*بيان شيء من منهج الإمام الطبري في تصحيح الأحاديث في كتابه تهذيب الآثار/ من نفائس الألباني*

▪قال العلامة الألباني رحمه الله في "الضعيفة" (١٣/ ٦٨٨):

"أقول: .. كتاب ابن جرير "تهذيب الآثار"، *وقد تبين*لي من مطالعتي إياه*: *أنه متساهل في التصحيح نحو تساهل ابن حبان*!".

▪وقال في "الضعيفة" (٥/ ١٧٣):

*ثم إني لأعجب أشد العجب من أسلوب الإمام الطبري في تصحيح الأحاديث في كتابه* المذكور "تهذيب الآثار"، *فقد رأيت له فيه عشرات الأحاديث يصرح بصحتها عنده*،
*ولا يتكلم على ذلك بتوثيق، بل يتبعه بحكايته عن العلماء الآخرين تضعيفه*،
*وبكلامهم في إعلاله، ولا يرده، بحيث أن القارىء يميل إليهم دونه*!
فما أشبهه فيه بإسلوب الرازي في رده على المعتزلة في تفسيره؛ يحكي شبهاتهم على
أهل السنة، ثم يعجز عن ردها!".


▪وقال في "الضعيفة" (١٤/ ٢٤٥-٢٤٧):

"قال ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار:" (٣٧٥ - ٣٧٦/٦٨٥ - الجزء المفقود): حدثني أبو شرحبيل الحمصي قال: حدثنا إسماعيل عن عمرو بن دينار المكي به. قال: وحدثني أبو شرحبيل قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا إسماعيل عن ابن أبي حسين عن سعيد بن المسيب .. ".

*وقال الطبري عقبه*:

"وهذا خبر - عندنا - صحيح سنده، *وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً غيرصحيح*، لعلتين:

إحداهما: أنه خبر لا يعرف له مخرج عن طلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح إلا من هذا الوجه.

والثانية: أنه من نقل إسماعيل بن عياش، وفي نقل إسماعيل عن غير أهل بلده - عندهم - نظر "!

*كذا قال! وهذا أسلوب منه غريب اتخذه عادة يكرره بين يدي الأحاديث التي يسوق أسانيدها ويصححها، ويحكى عن (الآخرين) تضعيفهم إياها بعلل ينسبها إليهم*، *قد تكون قادحة أحياناً - كما هو الشأن هنا* - *ثم هو لا يدفعها، ولا يبين وجهة نظره في تصحيحه*!
فما أشبهه من هذه الحيثية ببعض علماء الكلام - كالفخر الرازي مثلاً - يحكي شبهة المعتزلة في بعض نصوص الصفات وتأويلهم إياها، ثم يسكت عنها ولا يردها! وقد كنت ذكرت هذا أو نحوه في تخريج حديت آخر من رواية الطبري، لا يحضرني الآن مكانه.

*ويرد على أسلوبه المذكور ما يأتي*:

*أولاً*: مما لا شك فيه أنه يعني بقوله: "الآخرين": علماء الحديث، فمن هم؟!
وهو ينسب اليهم أنهم يعلون الخبر - ولو كان صحيح الإسناد - بأنه لا يعرف الا من هذا الوجه! فإن المعروف عن العلماء في (علم المصطلح) - وعليه عملهم - أن تفرد الثقة بالحديث لا يعتبر علة، وقد أشار إلى هذا الإمام الشافعي بقوله المأثور عنه:
"ليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو غيره، وإنما هو: أن يروي حديثاً يخالف فيه ما رواه الثقات".
وطالما رأينا الإمام الترمذي يقول في عشرات الأحاديث:
"حديث صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه "، ونحوه. ومن ذلك قوله في الحديث المتفق على صحته: "انما الأعمال بالنيات ... ".
"حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري ".

*فما عزاه إليهم إذن غير صحيح*، إلا أن يكون عنى فرداً أو أفراداً منهم، فكان عليه أن يسميهم، أو على الأقل أن لا يطلق العزو إليهم.

*ثانياً*: لقد حكى عنهم أن في نقل إسماعيل عن غير أهل بلده نظراً، وهذا حق، فهو المعروف عن كبارهم - كالإمام أحمد، وابن معين، وابن المديني، ودُحيم، وعمرو بن علي، وكذا البخاري، والنساثي، ويعقوب بن شيبة، وابن عدي وغيرهم كثير -، كلهم ضعفوا حديثه عن غير الشاميين.

وإذا كان الإمام الطبري يرى أنه صحيح الحديث مطلقاً لا فرق عنده بين شامي وغيره، *فلا يسعنا إلا اتباع الأئمة المخالفين له، لأن معهم زيادة علم لم يقف عليه الطبري، ومن علم حجة على من لم يعلم، وبخاصة أنه جرح، وهو مقدم على التعديل*، وقد قال (دُحيم) - وهو من الحفاظ الشاميين العارفين بالمحدثين من أهل بلده -:
"إسماعيل في الشاميين غاية، وخلط عن المدنيين".

جمعه وانتقاه أخوكم فواز بن محمد رشيد الجزائري