تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    سئل شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله :ما أقوال اهل الاسلام عن الأفعال الاختيارية من العباد تحصل بخلق الله تعالى وبخلق العبد، فحقيقة كسب العبد ما هي ‏؟‏ وبعد هذا هل هو مؤثر في وجود الفعل‏؟‏ أم غير مؤثر‏؟‏ فإن كان فيصير العبد مشاركاً للخالق في خلق الفعل، فلا يكون العبد كاسباً بل شريكاً خالقاً وأهل السنة بررة برآء من هذا القول وإن لم يكن مؤثراً في وجود الفعل فقد وجد الفعل بكماله بالحق سبحانه وتعالى، وليس للعبد في ذلك شىء، فلزم الجبر الذي يطوي بساط الشرع، وأهل السنة الغراء والمحجة البيضاء فارون من هذه الكلمة الشنعاء والعقيدة العوراء، ولم ينسب إلى العبد الطاعة والعصيان والكفر والإيمان، حتى يستحق الغضب والرضوان، فكيف السلوك أيها الهداة الأدلاء على اللحب المستقيم والمنهج القويم ‏؟‏ وطرفي قصد الأمور ذميم‏. ‏‏ فبينوا بياناً يطلق العقول من هذا العقال، ويشفى القلوب من هذا الداء العضال‏. ‏‏ أيدكم بروح القدس من له صفات الكمال‏. - -------------- ‏‏ فأجاب شيخ الاسلام بن تيمية :‏ تلخيص الجواب‏:إن الكسب هو الفعل الذي يعود على فاعله بنفع أو ضر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏ فبين سبحانه أن كسب النفس لها أو عليها، والناس يقولون‏:‏ فلان كسب مالا أو حمداً أو شرفاً كما أنه ينتفع بذلك، ولما كان العباد يكملون بأفعالهم ويصلحون بها، إذ كانوا في أول الخلق خلقوا ناقصين صح إثبات السبب، إذ كمالهم وصلاحهم عن أفعالهم، والله سبحانه وتعالى فعله وصنعه عن كماله وجلاله، فأفعاله عن أسمائه وصفاته ومشتقة منها، كما قال سبحانه وتعالى‏ ‏‏"أنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي‏"‏‏، والعبد أسماؤه وصفاته عن أفعاله فيحدث له اسم العالم والكامل بعد حدوث العلم والكمال فيه‏.‏ ومن هنا ضلت القدرية حيث شبهوا أفعاله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً بأفعال العباد، وكانوا هم المشبهة في الأفعال، فاعتقدوا إن ما حسن منهم حسن منه مطلقاً، وما قبح منهم قبح منه مطلقاً بقدر علمهم وعقلهم، أو ما علموا أنها إنما حسنت منهم لإفضائها إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم، وقبحت لإفضائها إلى ما فيه فسادهم، والله سبحانه متعال عن أن يلحقه مالا يليق به سبحانه‏.‏ وأما قوله‏ - :‏ هل هو مؤثر في وجود الفعل أو غير مؤثر‏؟‏ فالكلام في مقامين‏:‏ أحدهما‏:أن هذا سؤال فاسد، إن أخذ على ظاهره؛ لأن كسب العبد هو نفس فعله وصنعه، فكيف يقال‏:‏ هل يؤثر كسبه في فعله، أو هل يكون الشيء مؤثراً في نفسه‏؟‏ وإن حسب حاسب أن الكسب هو التعاطي والمباشرة وقصد الشيء ومحاولته، فهذه كلها أفعال يقال فيها ما يقال في أفعال البدن من قيام وقعود‏. ‏‏ وأظن السائل فهم هذا وتشبث بقول من يقول‏:إن فعل العبد يحصل بخلق الله عز وجل وكسب العبد‏. ‏‏ وتحقيق الكلام أن يقال‏: فعل العبد خلق لله عز وجل وكسب للعبد، إلا أن يراد أن أفعال بدنه تحصل بكسبه، أي بقصده وتآخيه، وكأنه قال‏: أفعاله الظاهرة تحصل بأفعاله الباطنة، وغير مستنكر عدم تجديد هذا السؤال، فإنه مزلة أقدام، ومضلة إفهام، وحسن المسألة نصف العلم ‏. ‏‏ إذا كان السائل قد تصور السؤال ‏.‏ وإنما يطلب إثبات الشيء أو نفيه، ولو حصل التصور التام لعلم أحد الطرفين‏. ‏‏ والمقام الثاني في تحرير السؤال وجوابه‏:‏ وهو أن يقال‏:‏ هل قدرة العبد المخلوقة مؤثرة في وجود فعله‏؟‏ فإن كانت مؤثرة لزم الشرك، وإلا لزم الجبر، والمقام مقام معروف، وقف فيه خلق من الفاحصين والباحثين والبصراء والمكاشفين، وعامتهم فهموا صحيحاً ولكن قل منهم من عبر فصيحاً‏. ‏‏ فنقول‏:‏ التأثير اسم مشترك قد يراد بالتأثير الانفراد بالابتداع والتوحيد بالاختراع، فإن أريد بتأثير قدرة العبد هذه القدرة، فحاشا لله لم يقله سنى، وإنما هو المعزو إلى أهل الضلال‏. ‏‏ وإن أريد بالتأثير نوع معاونة إما في صفة من صفات الفعل، أو في وجه من وجوهه كما قاله كثير من متكلمي أهل الإثبات‏. ‏‏ فهو أيضاً باطل بما به بطل التأثير في ذات الفعل، إذ لا فرق بين إضافة الانفراد بالتأثير إلى غير الله سبحانه في ذرة أو فيل‏. ‏‏ وهل هو إلا شرك دون شرك وإن كان قائل هذه المقالة ما نحا إلا نحو الحق‏. ‏‏ وإن أريد بالتأثير أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة‏. ‏‏ بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق الله سبحانه وتعالى الفعل بهذه القدرة ‏.‏ كما خلق النبات بالماء، وكما خلق الغيث بالسحاب، وكما خلق جميع المسببات والمخلوقات بوسائط وأسباب، فهذا حق وهذا شأن جميع الأسباب والمسببات‏. ‏‏ وليس إضافة التأثير بهذا التفسير إلى قدرة العبد شركا، وإلا فيكون إثبات جميع الأسباب شركاً‏.‏وقد قال الحكيم الخبير‏:‏ ‏{‏‏فَأَنزَلْن َا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ‏

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    وقال تعالى‏:‏ ‏{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ‏} ‏‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 14‏]‏‏. ‏‏ فبين أنه المعذب، وأن أيدينا أسباب وآلات وأوساط وأدوات في وصول العذاب إليهم، وقال صلى الله عليه وسلم "لا يموتن أحد منكم إلا آذنتموني حتى أصلي عليه، فإن الله جاعل بصلاتي عليه بركة ورحمة"‏‏‏.‏ فالله سبحانه هو الذي يجعل الرحمة، وذلك إنما يجعله بصلاة نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا التحرير فنقول‏:‏ خلق الله سبحانه أعمال الأبدان بأعمال القلوب، ويكون لأحد الكسبين تأثير في الكسب الآخر بهذا الاعتبار، ويكون ذلك الكسب من جملة القدرة المعتبرة في الكسب الثاني، فإن القدرة هنا ليست إلا عبارة عما يكون الفعل به لا محالة، من قصد وإرادة وسلامة الأعضاء والقوى المخلوقة في الجوارح وغير ذلك، ولهذا وجب أن تكون مقارنة للفعل، وامتنع تقديمها على الفعل بالزمان‏. ‏‏ وأما القدرة التي هي مناط الأمر والنهي، فذاك حديث آخر ليس هذا موضعه‏.‏ وبالتمييز بين هاتين القدرتين يظهر لك قول من قال‏:‏ القدرة مع الفعل، ومن قال‏:‏ قبله، ومن قال‏:‏ الأفعال كلها تكليف ما لا يطاق، ومن منع ذلك، وتقف على أسرار المقالات‏. ‏‏ وإذا أشكل عليك هذا البيان فخذ مثلاً من نفسك، أنت إذا كتبت بالقلم وضربت بالعصا ونجرت بالقدوم‏. ‏‏ هل يكون القلم شريكك أو يضاف إليه شىء من نفس الفعل وصفاته ‏؟ أم هل يصلح أن تلغي أثره وتقطع خبره وتجعل وجوده كعدمه‏؟ أم يقال‏:به فعل وبه صنع ولله المثل الأعلى فإن الأسباب بيد العبد ليست من فعله وهو محتاج إليها لا يتمكن إلا بها، والله سبحانه خلق الأسباب ومسبباتها، وجعل خلق البعض شرطاً وسبباً في خلق غيره، وهو مع ذلك غني عن الاشتراط والتسبب، ونظم بعضها ببعض، لكن لحكمة تتعلق بالأسباب، وتعود إليها والله عزيز حكيم‏. ‏‏ وأما قوله‏:إذا نفينا التأثير لزم انفراد الله سبحانه بالفعل، ولزم الجبر، وطي بساط الشرع الأمر والنهي‏. ‏‏ فنقول‏: إن أردت بالتأثير المنفي، التأثير على سبيل الانفراد في نفس الفعل، أو في شىء من صفاته، فلقد قلت الحق، وإن كان بعض أهل الاستنان يخالفك في القسم الثاني‏. ‏‏ وإن أردت به أن القدرة وجودها كعدمها، وإن الفعل لم يكن بها ولم يصنع بها، فهذا باطل كما تقدم بيانه، وحينئذ لا يلزم الجبر بل ينبسط بساط الشرع، وينشر علم الأمر والنهي، ويكون لله الحجة البالغة‏. ‏‏ فقد بان لك أن إطلاق القول، بإثبات التأثير أو نفيه دون الاستفصال، وبيان معنى التأثير ركوب جهالات واعتقاد ضلالات، ولقد صدق القائل أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء - وبان لك ارتباط الفعل المخلوق بالقدرة المخلوقة، ارتباط الأسباب بمسبباتها، ويدخل في عموم ذلك جميع ما خلقه الله تعالى في السموات والأرض والدنيا والآخرة، فإن اعتقاد تأثير الأسباب على الاستقلال، دخول في الضلال، واعتقاد نفي أثرها وإلغاؤه ركوب المحال، وإن كان لقدرة الإنسان شأن ليس لغيرها كما سنومئ إليه إن شاء الله تعالى‏. ‏‏ فلعلك أن تقول بعد هذا البيان‏:أنا لا أفهم الأسباب، ولا أخرج عن دائرة التقسيم والمطالبة بأحد القسمين، وما أنت إن قلت هذا إلا مسبوق بخلق من الضلال‏:‏ ‏{‏‏كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 113‏]‏، وموقفك هذا مفرق طرق، إما إلى الجنة وإما إلى النار، فيعاد عليك البيان بأن لها تأثيراً من حيث هي سبب، كتأثير القلم وليس لها تأثير من حيث الابتداع والاختراع، ونضرب لك الأمثال، لعلك تفهم صورة الحال، ويبين لك أن إثبات الأسباب مبتدعات هو الإشراك، وإثباتها أسباباً موصولات هو عين تحقيق التوحيد‏. ‏‏عسي الله أن يقذف بقلبك نوراً ترى هذا البيان ‏{‏‏وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ‏}‏‏ ‏[‏النور‏:‏ 40‏]‏‏.‏

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    فإن قلت‏:‏ إثبات القدرة سبب نفي للتأثير في الحقيقة، فما بال الفعل يضاف إلى العبد‏؟‏ وما باله يؤمر وينهى ‏؟‏ ويثاب ويعاقب وهل هذا إلا محض الجبر‏؟‏ وإذا كنت مشبهاً لقدرة الإنسان بقلم الكاتب، وعصا الضارب، فهل رأيت القلم يثاب أو العصا تعاقب‏؟‏ وأقول لك الآن إن شاء الله وجب هداك بمعونة مولاك، وإن لم تطلع من أسرار القدر إلا على مثل ضرب الأثر وألق السمع وأنت شهيد، عسى الله أن يمدك بالتأييد‏. ‏‏ اعلم أن العبد فاعل على الحقيقة وله مشيئة ثابتة، وله إرادة جازمة وقوة صالحة، وقد نطق القرآن بإثبات مشيئة العباد في غير ما آية كقوله‏:‏ ‏{‏‏لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ‏.‏ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏} ‏‏ ‏[‏التكوير‏:‏ 28- 29‏]‏ ‏{‏‏فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً‏}‏‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 29‏]‏‏.‏ ‏{‏‏فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ‏.‏ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ‏} ‏‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 55- 56‏]‏‏.‏ ونطق بإثبات فعله في عامة آيات القرآن يعملون، يفعلون، يؤمنون، يكفرون، يتفكرون، يحافظون، يتقون‏.‏ وكما أنا فارقنا مجوس الأمة بإثبات أنه تعالى خالق، فارقنا الجبرية بإثبات أن العبد كاسب فاعل صانع عامل، والجبر والمعقول الذي أنكره سلف الأمة وعلماء السنة هو أن يكون الفعل صادراً علي الشيء، من غير إرادة ولا مشيئة ولا اختيار، مثل حركة الأشجار بهبوب الرياح،.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    ........ ومثله في الأناسي حركة المحموم والمفلوج والمرتعش فإن كل عاقل يجد تفرقة بديهية بين قيام الإنسان وقعوده وصلاته وجهاده، وزناه وسرقته وبين انتعاش المفلوج وانتفاض المحموم، ونعلم أن الأول قادر على الفعل مريد له مختار‏.‏ وأن الثاني غير قادر عليه ولا مريد له ولا مختار‏. ‏‏ والمحكي عن جهم وشيعته الجبرية أنهم زعموا، أن جميع أفاعيل العباد قسم واحد، وهو قول ظاهر الفساد، وبما بين القسمين من الفرقان انقسمت الأفعال، إلى اختياري، واضطراري، واختص المختار منها بإثبات الأمر والنهي عليه، ولم يجئ في الشرائع ولا في كلام حكيم أمر الأعمى بنقط المصحف، والمقعد بالاشتداد أو المحموم بالسكون، وشبه ذلك، وإن اختلفوا في تجويزه عقلاً أو سمعا فإنما منع وقوعه بإجماع العقلاء أولى العقل من جميع الأصناف‏. ‏‏ فإن قيل‏:‏ هب أن فعلي الذي أردته واخترته هو واقع بمشيئتي وإرادتي أليست تلك الإرادة وتلك المشيئة من خلق الله تعالى ‏؟وإذا خلق الأمر الموجب للفعل‏.‏ فهل يتأتى ترك الفعل معه‏؟‏ أقصى ما في الباب أن الأول جبر بغير توسط الإرادة من العبد، وهذا جبر بتوسط الإرادة‏. ‏‏ فنقول‏:‏ الجبر المنفي هو الأول كما فسرناه، وأما إثبات القسم الثاني، فلا ريب فيه عند أهل الاستنان والآثار، و أولى الألباب والأبصار، لكن لا يطلق عليه اسم الجبر خشية الالتباس بالقسم الأول، وفراراً من تبادر الأفهام إليه، وربما سمى جبراً إذا أمن من اللبس وعلم القصد، قال علي رضي الله عنه في الدعاء المشهور عنه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم‏:اللهم داحي المدحوات، وباري المسموكات، جبار القلوب على فطراتها شقاها أو سعدها‏.‏ فبين أنه سبحانه جبر القلوب على ما فطرها عليه، من شقاوة أو سعادة وهذه الفطرة الثانية ليست الفطرة الأولى، وبكلا الفطرتين، فسر قوله صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة‏". .وتفسيره بالأولى واضح قاله محمد بن كعب القُرظِيّ وهو من أفاضل تابعي أهل المدينة وأعيانهم، وربما فضل على أكثرهم في قوله‏:الجبار، قال‏:‏ جبر العباد على ما أراد، وروى ذلك عن غيره، وشهادة القرآن والأحاديث، ورؤية أهل البصائر والاستدلال التام لتقليب الله سبحانه وتعالى قلوب العباد، وتصريفه إياها وإلهامه فجورها وتقواها، وتنزيل القضاء النافذ من عند العزيز الحكيم، في أدنى من لمح البصر على قلوب العالمين، حتى تتحرك الجوارح بما قضي لها وعليها بين غاية البيان، إلا لمن أعمى الله بصره وقلبه

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    فإن قلت‏:‏ أنا أسألك علي هذا التقدير بعد خروجي عن تقدير الجبر الذي نفوه وأبطلوه وثباتي على ما قالوه وبينوه كيف انبنى الثواب والعقاب على فعله، وصح تسميته فاعلا على حقيقته وانبنى فعله على قدرته‏؟ - ‏ فأقول والله الهادي إلى سواء الصراط‏:‏ اعلم أن الله تعالى خلق فعل العبد سبباً مقتضياً لآثار محمودة أو مذمومة، والعمل الصالح مثل صلاة أقبل عليها بقلبه ووجهه وأخلص فيها وراقب، وفقه ما بنيت عليه من الكلمات الطيبات، والأعمال الصالحات، يعقبه في عاجل الأمر نور في قلبه، وانشراح في صدره، وطمأنينة في نفسه ومزيد في علمه، وتثبيت في يقينه، وقوة في عقله إلي غير ذلك من قوة بدنه، وبهاء وجهه، وانتهائه عن الفحشاء والمنكر، وإلقاء المحبة له في قلوب الخلق، ودفع البلاء عنه وغير ذلك مما يعلمه ولا نعلمه‏. ‏‏ ثم هذه الآثار التي حصلت له من النور والعلم واليقين وغير ذلك أسباب مفضية إلى آثار أخر من جنسها ومن غير جنسها أرفع منها وهلم جرا، ولهذا قيل‏: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وكذلك العمل السيئ مثل الكذب مثلاً يعاقب صاحبه في الحال بظلمة في القلب وقسوة وضيق في صدره، ونفاق واضطراب ونسيان ما تعلمه، وانسداد باب علم كان يطلبه، ونقص في يقينه وعقله، واسوداد وجهه وبغضه في قلوب الخلق، واجترائه على ذنب آخر من جنسه أو غير جنسه، وهلم جرا، إلا أن يتداركه الله برحمته‏. ‏‏ فهذه الآثار هي التي تورثها الأعمال، هي الثواب والعقاب، وإفضاء العمل إليها واقتضاؤه إياها، كإفضاء جميع الأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى أسباباً إلى مسبباتها، والإنسان إذا أكل أو شرب حصل له الري والشبع، وقد ربط الله سبحانه وتعالى الري والشبع بالشرب والأكل ربطاً محكماً، ولو شاء ألا يشبعه ويرويه مع وجود الأكل والشرب فعل‏. أما ألا يجعل في الطعام قوة، أو يجعل في المحل قوة مانعة، أو بما يشاء سبحانه وتعالى ولو شاء أن يشبعه ويرويه بلا أكل ولا شرب أو بأكل شيء غير معتاد فعل‏.‏ كذلك في الأعمال‏:‏ المثوبات والعقوبات حذو القذة بالقذة، فإنه إنما سمى الثواب ثواباً؛ لأنه يثوب إلى العامل من عمله، أي يرجع‏.‏ والعقاب عقاباً؛ لأنه يعقب العمل، أي يكون بعده، ولو شاء الله ألا يثيبه على ذلك العمل، إما بألا يجعل في العمل خاصة تفضي إلى الثواب، أو لوجود أسباب تنفي ذلك الثواب، أو غير ذلك لفعل سبحانه وتعالى وكذلك في العقوبات‏. ‏‏ وبيان ذلك‏: أن نفس الأكل والشرب باختيار العبد ومشيئته‏.‏ التي هي من فعل الله سبحانه وتعالى أيضاً، وحصول الشبع عقب الأكل ليس للعبد فيه صنع البتة، حتى لو أراد دفع الشبع بعد تعاطي الأسباب الموجبة له لم يطق، وكذلك نفس العمل هو بإرادته واختياره، فلو شاء أن يدفع أثر ذلك العمل وثوابه بعد وجود موجبه لم يقدر‏. ‏‏ فهذه حكمة الله تعالى ومشيئته في جميع الأسباب في الدنيا والآخرة، لكن العلم بالأعمال النافعة في الدار الآخرة، والأعمال الضارة أكثره غيب عن عقول الخلق، وكذلك مصير العباد ومنقلبهم بعد فراق هذه الدار، فبعث الله سبحانه وتعالى رسله، وأنزل كتبه مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وحكمته في ذلك تضارع حكمته في جميع خلق الأسباب والمسببات‏.وما ذاك إلا أن علمه الأزلي ومشيئته النافذة وقدرته القاهرة اقتضت ما اقتضته، وأوجبت ما أوجبته من مصير أقوام إلى الجنة، بأعمال موجبة لذلك منهم‏. ‏‏ وخلق أعمالهم وساقهم بتلك الأعمال إلى رضوانه، وكذلك أهل النار كما قال‏:‏ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لما قيل له‏:‏ ألا ندع العمل ونتكل على الكتاب ‏؟‏ فقال "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له.‏‏ أما من كان من أهل السعادة، فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة، فييسر لعمل أهل الشقاوة‏". ‏ فبين صلى الله عليه وسلم أن السعيد قد ييسر للعمل الذي يسوقه الله تعالى به إلى السعادة، وكذلك الشقي، وتيسيره له هو نفس إلهامه ذلك العمل وتهيئة أسبابه، وهذا هو تفسير خلق أفعال العباد، فنفس خلق ذلك العمل هو السبب المفضي إلى السعادة أو الشقاوة، ولو شاء لفعله بلا عمل بل هو فاعله‏.‏ فإنه ينشئ للجنة خلقاً لما يبقى فيها من الفضل‏.‏ يبقى أن يقال‏:‏ فالحكمة الكلية التي اقتضت ما اقتضته من الأسباب الأول وحقائق ما الأمر صائر إليه في العواقب، والتخصيصات والتمييزات الواقعة في الأشخاص والأعيان، إلي غير ذلك من كليات القدر، التي لا تختص بمسألة خلق أفعال العباد‏.وليس هذا الاستفتاء معقوداً لها، وتفسير جمل ذلك لا يليق بهذا الموضع، فضلا عن بعض تفصيله‏.‏ ويكفي العاقل أن يعلم أن الله عز وجل عليم حكيم رحيم، بهرت الألباب حكمته ووسعت كل شيء رحمته، وأحاط بكل شيء علمه، وأحصاه لوحه وقلمه وإن لله تعالى في قدره سراً مصوناً، وعلماً مخزوناً احترز به دون جميع خلقه، واستأثر به على جميع بريته، وإنما يصل به أهل العلم وأرباب ولايته إلى جمل من ذلك، وقد لا يؤذن لهم في ذكر ما، وربما كلم الناس في ذلك على قدر عقولهم، وقد سأل موسى وعيسى وعزير ربنا تبارك وتعالى عن شيء من سر القدر، و أنه لو شاء أن يطاع لأطيع وأنه مع ذلك يعصى، فأخبرهم سبحانه وتعالى أن هذا سره‏.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    ‏‏ وفي هذا المقام، تاهت عقول كثير من الخلائق، وفيه ضل القائلون بقدم العالم، وأن صانعه موجب بذاته، ومقتضى بنفسه اقتضاء العلة للمعلول، وأنه ليس في الإمكان أبدع مما صنع، ودب بعض هذا الداء إلى بعض أهل الكتاب وأتباع الرسل، فقد قرروا انحصار الممكن في الموجود وكل ذلك طلباً للاستراحة من مؤمنة تعليل الأفعال الإلهية، ووجود الأسباب الحادثة للأمور الحادثة، وعلله أهل القدر بعللهم العائلة في التعديل والتجويز ووجوب رعاية الصالح، أو الأصلح، ولم يستقم لواحد من الفريقين أصلهم، ولم يطرد لهم‏. ‏‏ ومن هنا ذهب أهل التثنية والتمجس إلى الأصلين، والقول بقدم النور والظلمة، وسلم بعض السلامة وإن كان فيه نوع من ظن السوء بالله وضرب من الجفاء أكثر متكلي أهل الإثبات حيث ردوا الأمر إلى محض المشيئة، وصرف الإرادة، وإن إنشاءها جميع الجائزات واقتضاءها كل الممكنات على نحو واحد ووتيرة واحدة وإنها بذاتها تخصص وتميز‏.‏ ولو خلط بهذا الكلام ضرب من وجوه الرحمة، وأنواع الحكمة علمناها أو جهلناها لكان أقرب إلى القبول‏. ‏‏ وبكل حال فلام التعليل في فعله سبحانه وتعالى ليست على ما يعقله أكثر الخلق من لام التعليل في أفعالهم، ووراء ما يعلمه هؤلاء ويقولون‏:‏ مما أنار الله سبحانه وتعالى به قلوب أوليائه، وقذف في أفئدة أصفيائه، ممن استمسك فيما يظهر من الكلام بسبيل أهل الآثار، واعتصم فيما يبطن عن الإفهام، بحبل أهل الإبصار‏. ‏‏ وفي هذا المقام تعرف أولو الألباب سر قوله "سبقت رحمتي غضبي‏"‏‏، وقوله‏ "‏‏الشر ليس إليك‏"،، وقوله‏:‏ ‏{‏‏بِيَدِكَ الْخَيْرُ‏}‏‏ ‏[‏ آل عمران‏:‏ 26 ‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏‏مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ‏}‏‏ ‏[‏الفلق‏:‏ 2‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ‏}‏‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 80‏]‏، ‏{‏‏وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً‏}‏‏ ‏[‏الجن‏:‏ 10‏]‏، وما شاكل ذلك من أن الشر إما أن يحذف فاعله، أو يضاف إلى الأسباب، أو يندرج في العموم، وأما إفراده بالذكر مضافاً إلى خالق كل شيء، فلا يقتضيه كلام حكيم، لما توجبه الحقيقة المقتضية للأدب المؤسس لا لمحض‏.‏‏.‏ ‏.‏ متميز‏. ‏‏ وهنا يعرف سبب دخول خلق كثير الجنة بلا عمل‏. ‏‏ وإنشاء خلق لها، وأما النار فلا تدخل إلا بعمل، ولن يدخلها إلا أهل الدنيا،

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    مع أن السيئة من القدر، وقول الصديق وغيره من الصحابة‏:‏ إن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطئاً فمنى ومن الشيطان، إلى غير ذلك مما فيه ما قد لحظ كل ناظر منه شعبة من الحق، وتعلق بسبب من الصواب وما يتبع وجوه الحق، ويؤمن بالكتاب كله، إلا أولو الألباب وقليل ما هم، فهذه إشارة يسيرة إلى كلي التقدير‏.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    وأما كون قدرة العبد، وكسبه له شأن من بين سائر الأسباب، فإن الله عز وجل خص الإنسان بأن علمه يورثه في الدنيا أخلاقاً وأحوالاً وآثاراً‏.‏ وفي الآخرة أيضاً أموراً أخر لم يحصل هذا لغيره من مخلوقاته، والوجوه التي خص بها الإنسان في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله شخصاً ونوعاً أكثر من أن تحصى، وما من عاقل إلا وعنده منها طرف؛ ولهذا حسن توجيه الأمر والنهي إليه، وصح إضافة الفعل إليه حقيقة وكسباً، مع أنه خلق الله تعالى، فإن الله تعالي خلق العبد وعمله وجعل هذا العمل له عملاً قام به وصدر عنه، وحدث بقدرته الحادثة‏. ‏‏ وأدنى أحوال الفعل، أن يكون بمنزلة الصفات، والأخلاق المخلوقة في العبد، إذا جعلت مفضية إلى أمور أخر، فهل يصح تجريد العبد عنها‏؟‏ كلا ولما‏. ‏‏ . وأما " الأمر " فإنه في حق المطيعين من الأسباب التي بها يكون الفعل منهم ; فإنه يبعث داعيتهم ثم إنه يوجب لهم الطاعة ومحض الانقياد والاستسلام فهو من جملة القدر السابق لهم إلى السعادة وفي حق العاصين هو السبب الذي يستحقون به العصيان إذ لولا هو لما تميز مطيع من عاص .

    و " أيضا " في حقهم من القدر السابق لهم إلى المعصية ; ليضل به كثيرا ويهدي به كثيرا عن إدخال الأمر والنهي في جملة المقادير يحل عقدة كثيرة
    هذا سبحانه وتعالى لعلمه بالعواقب .

    وأما أمر العباد فظاهر العدم من المعاصي في علمهم وأن قصدهم نفس صدور الفعل من الجميع فهو في ظاهر الأمر الشرعي على لسان المرسلين بالكتب المنزلة والله .... كله مظهر أمر وحكم يمضيه
    -فالإرادة والأمر كل منهما منقسم عام الوقوع جامع للقسمين وإلى شرع وربما بعد وربما وقف القدر له والخير كل الخير في نفوذه وهو خاص الوقوع بفرق إلى القسمين واضع الأشياء في مراتبها .

    وإذا صح نسبة الطاعة والمعصية إلى من خلقت فيه ولو أنه يخلق الصفات .
    أفيحسن بالإنسان أن يقول : أسود وأحمر وطويل وقصير وذكي وبليد وعربي وعجمي فيضيف إليه جميع الصفات التي ليس للإنسان فيها إرادة أصلا ألبتة لقيامها به ، وتأثيرها فيه تارة بما يلائمه وتارة بما ينافره ثم يستبعد أن يضاف إليه ما خلق فيه من الفعل بواسطة قصده وإرادته المخلوقين أيضا ؟ ثم يقول : ليس للعبد في السيئ شيء فهل الجميع إلا له ؟بل ليست لأحد غيره ; لكن الله سبحانه وتعالى خلقها له وإضافة الفعل إلى خالقه ومبدعه لا تنافي إضافته إلى صاحبه ومحله الذي هو فاعله وكاسبه وقد بينا الجبر المذموم ما هو .


  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    ونختم الكلام بكلام وجيز في سبب الفرق بين الخلق والكسب . فنقول : الخلق يجمع معنيين ( أحدهما )الإبداع والبرء و ( الثاني ) : التقدير والتصوير . فإذا قيل : خلق فلا بد أن يكون أبدع إبداعا مقدرا - ولما كان سبحانه وتعالى أبدع جميع الأشياء من العدم وجعل لكل شيء قدرا - صح إضافة الخلق إليه بالقول المطلق . والتقدير في المخلوق لازم إذ هو عبارة عن تحديده والإحاطة به وهذا لازم لجميع الكائنات لا كما زعم من حسب أن الخلق في ذوات المساحة وهي الأجسام مفرقا بين الخلق والأمر بذلك فإنه قول باطل مبتدع والأمر هو كلامه كما فسره الأولون والخلق مفسر يجعل الخلق بإزاء إبداع الصور الذهنية وتقديرها ومنه تسمية اختلافا إذ هو صور ذهنية ليس لها حقيقة خارجة عن الذهن و جعل الخلق بمعنى التقدير فقط مقطوعا عنه النظر إلى الإبداع بما قال : سدى ما خلقت وكما قال علي في تمثال صنعه : أنا خلقته والفرق الأولى من حيث إن تلك الصورة مبتدعة لكان قولا يكون إلا الله سبحانه وتعالى صح وصفه سبحانه بأنه خالق كل شيء .

    وأما الكسب فقد ذكرنا أنه إنما ينظر فيه إلى تأثيره في محله ولو لم يكن له عليه قدرة حتى يقال : الثوب قد اكتسب من ريح المسك ، والمسجد قد اكتسب الحرمة من أفعال العابدين والجلد قد اكتسب الحرمة لمجاورة المصحف والثمرة قد اكتسبت لونا وريحا وطعما فكل محل تأثر عن شيء مؤثرا وملائما ومنافرا صح وصفه بالاكتساب بناء على تأثره وتغيره وتحوله من حال إلى حال والإنسان يتأثر عن الأفعال الاختيارية ولا يتأثر عن الأفعال الاضطرارية فتورثه أخلاقا وأحوالا على أي حال كان حتى على رأي من يطلق اسم الجبر على مجموع أفعاله فإنه يستيقن تأثير الأفعال الاختيارية في نفسه بخلاف الاضطرارية اللهم إلا من حيث قد توجب الأفعال الاضطرارية أمرا في نفسه فيكون ذلك اختيارا .

    ث
    م اعلم أن الاضطرار إنما يكون في بدنه دون قلبه - إما بفعل الله تعالى كالأمراض والأسقام وإما بفعل العباد كالقيد والحبس وأما أفعال روحه المنفوخة فيه ; إذا حركت يديه فهي كلها اختيارية ومن وجه قد بيناه كلها اضطرارية فاضطرارها هو عين واختيارها إنما هو بالاضطرار و حقيقة الاضطرار هو أن اضطرار وربما أحبت من وجه وكرهت من وجه آخر وهذا كله لا يمنع ورود التكليف واقتضاء الثواب والعقاب . هذا الذي تيسر كتابته في الحال : { والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } والحمد لله وحده ــــــ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثامن.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    أحسن الله إليكم، حتى بعض عامة الناس يحدث لهم لبس في ذلك، عندما تنكر عليهم المنكر يقول: إذا الله هداني سأتركه!!!
    لاحول ولاقوة إلا بالله.
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    أحسن الله إليكم، حتى بعض عامة الناس يحدث لهم لبس في ذلك، عندما تنكر عليهم المنكر يقول: إذا الله هداني سأتركه!!!
    لاحول ولاقوة إلا بالله.
    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على إثراء ما يفيد طالب العلم والهدى -العلم خزائن ومفتاحه السؤال فإنما يؤجر في العلم ثلاثة القائل والمستمع والآخذ "وقال عليه الصلاة والسلام : " هلا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال " فأمر بالسؤال وحث عليه ... ونهى آخرين عن السؤال وزجر عنه فقال صلى الله عليه وسلم :" أنهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " وقال عليه الصلاة والسلام : " وإياكم وكثرة السؤال فإنما هلك من قبلكم بكثرة السؤال " .
    وليس هذا مخالفا للأول وإنما أمر بالسؤال من قصد به علم ما جهل - ونهى عنه من قصد به إعنات ما سمع . وإذا كان السؤال في موضعه - أزال الشكوك ونفى الشبهة.
    وقد قيل لإبن عباس رضي الله عنهما : بما نلت هذا العلم قال : بلسان سئول وقلب عقول . ( من كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي)
    -- نعم - كنت انتظر تعليق أو سؤال قريب من هذا حتى تكتمل الفائدة -- -------وإليك ما يزيل اللبس على من سلك سبيل الضلال ثم يحتج بأن الهداية بيد الله تعالى---فالجواب --------التوفيق والهداية بيد الله عز وجل ، من شاء الله أن يهديه هداه ، ومن شاء أن يضله أضله ، قال الله تعالى : ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر/73 ، وقال جل وعلا : ( مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) الْأَنْعَامِ/59 ، وقال سبحانه : ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الْأَعْرَافِ/178 . والمسلم يدعو في صلاته : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الفاتحة/6 . لعلمه أن الهداية بيد الله تعالى ، ومع ذلك ؛ فالعبد مطالب بالأخذ بأسباب الهداية ، مُطالَب بالصبر والثبات والبدء بطريق الاستقامة ، فقد وهبه الله عز وجل عقلا منيرا ، وإرادة حرة ، يختار بها الخير من الشر ، والهدى من الضلال ، فإذا بذل الأسباب الحقيقية ، وحرص على أن يرزقه الله الهداية التامة جاءه التوفيق من الله تعالى . قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الْأَنْعَام/153 .

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان هذه المسألة التي تشكل وتلتبس على بعض الناس :
    " إذا كان الأمر راجعا إلى مشيئة الله تبارك وتعالى ، وأن الأمر كله بيده ، فما طريق الإنسان إذن ؟، وما حيلة الإنسان إذا كان الله تعالى قد قَدَّر عليه أن يضل ولا يهتدي ؟
    فنقول : الجواب عن ذلك أن الله تبارك وتعالى إنما يهدي من كان أهلاً للهداية ، ويضل من كان أهلاً للضلالة ، ويقول الله تبارك وتعالى : ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) الصف/5 ، ويقول تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) المائدة/13 .
    فبين الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه ، والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له ، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور . فهو لا يدري هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا ؟
    فما باله يسلك طريق الضلال ، ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك !
    أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول : إن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم .
    أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة ، وقدريا عند الطاعة ! كلا ، لا يليق بالإنسان أن يكون جبريا عند الضلالة والمعصية ، فإذا ضل أو عصى الله قال : هذا أمر قد كُتب علي وقُدِّر علي ولا يمكنني أن أخرج عما قضى الله تعالى .
    فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار ، وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق ، والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ، ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً ، لا يجلس في بيته ويقول : إن قُدِر لي رزق فإنه يأتيني ، بل يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
    فهذا الرزق أيضا مكتوب ، كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب ، فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا ، ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم !!
    إن البابين واحد ، ليس بينهما فرق ، فكما أنك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك ، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك ، ومع ذلك فإن لك ما قُدِّر من الأجل لا يزيد ولا ينقص ، ولست تعتمد على هذا وتقول : أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قُدِّر الله لي أن يمتد الأجل امتد . بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس أن يُقَدِّر الله الشفاء على يديه .
    فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفى العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا ؟
    وقد سبق أن قلنا : إن القضاء سر مكتوم لا يمكن أن تعلم عنه .
    فأنت الآن بين طريقين :
    طريق يؤدى بك إلى السلامة وإلى الفوز والسعادة والكرامة .
    وطريق يؤدى بك إلى الهلاك والندامة والمهانة .
    وأنت الآن واقف بينهما ومخير ، ليس أمامك من يمنعك من سلوك طريق اليمين ، ولا من سلوك طريق الشمال ، إذا شئت ذهبت إلى هذا ، وإذا شئت ذهبت إلى هذا .
    بهذا تبين لنا أن الإنسان يسير في عمله الاختياري سيراً اختيارياً ، وأنه كما يسير لعمل دنياه سيراً اختيارياً ، فكذلك أيضا هو في سيره إلى الآخرة يسير سيراً اختيارياً ، بل إن طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا ؛ لأن مبين طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . فلا بد أن تكون طرق الآخرة أكثر بيانا وأجلى وضوحا من طرق الدنيا . ومع ذلك فإن الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامنا لنتائجها ، ولكنه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة ؛ لأنها ثابتة بوعد الله ، والله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد .
    بعد هذا نقول : إن أهل السنة والجماعة قرروا هذا ، وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أن الإنسان يفعل باختياره ، وأنه يقول كما يريد ، ولكن إرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته .
    ثم يؤمن أهل السنة والجماعة بأن مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته ، وأنه سبحانه وتعالى ليس مشيئته مطلقة مجردة ، ولكنها مشيئة تابعة لحكمته ؛ لأن من أسماء الله تعالى الحكيم ، والحكيم - هو الحاكم المحكم الذي يحكم الأشياء كوناً وشرعاً ، ويحكمها عملاً وصنعاً ، والله تعالى بحكمته يقَدِّر الهداية لمن أرادها ، لمن يعلم سبحانه وتعالى أنه يريد الحق ، وأن قلبه على الاستقامة . ويقَدِّر الضلالة لمن لم يكن كذلك ، لمن إذا عرض عليه الإسلام يضيق صدره كأنما يصعد في السماء ، فإن حكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يكون هذا من المهتدين ، إلا أن يجدد الله له عزماً ويقلب إرادته إلى إرادة أخرى ، والله تعالى على كل شيء قدير ، ولكن حكمة الله تأبى إلا أن تكون الأسباب مربوطة بها مسبباتها " انتهى باختصار من " رسالة في القضاء والقدر " (ص14-21)

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: هداية الجبرية للحق فى مسألة افعال العباد الاختيارية

    بارك الله فيكم
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •