أحكام البيوع
يوسف بن عبد اللّه الأحمد



حكم البيع:
جائز بالإجماع. قال الله - تعالى -: (وأحل الله البيع وحرم الربا).
تعريف البيع:
البيع في اللغة: أخذ شيء وإعطاء شيء.
البيع في الاصطلاح: مبادلة مال بمال ولو في الذمة أو منفعة مباحة بمثل أحدهما على التأبيد غير ربا وقرض.
شرح التعريف:
· المال: كل عين مباحة النفعة فهو مال، ومن أمثلته: السيارة الثوب القلم الذهب البيت...
· ولو في الذمة: أي أن الثمن أو المثمن في البيع غير حاضر في مجلس العقد، فيصبح ديناً على صاحبه، ومثاله: بيع سيارة حالة، وثمنها مؤجل بأقساط شهرية.
· أو منفعة مباحة: أي أن البيع قد يقع على منفعة، والمنفعة ليست عيناً ومثالها بيع منفعة الرقم الهاتفي كبيع بطاقة الإنترنت، أو بطاقة سوا للجوال.
صور البيع التسع:
يظهر من تعريف البيع أنه لا يخرج عن تسع صور، وهي:
1- بيع عين بعين، مثاله: (بيع قلم بريال).
2- بيع عين بدين، مثاله: (بيع قلم حال بريال بعد أسبوع).
3- بيع عين بمنفعة، مثاله: (بيع قلم ببطاقة انترنت).
4- بيع دين بعين، مثاله: (بيع قلم بعد أسبوع بريال حال) وهذه صورة بيع السلم.
5- بيع دين بدين، مثاله: (بيع قلم بعد أسبوع بريال بعد شهر) وهذا هو بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه.
1- بيع دين بمنفعة، مثاله: (قلم بعد أسبوعا ببطاقة انترنت).
2- بيع منفعة بعين، مثاله: (بيع بطاقة انترنت بعشر ريالات).
3- بيع منفعة بدين، مثاله: (بيع بطاقة انترنت بعشرة ريالات مؤجلة).
4- بيع منفعة بمنفعة، مثاله: (بيع بطاقة انترنت ببطاقة سوا جوال).
قوله في التعريف: (على التأبيد): قيد يخرج الإجارة؛ لأن الإجارة بيع مؤقت للمنفعة.
قوله في التعريف: (غير ربا وقرض) الربا والقرض في صورتهما الظاهرة تشبه البيع، ولم يمكن إخراجهما من تعريف البيع إلا بذكرهما بالاسم.
أركان البيع:
أ- عاقد "البائع والمشتري".
ب- معقود عليه "الثمن و المثمن".
ج- صيغة "الإيجاب والقبول".
والصيغة نوعان:
1- قولية، مثل: (أن يقول الإنسان بعت ويرد علية الآخر اشتريت).
2- فعلية، وهو الذي يسمى ببيع المعاطاة، ومثاله: أن يأخذ المشتري البضاعة ويعطي البائع الثمن دون أن يحصل بينهما كلام.
ومن أمثلته المعاصرة: البيع بالفاكس، والمراسلة، والشراء عن طريق الإنترنت، والآلات التي تبيع بمجرد وضع الريال فيها.
من القواعد المهمة في باب البيوع:
1) قاعدة: الأصل في البيوع الحل والإباحة.
وهذه من أهم القواعد الشرعية في باب البيوع ودليلها قوله - تعالى -: (وأحل الله البيع وحرم الربا). فلو استجد بين الناس نوع جديد من البيع، فإنه إذا لم يرد فيه دليل على التحريم فإنا نستصحب الأصل وهو الحل.
2) قاعدة: العبرة في العقود والمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني.
فلو قال إنسان وهبتك سيارتي بخمسين ألف ريال. فهو بيع وليس هبة؛ لأن العبرة في العقود المقاصد لا الألفاظ.
شروط البيع:
ذكر الفقهاء سبعة شروط، وهي:
الشرط الأول: التراضي.
والدليل قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)(النساء 29).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما البيع عن تراض)) أخرج ابن ماجة بسند صحيح.
وهذا الشرط يخرج بيع المكره بغير حق، ويخرج بيع الهازل، فإن بيعهما لا يصح.
الشرط الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف.
وجائز التصرف: هو الحر، المكلف، الرشيد. فالحر يخرج العبد، والمكلف يخرج الصغير والمجنون، والرشيد يخرج السفيه، والسفيه هو الذي لا يحسن التصرف في المال.
والدليل قال الله - تعالى -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (النساء).
فدلت الآية على أن اليتيم لا يعطى ماله إلا بشرطين: البلوغ والرشد.
أما العبد فلأنه مملوك لا ملك له فليس له مال حتى يتصرف فيه إلا بإذن سيده.
الشرط الثالث: أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة:
فكل عين نفعها مباح يجوز بيعها كالسيارة والكتاب والبيت والثوب والحديد...
أما ما لا يجوز الانتفاع به فلا يجوز بيعه ومن أمثلته: بيع الخمر - المخدرات - أشرطة الغناء - أشرطة الفيديو التي تعرض صور النساء - الدخان - المجلات والصحف التي تحمل صور النساء - الدشوش التي تستقبل القنوات الفضائية التي تنشر ما حرم الله - الألعاب المحرمة.
ومن أدلة هذا الشرط: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ)) أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: ((إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: لَا هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)) أخرجه البخاري ومسلم.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ)) أخرجه أحمد والترمذي والدارمي واللفظ له بسند صحيح، وفي رواية عند أحمد بسند صحيح: ((النار أولى به)).
مسألة: حكم بيع السنور[الهر]:
الراجح: أنه لا يجوز بيع السنور، و هو قول ابن حزم، ورواية عن أحمد، واختيار ابن القيم - رحمهم الله -؛ لما روى مسلم في صحيحه عن أبي الزبير قال: سألت جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن ثمن الكلب والسنور، فقال: " زجر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -" قال ابن حزم: "الزجر أشد النهي" [المحلى 7/498] وانظر زاد المعاد[5/773].
مسألة: حكم بيع الكلب:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز مطلقا. وهو قول الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة وقول ابن حزم وابن القيم).
واستدلوا: بحديث ابن مسعود: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن" متفق عليه.
القول الثاني: يجوز مطلقاً. وهو مذهب الحنفية، واستدلوا بأدلة القول الثالث.
القول الثالث: التفصيل: يجوز بيع الكلب المأذون باقتنائه، ولا يجوز بيع الكلب المنهي عن اقتنائه. وهو قول بعض الحنابلة.
واستدلوا: بحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن ثمن الكلب إلا كلب صيد".
وحديث جابر بلفظ: " إلا الكلب المعلم "، وقد ضعف الحديثين الترمذي والنسائي والدار قطني والبيهقي وابن حزم وابن القيم، وقال النووي: "كلها ضعيفة باتفاق المحدثين".
قال ابن التركماني في الجوهر النقي (6/7): " الاستثناء روي من وجهين جيدين: من طريق الوليد بن عبيدالله عن عطاء، عن أبي هريرة. ومن طريق الهيثم عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير - إلى أن قال - وهذا إسناد جيد، فظهر أن الحديث صحيح، والاستثناء زيادة على أحاديث النهي عن ثمن الكلب فوجب قبولها ".
وحسنه الألباني في صحيح الجامع ح 6947. وقد بحث هذا الحديث حسين سليم في تحقيقه لمسند أبي يعلى (3/429) وقال: " ويشهد له أيضاً ما أخرجه أبو حنيفة في مسنده برقم (341) بسند صحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمن كلب الصيد ".
الترجيح:
الخلاف قوي، ولعل القول الثالث: هو الأقرب؛ إذا ثبتت الزيادة في حديث جابر وأبي هريرة وابن عباس - رضي الله عنهم -. ولأنه إذا جاز اقتناؤه جاز وسيلة اقتنائه وهي الشراء. والله أعلم.
الشرط الرابع: أن يكون العقد من مالك أو من يقوم مقامه:
ودليله حديث حكيم بن حزام قال: يا رسول الله يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي، أفأبتاعه له من السوق؟ فقال: ((لا تبع ما ليس عندك)) أخرجه أصحاب السنن بسنده صحيح، وصححه ابن حزم وصححه الألباني كما في الإرواء (5/132).
مسألة: حكم بيع الفضولي (وهو الذي يبيع ملك غيره بغير إذنه).
الراجح من قولي العلماء: جوازه إذا أجازه المالك، وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن الإمام أحمد؛ لحديث عروة ابن الجعد: " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ " متفق عليه.
فعروة - رضي الله عنه - باع إحدى الشاتين دون إذن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الشرط الخامس: القدرة على تسليم المعقود عليه.
وقد مثل له الفقهاء ببيع الطير في الهواء والسمك في الماء. فالبائع يملك الطير ولكنه فلت منه فباعه بقيمة منخفضة فيشتريه مشتر لعله أن يمسك به، وقد وقع البائع حينئذ في بيع الغرر (والغرر هو التردد بين الغنم والغرم)، فالمشتري قد يمسك بالمبيع وقد لا يستطيع الإمساك به، وهذا هو الغرر.
دليله: حديث حكيم بن حزام مرفوعاً: "لاتبع ما ليس عندك " أخرجه أصحاب السنن وإسناده صحيح. (الإرواء 5/132) وأصرح منه في الدلالة حديث أبي هريرة: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر " أخرجه مسلم.
ومن الأمثلة التي ذكرها الفقهاء: بيع الآبق (العبد الهارب)، وبيع الشارد (البعير الهارب)، وبيع مغصوب من غير غاصبه أو قادر على أخذه.
الشرط السادس: أن يكون المبيع معلوما عند المتعاقدين.
فلا يصح بيع المجهول، ومن أمثلة بيع المجهول: بيع سيارة بثلاثين ألف ريال. دون رؤية السيارة أو معرفة أوصافها؛ نوعها وسنة تصنيعها وغير ذلك.
ومن الأمثلة: قول بائع الثياب للمشتري: سأرمي حصاة على البضاعة فأي ثوب وقعت عليه الحصاة فهو عليك بعشر ريالات، والثياب متفاوتة في نوعها وأقيامها.
ويتحقق العلم بالمبيع بحسب نوع المبيع:
1- الرؤية، ويلحق بها الشم والذوق واللمس والعد بحسب نوع المبيع.
2- الوصف.
دليله: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصى وبيع الغرر " رواه مسلم.
وعن أَبَي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُنَابَذَةِ وَهِيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَنَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُلَامَسَة ُ لَمْسُ الثَّوْبِ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ" أخرجه البخاري.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَة ِ " أخرجه البخاري.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَة ِ وَالْمُعَاوَمَة ِ وَالْمُخَابَرَة ِ قَالَ أَحَدُهُمَا بَيْعُ السِّنِينَ هِيَ الْمُعَاوَمَةُ وَعَنِ الثُّنْيَا وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا " أخرجه مسلم.
وعند الترمذي والنسائي وأبي داود بسند صحيح: " وعن الثنيا إلا أن تعلم ".
أثر ابن عباس ù: " أنه نهى أن يباع صوف على ظهر، أو لبن في ضرع " رواه ابن ماجة مرفوعاً. قال البيهقي: "والمحفوظ أنه موقوف". وصححه النووي موقوفاً كما في المجموع9/326. وقال ابن حجر في بلوغ المرام: "وأخرجه أيضاً-يعني أبا داود-موقوفاً على ابن عباس بإسناد قوي".
الشرط السابع: أن يكون الثمن معلوما للمتعاقدين.
أدلته هي أدلة الشرط السادس ومن ذلك حديث أبي هريرة: " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر " رواه مسلم.
مسائل تفريق الصفقة الثلاث:
1- بيع معلوم ومجهول (هذه الفرس وما في بطن الأخرى): صح في المعلوم دون المجهول.
2- بيع ملكه وملك غيره (لو باع مشاعاً بينه وبين غيره كعبد مشترك بينهما): صح في ملكه فقط، والراجح: صحة البيع لملك غيره إذا أجازه المالك، كما سبق في بيع الفضولي.
3- بيع حلال وحرام (لو باع خلاً وخمراً صفقة واحدة): صح في الحلال دون الحرام.
البيوع المنهي عنها
1- البيع والشراء بعد النداء الثاني ممن تلزمه الجمعة.
قال الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة 9).
2- بيع المباح لمن يستعمله في محرم؛ كبيع العصير لمن يتخذه خمرا. فعن بريدة مرفوعاً: (( من حبس العنب أيام القطاف، حتى يبيعه ممن يتخذه خمراً، فقد تقحم النار على بصيرة )) قال ابن حجر في البلوغ: " رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن ".
ومن أمثلته التي ذكرها الفقهاء: بيع السلاح في فتنة بين المسلمين أو لأهل الحرب أو لقطاع الطرق. وبيع القدح لمن يشرب به خمراً. وبيع الجوز والبيض لمن يستعمله في القمار.
ومن الأمثلة المعاصرة:
3- بيعه على بيع أخيه، وشراؤه على شراء أخيه؛ لحديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: ((لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ)) أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
وله أربعة مواضع:
1- إذا ركن إليه أي عزم على الشراء ولم يشتر بعد.
2- خيار المجلس.
3- خيار الشرط.
4- بعد انعقاد البيع.
4- سومه على سوم أخيه، والدليل: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: ((لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَتِهِ)) أخرجه مسلم.
5- بيع الحاضر للباد؛ أي أن يكون له سمساراً، لما في ذلك من التضييق على الناس، لأن بيع البدوي ونحوه ممن لا يعرف السوق سيكون شراء الناس منه بسعر أقل مما لو تدخل سمسار يعرف حال السوق.
عن طاووس عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد)) قلت لابن عباس: ما قوله: ولا يبع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً ". متفق عليه واللفظ للبخاري.
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يبع حاضر لباد وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) صحيح أبي داود ح 3442.
6- تلقي الجلب. (الركبان) وهو من يأتي ببضاعة يبيعها في السوق فيخرج له بعض أهل السوق فيشترون منه البضاعة قبل أن يدخل بها السوق بسعر أقل. فهذا التلقي محرم، والبيع صحيح، ويثبت الخيار للبائع.
ومثاله في واقعنا سوق حراج السيارات؛ فبعض أصحاب المعارض يخرج من السوق ويتلقى البائع قبل أن يدخل السوق ويشتري منه السيارة. ونهي الشرع هنا لمصلحة البائع لأنه ربما يغبن فيبيع بسعر أقل من السوق.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلقوا الجلب، فمن تُلُقِّي فاشتُري منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار)) رواه مسلم.
ولفظ أبي داود: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تلقي الجلب فإن تلقاه متلقٍ فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار، إذا وردت السوق " أخرجه أبو داود.
7- بيع العينة. وهو محرم؛ لحديث ابن عمر مرفوعاً: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح.
صورة بيع العينة: أن يشتري شيئاً نقداً بدون ما باع به نسيئة.
ومثاله: أن يشتري خالد سيارة من محمد ب-100، 000ريال مؤجلة بعد سنة أو بالأقساط الشهرية، ثم يشتري محمد السيارة من خالد ب-90، 000ريال حالة، فكأن خالداً اقترض من محمد90، 000ريال على أن يردها بعد سنة100، 000ريال، وهو حرام؛ لأنها حيلة على الربا وذريعة إليه.
8- مسألة: بيع التورق
مثاله: أن يحتاج زيد مبلغاً من المال فلا يجد من يقرضه، فيذهب إلى محمد فيشتري منه سيارة ب-80.000 ريال يسددها أقساطاً خلال خمس سنوات، ثم يبيعها زيد على شخص آخر ب-70.000ريال حالة.
حكمه: اختلف أهل العلم في حكمه على قولين:
القول الأول: الجواز. وهو مذهب الحنابلة والشافعية، واختاره من المعاصرين ابن باز وابن عثيمين، وبعضهم قال بجوازه مع الكراهة.
القول الثاني: المنع. وهو رواية عن الأمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمهم الله -.
واستدل أصحاب القول الثاني: بأن مقصود المشتري هو النقد لا السلعة فيكون فيه معنى الربا.
واستدل أصحاب القول الأول: بأن البيع صحيح وتام بشروطه وليس فيه حيلة على الربا.
أما قولهم: إن قصد المشتري هو النقد: فليس علة مانعة من صحة البيع، فالتجار مقصدهم النقد بالبيع والشراء لا الحاجة إلى السلعة.
ويحرم التورق إذا كان حيلة على الربا، وذلك إذا كان بين الثلاثة تواطؤ.
ومثاله: أن يحتاج زيد مبلغاً من المال فلا يجد من يقرضه، فيذهب إلى محمد فيشتري منه (قهوة أو شاياً) مثلاً ب-- 1000 ريال بالأقساط، ثم يبيعه زيد على سعد ب-- 900 ريال حالة، ثم يبيعه سعد على محمد (البائع الأول) ب-- 950 ريال. فترجع البضاعة إلى بائعها الأول.
ويتكرر ذلك ويسميه العامة بالدين، فتباع هذه البضاعة عشرات المرات وهي في مكانها، وربما بعضهم احتال فحركها من مكانها. واشتهر هذا النوع من التورق المحرم فيما يسمى ببيع الصابون.
ومن الأمثلة المعاصرة على بيع التورق ما يسمى ب--(بيع المرابحة، أو بيع الآمر بالشراء) وقد اشتهر هذا البيع وانتشر انتشاراً عظيماً بين الناس اليوم وأكثر من يقوم به البنوك بأنواعها، ويصح هذا البيع وفق الشروط الآتية:
1- أن يتملك البائع السلعة ملكاً حقيقياً.
2- أن يحوزها إليه ولا يبيعها حيث ابتاعها.
3- أن يكون المشتري حراً بعد ذلك بين الشراء أو الترك. (بمعنى أن العقد لا يتم قبل أن يتملكها البائع).
1- إذا كان المشتري سيقوم بتثبيت الراتب في البنك فيشترط في البنك ألا يكون ربوياً؛ لأن تثبيت الراتب فيه يعني إعانته على الربا، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان.
9- بيع النجش. وهو زيادة في الثمن ممن لا يريد الشراء.
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((لَا يَبْتَاعُ الْمَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ)) أخرجه البخاري ومسلم.
10- بيع عسب الفحل وضرابه.
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عَسْبِ الفحل ". أخرجه البخاري ح 2284.
وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " نهى عن بيع ضراب الجمل ". أخرجه مسلم.
(الفحل: الذكر من كل حيوان فرساً كان أو جملاً أو تيساً أو غير ذلك. والعسب: ماء الفحل. وضراب الجمل: جماعه. انظر فتح الباري 4/539).
وفي الحديثين دليل على حرمة بيع ماء الفحل أو تأجير الفحل من أجل الضراب.
11- بيع العربون. وهو أن يعطي البائع جزءاً من الثمن، على أنه إن تم البيع حسب من الثمن وإلا فهو للبائع. وقال كثير من أهل العلم بمنعه، والراجح صحته وهو مذهب الحنابلة؛ لأن ما روى في النهي عنه ضعيف وهو حديث عبدالله بن عمرو قال: " نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع العُربان " أخرجه مالك وأحمد وأبو داود وابن ماجة بسند ضعيف. فنبقى على أن الأصل في البيوع: الحل، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمنون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)). ويعضد هذا: أثر عمر بن الخطاب. قال البخاري: " واشترى نافع بن عبدالحارث داراً للسجن بمكة من صفوان بن أمية، على إن رضي عمر فالبيع بيعه وإن لم يرض عمر فلصفوان أربعمائة دينار " أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم، ووصله عبدالرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي وسكت عنه ابن حجر في الفتح (5/91).
وأشار الألباني إلى ضعفه بقوله: " وعبدالرحمن هذا - يريد ابن فروخ - أشار الذهبي إلى أنه مجهول، لم يرو عنه إلا ابن دينار " (مختصر صحيح البخاري 2/132).
12- التسعير: وهو إلزام الناس بالبيع بسعر لا يجاوزونه، وهو محرم إلا إذا تضمن دفع الظلم عن الناس لحديث أَنَسٍ قَالَ: " غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ)) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح.
13- الاحتكار: حبس البضاعة عند المشتري مع حاجة الناس إليها حتى يرتفع ثمنها. وهو محرم لحديث مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ )) أخرجه مسلم.
ويدخل في معنى الاحتكار: حق الامتياز بحيث لا يبيع هذه النوع في هذه البلد إلا شخص واحد يتحكم في سعرها مع حاجة الناس إليها. والصحيح أن تكون السوق منافسة، وهذا هو الأصلح لعموم الناس وبقية التجار فلا احتكار ولا تسعير كما جاء في حديث جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يبع حاضر لباد وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) أخرجه أبو داود بسند صحيح.
ولكن لو خص البائع وكيلاً واحداً لبيع بضاعته في دولة معينة فهذا جائز.
14- التصرف في المبيع قبل قبضه.
الراجح في هذه المسألة أنه لا يجوز التصرف في المبيع قبل قبضه. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، ورواية عن أحمد، اختارها ابن تيمية - رحمهم الله -.
والدليل: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه)) قال ابن عباس: "ولا أحسب كل شيءٍ إلا مثله" متفق عليه.
وهذا الحديث: نص في اشتراط القبض قبل التصرف في المبيع إذا كان طعاماً، والذي فهمه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن كل ما يباع مثله في الحكم، وفهم الصحابي للحديث مقدم على غيره.
وضابط القبض هو العرف على الصحيح، فقد يكون بكيله، وقد يكون بالإيواء إلى الرحل، وقد يكون بالنقل من مكانه، وقد يكون بالتخلية كالعقار، وقد يكون بتسليمه باليد كالذهب والفضة والأوراق النقدية، ويدخل في ذلك أيضاً الشيك المصدق فإنه قبض، وكذا القيد في دفاتر المصرف لمن يريد استبدال عملة بأخرى مودعة في المصرف. وقد صدر فيهما قرار من مجلس المجمع الفقهي بالرابطة عام 1409 ه- (مجلة المجمع الفقهي 10/312).
وذلك: لأن الشارع لم يبين كيفية القبض، وليس له ضابط محدد في اللغة فيرجع فيه إلى العرف، كما في القاعدة الفقهية: "كل ما ورد من الشرع ولا ضابط له فيه ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف" والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالقبض دون تحديد لكيفيته، فمرة يأمر بالكيل، ومرة يأمر بنقله من مكانه، ومرة بإيوائه إلى رحله، وهذا يؤكد الضابط السابق، والله أعلم.
مسألة: إذا تلف المبيع بآفة سماوية قبل قبضه انفسخ العقد.
والدليل عليه: حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو بعت من أخيك ثمراً، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق)) أخرجه مسلم ح 1554.
من المسائل المعاصرة في البيوع والمعاملات:
1 - بيع التقسيط:
مثاله: أن يشتري زيد من الوكالة سيارة (حالّة)، وقيمة السيارة يدفعها (مؤجلة) بالأقساط الشهرية؛ كل شهر ألفا ريال مثلاً.
تحرير محل النزاع:
الصورة الأولى: أن تكون قيمة السيارة حالّة وبالتقسيط سواء. (وهذه جائزة بالإجماع).
الصورة الثانية: أن تكون قيمة السيارة حالّة بسعر، وبالتقسيط بسعر أكثر. (وهذه محل النزاع).
الأقوال في محل النزاع:
القول الأول: الجواز. وهو قول عامة أهل العلم من المعاصرين ولم أجد من منعها من المتقدمين.
القول الثاني: التحريم. وهو قول الشيخ الألباني والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق من المعاصرين، ولم أجد من قال بقولهم من المتقدمين.
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول:
1 - أن الأصل في البيوع الحل، ولا دليل على المنع.
2 - أن الزيادة بسبب الأجل ليست من الربا، بل هي جائزة عند أهل العلم، و قد دل الدليل على حلها ومن ذلك: حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجهز جيشاً فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي وصححه وأقره ابن التركماني، وقال ابن حجر في الدراية: " إسناده قوي ". وحسنه الألباني. (انظر الإرواء 5/205).
أدلة القول الثاني:
حديث أبي هريرة مرفوعاً: " من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا ". أخرجه أبو داود وابن أبي شيبة والبيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في الصحيحة ح 2326. (أوكسهما أنقصهما). قال سماك بن حرب أحد رواة الحديث وهو تابعي (صدوق): " الرجل يبيع البيع فيقول: هو بنساء كذا كذا وهو بنقد كذا وكذا " (مسند أحمد 1/398) وقد وافق سماك عدد من أهل العلم على هذا التفسير منهم: ابن سيرين وطاوس وسفيان الثوري والأوزاعي والنسائي - رحمهم الله - (الصحيحة 5/421).
المناقشة
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
أولاً: إن معنى الحديث أمر مختلف فيه بين أهل العلم على عدة أقوال، وقد ضعف ابن القيم تفسير سماك للحديث في تهذيب السنن (5/106) ورجح ابن تيمية وابن القيم أن المراد بالحديث بيع العينة. قال ابن القيم في تهذيب السنن (5/ 106): " والتفسير الثاني: أن يقول أبيعكها بمائة إلى سنة على أن أشتريها منك بثمانين حالّة؛ وهذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره، وهو مطابق لقوله (فله أكسهما أو الربا) فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي، أو الثمن الأول فيكون هو أوكسهما ".
ثانياً: على التسليم بصحة هذا التفسير للحديث، فإن المعنى الذي ذكره سماك وغيره صحيح (وهو أن يقول: هو بنساء كذا كذا وهو بنقد كذا وكذا)؛ فإن هذه الصورة لا تجوز لأنه لم يجزم بأحد الأمرين فيكون الثمن مجهولاً. وعلى هذا فلا يكون تفسير سماك للحديث في مورد النزاع (ومورد النزاع فيما إذا جزم المشتري بأحد الثمنين وهو المؤجل). والنقول التي أوردها الألباني في الصحيحة (5/ 421) وغيره في تفسير الحديث ليس منهم من ذكر أن المشتري جزم للبائع بأحد الأمرين، بل أكثر النقل يفهم أن البيع انقضى دون تحديد. وإليك بعضٌ منها:
1 - قال الترمذي: " وقد فسر بعض أهل العلم قالوا: بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد االبيعتين، فإذا فارقه على أحدهما فلابأس إذا كانت العقدة على واحدة منهما" (سنن الترمذي 3/524 تحقيق أحمدشاكر).
2 - قال طاوس: " إذا قال: هو بكذا وكذا إلى كذا وكذا، وبكذا وكذا إلى كذا وكذا، فوقع المبيع على هذا فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين ". أخرجه عبد الرزاق وسنده صحيح. ومثله عن سفيان الثوري والأوزاعي (فانظر الصحيحة 5/421).
3 - قال ابن القيم: " أن يقول: بعتك هذا الثوب نقداً بعشرة، وبنسيئة بخمسة عشر؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد، وإذا جهل الثمن بطل البيع ". (تهذيب السنن 5/98).
وبهذا يظهر رجحان القول بجواز بيع التقسيط. والله أعلم. (انظر مجلة المجمع الفقهي العدد: 6 الجزء: 1. وبيع التقسيط في الفقه الإسلامي. للشيخ سليمان التركي. رسالة ماجستير بجامعة الإمام).
2 - التأجير المنتهي بالتمليك
وله صور كثيرة، وفيه خلاف بين الفقهاء المعاصرين، والأقرب إلى الرجحان: أنه عقد جائز على الأرجح إذا كان تأجيراً حقيقياً مع الوعد بالتمليك. (فيقول المؤجر للمستأجر: إذا التزمت بسداد الأجرة في وقتها فهو وعد منا لك بتملكك السيارة، أو عند الانتهاء من دفع أجرتها يقول البائع: إذا رغبت في تملكها فادفع عشرين ألفاً أو نحو ذلك). والدليل على جوازه: أن الأصل في العقود والمعاملات الحل ولا دليل صريح في تحريم هذا النوع من العقود، وقد صدر بجوازه قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع للمؤتمر.
3 - التأمين التجاري.
صورته: أن يدفع المشترك مبلغاً محدداً لشركة التأمين مقابل ضمان المؤمن عليه إذا تلف.
أنواعه: أنواعه كثيرة منها:
أ - التأمين على النفس؛ فالمشترك يدفع مبلغاً شهرياً أو سنوياً لشركة التأمين فإذا أصيب بكسر أو جرح أو مرض ونحوه فإن الشركة تدفع قيمة العلاج.
ب - التأمين على البضائع التجارية فالمشترك يدفع مبلغاً للشركة لتأمين هذه البضاعة التي سيستوردها أو يوردها من بلد إلى آخر، فإذا أصيبت أثناء الطريق بتلف أو غرق أو حريق فإن شركة التأمين تدفع قيمة الخسائر.
ج - التأمين على السيارة.
د - التأمين على أجزاء من السيارة (كالمحرك)، وهو منتشر في معارض بيع السيارات ويسمى بالضمان، فتأتي إحدى الورش الكبيرة لإصلاح السيارات إلى السيارات المستعملة في المعارض فتكشف عليها فما تراه بحالة جيدة أعطت الضمان عليه بإصلاحه إذا تلف خلال ستة أشهر مقابل 500 ريال مثلاً.
ه- - التأمين على الرخصة، فإذا أصاب صاحب الرخصة حادث على أي سيارة كان يقودها فإن الشركة تضمن قيمة التلف...
حكمه: التحريم، وذلك لما فيه من الغرر الفاحش والمقامرة، فهو إما غنم بلا مقابل أو غرم بلا جناية، أو مقابل غير مكافئ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن بيع الغرر.
صدر من المجمع الفقه الإسلامي بالرابطة قراراً بتحريم التأمين التجاري بشتى صوره وأشكاله. (مجلة المجمع 6/297).
3 - التأمين التعاوني: وهو عقد تبرع بمبالغ نقدية تخصص لمساعدة المتضررين من المشتركين، ولا يعود للمشتركين لا رؤس الأموال ولا أرباح ولا أي عائد تجاري، وإنما يقصدون ابتغاء ثواب الله بالتعاون في تحمل الضرر بينهم.
وقد أجازه أكثر العلماء المعاصرين، وصدر بشأنه قرار بجوازه من هيئة كبار العلماء بالأكثرية بتاريخ 4/4/1397ه-.
تنبيه: استغل بعض شركات التأمين التجاري هذا القرار في التلبيس على الناس فبعضهم يسمي مؤسسته أو شركته ب (التأمين التعاوني) أو (شركة كذا التعاونية) وبدئوا بنشر قرار هيئة كبار العلماء على عوام الناس والمحلات التجارية تلبيساً على الناس وغشاً لهم.
وتنبه لذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله -، فأصدر بياناً نشر في مجلة البحوث العلمية (50/359)جاء فيه: ".. ظهر في الآونة الأخيرة من بعض المؤسسات والشركات تلبس على الناس وقلب للحقائق حيث سموا التأمين التجاري المحرم تأميناً تعاونياً، ونسبوا القول بإباحته إلى هيئة كبار العلماء من أجل التغرير بالناس والدعاية لشركاتهم، وهيئة كبار العلماء بريئة من هذا العمل كل البراءة؛ لأن قرارها واضح في التفريق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني وتغيير الاسم لا يغير الحقيقة، ولأجل البيان للناس وكشف التلبيس ودحض الكذب والافتراء صدر هذا البيان.
الشروط في البيع
وهي قسمان:
القسم الأول: شروط صحيحة. وهي ثلاثة أنواع:
1- شرط مقتضى العقد، كالتقابض.
2- شرط ما كان من مصلحة العقد، كالرهن وتأجيل الثمن.
3-شرط بائع أو مشتري نفعاً معلوماً في مبيع، مثل: اشتراط البائع سكنى الدار شهراً. ومثل: اشتراط المشتري على البائع إيصال البضاعة إلى المنزل، أو تركيبها.
مسألة: حكم الجمع بين البيع وشرطين. مثل: أن يشترط المشتري على البائع حمل الحطب وتكسيره.
المذهب: أنه لا يجوز، والراجح: الجواز؛ لحديث أبي هريرة مرفوعاً: " المسلمون على شروطهم " أخرجه أبو داود وغيره وهو صحيح بمجموع طرقه وشواهده. ولا دليل صريح في المنع. أما حديث ابن عمر مرفوعاً: " ولا شرطان في بيع…" فالمراد به: بيع العينة، وهو اختيار ابن تيمية.
القسم الثاني: شروط فاسدة. وهي ثلاثة أنواع:
1- شرط يبطل العقد. كاشتراط عقد آخر-مثاله: أبيعك بيتي بشرط أن تبيعني سيارتك. الدليل: حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " نهى عن بيعتين في بيعة " رواه الترمذي وصححه الألباني (الإرواء ح1307) على أحد الأقوال في تفسير الحديث وهو تفسير الشافعي رخمه الله.
فائدة: ذكر الشيخ ابن عثيمين جواز هذا الشرط ما لم يتضمن محظوراً شرعياً، فإن وجد حرم لهذا المحظور كبيع وسلف، فإن فيه ذريعة إلى الربا؛ لأنه لا يسلفك إلا إذا أنزلت في سعر المبيع فيكون قرضاً جر نفعاً، أما الحديث: فمحمول على بيع العينة، وما كان ذريعة إلى الربا.
2- شرط يصح معه العقد ويبطل الشرط. وضابط هذا النوع: كل شرط يخالف مقتضى العقد.
دليله: حديث بريرة، فعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: " جَاءَتْ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: خُذِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ((أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَأَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ فَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ أَعْتِقْ يَا فُلَانُ وَلِيَ الْوَلَاءُ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ )) أخرجه البخاري ومسلم.
ومن الأمثلة على هذا النوع: اشتراط ألا خسارة على المشتري، أو أن لا يبيعه المشتري.
3- مالا ينعقد معه البيع. وضابط هذا النوع: كل بيع علق على شرط في المستقبل.
مثاله: بعتك إن رضي زيد، وقال شيخ الإسلام: يصح البيع والشرط، وهو إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأنه كخيار الشرط ولا فرق.
الربا:
الأمور التي يجري فيها الربا:
أولاً: أجمع العلماء على جريان الربا في الأعيان الستة المنصوص عليها في حديث أبي سعيد وغيره، وهي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح.
ثانياً: هل يقاس عليها غيرها؟.
القول الأول: يقاس عليها غيرها. وهو قول جماهير الأمة.
القول الثاني: منع القياس. وهو قول الظاهرية، واختاره الصنعاني في سبل السلام.
والصواب هو القول الأول لأن القياس دليل متقرر في الشريعة، فإذا كان الحكم معللاً قيس عليه ما وافقه في العلة. وهذا ما عليه جماهير الأمة والمحققين منها.
ثالثاً: ما هي علة الربا؟
اختلف العلماء في القياس على هذه الأصناف