"الحكمة الذاتية" في ربيع العمر





عندما تصل المرأة إلى مرحلة ربيع العمر يكون من الضروري أن تقف مع نفسها وقفة هادئة ممتدة تبحث فيها عن طاقة داخلية كامنة تولدت في أعماقها على مدار الأيام والسنوات هذه الطاقة عنوانها "الحكمة الذاتية"، وهي طاقة تختلف من امرأة إلى أخرى بحسب طبيعة شخصية كل إنسانة وكذلك وفقاً لما مرت به في حياتها من ظروف وتحديات وتفاعلات.
الأهمية الحقيقية للبحث عن عن "الحكمة الذاتية" تكمن في أن المرأة في هذه السن المتقدمة وفي هذه المرحلة الحساسة من عمرها يجب ألا تواصل اللهث وراء متاع الدنيا ونعيمها بقدر ما تكون مطالبة بأن تعيد حساباتها في الكثير من الأمور وتصل إلى مستوى غير مسبوق من التوازن النفسي والعقلي والوجداني لتكون نظرتها في تقييم الحياة وتقييم نفسها وتقييم المحيطين بها نظرة أكثر مصداقية ووضوحا وشفافية.
"الحكمة الذاتية" هي حكمة تستمدها الإنسانة في مرحلة ربيع العمر من تجاربها وخبراتها وذكرياتها ومن قدرتها على التواصل مع ربها توصلا حقيقيا مبنيا على التأمل والتفكر المصاحب للعبادة، وبالتالي فهي حكمة من غير الممكن أن تأتيها بدون أن تبذل مجهوداً في التفكير والإحساس والتأمل.
المرأة في ربيع العمر وفي سبيل تحصيل هذه "الحكمة الذاتية" عليها أن تتأكد أنه ومع أهمية الإكثار من العبادات والشعائر التي تقرب القلب من الله والتي تكسبها المزيد والمزيد من الحسنات التي تثقل موازينها يوم القيامة، عليها أن تتأكد أن هذا وحده ليس كافياً في اكتساب هذه الحكمة، فعبادة التفكر والتأمل والتدبر لا تقل أهمية خاصة في هذه المرحلة العمرية عن العبادات الأخرى القائمة على الشعائر.
حتى تنجح المرأة في ربيع العمر في تحصيل "الحكمة الذاتية" من الضروري أن تتجرد من الكثير من الهوى والأطماع والأغراض، وعليها أن تخصص وقتا كبيرًا من أيامها في التفكير واستحضار الماضي والعمل على استخلاص العبر وإعادة تقييم الكثير من المواقف والأفعال.
من غير الممكن أن تمر عليك مرحلة ربيع العمر بدون أن تكوني قد استطعتي أن تغيري الكثير من الأنماط التي اعتدتي على التفكير بها طوال سنوات العمر الماضية، من الضروري أن تكوني قادرة على الخروج خارج حدود الذات حتى تستطيعي أن تري الكثير من الأمور والقواعد المحيطة بك بنظرة أكثر موضوعية وعلى أساس من الحياد والشفافية، وقد تفاجئين بأن الكثير من الشخصيات في حياتك قد تستحق كل هذا التقدير والاحترام والمراعاة، والعكس قد تكتشفين أن الكثير من الشخصيات في حياتك يجب أن تكون لها مكانة مختلفة أكثر أهمية فيما تبقى لك من العمر، وكذلك فيما يتعلق بالأفكار والقناعات والتوجهعات قد تكتشفين أنك أضعتي الكثير من الوقت والجهد في حياتك تبحثين عن السراب وتهرولين خلف ما لا يمكن أن يكون رصيدا حقيقيا لك في كيانك ومشوار حياتك.
منقول