بحث في / (مَقَاصدِ سُورةِ التوبةِ)
(عَوامِلُ وَآلِيَّاتُ سَلَامَةِ وَصَلَاحِ الْـجَمَاعَةِ الْـمُؤْمِنَةِ وَإِقَامَةِ الدِّينِ فِي الْأَرْضِ)
(تَرْبِيَةٌ ، وَكَشْفٌ ، وَبَرَاءَةٌ وَجِهَادٌ)
1 - (مَدَنِيَّةٌ/آخِرُ أَوْ مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ) : - قال الْبِقاعي-رَحِمَهُ اللهُ-: (وهي مدنيةٌ إِجْمَاعًا ، قال الجَعْبريُّ : وقيل هِيَ آخرُ الْـمَدَنِيِّ ، وقال أبو حَيَّانَ : إلا آيتين من آخرها نزلتَا بمكةَ ، وهو قولُ الجمهورِ) مصاعد النظر 151-.
2 - فَضْلِ السُّورَةِ :
مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) ، وَهُوَ عَامٌّ فِي السَّبْعِ الطُّوَالِ الْأُوَلِ ، فَيَشْمَلُهَا.
3 – مَقْصَدُ السُّورَةِ : قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ رَبِّه عبد الله التَّليدي -رَحِمَهُ اللهُ- : (وَأهدافُ السُّورةِ : (التَّشْرِيعُ الْإِسْلَامِيُّ ، وَالْكَلَامُ عَلَى الشُّؤُونِ السِّيَاسِيَّةِ ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَالْـحَضُّ عَلَيْهِ ، وَالِاسْتِنْفَارُ لِقِتَالِ أَعْدَاءِ الدِّينِ ، وَبَعْضُ أَحْكَامِ السِّيَاسَيِّةِ الْـخَارجِيَّةِ ، ثُمَّ التَّحَدُّثُ عَنِ الْـمُنَافِقِين َ وَكَشْفُ عَوْرَاتِهِمْ وَمَا فَعَلُوهُ وَقَامُوا بِهِ مِنْ دَوْرٍ وَمَكْر وَكَذِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِمْ أَخَذَ مُعْظَمَ السُّورَةِ) مقاصد القرآن الكريم ومحتوياته 98-.
4 - لِـمَاذَا سُمِّيَتْ بِـ (التَّوْبة) ؟ وَمَا وَجْهُ تَسْمِيَتِهَا بذلكَ ؟ (انظر الْـمَعَانِي اللُّغَوِيَّة في : (لسان العرب 1/233 ، ومقاييس اللغة 1/357). (يقال : (تابَ إِلى اللهِ) توبا ، ومتابا ، وتَابَةً : رجع عن المعصية ، وهو تائب ، وتاب الله عليه ؛ وهو تواب على عباده...، وقال ابن منظور :التوبة الرجوعُ عن الذنب ، وتاب إلى الله يتوب توبا ، وتوبة ، ومَتابًا : (أنابَ ، وَرجعَ عن المعصية إلى الطاعةِ) ، وتابَ اللهُ عليه : (وَفَّقَهُ لَهَا)...، ويكادُ يكون المعنى الذي تناوله علماء اللغة عن التوبة متقاربًا لفظا ومعنًى ، فهي الرجوعُ ، وَالإنابةُ إلى الله تعالى) -مجلة البحوث الإسلامية ، العدد الحادي والخمسون ، التوبة في منهج القرآن الكريم-. قَالَ الْبِقَاعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (ومقصودُها (مُعَاداةُ)مَن أعرض عما دعتْ إليه السورُ الماضية ، مِنَ اتِّباعِ الداعي إلى الله في توحيدِه ، واتِّباع ما يُرضيه ، (وَمولاةُ) مَن أقبل عليه ، (وَأدلُّ ما فيها على الإبلاغِ في هذا المقْصَدِ : (قصةُ الْـمُخَلَّفِين َ)) ، فإنهم لِاعترافهم بالتخلف عن الداعي بغير عذر في غزوة تبوكَ ، المحتَمَلُ على وجْهٍ بعيد منهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، وَقد هُجِروا وأُعْرِضَ عنهم بكل اعتبارٍ حتى بالكلام ، حتى بالسلام إلى أن تِيب عليهم ، فذلكَ مَعْنَى تسميتِها بِـ (التَّوْبَةِ) ، وهو يدل على البراءة ؛ لأن البراءة منهم بهُجرانهم ، حتى في ردِّ السلام ، كان سببَ التوبة ، فَهُو من إطلاق المسبَبِ على السَّببِ)مصاعد النظر 2/ 156 بتصرف-. (قال ابن الأعرابي : (برِئَ إذا تَخَلَّص ، وبرئ إذا تنزَّه وتباعد ، وبرئ إذا أعْذرَوأنذرَ ، ومنه قوله تعالى : (بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ...١)) -التوبة- ، أي : إعذار وإنذار...، وليلة البراء : ليلة يتبرأ القمر من الشمس ، وهي أول ليلة في الشهر) –محمد بن سعيد القحطاني ، الولاء والبراء في الإسلام 89- ، وسميت السورة الكريمة بِـ (براءة) ؛ (لِافْتِتَاحِهَ بِهَا ، وَمَرْجِعُ أَكْثَر مَا ذُكِرَ فِيهَا إِلَيْهَا) تبصير الرحمن 1/292- ، قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد القمَّاش حفظه الله- : (قال ابن عاشور -رَحِمَهُ اللهُ-: (سميت هذه السورة في أكثر المصاحف ، وفي كلام السلف :(سورة (براءة) ، ففي الصحيح ، عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، في قصة حجِّ أبي بكر بالنَّاس ، قال أبو هريرة : (فَأَذَّنَ معنا عليُّ بن أبي طالبٍ في أهل منًى بِـ (براءة)) -3/200 ، كتاب تفسير القرآن ، ح 4655 -، وفي صحيح البخاري ، عن البراء بن عازب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-قال : (آخرُ سورةٍنزلتْسورةٌ (براءة)) -6/64- ح 4364 ، وبذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه ، وهي تسمية لها بأول كلمة منها) الحاوي في تفسير القرآن الكريم 75/321 -.
وكُل أسماءِ السورة ، سواء ما كان منها في معنى (التوبة) ، أو ما كان في معنى (البراءة) ، جميعا تدل على محور السورة ، ومقصَدِها السابق ذكرُه في التَّرجمة ، وَهُوَ : (عَوامِلُ ، وَآلِيَّاتُ سَلَامَةِ وَصَلَاحِ الْـجَمَاعَةِ الْـمُؤْمِنَةِ وَإِقَامَةِ الدِّينِ فِي الْأَرْضِ) ، وَهِيَ تلك الثلاث : (التَرْبِيَةُ ، وَالكَشْفُ ، وَالجِهَادُ) ،
فَقَدْ اهْتَمِّتِ السُّورَةُ بِـ :
(التَرْبِيَةُ)
1- ذكرِ أَسْبَابِ ، وَعَوَامِلِ صَلَاحِ الْـجَمَاعَةِ فِي نَفْسِهَا ، فلا تَصْلُحُ لِلْإِصْلاحِ ، إن عُدِمَتِ الصلاحَ ، وهذا يناسبه اسم (التوبة) ، (مِنْ وَجْهِ) تقرير توبة الله تعالى على عباده التائبين ، ولو كان من نفاقٍ ، أوشركٍ كما سبق- ، وَ(مِنْ وَجْهِ) أن التوبة صفةٌ من صفات المؤمنين المجاهدين في سبيل ربهم تعالى كما سيأتي- ، ويناسِبُهُ اسْمُ (براءة) (مِنْ وَجْهِ)أن براءة المؤمنين من الْعاصين ، كما في قصة المخلفين ، سببُ توبتِهم وصلاحِهم ، وطَهارتِهم من ذنوبهم ، وسبق ذكرُه في كلام البِقَاعي -رَحِمَهُ اللهُ-. فَاهْتَمَّتِ السُّورَةُ الْكَرِيمَةُ :
1- بتَهْيِئَةِ وَتَرْبِيَةِ وَإِصْلَاحِ الْـجَمَاعَةِ الْـمُؤْمِنَةِ لِإِقَامَةِ الدِّينِ فِي الْأَرْضِ ، وقد ربَّى الله تعالى الطائفةَ المؤمنةَ الموحدةَ المجاهدةَ في السورة تربيةً تؤهلها لِلْقيام بتِلك الْـمَهَمَّة التي نِيطَت بها ، منَ (الجهادِ فِي سَبِيلِ رَبِّهَا تَعَالَى)، فربَّاها اللهُ تعالى على (تَقْواه) ، ذَلِكَ المعنى الكبيرِ الذي نزلت سورُ القرآن جميعُها بتأسيسه وترسيخِه ، والدعوةِ إليه ، غيرَ أن كلَّ سورةٍ اخْتَلَفَتْ عن الأخرى في عرضِ مَعْنَى هذه (التَّقْوَى) على حَسَب مَقْصَدِها وَجَوِّهَا ، وفي هذه السورةِ ربَّى الله تعالى الطائفةَ المؤمنةَ على معنى (التَّقْوَى) ، وهُوَ في السورةِ (توحيدُه تَعالى بِالجهادِ فِي سَبِيلِه) ، وشَمَلتْ تلك التربيةُ (السَّلم ، وَالْـحَربَ) ، وقامتْ في السُّورة عَلَى أُمُورٍ ، هِيَ :
- التَّرْبِيَةُ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ ، وَمِنْهُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى : فَاهْتَمَّتِ السورةُ ببيانِ الصِّفَاتِ الواجبِ علي الجماعة المؤمنة إقامَتُها وَالْتَزِامُها ؛ (لِيَكُونُوا أَهْلًا لِإِقَامَةِ الدِّينِ فِي الْأَرْضِ كُلِّ الْأَرْضِ ، ومِنْ ثَمَّ السعادةُ في الدَّارَيْنِ) : (18 - 22) ، (71 - 72).
* (مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ ١٧ إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ ١٨ ۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٩ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٢٠ يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰنٖ وَجَنَّٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ ٢١ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ ٢٢) -التوبة-. فَعِمَارَةُ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ إِشَارَةٌ إِلَى (إِقَامَةِ الدِّينِ) ، والصفاتُ المذكورةُ في الآيةِ وآياتِ السورةِ هِيَ (صِفَاتُ الْفِئَةِ وَالطَّائِفَةِ الْـمُقِيمَةِ لَهَذَا الدِّينِ) ، فَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى عِمَارَةَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرامِ لِمَنْ (آمَنَ بِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَأَقامَ الصَّلَاةَ ، وَآتَى الزَّكَاةَ ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ رَبِّهِ تَعَالَى ، وَلَمْ يَخْشَ سِواهُ) ، وَقال تعالى -أيضا- : (ٱلتَّٰٓئِبُونَ ٱلۡعَٰبِدُونَ ٱلۡحَٰمِدُونَ ٱلسَّٰٓئِحُونَ ٱلرَّٰكِعُونَ ٱلسَّٰجِدُونَ ٱلۡأٓمِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١١٢) -التوبة-.
- التَّرْبِيَةُ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ النَّفْسِيِّ لِقِتَالِ الْـمُفْتَرِينَ الْـمُعْتَدِينَ ؛ لِيَكُونَ الدِّينُ للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ ،فالْـهَدَفَ مِنَ الْجِهَادِ وَالْـمُقَاتَلَ ةِ (إِقَامَةُ دِينِ اللهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا) ، وَلَيْسَ فَقَطْ سَلَامةَ الجماعةِ وَالْـمُجْتَمَع ِ الْـمُؤْمِنِ مِنْ كَيْدِ وَشَرِّ أَعْدَائِهِ مِنَ الْـمُنَافِقِين َ وَالْكَافِرِينَ وَالْـمُجْرِمِي نَ.
* (۞إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُوا ْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١١١ ٱلتَّٰٓئِبُونَ ٱلۡعَٰبِدُونَ ٱلۡحَٰمِدُونَ ٱلسَّٰٓئِحُونَ ٱلرَّٰكِعُونَ ٱلسَّٰجِدُونَ ٱلۡأٓمِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١١٢) -التوبة-. *(قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ ٢٩...) -التوبة-. - التَّرْبِيَةُ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ وَالْآخِرَةِ إِيمَانًا إِيجَابِيًّا يَدْفَعُ إِلَى الثِّقَةِ بِاللهِ تَعَالَى ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَاسْتِحْضَارِ مَعِيَّتِهِ :
*(إِن تُصِبۡكَ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡۖ وَإِن تُصِبۡكَ مُصِيبَةٞ يَقُولُواْ قَدۡ أَخَذۡنَآ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمۡ فَرِحُونَ ٥٠ قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٥١ قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِ ۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٖ مِّنۡ عِندِهِۦٓ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ٥٢) -التوبة-. - التَّرْبِيَةُ عَلَى خَشْيَتِهِ تَعَالَى وَحْدَهُ بِلَا شَرِيكٍ : * (أَلَاتُقَٰتِلُو نَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ
أَتَخۡشَوۡنَهُم ۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣ قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡم
ٖ مُّؤۡمِنِينَ ١٤ وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ١٥أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٦) -التوبة-.
- التَّرْبِيَةُ عَلَى تَعَلُّقِ الْقَلْبِ
بِاللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ ، وَعَدَمِ الِاغْتِرَارِ بِالْكَثْرَةِ :
* (لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡ*ٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ ٢٥ ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢٦ ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٢٧) -التوبة-.
- التَّرْبِيَةُ عَلَى تَوَلِّي اللهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَالْـمُؤْمِنِينَ ، وَالْكَوْنِ مَعَ الصَّادِقِينَ الْـمُجَاهِدِين َ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى ، أَيْ :عَلَى مَنْهَجِهِمْ وَفِي صُحْبَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ ، وَالْبَرَاءِ مِنْ عَدُوِّهِمْ ، وَهُجْرَانِ أهل السوء وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ بِالنَّفْسِ عَنْ رَسُولِ الله –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَذلك (بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَلِ بِأَمْرَهِ وَشَرْعِهِ ، وَاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ) –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
* (وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ١٠٧ لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِين َ ١٠٨ أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٠٩...) -التوبة-.
* (لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِي نَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١١٧ وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ١١٨ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩) -التوبة-.
- التَّرْبِيَةُ الْأَخْلَاقِيَّ ةُ ، وَمِنْهَا الْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ وَلَوْ مَعَ الْـمُشْرِكِينَ :
*
(إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡ*ٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ ٤) -التوبة-.
* (كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ ٧) -التوبة-.
- التَّرْبِيَةُ عَلَى التّوْبَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِالْـخَطَأِ وَالنَّدَمِ عَلَيْهِ ، وَإِتْبَاعِ السَّيِّئَةِ الْـحَسَنَةَ :
(وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ١٠٢ خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ١٠٣ أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ١٠٤) -التوبة-. * (ٱلتَّٰٓئِبُونَ ٱلۡعَٰبِدُونَ ٱلۡحَٰمِدُونَ ٱلسَّٰٓئِحُونَ ٱلرَّٰكِعُونَ ٱلسَّٰجِدُونَ ٱلۡأٓمِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١١٢) -التوبة-.
(الكَشْفُ)
2 - وَكَشْفِ وَفَضْحِ الْـمُنَافِقِين َ وَالكافِرِينَ وَمَنْ عَلَى شاكلتهم ؛ لِبيانِهم وتَزْيِيلِهِمْ لِلْمُؤْمنين. فَاهْتَمَّتْ السورة الكريمة بِـ (ذِكْرِ وَكَشْفِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ مِنَ الْـمُنَافِقِين َ وَمَنْ شَاكَلَهُمْ ؛ بَصِيرَةً لِلْأُمَّةِ ، وَدَفْعًا ودَحْضًا لخِداع وَبَاطِلِ مُدَّعَى الْـمُنَافِقِين َ وَالْكَافِرِينَ وَالْـمُشْرِكِي نَ الْـمُحَارِبِين ِ للهِ ورسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، والمؤمنينَ مِن أنهم يقيمونَ الدينَ ، ويصلحُون في الأرض ، وأن المؤمنين همْ أهلُ الفسادِ الْـمُبَدِّلُون َ دينَ الناس كما ادَّعَى فرعونُ ذلك على مُوسىعَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ قَبْلُ- ، وَالْحَقِيقَةُ أنهم همُ الْـمُفْسِدُونَ الْـمُجْرمونَ الظَّالَمُونَ الْـمُعْتَدُونَ ، وهذا هُوَ الَّذي يخدعُ بِهِ (أهلُ النفاقِ خُصوصًا) الْـمُؤْمِنِينَ عبرَ الزَّمَانِ ، وَكَأَنِّي بِقَوْلِهِ تَعَالَى في سورة (البقرة) فِي وَصْفِ الْـمُنَافِقِين َ : (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ ٨ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ٩ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ١٠ وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ ١١ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ ١٢ وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ ١٣ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ ١٤ ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ١٥...) -البقرة-. فَبينت (خطر المنافقين خاصةوَأثرهم السيء) في إحداث الفتن في المؤمنين ، وعدائهم الشديد لهم ، وَبينت أيَّما بيانٍ أوصافهم وسبيلهم ؛ ليحذرَهُمُ المؤمنون ، ولا ينخدعُوا بما يظهرونَ من إيمان ، وبهذا الِانْكشاف يتميزوا ، فيتبرؤُ المؤمنونَ منهم ، فقد حَضَّتِ السورةُ المؤمنينَ على البراءةِ منهم ، وجهادِهم ، والإغلاظِ عليهم ، وَعَلى إخوانِهم من الكافرين والمشركين من أهل الكتاب ، وغيرِهم -وإن كانوا أولي قربى- ؛ لذلك جاء الأمر في السورة الكريمة النهيُ عنْ الِاستغفارِ والدعاءِ لهم بالرَّحمة ، و الصلاةِ على أحدهم ، (كَمَا حَدَّدتْ السُّورةُ العلاقاتِ النهائيةِ بين الْـمُعَسكرِ الإسلاميِّ وَمعسكر المشركين وأهل الكتاب ، وَقررتِ الْأسبابَ العقائديةَ وَالتاريخيةَ وَالواقعيةَ التي تَحَتِّمُ هذا التحديدَ ، وَأنَّ المعركةَ العقائديةَ لا علاج لها إلا الجهادُ الشاملُ ، وَمِنْ ثَمَّ نَعَي عَلى المتثاقلين المتكاسلين عن النفير بسبب مشقة الغزوِ)عون الكريم 11 بتصرف-. ومن هذا يتضحُ وجهُ تسميةِ السورةِ باسم (براءة) ، أو (الكاشفة) ، أو نحوِهما ، وعَلَاقَتُهُ بالحقيقةِ اللُّغوية السابقِ ذكرُها التي هي (التَّخَلُّصُ وَالتمُّيزُوَالْـحَذَرُ بَعْدَ الْكَشْفِ) : (1 70) ، (73 87) ، (90) ، (93 98) ، (101) ، (107 - 110) ، (113 – 116) ، (124 127).
*(بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١ فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخۡزِي ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢ وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٣) -التوبة-.
* (إِنَّمَا يَسۡتَ*ٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِي رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ ٤٥ ۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ ٤٦ لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ٤٧ لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ ٤٨ وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ ٤٩)-التوبة-. * (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِي نَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ٧٣...) -التوبة-.
(الْبَرَاءَةُ وَالْجِهَادُ)
3- وَحَضِّ الطَّائفةِ الْـمُؤْمِنَةِ على تَحْقِيقِ الْبَرَاءِ مِنَ الْكَافِرِينَ وَالْـمُنَافِقِين َ ، وَمنه جِهَادُهُم وَالْإِغْلَاظُ عَلَيْهِمْ ، وَدلالةُ اسم (براءةِ) على (هَذَيْنِ) واضحةٌ ، ويدل اسم (التوبة) عليهما -أيضا- من وُجُوهٍ ، فَلْيُتَدَبَّرْ ذلكَ. (فَاهْتَمَّتْ السورة الكريمة) بِبَيَانِ تلكَ الآلِيَّةَ الْـمُهِمَّةَ الْوَاجِبَ عَلَى الْـجَمَاعَةِ الْـمُؤْمِنَةِ بِكُلِيَّتِهَا الْعَمَلُ بِهَا وعدمِ التَّثَاقِلِ ، أَوِ التخلُّفِ عَنْهَا ، أَلَّا وَهِيَ الجهادُ في سبيلِ اللهِ تَعَالَى ؛ لإقامةِ ذلكَ الدينَ وعلُّوِهِ ، فهو (ضَمَانُ سَلَامَةِ وَحِفْظِ الْـمُجْتَمَعِ الْـمُؤْمِنِ مِنْ كَيْدِ أَعْدَائِهِ ، وَضَمَانُ صَلَاحِهِ ، بَلْ صَلَاحِ الْأَرْضِ جَمِيعِهَا) ؛ لذلك حَضَّتِ السورة الطائفة المؤمنة في المجتمع المؤمن الموحد على الجماعة والاجتماع في جهاد أعدائهم ؛ (لأن سلامة هذا المجتمع مسئولية جماعية تضامنية ، وَليس مسئوليةً فرديةً) ، ولا يعني هذا أن ينفِرَ المؤمنون كافة ، بلْ لكلٍ عملُه ومَهَمَّتُهُ المناسبةُ لإرساء دعائمِ المجتمع المؤمنِ الموحدِ السعيدِ في الدنيا والآخرة ، (فَهذا يجاهدُ ، وَهذا يُعَلِّمُ ، وهذا يَبْنِي ، وَهذا يصنعُ ، وَهذا يتولى القضَاءَ بين الناسِ ، وَهذا يتولى الحكم بينهم بحكمه تعالى ، وهذا لِلْحسبة ، وَهذا لِلْأَمْن ، وَهذا للإفتاءِ) ، وَهكذا فَلكلٍ عملُه ، وَكلٌ على ثَغْرٍ ، وَكلٌ في جهادٍ ، وَكلٌ عاملٌ بأمر وليِّ الأمر القائم بأمر الله تعالى، المقيمِ حكمِه وشرعِه في الناس، لَكِنْ إن أَعْلَنَ النفيرَ العام اسْتجاب الكلُّ ، كلٌ على حسَبِ طاقته واستطاعته ، والكلُّ متبع للنبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مطيع له ، غيرُ راغب بنفسه عن نفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك ، وَمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ : (120- 122).
*
(مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَ*ُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٢٠ وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٗ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةٗ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٢١۞وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُو اْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ ١٢٢) -التوبة- ، وَبينتِ السورةُ الكريمةُ وَقررتْ في هذا السياق -أيضا- عظيمَ قدرِ جهادِ الكفارِ ، والْـمُنَافِقِي نَ ، الذي به استقامةُ عبودياتِ الناسِ لربهم عز وجل ، وعدمُ فتنتِهم عن دِينِهِمْ ؛ لذلك لا يستوي من كان عملُه عمارةُ المسجد الحرام وسقايةُ الحاج –مع عظيمِ فعله وأجرِه عند اللهِ تعالى – ، ومن كان عملُه مجاهدةُ من يصد الناس عن بيته ، ويحادِّ الله تعالى ، ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، والمؤمنين بِنفسه وبِماله ، كما بينتِ عظيمَ أجرِ هذا الْـمُجاهدِ في الآخرةِ ، ثم إنه لا يستقيم الأول –العِمَارةُ ، وَالسِّقَايَةُ- إلا بالثاني الجهادُ في سبيلِ الله- ، كذلك لا شَكَّ أن استقامةَ أعمالِ الرِّفادة والسِّقاية مصدرُ رِزْقٍ وَخَيْرٍ مِنْ رَغَدِ الْعَيْشِ كَبِيرٌ ؛ إذْ أنَّ قدومَ الحجيج إلى بيت الله تعالى يأتي بالفتحِ ، والخيرِ من فضل الله تعالى عَلَى الطَّرفين (الحاجِّ ، وَأَهلِ الْـحَرَمِ) ، فَحَمِدَ اللهُ تَعَالى فعلَ الأعراب المومنين الْـمُجَاهِدِين َ ، والسابقينَ الأولين مِن الْـمُهَاجرين والْأنصارِ وَالَّذِين اتَّبعوهم بإحسانٍ : (1 – 89) ، (99 - 100) ، (111 – 112) ، (120 – 121).
*
(وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٩٩ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٠٠) -التوبة-.
* (۞إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُوا ْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١١١ ٱلتَّٰٓئِبُونَ ٱلۡعَٰبِدُونَ ٱلۡحَٰمِدُونَ ٱلسَّٰٓئِحُونَ ٱلرَّٰكِعُونَ ٱلسَّٰجِدُونَ ٱلۡأٓمِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١١٢) -التوبة-.
5 - وَجْهُ ارْتِبَاطِ سُورَةِ (التَّوْبةِ) بِسُورَةِ (الْفَاتِحَةِ) :
* سورةُ (التوبة) شأنها كشأن سور القرآن ، من حيث أنها بيان لقولِ الله تعالى من سورة (الفاتحة) : (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦) الفاتحة، فهي كشأن كل سور القرآن (مبينةٌ ، وَهَادِيَةٌ) الصراطَ المستقيم ، لَكِنْ وفقَ سِيَاقِهِا وَجَوِّهَا ؛ إذ لا تتماثلُ سورتانِ في مقصَدِهِمَا وسِيَاقِهِمَا وجَوِّهِمَا الخاصِّ أبدا ، وإن كانا قد يتشابهان في بعض ذلك ، كذلك كل سورة بيانٌ لِقَوْلِهِ تعالى من سورة (الفاتحة) : (إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ٥) -الفاتحة- ، (وَتوحيدُه تَعَالَى بالْعِبَادَةِ) فِي (التوبة)بالجهاد في سبيله وَابتغاءَ مرضاته ، َتوحيدُه بِالِاسْتِعَانَ ةِ) بتعلُّقِ الْقَلْبِ به في سؤالهتعالى النصرَ ، وَالثباتَ ، مَعَ الْعَمَلِ بِالْأَسْبَابِالتي شَرَعها سبحانه في ذلك.
* قال تعالى في سورة (الفاتحة) كَاشِفًا عن صراطِهِ المستقيم :(صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِٱلۡمَغۡضُ وبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ٧) -الفاتحة- ، ولما كانت الاستبانةُ لا تتم إلا ببيانِ سُبُل الشيطان وأهلِ الشر ، كشفَ تعالى عن الكافرين والمنافقين في سورة (براءة) ، كما لم يكشف عنهم في سورة غيرها ، وَاسْمُ السُّورَةِ ، وَزَمَانُ نُزُولِهَا يَدُلَّانِ على تخصُّصِها في ذلك ؛ لذلك أَمَرَ سبحانه بمعاداة ، وجهاد الصَّادِّينَ عن صِرَاطِهِ ؛ لِيَسْلَمَ للناس أمرُ دينهِم ، فَنَزَلَتْ سُورة (براءة). 6 - مناسبةُ سُورَةِ (التَّوْبَةِ) لِسُورَةِ (الْأَنفَالِ):
- قال السُّيوطي رَحِمَهُ اللهُ- : (صَدْرُ سورة (التوبة) –الآيات(3 -5)- : تفصيلٌ لإجمالِ قولِه تَعَالى في (الأنفال) : (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ ٥٨) -الأنفال- ، وآياتُ الأمرِ بالقتال مُتَّصلةٌ بِقَولِهِ هُنَاكَ : (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ...٦١) ؛ وَلِذَا قال هنا في قصةِ المنافقين : (۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ...٤٦) ، ثم بَيْنَ السورتين تناسبٌ من وجهٍ آخرَ ، وهو أنه سبحانه في (الأنفال)تولَّى قِسمةَ الغنائم ، وجَعَلَ خُمسها خَمْسَةَ أخماسٍ ، وفي (براءة) تَوَلَّى قِسْمَةَ الصدقاتِ ، وجعلها لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ) أسرار ترتيب القرآن 107-.
7 - مِنْ هِدَايَاتِ السُّورَةِ :
*
مِنَ (الرحمةِ) التي أرسل الله تعالى بها نبيَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، ذلكَ التشريعُ الذي يبين للمؤمنين طريقَ السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة ، وَمنه (الجهادُ دَفْعًا لفساد المفسدين وظلمِ الظالمين المجرمينَ ، وَلِتَصْلُحَ الأرضُ ويسودَها العدلُ بشرعه ، فمن ماتَ لتلك الغاية أدخله الله تعالى في رحمتِه ، وأسعدَه بجنتِه مع النَّبيين والصِّديقين ، ومن بَقِيَ بَقِيَ في رحمةٍ -أيضا- ، وقد طُهِّرَتِ الأرضُ من الأَنجاسِ ، وسَادَهَا الحقُ والعدلُ ، فَاللَّهُمَّ أَقِرَّ أَعْيُنَنَا بِشَرْعِكَ.
*
إن الناظر في أحوال الأمة اليوم يجد أنها بَعُدت تماما على الجملة ، وعلى مستوى الأفراد ، وعلى مستوى الجماعة- عن منهاج الله تعالى ، فأُلْقِيَ في القلوب الوهْنُ ، وعَمِلَ المنافقون فيها عملا ، فأفسدوا فيها بإشاعة الشبهات وَالفواحش وَالفتن ، وَبَدَلَأن يُحَاربوا ويجاهَدُوا ، وَبدلَأن تقومَ الأمة مجتمعةً ناصرةً لدينِ ربِّها ، وَبدلَأن يقوم كلُّ فردٍ فيها بواجبهِ ، تفرقُوافي حينِ اجْتَمَعَ أعداؤُهم من المنافقين وإخوانُهم عليهم ، بَلْطَغى الأمرُ بمصادقتِهم وَاتخاذِهم أولياءَ وَبِطَانَةً ، وأخذ البعضُ ممن آتاه الله تعالى عِلْما يَدْفع وَيدافعُ عنهم ، مُستخدمًا في ذلك النصوصَ والأدلةَ الشرعيةَ ، وصار يفعل ذلك إِما لنفاقٍ يُبطنُه أو لشبهةٍ وقع فيها ، والله تعالى أنْكر على الصحابة الكرام اختلافَهم ، ولم يكن ذلك منهم إلا تأويلا وقياسًا ، وَمَعَ ذلك أَنْكَرَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ اختلافَهُم فِي أَمْرِ الْـمُنَافِقِين َ الَّذينَ أَظْهَرَ اللهُ تعالى لهم ما يُبطِنون منْ كُفْرٍ ، وَوَصَفَهم لهم أيَّما وَصْفٍ ، وهذا مما تناولتْه سُورة (براءة) كما سبق- ، والسُّور قبلَها وَبَعْدَهَا ، حَتَّى سميت سورةٌ بِـ (المنافقون) ، أَفَلَمْ يَأن بعد كلِّ هذا أن تعرف الأمةُ عدُوَّها ، وَتستبينَ سبيلَه ؟!
أَلَمْ يَأن لها أن تعودَ إلى كتاب ربِّهَا ، وَسنةِ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَتَعْتَصِمَ بِرَبِّها ، وَبِحَبله ، مُجْتَمِعَةً بِهِ وَعَلَيْهِ ، غَيْرَ مُتَفَرِّقَةٍ ؟