا طلقها بعد مضي أربعة أشهر حسبت كسوتها التي تستحقها كلها، ثم يخصم منها مدة الأشهر التي انقضت، وتعطى قيمة ما نابها في الأشهر الباقية نقوداً، وإنما تجب لها الكسوة إذا كانت تستحقها، بأن حل موعدها التي تجب فيه، وإلا فلا كسوة لها، وإذا مات زوجها قبل وضع الحمل سقطت نفقتها وبقي لها حق السكنى إلى أن تضع الحمل، سواء كان المنزل ملكه أو بأجرة، وسواء نقد كراءه أو لا، ومثلها البائن الحائل، فإن حق السكنى في المنزل الذي أبانها فيه يستمر إلى انقضاء عدتها، سواء كان ملكه أو لا، وسواء نقد أجرته أو لا، تدفع أجرته من رأس مال التركة.
    وبهذا تعلم أن المتوفى عنها زوجها، وهي في عصمته لا نفقة لعدتها. سواء كانت حائلاً أو حاملاً ولكن لها السكنى إذا كانت في منزل مملوك للمتوفى، ومثلها المطلقة طلاقاً رجعياً إذا مات عنها وهي في العدة. أما المطلقة طلاقاً بائناً حاملاً كانت أو حائلاً، فإنه إذا مات عنها وهي في العدة فإن لها حق السكنى مطلقاً. سواء كانت في ملكه أو في منزل مستأجر والفرق بينهما أن المطلقة طلاقاً بائناً قد كسبت حق السكنى قبل موته فهو حق تعلق بذمته. فلا يسقط بالموت أما الإطعام فإنه يجب يوماً فيوماً، وكذلك الكسوة لا تجب قبل حلول فصلها، فلم تتعلق بذمته، ولذا سقطت بالموت، ولا نفقة للمطلقة بائناً بادعاء الحمل، بل لا بد من ظهوره بتحركه، فتجب لها النفقة بظهوره بالحركة، وهو لا يظهر إلا بعد أربعة أشهر، فتحاسب على النفقة من أول ظهور الحمل، وبعضهم يرى أن النفقة لا تؤدى لها إلا بعد وضع الحمل، فتحاسب عليها من أوله بعد الوضع.
    وقد عرفت أن المطلقة طلاقاً بائناً لا نفقة لها، فلا معنى لادعائها امتداد الطهر، كما يقول أما الرجعية فقد عرفت ما تنقضي به عدتها في مباحث العدة، ومع ذلك فهي بمنزلة الزوجة فإذا رأى تلاعبها في العدة فله أن يطلقها باتاً ولا ضرر عليه من ادعائها.
    الشافعية - قالوا: أن نفقة العدة تجب للزوجة المطلقة رجعياً، حرة كانت أو أمة حائلاً أو حاملاً، فلو أنفق عليها على ظن أنها حامل، ثم بان غير ذلك فإنه يسترد ما أنفقته، أما المطلقة طلاقاً بائناً وهي غير حامل فلا نفقة لها، لأنه لا سلطان للزوج عليها، أما إذا كانت حاملاً فإنها تجب لها النفقة حتى تضع الحمل وتسقط نفقة الحامل إذا خرجت من مسكن العدة لغير حاجة وكذا لا تجب النفقة للمتوفى عنها زوجها ولو حاملاً، ولكن تجب لها السكنى إلا إذا أبانها وهي حامل ثم توفي عنها، فإن عدتها تبقى على ما هي عليه، ونفقتها لا تنقطع، وذلك لأن عدتها لا تنتقل إلى عدة الوفاة إلا إذا كانت رجعية، كما تقدم. هذا، والمراد بالنفقة ما يشمل الإطعام والكسوة والمسكن، وبهذا تعلم أن المطلقة طلاقاً بائناً لا نفقة لها، فلا معنى لادعائها امتداد الطهر وعدم الحيض، وإذا كانت حاملاً فلها نفقة الحمل، فإذا ادعت أنها حامل، ثم تبين أنها غير حامل فإنه يرجع عليها بما أنفقه، فلا فائدة لها من الادعاء كذباً، ولا نفقة لحامل معتدة عن وطء شبهة أو نكاح فاسد.
    الحنابلة - قالوا: المطلقة رجعياً تجب لها النفقة بجميع أنواعها، كمل لو كانت زوجة، إلا فيما يلزم لنظافتها، لأنها غير مستعدة للاستمتاع بها، أما المطلقة طلاقاً بائناً، فإن كانت حاملاً فلها النفقة وإن لم تكن حاملاً فلا نفقة لها، وتقدر لها كل يوم قبل الوضع، فإذا قطع عنها النفقة، ثم تبين أنها حامل فإن عليه نفقة ما مضى، وإذا أنفق عليها يظنها حاملاً، ثم ظهرت أنها ليست بحامل، فإنه يرجع إليها بما أخذته، وإن ادعت الحمل صبر لها ثلاثة أشهر، فإن لم يظهر حملها قطع عنها النفقة، إلا إن حاضت قبل ذلك، فإنه يقطعها ولو كانت مقررة بحكم حاكم، أما المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها، سواء كانت حاملاً، أو حائلاً) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #234
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث النفقة]
    صـــــ 505 الى صــــــــ
    519

    الحلقة (234)





    مبحث الحكم بالنفقة على الغائب وأخذ كفيل بالنفقة
    -1 - هل للزوجة الحق في النفقة من زوجها الغائب؟
    - 2 - وإذا كان، فهل تصرف لها بدون كفيل، أو لا بد من كفيل حتى إذا ظهر أنه قد مات ترد ما أخذته؟
    - 3 - هل للزوجة أن تطلب كفيلاً بالنفقة؟ في الجواب عن هذه الأسئلة تفصيل المذاهب (1) .
    مبحث نفقة الأولاد
    -في نفقة الأولاد على والدهم، صغاراً كانوا أو كباراً، عاطلين ذكوراً، أو إناثاً، تفصيل المذاهب (2) .
    مبحث النفقة على الآباء والأقارب
    -في النفقة على الآباء والأقارب تفصيل المذاهب (3) .
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: إذا غاب الزوج عن زوجته فإن في ذلك رأيين:
    الرأي الأول: أنه لا يفرض لها إلا بشروط: الشرط الأول: أن يكون لها مال مودع عند شخص، أو دين عليه، وفي هذه الحالة يفرض لها النفقة في ذلك المال. الشرط الثاني: أن لا يفتقر ذلك المال إلى بيع كأن يكون نقوداً أو طعاماً حبوباً ونحوها، أما إذا افتقر إلى بيع كأن كان عرض تجارة أو عقاراً أو نحوهما، فإنه لا يفرض لها فيه شيء، لأن مال الغائب لا يصح بيعه.
    معين، وأتى الزوج بكفيل فقال: إنه ضمن النفقة. فقيل: يصح وتعتبر الكفالة فيما ثبت على الزوج منها. لأن النفقة إن لم تجب بعد في الحال فإنها تجب بعد. وقيل لا يصح والمفتى به أنه في حال الغيبة تصح. ولكن لا يلزمه إلا المدة التي غاب فيها. وكذا في حال الحضور. المالكية - قالوا: الغائب كالحاضر في وجوب النفقة عليه. بشرط أن تمكنه من نفسها. وذلك بأن تدعوه للدخول هي أو وليها ولو لم يكن بواسطة حاكم، فإن كان حاضراً فالأمر ظاهر وكذا إذا كان غائباً غيبة قريبة، أما إذا كان غائباً غيبة بعيدة فيكفي في وجوب النفقة لها عليه أن لا تمتنع من التمكين بأن يسألها القاضي هل يمكنه من البناء بها إذا حضر؟ فمتى قالت: نعم وجبت لها النفقة. فيعرض لها القاضي على زوجها الغائب نفقة مثلها، ويقوم مقام القاضي في ذلك عند عدمه جماعة المسلمين. وتؤخذ من مال المودع عند أحد من الناس. ومن دينه الذي له على الناس سواء كان حالاً أو مؤجلاً. فإن كان مؤجلاً اقترضت وأنفقت وسدت قرضها من ذلك الدين. وإذا أنكر المدين أن لزوجها ديناً. أو أنكر المودع عنده وديعة زوجها. فلها أن تقيم البينة على إثباته. ولها إثباته بشاهد واحد تحلف معه على دعواها بعد أن تحلف بأنها تستحق على زوجها الغائب النفقة. وأنه لم يترك لها مالاً ولا أقام لها وكيلاً ينفق عليها ولا تطالب بكفيل يصرف ما لها من نفقة، على أن للزوج الحق في إثبات إسقاط نفقتها بعد عودته، فإذا أثبت أنها ناشزة ولا تستحق النفقة فإنه يرجع عليها بما أخذت. ولا يشترط أن يكون المال نقداً أو طعاماً. بل يباع عليه داره وعقاره في نفقتها بعد ثبوت ملكه وأنها لم تخرج عن حوزته. وإن ادعى أنه أرسل لها النفقة أو تركها لها.
    فإن كانت قد رفعت أمرها إلى الحاكم وأذن لها في الإنفاق على نفسها كان القول بيمينها من وقت رفع الأمر للحاكم لا من وقت سفره. وللزوجة أن تطالب زوجها بأن يدفع لها النفقة مقدماً عند عزمه على السفر كل مدة غيبته إلى قدومه. هذا إذا ادعى أنه يريد أن يسافر السفر المعتاد. أما إذا اتهم في أنه يريد سفراً طويلاً غير معتاد فإن لها أن تطالبه بأن يدفع لها معجلاً نفقة السفر المعتاد، ويأتيها بكفيل يكفل لها ما زاد على السفر المعتاد ليعطيها ما كان ينفقه عليها زوجها بحسب حالهما، وإن كان كل جمعة أو كل شهر أو كل يوم أو كل سنة، والكفيل في هذه الحالة حق من حقوقها يجيز عليه الزوج، أما إذا تراضيا على كفيل في زمن الحضر يكفل لها النفقة المقررة فإنه يصح ويلزم بها.
    الشافعية - قالوا: متى سلمت نفسها إن كانت رشيدة، أو سلمها وليها إن كانت صغيرة فإن نفقتها تجب على زوجها بالشرائط المتقدمة، فإن كان غائباً عن بلدها فإن عليها أن ترفع الأمر إلى القاضي وتظهر له التسليم، يعني استعدادها لتسليمه نفسها في أي وقت يحب، وعلى القاضي أن يعلنه في البلد الذي هو بها، وتنتظر مضي زمن إمكان الوصول إليه، فإن منعه عذر من الحضور أو من التوكيل انتظرت زوال العذر، فإن زال ولم يحضر فرضها عليه القاضي.
    ويقوم مقام ذلك في زماننا الإعلان الرسمي. بأن تعلنه بأنها في طاعته ومستعدة للدخول وتسليم نفسها، وتنتظر وصول الإعلان إليه، فإن لم يجبها فرض لها القاضي النفقة، فإن كان له مال أخذتها من على الأب إذا أيسر، وتجبر الأم على إرضاع ولدها إن لم يقبل ثدي غيرها، أو كان أبوه عاجزاً عن مرضعة سواها، ولها أجرة مثلها تأخذها عند يساره.
    المالكية - قالوا: إذا لم ينفق الزوج على زوجته، فلها طلب الفسخ، والحاكم يطلق عليه رجعية بشروط:
    الشرط الأول: أن يعجز عن النفقة من إطعام أو كسوة في الحال أو في المستقبل، أما العجز عن النفقة المتجمدة الماضية، فإنه لا يجعل لها الحق في طلب الفسخ، لأنه يصبح ديناً في ذمته.
    الشرط الثاني: أن لا تعلم عند العقد فقره وعدم قدرته على الإنفاق، فإن علمت ورضيت فلا حق لها في طلب الفسخ. فإذا كان شحاذاً وقبلته على ذلك، ثم ترك مهنة الشحاذة، فإن لها حق طلب الفسخ، لأنها رضيت بمهنة فتركها.
    الشرط الثالث: أن يدعي العجز عن النفقة ولم يثبت عجزه فإنه في هذه الحالة يطلق عليه القاضي حالاً على المعتمد. أما إذا أثبت أنه معسر عاجز ضرب له القاضي مدة باجتهاده رجاء أن يزول عسره، فإن مضت المدة ولم ينفق طلق عليه. فإن مرض في أثناء المدة أو سجن زاد له القاضي فيها. فإن ادعى أنه موسر ولكنه امتنع عن الإنفاق فقيل: يحبس حتى ينفق، وقيل يطلق عليه. فإذا لم يجب عليه بشيء طلق القاضي عليه فوراً. وهذا كله إذا لم يكن له مال ظاهر، وإلا أخذ من ماله جبراً، وإن ادعى الفقر، فإذا قدر على ما يمسك الحياة فقط، فإنه لا يكفي ويطلق عليه، أما إذا قدر على القوت كاملاً ولو خشناً وقدر على ما يواري جميع بدنها، فإنه لا يطلق عليه، ولو كانت غنية، أما ما تقدم من مراعاة حالهما، فإنه في تقدير النفقة، وما هنا في فسخ العقد، فإن كان غائباً في محل قريب وعرف محله فإنه يجب أن يعذر إليه أولاً، بأن يرسل له، إما أن ينفق أو يطلق عليه القاضي، أما إذا لم يعرف محله ولم يكن له مال معروف وثبت عسره، فإن القاضي يمهله مدة باجتهاده لعله يحضر فيها وينفق على زوجته، فإن لم يحضر طلق عليه، سواء دخل بها أو لم يدخل على المعتمد، وسواء دعته للدخول بها أو لا.
    الشافعية - قالوا: إذا عجز الزوج فلم يستطع الإنفاق على زوجته أقل النفقة المتقدمة بأنواعها الثلاثة، من إطعام، وكسوة، ومسكن، ولو كان المسكن غير لائق بالمرأة، فإن صبرت على ذلك، كأن أنفقت على نفسها من مالها صارت النفقة المقررة لها ديناً في ذمته تأخذها منه متى أيسر، ما عدا المسكن والخادم فإنها يسقطان، لأنهما ليس بتمليك، بل امتاع للمرأة، ويشترط في بقاء النفقة ديناً عليه، أن تمكنه من نفسها، فلم تمنعه عن التمتع بها تمتعاً مباحاً، وإن لم تصبر فلها فسخ الزواج، بشرط أن ترفع الأمر إلى القاضي، وعلى القاضي أن يمهله ثلاثة أيام ليتحقق فيها من إعساره، ثم يفسخ العقد في صبيحة اليوم الرابع، أو يأمرها هي بفسخه، ومثل القاضي المحكم، فإذا لم يكن في جهتها قاض ولا محكم أمهلته ثلاثة أيام، وفسخت العقد في صبيحة الرابع بنفسها. فإن سلمها النفقة قبل مضي المدة فلا فسخ.
    هذا، ولا يرفع إعساره أن يكون مالكاً لعقار أو عرض لا يتيسر بيعه في مدة قريبة. كما لو ملك فداناً ولم يسلمه لها وتوقف بيعه على نزع ملكيته في المحاكم. فإن هذا لا يمكنها بيعه إلا بعد أزمة طويلة، بل ربما عجزت عن نزع ملكيته ومثل ذلك ما إذا كان له غلة لا يتيسر لها الحجز عليها أو يتمكن هو من استردادها بالطرق المعروفة في المحاكم الأهلية، فإنه في كل هذه يعتبر معسراً، فلها الحق في فسخ الزواج بالطريقة المذكورة، وهذا الكلام حسن في زماننا، ويجب العمل به مع الأزواج المماطلين في الإنفاق على زوجاتهم.
    الحنابلة - قالوا: إذا عجز الرجل عن أقل نفقة، وهي نفقة المعسر المتقدمة بجميع أنواعها من إطعام أو كسوة أو سكنى، خيرت المرأة بين الفسخ من غير إمهاله ثلاثة أيام ونحوها. وبين المقام معه على النكاح ولا يلزمها أن تختار حالاً، بل تختار كما تشاء، فتخييرها على التراخي لا على الفور، وإذا اختارت أن تبقى معه، فلها أن تمكنه من نفسها، وتكون نفقة المعسر ديناً في ذمته، ولكن لا يجب عليها أن تمكنه من نفسها، كما لا يجب عليها أن تحبس له نفسها، فليس له منعها من الخروج والتكسب ولو كانت موسرة، وإذا اختارت المقام معه، ثم بدا لها أن تختار الفسخ فإن لها ذلك، وإذا كان الزوج صانعاً أو تاجراً، وتعذر عليه الكسب أياماً يسيرة وجب عليها أن تنتظر ولا يكون لها حق الفسخ إلا إذا طالت مدة عسرته. ومثل ذلك ما إذا كان مريضاً مرضاً يرجى برئه في أيام يسيرة. أما إذا طال مرضه فلها حق الفسخ، ولا يشترط عدم علمها بفقره، فلو تزوجته وهي عالمة بفقره ثم عجز عن النفقة المذكورة فلها حق الفسخ، حتى ولو رضيت أو اشترطت في العقد عدم الإنفاق عليها، فإن ذلك لا يعتبر ولها حق خيار الفسخ وإذا كان غائباً وله مال حاضر أعطيت منه نفقتها، فإن كان عقاراً يمكن بيعه فإن الحاكم يبيعه ويعطيها منه نفقة يوم بيوم، فإن لم يوجد له مال أو وجد وتعذر بيعه، فلها فسخ النكاح، فإذا ظهر له مال بعد الفسخ فإنه لا يعتبر على المعتمد.
    هذا، وإذا عجز عن دفع النفقة المتجمدة الماضية وقدر على أن ينفق عليها من الآن، فلا حق لها في الفسخ، وكذا إذا عجز عن ثمن الأدم، وأمكنه أن يأتي بالخبز فإن العقد لا يفسخ، ويبقى ثمن الأدم ديناً في ذمته، وإذا كان له دين متمكن من استيفائه، فإنه يكون به موسراً ولا فسخ أما إذا لم يكن متمكناً من استيفائه فإنه يكون معسراً، وإن كان للزوج عليها دين وأراد أن يحسبه من النفقة، فإنه يصح إن كانت موسرة، وإلا فلا) .

    (2) (الحنفية - قالوا:
    لا يخلو إما أن يكون الولد ذكراً أو أنثى، فإن كان ذكراً، فإن نفقته تجب على أبيه بثلاثة شروط، الشرط الأول: أن يكون فقيراً لا مال له، الشرط الثاني: أن لا يبلغ الحلم، فإن بلغ ولم يكن به عاهة تمنعه من التكسب كان عليه أن يتكسب وينفق على نفسه، وإلا
    الشرط الثالث: أن يقر الشخص بأن عليه دين للغائب أو عنده وديعة له.
    استمرت نفقته على أبيه، ومع هذا فللأب أن يؤجر ابنه الذي لم يبلغ في عمل أو حرفة ليكتسب وينفق عليه من كسبه ما دام يمكنه ذلك، إلا إذا كان طالب علم مستقيم، فإن نفقته تجب على أبيه، ولو كبيراً، وليس له منعه من طلب العلم. الشرط الثالث: أن يكون الولد حراً، فإن كان له ولد مملوك للغير، فإن نفقته لا تجب عليه، بل تجب على المالك.
    أما إذا كان الولد أنثى، فإن نفقتها تجب على والدها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بشرطين:
    الشرط الأول: أن تكون فقيرة، لو كان لها مال وجب أن ينفق عليها من مالها، وليس للأب أن يؤجر بنته الفقيرة في عمل لتكتسب بخلاف ما إذا كانت ذكراً. كما عرفت، على أن له أن يدفعها إلى امرأة تعلمها حرفة الخياطة أو التطريز أو النسيج أو نحو ذلك، فإذا تعلمت وكان لها من ذلك كسب فإن نفقتها تكون في كسبها، فالذي يمنع منه الأب تأجير ابنته للخدمة. لأن المستأجر ينفرد بها وذلك لا يجوز شرعاً.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #235
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث النفقة]
    صـــــ 505 الى صــــــــ
    519

    الحلقة (235)



    الشرط الثاني: أن تكون حرة، فلو كانت مملوكة كانت نفقتها على مالكها، وتقدر لها نفقة الكفاية، بحيث يرى القاضي ما يكفيهم ويقدره لها، فإذا اصطلحوا على نفقة معينة فإن كانت زائدة عن كفايتهم، فللأب أن يطلب إنقاص الزائد، وإذا نقصت عن الكفاية فلهم طلب الكفاية، وعلى كل حال فيصح أن يصطلحا على ما يدخل تحت التقدير، بأن يقدر بعضهم كفايتهم بعشرة، وبعضهم يقدرها بتسعة فيصطلحا على تسعة، أما إذا اصطلحا على خمسة عشرة فلم يدخل تحت التقدير، فللأب انقاصه، وكذا إذا اصطلحا على سبعة، فلها طلب الزيادة، والصبي الغني، هو الذي له مال حاضر، سواء كان عقاراً أو نقوداً أو ثياباً، فإن للأب أن يبيع ذلك وينفق عليه منه القدر اللازم لسكناه وحاجته الضرورية، فإن كان للصبي مال بعيد عنه لا يمكنه الحصول عليه حالاً كانت النفقة على أبيه إلى أن يحضر ماله.
    فإذا كان للصبي استحقاق في وقف لا يأتيه إلا في نهاية العام وجب على أبيه أن ينفق عليه، لأن هذا بمنزلة المال البعيد عنه، ولا يرجع الأب على الصغير بما أنفقه إلا إذا أشهد على أنه ينفق عليه ديناً، ويرجع عليه بعد حضور ماله، أو أذنه القاضي بالإنفاق، فإن لم يشهد ولم يأذنه القاضي، ولكن أنفق عليه بنية الرجوع، فإنه لا يصدق قضاء، وله الرجوع ديانة، فإذا كان الأب موسراً وامتنع عن النفقة على أولاده حبس في نفقتهم، ولا يحبس الوالد في دين ولده إلا دين النفقة، وإن كان معسراً فإنه يكلف بالتكسب والإنفاق، فإن عجز عن التكسب والإنفاق، وجب الإنفاق على أقارب الأولاد، وأقربهم إليهم أمهم، فإن كانت موسرة أمرت بالإنفاق عليهم، على أن يكون ما تنفقه ديناً على الأب، إذا أيسر لها حق الرجوع عليه بما أنفقته، فإن لم تكن لهم أم موسرة وكان لهم جد موسر فإن نفقتهم تجب على جدهم، ثم إن كان أبوهم زمناً - به عاهة تمنعه من التكسب - سقطت عنه النفقة نهائياً فلا يرجع عليها والده بشيء، لأن نفقة الكبير الزمن على أبيه، وكذلك أولاده نفقتهم على جدهم، ولا يرجع بها كما لو كان أبوهم ميتاً، أما إذا لم يكن زمناً، فإن النفقة تكون ديناً عليه، فإن لم يكن لهم جد موسر، وكان لهم عم أو أخ موسر وجبت النفقة على واحد منهما، فللأم أن تطالب أحدهما بالإنفاق الشافعية - قالوا: تجب للولد على أبيه النفقة بأحد شروط ثلاثة: الأول: أن يكون صغيراً، فإذا كان بالغاً فلا تجب له على أبيه نفقة، إلا إذا كان مجنوناً، أو زمناً لا يستطيع التكسب. ثانيها: أن يكون فقيراً، فإذا كان الصغير غنياً، أو الزمن أو المجنون غنيين فإن نفقتهم لا تجب على أبيهم، والمراد بالغنى ما يملك كفايته. ثالثها: أن يكون حراً، فإن كان مملوكاً فنفقته على مالكه.
    وإذا كانت أنثى فإن نفقتها تجب على أبيها إلى أن تتزوج وتصبح النفقة واجبة على الزوج، بالتفصيل المتقدم، فإذا كانت تقدر على الزواج وامتنعت، فقيل: تسقط نفقتها عن أبيها، لأن هذا ضرب من ضروب الكسب، والولد يجب عليه التكسب متى كان قادراً، وقيل لا تسقط، لأن التكسب بمثل هذا عيب لا يليق، وهو المشهور، وتقدر نفقة الأولاد بما فيه كفايتهم من قوت وأدم وكسوة، ولا بد من إشباعهم بدون مبالغة، وتجب لهم الكسوة بما يليق به لدفع الحاجة، وعليه شراء الأدوية وأجرة الطبيب والخادم، إن احتاجوا إليه لزمانة أو مرض، وإذا فاتت النفقة وتجمدت، فإنها لا تصير ديناً إلا إذا اقترض النفقة قاض بنفسه، أو أذن النفق عليهم بالاقتراض، أما مجرد فرض القاضي فإنه لا يكون كاف في تقرير النفقة وجعلها ديناً وبعضهم يرى أنه يكفي، فإذا فرض النفقة قاض ولم يأمر بالاقتراض، أي الاستدانة، فإنها تصير ديناً في ذمة الأب ولا تسقط.
    وليس على الأم نفقة، إنما عليها أن ترضعه في أول ولادته مدة يسيرة، لأن الولد لا يعيش غالباً إلا إذا شرب اللبن في أول مرة، ومع ذلك فإن لها طلب الأجرة عليه، إن كان لمثله أجرة، فإذا وجدت أجنبية ترضعه فلا تجبر أمه على إرضاعه وإذا رغبت في إرضاعه كانت أولى من الأجنبية، ولو بأجرة المثل.
    الحنابلة - قالوا: تجب النفقة للأولاد على أبيهم بشروط: أحدها: أن يكونوا فقراء فمتى كانوا موسرين فلا يجب الإنفاق عليهم، ويسارهم يكون بقدرتهم على الكسب والإنفاق على أنفسهم، أو يكون لهم مال. ثانيها: أن يكون الأب، أو من تجب عليه النفقة له مال ينفق عليهم منه زائداً على نفقته ونفقة زوجته وخادمه. ثالثها: أن يكونا حرين، فإن كان الأب رقيقاً أو الابن رقيقاً، فلا تجب لأحدهما نفقة على الآخر.
    وإذا كان الأب معسراً وله ولد موسر فإن عليه أن ينفق على أبيه المعسر، وعلى إخوته الصغار. وعلى زوجة أبيه) .
    (3) (الحنفية - قالوا: نفقة الآباء واجبة على أبنائهم وإن علوا. فعلى الولد الإنفاق على أبيه، وجده لأبيه، وجده لأمه أيضاً، بشرط الإعسار، ولا يلزم الأب بالتكسب، كما يلزم الابن، ومثل الأب الأم. فإذا كان يقدر على إحضار قوت أحدهما قدمت الأم على الأب، فإذا ادعى الابن أن أباه موسر موسراً، أما الزوجة والأولاد فتفرض لهم النفقة، ولو كان الأب أو الزوج معسراً، فلا يشترط اليسار في هذه الحالة. وقد اختلفت آراء أئمة الحنفية في حد اليسار الذي تجب به النفقة على الوالدين والأقربين، فقدره بعضهم بأن يكون الولد مالكاً لنصاب الزكاة.
    وبعضهم قال: الشرط أن يكون مالكاً لما يحرم عليه به أن يأخذ الزكاة زائداً على حاجته الأصلية فلا يضر النقص عن نصاب الزكاة. وفصل بعضهم فقال: إن كان الولد مزارعاً أو تاجراً يمكنه أن يدخر مالاً، فإن يساره يعتبر بأن يكون مالكاً لنفقة شهر على نفسه وعلى عياله وما زاد يعطى لأهله، وإن كان من أهل الحرف الذين يكسبون يوماً فيوماً فإن يساره يعتبر بأن يكون لديه نفقة يومه وعياله، زائداً عليها ما يعطيه لأقاربه، مثلاً إذا كان يعمل بعشرة ويكفيه هو وعياله يومياً سبعة، وجب عليه أن يعطي الثلاثة لأبويه، وقد رجح المحققون هذا الرأي في الكسوب الذي يحصل على قوته يوماً فيوماً، فإن كان الولد فقيراً وعنده عيال، وله أب قادر على الكسب، فإنه لا يحكم على الولد بنفقة، أما إذا كان الأب عاجزاً، فإنه يحكم عليه بضمه إلى عياله ليأكل معهم، فإنه لا يرهقه في هذه الحالة، والأم حكمها دائماً حكم الأب العاجز عن الكسب.
    وكما تجب النفقة للأصول والفروع والأقارب العصب، كذلك تجب لذوي الأرحام، بشرطين:
    أحدهما: أن يكون طالب النفقة صغيراً فقيراً، إذا كان ذكراً وفقيراً، إذا كان أنثى ولو كبيرة، فإذا كان ذكراً كبيراً قادراً على الكسب فلا تجب له نفقة، نعم إذا كان عاجزاً عجزاً يمنعه عن الكسب أو كان طالب علم مستقيم فإن له النفقة، وإذا كانت أنثى غنية، أو لها صناعة تتكسب منها، كأن تكون معلمة أو قابلة، أو نحو ذلك فلا نفقة لها، وكذا إذا كان لا يحسن الكسب أصلاً لعدم معرفته حرفة أو عنده عته، قيل: وكذا إذا كان من أسرة شريفة، فلا يستطيع أن يخدم أو يحترف بحرفة دنيئة، وقد رد هذا بعض الفقهاء بأن المرء مكلف بتحصيل قوته، بصرف النظر عن كل اعتبار، وقد رأينا كبار الصحابة ينزلون الأسواق ويبيعون الزبد واللبن ليحصلوا على قوتهم، ولا معنى أن يقال: إن هذا لم يكن عيباً في وقتهم، فإن الواقع أن هذا هو الشرف لا البقاء عالة على الناس، فالصحيح أنه لا يصح الحكم للقوي القادر على الكسب على رحمه، بل يؤمر بالعمل في الحياة كي يحصل على قوته، وربما ظفر بثروة بسبب جده واجتهاده. وحد الفقير المعسر الذي تجب له النفقة أن يكون ممن تحل له الصدقة. ثانيهما: أن يكون المنفق موسراً، فلا تجب نفقة ذوي الأرحام إلا على القادر الموسر، وقد عرفت أن اليسار شرط لوجوب نفقة الأقارب جميعهم إلا الأولاد الصغار والزوجة، ويجبر المنفق على دفع النفقة لأقاربه ويحبس من أجلها على المعتمد.
    فإذا كان للفقير أقارب متعددة من أرحامه توزع عليهم نفقته بحسب ميراثهم مثلاً إذا كان له أخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم، كان عليه نفقتهن حسب ميراثهن منه بعد موته، وهو أن الأخت الشقيقة لها النصف، والأخت لأب لها السدس، والأخت لأم لها السدس، فالمسألة من ستة، لأن فيها السدس: لأخته الشقيقة ثلاثة ولأخته لأمه سهم ولأخته لأبيه سهم، وبقي سهم يرد عليهن، فعلى هذا تجب على الوالد نفقته، وكذا يجب عليه نفقة خادم زوجة أبيه إن كانت أهلاً للخادم، وكذا يجب على الولد إعفاف أبيه بزوجة أو أكثر، إن لم تعفه الواحدة، والقول في ذلك للأب، ويجب عليه الإنفاق على من يعفه من الزوجات، ولو تعددت، أما إذا كانت تعفه واحدة وتزوج بأكثر فإن الولد لا تجب عليه إلا نفقة واحدة فقط، والقول للأب فيمن ينفق عليها الابن إن لم تكن إحداهما أمة، أما إن كانت أمة فإنها تتعين، ولو كانت غنية، ولا تجب النفقة بالقرابة سوى للوالدين ولا يجب على الولد نفقة جده، ولا جدته، لا من جهة الأب، ولا من جهة الأم، كما لا تجب على الجد نفقة ابن الابن، ولا بنت الابن، وهلم جرا، وإذا تزوجت الأم من فقير فإن نفقتها لا تسقط عن الولد، وإذا تعدد الأولاد الموسرون وزعت النفقة عليهم بحسب حال كل منهم في اليسر.
    الشافعية - قالوا: يجب للوالدين على ولدهم النفقة بشروط: الأول أن يكونا معسرين، بحيث لم يملكا قوتاً وأدماً ومسكناً يليق بهما، ولا تجب المبالغة في الإشباع. الثاني: أن يكون الولد موسراً، ولو بكسب يليق به، ذكراً كان أو أنثى. الثالث: أن يكون لدى الولد ما يفضل عن مؤنته ومؤنة زوجته وأولاده يوماً وليلة، وإلا فلا تجبن ولا يشترط أن يكون الوالدان عاجزين عن الكسب، كما لا يشترط الإسلام، فلو كانا كافرين والولد مسلم، أو العكس، فإن النفقة تلزمه، ويجب على الولد إعفاف أبيه بتزويجه والإنفاق على زوجته، ولا يجب على الوالد تزويج ابنه بشرط أن يكون الولد موسراً حراً، وأن يكون الوالد حراً عاجزاً عن إعفاف نفسه، وإن تكون له حاجة إلى الزواج، والقول قول الأب في الحاجة بلا يمين، ولكن لا يحل له أن يطلب التزويج إلا إذا كانت له رغبة صادقة في التزوج، بحيث يضر به تركه، فإذا كان حاله يدل على ضعفه، كأن كان به شلل، أو به استرخاء، فإنه لا يجاب إلى طلبه أو يحلف بأنه في حاجة إلى النساء ويصح للابن أن يعطيه أمة، أو يعطيه ثمنها أو يعطيه مهر حرة، فإن كان له أولاد متعددون يوزع عليهم إعفافه والإنفاق عليه حسب إرثهم منه، على المعتمد، فإذا كانوا ذكوراً وإناثاً كان على الذكر ضعف ما على الأنثى من مؤنته وإعفافه، فإذا استووا في الإرث كانت نفقته عليهم بالسوية، سواء تفاوتوا في اليسار، أو لا، ولو كان أحدهما موسراً بمال، والآخر موسراً بكسب. فإذا غاب أحدهم أخذا ما عليه من ماله، فإن لم يكن له مال اقترض من نصيبه من غيره إن أمكن، فإن لم يمكن اقتراضه، أمر الحاكم أحد الحاضرين بالإنفاق بقصد الرجوع على الغائب، أو على ماله إن وجد، وتجب النفقة على أصله وإن علا، كجده، وجد جده، كما تجب النفقة على ابنه وإن سفل.
    الحنابلة - قالوا: تجب النفقة على الولد لوالديه وإن علو كما تجب على الوالد نفقة ولده وإن سفل بحسب ما يليق بهم عرفاً بثلاثة شروط:
    الأول: أن يكون المنفق عليهم فقراء لا مال لهم وكسب يستغنون به عن الإنفاق فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم، فإن كان لديهم ما يكفيهم بعض حاجتهم وجب عليه تكملة ما يكفيهم.
    الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم منه، بشرط أن يكون زائداً عن نفقة نفسه وزوجته، إما من ماله أو من كسبه فمن لا يفضل عنده شيء لا تجب عليه نفقة.
    الثالث: أن يكون المنفق وارثاً للمنفق بفرض أو بعصب، إن كان من غير عمود النسب، أما عمود النسب فإنها تحجب ولو لم يرث، فعلى الولد أن ينفق على أبيه المعسر، وعلى زوجة أبيه وعلى إخوته الصغار وإن تعدد المنفق كانت النفقة عليهم بقدر إرثهم، فإذا كانت له أم وجد لأب، كانت النفقة على الأم الثلث، والباقي على الجد لأن الأم في هذه الحالة ترث الثلث، والباقي لجده لأبيه، وإذا كانت له جدة وأخ شقيق أو لأب كانت نفقته على الجدة السدس، والباقي على الأخ، وإذا كانت له أم وبنت قسمت النفقة عليهما أرباعاً، على الأم الربع، وعلى البنت الباقي، وذلك لأن البنت لها النصف فرضاً، وللأم السدس فرضاً، ثم يرد عليهما الباقي، فيكمل للأم منه الربع، وتأخذ البنت الباقي وعلى هذا القياس، إلا الأب فإنه ينفرد بالنفقة وحده، ولا نفقة لذوي الأرحام، كما لا نفقة عليهم) .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #236
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث الحضانة]
    صـــــ 520 الى صــــــــ
    528

    الحلقة (236)


    مباحث الحضانة
    تعريفها - مستحقها
    -الحضانة - بفتح الهاء وكسرها - والفتح أشهر، معناها لغة، مصدر حضنت الصغير حضانة تحملت مؤنته وتربيته، مأخوذة من الحضن - بكسر الحاء - وهو الجنب، لأن الحضانة تضم الطفل إلى جنبها، وفي الشرع حفظ الصغير، والعاجز، والمجنون والمعتوه، مما يضره بقدر المستطاع، والقيام على تربيته ومصالحه، من تنظيف وإطعام، وما يلزم راحته أما مستحق الحضانة، ففيه تفصيل المذاهب (1) .
    شروط الحضانة
    -يشترط لاستحقاق الحضانة: منها أن يكون عاقلاً، فلا حضانة لمجنون. ولا لمعتوه ومنها أن يكون بالغاً، فلا حضانة لصغير، ومنها غير ذلك. مما هو مفصل في المذاهب (2) .
    مدة الحضانة
    -في مدة الحضانة تفصيل المذاهب (3) .
    مبحث أجرة الحضانة
    -في أجرة الحضانة تفصيل المذاهب (4) .
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: الحضانة تثبت للأقارب من النساء والرجال، على الترتيب الآتي: فأحق الناس بالحضانة الأم، سواء كانت متزوجة بالأب، أو مطلقة، ثم من بعدها أمها، وأم أمها، وهكذا. ولا بد أن تكون أم الأم صالحة للحضانة، وليس لأم الأم الحق في أن تحتضن ابن بنتها المتزوجة في بيت زوجها، لأنه عدو له، فللأب في هذه الحالة أن يأخذه منها، فإذا ماتت أم الأم، أو تزوجت بغير محرم الصغير انتقل حق الحضانة لأم الأب، وإن علت، أما إذا كانت متزوجة بمحرمه، كما إذا كانت جدة متزوجة بجده، فإن حضانتها لا تسقط، فإن ماتت أو تزوجت انتقل الحق للأخت الشقيقة، فإن ماتت أو تزوجت انتقل إلى الأخت لأب. ثم من بعدها الأخت الشقيقة، ثم من بعدها بنت الأخت لأم.
    وهذا الترتيب لا خلاف فيه عند الحنفية، واختلفوا فيما وراءه، كما إذا اجتمعت خالة وأخت لأب، فقيل: الأخت لأب أولى، وقيل: الخالة أولى، أما بنت الأخت لأب مع الخالة، فإن الصحيح أن الخالة أولى، وتقدم الخالة لأب وأم، هي شقيقة الأم ثم من بعدها الخالة لأم، ثم من بعدها الخالة للأب، وبنات الإخوة أولى من العمات، وتقدم العمة الشقيقة، ثم العمة لأب، ثم هؤلاء يدفع إلى خالة الأم الشقيقة، ثم إلى خالتها لأم، ثم لأب، ثم إلى عمة الأم، على هذا الترتيب.
    وبالجملة فجهة الأمهات مقدمة على جهة الآباء، أما بنات العم، وبنات الخال، وبنات العمة، وبنات الخالة، فلا حق لهن في الحضانة.
    فإذا لم يكن للصغير امرأة من أهله المذكورات تستحق الحضانة، انتقلت الحضانة إلى عصبته من الرجال، فيقدم الأب، ثم أبو الأب، وإن علا، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، وكذا أبناء أبنائهم، وإن سفلوا، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب، بشرط أن يكون المحضون ذكراً، أما الأنثى فلا تدفع إلى أبناء الأعمام، لأنها ليست محرماً بالنسبة لهم، فإذا لم يكن للصغيرة إلا أبناء الأعمام فالنظر في ذلك للقاضي، فإن شاء دفعها إليهم، وإلا دفعها عند امرأة أمينة.
    وإذا كان الصغيرة عدة أخوال، فإنها تدفع للأصلح منهم، وإن تساووا في الصلاحية فإنها تدفع للأسن، وكذا إذا كان لها عدة أعمام، فإذا لم يكن لها عصبة، فإن حضانتها تكون للأخ لأم، ثم من بعده ابنه، ثم للعم لأم، ثم للخال لأب وأم، ثم للخال لأب، ثم للخال لأم، وإذا كان لها جد لأم كان أولى من الخال ومن الأخ لأم.
    المالكية - قالوا: يستحق الحضانة أقارب الصغيرة من إناث وذكور على الترتيب الآتي ذكره، فأحق الناس به أمه، ثم أمها، يعني جدته لأمه وإن علت، ثم الخالة الشقيقة، ثم الخالة لأم، ثم خالة الأم، ثم عمة الأم، ثم أم الأب، ثم أم أمه، وأم أبيه، والقربى منهن نقدم على البعدى. والتي من جهة أمه تقدم على التي من جهة أبيه، ثم بعد الجدة من جهة الأب تنتقل الحضانة إلى الأب، ثم إلى الأخت، ثم إلى عمة الصغير أخت أبيه، ثم إلى عمة أبيه - أخت جده - ثم إلى خالة أبيه، ثم بنت الأخ الشقيق، ثم لأم، ثم لأب، ثم إلى بنت الأخت كذلك وإذا اجتمع هؤلاء يقدم منهن الأصلح للحضانة، وبعضهم رجح تقديم بنات الأخ على بنات الأخت، ثم بعد هؤلاء تنتقل الحضانة إلى الوصي سواء كان ذكراً أو أنثى ثم الأخ الصغير، ثم أبن الأخ، ويقدم عليه الجد من جهة الأم، ثم العم ثم ابنه، ويقدم الأقرب على الأبعد ثم المعتق أو عصبته نسباً. الشافعية - قالوا: للمستحقين في الحضانة ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يجتمع الأقارب الذكور مع الإناث. الحالة الثانية: أن يجتمع الإناث فقط، الحالة الثالثة: أن يجتمع الذكور فقط. فأما الحالة الأولى: فتقدم الأم على الأب، ثم أم الأم، وإن علت، بشرط أن تكون وارثة، فلا حضانة لأم أبي أم، لأنها غير وارثة، ثم بعدهن الأب، ثم أمه، ثم أم أمه وإن علت، إذا كانت وارثة، فلا حضانة لأم أبي أم أب، لأنها لا ترث، فإذا عدمت هذه الأربعة وهي الأم وأمهاتها والأب وأمهاته.
    وإذا اجتمع ذكور وإناث، قدم الأقرب فالأقرب من الإناث ثم الأقرب من الذكور، مثلاً إذا اجتمع إخوة وأخوات، وخالة وعمة، قدمت الأخوات الإناث، لأنهن أقرب وأولى بالتقديم من الذكور، ثم الإخوة الذكور، لأنهم أقرب من الخالة والعمة، ثم العمة، وعند الاستواء في القرابة والذكورة والأنوثة، كأخوات بنات وإخوة ذكور، فإنه يقرع بين البنات، فمن خرجت القرعة عليه قدم على غيره.
    وأما الحالة الثانية، وهي اجتماع الإناث فقط، فتقدم الأم، ثم أمهاتها، ثم أمهات الأب، ثم الأخت، ثم الخالة، ثم بنت الأخت، ثم بنت الأخ، ثم العمة، ثم بنت الخالة، ثم بنت العمة، ثم بنت العم، ثم بنت الخال، وتقدم الشقيقات على غير الشقيقات، وتقدم من كانت لأب على من كانت لأم.
    أما الحالة الثالثة، وهي ما إذا اجتمع الذكور فقط، فيقدم الأب، ثم الجد ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب، ثم الأخ لأم، ثم ابن الأخ الشقيق أو لأب، ثم العم لأبوين، ثم العم لأب ثم ابن العم كذلك ولكن لا تسلم له مشتهاة لأنه غير محرم، وإنما تسلم لثقة يعينها هو، كبنته فإن كانت مجنونة كبيرة، ولها بنت فإنها تقدم بعد الأم على الجدات، وإن كانت صغيرة لها زوج، فإنه يقدم في الحضانة على كل هؤلاء، بشرط أن تكون مطيقة للوطء.
    الحنابلة - قالوا: أحق الناس بالحضانة الأم، ثم أمها، ثم أم أمها، وهلم جرا، ثم الأب، ثم أمهاته وإن علت، ثم الجد ثم أمهاته ثم أخت لأبوين، ثم أخت لأم، ثم أخت لأب، ثم خالة لأبوين، ثم خالة لأم، ثم خالة لأب، ثم عمة لأبوين، ثم عمة لأم ثم عمة لأب، ثم خالات أمه، وتقدم الشقيقة، ثم التي لأم، ثم التي لأب، ثم خالات أبيه كذلك، ثم عمات أبيه كذلك ثم بنات إخوته، ثم بنات أخواته، ثم بنات أعمامه، ثم بنات عماته، ثم بنات أعمام أمه وبنات أعمام أبيه كذلك، فتقدم في ذلك كله الأشقاء، ثم الذين لأم، ثم الذين لأب، ولا حضانة عليها لمحرم، كابن العم، وابن عم الأب، وكذا لا حضانة عليها لمحرم برضاع) .
    (2) (الحنفية - قالوا: يشترط في الحضانة أمور: أحدها أن لا ترتد، فإن ارتدت سقط حقها في الحضانة، سواء لحقت بدار الحرب أو لا. فإن تابت رجع لها حقها.
    ثانيها: أن لا تكون فاسقة غير مأمونة عليه، فإن ثبت فجورها بفسق، أو بسرقة، أو كانت محترفة حرفة دنيئة، كالنائحة، والراقصة، فإن حفها يسقط. ثالثها: أن لا تتزوج غير أبيه، فإن تزوجت سقط حقها، إلا أن يكون زوجها رحماً للصغير، كأن يكون عماً له، فإن تزوجت أجنبياً سقط حقها، فإن طلقها الزوج الثاني عاد لها حقها في الحضانة. رابعها: أن لا تترك الصبي بدون مراقبة، خصوصاً إذا كانت أنثى تحتاج إلى رعاية، فإن كانت أمها من النساء اللاتي يخرجن طول الوقت وتمهل في تربيتها، فإن حقها يسقط بذلك. خامسها: أن لا يكون الأب معسراً، وامتنعت الأم عن حضانة الصغير إلا بأجرة، وقالت عمته: أنا أربيه بغير أجرة، فإن لها ذلك، ويسقط حق أمه في الحضانة. سادسها: أن لا تكون أمة أو أم ولد، فإنه لا حضانة لها. ولا يشترط الإسلام فإن كان متزوجاً بذمية فإن لها أن تحضن ابنها منه، بشرط أن يأمن عليه الكفر والفساد، فإذا لم يأمن، كأن رآها تذهب به إلى الكنيسة، أو رآها تطعمه لحم الخنزير، أو تسقيه الخمر، فإن للأب أن ينزعه منها، فإذا ماتت الأم الحاضنة، أو لم يتوفر فيها شرط من هذه الشروط انتقلت الحضانة إلى من يليها، حسب الترتيب المتقدم، أما العقل فهو شرط مجمع عليه.
    الشافعية - قالوا: يشترط للحضانة سبع شروط:
    أحدها: أن يكون عاقلاً، فلا حضانة لمجنون، إلا إذا كان جنونه قليلاً نادراً، كيوم واحد في السنة كلها.
    ثانيها: الحرية، فلا حضانة لرقيق.
    ثالثها: الإسلام، فلا حضانة لكافر على مسلم، أما حضانة الكافر للكافر، والمسلم للكافر، فإنها ثابتة.
    رابعها: العفة، فلا حضانة لفاسق، ولو تارك صلاة، أو تاركة صلاة. خامسها: الأمانة فلا حضانة لخائن في أمر من الأمور. سادسها: الإقامة في بلد المحضون إذا كان مميزاً، وسيأتي بيانه قريباً. سابعها: أن لا تكون أم الصغير متزوجة بغير محرم، فإن تزوجت بمحرم، كعمه فإن حضانته لم تسقط إذا رضي الزوج بضمه.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #237
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [مباحث الحضانة]
    صـــــ 520 الى صــــــــ
    528

    الحلقة (237)





    الحنابلة - قالوا: يشترط للحضانة. أولاً: أن يكون الحاضن عاقلاً، فلا حضانة لمجنون. ثانيها: أن لا يكون رقيقاً. ثالثاً: أن لا يكون عاوزاً، كأعمى، لعدم حصول المقصود به، ومثل الأعمى ضعيف البصر. رابعاً: أن لا يكون أبرص، أو أجذم، وإلا سقط حقه في الحضانة، خامساً: أن لا تكون متزوجة بأجنبي من الطفل، فإن كان غير أجنبي كجده وقريبه، فإن لها الحضانة.
    المالكية - قالوا: يشترط في الحاضن ذكراً كان أو أنثى شروط. الأول: العقل، فلا حضانة لمجنون، ولو يفيق في بعض الأحيان، ولا لمن به خفة عقل وطيش. الثاني: القدرة على القيام بشأن المحضون، فلا حضانة للعاجز، كامرأة بلغت سن الشيخوخة، أو رجل هرم إلا أن يكون عندهما من يمكنه القيام بالحضانة تحت إشرافهما، ومثلهما الأعمى، والأصم، والأخرس، والمريض، والمقعد. الثالث: أن يكون للحاضن مكان يمكن حفظ البنت فيه التي بلغت حد الشهوة من الفساد، فإذا كان في جهة غير مأمونة، فإن حضانته تسقط. الرابع: الأمانة في الدين، فلا حضانة لفاسق يشرب الخمر، ومشتهر بالزنا، ونحو ذلك. الخامس: أن لا يكون الحاضن مصاباً بمرض معد يخشى على الطفل منه، كجذام، وبرص. السادس: أن يكون الحاضن رشيداً فلا حضانة لسفيه مبذر، لئلا يتلف مال المحضون: إن كان له مال. الشرط السابع: الخلو عن زوج دخل بها، إلا إذا تزوجت بمحرم، أو علم من له حق الحضانة بعدها يتزوجها وسكت مدة عام بلا عذر فإن حضانته تسقط بذلك. ولا يشترط في الحاضن أن يكون مسلماً، ذكراً كان أو أنثى. فأن خيف على الولد من أن تسقيه خمراً، أو تغذيه بلحم خنزير ضمت حضانته إلى مسلمين ليراقبوها ولا ينزع منها الولد، ولا فرق في ذلك بين الذمية والمجوسية، وإن كان الحاضن ذكراً فيشترط أن يكون عنده من يحضن من الإناث، كزوجة، أو سرية، أو خادمة ولا يصح أن يحضن غير محرم بنتاً مطيقة للوطء، كابن عمها - إلا إذا تزوج بأمها - ولو كان مأموناً) .
    (3) (الحنفية - قالوا: مدة الحضانة للغلام قدرها بعضهم بسبع سنين، وبعضهم بتسع سنين، قالوا: والأول هو المفتى به، ومدتها في الجارية، فيها رأيان: أحدهما: حتى تحيض. ثانيهما: حتى تبلغ حد الشهوة، وقدر بتسع سنين، قالوا: وهذا هو المفتى به، فإذا كان الولد في حضانة أمه فلأبيه أن يأخذه بعد هذا السن، فإذا بلغ الولد عاقلاً رشيداَ كان له أن ينفرد ولا يبقى في حضانة أبيه إلا أن يكون فاسد الأخلاق، فلأبيه ضمه وتأديبه، وإذا لم يكن له أب، فلأحد أقاربه أن يضمه إليه ويؤدبه متى كان مؤتمناً، ولا نفقة للبالغ إلا أن يتبرع والده بها، وإلا أن يكون طالب علم، كما تقدم في مباحث النفقة.
    أما الأنثى فإن كان بكراً ضمنها الأب إلى نفسه، ومثل الأب الجد، فإن لم يكن لها أب ولا جد، فإن كان لها أخ ضمها إليه بشرط أن لا يكون مفسداً، وإلا فإن كان لها عم غير مفسد ضمها إليه. وإلا فإن كان لها عصبية في رحم محرم ضمها إليه، وإن لم يكن وضعها القاضي عند امرأة ثقة، إلا إذا كانت مسنة عجوز، ولها رأي، فإنها تكون حرة، فتسكن حيث أحبت أما إذا كانت ثيباً فليس له ضمها، إلا إذا لم تكن مأمونة على نفسها، وفي هذه الحالة يكون للأب والجد ضمها جبراً، فإن لم يكن لها أب ولا جد، ولها أخ، أو عم، فله ضمها ما لم يكن مفسداً فإن كان مفسداً ضمها القاضي عند امرأة ثقة.
    المالكية - قالوا: مدة حضانة الغلام من حين ولادته إلى أن يبلغ، فإن كان له أم حضنته حتى يبلغ، ثم تسقط حضانتها، ولو بلغ مجنوناً، ولكن تستمر نفقته على الأب إذا بلغ مجنوناً، ومدة حضانة الأنثى حتى تتزوج، ويدخل بها الزوج بالفعل.
    الشافعية - قالوا: ليس للحضانة مدة معلومة، فإن الصبي متى ميز بين أبيه وأمه، فإن اختار أحدهما كان له، وكذا يخير بين أم وجد أو غيره، أو بين أب وأخت له من أم أو خالة، وله بعد اختيار أحدهما أن يتحول للآخر وإن تكرر منه ذلك، وللأب إذا اختارته بنته أن يمنعها من زيارة أمها، وليس له أن يمنع أمها من زيارتها على العادة، وإذا زارت لا تطيل المكث، وإذا مرضت كانت أمها أولى بتمريضها في منزله إذا رضي، وإلا مرضتها في منزلها ويعودهما، بشرط أن لا يخلو بها في الحالتين، وإن اختارها ذكر مكث عندها الليل وعند أبيه النهار كي يقوم بتعليمه، أما إذا اختارتها أنثى فتستمر عندها دائماً، وإن اختارهما معاً أقرع بينهما، وإذا سكت ولم يختر أحداً كان للأم.
    الحنابلة - قالوا: مدة الحضانة سبع سنين للذكر والأنثى، ولكن إذا بلغ الصبي سبع سنين واتفق أبواه أن يكون عند أحدهما فإنه يصح، وإن تنازعا خير الصبي، فكان مع من اختار منهما، بشرط أن لا يعلم أنه اختار أحدهما لسهولته وعدم التشدد عليه في التربية وإطلاق العنان له فيشب فاسداً، فإذا علم أن رغبة الولد هكذا فإنه يجبر على البقاء عند الأصلح، فإن اختار أباه كان عنده ليلاً ونهاراً، ولا يمنع من زيارة أمه، وإن مرض الغلام كانت أمه أحق بتمريضه في بيتها، أما إذا اختار أمه فإنه يكون عندها ليلاً، ويكون عند أبيه نهاراً ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه، فإذا عاد واختار الآخر نقل إليه، وهكذا أبداً، فإن لم يختر أحدهما، أو اختارهما معاً أقرع بينهما، ثم إن اختار غير من أصابته القرعة رد إليه، ولا يخير إلا إذا كان أبواه من أهل الحضانة، فإن كان أحدهما غير أهل وجب أن يحضنه الكفء، وقيل سبع سنين يكون عند صاحب الحق في الحضانة، وعلى الوجه المتقدم، فإذا زال عقل الصبي كان من حق أمه، أما الأنثى فإنها متى بلغت سبع سنين فأكثر كانت من حق أبيها - بلا كلام - إلى البلوغ، ثم إلى الزفاف ولو تبرعت الأم بحضانتها، لأن الغرض من الحضانة الحفظ، والأب أحفظ وقدر الميل: بأربعة آلاف ذراع، بذراع الإنسان المعتدل، فللحاضنة أن تنتقل به إلى بلد دون ذلك، وليس له نزعه منها.
    الثاني: أن يكون السفر للإقامة والاستيطان، كما ذكرنا، أما إذا كان للتجارة أو لقضاء حاجة، فإن لها أن تسافر به ولا يسقط حقها في الحضانة، بل تأخذه معها، وللولي أن يحلفها بأنها ما أرادت بالسفر الانتقال والاستيطان، وإنما أرادت سفر التجارة مثلاً، وإنما يصح أن تسافر به مسافة قليلة بشرط أن تكون الطريق مأمونة، وأن يكون المكان الذي تريد السفر إليه مأموناً، أما الولي، فإنه إذا أراد السفر من بلدة إلى بلدة أخرى ليقيم بها وينتقل إليها مستوطناً إياها، فإن له أن يأخذ المحضون من حاضنته، ولو كان طفلاً، متى قبل ثدي مرضعة غير حاضنته، ويسقط حق الحاضنة في الحضانة إلا إذا رضيت أن تسافر معه، فإن حضانتها لا تسقط بانتقاله، وإنما يكون له حق أخذ المحضون منها، ويسقط حقها في الحضانة بشرطين: أحدهما: أن يكون الولي قاصداً السفر إلى بلد تبعد عن بلد الحاضنة مسافة ستة برد فأكثر، أما إذا كانت دون ذلك فليس له أخذه منها، لأنه يمكنه أن يشرف على الصغير في هذه الحالة. الشرط الثاني: أن يكون قاصداً الانتقال والاستيطان، أما إذا كان قاصداً التجارة، ونحوها، فإنه لا يأخذه منها ولا يسقط حقها في الحضانة، ولها أن تحلفه على أنه أراد سفر الانتقال لا سفر التجارة.
    الشافعية - قالوا: إذا أراد الحاضن أو الولي سفراً لحاجة أو لتجارة، بقي الولد بيد المقيم حتى يرجع من سفره، ثم إن كان مميزاً يخير في البقاء مع أيهما شاء، على الوجه المتقدم، أما إذا أراد سفر نقلة واستيطان، فإن الولد يتبع العاصب من أب أو غيره، سواء كان مسافراً أو مقيماً، بشرط أن لا يكون ببلدة الحاضن عاصب آخر مقيم، وإلا خير الولد المميز في الإقامة مع أيهما شاء، ولا حق للعاصب المسافر في أخذه، مثلاً إذا انتقل الأب من بلدة الأم الحاضنة إلى بلدة أخرى ليقيم بها، ولكن جده لا يزال مقيماً مع الحاضنة فليس للأب أخذه معه، وكذا إذا كان جد وأخ وسافر الجد وأقام الأخ، أو سافر الأخ، وأقام العم فإنه يبقى مع المقيم، ويشترط للسفر بالصغير أن تكون الطريق مأمونة، وأن يكون المكان المسافر إليه مأموناً، وإلا فأمه أحق به.
    الحنابلة - قالوا: إذا أراد أحد الأبوين السفر إلى بلدة أخرى، فإن الولد يبقى مع الأب، سواء كان هو المسافر أو المقيم، بشروط. أحدها: أن تكون المسافة بين البلدين مسافة قصر فأكثر. ثانيها: أن تكون الطريق مأمونة، وتكون البلدة المنقول إليها كذلك. ثالثها: أن يكون السفر سفر نقلة واستيطان، فإن كان لتجارة أو حج كان الولد من حق المقيم. رابعها: أن لا يريد بالسفر مضارة الآخر وانتزاع الولد من يده، فإن أراد ذلك فلا يجاب إلى طلبه، وإذا انتقلا جميعاً إلى بلدة واحدة فالأم باقية على حضانتها، وإذا أخذه الأب لافتراق بلدتين، ثم عادت الأم عادت لها الحضانة) .
    (4) (الحنفية - قالوا: أجرة الحضانة ثابتة للحاضنة، سواء كانت أماً أو غيرها، وهي غير أجرة الرضاع، وغير نفقة الولد، فيجب على الأب، أو من تجب عليه النفقة ثلاثة: أجرة الرضاع، وأجرة الحضانة، ونفقة الولد، فإذا كان للولد المحضون مال أخذه من ماله، وإلا فعلى من تجب عليه نفقته، كما ذكرنا، وهل تشمل أجرة الحضانة النفقة بجميع أنواعها، حتى المسكن أو لا مسكن لها؟ والجواب: أن الحاضنة إذا كان لها مسكن ويسكن الولد تبعاً لها، فلا يقدر لها أجرة مسكن، وإن لم يكن لها مسكن قدر لها أجرة مسكن، لأنها مضطرة إلى إيوائه وهذا هو الذي ينبغي العمل به، وإذا احتاج الصغير إلى خادم، فإنه يقضى له به على أبيه الموسر.
    وإنما تثبت أجرة الحضانة للأم إذا لم تكن الزوجية قائمة، أو لم تكن معتدة، فإن كانت زوجة أو معتدة لأب الطفل فإنه لا حق لها في أجرة الرضاع، ولا في أجرة الحضانة، أما حال قيام الزوجية بينهما، فالأمر ظاهر، لأن نفقتها واجبة عليه بطبيعة الحال، وأما حال العدة فكذلك، لأن لها نفقة العدة، فهي في حكم الزوجة، فإذا انقضت عدتها كان لها الحق في طلب أجرة الحضانة، ولا تجب الأجرة على أبيه إلا إذا كان الطفل فقيراً لا مال له، وإلا فمن ماله.
    هذا كله إذا لم يوجد متبرع يتبرع بحضانته مجاناً، فإن وجد متبرع، وكان أجنبياً عن الصغير، وكان للصغير مال، فإنه لا يعطى للأجنبي، ولكن يعطى لمن هو أهل للحضانة بأجرة المثل من ماله. أما إن كان المتبرع من أقارب الصغير، كالعمة مثلاً فإن الأم في هذه الحالة تخير بين إمساكه مجاناً، وبين أخذه منها وإعطائه لعمته لتحضنه مجاناً، إلا إذا كان الأب موسراً. ولا مال للصغير فإن الأم أوى بحضانته بالأجرة، أما إذا كان الأب معسراً، والصغير موسر، أو كان الأب موسراً، والصغير موسر، فإنه يعطى لعمته مجاناً، وذلك لأن نفقة أمه في هذه الحالة تكون من مال الصغير، وهو ضرر عليه، كما لا يخفى، وإذا امتنعت الأم عن حضانة الصغير، فهل تجبر على حضانته أو لا؟ والجواب: أنه إذا كان للصغير ذي رحم محرم صالح لحضانته غيرها لا تجبر على الصحيح، وإلا أجبرت، كي لا يضيع الولد، أما الأب فإنه يجبر على ضمه بعد بلوغ مدة الحضانة.
    المالكية - قالوا: ليس للحاضن أجرة على الحضانة، سواء كانت أماً أو غيرها، بقطع النظر عن الحاضنة، فإنها إذا كانت فقيرة ولولدها المحضون مال فإنه ينفق عليها من مال ولدها لفقرها إلا للحضانة أما الولد المحضون فله على أبيه النفقة والكسوة والغطاء والفرش، والحاضنة تقبضه منه وتنفقه عليه، وليس له أن يقول لها: أرسليه ليأكل عندي ثم يعود، وتقدر النفقة على والده باجتهاد الحاكم حسب ما يراه مناسباً لحاله، كأن يقدر له شهرياً، أو كل جمعة، أو نحو ذلك، مما تقدم في باب النفقة، وهل للحاضنة السكنى؟ والجواب: أن الصحيح تقدير السكنى باجتهاد الحاكم، فينظر إلى حال الزوجين، فإن كانت موسرة، فلا سكنى لها على الأب، وإن كانت معسرة وجب عليه لها السكنى.
    الشافعية - قالوا: أجرة الحضانة ثابتة للحاضن حتى الأم، وهي غير أجرة الرضاع، فإذا كانت الأم هي المرضعة وطلبت الأجرة على الرضاع والحضانة أجيبت، ثم إن كان للصغير مال كانت الأجرة في ماله، وإلا فعلى الأب، أو من تلزمه نفقته، ويقدر لها كفايتها بحسب حاله.
    الحنابلة - قالوا: للحاضنة طلب أجرة الحضانة، والأم أحق بحضانته ولو وجدت متبرعة تحضنه مجاناً، ولكن لا تجبر الأم على حضانة طفلها، وإذا استؤجرت امرأة للرضاع والحضانة لزماها بالعقد، وإن ذكر في العقد الرضاع لزمتها الحضانة تبعاً، وإن استؤجرت للحضانة لم يلزمها الرضاع، وإذا امتنعت الأم سقط حقها، وانتقل إلى غيرها، على الوجه المتقدم) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #238
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 2 الى صــــــــ
    11

    الحلقة (238)





    الجزءُ الخَامِس
    تقديم
    بسم الله الرحمن الرحيم
    في آخر الجزء الرابع من موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة، وعد العالم الجليل الموسوعة الشيخ عبد الرحمن الجزيري. ان يقدم إلى القراء الجزء الخامس، وهو "كتاب الحدود".
    ولكن الأجل لم يمهله - رحمة اللَّه - فانتقل إلى جوار ربه، راضياً مرضياً، قبل أن يودع المطبعة أصول الكتاب.
    ولما كانت "المكتبة التجارية الكبرى" قد اشترت حق طبع الموسوعة كلها، فقد حرصت - خدمة المسلمين - على أن تكملها بطبع الجزء الخامس وتيسير الحصول علبه. فسعت لدى أسرة المغفور له الشيخ الجزيري حتى حصلت على أصول "كتاب الحدود".
    ومن توفيق اللَّه أن وجدنا مباحث الكتاب كلها تكاد تكون كاملة: كل مبحث مخطوط في "كراسة" لا ينقصها - إلا التنسيق وبعض الحواشي والتعليقات.
    وقد عهدنا بهذه المهمة إلى عالم قدير متبحر في فقه المذاهب، وهو الأستاذ الشيخ علي حسن العريضي، من علماء الأزهر الشريف. وقد رحب العلم الفاضل بالمهمة، ابتغاء مرضاة اللَّه، فتولي تنسيق مباحث الكتاب وفقاً لمنهج المؤلف في الأجزاء السابقة، ثم تفضل - مشكوراً - فأضاف ما اقتضاه السياق من حواش وتعليقات، وأشرف على الكتاب في أثناء الطبع، مرجعة وتصحيحاً، حتى خرج "كتاب الحدود" - بعون اللَّه - مترسماً النهج، وافياً بالغرض.
    و"المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة" ترجو - هذا الكتاب الكبير - خدمة لدين اللَّه ونفع المسلمين، ووفاء بعهد عالم من علمائنا الأفاضل وقف حياته لدين اللَّه، وتبيان عباداته ومعاملاته وشرح أحكانه وحدوده، ليعمل المسلمون بمتضاها، ويهتدوا بهديها، فيسعدوا في الدنيا والأخرة.
    واللَّه ولي التوفيق.
    كتاب الحدود المقدمة في تعريف الحدود الشرعية
    بسم الله الرحمن الرحيم
    روي عن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها "أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ؟ ثم قالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فكلمه أسامة. فقال رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: "يا أسامة أتشفع في حد من حدود اللَّه! ثم قام فاختطب. فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم اللَّه لو أن فاطمة بنت مُحَمَّد سرقت لقطعت يدها".

    رواه البخاري ومسلم وغيرهما (1) .
    ويتعلق بشرح هذا الحديث أمور:
    -1 - بيان معناه.
    -2 - بيان الحدود الشرعية، وما في معناها، وحكمة مشروعيتها.
    -3 - إذا لم يوجد في الشريعة نص على حكم من الأحكام فماذا يكون العمل؟.
    المعنى
    -معنى هذا الحديث ظاهر، وهو أن امرأة من علية القوم اسمها فاطمة، غلبت عليها رزيلة خلقية، مرة واحدة في حياتها، وهي سرقة شيء يستوجب إقامة الحد عليها بقطع يدها، فعز على قريش أمرها، لما لها من علو المنزلة، ولكنهم كانوا يعلمون شدة استمساك الرسول صلوات اللَّه عليه بإقامة حدود اللَّه، وتنفيذها على العظيم والضعيف، والغني والفقير، بنسبة واحدة. فوقفوا بإذاء ذلك حائرين، ولكنهم ظنوا أن أسامة بن زيد يستطيع أن يشفع لها عند رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، لأنه كان محبوباً عند الرسول، كما كان أبوه زيد من قبل، ولذا كان يلقب بالحب بن الحب. فأجابهم أسامة إلى طلبهم، ومضى إلى رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وسأله العفو عن السارقة. فأنكر عليه الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه هذه الشفاعة، وقال له: (أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى! أي ما كان يليق بك أن تجرؤ على هذا العمل) .
    ويظهر من هذا أن أسامة بن زيد كان يعلم أنه لا يصح الشفاعة في حدود اللَّه تعالى بعد أن يصل أمر الجريمة إلى ولي الأمر، ولهذا أنكر عليه الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، ولو كان يجهل الحكم لعلمه إياه. ولعل اعتقاد أسامة في فاطمة المخزومية، من كون هذه الخلة ليست عادة لها، وأنها زلة، قد لا تعود إليها، هو الذي دفعه إلى الشفاعة فيها.
    والواقع أن فطمة المخزومية هذه قد أصبحت بعد تنفيذ الحد عليها من الصالحات التائبات القانتات، فلو تؤثر عنها أية رزيلة خلقية بعد ذلك.
    على أن الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه لم يقتصر على الإنكار على أسامة بن زيد، بل جمع الناس وخطب فيهم مبيناً لهم أن الإستهانة بمعاقبة الجناة إذا كانوا من العظماء، والتشدد في معاقبة الضعفاء، لا نتيجة له إلا هلاك الأمة وفنائها، وقد هلك بسببه بعض الأمم الذين خلوا من قبل.
    وأقسم رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه لا يتأخر عن تنفيذ حدود اللَّه تعالى على بنته نفسها.
    وذلك حق لا ريب فيه، إذ لا معنى لهذا إلا إبطال القانون السماوي، والقضاء على العدل والنظام فلو لم ينفذ القانون على القوي والضعيف بنسبة واحدة، لكان ذلك تحريضاً للقوي على انتهاك حرمات الضعيف، والعدوان عليه، وهو. أمن من العقاب. فإذا فرض وقوي الضغيف كان من حقه أن ينتقم لنفسه، ومن أمن من وقوع العقاب عليه ويعتدي على غيره وهو آمن أيضاً، وهلم جرا. وذها هو عين الفوضى المقوضى لدعائم العمران، الموجبة لهلاك الأمم وفنائها.
    ما يؤخذ من الحديث
    -ويؤخذ من هذا الحديث، أنه لا يحل لحاكم أن يقبل الشفاعة في حد من حدود اللَّه تعالى (الآتي بيانها) كما لا يحل لأحد أن يشفع عن مجرم في حد وصل إلى الحاكم. وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء.
    أما قبل وصول الأمر إلى الحاكم. فإن الشفاعة تصح كما يصح العفو، بشرط أن يكون مستحق العقوبة غير معروف بالجرائم، أما إذا كان من المعتادين على إذاء الناس، أو كان من الأشرار الذين لا يصلحهم العفو، فإنه يجب أن يرفع أمره إلى الحاكم ليوقع عليه الحد الذي يزجره عن ارتكاب الجريمة. فإن سرق شخص من آخر ولم تكن فيه عادة له من قبل، وظن الشفيع أن العفو عنه لا يغريه، فإن له أن يشفع فيه، وللمعتادى عليه أن يعفو عنه، وإلا فلا يحل له العفو عنه.
    وقد وردت أحاديث بهذا المعنى: منها ما رواه الدارقتني: عن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي، فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا اللَّه عنه) هذا في الحدود.
    وأما في القصاص فإن الشفاعة فيه تجوز، لأنه حق العبد وله أن يعفو على أي حال.
    وأما التعذير، فقد قَالَ الفقهاء: إن الشفاعة تحل فيه ولكن الظاهر المعقول أن عقوبة التعذير إن توقف عليها تأديب الجناة، والمحافظة على النظام العام. لفإن الشفاعة لا تحل فيه.
    كما لا يحل للحاكم أن يعفو، وإلا فإن العفو يصح والشفاعة تجوز. وذلك لأن الشريعة الإسلمية مبنية على جلب المصلحة، ودرء المفسدة، فعلى الحاكم أن ينظر في هذا إلى ما فيه المصلحة، ودفع المفسدة.
    __________
    (1) (هذه الرواية لمسلم وفيها زيادة "يا أسامة". وفي رواية للبخاري "فتلون" (أي تغير غيظاً) وجه رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فقال له: (أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى؟) فقال أسامة لما رأى إنكار الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وغضبه عليه مما أتاه: (استغفر لي يَا رَسُولَ اللَّهِ) أي لتمحي تلك الخطيئة ويغفر لي ربي. (قَالَ: ثم أمر بتلك المرأة فقطعت يدها) . زاد البخاري في رواية عنده عن عائشة رضي اللَّه عنها (ثم تابت بعد وتزوجت) فكانت تأتي لعائشة فترفع حاجتها الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ. وأسم المرأة التي سرقت فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد. وكان هذا الحادث يوم فتح مكة.
    والمراد بالذين هلكوا من قبلهم بنو إسرائيل، حيث صرح بذلك الإمام البخاري في روايته فقال: إن بني إسرائيل كانوا إذا سرف فيهم الشريف تركوه محاباة، ومراعاة لشرفه، فأهلكهم اللَّه للمداهنة والنفاق، وترك لإقامة الحدود الشرعية (وإذا سرق فيهم الضعيف) أي الفقير الذي لا جاه له ولا مال معه، ولا حسب يحميه، ينفذون عليه الحكم (وأيم اللَّه) أقسم الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لتأكيد كلامه، حيث أن المقام يقتضي ذلك. وهو قسم بالنية لا مطلقاً، إذ لا يعرفه إلا الخواص (ولو أن فاطمة بنت محمد صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ سرقت) أعذها اللَّه من ذلك.
    قَالَ صاحب دليل الفالحين: ففي الحديث ثبوت قطع يد السارق، رجل كان أو امرأة. وفيه جواز الحلف من غير استحلف، وهو مستحب، إذا كان فيه تعظيم الأمر المطلوب كما في الحديث الذي معنا. وفيه المنع من الشفاعة في الحدود، وهو مجمع عليه بعد بلوغه للإمام، أما قبله فجائز عند أكثر العلماء، إذا لم يكن المشفوع فيه ذا شر، وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه. أما المعاصي التي لا حد فيها فتجوز الشفاعة فيها بشرطه السابق، وإن بلغت الإمام لأنها أهون. وفيه مساواة الشريف وغيره في أحكام اللَّه تعالى وحدوده وعدم مراعاة الأهل، والأقارب في مخالفة الدين، اه.
    وذلك كما أمرنا اللَّه تعالى في كتابه العزيز فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للَّه، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن كان غنياً أو فقيراً فاللَّه أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن اللَّه كان بما تعملون خبيراً} فقد أمرنا اللَّه تعالى بالمبالغة في العدل في الأحكام وإقامة القسط في الحدود وفي جميع الأمور مجتهدين في ذلك حق الإجتهاد، ولو كان هذا الحد على غني أو فقير أو قريب أو غريب، فإن اللَّه تعالى أولى بجنس الغني والفقير. ونهانا عن اتباع الهوى والجور في الأحكام والعدول عن الحق لغرض في نفوسنا مجاملة للغني، أو محاباة للقريب. ثم خوفنا اللَّه تعالى من عقابه وعذابه في الدنيا بالهلاك وفي الأخرة بالعذاب الأليم فقال تعالى: {فإن اللَّه كان بما تعملون خبيراً} فيجازيكم لا محالة على الظلم وعدم العدل في إقامة الحدود وغيرها من الأعمال، فهو وعيد محض من اللَّه تعالى للظلمة الجائرين.
    ولقد كان المسلمون حديثي عهد بالإسلام فظنوا أن الشفاعة عند الحاكم تنفع وترفع العار عن هذه المرأة وأسرتها ومن ينتمي إليها من جراء قطع يدها. ولكن الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه أهمه هذا الأمر وأراد أن يثبت لهم وللإنسانية كلها أن الإسلام لا يفرق في تنفيذ الحدود بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، بل الكل أمام القانون سواء، كلكم لآدم وآدم من تراب، {إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم} .
    ولهذا قام فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم خطب فيه هذه الخطبة الجامعة التي وضعت قواعد العدل، وثبتت دعائم الإنصاف، وأقسم الرَسُول صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ للمسلمين بهذا القسم القوي حتى لاتشك النفوس بعد ذلك في أن هناك مانعاً يقف أمام تنفيذ حدود اللَّه تعالى، ولو على أعز الناس، وأشرفهم، وأقربهم إلى اللَّه عز وجل. فضرب المثل بابنته وأحب الناس إلى قلبه، وأشرف مخلوقة في الأمة المحمدية كلها، وهي السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وظهر عليه الغضب الشديد حين سمع أسامة بن زيد يخاطبه في هذا الشأن، وهوالوساطة في تعطيل حد من حدود الله تعالى، نهره وقال له: (يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله تعالى!)
    وأسامة من أحب الناس إلى قلب رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بعد ابنته فاطمة رضي اللَّه عنها. عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (أحب الناس إلي أسامة ما خلا فاطمة، ولا غيرها) . وروي عن هشام بن عروة عَنْ أَبِيِهِ أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن أسامة بن زيد لأحب الناس إلي، أو من أحب الناس إلي، وأنا أرجوا أن يكون من صالحيهم فاستوصوا به خيراً) .
    بل بلغ من حب الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لأسامة، وعلو منزلته في نفسه أنه أخر الإفاضة من عرفة في الحج من أجله. فقد روي عن هشام بن عروة عَنْ أَبِيِهِ أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة بن زيد ينتظره. فجاء غلام أسود أفطس، فقال أهل اليمن: إنما حسبنا من أجل هذا؟ قَالَ: فلذلك كفر أهل اليمن من أجل هذا. قَالَ يزيد بن هارون: (يعني ردتهم أيام أبي بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه) .
    ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة يعرفون مكانة أسامة بن زيد عند رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، ولما فرض عمر بن الخطاب للناس فرض لأسامة خمسة آلاف، ولإبن عمر ألفين، فقال ابن عمر: فضلت علي أسامة، وقد شهدت ما لم يشهد؟ فقال: إن أسامة كان أحب الناس إلى رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عليه وعلى آله، من أبيك) .
    ومع هذه المكانة الرفيعة التي كانت لأسامة بن زيد في نفس الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه رد شفاعته، ولم يقبلها، بل غضب عليه، وظهر أثر الغضب على وجهه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، كعادته عند انتهاك حرمات اللَّه تعالى، حتى ظن سيدنا أسامة رضي اللَّه عنه أنه قد ارتكب ذنباً يعاقبه اللَّه عليه بسبب هذه الشفاعة، فتضرع إلى الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أن يستغفر له مما وقع فيه من الإثم عسى أن يغفر اللَّه له ويرحمه، كما ورد في الرواية الثانية.
    كل هذه الأدلة والبراهين التي وردت في الحديث تدل دلالة صريحة على مقدار حرص الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ على تنفيذ حكم اللَّه تبارك وتعالى، وتوقيع الحد على من يستحق العقوبة، مهما كانت منزلته بين القوم. ولا توجد قوة تمنعه من إقامة حدود اللَّه عز وجل على الشريف والضعيف، والعظيم والحقير، من غير تمييز واستثناء، لأن في إقامة الحدود حماية للمجتمع من الفساد، وحفظاً للأمة من الدمار والهلاك، ودواماً لسعادتها وهنائها، وعزها وبقائها، وسبباً لاستتباب الأمن والنظام بين ربوعها، وتثبيتاً للعدالة بين أفرادها.
    ويؤخذ من الحديث النهي عن الشفاعة في الحدود. وقد ترجم البخاري - بباب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان. ويؤيد هذا ما ورد في بعض روايات هذا الحديث فإنه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ لأسامة لما تشفع: (لا تشفع في حد، فإن الحدود إذا انتهت إلي فليست بمتروكة) . وأخرج أبو داود حديث عمرو بن شعيب عَنْ أَبِيِهِ عن جده يرفعه (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) وصححه الحاكم.
    وأخرج أبو داود والحاكم، وصححه من حديث ابن عمر، قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود اللَّه، فقد ضاد اللَّه في أمره) .
    وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير قَالَ: (لقي الزبير سارقاً فشفع فيه فقيل: (حتى يبلغ الإمام) فقال: إذا بلغ الإمام فلعن اللَّه الشافع والمشفع) . فلا يجوز للإمام العفو عن الحد، ولا تجوز الشفاعة فيه إذا وصل الأمر إلى الحاكم.
    ويؤيد هذا أيضاً ما أخرجه أحمد والأربعة، وصححه ابن الجارود، والحاكم، عن صفوان بن أمية رصي اللَّه تعالى عنه: أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ لما أمر بقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه: (هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به) ؟.
    قالوا: وتسن الشفاعة الحسنة إلى ولاة الأمور من أصحاب الحقوق ما لم يكن في حد، أو أمر لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى ناظر يتيم، أو وقف في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه شفاعة محرمة شرعاً.
    الشافعية - قالوا: إن الشفاعة الحسنة قيل أن يصل الأمر إلى الحاكم جائزة بقوله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} وبما في الصحيحين عن أبي موسى أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ "كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه، وقال: اشفعوا تؤجروا، ويقضي اللَّه على لسان نبيه ما شاء") .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #239
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 12 الى صــــــــ
    46

    الحلقة (239)

    بيان الحدود الشرعية وما في معناها (1)
    -معنى الحد في اللغة: المنع، ويطلق على العقوبة التي وضعها الشارع لمرتكب الجريمة، وذلك لأنها سبب في منع مرتكب الجريمة من العودة إليها، وسبب في منع من له ميل إلى الجريمة عن ارتكابها.
    وكذلك يطلق على المعاصي. ومنه قوله تعالى: {تلك حدود اللَّه فلا تقربوها} أي تلك المعاصي التي نهى اللَّه عنها، فلا يحل لكم قربانها.
    ويطلق أيضاً على ماحده اللَّه وقدره من أحكام، ومنه قوله تعالى: {ومن يتعدى حدود اللَّه فقد ظلم نفسه} .
    العقوبات الشرعية
    -ونحن الآن بصدد بيان الحدود الشرعية بمعنى العقوبات وما في معنى الحدود من قصاص، وتعذير.
    وإليك البيان.
    إن الشريعة الإسلامية قسمت العقوبات إلى ثلاث أقسام.
    القسم الأول
    الحدود: وقد عرف الفقهاء الحد، بأنه عقوبة مقدرة حقاً للًّه تعالى - فمتى علم الحاكم بمجرم استحق عقوبة الحد، فإنه يجب عليه التنفيذ. ولا يملك العفو عنه.
    والجرائم التي تستوجب الحد هي (2) :
    أولاً: الزنا. ومثله اللواط. على خلاف ستعرفه.
    ثانياً: السرقة.
    ثالثاً: القذف.
    رابعاً: شرب الخمر. على خلاف ستعرفه.
    أما حد الذين يسعون في الأرض فساداً فلا يخرج عن حد السرقة، أو القصاص، أو التعذير.
    القسم الثاني
    القصاص: وهو معاملة الجاني بمثل اعتدائه، فإن القصاص معناه المماثلة، ومنه قص الحديث، إذا أتى به على وجهه، ولا يسمى القصاص حداً، لأنه حق للعبد، له أن يعفو عنه.
    كما يأتي.
    القسم الثالث
    التعذير: وهو تأديب على ذنب لا حد فيه، ولا كفارة له، كما ستعرفع بعد. ثم إن المتفق عليه من الحدود ثلاثة:
    الأول: حد الزنا. وإن قَالَ بعضهم: إنه لا رجم فيه.
    الثاني: حد القذف.
    الثالث: حد السرقة.
    القسم الأول
    حد شرب الخمر
    أما حد شرب الخمر، فجمهور الأئمة والعلماء على أنه حد. وبعضهم قال: إنه من باب التعزير.
    ومع ذلك فقد اختلفوا في مقداره:
    المالكية، والحنفية، والحنابلة - يقولون: إنه ثمانون جلدة، لأن عمر رضي الله تعالى عنه قدره بثمانين جلدة، ووافقه عليه الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين.
    الشافعية - يقولون: إنه أربعون جلدة، لنه هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    فقد روى مسلم عن أنس رضي الله عنه "كان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب في الخمر بالجريد، والنعال أربعين".
    ويكفي هذا الحد ولو تكرر منه الشرب.
    أما ما فعله سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه فقد كان من باب التعزير، حيث رأى أن الخمرة قد فشت في بعض الجهات، فشدد العقوبة لزجر الشاربين.
    __________
    (1) (معنى الحدود: الحد في اللغة المنع، ومنه الحداد للبواب، لمنع الناس من الدخول، وحدود العقاب موانع من وقوع الإشتراك، وأحدت المعتدة، إذا ما نعت نفسها من الملاذ والتنعم على ما عرف. وسمي اللفظ الجامع المانع حداً، لأنه يجمع معاني الشيء، وبمنع دخول غيره عليه.
    وحدود الشرع موانع، وزواجر عن ارتكاب أسبابها. والحد في اصطلاح الفقهاء: عقوبة مقدرة وجبت حقاً للَّه تبارك وتعالى، وفيها المعنى اللغوي كما بيناه.
    والحدود في الإسلام ثابتة بآيات القرآن الكريم مثل آية الزنا، وآية السرقة، وآية قذف المحصنات، وآية المحاربة، وآية تحريم الخمر، وغير ذلك.
    كمل أنا ثابتة بالأحاديث النبوية الواردة في الحدود، وفعل رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مثل حديث ماعز، وحديث الغامدية، وحديث العسيف، وحديث نعيمان، وغيرها من الأحاديث الثابتة. وثايتة بفعل الصحابة رضي اللَّه عنهم، وعليه إجماع الأمة. كما أن العقل السليم يقرها ويؤيدها، لأن الطباع البشرية، والشهوة النفسانية، مائلة إلى قضاء الشهوة، واقتناص الملاذ، وتحصيل مطلوبها ومحبوبها، من الشرب، والزنا، والتشفي بالقتل، وقطع الأطراف، وأخذ مال الغير، والاستطالة على الناس بالسب والشتم، خصوصاً من القوي على الضغيف، ومن الكبير على الصغير. فاقتضت الحكمة شرع هذه الحدود حسماً لهذا الفساد أن يستشري، وزجراً عن ارتكابها، حتى يبقى العالم على طريق الاستقامة والأمان. فإن عدم وجود الزواجر في العالم يؤدي إلى انحرافه، وفيه من الفساد ما لا يخفى) .
    (2) (الشافعية - قالوا: إن الجنايات الموجبة للحد سبعة أقسام وهي:
    الأول: كتاب الجراح - ويشمل القصاص في النفس والأطراف، والديات، وغيرها.
    الثاني: كتاب البغاة - الثالث: كتاب الردة.
    الرابع: كتاب الزنا.
    الخامس: كتاب حد القذف.
    السادس: كتاب قطع السرقة.
    السابع: كتاب الأشربة المحرمة.
    الحنفية - قالوا: إن الحدود ما ثبتت بالقرآن الكريم وهي خمسة فقط.
    الأول: حد الزنا وهو ثابت بآية {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللَّه إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر} الآية.
    الثاني: حد السرقة وهو ثابت بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من اللَّه واللَّه عزيز حكيم} آية 38 من المائدة.
    الثالث: حد شرب الخمر، وهو ثابت بقوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} .
    الحد الرابع: حد قطاع الطريق وهو ثابت بقوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون اللَّه ورسوله ويسعون في الأؤض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} . آية 33 من المائدة.
    والخامس: حد القذف، وهو ثابت بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون} آية 4 من النور.

    وقالوا: إن القصاص لا يسمى حداً لأنه حق العباد، وكذا التعذير لا يسمونه حداً لأنه ليس بمقدر. وعد بعضهم عقوبة السحر من الحدود.
    المالكية - قالوا: 1 - باب الجناية على النفس أو على ما دونها.
    -2 - باب - حد البغي.
    -3 - باب - الردة وأحكامها.
    -4 - باب حد الزنا.
    -5 - باب - حد القذف.
    -6 - باب - حد السرقة.
    -7 - باب - ذكر الحرابة وما يتعلق بها.
    -8 - باب - حد الشرب وأشياء توجب الضمان) .

    كتاب الأشربة
    الأشربة جمع شراب بمعنى مشروب - والشروب هو المولع بالشراب المدمن عليه. وشربها من كبائر المحرمات. بل هي أم الكبائر كما قَالَ سيدنا عمر للخطاب. وسيدنا عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنهما وكان تحريمها في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة أحد.
    والأصل في تحريمها كما ذكره المفسرون: نزل في الخمر أربع آيات، نزل بمكة قوله تعالى. {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال، ثم إن سيدنا عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل، ونفراً من الصحابة قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل ومسلبة للمال. فنزل قوله تعالى: {ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} الآية. فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف جماعة فشربوا وسكروا، فقام بعضهم يصلي فقرأ: {قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون} فنزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} ، فقل من يشربها. ثم دعا عثمان بن عفان مالك جماعة من الأنصار، فلما سكروا منها تخاصموا وتضاربوا فقال عمر: اللَّهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزل قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر} إلى قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} فقال عنمر: انتهينا يا رب.
    والحكمة في تحريم الخمر على هذا الترتيب أن اللَّه تعالى علو أن القوم ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بذلك كثيراً، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم، فكان من الحكمة أن يحرمها بالتدريج والرفق.
    وذكر بعض العلماء أن آية البقرة تدل على تحريم الخمر من ثلاثة وجوه.
    كتاب الأشربة
    الأشربة جمع شراب بمعنى مشروب - والشروب هو المولع بالشراب المدمن عليه. وشربها من كبائر المحرمات. بل هي أم الكبائر كما قَالَ سيدنا عمر للخطاب. وسيدنا عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنهما وكان تحريمها في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة أحد.
    والأصل في تحريمها كما ذكره المفسرون: نزل في الخمر أربع آيات، نزل بمكة قوله تعالى. {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال، ثم إن سيدنا عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل، ونفراً من الصحابة قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل ومسلبة للمال. فنزل قوله تعالى: {ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} الآية. فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف جماعة فشربوا وسكروا، فقام بعضهم يصلي فقرأ: {قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون} فنزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} ، فقل من يشربها. ثم دعا عثمان بن عفان مالك جماعة من الأنصار، فلما سكروا منها تخاصموا وتضاربوا فقال عمر: اللَّهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزل قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر} إلى قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} فقال عنمر: انتهينا يا رب.
    والحكمة في تحريم الخمر على هذا الترتيب أن اللَّه تعالى علو أن القوم ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بذلك كثيراً، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم، فكان من الحكمة أن يحرمها بالتدريج والرفق.
    وذكر بعض العلماء أن آية البقرة تدل على تحريم الخمر من ثلاثة وجوه.

    الأول: أن الآية دالة على أن الخمر مشتملة على الإثم، والإثم حرام لقوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق} فكان مجموع هاتين الآيتين دليلاً على تحريم الخمر.
    الثاني: أن الإثم قد يراد به العقاب، وقد يراد ما يستحق به العقاب من الذنوب، وأيهما كان فلا يصح أن يوصف به إلا المحرم.
    الثالث: أنه تعالى قَالَ: {وإثمهما أكبرمن نفعهما} صرح برجحان الإثم والعقاب، وذلك يوجب التحريم.

    والخمر من أفحش الذنوب. وأعظمها خطراً على المجتمع الإنساني كله، بذبك حرمها الشارع، وشدد في تحريمها وأنزل فيها عدة أحكام عالج فيها حالة العرب التي كانت تدمن الخمر، وتعدها من علامات الشهامة والمروءة ثم أنزل فيها آية التحريم {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} فوصف اللَّه تعالى الخمر بأنه رجس: أي قذر تنفر منه العقول السليمة، وهو لفظ يدل على منها القبح والخبث، والميسر، هو قمارهم في الجذور، والأنصاب هي ألهتهم التي يعبدونها، والأزلام سهام مكتوب عليها شر وخير، وقد قرن اللَّه تعالى الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام وهي من أعمال الوثنية والشرك فكأنه قريب من هذه المنكرات، وقد وصف اللَّه هذه الأقسام الأربعة بوصفين: الأول قوله {رجس} ، وهو كل ما استقذر من عمل، والثاني قوله {من عمل الشيطان} وه مكمل لكونه رجساً لأن الشيطان نجس خبيث لأنه كافر {إنما المشركون نجس} والخبيث لا يدعوا إلا إلى خبيث.

    وقد روى ابن ماجة عن ابي هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (مدمن الخمر كعابد وثن) . وقال صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه) . وجعلها اللَّه تعالى وأخواتها من عمل الشيطان لما ينشأ عنها من الشرور والأضرار، وما يترتب عليها من الكبائر والمصائب، وكل ما أضيف إلى الشيطان فالمراد به المبالغة في كمال قبحه قَالَ تعالى: {فوكزه موسى فقضى عليه قَالَ هذا من عمل الشيطان} بل وصف الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ الخمر بأنها أم الخبائث، فقال صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (الخمر أم الخبائث) .

    وروى الطبراني في الكبير من حديث بن عمر رضي اللَّه عنهما (الخمر أم الخبائث، وأكبر الكبائر، ومن شرب الخمر ترك الصلاة، ووقع على أمه، وعمته) .
    وقد جعل اللَّه تعالى النهي عنها بلفظ الإجتناب فقال {فاجتنبوه} أي كونوا جانباً منه وهو أبلغ من لفظ التحريم والترك لأنه يفيد الأمر بأن يكون التارك في جانب بعيد عن الشيء، لخطورته وفظاعته، أي ابتعدوا عنه، وخذوا حذركم منه فليعتبر أولئك الفسقة الذين يقولون: إنما الخمر لم ينزل فيها نهي في القرآن، أي لم يصرح القرآن بأنها حرام، والحق أنه نهى عنها بأبلغ عبارة التحريم، ثم جعل اللَّه تعالى اجتنابها والبعد عنها يوصل للفلاح، ويقرب إلى الفوز والسعادة الدنيوية والآخروية، فقال تعالى {لعلكم تفلحون} وفيه إشارة أن شربها يقرب من الخسران والخيبة، وفساد الدين والدنيا معاً، وضياع الصحة والعقل والمال.
    ولما أمر اللَّه تعالى باجتناب هذه الموبقات الأربع ذكر نوعين من أكبر المفاسد الخطرة في الخمر والميسر، الأول: ما يتعلق بالدنيا وهو قوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} أما في الخمر فلأن الغالب أن من يقبل على شرب الخمر، إنما يشربها مع أصحابه ويكون قصده من ذلك الشرب أن يستأنس برفقائه، ويسر بمحادثتهم ومكالمتهم، فأن غرضه من ذلك الإجتماع تأكيد الإلفة والمحبة، إلا أنه ينقلب في كثير من الأحيان إلى ضد مقصوده لأن الخمر يزيل العقل، وإذا ذهب العقل استولت الشهوة والغضب من غير مدافعة العقل، وعند استيلائهما تحصل المنازعة والمشاحنة بين المجتمعين، وربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة بالفحش، وذلك يورث أشد العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع الواحد، والميسر، يجر صاحبه إلى الفقر والمسكنة حتى يصل به الحال أن يقامر على جسده وأهله، وولده بعد فقدان ماله فيصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا يلاعبونه.
    فظهر أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إثارة العداوة، والبغضاء بين الناس، وتقطيع أوصال المجتمع، ولاشك أن العداوة والبغضاء تفضي إلى أحوال مذمومة، من الهرج والمرج والفتن، وفساد المجتمع الإنساني كله.
    النوع الثاني - المفاسد المتعلقة بالدين، وإليه الإشارة بقوله عز وجل {ويصدكم عن ذكر اللَّه وعن الصلاة} وهما روح الدين وعماده.
    أما أن الخمر تمنع عن ذكر اللَّه فظاهر لأن شرب الخمر يورث الطرب، واللذة الجسمانية، والنفس إذا استغرقت في الملذات، غفلت عن ذكر اللَّه تعالى وأعرضت عن طاعته عز وجل.
    وأما الميسر، فلأن إستغراق الشخص في العب مانع من أن يخطر بباله شيء سواه، وهي تصد اللاعب عن ذكر اللَّه، وتصرفه عن الصلاة، وتنسيه طاعة مولاه.
    ولما بين اللَّه تعالى اشتمال شرب الخمر ولعب الميسر على هذه المفاسد الخطيرة في الدنيا والدين. قَالَ تعالى: {فهل أنتم منتهون} هذا اللفظ وإن كن استفهاماً في الظاهر، إلا أن المراد منه هو النهي في الحقيق، وإنما حسن هذا المجاز لأنه تعالى ذم هذه الأفعال وبين قبحها لعباده، فلما استفهم بعد ذلك عن تركها، لم يسع المخاطب إلا الإقرار باترك. فكأنه قيل له: أتفعله بعد ما قد ظهر من قبحه؟ فصار قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} جارياً مجرى تنصيص اللَّه تعالى على وجوب الإنتهاء، مقروناً بإقرار المكلف بوجوب الإنتهاء بدافع من تفسه.
    واعلم أن هذه الآية دالة على تحريم شرب الخمر من وجوه:
    أحدها: تصدير الجملة بلفظ {إنما} وذلك لأنه للحصر، فكأنه تعالى قَالَ: لا رجس ولا شيء من عمل الشيطان إلا هذه الأربعة.
    وثانيها: أنه تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأوثان، حتى أصبح مثله، كما قَالَ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (شارب الخمر كعابد الوثن) .
    وثالثها: أنه تعالى أمر بالإجتناب، وظاهر الأمر الوجوب.
    ورابعها: أنه تعالى قَالَ: {لعلكم تفلحون} جعل الإجتناب من الفلاح، وإذا كان الإجتناب فلاحاً كان الإرتكاب خيبة.
    وخامسها: أنه شرح أنواع المفاسد المتولدة عنها في الدنيا والدين، وهي وقوع التعالدي، والتباغض بين الخلق وحصول الإعراض عن ذكر اللَّه تعالى وعن الصلاة.
    وسادسها: قوله تعالى {فهل أنتم منتهون} وهو من أبلغ ما ينتها به، كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيها من أنواع المفاسد والقبائح، فهل أنتم منتهون من هذه الصوارف، أم أتنم على ما كنتم عليه حين لم توعظوا بهذه المواعظ.
    وسابعها: أنه تعالى قَالَ بعد ذلك {وأطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول واحذروا} فظاهره أن المراد، وأطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول فيما تقدم ذكره من أمرهما بالإجتتناب عن الخمر والميسر، وقوله {واحذروا} أي احذروا عن مخالفتهما في هذه التكاليف.
    وثامنها: قوله تعالى: {فإن تويلتم فاعلموا إنما على رسولنا البلاغ المبين} وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد في حق من خالف هذا التكليف وأعرض فيه عن حكم اللَّه عز وجل - وبيانه - يعني أنكم إذا توليتم فالحجة قائمة عليكم، والرسول قد خرج عن عهدة التبليغ، والإعزار والإنذار، فأما ما وراء ذلك من عقاب من خالف هذا التكليف وأعرض عنه فذاك إلى اللَّه تعالى. ولا شك أنه تهديد شديد فصار كل واحد من هذه الوجوه الثمانية، دليلاً قاطعاً وبرهناً ساطعاً في تحريم الخمر.

    حد الشرب
    اتفق الأئمة على أن الذي يوجب هذا الحد، إنما هو شرب الخمر، دون إكراه، قليلها، وكثيرها.

    واتفق الأئمة: على أنه يثبت الحد بشهادة عدلين، أو الإقرار بذلك.
    واتفق الأئمة: على أنه لاتقبل شهادة النساء وحدهن، ولا مع الرجال في إثبات حد الشرب. لأن فيها شبهة البدلية، وتهمة الضلال والنسان. فالبينة تكون ناقصة، والأصل براءة الذمة.
    واتفق الأئمة الأربعة: على أن الإقرار في شرب الخمر يثبت الحد، ولو مرة واحدة.
    وقال أبو يوسف من الحنفية: يشترط أن يكون الإقرار مرتين، ويقول: شربت الخمر، أو شربت ما يسكر، ولا يحد باليمين المردودة في الأصح.
    واختلفوا في تعريف السكران.
    الحنفية قالوا: السكران هو الذي لا يعرف منطقاً لا قليلاً ولا كثيراً، ولا يعرف الأرض من السماء ولا يعرف المرأة من الرجل، فيزول تمييزه بالكلية، ويصبح بحالة يدرك الأشخاص ولكن يجهل الأوصاف.
    المالكية، والشافعية، والحنبابلة، والصاحبان من الحنفية - قالوا: السكران هو الذي يهذي ويخلط كلامه ويستوي عنده الحسن والقبيح، لأنه هو السكران في العرف.
    واتفق الأئمة الأربعة: على أن الخمر نجسة، وعلى تحريم بيعها على المسلمين، وإهدار ماليتها، فمن كسر دن خمر عند مسلم، لا يعاقب بالضمان لقول رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها، وأكل ثمنها) فهي ليست بمال، فلا يصح دفعها مهراً، ولا أجراً.

    واتفق الأئمة الأربعة: على أن عصير العنب إذا اشتد، وغلى، وقذف بالزبد، فهو خمر من غير خلاف بينهم على حرمة شربه، وإقامة الحد على شاربه.
    حكم شرب الأنبذة
    واختلف العلماء في حكم شرب الأنبذة.
    الحنفية قالوا: الحد في غير الخمر من أنواع الأنبذة إنما يتعلق بالسكر فقط، فنقيع التمر والزبيب إذا غلي واشتد كان محرماً قليله وكثيره، ويسمى نبيذاً لا خمراً، فإن أسكر ففي شربه الحد، ويكون نجساً نجاسة مغلظة، لثبوتها باليل القطعي، قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (الخمر من هاتين الشجرتين، وأشار إلى الكرم، والنخلة) فإن طبختا، أو كانا في طبيخ حل منهما ما يغلب على ظن الشارب منه أنه لا يسكر، من غير طرب. فإن اشتد غليانهما حرم الشرب منهما.
    أما نبيذ الحنطة، والتين، والأرز، والشعير، والذرة، والعسل. فإنه حلال عند الحنفية. نقيعها، ومطبوخها، وإنما يحرم المسكر منه، ويحد فيه إذا أسكر كثيره، وكذا المتخذ من الألبان إذا اشتد.
    المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: كل شراب يسكر كثيره فشرب قليله حرام، ويسمى خمراً، وفي شربه الحد سواء أكان من عنب، أو زبيب، أو حنطة، أو شعير، أو تين، أو ذرة، أو أرز، أو عسل، أو لبن، ونحو ذلك. نيئاً كان أو مطبوخاً. لأن اسم الخمر لغة - ما خامر العقل - وروي أن الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (كل مسكر خمر) فاخمر حقيقة لغوية في عصير العنب المشتد، وحقيقة شرعية في غيره مما يسكر من الأشربة، أو قياس في اللغة - وروي في الصحيحين من حديث عمر رضي اللَّه عنه أنه قَالَ: (نزل تحريم الخمر وهي خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. والخمر ما خمر العقل) متفق عليه ووجه الاستدلال به من ثلاثة أوجه:
    أحدها: أن سيدنا عمر رضي اللَّه عنه أخبر أن الخمر حرمت يوم حرمت، وهي تتخذ من الحنطة والشعير، كما أنها تتخذ من العنب، والتمر، وهذا يدل على أنهم يسمونها كلها خمراً.
    وثانيها: أنه قَالَ: حرمت الخمر يوم حرمت، وهي تتخذ من هذه الأشياء الخمسة وهذا كالتصريح بأن الخمر يتناول تحريم هذه الأنواع الخمسة.
    وثالثها: أن عمر رضي اللَّه عنه ألحق بها كل ما خامر العقل من شراب، ولا شك أن عمر رضي اللَّه عنه كان عالماً باللغة، وروايته أن الخمر اسم لكل ما خامر العقل بتغيره.
    واحتجبوا ثانياً - بما روى أبو داود عن النعمان بن بشير رضي اللَّه عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وإن من العسل خمراً، وإن من البر خمراً، وإن من الشعير خمراً) والاستدلال به من وجهين:
    أحدهما: أن هذا الحديث صريح في أن هذه الأشياء داخلة تحت اسم الخمر، فتكون داخلة تحت الآية على تحريم الخمر.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #240
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الخامس
    [كتاب الحدود]
    صـــــ 12 الى صــــــــ
    46

    الحلقة (240)




    وثانيهما: أنه ليس مقصود الشارع تعليم اللغات، فوجب أن يكون مراده من ذلك بيان أن الحكم الثابت في الخمر ثابت فيها. والحكم المشهور الذي اختص به الخمر هو حرمة الشرب فوجب أن يكون ثابتاً في هذه الأشربة المذكورة.
    قال الخطابي رحمه اللَّه: وتخصيص الخمر بهذه الأشياء الخمسة ليس لأجل أن الخمر لا يكون إلا في الأشياء الخمسة بأعيانها، وإنما جرى ذكرها خصوصاً لكونها معهودة في ذلك الزمان، فكل ما يكون في معناه من ذرة، أو سلف، أو عصارة شجرة. فحكمها حكم هذه الخمسة. كما أن تخصيص الأشياء الستة بالذكر في الربا لا يمنع من ثبوت حكم الربا في غيرها.
    وحجتهم الثالثة:
    روى أبو داود أيضاً عن نافع عن ابن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) .
    قَالَ الإمام الخطابي: قوله عليه الصلاة والسلام، (كل مسكر خمر) . دل على وجهين:
    أحدهما: أن الخمر اسم لكل ما وجد منه السكر من الأشربة كلها، والمقصود منه أن الآية لما دلت على تحريم الخمر كان مسمى مجهولاً للقوم، أو يكون معناه أنه كالخمر في الحرمة.
    وحجتهم الرابعة:
    روى أبو داود عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سئل رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن البتع فقال: (كل شراب أسكر فهو حرام) .
    والبتع شراب يتخذ من العسل، وفيه إبطال كل تأويل يذكره أصحاب تحليل الأنبذة. وإفساد قول من قَالَ: إن القليل من المسكر مباح لأنه عليه السلام سأل عن نوع واحد من الأنبذة. فأجاب عنه بتحريم الجنس، فيدخل فيه القليل والكثير منها، ولو كان هناك تفصيل في شيء من أنواعه ومقاديره لذكره صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ولم يهمله.
    وحجتهم الخامسة: ما رواه أبو داود عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) ورواه أحمد وابن ماجة، والدارقطني وصححه عن ابن عمر، وكذا أحمد والنسائي من حديث عمرو.
    وحجتهم السادسة: ما روي عن القاسم عن أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه تعالى عنهما قَالَت: سَمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يقول: (كل مسكر حرام. وما أسكر منه الفرق، فملء الكف منه حرام) رواه أحمد، والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وفي رواية الإمام أحمد في الأشربة بلفظ (فالأوقية منه حرام) وذكر ملء الكف والأوقية في الحديث على سبيل التمثيل، وإلا فهو شامل للقطرة الواحدة. لما روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (حرمت الخمر قليلها وكثيرها. والسكر من كل شراب) أخرجه النسائي.
    وحجتهم السابعة: ما رواه أبو داود عن شهر بن حوشب عن أم سلمة رضي اللَّه عنها أنها قالت: (نهى رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن كل مسكر ومفتر) والمفتر كل شراب يورث الفتور في الجسم والخمول في الأعضاء، وهذا ل شك متناول لجميع أنواع الأشربة المسكرة والمفترة لأعضاء الجسم.
    وما رواه النسائي والدارقطني عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه: (أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ نهى عن قليل ما أسكر كثيره) .
    وما روي عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أتى برجل قد سكر من نبيذ تمر فجلده أي أقام عليه حد الخمر، فهذا دليل صريح في أن نبيذ الخمر إذا أسكر أخذ حكم الخمر المصنوع من العنب.

    وما روي عن ابن هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (الخمر من هاتين الشجرتين النخل) رواه الجماعة إلا البخاري وما روي عن انس رضي اللَّه تعالى عنه قَالَ: (إن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر) متفق عليه.

    وما روي عن جابر رضي الله عنه (أن رجلأمن جيشان، وجيشان من اليمن - سأل الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر، فقال: أمسكر هو؟ قال: نعم. فقال: كل مسكر حرام. إن على اللَّه عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال - قالوا: يارسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار، رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، فهذا يدل على تحريم كل مسكر ولو كان من غير عصير العنب فإن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (كل مسكر حرام) ولم يذكر نوع الشراب ولم يحدده. فهذه الأحاديث التي ذكرناها وغيرها ممن لم نذكره دالة على أن كل مسكر فهو حرام.
    النوع الثاني من الأدلة على أن كل مسكر حرام سواء أكان من عصير العنب أم من غيره من أنواع الأنبذة، التمسك بكلام أهل اللغة. فقد قالوا: إن الخمر ما خامر العقل - أي غطاه وخالطه فلم يتركه على حاله - والعقل هو الجوهرة التي كرم اللَّه بها بني لآدم على جميع خلقه، وسلطه بسببها على ما في الأرض والتمتع بها، والتمكن من الصناعات وغيرها. وقوة الإدراك بها العلوم والمعارف. ولشرفها ومكانتها حرم اللَّه تعالى الخمر التي تغطيها وتخامرها، قَالَ ابن الأنباري: سميت خمراً لأنها تخامر العقل، أي تخالطه. كما سميت مسكراً لأنها تسكر العقل، أي تحجزه، وتمنع وصول نوره إلى الأعضاء.
    قَالَ الراغب في كتابه "مفردات القرآن". سمي الخمر لكونه خامراً للعقل، أي ساتراً له. وهو عند بعض الناس اسم لكل مسكر. وعند بعضهم للمتخذ من العنب خاصة. وعند بعضهم المتخذ من العنب والتمر, وعند بعضهم لغير المطبوخ، رجح أنه اسم لكل شيء ستر العقل. وكذا قَالَ غير واحد من أهل اللغة، منهم الدينوري، والجوهري.
    قَالَ صاحب الهداية من الحنفية: الخمر ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد، وهو المعروف عند أهل اللغة، وأهل العلم. قَالَ: وقيل هو اسم لكل مسكر لقوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (كل مسكر خمر) ولأنه من مخامرة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    العقل، وذلك موجود في كل مسكر، قَالَ: ولنا إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمر بالعنب، ولهذا اشتهر استعمالها فيه، ولأن تحريم الخمر قطعي، وتحريم ماعدا المتخذ من العنب ظني، قَالَ: وإنما يسمى الخمر خمراً لتخمره، لا لمخامرة العقل، قال: ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصاً فيه كما في النجم فإنه مشتق من الطهور ثم هو خاص بالثرايا، اه.
    قَالَ في الفتح والجواب عن الحجة الأولى ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمراً، وقال الخطابي: زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمراً، عرب فصحاء فلو لم يكن هذا الاسم صحيحاً لما أطلقوه.
    وقال ابن عبد البر: قَالَ الكوفيون: الخمر من العنب لقوله تعالى: {أعصر خمراً} فقالوا: فدل على أن الخمر هو ما يعصر لا ما ينبذ، قَالَ: ولا دليل فيه على الحصر. قَالَ أهل المدينة وسائر الحجازيين، وأهل الحديث كل مسكر خمر، وحكمه حكم ما اتخذ نم العنب، فيكفر مستلها، وتصير نجسة، ولا قيمة لها في حق المسلم، ولا يجوز بيعها ولا الانتفاع بها.
    وقال القرطبي: الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها يبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كانت من غيره فلا تسمى خمراً، ولا يتناولها اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب، والسنة الصحيحة، وللصحابة الفصحاء، لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كا مسكر، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب، وبين ما يتخذ من غيره بل سووا بينهما، ولم يتوقفوا، ولم يشكل عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من عصير العنب، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل القرآن الكريم، فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا الأمر، فلما لم يفعلوا ذلك، بل بادروا إلى إتلاف الجميع علمنا أنهم فهموا التحريم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر بما يوافق ذلك، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
    وقد ذهب إلى التعميم الإمام علي كرم اللَّه وجهه، وسيدنا عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد اللَّه بن عمر، وأبو موسى الأشعري، وأبو هُرَيْرَة، وابن عباس، والسشيدة عائشة رضوان اللَّه عليهم أجمعين. وذهب إلى التعميم من التابعين، الإمام ابم المسيب، وعروة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وأخرون، وهو قول مالك، والأوزاعي، والثوري، وابن مبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وعامة أهل الحديث رحمهم اللَّه تعالى.

    قَالَ في الفتح: ويمكن الجمع بين القولين بأن من أطلق ذلك على غير المتخذ من العنب حقيقة يكون أراد الحقيقة الشرعية، ومن نفى أراد الحقيقة اللغوية.

    وقد أجاب بهذا ابن عبد البر، وقال: إن الحكم إنما يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي.
    وقد تقرر أن نزول القرآن بتحريم الخمر وهي من البسر ذاك، فيلزم من قَالَ: إن الخمر حقيقة في ماء العنب، مجاز في غيره، أن يكون إطلق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه، لأن الصحابة لما بلغهم بلغتهم تحريم الخمر أراقوا كل ما يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازاً، وهو ذلك فصح أن الكل خمر حقيقة، وانفكاك عن ذلك.
    وذكر الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره لآية تحريم الخمر ما نصه: (واعلم أن من أنصف، وترك الاعتساف علم أن هذه الآية نص صريح في أن كل مسكر حرام، وذلك لأنه تعالى لما ذكر قوله: {أنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر اللَّه وعن الصلاة} ، قَالَ بعده: {فهل أنتم منتهون} فرتب النهي عن شرب الخمر على كون الخمر مشتملة على تلك المفاسد، ومن المعلوم في بدائه العقول أن تلك المفاسد إنما تولدت من كونها مؤثرة في السكر، وهذا يفيد القطع بأن القطع علة قوله {فهل أنتم منتهون} هي كون الخمر مؤثرة في الإسكار، وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن كل مسكر حرام، ومن أحاط عقله بهذا التقدير، وبقي مصراً على قوله، فليس لعناده علاج.
    الحنيفية - احتجوا على قولهم: بأن نبيذ الحنطة، والتين، والأرز، والشعير، والذرة، والعسل وغيره، حلال، نقيعاً ومطبوخاً إذا لم يسكر، ولا يحد شاربه حتى يسكر منه، ولا يكفر مستحله مثل الخمر، واحتجوا على رأيهم هذا بأدلة.
    أحدها - قوله تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} فقد من اللَّه تعالى على عباده باتخاذ السكر من النخيل والأعناب، وما نحن فيه سكر ورزق حسن، فوجب أن يكون مباحاً لأن المنة لا تكون إلا بالمباح.
    ثانيها - ما روي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أتى السقاية عام حجة الوداع، فاستند إليها وقال: (اسقوني، فقال العباس: ألا أسقيك مما نبذ في بيوتنا؟ فقثال: ما تقي الناس، فجاءه بقدح من النبيذ، فشمه فقطب وجهه ورده فقال العباس: يَا رَسُولَ اللَّهِ أفسدت على أهل مكة شرابهم، فقال الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: ردوا علي القدح، فردوه عليه، فدعا بماء زمزم، وصب عليه وشرب، وقال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاقطعوا غلمتها بالماء) .

    ووجه الاستدلال بهذا الحديث، أن التقطيب لا يكون إلا من التغير الشديد، ولأن المزج بالماء كان لقطع هذه الشدة، وشربه لها دليل حلها بالنص.
    ثالثها - التمسك بآثار الصحابة رضوان اللَّه علهيم، وأن اسم الخمر المحرم شربه إنما هو من عصير العنب والتمر إذا غلي واشتد وقذف بالربد وهو محرم بالدليل القطعي بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، والتواتر وبحكم بفسق من استحل ما عدا خمر الشجرتين وتحريم سائر المسكرات بالسنة والقياس فقط.
    والراجح من هذه الأقوال:
    أن كل شراب يسكر كثيره، فشرب قليله حرام، ويسمى خمراً، وفي شربه الحد سواء أكان الشراب من عصير العنب، أو التمر، أو الزبيب، أو الحنطة، أو الشعير، أو التين، أو الذرة، أو الأرز، أو العسل، أو اللبن، أو غيرها، نيئاً كان أو مطبوخاً، وسواء أتعاطاه شراباً او غيره. وسواء جامده، أو مائعه، وسواء تناوله معتقداً تحريمه، أم إباحته. لضغف أدلة الإباحة. وذلك القول هو المعول عليه عند أكثر العلماء، خصوصاً في هذا الزمان الذي فسدت فيه النفوس - وضعف الوازع الديني وكثرت فيه أنواع المشروبات الروحية المسكرة وسموها بأسماء براقة. مثل "البيرة" ومثل "البوظة" "القات" ومثل "التنكة" ومثل "العرقي" وغير ذلك مما يستحله أهل هذا العصر وهو حرام لأن كثيره يسكر، وهو وخمرٍ، وصدق رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ حينما أخبر بما سيحدث في هذا الزمان حيث قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كما روي عن أبي مالك الأشعري رضي اللَّه عنه أنه سمع الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يقول: (ليشربن أناس من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه) رواه الإمام أحمد، وابن ماجة، وقال: تشرب مكان تستحل.

    وعن أبي أمامة رضي اللَّه عنه أنه قَالَ: (قال رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: لاتذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، ويسمونها بغير اسمها) رواه ابن ماجة رحمه اللَّه تعالى.
    وعن ابن محيريز عن رجل من أصحاب الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (يشرب ناس من أمتي الخمر، ويسمونها بغير أسمائها) رواه النسائي رحمه اللَّه تعالى.
    فهذه الأحاديث وغيرها من الأدلة القاطعة بصدق نبوة الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه لأنه أخبر بما يحدث في المستقبل، وهو لا ينطق عن الهوى. وظهر ما أخبر عنه الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ من أنواع المشروبات في هذا الزمان.
    حكم شرب العصير قبل أن يشتد
    اختلف العلماء في حكم العصير. إذا مضى عليه ثلاثة أيام وهو نئ ولم يغلي ولم يشتد ويقذف بالزبد.
    الحنفية، والمالكية، والشافعية - قالوا: إذا مضى على العصير لاثلاثة أيام أو أقل. ولم يغلي، ولم يشتد. ولم يقذف بالزبد، لا يصير خمراً، وحل شربه إنه في هذه الحالة يكون غير مسكر.

    وحجتهم في ذلك ما روي عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: (كنا ننبذ لرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في سقاء يوكى (يوكى: أي يشد بالوكاء، وهو الرباط) . وله عزلاء (وله عزلاء: بفتح العين المهملة وإسكان الراء: وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربى) . ننبذه غدوة فيشربه عشياً، وننبذه عشياً فيشربه غدوة) رواه الإمام أحمد ومسلم، وأبو داود، والإمام الترمذي رحمهم اللَّه تعالى.

    وما روي عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أنه قَالَ: (كان رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ينبذ له أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء، والغد، والليلة الأخرى، والغد إلى العصر، فإذا بقي شيء سقاه الخدم، أو أمر فصب) رواه الإمام أحمد، ومسلم رحمهم اللَّه تعالى.

    وفي رواية (كان ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد، وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يأمر به فسقى الخادم، أو يهراق) رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، ومعنى (فيسقى الخادم) محمول على أن النبيذ لم يكن في هذه الحالة قد بلغ إلى حد السكر، لأن الخادم لا يجوز أن يسقى الشراب الذي يسكره، كما لا يجوز له شربه، بل يجب إراقته، بعد عصر اليوم الثالث لأنه يتغير ويصير مسكراً، فيحرم شربه، ويكون نجساً فيراق. وأخرج ابن أبي شيبة، والنسائي من طريق سعيد بن المسيب والشعبين والنخعي، (اشربوا العصير ما لم يغلي) . وعن الحسن البصري رضي اللَّه تعالى عنه (اشربوا العصير ما لم يتغير) وهذا قول كثير من السلف: إن العصير يشرب مالم بيدو فيه التغير قبل مضي ثلاثة أيام، أما إذا ظهر فيه التغير فيحرم شربه، وعلامة ذلك أن يأخذ في الغليان، وهذا يختلف باختلاف نوع العصير، واختلاف الجو الذي يكون فيه، فإذا كان في منطقة حارة فإنه يتسرب إليه الفساد سريعاً، أما إذا كان في وقت الشتاء أو في منطقة باردة فإن الفساد لا يسرع إليه، فجواز شربه مقيد بعدم البدء بالغليان - أما إذا بدأ فيه الغليان فإنه يحرم.
    الحنابلة - قالوا: إذا مضى على العصير ثلاثة أيام، يصير خمراً، ويحرم شربه ويجب إراقته، وإن لم يغل، ويشتد، ويقذف بالزبد. وذلك لنها إنما سميت خمراً لأنها تركت حتى اختمرت، أي تغير ريحها ولما روي عن ابي هُرَيْرَة رضي اللَّه تعالى عنه أنه قَالَ: (علمت أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كان يصوم، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء، ثم أتيته به، فإذا هو ينش، فقال: أضرب بهذا الحائط، فإن هذا الشراب من لا يؤمن باللَّه واليوم الأخر) رواه أبو داود، والنسائي رحمهما اللَّه تعالى.
    وبما روي عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما أنه قَالَ في العصير: (اشربه ما لم يأخذه شيطانه، قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قَالَ: في ثلاث. حكاه أحمد وغيره. وأورد الشوكاني في نيل الأوطار وقوله (فتحينت فطره) أي انتظرته وقت فطره. وقوله (صنعته في دباء) أي في إناء قرع. وقوله (ينش) بفتح الياء وكسر النون، أي (غلي) يقال: نشت الخمر تنش نشيئاً إذا غلت. والحاصل أنه يجوز شرب الأنبذة ما دامت حلوة، ولم تأخذ في التغير، أما إذا اشتد النبيذ وأسرع إليه التغير في زمان الحر، حرم شربه، بإجماع الآراء
    حكم العصير المغلي
    الحنفية - قالوا: العصير إذا طبخ فذهب ثلثه، يسمى الطلاء، وإذا ذهب نصفه يسمى المنصف. وإن طبخ أدنى طبخ فالباذق - والكل حرام إذا غلي واشتد وقذف بالزبد، لأنه رقيق لذيذ، مطرب يجتمع الفساق عليه، فيحرم شربه دفعاً لما يتعلق به من الفساد، أما إذا طبخ حتى إذا ذهب ثلثاه فهو حلال وإن اشتد إذا قصد به التقوى. وإن قصد به التلهي فهو حرام وذلك لما أخرجه النسائي عن طريق عبد اللَّه بن يزيد الخطمي قَالَ: كتب عمر: اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان اثنين، ولكم واحد، وصحح هذا الحافظ في الفتح.
    وأخرج الإمام مالك رحمه اللَّه في الموطأ من طريق محمود بن لبيد الأنصاري، أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض، وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب. فقال عمر: اشربوا العسل، قالوا ما يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن تجعل من هذا الشراب شيئاً لا يسكر؟ فقال: نعم، فطبخوا حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه إصعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء مثل طلاء الإبل، فأمرهم عمر أن يشربوه، وقال: اللَّهم إني لا أحل لهم شيئاً حرمته عليهم، وورد من طريق سعيد بن المسيب، أن عمر أحل من الشراب ما يطبخ ثلثاه، ويبقى ثلثه.
    قَالَ في الفتح: وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور، أبو موسى، وأبو الدرداء، أخرجه النسائي عنهما. والإمام علي كرم اللَّه وجهه، وأبو أمامة، وخالد بن الوليد، وغيرهم، أخرجه ابن أبي شيبة، وغيره.
    ومن التابعين ابن المسيب، والحسن، وعكرمة، ومن الفقهاء، الثوري والليث.
    المالكية والشافعية، والحنابلة - قالوا: العصير المطبوخ يمتنع شربه إذا صار مسكراً، قليلاً أو كثيراً سواء غلي أم لا، لأنه يجوز أن يبلغ حد الإسكار، بأن يغلي، ثم يسكن غليانه بعد ذلك. فشرط تناوله عندهم ما لم يسكر.
    فقد أخرج الإمام مالك بإسناد صحيح (أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شرب الطلاء، وإني سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تاماً) وفي السياق حذف، والتقدير، فسأل عنه فوجده يسكر فجلده وأخرج سعيد بن منصور عنه نحوه.

    وفي هذا رد على من احتج بأن عمر بن الخطاب جوز شراب المطبوخ إذا ذهب منه ثلثاه ولو أسكر. وقال أبو الليث السمرقندي: شارب المطبوخ إذا كان يسكر أعظم ذنباً من شارب الخمر، لأن شارب الخمر يشربها وهو عالم أنه عاص بشربها، وشارب المطبوخ يشرب المسكر ويراه حلالاً. وقد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام، وثبت قوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (كل مسكر حرام) ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر.
    الشافعية والمالكية والهادوية - قالوا: يحرم شرب كل مسكر سواء كان من عصير أو نبيذ، ولا يجوز تناوله مطلقاً وإن قل ولم يسكر إذا كان في ذلك الجنس صلاحية الإسكار.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •