يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1 / 189) ، دار الكتب العلمية بيروت) :
(ثم انظر الحكمة البالغة في تركيب العظام قِواما للبدن وعِمادا له، وكيف قدرها ربُّهَا وخالقُها بمقاديرَ مختلفةٍ وأشكالٍ مختلفة ؛ فمنها الصغيرُ والكبيرُ، والطويلُ والقصيرُ، والمنحني وا لمستديرُ، والدقيقُ والعريضُ، والْمُصْمَتُ والْمُجَوَّف، وكيف ركب بعضها في بعض؛ فمنها ما تركيبه تركيبَ الذكر في الانثى، ومنها ما تركيبه تركيبَ اتصال فقط ، وكيف اختلفت أشكالُهَا باختلاف منافعها؛ كالأضراس، فإنها لما كانت آلةً للطحن جُعلت عريضةً، ولما كانت الأسنان آلة للقطع جعلت مستدِقَّة محددة، ولما كان الإنسان محتاجا إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه للتردد في حاجته لم يَجْعَلْ عظامَه عظما واحدا، بل عظاما متعددة، وجَعل بينها مفاصلَ حتى تتيسر بها الحركة، وكان قدرُ كل واحد منها وشكلُه على حسب الحركة المطلوبة منه، وكيف شد أسر تلك المفاصلِ والأعضاءِ وربط بعضها ببعض بأوتارٍ ورباطاتٍ أنبتها من أحدِ طَرَفَيِ العظم، ولصق العظم بالطرف الآخر كالرباط له، ثم جعل في أحد طرفي العظم زوائدَ خارجةً عنه، وفي الآخر نُقَرا غائصة فيه موافقة لشكل تلك الزو ئد؛ ليدخل فيها وينطبق عليها، فإذا أراد العبد أن يحرك جزءا من بدنه لم يمتنع عليه، ولولا المفاصل لتعذر عليه ذلك.