احذري قبل فوات الأوان .. الانتحار بسبب التليفزيون !

القاهرة : سهير الجبرتي



احترسي.. لا تتركي أبنك وحيدا يشاهد التليفزيون.. لا تجعليه أسيرا له يتنقل بين محطاته ليلا و نهارا ، حاولي قدر الإمكان أن تبعديه عنه فأضراره أكبر بكثير من فوائده .
تلك الحقائق يؤكدها الخبراء والمتخصصون بعد أن ازدادت مؤخرا معدلات الجرائم والعنف الذي يرتكبه الصغار نتيجة برامج التليفزيون ومحاولتهم محاكاتها في الحقيقة فتكون الكارثة وهو ما يؤكد أن ترك التليفزيون للأطفال كأداة تسلية يساعد على تنمية نوازع عدوانية لديهم في ظل غياب التوجه الأسري.


· انتحار طفلة

سارة عبد اللطيف طفلة مصرية في العاشرة من عمرها أقدمت على الانتحار شنقا من خلال تقليدها لبطلة أحد الأفلام الأجنبية التي انتحرت خلال أحداث الفيلم.. طفلة أخرى بالإسكندرية قامت بالطيران من نافذة منزلها بعد أن شاهدت ذلك ضمن برنامج (فرافيرو العجيب) .. صبي دون الثانية عشرة يطعن خالته بالسكين ويستولى على مصاغها وقال في التحقيقات إن جريمته مستوحاة من فيلم سينمائي !!

المتابع لهذه النوعية من الجرائم يكتشف أن حوادث انتحار وعنف الأطفال ليست جديدة مما يطرح بعض التساؤلات حول أسباب تكرار مثل هذه الحوادث ؟ وهل هناك إهمال من الأسرة يدفع الأطفال إلى التقليد ؟ وهل للتركيبة النفسية للأطفال وتأثرهم بالتليفزيون عوامل أسهمت في إقدامهم على الانتحار والعنف ؟؟!!


· معدلات مرتفعة

الحقيقة المؤسفة تؤكد أن دفتر أحوال العنف عند الأطفال يسجل معدلات مرتفعة في نمو هذه الظاهرة الغريبة التي تسبب قلقاً للمجتمعات العربية في الأعوام الأخيرة خاصة بعد قيام أحداث صغار بارتكاب جرائم لا يقوم بها البالغون عادة !!

الدكتور طلعت إبراهيم لطفي الأستاذ بكلية الآداب بجامعة القاهرة فرع بني سويف أعد دراسة ميدانية تحت عنوان " التنشئة الاجتماعية" على مجموعة من التلاميذ في مرحلة التعليم الابتدائي للكشف عن سلوك العنف عند الأطفال .

أظهرت نتائج الدراسة أن هناك 117 من 823 تلميذاً مارسوا سلوك العنف وأظهرت النتائج أن 93 منهم "79.5 " يتسم سلوكهم بالعنف مع الآخرين ، وقد شمل العنف في هذه الدراسة دفع أو طرح أحد الأطفال على الأرض وهم 13 تلميذا ، و11.1% " قاموا بتحطيم الممتلكات داخل أو خارج المدرسة 11 تلميذا ، و9.4 % " قاموا بالعدوان على الآخرين بالإضافة إلى تحطيم الممتلكات ، وهذا السلوك وإن كان لا يرقى إلى درجة العنف أو العدوانية التي وصف بها سلوك بعض الأطفال في أمريكا وبريطانيا إلا أنها سلوكيات غريبة على مجتمعاتنا تستحق البحث عن أسبابها وسبل علاجها قبل أن تتحول إلى ظاهرة.

· ضعف الوازع الديني

وأرجعت الدراسة أسباب السلوك العنيف عند الأطفال إلى ضعف الوازع الديني وسوء التربية 29.9 % ، والفقر والشعور بالحرمان المادي والعاطفي 26.5% ، والتفرقة وعدم المساواة بين الأطفال 21.4 % ، وسوء استغلال وقت الفراغ 6.0% .

وأوضحت دراسة أخري عن ( تأثير الإعلانات على الأطفال ومدى استجابتهم للرسالة الإعلانية ) أن 99 % من الأطفال يتأثرون بالإعلانات وأن 36% من حجم الإعلانات التلفزيونية موجه للأطفال وأن 36% منهم يستخدم الأطفال كنموذج للإعلان.

وفى بحث للدكتورة سامية سليمان رزق بكلية الإعلام بجامعة القاهرة " تحت عنوان " المظاهر العدوانية في أفلام الكارتون.. تبين أن المظاهر العدوانية الواردة بأفلام سلاحف النينجا ترتكز على تقديم العنف اللفظي بنسبة 61.3% في مقابل 38.8% للعنف البدني ، وقد أوصى البحث بضرورة دراسة محتوى المواد الإعلامية الأجنبية ، وفرض رقابة مشددة عليها قبل السماح بتقديمها للأطفال حفاظا على البناء النفسي للطفل المصري ، إضافة إلى قيام الأسرة بمسؤولياتها من حيث الرقابة على المضمون الذي يشاهده الأطفال ومشاركتهم في ذلك ؛ للتقليل من الآثار السلبية التي يمكن حدوثها في حالات المشاهدة الانفرادية للطفل خاصة أن الإعلام في مصر أسهم بدوره في تنمية ظاهرة العنف ، وقت بدأت الدول الغربية في اتخاذ الإجراءات للحد من هذه النوعية من الأفلام.

وانتهت الدراسة إلى أن سلاحف النينجا وتوم جيري وصراع العناكب وغيرها من أفلام الكارتون الأجنبية تثير حالة من الرعب المؤقت في نفسية الطفل ، ولكنه لا ينصرف عنها بل يستمر في مشاهدتها ؛ لأنها مصدر جاذبية بكل ما فيها من غرابة ولكن الشكوى أن الأطفال غالبا ما يبدؤون في الشجار بصورة أعلى بعد مشاهدة هذه الأفلام ، وخطورة هذا السلوك الكامن في نفس الطفل تخرج فيما بعد حين يحاول تقمص الشخصية التي رآها في الفيلم مما ينعكس على سلوكه العام في المجتمع .

· المحاكاة

يقول الدكتور رشاد أحمد عبد اللطيف عميد معهد الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان : إن هذه النوعية من الجرائم ترجع إلى ميل الأطفال للتقليد وفقا لنظرية المحاكاة ، وبالتالي نجد أن الطفلة التي استهوتها هذه المناظر من انتحار البطلة عملت على تقليدها دون إدراك لعواقب ذلك ، ولعلنا نذكر بداية ظهور(السوبر مان) ومحاولة طفلة أن تطير من النافذة متصورة أنها سوف تكون مثله وكانت النتيجة حادثا مأساويا !!
ويضيف الدكتور رشاد بأن هناك مسؤولية كبيرة تتحملها الأسرة لأن هذا كله مرتبط بعملية التنشئة الاجتماعية وعدم توعية الأسرة لأطفالها بأن هذه الأشياء خيالية وهذا يسمى باللغة الأجنبية (الإساءة إلى الطفل) ، وهذا يستدعي توقيع العقوبة على الأسرة المهملة في رعاية أولادها.
ويطالب الدكتور رشاد بضرورة التوعية للحد من تكرار هذه الحوادث كأن تعرض هذه الأفلام تحذيرا بأنها خيالية وليست مرتبطة بالواقع ، مع العمل على زيادة عدد الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس ، فهذه الفتاة التي انتحرت لابد أن لها طبيعة نفسية خاصة ، فهي تركيبة خيالية ورومانسية وغير مرتبطة بالواقع ، وهذه النوعية من الأطفال تحتاج إلى رعاية خاصة.

·مسؤولية الأسرة

الدكتور سامي عبد الملك عميد شعبة التخطيط التربوي بالمركز القومي للبحوث التربوية يؤكد أن الأسرة هي المحطة الأولى للتنشئة الاجتماعية التي يتعلم فيها الطفل القيم الروحية والتربوية والسلوكية الحميدة التي تحثه الأسرة عليها وتبعده عن الأفعال التي لا تتفق مع قيم المجتمع وثوابته المتعارف عليها بهدف تنمية الجوانب الأخلاقية والعاطفية والإحساس بالانتماء إلى القيم الحميدة في المجتمع فيتعلم الطفل المبادئ السلوكية ويكتسب العادات الاجتماعية لأن الأسرة يقع على عاتقها زرع القيم الإسلامية في نفس الطفل منذ نعومة أظفاره.


ويضيف الدكتور سامي : إن معظم الأعمال الفنية المقدمة للأطفال تهدم ولا تبني، تخرب ولا تعمر، وتنقص من البناء الأخلاقي والسلوكي ولا تضيف إليه خاصة عندما ينشغل الأب والأم بهموم لقمة العيش ويتركون الأطفال للتليفزيون دون توجيه أو رقابة وتربية نفسية وسلوكية ، فانشغال الوالدين بالعمل لمدة طويلة وترك التليفزيون كأداة تسلية للأطفال يساعد على تنمية نوازع عدوانية لديهم في ظل غياب التوجه الأسري ، وفي ظل غياب المفهوم التربوي السليم ، وعدم تقدير احتياجات الطفل النفسية والعقلية حسب مراحل نموه .

·العدوان المتلفز

وعن تأثير المشاهد العنيفة في الأعمال الفنية التليفزيونية على عدوانية الأطفال يقول الدكتور محمد غانم -أستاذ الطب النفسي والأعصاب بكلية الطب بجامعة عين شمس: إن هناك وجهة نظر تؤكد على أثر مشاهدة المناظر الحقيقية سواء في الرياضة أو في الأعمال الفنية وهو ما يطلق عليه (العدوان المتلفز) ؛ حيث يؤكد البعض أن مثل هذه المشاهد من شانها أن تؤدى إلى زيادة السلوك العدواني لدى المشاهدين ، ويفسرون ذلك بأسباب منها : أنها تعطى نموذجا ناجحا للعدوان يمنح الآخرين الدافع إلى تقليده ، وأنها تقلل الحساسية المتعلقة بالعدوان فالشخص الذي يتعود على مناظر العنف لن يلتفت إلى بشاعتها فلن تثير فيه مشاعر السخط فقد اعتاد على رؤيتها وألف وجودها وبذلك يسهل عليه الإتيان بها.


· التليفزيون يولد العنف

وعن رأي الإعلام في هذه النوعية من الحوادث ترى الدكتورة انشراح الشال – الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة أن مشاهد العنف تولد العنف ، وهذه مسؤولية تقع على عاتق الدول العربية من إعلام وأسر ؛ لأن وسائل الإعلام يمكن أن تؤثر بشكل غير مطلوب على الكبار والصغار .



والآباء هنا عليهم دور كبير لأنه عندما يشاهد الأطفال هذه الأفلام التي تكثر بها مشاهد العنف والانتحار يميلون إلى تقليدها ، لذا يجب على الآباء أن يقوموا بتوفير الحقائق للأبناء ، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك نوعية من الأطفال لديهم الاستعداد النفسي .
وطالبت الشال بضرورة التنويه قبل أي برنامج بأنه به عنف ويحظر مشاهدة الأطفال له في سن معينة ، خاصة وأنه قد آن الأوان أن نرى مثل هذه التحذيرات لمنع تأثر الأطفال بهذه المشاهد .