كلا لينبذن في الحطمة

زياد أبو رجائي


كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ
{ كلا } : كلمة زَجْر ورَدْع ومعناها : ( انْتَهِ لا تفعل ) ، ويقال فيها تارة حرف جواب وتصديق ومعناه : ( نعم سوف يقذفن في النار ) ، ويقال فيها حرف بمعنى حقا ومعناه : حقا ليقذفن في النار .
{ لينبذنّ } : جواب قسم محذوف أُكـّد بنون التوكيد الثقيلة
{ النبذ } : طرحك الشيء من يدك أَمامك أَو وراءك ، ونبذت الشيء أَيضاً إِذا رميته وأَبعدته ونحيته جانبا ً .
وتم اختيار لفظة لينبذن :إشارة لهم انه سينحيهم مكانا بعيدا في نار جهنم كناية عن اتساعها وهي وهي التي تقول هل مزيد ! . والمكان البعيد في جهنم اسمه الحطمة وعناها النار الشديدة .
{ الحُطَمَة } : اسم من أَسماء النار نعوذ بالله منها لأنها تَحْطِمُ ما تَلْقى ، وتعني :كسر الشيء اليابس
والحُطَمَةُ من أَبنية المبالغة وهو الذي يَكْثُرُ منه الحَطْمُ ومنه سميت النار الحُطَمَةَ ، لأنها : تَحْطِمُ كل شيء ( 1 ) .
ولها طبقات سبع تسمى الأولى كما قيل : جهنم والثانية لظى والثالثة الحطمة والرابعة السعير والخامسة سقر والسادسة الجحيم والسابعة الهاوية وقد تسمى النار جميعا باسم الطبقة الأولى وبعض الطبقات باسم بعض لأن لفظ النار بجمعها وتسمية تلك الطبقات دركات لكونها متداركة متتابعة بعضها تحت بعض و الدرك كالدرج إلا أنه يقال باعتبار الهبوط والدرج باعتبار الصعود وفى كون المنافق فى الدرك الأسفل إشارة الى شدة عذابه ( 2 )
لماذا اختار الله ( الحطمة ) من بين اسماء النار الأخرى ؟
والجواب : تناسب قول الله – جل وعلا – الحطمه : إشارة منه للمال والعدد بأنه من حطام الدنيا ، لأن تقول العرب : حُطامُ الدنيا لكلُّ ما فيها من مال وانه يَفْنى ولا يبقى .

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ

{ ما } : للتعجب وعلى التعظيم لشأنها والتفخيم لأمرها ، فهذا الاستفهام للتهويل والتفظيع حتى كأنها ليست مما تدركه العقول وتبلغه الأفهام.
{ ما } استفهاما وعواقبها الخبر كقوله ؛ أي :ما أدراك أي شيء الحطمة
هذه مبالغة في وصفه
والمعنى : أَيُّ شيء أَعْلَمَك ما الحُطَمة ؟

نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ

وفي إضافتها إليه سبحانه ووصفها بالإيقاد من تهويل أمرها .
وقودها الناس والحجارة ، والوَقُود ما تُوقَدُ به النار وكل ما أُوقِدَتْ به فهو وَقُود ، وَقود و وُقود على الوجهين إلا ان سيبويه قال : والأَكثر أَن الضم للمصدر والفتح للحطب . فتأمل الآية (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (البقرة : 24 )) .
والنار في عقيدة اهل السنة والجماعة مخلوقة لا تفنى ولا تبيد ( 3 )



(1) لسان العرب باب حطم ( 12/ 137 )
(2) روح المعاني – ( 5/ 177 )
(3) حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية فأنكرت ذلك وقالت : بل ينشئهما الله يوم القيامة ! ! وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد وخير دليل على ذلك : كتاب الله ، قوله تعالى عن الجنة : { أعدت للمتقين } { أعدت للذين آمنوا بالله ورسله } وعن النار : { أعدت للكافرين } { إن جهنم كانت مرصادا * للطاغين مآبا } وقال تعالى : { ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى } [ وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ورأى عندها جنة المأوى كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة الإسراء
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري [ عن عبد الله بن عباس قال : انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه : فقالوا : يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت ؟ فقال : إني رأيت الجنة وتناولت عنقودا ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : بكفرهن قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت خيرا قط ! ! وفي صحيح مسلم من [ حديث أنس : وايم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا قالوا : وما رأيت يا رسول الله ؟ قال : رأيت الجنة والنار . ونظائر ذلك في السنة كثيرة
وأما الإحتجاج بقوله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } : أن المراد كل شيء مما كتب [ الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء وكذلك العرش فإنه سقف الجنة وقيل : المراد إلا ملكه وقيل : إلا ما أريد به وجهه وقيل : إن الله تعالى أنزل : { كل من عليها فان } فقالت الملائكة : هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون فقال : { كل شيء هالك إلا وجهه } لأنه حي لا يموت فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت
وقد دلت السنة المستفيضة أنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله : وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار.