أشــرف اللغــات.. ومعانــاة التهميش!!

مؤمنة معالي




أشعر بأن العربية ما عادت تجد رواجاً ولا اهتماماً، وكان هاجسي أن يتقن طفلي نطق حروفها ورص الكلمات دون لحن أو إخلال، فهي لغة القرآن، ولا غرو أن شددت أحزمة الجد وبدأت أعلم صغيري كيف يصوغ الجمل صياغة صحيحة، إلا أنه وبدلا من التشجيع والتأييد اللذين كنت أنتظرهما بات المحيطون به من أقرباء وصديقات يتندرون بفعلي، وينصحونني بتوجيهه لتعلم الإنجليزية، فهي التي ستؤهله للحظوة بوظيفة مناسبة، والتواصل بشكل أوسع في كافة مناحي حياته القادمة!
ربما أشعر أنهم مخطئون لأني عشت سنين من حياتي بين معلقات الجاهليين ودواوين الأمويين!
هذا اقتباس من حوار دار بيني وبين هذه الأم، التي حاولت أن تنشئ طفلها بوصفه نموذجاً يحاكي نماذج تربية السلف لأبنائهم، لكنها باتت تعتقد أنها تفعل ذلك في المكان غير المناسب!!
كان يبهرني عندما أقلب صفحات مذكرات الأستاذ علي الطنطاوي، أو وريقات السباعي، وغيرهما ممن سلك درباً مشرقاً في القرن الماضي - قبل مائة عام فقط - يدهشني انكبابهم على قراءة الدواوين والقصائد الأدبية الرصينة وشروحها، وسهرهم الليالي بحثاً عن مصطلحات أعضلت عليهم، وهم ما زالوا في المراحل الإعدادية، ولم تكن هذه ضمن مقرراتهم الدراسية، بل كانت ثقافتهم التي يغذون عليها أرواحهم وملكاتهم.
أما الآن، فالحال ينعى تلك المصنفات كما نعى الزمان قراءها؛ إذ أصبح من النادر أن تجد من يتذوقها ويطالعها، وهذا نتيجة لقلة الاهتمام باللغة العربية وتهميش دورها، من قبل المعلم والأسرة والمجتمع، فضلاً عن الأنماط المعيشية التي طرأت على الحال الآن، لكن هذا لا يزيد اللغة العربية إلا قدراً وأهمية، لا نقصاً وتهميشاً.
تروي التراجم عن عمر بن الخطاب ] أنه أمر أبي موسى الأشعري بضرب كاتبه سوطا وعزله للحنه في كتابته إحدى الرسائل، وكان ابنه عبد الله يضرب أبناءه إن لحنوا ويغلظ عليهم، وكذلك كان ابن عباس ].. هذا وهم يخطئون!!
فكيف بمن لا يتقنون أصلا ولا يجيدون!
أصبح جيل اليوم يكتب العربية بحروف (اللاتين) في محادثاتهم ومراسلاتهم، والكثير من مصطلحاته باتت مستوردة، وبات الاهتمام بالعربية الفصيحة أمرا مستبعدا إلا على المختصين بها أو الطلبة من أجل اجتياز الامتحان وفقط.
إن التعلق بلغات أخرى وتفضيلها على اللغة الأم يعد انسلاخاً من حضارة، وهو أمر مرفوض عالمياً، وقد تعارفت الشعوب والأمم التي تسعى للبقاء على التعلق والتمسك بلغاتها، وعلى التمسك بلهجاتها وإرثها الثقافي، فلماذا لا يكون هذا ديدن العرب وهم الأحق بذلك فلغتهم تشرف بنزول أقدس كتاب عُرف بلغتها؟!