قال تعالى:
"
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"سورة الفرقان :70.

قال ابن عطية رحمه الله :
" المعنى عند جمهور أهل العلم : أن من تابَ من السرقة فندم على ما مضى وأقلع في المستأنف وأصلح برد الظلامة إن أمكنه ذلك وإلا فبإنفاقها في سبيل الله ، وَأَصْلَحَ أيضا في سائر أعماله وارتفع إلى فوق "فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ" ويذهب عنه حكم السرقة فيما بينه وبين الله تعالى " انتهى من "تفسير ابن عطية" 2/ 189.هنا=

قال صلى الله عليه وسلم:
"
التائبُ من الذنبِ كمَن لا ذنبَ له"
الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم: 3446 - خلاصة حكم المحدث : حسن= الدرر =

الشرح
اللهُ سُبحانَه هو التَّوَّابُ الرَّحيمُ والغَفورُ الكَريمُ، وقد فتَح بابَ رحمتِه لعِبادِه العاصين مَهما بَلَغَتْ ذُنوبُهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال "التَّائبُ مِن الذَّنبِ كمَن لا ذنْبَ لهوالمعنى أنَّ العبدَ إذا أذْنَب ذنْبًا ثمَّ تاب منه تَوبةً نَصوحًا وأقلَع عنه ونَدِم واستغفَر ولم يَعُدْ إليه تابَ اللهُ عليه، وعامَلَه مُعامَلةَ مَن لم يُذنِبْ، بل يُبدِّلُ سيِّئاتِه حسَناتٍ؛ لأنَّه تاب إلى ربِّه وأناب لِمَحبَّتِه للهِ وحِرصِه على رِضاه وخوفِه منه، وتلك صِفاتُ المتَّقين، إذا زال الذَّنبُ زالَتْ عُقوباتُه ومُوجِباتُه، وهذا حُكمٌ عامٌّ لكلِّ تائبٍ مِن ذنْبٍ.
وقد قال تعالى"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"الزمر: 53.
ولقَبولِ التَّوبةِ شروطٌ عُرِفَتْ مِن استِقْراءِ نُصوصِ كتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رسولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ومِن تلك الشُّروطِ: أن تكونَ التَّوبةُ خالِصةً لوجهِ اللهِ تعالى، فلا يُرادَ بها الدُّنيا أو مدْحُ النَّاسِ وثناؤُهم، ثمَّ الإقلاعُ عن المعصيةِ، ثمَّ النَّدمُ على فعلِها، مع العزْمِ على عدَمِ العودةِ إليها، ثمَّ إرجاعُ الحقوقِ إلى أصحابِها، إنْ كانت المعصيةُ حُقوقًا للآخرين، وأن تَكونَ التَّوبةُ قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها، وقبلَ حُضورِ الموتِ.
ومِن علاماتِ صحَّةِ التَّوبةِ: أن يَكونَ العبدُ بعدَ التَّوبةِ خيرًا منه قبلَها؛ فيُكثِرَ مِن عمَلِ الصَّالحاتِ، ومصاحبَةِ أهلِ الصَّلاحِ، ويَحرِصَ على ترْكِ المعاصي والسَّيِّئاتِ، والابتعادِ عن أهلِ الزَّيغِ والانحِرافِ، وأن يكونَ الخوفُ مصاحِبًا له فلا يأمَنَ مِن مَكْرِ اللهِ.
وفي الحديثِ: بيانُ رحْمةِ اللهِ بعِبادِه؛ بفتْحِه بابَ التَّوبةِ والرُّجوعِ إلى طاعتِه لكلِّ عاصٍ قبلَ موتِه.
وفيه: دَعوةٌ إلى عدَمِ تَقْنيطِ المذنِبِ والعاصي مِن رَحمةِ اللهِ.
وفيه: أنَّ التَّوبةَ النَّصوحَ تُزيلُ الذُّنوبَ وتُبدِّلُها حسَناتٍ. = الدرر =