فضائل سورة البقرة

الشيخ هشام العارف

سورة البقرة أطول سور القرآن ، وهي مدنية ، قال ابن العربي : "سمعت بعض أشياخي يقول : فيها ألف أمر ، وألف نهي ، وألف حكم ، وألف خبر" . وذكر مالك في الموطأ أنه بلغه : أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها.
لما اشتملت سورة الفاتحة على أحكام الألوهية والعبودية ، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم اشتمالاً إجمالياً ، جاءت سورة البقرة التالية ـ في الترتيب الموضوعي ـ لتفصل تلك المقاصد ، وتوضح ما اشتملت عليه سورة الفاتحة من هدايات وتوجيهات.
فضائل سورة البقرة
1/ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة" رواه مسلم ، والنسائي ، والترمذي ، وهو في "صحيح الترغيب والترهيب" (1458) .
2/ وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : "اقرؤوا سورة البقرة في بيوتكم ، فإن الشيطان لا يدخل بيتاً يقرأ فيه سورة البقرة". رواه الحاكم موقوفاً ، ومرفوعاً وهو في "صحيح الترغيب والترهيب" (1463).
2/ ذكرنا في فضائل سورة الفاتحة حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وفيه : "أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك ؛ فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا اعطيته" .
3/ وعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن لكل شيء سناماً ، وإن سنام القرآن سورة البقرة" . رواه ابن حبان في "صحيحه" ، ورواه الترمذي عن أبي هريرة .
4/ وأخرج مسلم ، والبيهقي ، وأحمد ، والطبراني في "الكبير" وهو في الصحيحة (3992) عن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : "اقرؤوا القرآن ؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ؛ اقرؤوا الزهراوين : البقرة ، وسورة آل عمران ؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان ، أو كأنهما غيايتان ، أو كأنهما فرقان من طير صوافّ ، تحاجان عن أصحابهما؛ اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة" . قال معاوية بن سلام : بلغني أن البطلة : السحرة
من فوائد الحديث :
* حث النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن ، ومعنى اقرؤوا القرآن : أي داوموا على قراءته .
* القرآن يشفع لصاحبه .
* وأكد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قراءة سورة البقرة وسورة آل عمران وسماهما الزهراوين ، والزهراوين تثنية الزهراء تأنيث أزهر وهو المضيء الشديد الضوء ، لكثرة ما فيهما من نور الأحكام الشرعية ، وما فيها من مسائل الإيمان الغيبية ، ولكثرة ما فيهما من أسماء الله الحسنى ، أو لما فيهما من عظيم الهدى والخير .
* بين النبي في الحديث فضيلة تدبر سورة البقرة ، وسورة آل عمران ، وأنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان بمعنى سحابتان تظلان قارئهما من حر الموقف. وهو المعنى الذي أفاده من قوله : أو كأنهما فِرقان من طير صواف؛ بمعنى: قطيعان من طير باسطات أجنحتها متصل بعضها ببعض .
* وأكد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سورة البقرة وخصها ، فإن أخذها يعني المواظبة على قراءتها ، وتدبرها ، والعمل بالأحكام الشرعية الواردة فيها؛ فيه البركة والخير والنماء ، وتركها حسرة لما يفوت العبد المسلم من ثواب لانقطاعه عنها .
* بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن البطلة وهم السحرة لا تستطيعها.
6/ أخرج الإمام أحمد ، وابن نصر في "قيام الليل" ، والطحاوي في "مشكل الآثار" ، والحاكم ، وغيرهم . وحسنه شيخنا في "الصحيحة" (2305) عن عائشة مرفوعاً : "من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر" .
ومعنى حبر : أي عالم ، والمقصود من السبع الأول : البقرة ، وآل عمران ، والنساء، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والتوبة .
تفسير آيات سورة البقرة
الم(1)
هي وأمثالها من الحروف المقطعة نحو (المص) و (المر) حروف للتنبيه كألا ، ويا ، ونحوهما مما وضع لإيقاظ السامع إلى ما يلقى بعدها ، فهنا جاءت للفت نظر المخاطب إلى وصف القرآن الكريم ، والإشارة إلى إعجازه ، وإقامة الحجة على أهل الكتاب إلى نحو ذلك مما جاء في أثناء السورة .
قال ابن كثير : "ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن ، وبيان إعجازه وعظمته ، وهذا معلوم بالاستقراء وهو الواقع في تسع وعشرين سورة . ولهذا يقول الله تعالى (الم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه) (الم ، الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه ) (المص ، كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ) (الر، كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ) (الم ، تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) (حم ، تنزيل من الرحمن الرحيم) (حم ، عسق ، كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم) وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر ، والله أعلم".
قال قطرب : كان العرب ينفرون من استماع القرآن ، ويوصي بعضهم بعضاً بعدم استماعه ، كما قال سبحانه وتعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فلما نزل : (المص) و (كهيعص) وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم استنكروا هذا اللفظ ، وتاقت نفوسهم إلى معرفة ما يتلوه من الكلام ، فلما أنصتوا أقبل عليهم القرآن بآياته البينات ، مما اضطرهم إلى سماعه ، وهذا من أحد أسباب الحكمة في افتتاح السور بالحروف المقطعة.
وفي تلاوة القرآن أجر عظيم ، فقد أخرج الخطيب في "التاريخ" ، والديلمي ، وهو في "الصحيحة" (660) عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرؤوا القرآن ، فإنكم تؤجرون عليه ، أما إني لا أقول { الم } حرف ، ولكن ألف عشر ، ولام عشر ، وميم عشر فتلك ثلاثون".
وجاء الحديث بلفظ أتم من هذا بإسناد لا بأس به في المتابعات عن عبد الله :
"إن هذا القرآن مأدبة الله ، فتعلموا مأدبته ما استطعتم ، وإن هذا القرآن هو حبل الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة من تمسك به ، ونجاة من تبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق من كثرة الرد، اتلوه فان الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات ، أما إني لا أقول بـ (الم) ولكن بألف عشراً ، وباللام عشراً ، وبالميم عشراً".