-هذا المقال من شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
----------للاخ الفاضل ماهر عبدالحفيظ صفصوف -فقد أجاد وأفاد فى رد شبة المخالفين من ادعياء السلفية الذين صاروا على منهج داوود بن جرجيس فى إثارة الشبهات حول منهج علماء الدعوة النجدية - فقام الاخ الفاضل - ماهر عبدالحفيظ صفصوف - بتفنيد هذه الشبهه والرد عليها وقد اجاد وافاد وحرر منهج علماء الدعوة فى مسائل التكفير ورد شبهة المناوئين من ادعياء السلفية[بحذف الياء وتأخير الدال مكانها]-فى نسبتهم هذا الانحراف إلى المحقِّقين مِن أئمة الإسلام، فتتبَّعوا متشابهَ الأقوال والكتابات التي عندهم، وجعلوها أصولًا بنَوا عليها معتقدهم، ورموا مخالفَهم بشتَّى الألفاظ والأوصاف مِن تبديع وتضليل، ووصْف بالخارجية والتكفير، وتأوَّلوا وحرَّفوا كلَّ نصٍّ صريح مِن أقوال هؤلاء الأئمة، مما يستدلُّ به مخالفوهم مِن أهل السُّنَّة والجماعة- -فكان لزاما علينا الاهتمام بهذا المقال واعادة كتابته فى مجلس العقيدة لاهميته فى كشف شبهات المخالفين والمناوئين -
نقض شبهة استدل بها المخالفون من كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب
ماهر عبدالحفيظ صفصوف
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة مِن الرسل بقايا مِن أهل العِلم يدْعون مَن ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحْيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم مِن قتيل لإبليس قد أحيَوه! وكم مِن ضال تائه قد هدَوه! فما أحسنَ أثرَهم على الناس! وأقبحَ أثرَ الناس عليهم! يَنفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحالَ المبْطِلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مُجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير عِلم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهَّال الناس بما يشبِّهون عليهم، فنعوذ بالله مِن فتنِ المضلِّين
والصلاة والسلام على مَن أرسله الله تعالى بالوحي بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أقام حجة الله على الخلْق بالقرآن؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ ﴾ [الأنبياء: 45] وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 19]، فبلَّغ رسالة ربِّه على سَنَن مَن قبْله مِن الرسل؛ ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165].
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين. وبعد: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله يَبعَث لهذه الأمَّة على رأس كل مائة عام مَن يجدِّد لها دِينَها))
ولا ريب أن الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب هو مِن أعظم مجدِّدي هذه الأمَّة، وله الفضل بعد الله تعالى على هذه الأمَّة في قرونها الأخيرة؛ فقد أعلى الله به السُّنَّة، وقمَع الله تعالى به البدعة، نشَرَ التوحيد بعد أن كادتْ تندرس أعلامُه، وحارب الشِّرْك وأهْله، وكشف عوارهم، وفنَّد شبهاتهم بأدلة الكتاب والسُّنَّة، مستمِدًّا فهمَه مِن كلام سلف الأمَّة وعلمائها المحقِّقين، فأحيا به الله تعالى قلوبًا ميتة في زمن غربةٍ مِن الدِّين والعِلم. يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: وفي أثناء القرن الثاني عشر ظهر بنجد مِن أحبار الأمَّة وساداتها مَن يدعو إلى توحيد الله بالعمل والعبادة، وإفرادِه بالقصد والإرادة، ويجدِّد ما اندرس مِن أصول الملَّة وقواعد الدِّين، ودعا إلى مذهب السلف والأئمَّة السابقين، في إثبات صفات الله رب العالمين، ونفَى عن آيات الصفات وأحاديثها تأويلَ الجاهلين، وإلحادَ المحرِّفين، وزيغَ المبطِلين. قرَّر ذلك بأدلَّته وقوانينه الشرعية، وحكى نصوص الأئمَّة وإجماع الأمَّة؛ بالنقل عن العدول الأثبات، الذين عليهم مدار أحكام الدِّين في نقل أصوله وفروعه، وأجمعَت الأمَّة على هدايتهم ودرايتهم، حتى ظهر المذهب وانتشر، وعرَفه كثير مِن أهل الفقه وحذَّاق البشر، ومَن له نهمة في طلب العِلم والأثر، وقد كان قبل ذلك مهجورًا بين الناس، لا يَعرفه منهم إلَّا النُّزَّاع مِن الأكياس. وقرَّر توحيد العبادة بأدلَّته القرآنية، وبراهينه النبوية، ونهَى عن التعلُّق على غير الله مَحَبَّةً وإنابةً، وتعظيمًا وخوفًا، ورجاءً وتوكُّلًا، ونحو ذلك من أنواع التعلقات. وقرَّر أن هذا حق الله لا يَصلح لِسِواه مِن نبي أو ملك أو صالح أو غيرهم، وبسَط القول في ذلك وأطنَب وعلَّل، ومثَّل وجادل، وناضل، حتى ظهرَت الحجَّة، واستبانت المحجَّة، فاستجاب له مَن أراد الله هدايته، وسبقت له السعادة، وصدَّ عنه آخرون وعارَضوه بشبهات ترجع إلى شبهات إخوانهم وأشباههم الذين كفروا مِن قبل، وعارَضوا الرسل بجهلهم؛ ﴿ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ﴾ [البقرة: 118]
ويقول أيضًا: فمَحَا اللهُ بدعوته شِعار الشِّرْك ومَشاهِده، وهدَم بيوتَ الكفر والشرك ومَعابده، وكبَتَ الطواغيت والملحدين، وألزم مَن ظهر عليه مِن البوادي وسكان القرى بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والهدى، وكفَّر مَن أنكر البعثَ واستراب فيه مِن أهل الجهالة والجفاء، وأمَر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وترْك المنكرات والمسكرات، ونهى عن الابتداع في الدِّين، وأمَر بمتابعة سيد المرسلين والسلف الماضين، في الأصول والفروع من مسائل الدين، حتى ظهر دين الله واستعلن، واستبان بدعوته منهاج الشريعة والسنَن، وقام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحُدَّت الحدود الشرعية، وعزرت التعازير الدينيَّة، وانتصَب عَلَمُ الجهاد، وقاتَلَ لإعلاءِ كلمةِ اللهِ أهلَ الشرك والفساد، حتى سارتْ دعوته، وثبت نصحُه لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم، وجمع الله به القلوب بعد شتاتها، وتألَّفَت بعد عداوتها، وصاروا بنعمة الله إخوانًا، فأعطاهم الله بذلك مِن النصر والعزِّ والظهور ما لا يُعرف مثله لسكان تلك الفيافي والصخور، وفتح عليهم الأحساء والقطيف، وقهروا سائر العرب مِن عمان إلى عقبة مصر، ومن اليمن إلى العراق والشام، دانت لهم عربُها وأعطوا الزكاة، فأصبحَت نجد تُضْرب إليها أكباد الإبل في طلب الدين والدنيا، وتفتخر بما نالها مِن العزِّ والنصر والإقبال والسَّنا، كما قال عالم صنعاء وشيخها:
قِفِي وَاسْأَلِي عَنْ عَالِمٍ حَلَّ سُوحَهَا
بِهِ يَهْتَدِي مَنْ ضَلَّ عَن مَنْهَجِ الرُّشْدِ
مُحَمَّدٌ الهَادِي لِسُنَّةِ أَحْمَدٍ
فَيَا حَبَّذَا الهَادِي وَيَا حَبَّذَا المَهْدِي
لَقَدْ سَرَّنِي مَا جَاءَنِي مِنْ طَرِيقَةٍ
وَكُنْتُ أَرَى هَذِي الطَّرِيقَةَ لِي وَحْدِي
وقال عالم الأحساء وشيخها:
وهذا في أبيات لا نطيل بذكرها، وقد شَهِد غيرهما بمثل ذلك، واعترفوا بعِلمه وفضله وهدايته
لَقَدْ رَفَعَ المَوْلَى بِهِ رُتْبَةَ العُلَى
بِوَقْتٍ بِهِ يَعْلُو الضَّلَالُ وَيُرْفَعُ
تَجُرُّ بِهِ نَجْدٌ ذُيُولَ افْتِخَارِهَا
وَحُقَّ لَهَا بِالأَلْمَعِيِّ تَرَفُّعُ
وليس القصد في هذا المقام التعريف بالإمام رحمه الله، ولكن القصد في ذلك بيان أن كل منتسبٍ للسلف في عصرنا يترنم بحب الشيخ، ويفخر به، ويدينه دينًا؛ ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55].