ويقول الشيخ صالح ال الشيخ فى قصة قصة ذات أنواط (وتفيد أيضًا أن المسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنُبّه على ذلك فتاب من ساعته فإنه لا يكفر) لأن هذا الكلام الذي طلبوه قال في معناه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ "قلتم والذي نفسي بيده كما قال أصحاب موسى لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة"، ومن طلب إلها مع الله جل وعلا فإنه يطلب عبادة ذلك الإله، فكفره يكون بعبادته غير الله جل وعلا، ومعلوم أن الطلب متصل بالمطلوب اتصال اللازم بالملزوم، ولهذا نستفيد منه أن الكفر إذا كان مورده القول فإن صاحبه إذا نبه عليه وهو جاهل به فتاب من ساعته فإنه لا يؤاخذ بذلك؛ يعني أنه لا يكفر بقول كفري؛ لأنه جاهل بهذا القول، وذلك إذا نبه فتنبه، إذا قيل له هذا كفر والدليل على ذلك كذا أو أجمع العلماء على كذا أو قال الأئمة كذا فتنبه فإنه لا يكفر بذلك؛ لأن مورد الغلط في اللسان والجهل يعذر به صاحبه في مثل هذا كما عَذَر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحابة في قولهم بل أنكر عليهم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ غلظ الكلام عليهم شديدا فأفاد كما قال الشيخ رحمه الله تعالى (أن المسلم إذا تكلم لكلام كفر وهو لا يدري) وقوله (وهو لا يدري) راجعة إلى أنه لا يدري أنه مؤاخَذ بقوله ذلك، لا يدري أن كلامه كفر وأن كلامه لا يجوز له أن يقوله، والجهل راجع إلى جهتين:
جهة الحكم، والحكم بأن قوله لا يحل أو أن قوله كفر.
والجهة الثانية راجع إلى الحكم عليه بما قاله.
والأحكام الشرعية متعلقة بالنوع الأول لا بالنوع الثاني.
يعني أنه إذا كان جهله وعدم درايته راجعة إلى أنه لا يعلم أن هذا الكلام لا يحل له، لا يعلم أن هذا الكلام لا يجوز له، لا يعلم أن هذا الكلام كفر، فإنه إذا نبه فتنبه فإنه يعذر بذلك.
وأما إذا علم أنه لا يجوز له ذلك، فيقول أعلم أن هذا كفر أن هذا لا يجوز، ولكن لا أدري أن هذا يوصل القائل إلى درجة الكفر، لا أدري أني أصير كافرا بذلك، فهو يدري أنه محرم ولكن لا يدري أنه يصير كافرا بذلك، فهذا لا يُعذر به مثل من يقول أدري أن القذْف محرم لكن لا أدري أني أجلد فهذا لا يعذر بجهله، يقول أدري ....
فإذن هنا فعدم الدراية بالأحكام الشرعية إذا كان مردها إلى عدم الدراية بحرمة القول، عدم الدراية بأن القول حرام كبيرة كفر، فهذا يُعذر به في مسائل كثيرة.
أما إذا علم الحكم ولكن جهل أنه يجب عليه الحد بهذا أو أنه يكفر بهذا فإنه يؤاخذ فيكفي درايته أنه لا يحل له هذا القول.
وهذا له تطبيقات كثيرة في القواعد الفقهية في تقسيم عدم الدراية أو الجهل إلى جهل بالحكم يعني إلى جهل بعاقبة الحكم، معلوم أنه إذا كفر فإنه يصبح مرتدا، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، وفي بعض صور الكفر يقتل زندقة، ولا تقبل منه توبته، فإن قال أنا أعلم أن الكلام حرام ولكني أجهل أني إذا قلت ذلك أني أصبحت مرتدا أو أني أصبحت زنديقا قتل بهذا الكلام فإنه لا يعذر.
فإذا قال مثلا في الزنا أنا أعلم أن الزنا حرام لكن لا أدري أن الزاني المحصن يرجم، فهنا لا يعذر بجهالته، ولكن يعذر إذا قال أنا لا أعلم أنه حرام.
وهذا تفريق مهم في مسائل كثيرة عند العلماء والفقهاء في عدم دراية بعض المسائل، فإن عدم دراية الحكم أصلا شيء، وعدم دراية الحكم على صاحبه أو العقود المقدرة على صاحبه وأشباه ذلك هذا شيء آخر.
لهذا قال الشيخ رحمه الله هنا (وتفيد أيضًا أن المسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبّه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم -) فإن بني إسرائل نبهوا فتنبهوا وإن الصحابة الذين كانوا حدثاء عهد بكفر نبهوا فتنبهوا.
الفائدة الثالثة قال (وتفيد أيضًا أنه لو لم يكفّر فإنه يغلّظ عليه الكلام تغليظًا شديدًا كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يغلظ عليه الكلام تغليظا شديدا، وجه التغليظ الشديد أن ذاك تعزير، ومعلوم أن باب التعزير يكون -يعني التعزير في الشريعة- يكون بالقول، ويكون بالفعل، ويكون التعزير بالمال:
القول بأن يقال له كلام يأنبه كلام شديد قال قوي.
وبالفعل إما بضرب أو بهجر أو بأشباه ذلك.
وبالمال بأخذ بعض ماله كثير له، وهذا من جهة القاضي.
فإذا كان كذلك فالتعزير في الشريعة مطلوب لمن وقع منه المنكر بحسب الحال، فهؤلاء كان قولهم قبيحا، وكان طلبهم قبيحا إذ طلبوا إلها مع الله جل وعلا، فلهذا قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قال أصحاب موسى لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" وهذا الكلام قد يقال إن ظاهره ليس بشديد إن ظاهره ليس فيه تعزير، لكن هذا ليس بصحيح بل المسلم الموحد إذا قبل له الذي أحب التوحيد ودخل في دين الله بلا إله إلا الله وقد فقه هذه الكلمة ا قيل له أنت طلبت إلها مع الله جل وعلا، فإن هذه الكلمة تتفطر لها القلوب، فهي أعظم مما لو قيل له أسكت أو قيل له كذا أو كذا؛ بل قيل له أنت طلبت إلها مع الله جل وعلا، ومعلوم أنه ما دخل في الدين إلا للتوحيد إلا للإسلام الوجه لله جل وعلا وحده دون الآلهة المتعددة، فلهذا الوضوح في حال الواقع في المنكر نوع من التعزير فمن وقع في الباطل فقيل له أنت وقعت في كذا وكذا تأنيبا له، فإن هذا نوع من التعزير الشديد وتغليظ الكلام بما يناسب الحال.
إذن أفادت أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظا شديدا كما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.[شرح كشف الشبهات ]