تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته





    قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته


    عبد الفتاح آدم المقدشي


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
    أما بعد
    فاعلم – رحمني الله وإياك وأرشدنا إلى طاعته - أن الله سبحانه وتعالى وصف قصة يوسف – عليه السلام أحسن القصص لذلك تستحق أن نقف معها طويلاً لنأخذ ما فيها من الدرر الموجودة في أعماقها.
    وأحب أن أصنِّف مقالاتي في قصة يوسف مع تجميع أسرته.
    فما أصعب أن يرى المرء أمامه تفكك أسرته وتشتتها , وهذا ما ذاقته الأنبياء مثل يوسف وأبيه يعقوب عليهما السلام.
    أما الدرس الأول في تفكك الأسر فهو الحسد الذي وقع فيما بينهم خصوصا من الإخوة الكبار, ولذلك ابتدأت القصة من التحذير أن يقص يوسف عليه السلام إخوانه للأب رؤياه لما فيهم من الحسد بما حباه الله عليه من حب الله له وحب أبيه.
    الدرس الثاني: الغيرة تسبب القتل , لقد عانى الكثير والكثير من الأسر خصوصاً المعدِّدين منهم الغيرة في الحب وقد سبَّبت لبعضهم القتل أوغيره.
    ولكن الآية والعبرة في قصة يوسف عليه السلام وإخوته هو الغيرة في حب والدهم فاعتبروا يا أولي الأبصار بينما التباعد والهجران والعقوق للوالدين كثرت في هذا الزمان.
    ولكن الشيطان هو الذي نزغ بين الإخوة واستغل من حسدٍ فيهم حتى تآمروا وقرَّروا قرارهم الأخير الخطير هذا, حيث وسوسهم الشيطان بأنه يَخْلُ لهم وجه أبيهم فيكونوا حينئذ عنده أحسن معيشة وخير.
    ولكن وقع ما لم يكن في حسبانهم حيث ازداد يعقوب عليه السلام حباً ليوسف بل عمي لأجل ذلك الحزن العظيم له حتى قالوا له { {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ } } [ يوسف: 85 ] ولذلك لابد أن يفكر صاحب القرارات ما يترتب من قراراته في المآل وأن يوزن بين مُتعةٍ عاجلةٍ حاصلة وبين قرارٍ يسبب له مصائب في دنياه وأخراه . وقد يقرر بعض الناس بأن يكون ساحرا مثلاً – والعياذ بالله - لأجل ما قد يجده في ذلك من متعٍ في الحياة العاجلة كخدمة الجن له واتباع الجهلة والرعاع له مع أنه يُسبب مصائب دنيوية وأخروية .
    وإنما يحصل ذلك عندما يتصف الإنسان بالظلم والجهل خصوصاً عندما يتخلى عن الأمانة التى ألقى الله على عاتقه وهي القيام بالتكاليف الشرعية.
    ويقابل ذلك ما اتصف به يوسف – عليه السلام – من التقوى لله حق التقوى والصبر لله حق الصبر كما سأشرحه في الدروس القادمة إن شاء الله.
    وأخيرا قامت الإخوة بتنفيذ الإجرام وقد حكمت محكمتهم بقتله إلا أنه خُفِّف له في العقوبة أخيراً حيث رأى رجلٌ عاقلٌ منهم أن يلقى في الجب أي قعر بئر فيأخذه المسافرون إذ المهم عندهم إنما هو أن يتخلصوا من وجوده عندهم لا شيئا آخر وذلك ليحبهم أبوهم فحسب .
    الدرس الثالث: صبر يعقوب عليه السلام , وهو أبو الأسرة وقائدهم , ففي صبره العجب العجاب الذي لا ينقضي العجب منه حيث لما تحقق من كذبهم وإجرامهم لحبيب قلبه - يوسف عليه السلام - ما اكتفى إلا بقوله { {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} } [ يوسف:18 ]
    ففي هذه الآية ثلاثة جمل كل جملة فيها عبر ودروس كثيرة ولكن باختصارٍ شديدٍ أقول ما يلي: قوله : { { {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ } }
    فيه من الفوائد ما يلي:-
    ا اجتناب المرء الانصياع إلى ما تسوِّل به نفسه وإلا سيكون الإنسان أخيراً عابداً لنفسه فضلا عن أشياء كالقتل والنهب ونحوها كما وقع للسامري حين عبد العجل بل صار إمام قومه في بدعة عبادة العجل ولما سأل عن ذلك لم يجد عذرا آخر إلا قوله { {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} } [ طه: 96 ]
    ب قوله تعالى { {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} } جملة مكونة من كلمتين ولكن معناها عظيمة وتطبيقها أعظم وأعسر , فالصبر الجميل هو الذي لا شكاية معه إلا لله سبحانه بل ولا صياح ولا نياحة ولا غضب ولا انتقام ولا سب أو شتيمة أو لعن ولا ضرب أو قتل أو غير ذلك , إنه صبر من الصِبر ولكنه جميلٌ أجمل وألذ من العسل في عاقبته.
    وفي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها " ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلا زانَه ، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانَه " أخرجه مسلم (2594) باختلاف يسير
    وإنما كان الرفق زينة لصاحبه وتغمره المحبة لمن حوله لكونه تحلى أصلا بصبره الجميل, ومن لم يتحل بالصبر الجميل فبلا شكٍ يكون عنيفاً ثم الشين والقبح له!.
    ج – قوله تعالى { {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} } سبحان الله, ما استعان إلا بربِّه على ما اتَّصف به بنوه, وهذا هو الركن الثالث للصبر .
    فالأركان حسب تقديري الآن كالتالي :أولا أن يكون جميلا أي لا شكاية معه ثانيا أن لا يستعين إلا بربه,
    فهذا هو الموقف المناسب لأبي الأسرة عند تربية أبناءه وهو أن يصبر ويستعين بربِّه بما اتَّصفت ذريته وأن يعظهم ويوجههم وينصحهم بالطبع.
    أما غير ذلك من أساليب العنف فقد تزيد لصاحبه الطين بلة وتزداد المحن شدة والمصائب بلايا وينسى المرء الاستعانة بربِّه والتوكل عليه فما الخير الذي يُنتظر بعد ذلك؟!.
    وإنما هذ طبعا أخلاق الفضلاء الكبار ألا وهم الأنبياء ولنا فيهم أسوة لقوله تعالى { {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} } [ الأنعام:30 ] , والله أعلم.
    الفقير إلى عفو ربه ورحمته
    عبد الفتاح آدم المقدشي


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته





    قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته:المقال الثاني


    عبد الفتاح آدم المقدشي




    {بسم الله الرحمن الرحيم }

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
    أما بعد
    فقد سبق وأن تكلمت في المقال السابق في قصة يوسف عليه السلام كيف كاد له إخوانه وكيف أوقعوه في غيابت الجب مع أن عناية الله ترعاه, وقد أوحى الله إليه أنه سينبِّأنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون, وكيف صبر لهم أب الأسرة واستعان بربه عزَّ وجلَّ, ولكن سأنبِّه هنا في هذا المقال أن فضيلة تجميع الأسرة الصغيرة من المجتمع إشارة إلى فضيلة تجميع الأسرة الكبيرة للمسلمبن.
    فبلا شكٍ إذا كانت لبنة البيت قوية ومتينة فسيكون البيت قويا ومتينا لا محالة , أما إذا كانت لبنة البيت ضعيفة هشة فسيكون البيت لينا ضعيفا هشاً.
    وهكذا إذا كانت لبنات المجتمع أي أسر المسلمين ضعفاء لا أقوياء بالتوحيد والإيمان والأعمال الصالحات فسيكون المسلمون المجتمعون ضعفاء لا قيمة لهم أبدا في اجتماعهم لو اجتمعوا أصلا وأمكن تماسكهم.
    ثم أخذ المسافرون يوسف – عليه السلام - فاشتروه بثمن بخس من رجل عزيز فضمه إلى أسرته قائلا لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون.
    وقد جرت سنة الله في القرآن الإيجاز ولكننا نرى أن الله سبحانه قد أطنب هنا في وصف شراء يوسف عليه السلام ففصَّله تفصيلا , ولذلك لم يقل وشروه بثمن بخس فحسب بل قال أيضا دراهم معدودة بل قال وكانوا فيه من الزاهدين أي وهذا ما يدعوا للتعجب منه مع قيمة يوسف العظيمة عند الله وكل هذا إنما يُظهر عظمة يوسف عليه السلام ولو علم المسافرون قيمته لاحتفظوا به ولما شروه إلا بملأ الأرض ذهباً إن استطاعوا لكونه أكرم الناس.
    وقد وقع يوسف عليه السلام في الأسر والعبودية وهو أكرم الناس حيث هو نبي كريم وأبوه نبي كريم وجده نبي كريم .
    وهذا ابتلاء من الله عظيم مما يسحتق أن يُستعان بذلك بعد الله تقوى الله وصبرٌ عظيم, وطبعاً وهذا أصعب للشخص من السجن يقضي فيه مدة معينة ثم يخرج, إذ يوم واحد اهدرت كرامتك أهون لك حبسك سنة بدون إهانة او سنين فكيف أن تمضي سنين وسنين وأنت في هذه الحالة.
    وسنة الله جارية على الأرض والغلام مكرَّم على بركة الله من العزيز أي رجل ذو منصب رفيع لم يولد له فيتخذه ولدا عنده وعين الله ترعاه ويعلمه الله التأويل وسيمكنه في الأرض والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
    ويستفاد من ذلك من الدروس أن لا يحقر أحد لجنسه أو لقة ماله أو لغيره من الأحوال فعن أبي هريرة رضي الله عنه " «رُبَّ أشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبْوابِ، لو أقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ» . " رواه مسلم رحمه الله يرقم 2854
    فقد أكرمه الله في نهاية القصة حيث جعله الله على خزائن الأرض بما علَّمه الله من تأويل الرؤيا ولتقواه ولصبره على الطاعة وعن المعصية وعلى المصائب ولكونه من المحسنين, { {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ } } [ النحل: 30 ]
    أما ما جرى بينه وبين امرءة العزيز فهو أيضا ابتلاء آخر عظيم, وإنما يظهر لمعان الذهب وصفائه بعد تفتينه وتعريضه على النار, فقد كان معدن يوسف عليه السلام الداخلي من جوهرة ثمينة.
    فقد ظهر ذلك عندما طلبته امرءة العزيز وغلقت عليه الأبواب وقالت هيت لك ولكنه استعان مع صبره وتقواه الأمور الآتية :-
    أولا: قال معاذ الله . نعم لا يستحق مثل هذا الموقف الرهيب إلا بالاستعصام بالربِّ جل وعلا وحده إذ هو المنقذ وحده من كل أمرٍ عسيرٍ.
    وقد أقرت له امرءة العزيز له ذلك حيث قالت. { {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} } [ يوسف: 32 ]
    ثانياً : الوفاء لربِّ البيت لقوله : { {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } } [ يوسف: 23 ]
    وقد سبق وأنِّي قلت : أن معدن يوسف عليه السلام من جوهرة ثمينة فهو كريم ووفيٌّ في نفس الوقت , فقد أحسن سيده مثواه فكيف يلوث فراشه وهو أكرم بهذا الكرم العظيم الباهر بل جعله بمثابة إبنه فكيف إذا يتعدى عليه وعلى حرماته.
    ثم قال { {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } } [ يوسف : 23 ]
    وهذا هو درسٌ عظيمٌ للخائنين والغاشين ولكل مخادع ظالم بأنه لا يفلح في دنياه ولا في أخراه كما لا ينعم بالحصول بكل ما هو مرغوب وبالنجاة من كل ما هو مرهوب .
    أما قوله تعالى { {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } } هناك ما يسمى هواجس النفس والخطرات وهي التي لا يؤاخذ بها خصوصاً إذا لم يكن معها حركة وإرادة للشيء من القلب أو من الجوارح أما الهم فهو الذي معه حركة إلى الفعل فلو أمسك ولم ينفذ ما قصده فلا ويؤاخذ به إن شاء الله كما في الحديث الصحيح عن الأحنف بن قيس : " «خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هذا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فَقالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يا أَحْنَفُ؟ قالَ: قُلتُ: أُرِيدُ نَصْرَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَعْنِي عَلِيًّا، قالَ: فَقالَ لِي: يا أَحْنَفُ ارْجِعْ، فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إذَا تَوَاجَهَ المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ قالَ: فَقُلتُ: أَوْ قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، هذا القَاتِلُ، فَما بَالُ المَقْتُولِ؟ قالَ: إنَّه قدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» .
    [أخرجه البخاري رحمه الله (6875)، ومسلم رحمه الله (2888)] واللفظ له .
    أما قوله تعالى { لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } فقد قال الشيخ السعدي رحمه الله : " فصبر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة " انتهى .[تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن ص: 396 ]
    قلت:وأرى الصواب – والعلم عند الله - أن هذا البرهان هو كما قاله الشيخ رحمه الله, ويؤيد هذا القول بأن التقوى والصبر الذي أنقذه الله بيوسف عليه السلام عن المرءة جاء دليله في آخر السورة حيث قال { {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } } [ يوسف : 90 ]
    فالتقوى والصبر هما الصفتان اللتان أنجاه الله به عليه السلام من المصائب كلها ورزقه بكرامة الله له في الدنيا والآخرة, فما أعظمهما من صفتان!.
    فقد أوصى الله بهما المسلمين مرتين في سورة آل عمران ومرة أنقذهما بهم هلاك محقق وأمدهم بملائكته كما قال تعالى { {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} } [ آل عمران: 120 ] وقال تعالى { {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } } [[ آل عمران: 186] وقال تعالى { { بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [[ آل عمران: 125)]
    والله أعلم والهادي إلى سواء السبيل.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته

    قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته:المقال الثالث


    عبد الفتاح آدم المقدشي


    {بسم الله الرحمن الرحيم}
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
    أما بعد
    فبلا شكٍ أن أهم أسباب جمع شمل الأسر إنما هو تجميعهم بالتوحيد والإيمان ثم بالطاعات كما هو الأساس الأهم والرئيس لتجميع الأسر كلهم لتجميع شمل المسلمين أجمعين كما يحبه الله ويرضاه.
    وأيضاً من أهمِّ ما في القصة العفة من الحرام كلِّه ومن الزنا خاصة.
    إذا ما كانت عفَّة يوسف عليه السلام إلا سببٌ عظيمٌ لتجميع أسرته في المستقبل.
    كما إنك ستلاحظ ذلك إذا أمعنت نظرك في قصة يوسف عليه السلام في سورة يوسف .
    فالنبي يوسف عليه السلام علَّمنا في قصته هذه كيف نتصرف ونثبت في الفتنة, خصوصاً إذا فشت فاحشة الزنا في المجتمعات فضلاً أن تقع الأسرة بمثل هذه القاذورات عياذا بالله من ذلك.
    وأيضاً من ثباته أنه خلوق أي ذو خلق رفيع حيث لم يكشف الأمر لمَّا فجأهم صاحب البيت, ولما كشفت المرءة عن الأمر وأسندت إليه اقتصر بأن يُدافع عن نفسه فحسب, ولم يقل: والله إنها فعلت كيت كيت وهي كذا وكذا فضلا من أن يسبَّها أو يتعصب عليها وقد اعتدت عليه وحاربته.
    ولما كادت عليه النسوة مرة أخرة استعصم يوسف عليه السلام ربَّه مرة أخرى قال تعالى :
    { { قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} " [ يوسف: 32 ]
    ولما ازادات النسوة الافتتان عليه وهدّدته امرءة العزيز بأن تسجنه إن لم يفعل ما تأمره ازداد ثباتاً واعتصاماً بربَّه وتضرُّعا له حتى قال عليه السلام : أن السجن أحب إليه مما يدعونه إليه كما قال تعالى { { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) } } [ يوسف: 33 – 34]
    وهو لم يدع من ربِّه الأمان من الحبس ولا ما قد يلحق منه كالضرب ونحوه أو تضييق آخر وإنما طلب من ربِّه الأمان من الفتنة بأن لا يميل إليهن ويكون بذلك من الجاهلين.
    وهو عليه السلام إذاً قدوة لكل من خاف العنت من العُزَّاب ونحوهم أو خاف الفتنة الشائعة بكثرة وما أكثرها في هذا الزمان بأن يدعوا بمثل هذا الدعاء حتى يحفظه الله ويعصمه من الفتن.
    ومن فائدة الاقتداء بمثل هذا الدعاء يظهر أن لا يأتي المرء بدعاء اخترعه من عند نفسه مبنية بالجهل حتى إنه ورد هذا السؤال في ضمن دروسٍ لشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لسنن أبي داود حيث قال السائل : ما حكم هذا الدعاء (اللهم لا تبتلنا فتفضحنا)؟
    الجواب: الإنسان يحرص على الأدعية الشرعية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأل الله عز وجل بأدعية الرسول عليه الصلاة والسلام، والشيء الذي فيه إشكال أو فيه شبهة يبتعد عنه، والإنسان إذا حرص على أن يأتي بشيء من عنده أو من عند الناس لا يأمن من العثور، ولا يأمن من أن يقع في أمر لا ينبغي، ولكن الشيء الذي فيه العصمة هو كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم. انتهى . من شريط 306
    سبحان الله , وأنت ترى أن هذا السؤال فيه قلة الأدب مع الله حيث ينسب السائل الشر إلى الله ثم يدعوا ربَّه بهذه الطريقة.
    ثم أعود من هذا الاستطراد إلى صلب الموضوع لأقول: أن يوسف عليه السلام كان مصونا من الوقوع على مثل هذا الأمر أصلاً للأسباب الآتية:
    السبب الأول: لأنه كان من عباد الله المخلَصين بفتح اللام إسم مفعول أي جعله الله مخلَصا لا يميل من الحق يمنة ولا يسرة كما وردت آيات كثيرة أن الله سبحانه يعصم عباده المخلَصين من إبليس لعنه الله وشروره وفتنه, وأيضاً قد جاء قراءة أخرى بكسر اللام { {المخلِصين} } ويكون المعنى هو من الموحدين المراقبين لربِّه في السر والعلن , وقد ظهر ذلك جداً لما ازدادت عليه الفتن فإنه إنما ازداد معها إخلاصاً لربِّه وخضوعاً له حتى دعا ربه بالتضرع فاستجاب الله له دعاءه فصرف عنه كيد النساء بأن حفظه في سجنٍ باطنه فيه الرحمه وظاهره من قبله العذاب كما كان يقول تماماً ابن تيمية رحمه الله مثل هذه الآية لما حبسوه في قلعة دمشق ظلماً وعدواناً.
    السبب الثاني: لأنه كان نبيٌ من أنبياء الله والأنبياء معصومون قبل النبوة وبعد النبوة حتى جاء في السير ولم أقف على صحة السند الساعة كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يسمر كما يسمر الشباب فترك صاحبه في الغنم ونزل إلى القرية ليستمع بعض الأناشيد التي يسمرون بها فالقي به النوم ولم يستطع أن يستمع منها شيئا, والقصة معروفة في السير ولكن ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل الحجارة مع عمه عباس فقال له : يا ابن أخي لو حللت ثوبك وأخذت به الحجارة ففعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم خر مغشيا عليه ولم ير بعد ذلك أبدا عريانا.
    أما الدروس المستفادة من القصة فكالتالي:-
    أولا: أن لا يُستخدم الرجال في البيوت كما فعل مثل هذا العزيز الذي قلَّت غيرته لامرءته, وليس كل الرجال كيوسف عليه السلام كما أن الفتنة واردة لكل الناس سواء كانوا مسلمين أو كفارا ولا شك أن في ذلك الأمر دياثة ظاهرة بلا شك.
    ثانيا: بالعفة يجمع الله لك شمل أسرتك , وبعدم العفة يُشتِّت الله عليك شمل أسرتك
    ثالثا: بالعفة يُعزُّك الله في الدنيا قبل الآخرة كما أعزَّ يوسف عليه السلام في آخر أمره, وبعدم العفة يذلك الله في الدنيا قبل الآخرة
    رابعاٍ: بالعفة يرزقك الله من حيث لا تحتسب كما رزق الله يوسف من حيث لا يحتسب وقد قال تعالى { {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} } [ الطلاق: 2- 3 ]
    خامسا: الثقة بالرب والتوكل عليه والاعتماد عليه تجعلك لا تضيع ولا تضل بحول الله وقوته كما ستمضي قدماً في السلوك في سبيل الصالحين ولو لقيت في طريقك الشدائد تلو الشدائد أو شعرت الوحشة فيها فإن عاقبتك ستكون محمودة كما سيكون بإذن الله جزاءك الحسنى أي الجنة, وستكون كذلك منصورا غالباً لا مغلوباً إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا.كما قال تعالى { {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} } [ الطلاق : 3 ]
    ومن ذا الذي بإمكانه أن يمنع أن يبلغ الله أمره وإنما جعل الله لكل شيء قدرا, ولكن الناس هم الذين يستعجلون ويجاوزون تجاوزات يمنعون بها على أنفسهم النصر والتأييد.
    والله أعلم والهادي إلى سواء السبيل.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته





    قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته: المقال الرابع


    عبد الفتاح آدم المقدشي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
    أما بعد
    فاعلم - رحمني الله وإياكم وأرشدنا إلى طاعته - أن هذه السورة كما جاء فيها فيصلة لبعض الأمور بتأويل الرؤيا وكذلك جاء فيها فيصلة لبعض الأمور بالقرائن.
    وقد فيصل الشاهد في القضية التي جرت بين يوسف عليه السلام وامرأة العزيز بالقرائن كما علمت ذلك في كتاب الله العزيز, حيث جعل المظلوم الصادق الذي اعتُدي عليه حيث كان قميصه قُدَّ من الدبر, وحيث كان قميصه قُدَّ من قبل فهو إذاً الظالم الكاذب المعتدي.
    وهذه الفيصلة كما ترى فيما احتفَّت حوله القرائن في قضايا منصوصة بالقرآن.
    ولكن اعلم أن هذه القضية الآنفة الذكر ليست وحيدة في القرآن وإنما هي كثيرة بل تجد أن في هذه السورة جاءت بأمورٍ كثيرة تدل على العمل بالقرائن إذا أمعنت فيها النظر كما يلي:-
    أولا: قرينة قميص يوسف الملوَّث بدمٍ كذبٍ والسليم من خدوش الذئب ومع ذلك جاء إخوة يوسف أباهم عشاءاً يبكون ومعتذرين بالأكاذيب التي افتروها للنجاة من الموقف, حتى عجب يعقوب عليه السلام من هذه الحالة, ويروى أنه قال : يا بني ما هذا الذئب الحليم الذي أكل ابني ولم يصب بأي خدشٍ في قميصه.
    ثانياً: فراسة الفتيين صاحبي يوسف في السجن كما في قوله تعالى: { {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } } [ يوسف: 36 ]
    وذلك لما رأوا منه عليه السلام حسن السمت والدين وحسن المعاملة والصدق ولين الجانب ونحو ذلك من الأخلاق الفاضلة الرفيعة, ولعله كان يصلي في السجن لدعاء إبراهيم عليه السلام { { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} { [ إبراهيم: 40 ] فعرفوا بذلك أنه من المحسنين وأنه من العلماء العاملين الذين يستأهلون أن يُستفتى بهم في مثل هذه الرؤيا.
    ثالثا: وضوح قرينة براءة يوسف عليه السلام عند الملك والجميع لما أبى عليه السلام إفراجه من السجن, لأنه لو كان ظالماً لم يُصر على تفتيش قضيته التي دخل لأجلها السجن وقضى فيها سنين عديدة ولبادر بالخروج ناجياً بنفسه وتوارى عن أعين الناس, ولذلك اعترفت المرءة هنا للضرورة بالمراودة التي حصلت منها بينما أنكرت في المرة الأولى كما سألهن الملك أي النسوة كلهن بقوله { {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} } [ يوسف : 51 ] فأقرَّ الملك عليهن بالإثم لتلك القرينة القوية التي أشرت إليها آنفاً , والخطب إنما هو الحالة العظيمة الشديدة.
    ثالثا: قرينة معرفة رجوع إخوة يوسف إلى يوسف عليه السلام لما أدخل بضاعتهم في رحالهم, وهو ما انتبه إليه العالم في هذا الزمان الماهر في التجارة وهو جذب الزبون بإهدائهم ببعض الهدايا ليعاودوهم مرات وتارات أخرى باستهلاك بضائعهم
    رابعا: قرينة الإصابة بالعين لمن خيف لهم ذلك, ولذلك خاف يعقوب عليه السلام على بنيه فأوصاهم أن لا يدخلوا من باب واحدٍ وأن يدخلوا من القرية من أبوابٍ متفرقةٍ, وذلك لكثرتهم أولا ولجمالهم الفائق ثانياً لكونهم إخوة أجمل رجل في خلق الله وهو يوسف عليه السلام
    خامسا: قرينة سرقة أخ يوسف فيما يظهر لأخوة يوسف طبعاً.
    هذه القرينة كما ترى كان فيها نوع من خداعٍ وكذبٍ لإخوة يوسف لإنقاذه من شرورهم كما هي معاملة كمعاملتهم الأولى والجزاء من جنس العمل إذ يجوز الكذب لمصلحة راجحة.
    أما قوله تعالى { { كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّ} هُ } [ يوسف: 76 ] أي هو نصر ليوسف عليه السلام لإنجاح عملية أخذ أخاه ليضمه إليه للحفاظ عليه . وهذه العملية أو الكيد كان محكما فهي تنمثل بما يلي:-
    أولا : جعل السقاية في رحل أخية
    ثانيا: اتهامهم بالسرقة
    رابعاً: تحكيم أنفسهم بأنفسهم وهو ما هو مصلحة ليوسف عليه السلام في أخذ أخاه ولو حكمهم في دين الملك ما أخده
    ولكن اعلم أن هذه القرينة من أضعف القرائن لمن احتفت حوله للأسباب الآتية:-
    أولا: لا شهود حين كان يأخذ السارق السرقة
    ثانياً: وجود المسروق عند من وجد عنده لا يعني أنه سارق ولذلك لا ينبغي الاستعجال عليه بالضرب أو بالحبس أو الإيذاء وإنما ينبغي استخباره من أين له هذا الشيء المسروق
    ثالثا: قد يستخدم بعض المجرمين أن يضعوا عند الناس بعض الأشياء الممنوعة كالمخدرات أو الأسلحة ليأخذوهم على غرة من قبل السلطات .
    فهذا بالطبع الظلم الواضح بينما كان مقصود كيد يوسف عليه السلام - بل وما كاد له الله بإلهامه بذلك - إنما كان لأجل إنقاذ المظلوم من أيدي إخوته الذين كادوه وظلموه سابقاً بإلقائه في غيابت الجب.
    فعلى العموم القرائن المحتفَّة حول الناس يُنظر فإن كانت ضعيفة كما بينَّا قبل قليلٍ وليس هناك أدلةٌ أخرى على إجرام المتَّهم فينبغي إذاً إطلاق سراحه.
    أما إذا كانت قوية فقد تُغني عن الشهود , كما جاء في قصة يوسف عليه عند إطلاق سراحه من قِبل الملك.
    أما إذا كانت القرائن قوية أو شبه قوية بل انضاف إليها شهود عدول أو إقرار أو اعتراف من المذنب فهذا طبعاً من أوضح الأحكام التي يطمئن به القاضي عند حكمه.
    أما ما يستفاد من القصة من الدروس والعبر فكالتالي:-
    أولا: - قد تقارف المرءة الخائنة لزوجها في خُفيةٍ ببعض الذنوب وهي تظن أنها لا يكشفها أحدٌ فتنكشف فجأة ببعض القرائن المحتفَّة حولها كما وقع لامرءة العزيز لكون الخيانبة لا خير فيها ولا بركة أبداً , وكذلك العكس بالنسبة للرجل.
    ثانيا: يوسف عليه السلام كان مستقيماً في حياته كلها لكونه كان في محنةٍ لذلك اجتهد في الطاعات وفي الاجتناب من المعاصي ليخرج من محنته وليلقى بأسرته مرة أخرى ولكن سبحان الله الناس المنتسبون إلى الإسلام في هذا الزمان في مشارق الأرض ومغاربها نراهم في هذا الزمان في محنة لأعدائهم ولكنهم مع ذلك في غفلة ويولغون في المعاصي بل يقعون في أكبر الذنوب التي لايغفره الله كالشرك ونحوه ثم يتكلمون عن وحدة الكلمة وأن يكونوا يداً واحدة على من خالفهم وهو العجب !!!
    لذلك نوصيهم أن يتوبوا إلى الله ليرفع الله عنهم المصائب وليعزَّهم بعد المذلة ولينصرهم بعد الهزيمة وليوحدهم بعد الفرقة.
    ثالثاً: يوسف عليه السلام كان في كل أحواله متضرِّعاً متعلِّقاً بربِّه معتصماً به يُرجع الفضل إلى الله ويتبرأ من حوله وقوته ولكن – للأسف الشديد – نرى كثيرا من الناس في هذا الزمان يرجعون الفضل لأعداء الله ليستنصروهم لبعضهم بعض الآخر وإذا جاعوا أو أصابهم القحط استغاثوا بهم بل إذا حكموا بعضهم بعض الآخر استشاروا بهم كيف يحكمون الناس فاقتبسوا من أحكامهم وطبَّقوها على المسلمين ليرضوهم بذلك مع أن الله أغنانا بكتابه العزيز الذي أنزله علينا من فوق سبع سموات لنحكم به أنفسنا ولنتَّخذه منهجاً يقود حياتنا كلها في السراء والضراء وفي السلم والحرب أو في الداخل والخارج أو في السياسة والاقتصاد والجيوش بل وفي كل شيء قال تعالى { {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } } [ محمد : 26 ] سبحان الله فكأن القرآن الذي أنزله الله في ذاك الزمان قبل ألف وأربعمائة سنة أنزل علينا اليوم إذا نظرنا كيف يخاطبنا في حالتنا الراهنة.
    إذاً فهؤلاء ارتدوا كما ترى أن قالوا لأعداء الله الذين كرهوا ما أنزل الله سنطيعكم في بعض الأمر فكيف إذا قالوا : سنطيعكم في كل الأمور , والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, فإنا لله وإنا إليه راجعون , والله يعلم إسرارهم وفي قراءة يعلم أسرارهم , فالله سبحانه لا تخفى عليه خافية بل يعلم السر والأخفى أي ما في قلوب كل الناس من الأسرار أو ما سيقولونه من الأسرار في المستقبل.
    والله أعلم والهادي إلى سواء السبيل

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •