الأرض كلها مسجد
إبراهيم بن صالح الخضيري



هذه المسألة سيأتي لها ذكر في المبحث الأول من الفصل الثالث - إن شاء الله - ، وإنما أردت ذكرها هنا لأهميتها ، ولارتباطها بموقع المسجد ، باعتبار أن الأرض في الأصل طاهرة وصالحة لتكون مسجدا ، إذا خلت من الموانع
وذلك لأن الأرض ملكيتها لله تعالى قد يملكها بقدرته من يشاء ، وقد تبقى حرة من التملك البشري ، وقد تتحرر بعد التملك بالوقف ، ثم هي طاهرة ، لأن الشمس والهواء والمطر مطهرات .
ويدل على هذا الحديث الآتي : -

عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة » . متفق عليه .
وهذا لفظ البخاري (1) .
وفي رواية : « ثم الأرض بعد ذلك لك مسجدا » . وفي أخرى : « وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا » . رواه مسلم (2) . وفي رواية : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصلاة ، تمسحت وصليت » . وفي رواية : « وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا » . وفي رواية : « وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا » (3) .
ولأحمد : « فعنده طهوره ومسجده » (4) . ولابن خزيمة نحوه (5) .
. وروي عن علي بن أبي طالب نحوه (6) . ولأبي داود عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا » (7) . وللترمذي عن أبي سعيد : « الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام » (8) .
فهذا الحديث برواياته المختلفة يدل على ما يلي : -

أولا : أن الأصل في الأرض الطهارة ، حتى تعلم نجاستها بيقين (3) . وأن كل أرض طاهرة طيبة تصلح للصلاة وللتيمم من صعيدها بدلا عن الوضوء ، حال مشروعيته (10) ، على أن هناك أحاديث تخصص عموم هذا الحديث ، وتمنع الصلاة في مواقع معينة لعلل مختلفة ، يأتي بيانها في الفصل الثالث - إن شاء الله - .
ثانيا : أن كون الأرض كلها مسجدا وطهورا صالحة للصلاة وللتيمم إذا سلمت من الموانع خصوصية من الخصوصيات التي اختص الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم (11) .
ثالثا : كل فراش طاهر أو مكان من الأرض طاهر وإن كان مزروعا بنبات ونحوه ، كالجزر والبصل والكراث وغيرها . وهكذا إن كان فيه ثلج أو قطن وهو مستقر ، فإنه من الأرض صالح للصلاة عليه (12) . لعدم النجاسة ، ولإمكان الصلاة عليه .



الكتاب : أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية ( الجزء الثاني )
المؤلف : إبراهيم بن صالح الخضيري
الطبعة : الأولى
الناشر : وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية
تاريخ النشر : 1419هـ

_________
(1) البخاري ك الصلاة هـ 56 جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا رقم 438 ، ومسلم ( 1 / 370 ) رقم 521 ط : الثانية ، عام 1398هـ .
(2) مسلم ( 1 / 371 ) رقم 522 .
(3) صحيح مسلم ( 1 / 370 - 371 ) رقم521 - 522 - 523 .
(4) مسند الإمام أحمد ( 2 / 82 - 96 ) .
(5) صحيح ابن خزيمة ( 1 / 132 ) .
(6) انظر : التمهيد لابن عبد البر ( 5 / 117 - 220 ) ، وفتح الباري ( 1 / 534 ) .
(7) سنن أبي داود المطبوع مع عون المعبود ( 2 / 154 ) .
(8) سنن الترمذي المطبوع مع تحفة الأحوذي ( 2 / 260 ) .

(9) انظر . فتح الباري ( 1 / 534 ) .
(10) انظر : إغاثة اللهفان لابن القيم ( 1 / 150ـ 157 ) ، والفتاوى لابن تيمية ( 21 / 479 ) .
(11) انظر : فتح الباري ( 1 / 533 ) وبداية المجتهد ( 1 / 118 ) ، والفتاوى لابن تيمية ( 1 2 / 347 ) .
(12) انظر : المدونة الكبرى لمالك ( 1 / 90 ) ، والكافي لابن عبد البر ( 1 / 239 ) .