"وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين"



أحمد عباس



عندما يعيش القلب إحساس الإيمان الحقيقي، وعندما يشعر أنه يحمل بين طياته أمانة الدفاع عن دين عظيم، ورسالة هي الكلمة الأخيرة من رب الأرض والسماء إلى الأرض، يجد هذا القلب أن رعاية وحماية مقام هذه الرسالة والدفاع عن هذا الدين ودعوته غاية عظمى سامية.

إن هذا الدين العظيم كان سر انتشاره الحقيقي ونبع قوته الكاملة متمثلا في التزامه الصدق ووفاء الوعود والتزكي عن الدنيا ومتاعها وتحقيق الأغراض فيها، للدرجة التي جعلت كل النجاحات التي حققها رسول الله صلى الله عليه وسلم على صعيد الأحداث الواقعية في مسيرة رحلته، هي نجاحات مرتبطة ارتباطا تاما مستمرا لا ينفصل ولو لحظة عن الهدف الدعوي، فقد كانت سبيله صلى الله عليه وسلم ومن يتعبه أن يدعو إلى الله على بصيرة ومن اتبعه.

لما كان هدفه هو تعبيد الناس لرب العالمين وزرع الإيمان واليقين في القلوب وإتمام مكارم الأخلاق في النفوس، لما كان هذا هو هدفه الوحيد وفقه الله تعالى إلى كل انتصار وكل عزة وكل رفعة، على الرغم من أنه عليه الصلاة والسلام وفي المراحل الأولى من مسيرته عرض عليها أن يكون أغنى قريش وأن يكون سيد قريش وملكها المتوج على عرشها، لكنه أدرك يقينا أن الهدف الحقيقي له هو الوصول إلى القلوب كلها والنفاذ إلى العقول من أجل إيصال كلام الله عز وجل.

وأمر صلى الله عليه وسلم من ربه بأن يعلنها واضحة ومدوية أن الانتساب إلى هذا الدين لابد أن ترتبط بالعمل الصالح أولاً لأن هذا هو ما يخدم الدين فالعمال الصالح قبل الادعاء بالانتساب إلى الإسلام، لأن الإسلام ليس تجربة قابلة للفشل أو النجاح، ليس مشروعا محتمل فيه الكسب أو الخسارة، والإسلام ليس محاولة بشرية يمكن أن تتوج بالإنجاز أو تنهار إلى الانتهاء، الإسلام هو دين الله تعالى وكلمته الأخيرة إلى البشر، ومن ثم أصبح الضروري أن يعمل الإنسان صالحا اولا ثم يعلن انتساب عمله إلى هذا الدين العظيم، فالذي يحب الإسلام لا يمكن أن ينسب له فشلاً حتى لو كان هذا الفشل في عين الناس الآخرين فقط وليس في عين المحبين لهذا الإنسان.

العبرة الحقيقية هو نجاح الدعوة إلى دين الإسلام وهذا النجاح يفرض على كل من ينتمي إلى هذا الدين أن يبذل قصارى جهده أن يتعاطف الناس وينبهروا بأخلاق المسلم ونجاحه وطيبته وأخلاقه وإنجازه على الأرض، لا يمكن أن يقتنع الناس بدعوة الإسلام إذا كانوا يرون أن من يحملها يكذب عليهم أو يخدعهم أو يغرر بهم، والعبرة هنا هي في نظرة هؤلاء الناس لأن الهدف هو بذل أقصى جهد ممكن من أجل أن يحبوا الاستماع إلى كلام الله ويقبلون على الله ويبدأ الإيمان في التغلغل داخل قلوبهم وأرواحهم.

المسلم مأمور في هذه الدنيا أن يجعل الدعوة إلى الله هدفه الأساسي اقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم والخطوة الثانية الواضحة الحاسمة هي أن يعمل صالحا أن يكون سلوكه وواقعه وتعامله مع الناس الآخرين هو تعامل صالح صادق فيه حب وفيه تقدير وفيه احترام وليس فيه كراهية وليس فيه حقد وليس فيه كذب وليس فيه استخفاف وليس فيه استعلاء، ثم بعد هذا العمل الصالح المبهر الذي يجبر القلوب على الإعجاب به وتقدير صاحبه، بعد هذا تأتي المرحلة الثالثة فيقول المسلم إنني من المسلمين فيقبل الناس على هذا الدين العظيم الذي بدأ بالدعوة إلى العقيدة وليس إلى مشروع دنيوي، هذا الدين العظيم الذي يلتزم أتباعه الصدق مع كل الناس حولهم وليس فقط فيما بينهم ويقدمون الأعمال الصالحة لخدمة دينهم وليس لخدمة مشروعهم الدنيوي واجتهادهم البشري الخاص بهم، مصداقا لقول الله تعالى: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين".