تمردي على الدخيل في الشهر الفضيل

عبد الفتاح الشهاري

التطبع على عادات يفرضها واقع الحال أمر وارد ، والتمرد على كل دخيل على ثقافاتنا وعاداتنا وتقاليدنا فيه شيء من الصعوبة، وقد يصل في بعضها إلى الاستحالة، إذن فالعلاج الأمثل، والمواجهة الأصوب هو ترويض هذا الدخيل بما يتناسب مع ديننا كمسلمين، ومع تقاليدنا كعرب، ومع إنسانيتنا كبشر..
العادات الدخيلة علينا كثيرة، وهي أشمل وأوسع وأعم من أن تُحصر في مقال، وإن لم نستطع أن نلم بشعثها وأن نمسك بشعابها فمن الأولى أن نتصيد الفرص والمناسبات والأحداث لإبراز شيءٍ منها بما يمليه كل حدث وكل ظرف زمانٍ كان أو مكان..
لهذا الشهر المبارك فضائله التي لا تحصى ففيه أنزل القرآن، وفيه فرض الصوم، وفيه تصفد الشياطين، وفيه تغلق أبواب النار وتفتح أبوب الجنة، وفيه تضاعف الحسنات..
فرمضان .. هو شهر التقرب إلى الله بالعبادات، والتعلق إليه بالطاعات، شهر تهفو فيه القلوب إلى الغفور الرحيم، وتبتهل فيه إلى الرحمن العظيم، وترفع أكف التضرع والخشوع، وتذل الجباه بكل رهبة وخضوع، وتسكب الأنفس أنهاراً من التوجع والدموع.. ولكن ما الذي يحدث ..
لقد دخلت المدنية بقوتها في كل تفاصيل حياتنا السياسية والاجتماعية وحتى الدينية، والإعلام بتعدد وسائله - فضائيات، وإنترنت وصحافة وغيرها - يصب جم غزوه الثقافي في رمضان على مسمياتٍ ما أنزل الله بها من سلطان ولنأخذ أقربها إلى الأسرة والمرأة، فقد ظلم الإعلام هذا المجتمع المسلم بأن جعل رمضان بالنسبة له ما هو إلا المطبخ، والفانوس، والمسبحة، وسباق المسلسلات، وغاب كل شيء عداهم، ولكي نعود إلى ما بدأنا به ونوظف ما يغزو مجتمعاتنا الإسلامية التوظيف الإسلامي الذي يليق بها، فلندحر سهام العدو، ونقلب السحر على الساحر ولنأخذ بكل تلك الترهات التي دخلت علينا، ولكن بشكلها الجميل، فلتدخلي ياسيدتي مطبخك ولكن مطبخك الروحاني، مطبخك الرباني، ولتحافظي على رشاقتك ولكن بطريقة أخرى ومقادير أخرى وهي أن تكون رشاقتك في أن لا تزيد عدد جرامات سيئاتك، ولتحافظي على اتباع نظام تخسيس من المعاصي، ولتهتمي بزيادة جرعات الطاعات والتقرب إلى الله بالعبادات.. وإن كان ولابد من مشاهدة الفضائيات فلتجعلي لك على الأقل أوقات وبرامج رمضانية دينية توعوية إرشادية لأصحاب الفضيلة العلماء والدعاة المشهود لهم برجاحة القول، وحصافة الفهم، وبهذا على أقل القليل وأيسر التقدير أنك قد حفرتي بأناملك الرقيقة خطاً ولو بسيطاً في مسار حياة نفسٍ نسأل الله لها ولنا أولاً الثبات أمام عواصف هذا الزمن القاسي، ومواجهة ما تحمله الأمة من مآسي، وصدق حبيبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (يأتي على الناس زمانٌ الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر).