تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

    ثبوت وصف الشرك مع الجهل
    قبل قيام الحجة

    السـؤال:
    لا يخفى عليكم ما ابْتُلِيَتْ به هذه الأمّةُ بوقوعها في أكبر الذنوب وهو الشرك بالله جلّ وعلا، وفي مدينتنا لا تكاد تجد بيتًا يخلو من التعلّق في الصالحين والاعتقادِ فيهم ببعض خصائصِ الربوبيةِ، والتقرّبِ إليهم بأنواعٍ من العبادة، وذلك عن جهلٍ وكثرةِ دُعاة الضلالة إلى ذلك.
    وسؤالنا: هل يُحكم على هؤلاء بعينهم أنهم مشركون ويعامَلون معاملتَهم؟ وهل إذا ماتوا على ذلك يجوز الترحّم عليهم والدعاء لهم؟ أفيدونا، وجزاكم الله خيرًا.
    الجـواب:
    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
    فلا ترتفعُ صفةُ الشِّركِ على المتلبِّسِ بالشرك الأكبرِ، وتثبتُ مع الجهل قبل قيام الحُجَّة الرِّسالية وبعدَها؛ لأنّ عبادةَ غيرِ اللهِ لا توجد مع الإسلام البتة، ولا توجد إلاّ من مُشركٍ وإن كان مُصرّحًا بالإسلام، ومعنى ذلك أنّ مَنْ عَبَدَ اللهَ تعالى وعَبَدَ معه إلهًا آخَرَ لم يكن مُسلمًا، ومَن لَمْ يَعْبُدْهُ بل استكبرَ عن عبادته لم يكن مُسلمًا، فالمشركُ ليس من عِداد المسلمين؛ لأنّ دِينَ الإسلام الذي ارتضاه اللهُ وبعثَ به رُسُلَهُ هو الاستسلام لله وحده، والخضوعُ له وحده لعبادته دون ما سواه؛ ذلك لأنّ الناس على صِنفين: إمّا موحّد لا يعبد إلاّ الله وحده لا شريك له، وإمّا مُشركٌ يعبدُ غيرَ اللهِ تعالى، وليس في بني آدمَ قسم ثالث، فكلّ من قدّم شيئًا لغير الله ممَّا لا يكون إلاّ لله من خصائص الإلهية فليس ممَّن عَبَدَ اللهَ مُخلصًا له الدِّين، وإذا لم يكن مُوحِّدًا كان مُشركًا ولا ثالث لهما، وقد ذَكَرَ ابنُ القيِّم -رحمه الله- في معرِض قوله تعالى: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: 130]، أنّ الله تعالى قسم الخلائق قسمين: سفيهًا لا أَسْفَهَ منه، ورشيدًا؛ فالسفيهُ من رَغِبَ عن مِلَّتِهِ إلى الشِّرك، والرشيدُ من تَبَرَّأَ من الشِّرك قولاً وعملاً وحالاً فكان قولُه توحيدًا، وعملُه توحيدًا، وحالُه توحيدًا، ودعوتُه توحيدًا. فالمعرِضُ عن التوحيد مُشرك شاءَ أم أبى، والمعرِض عن السُّنَّة مُبتَدِعٌ ضالٌّ شاء أم أبى(١).
    هذا، وينبغي أن يعلم أنّ ثبوت صفة الشرك قبل قيام الحُجَّة عليه له حكم يختلف عنه بعد قيام الحُجَّة، فصاحبُ الشِّرْكِ قَبْلَ قيام الحُجَّة مُشركٌ لكن لا يستحقُّ صاحبُه العقوبةَ في الدَّارَيْنِ: القتل في الدنيا، والخلود في النار في الآخرة، وهذا إنما يكون للمشرِك بعد قيام الحجَّة الرِّسالية؛ لأنّ العقوبةَ والعذابَ متوقّفٌ على بلاغ الرسالة لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: 15]، فالشركُ ثابتٌ في كِلتا الحالتين: قبل البلاغ وبعده، غير أنه من لم تبلغه الحُجَّة الرِّسالية فشركه غير معذّب عليه؛ لأنه «لاَ تَكْلِيفَ إِلاَّ بِشَرْعٍ»، «وَالشَّرْعُ يَلْزَمُ بِالبَلاَغِ مَعَ انْتِفَاءِ المُعَارِضِ»، وأهله قبل بلوغ الحُجَّة ليسوا بموحِّدين.
    فالحاصـل: إنّ مَنْ لَمْ تبلغْهُ الدعوةُ والحُجَّة الرِّساليةُ وكان متلبِّسًا بالشرك الأكبر فمعذورٌ لعدم البلاغ لا لمجرّد الجهل، إذ لا يعذر في أصول الإيمان بجهله، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»، فمن لم تبلغه الدعوةُ [
    ولم يتمكن منها]بحالٍ ولا سمع بها بخبر فينتفي عنهم الكفر باعتبار ما يترتَّب عليه من العقوبة في الدارين -كما تقدّم- غير أنه لا يُحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مُسَمَّى المسلمين؛ لأنّ الشرك يصدق عليهم واسمه يتناولهم ولا يبقى إسلام مع مناقضة قاعدته الكبرى شهادة: «أن لا إله إلاّ الله»؛ فشأنهم كشأن أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميّزوا شيئًا فينتفي عنهم الشرك باعتبار أنه لا يترتَّب عليهم من العقوبة في الدارين غير أنهم مشركون في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم.
    أمّا مَنْ بلغته الحُجَّة الرِّسالية -خاصّة ممّن يعيش في البلدان الإسلامية- فإنّ وصف الشِّرك يثبت في حقّه بمجرّد فِعله ويستحقّ الوعيد بالعذاب ولا عُذر له بالجهل بأصول الإيمان، -لِمَا تقدَّم من حديث أبي هريرة السابق- ولا علاقةَ ترابطية بين حُكم الشِّرك ونفي العذاب، فكلُّ مُعذّب في الدارين فهو مُشرك، وليس كلّ مشركٍ معذّبًا إلاّ بعد قيام الحجّة الرسالية.
    هذا، .......
    والواجب على المسلم بُغْضُ الشِّركِ وأهلِْهِ بلا محبّةٍ فيه ويوافق ربَّه فيما يَسخَطُه ويكرهه ولا يرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات، فيتبرّأ منها على وجه الملازمة والاستمرار[الشيخ فركوس]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

    قال الشيخ صالح ال الشيخ- فرق بين شرطنا لإقامة الحجة، و بين الامتناع من الحكم بالشرك،من قام به الشرك الأكبر فهو مشرك ترتب عليه آثار ذلك الدنيوية أنه لا يستغفر له و لا تؤكل ذبيحته و لا يضحى له و نحو ذلك من الأحكام ،و أما الحكم عليه بالكفر الظاهر و الباطن فهذا موقوف حتى تقام عليه الحجة،فإن لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الى الله جل و علا .هذا تحقيق كلام أهل العلم في هذه المسألة و هي مشهورة و دقيقة موسومة بمسألة العذر بالجهل - [شرح مسائل الجاهلية]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

    من المعلوم بالضرورة من الدين؛ أن الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، وعلية يستحيل تحت أي شبهة من الشبة أن يكون المشرك مسلما ، لأن ذلك يؤدي إلى اجتماع النقيضين ووقوع المحال )) من مجموع الفتاوى النجدية ج 3 ص 195 و 196 --قال ابن القيم فيها (( فقسم سبحانه الخلائق قسمين سفيهاً لا أسفه منه ورشيداً، فالسفيه من رغب عن ملته إلى الشرك، والرشيد من تبرأ من الشرك قولاً وعملاً وحالاً فكان قولُه توحيداً وعمله توحيداً وحاله توحيداً ودعوته إلى التوحيد)) مدارج السالكين ج3 ص 446
    قال شيخ الاسلام بن تيمية في مجموع الفتاوى ج 14 ص 282 ((ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده فلابد أن يكون عابدا لغيره يعبد غيره فيكون مشركا، وليس في بني آدم قسم ثالث. بل إما موحد ، أو مشرك ، أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل : النصارى ومن أشبههم من الضلال ، المنتسبين إلى الإسلام))
    و قال أيضا في مجموع الفتاوى ج 14ص 284 (( فكل من لم يعبد الله مخلصا له الدين ، فلا بد أن يكون مشركا عابدا لغير الله . وهو في الحقيقة : عابد للشيطان . فكل واحد من بني آدم إما عابد للرحمن ، وإما عابد للشيطان))
    وقال ابن تيمية في كتاب النبوات ص 127 ((فمن استكبر عن عبادة الله لم يكن مسلما، ومن عبد مع الله غيره لم يكن مسلما))
    قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان ج 1 ص 214 (( المُعرض عن التوحيد مشرك شاء أم أبى ، والمعرض عن السُنَّة مُبتدع ضال شاء أم أبى ))
    وقال ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد ص 185 ((إذا لم يقم الإيمان بالقلب حصل ضده وهو الكفر وهذا كالعلم والجهل إذا فقد العلم حصل الجهل وكذلك كل نقيضين زال أحدهما خلفه الآخر))
    قال عبد الرحمن بن حسن في الدرر(2/204) و مجموعة التوحيد: 1/ 48 (( فإن من فعل الشرك فقد ترك التوحيد، فإنهما ضدان لا يجتمعان، فمتى وجد الشرك انتفى التوحيد))

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

    سؤال: الأخ: م. ص من جمهورية مصر العربية يقول في سؤاله: من هم الذين يعذرون بالجهل؟ وهل يعذر الإنسان بجهله في الأمور الفقهية؟ أم في أمور العقيدة والتوحيد؟ وما هو واجب العلماء نحو هذا الأمر؟

    جواب: دعوى الجهل والعذر به فيه تفصيل، وليس كل واحد يعذر بالجهل، فالأمور التي جاء بها الإسلام وبينها الرسول ﷺ للناس وأوضحها كتاب الله وانتشرت بين المسلمين لا تقبل فيها دعوى الجهل، ولا سيما ما يتعلق بالعقيدة وأصل الدين، فإن الله  بعث نبيه ﷺ ليوضح للناس دينهم ويشرحه لهم، وقد بلغ البلاغ المبين وأوضح للأمة حقيقة دينها وشرح لها كل شيء وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها.
    وفي كتاب الله الهدى والنور فإذا ادعى بعض الناس الجهل فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، وقد انتشر بين المسلمين، كدعوى الجهل بالشرك وعبادة غير الله ، أو دعوى أن الصلاة غير واجبة، أو أن صيام رمضان غير واجب أو أن الزكاة غير واجبة، أو أن الحج مع الاستطاعة غير واجب فهذا وأمثاله لا تقبل فيه دعوى الجهل ممن هو بين المسلمين؛ لأنها أمور معلومة بين المسلمين، وقد عُلِمت بالضرورة من دين الإسلام، وانتشرت بين المسلمين فلا تقبل دعوى الجهل في ذلك، وهكذا إذا ادعى أحد بأنه يجهل ما يفعله المشركون عند القبور أو عند الأصنام من دعوة الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم، أو الذبح للأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الأحجار، أو طلب الشفاء أو النصر على الأعداء من الأموات أو الأصنام أو الجن أو الملائكة أو الأنبياء..

    فكل هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة وأنه شرك أكبر، وقد أوضح الله ذلك في كتابه الكريم وأوضحه رسوله ﷺ وبقي ثلاث عشرة سنة في مكة وهو ينذر الناس هذا الشرك، وهكذا في المدينة عشر سنين، يوضح لهم وجوب إخلاص العبادة لله وحده ويتلو عليهم كتاب الله مثل قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] وقوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] وقوله : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: 5] وقوله سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 2 - 3] وقوله سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162 - 163] وبقوله سبحانه مخاطبًا الرسول ﷺ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر: 1-2] وبقوله سبحانه وتعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18] وبقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون: 117].
    وهكذا الاستهزاء بالدين والطعن فيه والسخرية به والسب كل هذا من الكفر الأكبر ومما لا يعذر فيه أحد بدعوى الجهل، لأنه معلوم من الدين بالضرورة أن سب الدين أو سب الرسول ﷺ من الكفر الأكبر وهكذا الاستهزاء والسخرية، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65 - 66].

    فالواجب على أهل العلم في أي مكان أن ينشروا هذا بين الناس وأن يظهروه، حتى لا يبقى للعامة عذر، وحتى ينتشر بينهم هذا الأمر العظيم، وحتى يتركوا التعلق بالأموات، والاستعانة بهم، في أي مكان في مصر أو الشام أو العراق أو في المدينة، عند قبر النبي ﷺ أو في مكة أو غير ذلك، وحتى ينتبه الحجيج وينتبه الناس ويعلموا شرع الله ودينه.
    فسكوت العلماء من أسباب هلاك العامة وجهلهم، فيجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس دين الله، وأن يعلموهم توحيد الله وأنواع الشرك بالله حتى يدعوا الشرك على بصيرة، وحتى يعبدوا الله وحده على بصيرة، وهكذا ما يقع عند قبر البدوي، أو الحسين ، أو عند قبر الشيخ عبدالقادر الجيلاني، أو عند قبر النبي ﷺ في المدينة، أو عند غيرهم، يجب التنبيه على هذا الأمر، وأن يعلم الناس أن العبادة حق لله وحده ليس لأحد فيها حق كما قال الله : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: 5] وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 2 - 3] وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] يعنى أمر ربك.
    فالواجب على أهل العلم في جميع البلاد الإسلامية وفي مناطق الأقليات الإسلامية وفي كل مكان أن يعلموا الناس توحيد الله، وأن يبصروهم بمعنى عبادة الله، وأن يحذروهم من الشرك بالله  الذي هو أعظم الذنوب، وقد خلق الله الثقلين ليعبدوه وأمرهم بذلك لقوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] وعبادته هي: طاعته وطاعة رسوله ﷺ وإخلاص العبادة له وتوجيه القلوب إليه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21].

    أما المسائل التي قد تخفى مثل: بعض مسائل المعاملات، وبعض شؤون الصلاة، وبعض شئون الصيام فقد يعذر فيها الجاهل؟ كما عذر النبي ﷺ الذي أحرم في جبة وتلطخ بالطيب، فقال له النبي ﷺ: اخلع عنك الجبة واغسل عنك هذا الطيب، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك ولم يأمره بفدية لجهله، وهكذا بعض المسائل التي قد تخفى يعلم فيها الجاهل ويبصر فيها.
    أما أصول العقيدة وأركان الإسلام والمحرمات الظاهرة فلا يقبل في ذلك دعوى الجهل من أي أحد بين المسلمين، فلو قال أحد، وهو بين المسلمين: إنني ما أعرف أن الزنا حرام، فلا يعذر، أو قال: ما أعرف أن عقوق الوالدين حرام، فلا يعذر، بل يضرب ويؤدب، أو قال: ما أعرف أن اللواط حرام، فلا يعذر؛ لأن هذه أمور ظاهرة معروفة بين المسلمين في الإسلام.

    لكن لو كان في بعض البلاد البعيدة عن الإسلام أو في مجاهل أفريقيا التي لا يوجد حولها مسلمون قد يقبل منه دعوى الجهل، وإذا مات على ذلك يكون أمره إلى الله، ويكون حكمه حكم أهل الفترة، والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة، فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار، أما الذي بين المسلمين ويقوم بأعمال الكفر بالله ويترك الواجبات المعلومة، فهذا لا يعذر؛ لأن الأمر واضح والمسلمون بحمد الله موجودون، ويصومون ويحجون ويعرفون أن الزنا حرام وأن الخمر حرام وأن العقوق حرام وكل هذا معروف بين المسلمين وفاشٍ بينهم؛ فدعوى الجهل في ذلك دعوى باطلة والله المستعان[1].

    مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (7/ 136).

    https://binbaz.org.sa/fatwas/2014/
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    فالواجب على أهل العلم في أي مكان أن ينشروا هذا بين الناس وأن يظهروه،حتى لا يبقى للعامة عذر، وحتى ينتشر بينهم هذا الأمر العظيم، وحتى يتركوا التعلق بالأموات، والاستعانة بهم، في أي مكان في مصرأو الشام أوالعراق أو في المدينة،عند قبر النبي ﷺ أو في مكة أو غير ذلك،فسكوت العلماء من أسباب هلاك العامة وجهلهم، فيجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس دين الله، وأن يعلموهم توحيد الله وأنواع الشرك بالله حتى يدعوا الشرك على بصيرة، وحتى يعبدوا الله وحده على بصيرة، ...، يجب التنبيه على هذا الأمر، وأن يعلم الناس أن العبادة حق لله وحده ليس لأحد فيها حق كما قال الله : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: 5] وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 2 - 3] وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ] يعنى أمر ربك.
    فالواجب على أهل العلم في جميع البلاد الإسلامية وفي مناطق الأقليات الإسلامية وفي كل مكان أن يعلموا الناس توحيد الله، وأن يبصروهم بمعنى عبادة الله، وأن يحذروهم من الشرك بالله الذي هو أعظم الذنوب، وقد خلق الله الثقلين ليعبدوه وأمرهم بذلك لقوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ
    بارك الله فيك

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    لكن لو كان في بعض البلاد البعيدة عن الإسلام أو في مجاهل أفريقيا التي لا يوجد حولها مسلمون قد يقبل منه دعوى الجهل، وإذا مات على ذلك يكون أمره إلى الله، ويكون حكمه حكم أهل الفترة،
    بارك الله فيك مزيد بيان -ومن عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام وغيره ثم لا يؤمن ولا يطلب الحق من أهله فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية وأصر على الكفر، ويشهد لذلك عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    ، كما يشهد له ما قصه الله تعالى من نبأ قوم موسى إذ أضلهم السامري فعبدوا العجل وقد استخلف فيهم أخاه هارون عند ذهابه لمناجاة الله، فلما أنكر عليهم عبادة العجل قالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ، فاستجابوا لداعي الشرك، وأبوا أن يستجيبوا لداعي التوحيد، فلم يعذرهم الله في استجابتهم لدعوة الشرك والتلبيس عليهم فيها لوجود الدعوة للتوحيد إلى جانبها مع قرب العهد بدعوة موسى إلى التوحيد.
    ويشهد لذلك أيضًا ما قصه الله من نبأ نقاش الشيطان لأهل النار وتخليه عنهم وبراءته منهم، قال الله تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُم ْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ ي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (1) ، فلم يعذروا بتصديقهم وعد الشيطان مع مزيد تلبيسه و تزيينه الشرك وإتباعهم لما سول لهم من الشرك لوقوعه إلى جانب وعد الله الحق بالثواب الجزيل لمن صدق وعده فاستجاب لتشريعه واتبع صراطه السوي.
    ومن نظر في البلاد التي انتشر فيها الإسلام وجد من يعيش فيها يتجاذبه فريقان:
    فريق يدعو إلى البدع على اختلاف أنواعها شركية وغير شركية، ويلبس على الناس ويزين لهم بدعته بما استطاع من أحاديث لا تصح وقصص عجيبة غريبة يوردها بأسلوب شيق جذاب، وفريق يدعو إلى الحق والهدى، ويقيم على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، ويبين بطلان ما دعا إليه الفريق الآخر وما فيه من زيف، فكان في بلاغ هذا الفريق وبيانه الكفاية في إقامة الحجة وإن قل عددهم، فإن العبرة ببيان الحق بدليله لا بكثرة العدد فمن كان عاقلًا وعاش في مثل هذه البلاد واستطاع أن يعرف الحق من أهله إذا جد في طلبه وسلم من الهوى والعصبية، ولم يغتر بغنى الأغنياء ولا بسيادة الزعماء ولا بوجاهة الوجهاء ولا اختل ميزان تفكيره، وألغى عقله، وكان من الذين قال الله فيهم: { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ }
    أما من عاش في بلاد غير إسلامية ولم يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن القرآن والإسلام فهذا - على تقدير وجوده - حكمه حكم أهل الفترة -يجب على علماء المسلمين أن يبلغوه شريعة الإسلام أصولًاوفروعًا إقامة للحجة وإعذارًا إليه، ويوم القيامة يعامل معاملة من لم يكلف في الدنيا لجنونه أو بلهه أو صغره وعدم تكليفه،
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    أما المسائل التي قد تخفى مثل: بعض مسائل المعاملات، وبعض شؤون الصلاة، وبعض شئون الصيام فقد يعذر فيها الجاهل؟ كما عذر النبي ﷺ الذي أحرم في جبة وتلطخ بالطيب، فقال له النبي ﷺ: اخلع عنك الجبة واغسل عنك هذا الطيب، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك ولم يأمره بفدية لجهله، وهكذا بعض المسائل التي قد تخفى يعلم فيها الجاهل ويبصر فيها.
    - نعم -
    أما ما يخفى من أحكام الشريعة من جهة الدلالة أو لتقابل الأدلة وتجاذبها فلا يقال لمن خالف فيه: آمن وكفر ولكن يقال: أصاب وأخطأ، فيعذر فيه من أخطأ ويؤجر فيه من أصاب الحق باجتهاده أجرين، وهذا النوع مما يتفاوت فيه الناس باختلاف مداركهم ومعرفتهم باللغة العربية وترجمتها وسعة اطلاعهم على نصوص الشريعة كتابًا وسنة ومعرفة صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها ونحو ذلك.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    لكن لو كان في بعض البلاد البعيدة عن الإسلام أو في مجاهل أفريقيا التي لا يوجد حولها مسلمون قد يقبل منه دعوى الجهل، وإذا مات على ذلك يكون أمره إلى الله، ويكون حكمه حكم أهل الفترة،
    قال الشيخ صالح ال الشيخ - أجمع أهل العلم على أن أهل الفَتْرة كفار مشركون لا يوصفون بإسلام ولا يقال عنهم إنهم ليسوا بكفار وليسوا بمشركين؛ بل هم كفار مشركون لأنه قام بهم الكفر والشرك وحالهم يوم القيامة من جهة التعذيب هذا على التفصيل المعروف عندكم في أهل الفترة والتحقيق فيه أن الله جل وعلا يبعث لهم رسولا في عرصات القيامة فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
    فمن قام به الشرك فهو مشرك، ومن قام به الكفر فهو كافر، والتكفير إنما لأهل العلم الحكم بالشرك أخف من الحكم بالكفر، ويقال: هؤلاء عبدة القبور أو الذين يستغيثون بغير الله يقال هؤلاء مشركون خرافيون، وإذا قيل إنهم كفار فهو صحيح باعتبار الظاهر؛ لكن لا تترتب عليهم أحكام الكفر كاملة، أحكام المرتد كاملة، وأهل العلم اختلفوا هل يعاملون معاملة المرتد أو معاملة الكافر الأصلي إن كانوا نشؤوا في ذلك ولم يكن ثم من يبين لهم على خلاف بينهم في ذلك.[الايمان]

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    خلاصة القول في المسألة من ثبت إيمانه ترحمنا عليه ومن ثبت كفره فلا، ومن مات ولم نعلم حاله فأمره لله.
    يقول الشيخ حمد بن معمر: (من كان من أهل الجاهلية عاملاً بالإسلام تاركاً للشرك فهو مسلم، وأما من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين، فهذا ظاهره الكفر، وإن كان يحتمل أنه لم تقم عليه الحجة الرسالية لجهله وعدم من ينبهه، لأنا نحكم على الظاهر، وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله تعالى، لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {سورة الإسراء آية: 15).http://majles.alukah.net/t161268/
    بارك الله فيك -

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: ثبوت وصف الشرك مع الجهل قبل قيام الحجة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    قال الشيخ صالح ال الشيخ - أجمع أهل العلم على أن أهل الفَتْرة كفار مشركون لا يوصفون بإسلام ولا يقال عنهم إنهم ليسوا بكفار وليسوا بمشركين؛ بل هم كفار مشركون لأنه قام بهم الكفر والشرك وحالهم يوم القيامة من جهة التعذيب هذا على التفصيل المعروف عندكم في أهل الفترة والتحقيق فيه أن الله جل وعلا يبعث لهم رسولا في عرصات القيامة فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.

    بارك الله فيكم،،

    "الحمد لله
    أولاً:
    اختلف العلماء رحمهم الله في أهل الفترة – وهم من عاش في زمن لم يأتهم فيه رسول ، أو كانوا في مكان لم تصلهم فيه الدعوة – ومن في حكمهم – كأطفال المشركين - على أقوال ، وأرجح هذه الأقوال : أنهم يُمتحنون يوم القيامة ، فمن أطاع أمر الله نجا ، ومن عصاه هلك ، وقد جاءت في السنة النبوية أحاديث كثيرة يترجح هذا القول بها ، ومنها ما ذكره الأخ السائل في سؤاله ، وقد استوفاها الإمام ابن كثير في تفسيره ،
    عند قوله تعالى ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء/من الآية 15 ، فلتنظر هناك لمن أراد الاستزادة والاستفادة ، ومجموع هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً ، ويشهد أن لهذا القول ما يؤيده من السنَّة النبوية ، وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة .

    قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
    أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح ، كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء ، ومنها ما هو حسن ، ومنها ما هو ضعيف يقوَى بالصحيح والحسن ، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط : أفادت الحجة عند الناظر فيها .
    " تفسير ابن كثير " ( 5 / 58 ) .

    وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في سياق بيان الأقوال في المسألة - :
    سابعها : أنهم يُمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار ، فمن دخلها : كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن أَبَى : عُذِّب ، أخرجه البزار من حديث أنس ، وأبي سعيد ، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل ، وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ، ومن مات في الفترة من طرق صحيحة ، وحكى البيهقي في " كتاب الاعتقاد " أنه المذهب الصحيح .
    " فتح الباري " ( 3 / 246 ) .

    ثانياً:
    وقد ردَّ هذا القول بعض أهل العلم – كالإمام ابن عبد البر – وقالوا : إن الآخرة دار جزاء ، وليست دار تكليف ، وليس ثمة أوامر ونواهي في الآخرة ، وأُجيب عن هذا الاعتراض بردود مجملة ، ومفصَّلة ، وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام ابن كثير – وغيرهما – ردوداً مجملة ، وردَّ الإمام ابن القيم ردّاً مفصلاً أوصل وجوه الرد إلى تسعة عشر وجهاً .


    أ. أما الردود المجملة : فملخصها : وجود امتحان في القبر ، وفي عرصات القيامة ، وأما كون الآخرة ليست دار تكليف فنعم ، لكن بعد استقرار أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار .

    1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
    والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار ، وأما عَرَصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ ، فَيُقَالُ لِأَحَدِهِمْ : مَنْ رَبُّك ؟ وَمَا دِينُك ؟ وَمَنْ نَبِيُّك ؟ ، وقال تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) الْآيَةَ ، وقد ثبت في الصحاح من غير وجه حديث تجلي الله لعباده في الموقف إذا قيل : ( لِيَتَّبِعْ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ؛ فَيَتَّبِعُ الْمُشْرِكُونَ آلِهَتَهُمْ وَيَبْقَى الْمُؤْمِنُونَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ الرَّبُّ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيُنْكِرُونَهُ ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا فَيَسْجُدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ كَقُرُونِ الْبَقَرِ يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ، وذكر قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) الْآيَةَ .
    " مجموع الفتاوى " ( 4 / 303 ، 304 ) .

    2. وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله -
    وقد ذكر الشيخ أبو عمر بن عبد البر النَّمَري بعض ما تقدم من أحاديث الامتحان ، ثم قال : وأحاديث هذا الباب ليست قوية ، ولا تقوم بها حجة ، وأهل العلم ينكرونها ؛ لأن الآخرة دار جزاء ، وليست دار عمل ، ولا ابتلاء ، فكيف يكلَّفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين ، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها ؟! .
    وأجاب عن ذلك ببيان قوة الأحاديث الواردة في الباب ، كما نقلناه عنه سابقا ، ثم قال : وأما قوله : " إن الآخرة دار جزاء " : فلا شك أنها دار جزاء ، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار ، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة مِن امتحان الأطفال ، وقد قال الله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ) ن/42 ، وقد ثبتت السنَّة في الصحاح وغيرها : أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة ، وأما المنافق : فلا يستطيع ذلك ، ويعود ظهره طبقاً واحداً ، كلما أراد السجود : خَرَّ لقفاه .
    وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجاً منها : أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه ألا يسأل غير ما هو فيه ، ويتكرر ذلك مراراً ، ويقول الله تعالى : ( يا ابن آدم ، ما أغدرك ! ) ثم يأذن له في دخول الجنة .
    وأما قوله : " وكيف يكلفهم دخول النار وليس ذلك في وسعهم ؟ " : فليس هذا بمانع من صحة الحديث ؛ فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط ، وهو جسر على جهنم أحدّ من السيف ، وأدق من الشعرة ، ويمرُّ المؤمنون عليه بحسب أعمالهم ، كالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل والرِّكاب ، ومنهم الساعي ، ومنهم الماشي ، ومنهم من يحبو حبواً ، ومنهم المكدوش على وجهه في النار ، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا ، بل هذا أطم ، وأعظم .
    وأيضاً : فقد ثبتت السنَّة بأن الدجال يكون معه جنَّة ونار ، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار ، فإنه يكون عليه برداً وسلاماً ، فهذا نظير ذلك .
    وأيضاً : فإن الله تعالى قد أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم ، فقتل بعضهم بعضاً ، حتى قتلوا ـ فيما قيل ـ في غداة واحدة : سبعين ألفاً ، يقتل الرجل أباه ، وأخاه ، وهم في عمايةِ غمامةٍ أرسلها الله عليهم ، وذلك عقوبة لهم على عبادتهم العجل ، وهذا أيضاً شاق على النفوس جدّاً ، لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور ، والله أعلم . " تفسير ابن كثير " ( 5 / 58 ) .


    ب. وقد فصل ابن القيم رحمه الله وجوه الجواب السابقة ، كما أشرنا إليه ، وزاد فيها وجوها أخرى ، منها :

    * أن موجب هذه الأحاديث هو الموافق للقرآن وقواعد الشرع ؛ فهي تفصيل لمَا أخبر به القرآن أنه لا يعذَّب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه ، وهؤلاء لم تُقَم عليهم حجة الله في الدنيا ، فلا بُدَّ أن يقيم حجته عليهم ، وأحق المواطن أن تُقام فيه الحجة : يوم يقوم الأشهاد ، وتُسمع الدعاوى ، وتُقام البينات ، ويَختصم الناس بين يدي الرب ، وينطق كلُّ أحدٍ بحجته ومعذرته ، فلا تنفع الظالمين معذرتهم ، وتنفع غيرهم .

    * أنه قد صحَّ بذلك القول بها عن جماعة من الصحابة ، ولم يصح عنهم إلا هذا القول ، والقول بأنهم خدَم أهل الجنة : صح عن سلمان ، وفيه حديث مرفوع ، وأحاديث الامتحان : أكثر ، وأصح ، وأشهر .

    * أن أمرهم بدخول النار ليس عقوبة لهم ، وكيف يعاقبهم على غير ذنب ؟ وإنما هو امتحان واختبار لهم ، هل يطيعونه أو يعصونه ، فلو أطاعوه ودخلوها : لم تضرهم ، وكانت عليهم برداً وسلاماً ، فلما عصوه وامتنعوا من دخولها : استوجبوا عقوبةَ مخالفةِ أمرِه ، والملوك قد تمتحن مَن يُظهر طاعتهم هل هو منطوٍ عليها بباطنه ، فيأمرونه بأمرٍ شاقٍّ عليه في الظاهر ، هل يوطِّن نفسه عليه أم لا ، فإن أقدم عليه ووطن نفسه على فعله : أعفوه منه ، وإن امتنع وعصى : ألزموه به ، أو عاقبوه بما هو أشد منه .

    وقد أمر الله سبحانه الخليل بذبح ولده ، ولم يكن مراده سوى توطين نفسه على الامتثال والتسليم ، وتقديم محبة الله على محبة الولد ، فلما فعل ذلك : رَفع عنه الأمر بالذبح .
    وأما أن ذلك "ليس ذلك في وسع المخلوقين " فقد أجاب عنه ابن القيم من وجهين :
    أحدهما : أنه في وسعهم ، وإن كان يشق عليهم ، وهؤلاء عبَّاد النار ، يتهافتون فيها ، ويُلقون أنفسهم فيها ؛ طاعةً للشيطان ، ولم يقولوا " ليس في وسعنا " ، مع تألمهم بها غاية الألم ، فعبَاد الرحمن إذا أمرهم أرحم الراحمين بطاعته باقتحامهم النار : كيف لا يكون في وسعهم ، وهو إنما يأمرهم بذلك لمصلحتهم ومنفعتهم ؟ .
    الثاني : أنهم لو وطَّنوا أنفسهم على اتباع طاعته ومرضاته : لكانت عين نعيمهم ، ولم تضرَّهم شيئاً .
    قال رحمه الله :
    " فالسنَّة ، وأقوال الصحابة ، وموجب قواعد الشرع وأصوله : لا تُردُّ بمثل ذلك ، والله أعلم "
    انظر : " أحكام أهل الذمة " ( 2 / 1148 – 1158 ) .

    وهذا كلام متين ، فيه بيان المسألة وتجليتها ، ونسأل الله أن يرزقنا العلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن يتوفانا على الإيمان .
    والله أعلم".

    https://islamqa.info/ar/answers/98714/
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •