الفريسة

بقلم : عبد الله العيادة


أشرقت شمس ذلك اليوم من أيام الخريف وعمري قد تجاوز العشرين بقليل.. تداعبني الأحلام الوردية - كأي فتاة بلغت هذا السن - عن مساحة الزواج وهمومه وأمانيه وأحلامه، وكيف سيكون زوج المستقبل ؟ وما هي مواصفاته ؟ ولم أدر أنَّ أحلامي ستكون خيالية وبعيدة عن الواقع..

أفقت من سراديب أحلامي في ذلك اليوم على صوت والدي الطاعن في السن وهو يناديني بلغة وبكلام لم أعهده من قبل، فالحنان والعذوبة تذرفان من بين شفتيه على غير العادة !!

تعالي يا بنيتي ويا قرَّة عيني.. أجلسي بجواري، مسح بيده على شعري، أحسست بدفء يديه ، فاستنتجت أنَّ هناك أمراً غريباً قد لا أقوى على احتماله ولا أستطيع ردَّه في الوقت نفسه، فأسرعت أنفاسي وتلاحقت ضربات قلبي، فأحسست أنَّ كل الناس تسمع صوتها،

قال لي والدي: أتعلمين من اتصل قبل أيام؟ ودون أن أجيب سبقني قائلاً: إنه "فلان" يريد أن نخلي البيت؛ لأنه سوف يباع بالمزاد العلني ليستوفي الرجل حقه، فارتفع موج قلقي وخوفي ممَّا سيقوله بعد ذلك، وهل هذه بوادر مساومة لأن أكون أنا السلعة لاستيفاء هذا الدين؟

اعتدل والدي في جلسته، وهو يقول: يا ابنتي كل بنت مصيرها الزواج من رجل، فهذه سنة الله في خلقه، فقلت: نعم، والقلق يعصف بي، ترى ماذا يريد والدي ولماذا هذه التلميحات، والدي أعرفه جيداً وأعرف حرصه الشديد وغير المعقول على حب المال، الأمر الذي قد لا أتصور بماذا يفكر وماذا سيعمل؟!

قال: يا بنيتي تقدَّم لك رجل للزواج وهو ليس طاعناً في السن وقد صقلته تجارب الحياة، وسيوفر لكِ كل ما تريدين، ثم أطلق لخياله ولسانه العنان واستخدم كلّ مفردات الإقناع والإغراء، مع إغلاق منافذ التفكير عليَّ لاتخاذ القرار، فنطق بدلاً مني بعد ما أظهر قلقه وخوفه من أن يتقدَّم صاحب الدين بشكوى، فقد يدخل السجن؛ وذلك ليستدرّ عطفي وشفقتي عليه.. وفعلاً أشفقت على والدي..

تمَّ كل شيء بسرعة هائلة.. اقترنت بالزوج الذي صعد به والدي إلى الثريا، عندما أراد أن يقنعني بقبوله بعد ما استلم الفدية..

بعدها لم يسألني والدي كيف أحوالي.. الزوج يعاني من المرض المزمن الذي يحول بينه وبين تأدية الوظائف الزوجية، تركت موطني ومرتع صباي، وتركت أهلي الذين باعوني بحفنة من المال وأنا أتجرع مرارة الألم والحرمان.


فأنا الآن لست بزوجة مثل باقي الزوجات، ولم أبق بنتاً بين أمي وأبي مثل باقي البنات..!
عصف الشيطان بي ووسوس لي وزيَّن لي المعصية بحجَّة الانتقام وجمع المال، فطعنت نفسي وألقيت بها في هاوية الضياع بعد ما تمزَّق لحمي وغاب وعيي؛ لأني لم أتربَّ على التقوى ولم يُضرب عليَّ سياج الوازع الديني، فلم أكن أعلم من أمر ديني إلا اسمه.

فها أنا ذا في لجَّة اليم والأمواج تحيط بي.. وأرى ملامح الضياع من بعيد تناديني.. والشيطان يدعوني للسباحة في هذا اليم، وأنا أصرخ وأصرخ ولكن صدى صوتي ذهب أدراج الرياح..
فمن المسؤول عن ضياعي وشتاتي؟
أهو والدي الذي باعني كما يُباع سقط المتاع، أم هو زوجي المريض الطاعن في السن وقد فقد القدرة على كل شيء، أم هو المجتمع الذي لا يرحم، فإذا رأى فريسة ضعيفة افترسها دون رحمة ؟!