يا بديعَ السماواتِ والأرضِ ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ
*عن أنس بن مالك قال:
"كنتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم جالسًا ، ورجلٌ قائمٌ يصلِّي ، فلمَّا ركع وسجد وتشهَّد ، دعا ، فقال في دعائهِ : اللهمَّ إني أسالُك بأنَّ لك الحمدُ ، لا إله إلَّا أنتَ ، وحدَك لا شريكَ لك ، المنانُ ، يا بديعَ السماواتِ والأرضِ ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ ، يا حيُّ يا قيومُ ، إني أسالكَ الجنةَ ، وأعوذُ بك من النارِ. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم لأصحابهِ : تدرونَ بما دعا ؟ قالوا : اللهُ ورسولُه أعلمُ .قال : والذي نفسي بيدهِ ، لقد دعا اللهَ باسمهِ العظيمِ" وفي روايةٍ الأعظمِ الذي إذا دعِيَ به ، أجاب ، وإذا سُئِلَ به أعطَى"
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : أصل صفة الصلاة-الصفحة أو الرقم: 3/1017- خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط مسلم- الدرر =
*عن أنس بن مالك قال:
"أنَّهُ كانَ معَ رسولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وسلم جالسًا ورجلٌ يصلِّي ثمَّ دعا اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ المنَّانُ بديعُ السَّمواتِ والأرضِ يا ذا الجلالِ والإِكرامِ يا حيُّ يا قيُّومُ .فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لقد دعا اللَّهَ باسمِهِ العظيمِ الَّذي إذا دعيَ بِهِ أجابَ وإذا سئلَ بِهِ أعطى"
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-
الصفحة أو الرقم: 1495 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر =
*الشرح:
توطئة:بدأ بمقدمة من الثناء على اللَّه تعالى، واستحقاقه الحمد بكل أنواعه، وإثبات وحدانيته وألوهيته بالعبادة دون غيره، ثم ذكر جملاً من أسمائه الحسنى، مقدمة بين يدي دعائه، فجمع بين التوسل بالعمل الصالح للَّه تعالى، توسّلًا بما له من الكمالات التي لا تُحصى، رجاءً عظيمًا في قبول دعوتِهِ؛ لما شملته من أسمى مطلب في الدنيا والآخرة، وهو مغفرةُ الذنوبِ، واستعاذة من أعظم مرهوب، وهو النار.=هنا=
*فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه هذا الثناء والذكر ، وأنه اسم الله الأعظم ، فكان ذكر الله والثناء عليه أنجح ما سأل به حوائجه= هنا =
*ففي هذا الحديثِ يَحكي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي اللهُ عنه "أنَّه كان مَع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم جالِسًا ورَجلٌ يُصلِّي، ثمَّ دعا: اللَّهُمَّ إنِّي أسأَلُك بأنَّ لك الحمْدَ لا إلهَ إلَّا أنتَ المنَّانُ"، أي: أنت كثيرُ العَطاءِ لخَلْقِك-أي صاحب النعم المتتالية دون طلب عوض، وغرض.-
* المنان الذي ينعم غير مفاخر بالإنعام، وهو المعطي ابتداء، ولله المنة على عباده بإحسانه وإنعامه ورزقه إياهم، ولا منة لإحدٍ عليه تعالى ربنا. قاله :الزجاجي.
* أعظم مِنِنِ المنان رِزْقُه للهدايةِ ،قال تعالى"بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ" الحجرات : 17. وكم من إنسان بعيد عن دينه من الله عليه بالهداية بآية يسمعها أو موقف يعرض عليه؟ هنا =
ويتصف أيضًا بها الإنسان، لكن يتصف بالمعنى الواحد على طريق المدح، وبالمعنى الثاني على طريق الذم.
*فالأول: الذي هو ممدوح، نحو أن يكون عطاؤه أو مَنُّهُ لوجهِ اللهِ تعالى، ولا لنيلِ عِوض من الدنيا.
قال صلى الله عليه وسلم "إنَّ مِن أَمَنِّ الناسِ عَلَيَّ في صحبتِه ومالِه أبا بكرٍ" الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3904 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
ومعناه: أنَّه أكثرُهم جُودًا وسَمَاحةً لنا بنفسِه ومالِه، وليس هو مِن المَنِّ الذي هو الاعْتِدَاد بالصَّنِيعَة؛ لأنَّه أذًى مُبطِلٌ للثَّوَابِ- الدرر -
*والقسم الثاني: وهو أن يمن الإنسان بالعطية، أي: يذكرها ويكررها، فهو المذموم.
ومنه قوله تعالى" لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى "البقرة: 264.
وقال صلى الله عليه وسلم"لا يدخلُ الجنَّةَ منَّانٌ، ولا عاقٌّ، ولا مُدمنُ خمرٍ" الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي- الصفحة أو الرقم: 5688 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
"لا يَدخُلُ الجنَّةَ مَنَّانٌ"، أي: الَّذي يَمُنُّ على النَّاسِ في عَطائِه؛ بذِكْرِه لهم، وإظهارِه في النَّاسِ - الدرر -
والمنّ: ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها مثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه، وقال بعضهم: المنّ: التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطَى فيؤذيه.
قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى" سورة البقرة:264. فإذا أتْبَعَ الصدقةَ منًّا، أو أذًى بَطل أجره.هنا=
"بَديعُ السَّمواتِ والأرضِ"
يوصف الله عزَّ وجلَّ بأنه بَديعُ السَّمواتِ والأرضِ، وهي صفةٌ ثابتةٌ له بالكتاب والسنة.
· الدليل من الكتاب: قوله تعالى" بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "البقرة: 117.
أي: خالقهما على وجه قد أتقنهما وأحسنهما على غير مثال سابق = تفسير السعدي =
مظاهره: حين خلق الله جل جلاله الخلق من آدم إلى أن تقوم الساعة.. جعل الخلق متشابهين في كل شيء.. في تكوين الجسم وفي شكله في الرأس والقدمين واليدين والعينين.. وغير ذلك من أعضاء الجسم.. تماثلًا دقيقًا في الشكل وفي الوظائف.. بحيث يؤدي كل عضو مهمته في الحياة.. ولكن هذا التماثل لم يتم على قالب وإنما تم بكلمة كن.. ورغم التشابه في الخلق فكل منا مختلف عن الآخر اختلافًا يجعلك قادرًا على تمييزه بالعلم والعين.. فبالعلم كل منا له بصمة أصبع وبصمة صوت يمكن أن يميزها خبراء التسجيل.. وبصمة رائحة قد لا نميزها نحن ولكن تميزها الكلاب المدربة.. فتشم الشيء ثم تسرع فتدلنا على صاحبه ولو كان بين ألف من البشر.. وبصمة شفرة تجعل الجسد يعرف بعضه بعضًا.. فإن جئت بخلية من جسد آخر لفظها. وإن جئت بخلية من الجسد نفسه اتحد معها وعالج جراحها.
هذا الاختلاف يمثل لنا طلاقة قدرة الله سبحانه في الخلق على غير مثال.. فكل مخلوق يختلف عمن قبله وعمن بعده وعمن حوله.. مع أنهم في الشكل العام متماثلون.. ولو أنك جمعت الناس كلهم منذ عهد آدم إلى يوم القيامة تجدهم في صورة واحدة.. وكل واحد منهم مختلف عن الآخر.. فلا يوجد بشران من خلق الله كل منهما طبق الأصل من الآخر.. هذه دقة الصنع وهذا ما نفهمه من قوله تعالى"بديع".. والدقة تعطي الحكمة.. والإبراز في صور متعددة يعطي القدرة.. ولذلك بعد أن نموت وتتبعثر عناصرنا في التراب يجمعنا الله يوم القيامة.. والإعجاز في هذا الجمع هو أن كل إنسان سيبعث من عناصره نفسها وصورته نفسها وهيئته نفسها التي كان عليها في الدنيا. ولذلك قال الحق سبحانه"قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ"ق : 4.
"يا ذا الجلالِ والإكرامِ" أي: يا صاحبَ العظَمةِ والكبرياءِ، والإكرامِ.
وقال الخطَّابيُّ « ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ « الجَلالُ مصدرُ الجليلِ، يُقالُ: جَليلٌ بيِّنُ الجَلالَةِ والجلالِ.الجليل الكبير الذي له أوصاف الجلال؛ فهو الموصوف بصفات المجد، والكبرياء، والعظمة، والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجلُّ وأعلى، وله التَّعظيم، والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد ملئت قلوبهم من تعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه.
تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي= هنا =
والإكرامُ: مصدرُ أكرمَ يُكرمُ إِكرامًا، والمعنى: أَنَّ الله جَلَّ وعزَّ مُستحقٌّ أنْ يُجَلَّ ويُكرَمَ فلا يُجْحَدُ، ولا يُكفرُ به، وقد يُحتَملُ أَنْ يكونَ المعنى: أَنَّهُ يُكْرِمُ أَهْلَ ولايتِهِ، وَيرْفَعُ درجاتِهم بالتوفيقِ لطاعتِهِ فِي الدُّنيا، ويُجلُّهم بأَنْ يتقبَّلَ أعمالَهم ويرفعَ فِي الجِنَانِ درجاتِهم.= الألوكة =
وفيه دليل على أن استفتاح الدعاء بقوله الداعي يا ذا الجلالِ والإكرامِ يكون سببًا في الإجابةوفضل الله واسع.
= هنا=
"يا حيُّ يا قيُّومُ"، أي: مَن يَقومُ بتَصْريفِ شؤونِ الخَلْقِ وتَدْبيرِها؛ فهَذه صِفاتُ الكَمالِ للهِ، وإقرارٌ بالعُبوديَّةِ والرُّبوبيَّةِ.فهذان الاسمان جامعان لصفات الكمال.
فـ الْحَيّ كامل الحياة. وهذا الاسم يتضمن جميع صفات الله - عز وجل - الذاتية.
فالله له الحياة التامة الكاملة التي لا بداية لها ولا نهاية -فهو الأول والآخر-، وله جميع الصفات الذاتية بمعانيها العظيمة الكاملة التي لا تتم الحياة الكاملة بدونها، والتي ينبغي إثباتها لله - عز وجل - على أكمل وجه وأتمه، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والمشيئة، والعظمة، والعزة وغيرها من النعوت الكاملة.
والقيّوم هو كامل القيّوميّة وله معنيان:
المعنى الأول: هو الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته.ودليله قوله تعالى"وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" فاطر 15.
المعنى الثاني: هو الذي قامت به الأرض والسموات وما فيهما من المخلوقات، فهو الذي أوجدها وأمدَّها وأعدَّها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها، فهو الغنيّ عنها من كل وجه وهي التي افتقرت إليه من كل وجه،
ودليله قوله تعالى " أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ "الرعد 33 .
فالحيُّ والقيُّوم من له صفة كل كمال وهو الفَعَّالُ لما يريد.
فالله هو الغني بذاته، المستغني عن خلقه، المغني لهم، فله - سبحانه - القيومية التامة. .
شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة = هنا = وهنا =
=قال ابن القيم:
فإن "الحياة" مستلزمة لجميع صفات الكمال ولا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة فإذا كانت حياتُهُ تعالى أكملَ حياةٍ وأتمها استلزم إثباتُها إثباتَ كلِّ كمالٍ يضادُ نفيَ كمال الحياة.
وأما "القيوم" فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته فإنه القائم بنفسه لا يحتاج إلى من يقيمه بوجه من الوجوه وهذا من كمال غناه بنفسه عما سواه، وهو المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته وهذا من كمال قدرته وعزته، فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال والغنى التام والقدرة التامة فكأن المستغيث بهما مستغيث بكل اسم من أسماء الرب تعالى وبكل صفة من صفاته فما أولى الاستغاثة بهذين الاسمين أن يكونا في مظنة تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإنالة الطلبات .بدائع الفوائد = هنا =
*فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم"لقد دَعا اللهَ باسمِه العظيمِ الَّذي إذا دُعِي به أجابَ، وإذا سُئِل به أعطَى"، أي: إنَّ اسْمَ اللهِ الأعظمَ مَذكورٌ في هذا الدُّعاءِ، ولكنَّه لم يُحدِّدْ أيُّ اسمٍ هو مِن هذه الأسماءِ الَّتي ذُكِرَت، وقد يُرادُ به مُجمَلُ الدُّعاءِ. وقد اختُلِفَ في تَحديدِ اسمِ اللهِ الأعظمِ، ولعلَّ أقرب الأقوال أنَّ اسمَ اللهِ الأعظمَ هو :الله؛ لأنَّه الاسمُ الوحيدُ الذي يوجد في كلِّ النصوصِ التي جاءَ أنَّ اسمَ اللهِ الأعظمِ ورَدَ فيها، وأيضًا لأنَّه الاسمُ الجامعُ لِلهِ عزَّ وجلَّ الذي يَدلُّ على جَميعِ أسمائِه وصِفاتِه، وقيل: أرجحُ الرِّواياتِ مِن حيثُ السَّندُ هي: "اللهُ لا إلهَ إلَّا هو الأحدُ الصَّمدُ، الذي لم يَلِدْ، ولم يُولَدْ، ولم يكُنْ له كُفوًا أحدٌ"، وقيل: اسمُ اللهِ الأعظمُ هو: "الحيُّ القيُّوم"، وقيل: هو في هاتَينِ الآيتَينِ"وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ"البقرة: 163، وفاتحةُ آل عمران"الم* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ"آل عمران: 1-2؛ فيكونُ ذلك مِن اختلافِ التنوُّعِ، وقيل غيرُ ذلك.
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ للهِ تعالى اسمًا أعْظمَ، وبيانُ فَضلِ الدُّعاءِ والتَّوسُّلِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ باسمِه الأعظمِ، وأنَّه إذا دُعي به أجابَ - الدرر =