طول الأمل هو: دوام الحرص على الدنيا، مع الإعراض عن الآخرة.
وطول الأمل هو: أن تظن أن بينك وبين الموت مسافات ومفاوز.
وطول الأمل ليس من أخلاق المسلمين، وإنما هو من أخلاق غيرهم.
الذين قال تعالى عنهم: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُ مْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) ﴾ [البقرة: 96].
فإنَّ الشيطان يَعِد الإنسانَ بالوعود الكاذبة، ويُمنِّيه بالأماني الخادعة، ويشجِّعه على الانغماس في الشهوات، والوقوع في المحرَّمات، واللهث وراء الملذات؛ كما قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلا غُرُورًا﴾ [النساء: 120].
وقال تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا ، وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر: 3].
وقد حذرنا النبي ﷺ من طول الأمل.
ففي «صحيح البخاري»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ ﷺ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ، وَقَالَ: «هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ: قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا»([1]).
وروى البخاري أيضًا، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ ﷺ خُطُوطًا، فَقَالَ: «هَذَا الأَمَلُ وَهَذَا أَجَلُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الخَطُّ الأَقْرَبُ»([2]).
وفي «الصحيحن»، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لَا يَزَالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الأَمَلِ»([3]).
وفي «الصحيحين» أيضًا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ المَالِ، وَطُولُ العُمُرِ»([4]).
وفي «الصحيحين»، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ر1ضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ»([5]).
وبعد أن حذرنا النبي ﷺ من طول الأمل، بيَّن لنا ﷺ حقيقة الدنيا.
ففي «الصحيحين»، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن عمر بن االخطاب رضي الله عنه دخل على النبي ﷺ، وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَضْبُورًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أُهُبًا مُعَلَّقَةً، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمَا الدُّنْيَا، وَلَكَ الْآخِرَةُ».
(قرظًا) ورق شجر يدبغ به. (مضبورًا) أو (مصبورًا)؛ أي مجموعًا كالصبرة؛ وهي الكومة.
وروى أحمد، وغيره، وصححه الألباني، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا، إِلا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».
وفي «الصحيحين»، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ»([6]).
وفي «الصحيحين»، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ»([7]).
وفي «الصحيحين»، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا»([8]).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﭭ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ»([9]).
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: «ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ».
* علاج طول الأمل:
أولًا: تذكرْ أنك راحل؛ حقيقة لا يجهلها أحد، ولا يُماري فيها أحد، لكنّ كثيرا من الناس عنها غافلون؛ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَة الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفوْنَ أجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].
الموت باب وكل الناس داخله *** فيا ليت شعري بعد الباب ما الدار.
فليعلمْ مَن طال أمله، وتعلق بالدنيا قلبه، أن الموت يأتي بغتة من غير إنذار ولا إعلام. ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجمعة: 8].
وقال تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88].
وقال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)﴾ [الرحمن: 26].
ثانيًا: لا تعلق قلبك بما هو فان وزائل؛ فالدنيا إلى زوال، الدنيا إلى فناء، لا قرار فيها، ولا خلود فيها.. إنما القرار والخلود في الدار الآخرة. ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)﴾ [الأعلى: 16، 17].
وقال تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)﴾ [الروم: 64].
ثالثًا: زيارة القبور: قال تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)﴾ [التكاثر: 1 - 8].


[1])) أخرجه البخاري (6417).

[2])) أخرجه البخاري (6418).

[3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6420)، ومسلم (1046).

[4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6421)، ومسلم (1047).

[5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6439)، ومسلم (1048).

[6])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6446)، ومسلم (1051).

[7])) أخرجه مسلم (1054).

[8])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6460)، ومسلم (1055).

[9])) أخرجه البخاري (6416).