التحلي بأخلاق القرآن وصفات عباد الرحمن(1)


مجدي محمد عطية


لكي نشغل وقت الأخوة والأخوات بالنافع والمفيد، خصوصا الطلاب أثناء أو بعد فترة الامتحانات، أقترح على الجميع مشروع الاهتمام بالقرآن الكريم، وأضع خطة للتخلق بأخلاقه، والعمل بصفات عباد الرحمن.
ونحاول أن نخطط أن نحفظ شهريا مجموعة من الآيات ونتحلى بالأخلاق التي دعت إليها، ونتخلى عن الأخلاق التي نهت عنها، وهذه ثمرة الحفظ، وهي السنة التي سار عليها الصحابة الكرام ،كما قال التابعي أبو عبد الرحمن السلمي: تعلمنا ممن يحفظونا القرآن آلا نتجاوز حفظ عشر آيات، حتى نعمل بها فتعلمنا العلم والعمل جميعاً. وكل منا يراقب نفسه ويحاسبها، وليس المطلوب التوسع في الشرح بل التركيز على التطبيق والعمل.
الآيات من 63ــ 67 من سورة الفرقان : بسم الله الرحمن الرحيم (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا {63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا {64} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا {65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا {66} وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا.
موضوع الآيات : الحديث عن أبرز صفات المؤمنين.
معاني الكلمات:
الهون : الرفق واللين.
غراماً: شديداً لازماً.
مستقراً: مكاناً للإقامة.
يسرفوا: يبذروا .
يقتروا: يبخلوا .
قواماً: وسطاً.
أثاماً: جزاء الإثم وهو العذاب.

المعنى الإجمالي:
تذكر الآيات الكريمات مجموعة من الصفات الكريمة التي يتصف بها المؤمنون, ذلك أن سورة الفرقان تضمنت الحديث عن بعض صفات الكافرين والتي كان منها رفضهم الاعتراف بالله الرحمن, ورفضهم السجود له سبحانه كما قال الله عنهم : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ) الفرقان :60.

تحدثت هذه الآيات عن النخبة المؤمنة التي آمنت بالرحمن، وأقرت بالعبودية له, فاستحقت بذلك هذا الوصف العظيم (عباد الرحمن) تشريفاً لهم وتكريماً.

المراد بعباد الرحمن في هذا المقام الصحابة الكرام ابتداءً، ثم يلحق بهم، وكل من اتصف بهذه الصفات من المؤمنين إلى يوم الدين؛ لأن الصحابة الكرام هم المثل الأعلى والقدوة الحسنى لمن جاء بعدهم من المؤمنين.

يمكن أن تقسم هذه الصفات التي وردت في الآيات إلى أربعة أقسام، ويندرج تحت كل قسم عدد من الصفات، وذلك على النحو التالي:

الأول : التحلي بالصفات الكريمة، وأول هذه الصفات التواضع، والذي يظهر من خلال السير في الطرقات والتعامل مع الناس، فالمؤمنون يحرصون على التحلي بالرفق و التدرب على اللين في حياتهم، ويلتزمون بآداب التعامل مع الآخرين.

وتأتي إلى جانب هذه الصفة: صفة أخرى لا تقل عنها أهمية وهي التي وردت في قوله تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) إنها صفة الإعراض والترفع على السفهاء الجاهلين؛ لأن المسلم قد يواجه في حياته أناساً يشتمونه ويؤذنوه لسوء خلق فيهم، وقد يكونون كفاراً أو فساقاً، فالأفضل لهذا المسلم أن لا يقابل الشر بالشر؛ بل يعرض عن هذه الفئة من الناس، ويقول لها: لن أجاريكم في هذا الأسلوب، اذهبوا في طريقكم كما قال الله تعالى في موضع آخر : (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) القصص : 55 .
لقد أمر الله تعالى بهذا التصرف لأنه يغلق باب الشر، ويحول دون انتشار النزاعات بين الناس، وتؤدي للتفرق والخصام، و لها أثار سلبية أخرى عديدة على نفسية المسلم، وعلى أخلاقه.

الثاني: الاستقامة على شرائع الإسلام: بعد أن ذكر الله تعالى صفتين لعباد الرحمن في النهار، ذكر صفة لهم في الليل وهي قيام الليل، روي عن التابعي الجليل الحسن البصري أنه كان إذا قرأ :(الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) قال : هذا وصف نهارهم ، وإذا قرأ :(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) قال هذا وصف ليلهم.

وقد كانت صفة قيام الليل من أبرز صفات الصحابة الكرام رضي الله عنهم حتى قال الله تعالى في شأنهم :(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) السجدة :32.

الصفة الرابعة: الخوف من الله تعالى: إن عباد الرحمن لا تغرهم أعمالهم الصالحة على أهميتها، فهم يدعون الله تعالى أن يبعد عنهم عذاب جهنم، وهذا يكون بتوفيقهم إلى العمل الصالح وتقبله منهم، وبإبعادهم عن العمل السيء.

إن عذاب جهنم رهيب شديد (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) أي دائم مستمر ؛ ولهذا ينبغي الإكثار من الاستعاذة منها, وهي أسوأ مكان ومستقر يقيم فيه الإنسان، سواء أكانت إقامة مؤقتة مثل إقامة العصاة من الموحدين, أو إقامة دائمة مثل إقامة الكفار.

الصفة الخامسة: الإنفاق: ذكر الله تعالى أن الإنفاق من المال صفة ظاهرة من صفات عباد الرحمن، ويكون هذا الإنفاق منهم باتزان، فلا يبالغون في هذا الأمر حتى يصل إلى حد التبذير والإسراف، وتجاوز الحد المعقول. وفي الوقت نفسه لا يفعلون عكس هذا الشيء أي لا يبخلون، ولا يحرمون أحداً يستحق المساعدة أو تقديم المعونة.

إن عباد الرحمن ينفقون أموالهم باعتدال (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) أي المنهج الوسط، وبهذا الأسلوب يدوم المال ويستمر النفع منه، وفي الوقت نفسه يتحقق النفع منه ولا يحرم المستحقون منه، وينبغي أن يعلم أن هذا التوجيه يتصل بالنفقات غير الواجبة؛ لأن النفقات الواجبة محددة المقادير، ولو زاد عليها فذلك حسن.

ما ترشد إليه الآيات:
1. بيان منزلة الصحابة الكرام عند الله حين وصفهم بأنهم عباد الرحمن، ويلحق بهم كل من تابعهم من المؤمنين.
2. الترغيب في التواضع و والحث على الرفق بالناس في شؤون الحياة.

3. بيان فضل التسامح بين الناس، و الحث على التنازل، والصفح، والعفو، وتفضيل عدم إثارة المشاكل، والعمل على إغلاق الأبواب المؤدية إلى الشر.

4. بيان فضل قيام الليل، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ " رواه الترمذي وغيره وهو في صحيح الجامع.

5. الترهيب من عذاب النار، وبيان أن المؤمنين الصالحين يكثرون من ذكر النار والاستعاذة منها، وهي قد تدفع لعمل الصالحات وترك المنهيات.

6. الدعوة إلى الوسطية والاعتدال في أمور الحياة، خاصة في مجال الإنفاق.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.