■ آداب قضاء الحاجة :
إعداد / العبد الفقير إلى الله / عبد رب الصالحين العتمونى

■ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
■ وبعد :
ذكر الفُقهاء رحمهم الله في مُصنفاتهم آداباً ينبغي للإنسان أن يُراعيها إذا أراد أن يقضى حاجته .
وكلها قد وردت فيها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأُخذت من أُصول الشريعة العامة .
وهذه الآداب منها ما يكون في المكان الذي يُريد الإنسان أن يقضى حاجته فيه ومنها ما يكون في الإنسان نفسه .
ولذلك قسم العُلماء رحمهم الله آداب قضاء الحاجة إلى قسمين :
القسم الأول : يصفونه بآداب المكان .
والقسم الثاني : يصفونه بكونه آداباً للإنسان .
والآداب التي ينبغي للإنسان أن يُراعيها في نفسه تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : آداب أقوال .
والقسم الثاني : آداب أفعال .
فأما آداب الأقوال فإنها تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : يكون قبل الشُروع في قضاء الحاجة .
والقسم الثاني : يكون بعد الانتهاء من قضاء الحاجة .
وأما بالنسبة للآداب الفعلية فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : يكون قبل الشُروع في قضاء الحاجة .
والقسم الثاني : يكون أثناء قضائه للحاجة .
وأما القسم الثالث : فإنه يكون بعد الانتهاء والفراغ من قضاء الحاجة .
فالرسول صلى الله عليه وسلم سن لأمته آداباً قولية وآداباً فعلية قبل قضاء الحاجة وأثناء قضاء الحاجة وبعد الفراغ والانتهاء منها .
ومن الآداب الشرعية التي ينبغي للمُسلم أن يراعيها عند قضاء الحاجة ما يلي :
(1) البُعد عن أعين الناس :
ينبغي للمُسلم أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن يكون المكان الذي يقضى فيه حاجته بعيداً عن أعين الناس إذا كان في الصحراء أو الفضاء وهو قول جُمهور الفُقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة .
وقيد الحنابلة هذا الحُكم فيما إذا لم يجد ما يستره وإلا كفى الاستتار عن البُعد .
والغالب في هذا الأدب أن يكون في الصحراء والخلاء والسبب في ذلك واضح وذلك أن الإنسان ربما مر به طائفة من الناس فرأوه على حاجته فتنكشف عورته ولذلك كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يُبعِد في المَذْهَب لأنه إذا أبعد في المَذْهَب لم يستطع إنسان أن يتمكن من رُؤية العورة .
ويدخل في معناه الاستتار بالأبنية وضرب الحُجب وإرخاء الستر ونحو ذلك من الأمور الساترة للعورات .
والمقصود بـ ( أبعد ) : أي أكثر المشي حتى بَعُد وتوارى عن أبصار الناس في موضع ذهابه حتى لا تُرى عورته .
والمقصود بـ ( المَذْهَب ) بفتح الميم وإسكان الذال وفتح الهاء : هو موضع التغوط بمعنى الذهاب المعهود إلى موضع التغوط .
ويُطلق على معنيين :
أحدهما : المكان الذي يُذهب إليه .
والثاني : المصدر يُقال ذهب ذهاباً ومذهباً فيحتمل أن يُراد المكان فيكون التقدير إذا ذهب في المذهب لأن شأن الظروف تقديرها بفي ويحتمل أن يُراد المصدر أي إذا ذهب مذهباً والاحتمال الأول هو المنقول عن أهل العربية .
قال بعض العُلماء : من أبعد عن أنظار الناس كان في بُعده مصلحتان :
المصلحة الأولى : أنه أمكن لاستتاره عن رُؤية الناس لعورته .
والمصلحة الثانية : أنه لا يُسمع شىء عند قضاء حاجته بخلاف ما إذا كان قريباً من الناس فإنه وإن كان مُتوارياً لا يأمن من سماع شىء عند قضائه حاجته .
وحد البُعد عن الناس : هو أن يكون بعيداً بحيث لا يُسمع للخارج منه صوت ولا يُشم له ريح وهذا قول المالكية والشافعية .
أما الكنيف ( دورات المياه ) فلا يضر سماع صوته ولا شم ريحه للمشقة .
(2) التستر عن أعين الناس :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن يستتر عند قضاء حاجته بساتر يحجزه ويمنعه من رُؤية الناس لعورته إذا كان في الصحراء أو الأرض الخلاء التي ليس فيها أحد لأنها حالة تُكشف فيها العورة فيجب سترها عن أعين الناس وهذا قول جُمهور العُلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
وقد وردت الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب ستر العورة على وجه العُموم ومن ذلك سترها عند قضاء الحاجة وتقرر في القواعد أن " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " .
ومعوم أن الفضاء مُنكشف والإنسان إذا جلس في الفضاء يُمكن أن يُرى شيء من عورته ولا يأمن خُروج الخارج عليه فجأة فلذلك شُرع له أن يستتر سواء كان للبول أو للغائط .
فينبغي لمن أراد أن يقضى الحاجة في الخلاء أن يجعل بينه بين الناس كثيباً أو حجراً ضخماً أو هضبة أو تلاً يحجزه عن رُؤية الناس له والأفضل أن تكون حُفرة مُطمئنة من الأرض لأن ذلك أبلغ في تحفظه وصيانة وستر عورته ما لم يكن فيها ضرر عليه أو يخشى من الضرر .
ومن تساهل في قضاء حاجته فقضاها بجوار الطُرقات على مرأى من الناس وتساهل في ذلك ما لم يكن مُضطراً فإنه لا يخلو من الإثم حتى قال بعض العُلماء : لو فُتن أحد بالنظر إليه حمل إثمه ووزره لأنه تسبب بفعله في حُصول الإثم فلا يجوز للإنسان أن يتساهل في ستر عورته .
وقد أجمع العُلماء على حُرمة التساهل في كشف العورات وإبداء السوءات من الرجال والنساء ولكن الأمر من النساء أشد وأعظم من الرجال ولذلك يجب الاحتياط على النساء أكثر مما يحتاط له الرجال .
(3) أن يرتاد لبوله موضعاً رخواً :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن يرتاد لبوله موضعاً رخواً .
ومعنى يرتاد : أي يطلب فــ " ارتاد الشيء : أي طلبه " ومنه سُمِّي الرائد رائداً والرائد في لُغة العرب : هو الرجل الذي يُرسله الناس إذا كانوا في سفر لكي يطلب الماء لهم ويُسمَّى : رائداً .
والموضع الرخو : أي اللين وهو ضد اليابس الذي إذا بال عليه ربما انتشر وترشرش بوله على أسافل جسده وعلى الثياب .
فينبغي على الإنسان إذا أراد أن يبول أن يطلب ويلتمس المكان الرخو من الأرض لئلا يرجع إليه رشاش البول لأن الرخو من الأرض يحبس البول عن أن يتطاير إلى الثياب والبدن .
فشُرع له أن يطلب المكان الرخو وفيه حديث ضعيف ولكن معناه صحيح فالإنسان يُشرع له أن يطلب مكاناً رخواً لأنه يحقق مقصود الشرع من الاستنزاه من البول فإن الإنسان إذا بال في مكان رخو أمن من طشاش البول .
أقسام الأماكن التي يُتخلى فيها :
الأماكن التي يتخلى فيها الإنسان تنقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن تكون صلبة .
القسم الثاني : أن تكون رخوة .
فإن كانت صلبة : فإما أن تكون طاهرة وإما أن تكون نجسة .
وإن كانت رخوة : فإما أن تكون طاهرة أو تكون نجسة .
فأصبحت القسمة مُشتملة على أربع حالات : فإن كان المكان طاهراً صلباً جلس وإن كان نجساً رخواً قام وإن كان نجساً صلباً امتنع من البول فيه وإن كان طاهراً صلباً خُير بين الجلوس والقيام وقد جمع بعض العُلماء هذه الصور الأربع في قوله :
بالطَّاهِرِ الصُّلْبِ اجْلِسِ وَامْنَعْ بِرَخْوٍ نَجِسِ وَالنَّجِسَ الصُّلْبَ اجْتَنِبِ وَاجْلِسْ وَقُمْ إِنْ تَعْكِسِ
هذه أربع صور :
- للطاهر الصلب اجلس : يعني : إذا كان المكان طاهراً صلباً اجلس .
- وامنع برخو نجس : يعني : إذا كان مكاناً رخواً نجساً أي مُلِىء بالنجاسة كما هو الحال الآن في عصرنا فإنه إذا امتلأ مكان قضاء الحاجة من النجاسة ولم يأمن الإنسان إذا دخل هذا المكان أن يُصيب ثيابه وأسافل بدنه فإنه يمتنع من الدخول إلى هذا النوع من الأماكن ونحوها .
- والنجس الصلب اجتنب : أي إذا كان مكاناً صلباً نجساً فلا تقض الحاجة فيه أي : البول .
- واجلس وقم إن تعكس : يعني : الطاهر الرخو إن شئت فاجلس فيه وإن شئت فقم فأنت مُخيَّر .
(4) أن لا يكون الموضع الذي يقضي فيه حاجته شِقَّاً أو جُحْراً :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يكون الموضع الذي يقضي فيه حاجته شِقَّاً أو جُحْراً فقد ورد في ذلك نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول جُمهور العُلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
ومن العُلماء من قال : يظهر تحريمه إذا غلب على ظنه أن به حيواناً مُحترماً يتأذى أو يهلك به .
والشق : هو الفتحة في الأرض وهو الجُحر للهوام والدواب .
ولكن يُستثنى من ذلك البول في فم البالوعة وهي الفتحة التي تكون في الحمامات لأنها ليست من قبيل الفتحة التي تسكن فيها الهوام أو الجن .
واختلف العُلماء في عِلة المنع من البول في الشق أو الجُحر :
فقيل : هي مساكن الجن فلا يبول الإنسان في الشق ولا في الثُقب ولا في الجُحر لأنه لا يأمن أن يكون سبباً في أذيتهم فيؤذونه .
وقيل : لأن الشق والجُحر لا يأمن الإنسان إذا بال فيه أن يخرج منه ثُعبان أو تخرج منه هامة ونحو ذلك فيُؤذيه وربما يكون سبباً في قتله .
ومن هنا شدد العُلماء في البول في هذه المواضع لأن الإنسان لا يأمن عند بوله في الثُقب والشق أن تخرج له هامة فتكون سبباً في قتله أو على الأقل فإنه إذا رأى الحية أو الثُعبان فزع فكان سبباً في حصول الضرر في بوله وجسده .
(5) أن لا يبول أو يتغوط في الطريق الذي يسلكه الناس :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يبول أو يتغوط في الطريق الذي يسلكه الناس .
والطريق سُمي طريقاً من الطرْق قيل : لأن الناس يطرقونه بنعالهم ويسيرون فيه .
وقيل : لأنه يسمع فيه طرْق النعال .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على المنع من قضاء الحاجة في الطريق سواء كان بولاً أو غائطاً وهو قول جُمهور العُلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
ومن ثَمَّ قال العُلماء : يحرم على الإنسان أن يقضى حاجته في الطُرق لأنه إذا قضى الحاجة في الطريق تضرر الناس أثناء سيرهم فلا يأمنون من وطأ النجاسات فيكون ذلك ضرراً لهم في دينهم ولا يأمنون من شمِّ الروائح الكريهة فيتضررون في أجسادهم فاجتمعت مفسدة الدين والدنيا ولذلك لا يجوز للمُسلم أن يتسبب في أذية الناس وشرط هذا الطريق أن يكون مطروقاً أما إذا كان الطريق فيه أماكن تصلح لقضاء الحاجة فإنهم رخَّصوا في قضاء الحاجة فيها إذا كان يُؤمن فيها الضرر والمفسدة والأذية للناس .
(6) أن لا يكون المكان الذي يقضي فيه حاجته ظلاً للناس :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يكون المكان الذي يقضي فيه حاجته ظلاً للناس .
والمُراد بالظل هنا مُستظل الناس الذي اتخذوه مقيلاً ومناخاً ينزلونه ويقعدون فيه .
لأن الظل يحتاجه الناس عند حصول التعب والعناء ولربما يحتاجه الناس للجلوس فيه ومن ثَمَّ يحرم قضاء الحاجة في الأماكن التي يستريح الناس فيها .
ويدخل في ذلك النوادي والأفنية والحدائق والميادين العامة وغير ذلك مما يرتاده الناس ويجتمعون فيه ويرتفقون به .
أما في حالة لو بال أو تغوط في مكان لا يجلس فيه فلا يُقال بالتحريم لانتفاء العِلة .
ويشتد التحريم إذا كان الظل تحت شجرة مُثمرة فإنه إذا كان تحت الأشجار المُثمرة يتضرر الناس بحصول الروائح الكريهة فيكون ضرراً على من يجلس وكذلك يتضرر من يجنى ثمرة هذه الشجرة فلا يستطيع البقاء في هذا المكان لحصول النتن والقذر وكذلك ربما أضر بالثمار فإن الثمرة تتضرر بالنجاسة حولها .
(7) أن يتقي عند قضاء حاجته أماكن المياه :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن يتقي عند قضاء حاجته أماكن المياه .
فلا يجوز البول في موارد المياه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه والإنسان إذا بال في الماء فإنه يُفسده على الغير .
ولذلك قال العُلماء : إن البول في الماء الراكد والدائم يُعتبر من المُحرمات والسبب في ذلك أن الماء يخبُث وينجس كما أن فيه ضرراً على صحة الناس لأن البعض قد يشرب من هذا المكان وموارد المياه يحتاجها الناس في أسفارهم فتنزل الرُفقة على ذلك المورد فترتفق بحمل الماء لها ويشربون وتشرب الدواب من ذلك الماء فلا يُؤمن من حُصول الضرر عليهم في نُفوسهم وفي دوابهم .
ومن هنا نص العُلماء على تحريم البول في المياه الراكدة .
وقرر الأطباء أن هذا الفعل يتسبب في حُصول بعض الأمراض التي تكون ضرراً على أجساد الناس ونُفوسهم ولذلك لا يجوز للمُسلم أن يتعاطى أسباب الضرر بإخوانه المُسلمين .
(8) أن لا يستقبل الرياح عند قضائه للحاجة :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يستقبل الرياح عند قضائه للحاجة .
لأن استقبال الرياح يُسبب تطاير البول على ثوبه وبدنه فتنجس ولذلك لا يجوز للإنسان أن يتعاطى هذا السبب الذي قد يكون سبباً في فساد عبادته وعدم صحة صلاته فلا يستقبل الرياح فإذا أراد أن يقضى بوله فإنه يستدبر الريح حتى يتطاير البول مع الريح ويكون ذلك أدعى لحفظ بدنه وجسده عن ضرره .
(9) أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض خاصة إذا كان في الصحراء والفضاء .
والسبب في ذلك أن الإنسان إذا كان في الفضاء والصحراء فإنه إذا جلس كان ذلك أمكن لحفظ عورته واستتاره عن أعين الناس .
ولذلك قال الفُقهاء : لا يرفع الثوب إلا عند قُربه من الأرض .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك .
قال بعض العُلماء : العِلة هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين أمرين :
الأمر الأول : كونه يحفظ عورته وذلك بعدم رفع ثوبه إلا عند الدُنو من الأرض .
وأما الأمر الثاني : فإنه إذا دنا من الأرض قرب ثوبه من الأرض فيكون رفعه لثوبه من باب حفظه من النجاسات والقاذورات التي تكون في مواضع قضاء الحاجة ولاشك أن كلا المعنيين له وجه ولكن المعنى الأول أظهر .
ويحرم رفع ثوبه قبل دُنوه من الأرض وحوله من ينظر إليه لأنه كشف عورته لمن ينظر إليها وهذا منهي عنه .
(10) أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بالبول أو الغائط :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بالبول أو الغائط .
واختلف العُلماء في هذه المسألة على أقوال :
الراجح منها هو عدم جواز استقبال القبلة أو استدبارها بالبول أو الغائط في الفضاء كالصحراء ونحوها .
لأن الأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة تدل على ذلك .
وهذا الحُكم في الفضاء أمر واضح لأن الأحاديث صريحة في ذلك فلا يجوز استقبال القبلة واستدبارها في الفضاء ببول أو غائط .
أما في البُنيان فالحُكم أخف وأيسر ولا سيما عند عدم الإمكان أو تيسر ذلك بسبب وجود المراحيض إلى جهة القبلة فحينئذ يكون الإنسان معذوراً لأنه يشق عليه الانحراف عنها .
وهو قول جمهور العلماء لأن القاعدة تقول " المشقة تجلب التيسير " .
مع العلم أن الأحاديث القولية التي وردت في ذلك عامة وفيها دلالة واضحة على المنع دون تفريق بين الفضاء أو البنيان .
ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى حاجته على لبنتين في بيت حفصة رضي الله عنها وهو مُستقبل الشام مُستدبر الكعبة وهذا يدل على جواز الاستدبار في البُنيان لفعله صلى الله عليه وسلم .
ولكن الأولى والأفضل ترك الاستقبال والاستدبار في البُنيان إن أمكن ذلك أخذاً بالاحتياط في هذه المسألة .
وانقسم العُلماء هل النهي الوارد في استقبال القبلة واستدبارها بالبول أو الغائط مُعلل أو غير مُعلل ؟ على قسمين :
القسم الأول :
يقول إن هذا نهى من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نبقيه على حالته دون بحث عن عِلته .
ولذلك قالوا : إن الله تعبدنا بعدم استقبال القبلة واستدبارها أثناء قضاء الحاجة دون أن نخوض في العِلة والمعنى الذي من أجله ورد هذا التشريع والله أعلم بعلة ذلك وحِكمته فما على الله إلا الأمر وما على رسولنا إلا البلاغ وما علينا إلا الرضا والتسليم .
القسم الثاني :
قال جمع من العُلماء : إن هذا التحريم له عِلة واختلف هؤلاء العُلماء :
فقال بعضهم : أن العِلة في تحريم استقبال القبلة واستدبارها هو انكشاف العورة فإنه لا يخلو الإنسان إذا قضى حاجته خاصة في الصحراء والخلاء من وجود مُصلٍ من الجن ونحو ذلك فلذلك قالوا : إنه لا يكشف عورته وأن المُراد بذلك أنه إذا قضى حاجته كشف عورته ولذلك نهي عن ذلك صيانة للمُصلين من عورات الناس واستدلوا بحديث ولكنه مُتكلم في إسناده .
وقال البعض الآخر : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استقبال القبلة واستدبارها لأن الإنسان إذا قضى حاجته فإن القبلة لها شرف فكونه يستقبل القبلة بخروج الخارج فيه امتهان لها وهى لها شرف خاص بها فهي قبلة الصلاة وغيرها من العبادات وهي أشرف الجهات .
ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يبصق المُصلى قِبَلَ وجهه كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقالوا : ومن أجل هذا فإن المُراد ألا يستقبل القبلة بالخارج نفسه .
والراجح من ذلك أن علة النهي هي تعظيم الكعبة وشرف القبلة .
حُكم استقبال واستدبار النيرين ( الشمس والقمر ) أثناء قضاء الحاجة :
اختلف العُلماء في حُكم استقبال واستدبار النيرين ( الشمس والقمر ) أثناء قضاء الحاجة على أقوال :
الراجح منها لا يُكره الاستقبال والاستدبار مُطلقاً اختاره بعض المالكية والشافعية والحنابلة .
لعدم وجود الدليل الشرعي الصحيح في هذه المسألة .
وقد اتفق العُلماء على تضعيف ما يُروى فيها من حديث .
والكراهة حُكم شرعي يفتقر إلى دليل صحيح .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في ذلك أي باستقبال الشرق أو الغرب حال قضاء الحاجة وإذنه يدل على جواز الاستقبال أو الاستدبار للشمس أو للقمر أثناء قضاء الحاجة .
وما قيل في كراهية ذلك هو تعليل لا دليل وهو : أن المنع من استقبال الشمس والقمر المُراد به تعظيمهما لكونهما آيتين من آيات الله .
وهذه العِلة ضعيفة فإن أي شيء تستقبله وتستدبره آية من آيات الله حتى الحجر آية من آيات الله والجبال آيات والأنهار والأشجار والثمار كلها آيات وهذه عِلة ضعيفة .
ثم إن هذا التعليل منقوض بإذنه صلى الله عليه وسلم في ذلك .
فالصحيح : عدم الكراهة لعدم الدليل الصحيح بل ولثُبوت الدليل الدال على الجواز .
(11) أن يقول عند دخوله الخلاء : ( بسم الله - اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن يقول عند دخوله الخلاء : ( بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخُبْث والخَبَائِث ) .
لثُبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم وهذا الأدب مُجمع على استحبابه ولا فرق في ذلك بين البُنيان والصحراء .
والخُبْث ( بسكون الباء ) : هو الشر وجمعها ( الخبائث ) بمعنى النُفوس الشريرة .
فيكون المعنى : اللهم إني أعوذ بك من الشر وأهله .
أما الخُبُث ( بضم الخاء والباء ) : فهي ذُكور الشياطين وجمعها خبيث .
و ( وَالْخَبَائِثِ ) المُراد به إناث الشياطين .
فيكون المعنى : اللهم إني أعوذ بك من ذُكران الشياطين وإناثهم .
وهذا الذِكر يُعتبر مُعجزة من مُعجزات النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأن هذه الأماكن أي أماكن قضاء الحاجة لا يعلم ما فيها من الشُرور ولا ما يكون فيها من الأرواح الخبيثة إلا الله الذي هو علام الغُيوب فشرع الله لهذه الأمة أن تستعيذ به سُبحانه وتعالى وتستجير لأنه نعم الملاذ ونعم المعاذ .
تستعيذ به سُبحانه وتعالى من الأرواح الخبيثة التي تكون في هذه الأماكن الخبيثة .
ولذلك قال العُلماء : إن الأماكن التي لا يُذكر فيها الله عز وجل والتي يكثر فيها عصيان الله سُبحانه وتعالى لا يُؤمن أن تكون فيها الأرواح الخبيثة .
ومن نسى هذا الذِكر ولم يذكره إلا وهو قاعد على موضع قضاء الحاجة لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى :
أن يكون الموضع مُعداً لقضاء الحاجة كدورات المياه في زماننا هذا .
قال بعض العُلماء : يقول هذا الذِكر في نفسه ولا يتلفظ بلسانه وذلك على سبيل التدارك لما نسى .
ومنهم من يقول : لا يحتاج إلى الذِكر وإنما يكون قبل الدخول فقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصه بهذه الحالة .
الحالة الثانية :
أن يكون الموضع غير مُعد لقضاء الحاجة كالصحراء والخلاء فإنه لا حرج أن يقوله قبل أن يخرج منه الخارج .
وفائدة البسملة عند دخول الخلاء : أن الإنسان إذا قالها فقد سُتر عن أعين الجن .
وفائدة الاستعاذة : هو الالتجاء إلى الله عز وجل من الخُبْث والخبائث لأن هذا المكان خبيث والخبيث مأوى الخُبثاء فهو مأوى الشياطين فصار من المُناسب إذا أراد دُخول الخلاء أن يقول : " أعوذ بالله من الخبث والخبائث " حتى لا يُصيبه الخبث وهو الشر ولا الخبائث وهي النُفوس الشريرة .
والبسملة والاستعاذة تُقال قبل الشُروع في قضاء الحاجة هذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن هذا يختلف باختلاف أماكن قضاء الحاجة لأن هذه الأماكن تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول :
أماكن مُعدة ومهيأة لذلك كدورات المياه في زماننا فهذا النوع من مواضع قضاء الحاجة السُنة أن يُقال هذا الذِكر قبل الدخول أي : قبل أن يدخل دورة المياه ( الكنيف ) .
القسم الثاني :
أماكن غير مُعدة لذلك كالصحراء والفضاء والخلاء ونحو ذلك فهذه الأماكن فيها ثلاثة أوجه للعُلماء :
الراجح منها أن يُقال هذا الذكر عند الوقوف على المكان الذي يُريد أن يقضى حاجته فيه عند الشُروع في تشمير الثياب وهو مذهب جُمهور العُلماء .
فإذا وقف على الموضع الذي يُريد أن يقضي حاجته فيه قال : ( بسم الله - اللهم إني أعوذ بك من الخُبْث والخبائث ) .
فالمقصود : أن هذا الذِكر يُشرع للإنسان أن يقوله إذا كان المكان مُهيأ لقضاء الحاجة قبل أن يدخل وإذا كان الموضع غير مُهيأ لقضاء الحاجة كالصحراء والفضاء والخلاء فإنه يقوله عند رفعه لثيابه .
ومن الصيغ الضعيفة التي تُقال عند دخول الخلاء : ( اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المُخبث الشيطان الرجيم ) لضعف الحديث الوارد في ذلك .
(12) أن يقول بعد تمام خروجه من الخلاء : ( غُفرانك ) :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن يقول بعد تمام خُروجه من الخلاء : ( غُفرانك ) لثُبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وغُفرانك : مصدر غفر يغفر غُفراً وغُفراناً كشكر يشكر شُكراً وشُكراناً وهي مفعول مُطلق لفعل محذوف تقديره اغفر غفرانك أو مفعولاً به لفعل محذوف أي أسأل غفرانك أي أسألك اللهم أن تغفر لي .
والغفر في لُغة العرب المُراد به الستر ومنه سُمي المِغفر مِغفراً لأنه يستر رأس صاحبه من ضربات السِنان وغيره من آلات الحُروب .
ولا يُشرع هذا القول إلا بعد خُروج الإنسان من مواضع قضاء الحاجة كالحمامات ونحوها أي لا يُشرع عند إرادة الخُروج .
واستشكل على العُلماء كيف سأل النبي صلى الله عليه وسلم المغفرة بعد قضائه للحاجة مع أنه لم يُذنب أثناء قضائه وما هي المُناسبة والعلة لهذا الاستغفار في هذا الموضع ؟ .
أجاب العُلماء على ذلك بما يلي :
قيل : استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لأن الإنسان لا يأمن من حصول النظر إلى عورته فشرع للأمة أن يستغفروا من أجل هذا الوجه .
وقيل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم شُغل عن ذِكر الله جل وعلا بقضاء الحاجة فقال : ( غُفرانك ) لضياع هذا الوقت دون ذِكر لله جل وعلا وهذا من كمال عُبوديته لله وكمال حبه وتعلقه بالله سبحانه وتعالى فهو في هذا الوقت مع حاجة الجسم إليه وهو في حالة اضطرار وعُذر عن ذكر الله يستغفر من ذهابه دون أن يذكر الله جل وعلا فيه وهذا فيه تنبيه للمُسلم من أنه ينبغي عليه أن يُكثر من ذِكر الله واغتنام الحياة في طاعة الله لأنه هو الأصل من خلقه .
وقيل : لأنه لما خرج الطعام من الجوف أمِنَ الإنسان من كثير من الأضرار وكثير من البلايا فلم يستطع أن يُوفِّي شكر نعمة الله على هذا الفضل فقال : ( غُفرانك ) أي : غُفرانك من التقصير في حمد نعمك وشُكر مننك التي أنعمت وامتننت بها علينا .
وقيل : لأن الإنسان لما تخلى من الأذى الحسي وارتاح من الأذى الذي كان يُثقله وهو البول والغائط تذكر التخلي من الأذى المعنوي وهي الذُنوب التي تُثقل قلبه وتغم نفسه ويخشى عواقبها فسأل الله تعالى أنه كما منَّ عليه بالعافية من خُروج هذا الأذى أن يَمَّن عليه فيخفف عنه أوزاره وذنوبه فقال غُفرانك .
أي أن المُتخلي لما تخفف من أذية الجسم فإنه تذكر أذية الإثم فسأل الله عز وجل أن يغفر له أذية الإثم وأن يُخفف عنه وهذا من باب تذكر الشيء بالشيء .
ومن الصيغ الضعيفة التي تقال عند الخُروج من الخلاء : ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ) لضعف الحديث الوارد في ذلك .
(13) عدم الكلام أثناء قضاء الحاجة من غير ضرورة أو حاجة :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة عدم الكلام أثناء قضاء الحاجة من غير ضرورة أو حاجة .
فإذا تغوط الرجلان وجلس أحدهما إلى الآخر يتحدثان من دون حاجة فإنه من خوارم المُروءة وهذا هو الذي ورد فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهو مذهب جُمهور العُلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
فينبغي أن لا يتكلم الإنسان حال قضاء الحاجة إلا لضرورة أو حاجة كما قال الفُقهاء كأن يُرشد أحداً أو كلمه أحد لابد أن يرد عليه أو كان له حاجة في شخص وخاف أن ينصرف أو طلب ماء ليستنجي به فلا بأس حينئذ إذا دعت الحاجة إلى ذلك لأنه ليس هناك نهي صريح عن ذلك .
وأما مُجرد الكلام الذي ليس فيه ذِكر الله داخل مكان قضاء الحاجة فليس فيه نهي إلا أن تركه أولى وأفضل .
(14) عدم ذِكر الله في مكان قضاء الحاجة :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة عدم ذِكر الله في مكان قضاء الحاجة لأن هذا المكان نجس وهو مأوى للشياطين .
فينبغي أن لا يُذكر اسم الله تعالى في هذه الأماكن تنزيهاً وتعظيماً واحتراماً له وقد ورد النهي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهو مذهب جُمهور العُلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
ومن المسائل التي تتعلق بذلك :
1- يُكره إلقاء السلام على المُتخلي لئلا يُفضي إلقاء السلام علي من كان مُشتغلاً بقضاء حاجته إلى رده في مثل هذه الأماكن المُستقذرة .
والمُلقي للسلام في هذا الحال لا يستحق جواباً وهذا مُتفق عليه لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُلقي عليه السلام وهو يبول فلم يرد علي الذي سلم عليه .
وإنما يرده بعد الانتهاء من التخلي .
2- يُكره للمُتخلي إذا عطس أن يحمد الله تعالى وكذلك يُكره له أن يُشمت عاطساً أو يرد سلاماً أو يُجيب مُؤذناً .
وهذه الكراهة إنما هي لمن حرك لسانه بذِكر الله تعالى سواء جهر بذلك أم أسر أما ذِكر الله تعالى بالقلب بدون تحريك اللسان فليس مكروهاً .
وللعُلماء في ذلك أقوال :
الراجح منها يذكر الله بعد خُروجه من الخلاء أي إذا خرج حمد الله وأجاب المُؤذن لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام وهو يبول بل رده بعد أن توضأ .
وهذا يدل علي أنه لم يجبه لا في قلبه ولا مُخَافتة وإنما أجابه بعد ذلك فكذلك إجابة المُؤذن وحمد العاطس .
(15) أن لا يستصحب معه ما فيه ذِكر الله إلا إذا خشي عليه الضياع :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يستصحب معه ما فيه ذِكر الله إلا إذا خشي عليه الضياع وذلك على سبيل الكراهة وهو مذهب الحنفية والشافعية والمشهور عند الحنابلة .
فيُكره دُخول موضع قضاء الحاجة بشيء فيه ذكر الله كالقرآن وكُتب التفسير وكُتب العلم ونحوها إلا إذا اضطر الإنسان إلى ذلك كأن يكون اسم الله على النُقود ويخاف عليها من السرقة ولا يجد لها مكاناً أميناً جاز له أن يدخل بها وكذلك أيضاً إذا كان هناك كتاب ويُخشى أنه لو أبقاه في الخارج تلف أو أُهين فيجوز له أن يُدخله معه وهذا الاستثناء مبني على قاعدة : " أن الكراهة تزول مع الحاجة " .
والكراهة في ذلك من باب تعظيم شعائر الله ومن تقوى القُلوب لأن الإنسان يصون هذه الأذكار وهذه الكُتب العلمية عن أماكن النجاسة والامتهان لأن دخول أماكن قضاء الحاجة بها فيه نوع انتقاص لتعظيمها وإجلالها وتوقيرها فلا يُشرع له فعله .
وذهب بعض العُلماء إلى جواز دخول الخلاء بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة بل هي خفية ومستورة لأن هذا أمر تدعو الحاجة إليه بل قد تدعو الضرورة إليه أحياناً بحيث يكون الإنسان في دورات مياه عامة لا يُمكنه أن يُخرج ما في جيبه من هذه الأوراق لأنه يُخشى عليها وهو مُضطر لأن تكون معه والمُسلم إذا دخل بمثل هذه الأشياء في بيت الخلاء فإنه لا يُمكن أن يُريد بذلك امتهانها أبداً .
واستثنى بعض العُلماء المُصحف أو بعضه فقالوا : يحرم دخول الخلاء بالمُصحف أو بعضه سواء كان ظاهراً أم خفياً لأن المُصحف فيه أشرف الكلام وهو كلام الله عز وجل ودُخول الخلاء به فيه نوع من الإهانة وهذا مذهب المالكية والحنابلة .
قالوا : إن تنحيته واجبة والدخول به حرام في غير حال الضرورة بخلاف غيره مما فيه قرآن أو ذكر وهذا هو الراجح في هذه المسألة .
فيجب على المُسلم أن لا يدخل بالمُصحف أماكن قضاء الحاجة إكراماً للقرآن وإبعاداً له عن مواضع القاذورات إلا أن يخاف عليه من السرقة فيجوز له أن يدخل به لكن بعد إفراغ وسعه في عدم الدخول به فإن كان في مكان عام من الناس أعطاه أحداً فيُمسكه له حتى يخرج .
أما الأشرطة والأسطوانات ( cd ) التي سُجل عليها القران أو المُحاضرات الدينية فليست كالمُصحف فيجوز الدخول بها ولا إشكال فيها لأن هذه الأشرطة والأسطوانات ليس فيها كتابة لكن غاية ما هنالك أنه يُوجد بها ذبذبات مغناطيسية إذا مرت بالجهاز المُعين ظهر الصوت فحُكمها لا يُقاس على هذه المسألة .
كذلك ما انتشر في الآونة الأخيرة من أجهزة إلكترونية كالجوال والآي فون والآي باد وغيرها فلا يحرم إدخالها إلى الخلاء لأنها ليس لها حُكم المُصحف ولو بعد تسجيل القرآن داخلها لأنه صوت داخلي مخفي وليس بكتابة ظاهرة .
إذا اتخذ الإنسان خاتماً لحاجة ونقش عليه اسمه وفي اسمه اسم من أسماء الله تعالى فإنه إذا دخل الخلاء فلا بأس أن يُبقى الخاتم في يده ولكن قال العُلماء : ينبغي أن يضم يده عليه ويجعل فصه داخل كفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولكن هذا الحديث ضعفه أكثر العُلماء .
وقال بعض العُلماء : بعدم الكراهة لكن الأفضل أن لا يدخل وضعفوا الحديث الوارد في ذلك .
(16) الدخول بالرجل اليُسرى والخُروج باليمنى :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة الدُخول بالرجل اليُسرى والخُروج باليمنى .
وهذا الأدب ورد عن بعض الصحابة ولم يرد فيه نص خاص من السُنة إلا أنه من الآداب المُتفق عليها بين أهل العلم فقد قاسوه على غيره .
والقاعدة العامة أن ما كان من التكريم بُدئ فيه باليمين وخلافه باليسار .
ففي الدخول يُقدم المفضول على الفاضل وفي الخُروج يقدم الفاضل على المفضول .
فإذا أراد الخُروج من الخلاء قدم رجله اليُمنى وأخر رجله اليُسرى تشريفاً لليُمنى لأن الخُروج أفضل من الدخول .
وهذا مقصد من مقاصد الشريعة وهو تكريم اليمين على اليسار فجهة اليمين مُفضلة مُشرفة على اليسار ولذلك دلت نُصوص الكتاب والسُنة على تعظيم جهة اليمين فجعل الله أصحاب الجنة أصحاب اليمين وكذلك أيضاً جعل السعيد من نال كتابه بيمينه ... الخ .
ولذلك قسم العُلماء ما يتعلق بتقديم اليمين واليسار إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما كان من قبيل الطيبات فهذا يُقدم فيه اليُمنى رجلاً أو يداً كالأكل والشُرب واللبس والوضوء والغُسل وهكذا ... الخ .
القسم الثاني : ما كان من قبيل الخبائث : تقدم فيه اليُسرى كالاستنجاء والاستجمار وخلع النعل وخلع الثوب ... الخ .
القسم الثالث : ما كان مُتردداً بين الأمرين : أي لم يظهر فيه التكريم ولم يظهر فيه الإهانة . فيُقدم فيه اليُمنى لأنه الأصل .
(17) أن لا يستنجي بيمينه :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يستنجي بيمينه للنهي الوارد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولأن اليد اليُمني شرفها الله وكرمها وفضلها على الشمال .
وللقاعدة العامة : وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخُف ودخول المسجد والاكتحال وتقليم الأظافر وقص الشارب وترجيل الشعر وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخُروج من الخلاء والأكل والشرب والمُصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك مما هو في معناه يُستحب التيامن فيه وأما ما كان بضده كدخول الخلاء والخُروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخُف وما أشبه ذلك فيُستحب التياسر فيه وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها .
والمقصود بذلك هنا هو عدم مس العضو الذكري والأنثيين وحلقة الدُبر وكذلك مس المرأة لفرجها قُبلاً أو دُبراً عند الاستنجاء باليد اليُمنى .
ولمس الذكر باليد اليُمنى له حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون بدون حائل .
والحالة الثانية : أن يكون بحائل أي يُمسكه من فوق ثوب ونحو ذلك .
وكلتا الحالتين يعتبرها بعض العُلماء رحمهم الله داخلة في هذا النهي .
ولكن اختلف العُلماء في حُكم هذا النهي على قولين :
الراجح منهما أنه يحرم لأن النهي صريح في ذلك والأصل في النهي أنه للتحريم حتى يدل الدليل على الكراهة ولا يُوجد دليل يدل على صرف هذا النهي عن ظاهره المُوجب للتحريم إلى الكراهة .
فلا يجوز للإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته أن يُمسك الذكر باليمين بل حتى في غير قضاء الحاجة فلمس الذكر باليمين مُحرم على ظاهر النص والتخصيص بالبول ذكر لموضع الحاجة فدخل ما لا حاجة فيه أو ما فيه الحاجة كالجماع ونحوه في ذلك .
فلا يجوز مس الذكر باليمين مُطلقاً إلا للحاجة والضرورة .
واستثني من ذلك الأقطع والأشل ونحوهم كالمريض الذي بيده اليُسرى جراح فيجوز له أن يمُسك باليمين للضرورة والحاجة .
وهذا النهي لا يختص بالإنسان نفسه بل الحُكم يشمله ويشمل غيره كالطبيب إذا عالج مريضاً فإنه لا يمسك عضوه باليمين لأنه مُحرم ولكن إن احتاج إلى مس ذكر هذا المريض فإنه لا يمسه باليمين إلا عند الضرورة والحاجة .
وذهب بعض العُلماء إلى أن الأم إذا أرادت أن تغسل صبيها فإنه يحرم عليها مس عُضوه باليمين .
(18) أن لا يبول قائماً :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يبول قائماً .
لأن الإنسان إما أن يبول وهو قائم أو يبول وهو قاعد ومن كمال الشريعة الإسلامية أن النبي صلى الله عليه وسلم بين للعباد سُنن الهدي ومن ذلك قضاء الحاجة في الحالتين أي بول الإنسان في حال القيام وبوله في حال القعود .
وهذه المسألة أي مسألة البول قائماً وردت فيها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يدل على الجواز ومنها ما يدل على المنع من ذلك .
ولذلك اختلف العُلماء في هذه المسألة على أقوال :
الراجح منها أن هديه صلى الله عليه وسلم المُداومة على البول قاعداً وأن البول قائماً فعله لبيان الجواز .
وهو قول عُمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عُمر وسهل بن سعد وروي ذلك عن أنس وعلي وأبي هريرة وفعل ذلك ابن سيرين وعُروة بن الزُبير .
لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح في النهي عن البول قائماً فكل الأحاديث الواردة بهذا النهي ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها على حُرمة القيام في البول ولم يصح في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله عنها وقد نفت فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يبل قائماً .
ولكن عارض حديثها حديث حُذيفة رضي الله عنه وفيه أنه صلى الله عليه وسلم أتى ( سُباطة ) أي " مزبلة " قوم فبال فيها قائماً .
فدل هذا على أن أم المُؤمنين عائشة رضي الله عنها لم تحفظ القيام وحُذيفة حفظ القيام والقاعدة : " أن من حفظ حُجة يُقدم على من لم يحفظ " وأم المُؤمنين عائشة تنفي وحُذيفة يثبت والقاعدة : " أن المُثبت مُقدم على النافي " لذلك قالوا : نُقدم حديث حُذيفة على حديث أم المُؤمنين عائشة رضي الله عنها ونقول بجواز البول قائماً وأنه لا حرج على الإنسان إذا بال قائماً أو بال قاعداً والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا إلا لبيان جوازه لوجود عُذر يمنع من الجلوس أما المُعتاد منه والمُستحسن هو القعود لأنه أستر وأحفظ من الرذاذ .
وعليه فالبول قائماً لا حرج فيه بشرطين :
1- أمن الرشاش .
2- أمن الناظر إليه .
والهدي الأكمل والأمثل أن يبول الإنسان جالساً لما في ذلك الاستتار وإمكان التحفظ من رشاش البول وهو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم .
(19) أن لا يُطيل القعود في مكان التخلي أكثر من الحاجة :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يُطيل القُعود في مكان التخلي أكثر من الحاجة .
واختلف العُلماء في حُكم إطالة المُتخلي في مكان قضاء الحاجة ولبثه أكثر من الحاجة على قولين :
الراجح منها أنه يُكره بلا سبب وهذا قول جُمهور العُلماء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة .
وقالوا لم يرد في هذه المسألة نص صحيح لكن عللوا الكراهة بأن هذه المواضع مُحتضرة ومأوى للشياطين فالشياطين تحب الأماكن القذرة والملائكة تنفر منها كما أن الشياطين تنفر من الأماكن الطيبة وتأوي إليها الملائكة فلذلك ينبغي للمُكلف أن يُعَجِّل بالقيام بعد فراغه من حاجته وأن لا يأنس لدُور الخلاء وأن لا يُطيل المُكث فيها لأن المُكث فيها قد يدعو إلى الوسوسة والشك وقد يحصل للإنسان نوع من الأمور التي لا تُحمد عُقباها فلذلك يُشرع له المُبادرة بالقيام .
ولأن في ذلك كشفاً للعورة بلا حاجة .
أضف إلى ذلك أنه ربما يُؤدي طُول المُكث في مكان التخلي إلى أذية من ينتظره ليدخل بعده وخاصة في أماكن التجمعات .
(20) أن يغسل يده بعد قضاء حاجته لإزالة ما علق بها من نجاسة :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن يغسل يده بعد قضاء حاجته لإزالة ما علق بها من نجاسة .
وقد ورد ما يدل على استحباب ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قول جُمهور العُلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
فإذا فرغ الإنسان من قضاء حاجته يُستحب له غسل يده بالصابون أو نحوه أو يُدلكها بالتُراب أو الرمل أو نحو ذلك ليزول ما علق بها من أثر النجاسة وتزول عنها الرائحة الكريهة .
(21) أن لا يبول في مُستحمه :
وينبغي عليه أيضاً أن يُراعي عند قضاء الحاجة أن لا يبول في مُستحمه .
والمُستحم : هو المكان الذي يستحم ( يغتسل ) فيه الإنسان .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك والمنع منه .
وقد حمل جُمهور العُلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة هذا النهي على الكراهة .
وعليه فيمنع المسلم من البول في محل الاغتسال إذا كانت أرضية المُستحم غير مُبلطة ( أي أرض صلبة لا يوجد فيها منفذ ينفذ منه البول والماء ) وذلك لما فيه من الضرر على المُتخلي نفسه فإما أن يُصيبه شيء من رشاش الماء المُختلط بالنجاسة .
وإما بالوسوسة بذلك وقد تقرر أن كل مكان يكون في التخلي فيه ضرر على المُتخلي أو غيره فإنه يمنع من التخلي فيه .
أما إذا كان محل الاغتسال له مجرى ( بالوعة ) يذهب فيها البول مع إراقة الماء كما هو الحال الآن فلا يُنهى عن التبول فيه .
حُكم الاعتماد على الرجل اليُسرى ونصب اليُمني عند قضاء الحاجة :
ذهب بعض العُلماء إلى أنه يُستحب للمُتخلي أن يعتمد على رجله اليُسرى وينصب اليُمني عند قضاء الحاجة واستدلوا لذلك بحديث ضعيف .
وأيضاً عللوا قولهم بالاستحباب بعلتين :
الأولى : أنه أسهل لخُروج الخارج لأن المعدة في الجانب الأيسر .
ولكن رُد عليهم بأن هذا يُرجع فيه إلى الأطباء فإن ثبت هذا طبياً يكون من باب مُراعاة الصحة .
الثانية : أن اعتماده على اليُسرى دون اليُمنى من باب إكرام اليمين .
رُد عليهم بأن هذه عِلة ظاهرة لكن في ذلك نوع من المشقة إذا نُصبت اليُمنى واعتمد على اليُسرى ولاسيما إذا كان قاضي الحاجة كثير اللحم أو كبير السن أو ضعيف الجسم فيتعب في اعتماده على اليُسرى ويتعب في نصب اليُمنى .
والصحيح أن ذلك لا حرج فيه إذا كان يحتاجه الإنسان ويسهل عليه فعله من باب الرفق بالبدن وأيسر لخُروج الخارج لأن الرفق بالبدن من مقاصد الشريعة .
فالحُكم في ذلك مبني على المصلحة لا من جهة أنه سُنة مشروعة .
وقولهم بالاستحباب حُكم شرعي وقد تقرر في القواعد أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثُبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة وأن الأحاديث الضعيفة ليست محلاً صالحاً لاستنباط الأحكام الشرعية فالراجح أن ذلك ليس من المُستحبات ولا هو من الآداب .
أخي الحبيب :
أكتفي بهذا القدر وفيه الكفاية إن شاء الله .
وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المُراد وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنِّي ومن الشيطان والله ورسوله مني بريئان والله المُوفِّق وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وفي الختام:
أسأل الله عز وجل لي ولكم ولجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين .
أخوكم : عبد رب الصالحين أبو ضيف العتمونى
مصر / محافظة سوهاج / مركز طما / قرية العتامنة