من كتابي ((الإبداع في شرح الإقناع)) يسر الله إتمامه:
المشهور في المذهب الحنبلي كراهة دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله، إلا إذا احتاج إلى ذلك؛ كأن لم يجد من يحفظه، وخاف ضياعه.
وهو - أيضًا - مذهب الحنفية([1])، والشافعية([2])، ووجه عند المالكية([3]).
واستدلوا على ذلك بدليل وتعليل:
فأما الدليل: فحديث أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ»([4]).
وقد ثبت أنه منقوش عليه: «محمد رسول الله».
وهو حديث منكر، لا يثبت.
وأما التعليل: فقالوا: لا يدخل الخلاء بما فيه اسم الله تعالى إكرامًا، وتعظيمًا لاسم الله تعالى عن موضع القاذورات([5]).
والرواية الأخرى عن الإمام أحمد: لا يكره.
وهو مذهب مالك([6]).
قلت: وهو الراجح؛ لعدم الدليل على الكراهة.
قال الإمام مالك رحمه الله: «لم يكن من مضى يتحرز منه»([7]).
وقد مال العلامة ابن عثيمين إلى هذا القول؛ فقال رحمه الله: «لكن الأفضل أن لا يدخل؛ وفرق بين قولنا: الأفضل، والقول: إنه مكروه؛ لأنه لا يلزم من ترك الأفضل الوقوع في المكروه»اهـ([8]).
[1])) «البناية شرح الهداية» (1/ 745)، ط دار الكتب العلمية، بيروت.
[2])) «الحاوي الكبير» (1/ 158)، و«بحر المذهب» (1/ 137)، و«المجموع» (2/ 73).
[3])) «التاج والإكليل» (1/ 401)، ط دار الكتب العلمية، بيروت.
[4])) منكر: أخرجه أبو داود (19)، والترمذي (1746)، والنسائي في «المجتبى (5213)، وفي «الكبرى» (9470)، وابن ماجه (303)، والبيهقي في «الكبير» (449)، وغيرهم، من طريق همام بن يحيى، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس بن مالك ﭭ، به.
قال أبو داود عقبه: «هذا حديث منكر؛ وإنما يعرف عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس، أن النبي ﷺ اتخذ خاتمًا من ورق، ثم ألقاه؛ والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام»اهـ.
وذكر البيهقي كلام أبي داود عقيب الحديث، ثم أيده بقوله: «هذا هو المشهور عن ابن جريج، دون حديث همام».
وقال النسائي عقيبه في «الكبرى»: «وهذا الحديث غير محفوظ».
وقال الحافظ ابن حجر في «بلوغ المرام» (ص76): «معلول».
[5])) انظر: «التاج والإكليل» (1/ 401)، و«كشاف القناع» (1/ 59)، ط دار الكتب العلمية.
[6])) «النوادر والزيادات» (1/ 25)، ط دار الغرب الإسلامي، بيروت، و«الذخيرة» (1/ 202).
[7])) «الذخيرة» (1/ 202).
[8])) «الشرح الممتع» (1/ 114).